|
Re: مقتطفات من كتاب الشرعة والمنهاج للباحث اب (Re: عثمان احمد شرف الدين)
|
(83) ابن قرناس يكشف شخصية زيد المذكورة في القرآن: هل تبنى الرسول زيد ابن حارثة ؟؟
كتب التراث تقول إن زيداً هو زيد ابن حارثة، ويوردون له نسباً وقصصاً مختلفة عن كيفية تبني الرسول له، نورد ملخصاً لها كما يلي:
نسبه في كتب التراث
يوردون لزيد نسباً طويلاً جداً يوصله إلى كلب ثم قضاعة ثم إلى قحطان.
كما يوردون لأمه نسباً مماثلاً يوصلها لطي ثم قحطان. وهذه الأنساب الطويلة والموغلة في القدم لا سبيل للتأكد من صحتها، كما أن إيرادها بهذه الدقة المبالغ فيها يجعل الشك يحوم حول اختلاقها، ولماذا اختلقت؟
ثم يصفونه بقولهم: "كان زيد رجلاً قصيراً، أسمرا، أفطس الأنف". وهذه الصفات تنطبق على رجل أسود من أصل زنجي، ولا يمكن أن تنطبق على رجل عربي سليم النسب لكلب فقضاعة ثم قحطان.
كيف حصل عليه الرسول
تقول كتب التراث إن حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة، وأهداه لخديجة، التي أهدته لزوجها محمد، الذي أعتقه ثم تبناه.
ومرة يقولون: إن حكيم ابن حزام ابن خويلد قد اشتراه من سوق عكاظ، وليس من الشام.
ومرة أخرى يقولون: إن الرسول هو من رآه بالبطحاء بمكة ينادى عليه ليباع، فأتى خديجة فذكره لها، فاشتراه من مالها، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه.
وبطبيعة الحال تتفق هذه القصص في أن الرسول حصل عليه كعبد ثم تبناه، وهذا يؤكد خرافة هذه الأقوال. لأن التبني لا يكون للعبيد، ولكن للأيتام ومعروفي النسب.
ولكي يتأكد القراء أن كل ما نقلته كتب الأخبار عن زيد ليس صحيحاً، وأنه ليس ابن حارثة، وأن تسمية زوجته بزينب بنت جحش ما هو إلا محض اختلاق، تعالوا نحلل بعض المعلومات التي قالوها عن زيد، مقتبسة من كتاب أحسن القصص:
يقولون إن زيد ابن حارثة مات سنة (8) للهجرة في معركة مؤتة، وعمره خمس وخمسون سنة. أي أن عمره عندما هاجر الرسول كان (47) سنة، وبما أن الرسول - حسب زعمهم - هاجر وعمره ثلاث وخمسين سنة، فإن فارق السن بين الرسول وزيد كان ست سنوات فقط .
وحسب زعمهم، فالرسول تزوج خديجة وعمره خمس وعشرون، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، أي عندما كان عمر الرسول خمسين سنة. والرسول تبنى زيداً، كما يقولون، في حياة خديجة، ولنقل قبل وفاتها بعامين. وكان عمر الرسول 48 سنة، وعمر زيد 42 سنة. فهل يعقل أن يتبنى الرسول رجلاً بعمر 42 وقريباً من سنه؟
وحتى لو افترضنا أن الرسول تبنى زيداً في السنة الأولى من زواجه بخديجة، أي عندما كان عمره 25، حسب زعمهم، فإن عمر زيد سيكون 19 سنة. أي أنه رجل بالغ عاقل.
وحتى لو كان رقيقاً واشتراه الرسول أو غيره وأعتقه الرسول، فلا يمكنه تبنيه وهو في تلك السن، لأن التبني يكون للأطفال، ولا يكون للرجال أبداً.
ولن نتتبع كل ما قاله الإخباريون عن زيد، ولن نسلم به، وما يهمنا من أمره، هو أن محمداً قد تبنى طفلاً في مكة. وتبني محمد للطفل زيد كان فعلاً غير منكر، في بيئة اعتادت على التبني، وقام بإلحاقه بنسبه، كما يفعل الناس. وأصبح يسمى زيد ابن محمد، واستمر كذلك منذ تبنيه في مكة، وحتى نزول سورة الأحزاب في المدينة.
