كتب أدم خالد بعد هدوءٍ دام عدة أشهر، اندلعت اليومَيْن الماضيين معاركُ عنيفة مفاجئة بين قوات الحكومة السودانية والحركات المسلحة المتمردة بولايتي شمال وشرق "دارفور"، وأعلنت سلطات شمال "دارفور" اعتقال منسوبين لحركة "تحرير السودان" بقيادة "مناوي" في أحد الجبال بـ "كلمندو"، في إشارة إلى أن قواته هي المسئولة عن العدوان الأخير. وأعلن متحدثٌ باسم الجيش السوداني اندلاع قتال مع حركات مسلحة دخلت ولايتي شمال وشرق "دارفور" من دولتي ليبيا وجنوب السودان، وأضاف: "دخلت كلٌّ من المجموعتين في وقت مُتزامن من ليبيا ودولة جنوب السودان لشمال وشرق "دارفور"، وتصدَّتْ لهم القوات المسلحة وقوات الدعم السريع". الجديد في هذه المعارك أن القوات السودانية اكتشف أن مدرعات وأسلحة مصرية استخدمها هؤلاء المتمردون القادمون من ليبيا (مناطق يُسيطر عليها خليفة حفتر حليف مصر) وجنوب السودان (مناطق تُسيطر عليها قوات الحكومة المتحالفة مع مصر). ما هي دلالات التوقيت؟ توقيت الهجمات يُثير تساؤلات عديدة من عدة زوايا منها: (أولاً) وقوع الهجمات (التي صدّتها قوات التدخل السريع السودانية) في وقت نصحت فيه المخابراتُ الأمريكية الإدارةَ - رسمياً - برفع العقوبات في يوليو المقبل نهائياً، وأيّدها تقرير لجنة العلاقات الخارجية مشترطاً تحسُّن الملف الحقوقي أيضاً، يُثير تساؤلات حول مَن له مصلحة في إظهار السودان غير مستقر؟!. وجمَّدت الولايات المتحدة في يناير الماضي بشكل جزئي العقوبات الاقتصادية على السودان، ووضعتْ حزمة شروط ينبغي على السودان استيفاؤها بحلول يوليو للرفع الكامل للعقوبات، على رأسها وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية للمُتضرّرين من الصراع ومكافحة الإرهاب. (ثانياً): كما أن القيام بهذه الهجمات في نفس توقيت إعلان "الآلية الثلاثية من بعثة حفظ السلام (يوناميد)، التي تضم الحكومة السودانية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة: "تحسُّن الحالة الأمنية والإنسانية في كل ولايات دارفور بالكامل"، واتخاذها قراراً، أمس الإثنين، ببدء انسحاب قوات البعثة (20 ألف عسكري من مختلف الجنسيات) التي نُشرت عام 2008 تدريجياً من عدة مناطق بالإقليم، يُؤكّد أن الهجوم هدفه إظهار أن الاستقرار في "دارفور" لا يزال مُستبعداً. (ثالثاً): تصاعد الخلافات المصرية السودانية واتهام البشير لمصر باحتلال أراضي بلاده (يقصد حلايب وشلاتين) في لهجة جديدة، وغضب القاهرة من مواقف الخرطوم الأخيرة واتهامها بدعم معارضين، وردّ الخرطوم بأن القاهرة تأوي معارضين من "دارفور" على أراضيها؛ وَتَّر العلاقات بصورة أكبر. هل مصر متورطة أم هي مكايدة سودانية؟ إعلان الخرطوم عن استخدام المتمردين في هجماتهم مدرعات وأسلحة مصرية، دفع مسؤولاً حكومياً سودانياً للتلميح باتهام مصر بدعم الهجوم الأخير للمتمردين على ولايتي شمال وشرق "دارفور"، وجزم بأن "الهجوم هَدَفَ بشكل أساسي لتعطيل رفع العقوبات الأميركية عن السودان وخلق إحداثيات جديدة". وزاد الغموض عدم صدور تعليق رسمي عن الجانب المصري بخصوص ما جاء على لسان المسؤول السوداني؛ ربما تحسُّباً لوجود أدلة لدي الجانب السوداني؛ وربما لعدم التصعيد. فقد ذكر مُفوّض الرئيس السوداني للاتصال والتفاوض مع مسلحي دارفور (أمين حسن عمر)، في مؤتمر صحفي، الإثنين أنه "من المعلوم أن مصر تدعم ليبيا عسكرياً بجانب جنوب السودان، وإذا سُئلت واتُّهمت بدعمها للمعارضة المسلحة تُجيب بأنها دعّمت فعلياً ليبيا والجنوب بالسلاح، ولكن إذا تسرَّب السلاح إلى جهة أخرى فإنها غير مسؤولة"؟!. وتابع: "المبررات من حيث الشكل لا غبار عليها إلا أن صاحب العقل يُميّز"، في إشارة لاتهامه مصر بدعم التمرُّد في "دارفور" وليس مجرد وصول الأسلحة لهم عرضاً عبر "حفتر" أو حكومة جنوب السودان. وكان رئيس مكتب متابعة سلام "دارفور" "مجدي خلف الله" قال: "إن القوات المسلحة دمَّرتْ في المعارك الأخيرة مع حركات دارفور 23 سيارة تدميراً كاملاً بينها سيارات مُصفّحة ومدرعات"، قبل أن يُعلن مُفوّض الرئيس البشير أنها مصرية. مؤشرات عرقلة العقوبات إذا كان الهدف هو عرقلة رفع العقوبات الأمريكية من جهة، وعرقلة سحب القوات الدولية من "دارفور" التي طالبت السودان بسحبها عدة مرات، فقد نجح الهجوم الأخير رغم مؤشرات دحره في تحقيق بعض أهدافه. فقد حذَّرتْ بعثة حفظ السلام المشتركة في دارفور "يوناميد" من "نكسة فادحة" للاستقرار بإقليم "دارفور"، في أعقاب المعارك التي اندلعت اليومين الماضيين بين قوات الحكومة السودانية والحركات المسلحة بولايتي شمال وشرق "دارفور". وقال الممثل الخاص المشترك ببعثة "يوناميد"، "جيرمايا مامابولو": "إن البعثة قلقةٌ جداً ازاء هذه التطورات واعتبر ما حدث "نكسة فادحة" بعد التقدم المُحرَز تجاه السلام والأمن في دارفور". وبعد أن أعلن عن بدء سحب القوة الدولية أعلنت القوة الدولية أن أفرادها حول مواقع الاشتباكات في حالة تأهبٍ قُصوى، كما أوفدتْ دوريات تحقُّق وجمع معلومات من المناطق التي تحدّثت التقارير عن نشوب معارك فيها. وتقع المناطق التي شهدت الهجوم قرب الحدود مع جنوب ليبيا حيث قوات اللواء "خليفة حفتر" المتحالف مع مصر، والتي تستعين بهذه القوات المتمردة من "دارفور" في معاركها مع قوات ثوار ليبيا، ويُطلَق عليهم اسم "المرتزقة"، ويُعتقد أن "حفتر" يدعمهم كمقابل لخدماتهم في الحرب معه لاستعادة مناطق في جنوب ليبيا من أيدي الثوار. كما تتقاطع المناطق التي تعرّضت لهجوم في شمال "دارفور" مع حدود دولة جنوب السودان التي تأوي أيضاً حركات دارفورية متمردة منذ استقلالها عن السودان وتُناوش بهم الخرطوم، وتتلقى حكومة الجنوب أسلحة من مصر، لا يُعرَف هل تسرَّبت للمتمردين عرَضَاً أم سُلِّمتْ لهم رسمياً؟. الرَّدُّ المصري المنتظر على اتهامات الخرطوم ربما يُوضّح ما هو غامض، فهل يصدر أم تتجاهل القاهرة اتهامات الخرطوم؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة