مع فارق القياس،، دعوني أنقلّ مُقتطفات مما نُِشر مؤخراً
بقلم ،،(M.Doshka)بعنوان،،(الطب مهنة غير انسانية فلنتوقف عن تسميته بذلك حتى يستقيم الأمر)
(وذلك في معرض ما تم تناوله بشأن إزدياد حالات التعرض للأطباء خلال مُمارسة المهنة) ،،،
قبل فترة اتفتحت ونسة في قعدة عن ضغوط العمل ، صديقنا طبيب عمومي قال: لو عندك صديق واحد شكاي ، بيشحنك بطاقة سلبية لازم تتعامل معاها عشان ما تهلكك، خليك من انك تمرق كل يوم الصباح تنتظر ناس جاياك مخصوص عشان تشكي. مريض ورا مريض ، آخر كل يوم بعد المريض 85 او 86 بتحس بإكتئاب ، لدرجة بصحّي اولادي من النوم واحاول العب معاهم واهزر عشان راسي ما يطق.
لو ما عملتا كدا بطلع الصباح بضغوط امبارح.
كلامو حيرني ، أبداً ما كنتا بحس الطبيب البيعالجني متأثر بي ، بالعكس في أغلب الأوقات بحسهم باردين لدرجة مزعجة . بس طلع دا مجرد Interface مهني. بيهدئك انتا زاتك.
يعني حتى الحاجات المزعجة دي عندها دور في مسار العلاج.
بديت أسأل كل الأطباء البعرفهم عن جوانب الموضوع دا ، وما كان في نيتي أنشرو لولا دعت الضرورة.
ود عمتي . طبيب برضو ، قال لي : المكلف أكتر من الطاقة السلبية البتجيك من المريض ، إنك مُطالب أخلاقياً بالتفاعل والإحساس بكل مريض ، حتى لما يجيك المريض المشخص مرضو بنفسو ، ومعتبرك كاتب روشتة ما اكتر،البيقول ليك انا عندي ملاريا بعرفا لما تجيني ، او المريض المسئ وما مقتنع بالطب العلمي ، او المتكبر على الطب السوداني و المحلي ، او البيبحث عن اعراضو في الانترنت ويلقط ليهو تشخيص ما لايق أبداً بجغرافيتنا و عمرو و نوعو كذكر او انثى، ديل كلهم لازم تحترمهم ، وتسمعهم للآخر ، وتوافقهم تماماً على كلامهم الغلط دا ، حتى تقول (لكن).. و تطرح رأيك الصائب كإستدراك و نسخ لوجهة نظرهم.
الحاجة دي مكلفة نفسياً.. و حارة ، ومحتاجة سيطرة ثلجية على الاعصاب.
و أضاف: ملاحظ شلتنا بتاعت الكتشينة كلها أطباء؟
قلتا ليهو أيوة.
قال لي: ما تفتكر نحنا لامينا الطب كمهنة في الشلة دي. العكس تماماً ! ، الشي المشترك بيناتنا اننا فاهمين تعب بعض ، و كلنا ما عايزين نسمع كلمة طبية واحدة في الونسة ! عايزين نفرغ التعب دا و نمشي تاني يوم نضاف وخفيفين!
المحير اني سألتا أطباء ما بيعرفو بعض ، وصّلو لي نفس الإحساس ، كأنهم نفس الشخص. مثلاً:
كلهم قالو لي بنفس الكلمات ما معناه:
- وقتك التبقا طبيب ، أنسى تماما حاجة اسمها الساعة الداخلية .
الليلة تنوم الساعة 8 مساء. بكرة 12 ظهراً ،بعدو يومين ما تنوم ، تجي تنوم 3 ايام .
-وكمان لو بقيت On call . اتجنب أي برنامج بيبعدك ساعة عن المستشفى.
- وقتك التبقا طبيب استبدل سؤال (العيد متين) بسؤال (انا شغال متين). اكتر ناس بيفرق معاهم توضيح الرؤية وتثبيت العيد هم الأطباء و موظفي المرافق الصحية.
- أداء الواجب في الافراح والاتراح بينزل في جدولك زيو وزي أي موعد. ودا بيجيب اللوم ، و نادراً ما تتواجه الحاجة دي بالقبول والتفهم من الناس الحولك.
- الطبيب شغال 24 ساعة ، حتى لما تمشي زيارة شخصية في عرس او غيرو ، حتلقا نفسك بتشخص و تقدم استشارات و تضع مواعيد . بتبقا ما عارف الحدود وين بين كيانك كإنسان ، و مهامك كطبيب.
لما نقول الطب مهنة إنسانية ، بنكون قاصدين انسانية بالنسبة لمنو؟ للمريض؟ طبعاً انسانية.
بس للطبيب؟ . المهنة دي بتجردو من إنسانيتو. تماماً.
والمكتوب فوق دا هم متقبلينو تماماً بل بعضهم مستمتع بيهو و معظمهم فخور بيهو.
و انا لو ما لحوح في الأسئلة ما كان قالوهو أصلاً!
دي الضغوط المهنية يعني (ضغوط العمل) بس . اتخيلو معاي الصورة الكاملة ، لما تضاف الضغوط دي للمسؤوليات الشخصية وضغوط البيت و هموم الأولاد و المشاكل الأسرية و التوتر النفسي الطبيعي و هموم الدراسة والتطور والتحضير والمسائل المادية.
و مؤخراً جابت ليها عنف .
...
ودا سطر جديد.
- الجمعية الطبية الأمريكية (AMA) نشرت أبحاث بتقول فيها انو الأطباء و العاملين بالمرافق الصحية ، أقتبس: (يتعرضون بصورة منتظمة للخبط والضرب والخدش والسباب والتهديد والإساءة )
و بيقولو في البحث ان السبب المباشر لذلك ، اقتبس ( توقعات الأفراد عن الطب مرتفعة ) و تقول في سياق آخر (نأسف أننا نناقش إعتداء الأفراد على الأشخاص الذين يساعدونهم)
يعني العنف الموجه ناحية الطبيب الامريكي سببو ارتفاع توقعات الناس عن الطب الامريكي.! يا الله!ً.. نحنا كيف طيب؟
نحنا كدولة نامية و مهزوزة ، توقعاتنا عن امكانيات المؤسسة الطبية شنو؟
احكي ليكم عن الاطباء البيشترو قلفز من مرتباتهم؟ وللا الما عندهم مرتبات؟ ، وللا المرتباتهم ما بتكفي الترحيل؟
احكي ليكم عن الاطباء المجبرين يقدمو تبريرات ويقيفو في وش المدفع عشان في أجهزة معطلة ما لاقية صيانة؟
وللا عن الفحوصات البنعملها بطريقة بدائية في ايام ، لانو الجهاز البيعملها في دقائق غير متوفر؟
وللا عن الما لاقيين شغل؟
ودا كلو ما تبرير لأي تقصير ، لأني ما بمثلهم . وفي فترات طويلة بمثل المريض. بس كمريض محتمل.. عايز اعرف التوقعات المعقولة حدها وين.؟
ظاهر حدها بعيد جداً.
مدام وصلنا مرحلة لما يطعنو ولدنا ، نسيب بيت الطاعن ، ونكسر المستشفى.! تباً مجدداً!
مدام وصلنا مرحلة بندخل مستشفى بعد صف طويييل ، بس اول ما نعدي البوابة بنتخيل اننا المرضى الوحيدين.!
ونبدا القلق (المقبول جداً كقلق على عزيز) ونتجاوزو للشتم .
هنا كمان بيتطلب احكي ليكم عن الأطباء الشغالين في مستشفيات طاقتها الاستيعابية أكبر بكتير من عدد الاطباء الفيها. وللا مافي داعي؟
وللا عن احلامهم و توقعاتهم الشخصية ، الما اتحققت بمرتب ضعيف، ما هم زيكم برضو عايزين يبنو و يعرسو و يركبو عربية. وعندهم أسر كانت خاتة توقعات كبيييرة من اول يوم قبلوهم في الجامعة!
السبب الوحيد الذي يدفعهم لاحتمال مهنة مستهلكة ، شاقة و ماصة للدماء مثل هذه ، هو الإحترام المجتمعي والمرتبات الجيدة ، أو النوايا الطيبة وحب المهنة.
-المرتبات ، حدث ولا حرج.
- الإحترام ، ليس واقعاً . بل الآن نناقش قضية شئ أقل من الاحترام بكثير ، الا وهو الأمان .
أما النوايا الطيبة و حب المهنة ، واحلامهم الاتخرجو بيها ، لن يدوما إن استمرت المهانة.
EVERYONE HAS A BREAKING POINT.
موقف ورا موقف ، في واقع مادي مزري ، واستهلاك نفسي ما طبيعي. بتتحول المهنة الانسانية لوظيفة محتاج ليها موظف . و المبادئ الشخصية بتتحول لقوانين عمل. والأحلام لحسابات.
ولو حنسكت ونساعد على تردي اوضاعهم ، نستحمل النتايج دي لأنها حتمية و ما بإيدهم.
و وقتنا النقول عنها انسانية ، نضيف : انسانية بالنسبة للمريض بس.
( إنتهي الإقتباس)،،