وزيد ابن حارثة المشهور كان له ولد اسمه أسامة ابن زيد قد ولاه الرسول قيادة جيش لحرب الروم في آخر حياته، مما ينفي نفياً قاطعاً أن يكون الرسول قد تبناه في وقت من الأوقات لقرب سنه من سن الرسول.
كما أن زينب بنت جحش "المزعومة" من المسلمين القدماء وتقول كتب التراث إنها ولدت قبل البعثة وكان عمرها (33) عاماً عند هجرة الرسول. ولما تزوجها رسول الله كان عمرها يزيد عن (38) عاماً. أي كانت قد هرمت بمقاييس ذلك العصر، وتجاوزت نضارة الشباب، وقاربت سن اليأس.
مما ينفي أن تكون قد سحرت الرسول بجمالها كما زعمت كتب التراث. ولم يكن زواج الرسول بها زواج عجوز متصابٍ بفتاة يافعة، كما تحاول أن تصوره كتب التراث. ولكنه زواج رجل هرم بسيدة قاربت سن اليأس.
نقول هذا الكلام على سبيل الافتراض من أن زوجة زيد هي بالفعل زينب بنت جحش.
من هو زيد ابن محمد؟
نقول كتب التراث إن الرسول تزوج بخديجة بنت خويلد التي سبق وتزوجت قبله برجيلين أحدهما هلك ولم تنجب منه، واسمه عتيق بن عائذ من بني مخزوم. والآخر أنجبت منه واسمه أبو هالة. وقد اختلف في اسمه، فقيل هو زرارة وقيل نباش وقيل هند، وقيل غير ذلك. وقد أنجبت خديجة منه ولد تذكر كتب التراث أن اسمه هند.
وقال ابن الكلبي: أبو هالة هند بن النباش بن زرارة، كان زوج خديجة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له هند بن هند، وابن ابن ابنه هند بن هند بن هند. انتهى
وهذا التكرار في اسم هند يثير الريبة، ويضع احتمالاً ألا يكون ولد ابن أبي هالة اسمه هند.
وسنحاول في الأسطر القادمة التعمق أكثر في بعض الروايات، ونقول:
إن الأخبار عن أبي هالة زوج خديجة ضبابية وتم تعتيمها، لدرجة أن اسمه الأول ذكر فيه عدة آراء، منها: أنه نماش أو نباش أو زرارة أو مالك وقيل هند.
والتعتيم على حياة الرجل طال نسله من خديجة، فقيل إنه أنجب منها ولدين بينما أنجب منها الرسول أولاداً وبناتاً. ولو تساءلنا اين هم أولاد رسول الله من خديجة؟ لأجابت كتب التراث بأنهم: عبد الله والطاهر وأحياناً يضاف لهم غيرهم. وكلهم ماتوا وهم أطفال، بينما بقيت البنات.
والقرآن يؤكد أن الرسول لم ينجب من خديجة لا بنين ولا بنات. ولو كان قد أنجب فلن يعيره القرشي بالأبتر: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ(3) الكوثر.
وحتى لو افترضنا أنه لم يرزق من خديجة بأولاد ذكور وكان له بنات فقط، فلن يعيره القرشي بالأبتر التي تعني مقطوع النسب. لأن من ينجب بنات قد ينجب الذكور، ولأن القرشي لم يعيره بأنه أب للبنات، بل عيره بالأبتر مع وجود بنات خديجة. مما يعني أنهن لسن بناته صلوات الله عليه، ولكن ربيباته.
ويكون التعتيم على أبي هالة متعمداً.
وكتب التراث، فيما نقل الطبري، تقول: (تزوّج أبو هالة خديجة بنت خويلد، فولدت له هندا وهالة، رجلين فمات هالة، قال: فخلف عليها رسول اللّه وعندها ابن أبي هالة، هند، فأدرك هذا الاسلام، فأسلم، وحدّث عنه الحسن بن علي). فخديجة رزقت بولدين من أبي هالة، واحد اسمه هالة مات وهو صغير، والآخر "هند" أدرك الإسلام، وهو الذي وصف رسول الله للحسن ابن علي.
وهالة هذا يقول عنه صاحب كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة: (أخبرنا أبو موسى إجازة، أخبرنا أبو عدنان محمد بن أحمد بن المظهر بن أبي نزار وغيره قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله الضبي، أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا علي بن محمد بن عمرو بن تميم بن زيد بن هالة بن أبي هالة التميمي بمصر، حدثني أبي محمد، عن أبيه عمرو، عن أبيه تميم، عن أبيه زيد، عن أبيه هالة بن أبي هالة: أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو راقد، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فضم هالة إلى صدره، فقال: هالة ! هالة ! هالة !.)
وكان هذا وهالة طفل صغير.
والمؤرخون وكتاب السير يكادون يجمعون على أن خديجة لم تنجب سوى ولد واحد من أبي هالة، فهل هذا يعني أن هالة هو ذاك الطفل وهو الذي يسمى أحياناً هنداً.
وهالة قد لا يكون اسمه، ولكن المؤرخين ظنوا أنه اسمه لأن لقب والده "أبو هالة" فظنوا أنه سمي بأبي هالة لأن له ولداً اسمه هالة. وهذا قد يكون أصبح سارياً في عصور لاحقة، لكن في الجاهلية وعصر الرسول كان الرجل يلقب باسم ليس بالضرورة أن يكون له ولد يحمل نفس الاسم، مثل أبي طالب، أبي بكر، وغيرهما كثير.
ويكون هالة ابن أبي هالة هو هند ابن ابي هالة وهو الولد الوحيد لخديجة، ولكن بما أن البعض نقل إن اسمه هالة والبعض ذكر أن اسمه هند قال بعض المؤرخين إن خديجة أنجبت ولدين من أبي هالة، واحد مات صغيراً وهو هالة بينما أدرك الإسلام أخوه هند. ويكون هالة الذي ضمه الرسول لصدره هو الولد الوحيد لخديجة، وكان طفلاً صغيراً بعدما تزوج الرسول بخديجة. أي أن أبي هالة قد توفي وابنه مولود حديثاً وبقيت بعده خديجة عاماً أو عامين ثم تزوجت الرسول.
وهذا الطفل هالة، كان يلقب بالطاهر، كما ورد في ترجمته في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب: (الطاهر بن أبي هالة أخو هند وهالة، بنو أبي هالة الأسيدي التميمي، حليف بني عبد الدار بن قصي، أُمّه خديجة زوج النبي). وذكره ابن ألأثير في أسد الغابة، وجاء ذكره في الإصابة أيضاً، وذكره البغوي أيضاً ضمن ترجمته لعبيد ابن صخر ابن لوذان.
وهذا يجعلنا نقول إن الطاهر الذي قيل إنه ابن رسول الله من خديجة هو لقب ولد خديجة من زوجها أبي هالة، والذي اختلف في اسمه هل هو هالة أو هند؟ أو كما نظن أنه زيد.
ويكون الولد الوحيد لخديجة من أبي هالة هو أصغر أولادها منه، وبالتالي ففاطمة أصغر بنات خديجة تكبر أخاها الذي سمته كتب التراث هالة أو هنداً.
وفاطمة تقول كتب التراث إنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين، وسنفترض أن أخاها ولد بعدها بسنتين وفي نفس السنة أو التي تليها توفي أبو هالة، أي قبل البعثة بسنتين أو ثلاث. وتزوجها الرسول في نفس السنة أو التي تلتها، أي قبل البعثة بثلاث سنوات أو سنتين. وكانت تعيش مع بناتها الأربع من أبي هالة وولدها.
وولد خديجة من أبي هالة الذي تسميه كتب التراث (هنداً، أو هالة وتلقبه بالطاهر) تربى في حجر الرسول. ويروي أبو عبيدة أن الرسول قد صحب ربيبه هذا معه ومع أبي بكر عندما خرج من مكة مهاجراً. وأنه بعدما وصل لغار ثور أمره بالرجوع إلى مكة . وقد قتل مع علي يوم الجمل، ومات ابنه هند بالبصرة. وجاء في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني:
أخرج الزبير بن بكار والدولابي من طريق محمد بن الحجاج عن رجل من بني تميم قال رأيت هند بن هند بن أبي هالة وعليه حلة خضراء فمات في الطاعون فخرجوا به بين أربعة لشغل الناس بموتاهم فصاحت امرأة واهند بن هنداه وابن ربيب رسول الله قال فازدحم الناس على جنازته وتركوا موتاهم.
كما جاء في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: أخبرني خلف بن القاسم، ثنا الحسن بن رشيق، حدثنا الدولابي، نا أبو بكر الوجيهي أنا جعفر بن حدان قال: حدثني أبي، عن محمد بن الحجاج، عن رجل من بني تميم قال: رأيت هند ابن هند بن أبي هالة بالبصرة وعليه حلة خضراء من غير قميص، فمات في الطاعون، فخرجوا به بين أربعة لشغل الناس بموتاهم، فصاحت امرأة: واهند بن هنداه وابن ربيب رسول الله، فازدحم الناس على جنازته، وتركوا موتاهم، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى. انتهى.
هند هذا كان ربيباً لرسول الله لأنه ابن زوجته. ومن المعتاد حينها أن ينسب الربيب لمن تربى عنده، وقد يكون الناس يسمونه ابن محمد.
كما أن خديجة لديها أربع بنات بجانب الصبي مما يجعل حاجة الرسول لتبني طفل إضافة لابن وبنات خديجة غير موجودة ولا حاجة لها.
وهند ربيب رسول الله وابن زوجته هو من كان يتفوق على غيره في وصف هيئة وسلوك رسول الله. فقد جاء في المعجم الكبير للطبراني قوله:
حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، ثنا جميع بن عمر العجلي، قال: حدثني رجل بمكة، عن ابن أبي هالة التميمي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا عن حلية النبي -صلى الله عليه وسلم - وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به. فقال: كان رسول الله فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر. أطول من المربوع، وأقصر من المشذب.
عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا، يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره. أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب. أقنى العرنين، له نور يعلوه. يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان. دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة. معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر. عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس. أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط. عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر. طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف.
خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء. إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا. ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب. وإذا التفت التفت جميعا. خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء. جل نظره الملاحظة، يسبق أصحابه، يبدر من لقيه بالسلام". قلت: صف لي منطقه. قال: " كان رسول الله متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكت. يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم. فصل، لا فضول ولا تقصير.
دمث، ليس بالجافي ولا المهين. يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا، لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها. فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له. لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها. إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى. وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه. جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام". انتهى
وسؤال الحسن ابن علي لخاله عن صفات الرسول يؤكد أن الخال كان قريباً من الرسول، قرب الابن من والده .
ألا يكون هند هو زيد المذكور في سورة الأحزاب، وقد تم تغيير اسمه في عصور الفتن والظلمات عمداً، لكيلا يعلم الناس أن بنات وولد خديجة من ذرية ابن أبي هالة ولم تنجب من الرسول. ولا يمكن أن نحسن الظن هنا ونقول إنه قد يكون اشتبه الأمر على كتبة التراث فظنوا أن اسم ابن أبي هالة –الزوج السابق لخديجة – هو هند وليس زيداً. وأنه هو من أصبح ابناً للرسول بالتبني بحكم زواجه بأمه خديجة.
ونقول إننا لا نحسن الظن، لأنه قد يحدث أحياناً أن يسمى الولد باسم والده فيقال سيف ابن سيف، لكن لم يحدث أن سمي رجل باسم والده وسمى ولده باسمه، كما تقول كتب التراث عن أبي هالة أن اسمه هند، وأن اسم ابنه من خديجة كان هنداً، وأن هنداً هذا أنجب ولداً سماه هنداً. هذه ليست صدفة ولم تحدث، ولكنها فبركة لكي يتم ترسيخ أن من تتحدث عنه سورة الأحزاب على أنه ابن للرسول بالتبني ليس له علاقة بابن خديجة ربيب الرسول وابنه بالتبني. وذلك بالإصرار على تسميته هنداً لينسى الناس اسمه الحقيقي وهو زيد. فيكون هند ابن أبي هالة هو زيد ابن ابي هالة.
ويكون زيد القرآن هو هند كتب التراث، وهذا يزيل الريبة حول تكرار اسم هند من الأب للابن للحفيد كما ذكر ابن الكلبي، في ظاهرة لم تتكرر. ويكون اسم ابن الرسول بالتبني هو زيد ابن هند أبي هالة، الذي قتل مع علي ابن ابي طالب يوم الجمل. وله ولد اسمه هند ابن زيد ابن هند أبي هالة، وهو الذي مات بالطاعون بالبصرة وبكت عليه المرأة.
ولو كان هذا ما حدث فإن تبني الرسول لزيد ابن هند أبي هالة سيكون طبيعياً لأنه ابن زوجته. أما لو كان زيد شخصاً آخر فإن الرسول ليس بحاجة لتبني طفل وهو يعيش مع زوجته خديجة التي لديها أربع بنات وولد، وكلهم يعتبرون أبناء للرسول.
وإن كان ما تقدم صحيح فإن ابن خديجة أصغر من كل بناتهاـ وهو ما يؤكد أنهن بنات لأبي هالة من باب أولى وليس للرسول.
لو هذا الكلام صحيحاً فكيف تأتي سورة الأحزاب وتقول:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{59}؟
وفي سنة الأولين اعتبرت أن للرسول بنات ولكنه رزق بهن من إحدى زوجاته في المدينة ورجحت أن تكون عائشة، وأن البنات توفين وهن صغيرات. ولكني الآن أرى أن قول الآية: "وبناتك" تعني بها بنات خديجة اللاتي يعتبرن بنات للرسول تجاوزاً كونهن ربيباته، والحديث هنا ليس لتأكيد نسبهن للرسول ولكن الخطاب هنا لتوجيههن ونساء المسلمين لاتخاذ بعض الاحتياطات وتحري الحشمة. بينما جاء تقرير أن زيداً ليس ابناً للرسول ولكنه متبنى، لأن الخطاب تقريري وتشريعي يؤكد أن التبني لا يعني أن يلحق الولد بنسب من تبناه.
وعندما نزلت سورة الأحزاب، كانت زينب وأم كلثوم وفاطمة على قيد الحياة، فيما توفيت رقية بداية الهجرة، حسبما ورد في كتب التراث.
ويكون الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرزق بذرية أبداً، وقد جاء القرآن يعزيه ويرفع من معنوياته في هذا المجال، ومن ذلك:
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا{59} الكهف.
--------------------------------------------------------- #بن_قرناس ابن قرناس احسن القصص - الشرعة والمنهاج
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات من كتاب الشرعة والمنهاج للباحث اب (Re: عثمان احمد شرف الدين)
|
(81) زواج النبي من (عائشة) وهي بنت 9 سنين كذبة كبيرة في كتب الحديث ..
كتب الصحفي الأستاذ إسلام بحيري مقالاً طويلاً في جريدة (اليوم السابع) العدد التجريبي الصادر في 15/07/2008 صدره بهذا العنوان ، ونحن ننشره هنا كمحاولة جديدة في معالجة بعض الوقائع الذائعة لورودها في البخاري ، في حين أن التحقيق العلمي يفندها وهي محاولة جديرة بالتقدير بصرف النظر عن سلامتها وصحتها ، لأن المهم هو المحاولة وإعمال الفكر ، وليس الاستخذاء لما جاء عن الآباء.
يتلقى الإسلام الكثير من الطعنات ، عبر تلك المناطق الجدلية كما يتعرض رسولنا الكريم للكثير من الافتراءات والاتهامات ، زوجاته وعلاقاته بالنساء والكثير من القصص عن طرق زواجه بهن وتعامله معهن ، الكثير من المغالطات التاريخية وعدم الدقة في الرويات يستغلها الكثيرون للهجوم على الإسلام ورسوله الكريم وتبقى أفواه علمائنا مغلقة على ما فيها من ردود علمية وعملية ، مكتفية فقط بتسفيه المنتقدين والتشكيك في نياتهم ، وحينما تظهر أصوات العقلاء لتدافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام مؤكدة بالتاريخ والروايات الموثقة عدم دقة الكثير من الرويات التي يأخذها البعض على الإسلام مثل رواية زواج النبي من السيدة عائشة وهي في عمر تسع سنين ـ تواجهها تلك العقبة المقدسة التي تقول بقدسية المناهج الفقهية القديمة ، وكتب البخاري ومسلم ، وتعصمها من الخطأ ، وترفض أي محاولة للاجتهاد في تصحيح روايتها حتى ولو كانت محل شك ، فهي العلوم وحيدة زمانها ، والتي لا تقبل التجديد ولا الإضافة ولا الحذف ولا التنقيح ولا التعقيب ولا حتى النقد .
بهذا المنطق يصمت علماؤنا أمام موجات الهجوم التي يتعرض لها الإسلام ورسوله ، وإن تكلموا يأتي كلامهم غير المنصف ، لأنه يأتي معتمداً على روايات قديمة تقول بقدسية المناهج القديمة ومعصوميتها من الخطأ ، و أن المسلمين من بعد القرن الرابع الهجري أصبحوا مخلوقات منزوعة العقل ، أصبحوا مسلمين من الفئة الثانية لا يقبل منهم الاستدراك أو النقد على ما قدمه العلماء الأوائل.
وهذا هو الحال مع الروايات الذائعة الصيت التي يكاد يعرفها كل مسلم ، والتي جاءت في البخاري ومسلم ، أن النبي (ص) وهو صاحب الخمسين عاماً قد تزوج أم المؤمنين (عائشة) وهي في سن السادسة ، وبنى بها - دخل عليها - وهي تكاد تكون طفلة بلغت التاسعة ، وهي الرواية التي حازت ختم الحصانة الشهير لمجرد ذكرها في البخاري ومسلم ، رغم أنها تخالف كل ما يمكن مخالفته ، فهي تخالف القرآن والسنة الصحيحة وتخالف العقل والمنطق والعرف والعادة والخط الزمني لاحداث البعثة النبوية ، والرواية التي أخرجها البخاري جاءت بخمس طرق للإسناد وبمعنى واحد للمتن - النص - ولطول الحديث سنورد أطرافه الأولى والأخيرة التي تحمل المعنى المقصود (البخاري - باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها):
حدثني فروة بن أبي المغراء: حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام ، عن ابيه ، عن عائشة قالت: ((تزوجني النبي وأنا بنت ست سنين ، فقدمنا المدينة... فأسلمتني إليه ، وأنا يومئذ بنت تسع سنين)).
بالاستناد إلى أمهات كتب التاريخ والسيرة المؤصلة للبعثة النبوية (الكامل - تاريخ دمشق - سير أعلام النبلاء - تاريخ الطبري - البداية والنهاية - تاريخ بغداد - وفيات الأعيان ... وغيرها الكثير). تكاد تكون متفقة على الخط الزمني لأحداث البعثة النبوية كالتالي:
البعثة النبوية استمرت (13) عاماً في مكة ، و(10) أعوام بالمدينة ، وكان بدء البعثة بالتاريخ الميلادي عام (610م) ، وكانت الهجرة للمدينة عام (623م) ، أي بعد (13) عاماً في مكة ، وكانت وفاة النبي عام (633م) بعد (10) أعوام في المدينة ، والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول تزوج (عائشة) قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام أي في عام (620م) وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحي ، وكانت تبلغ من العمر (6) سنوات ، ودخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أي في نهاية عام (623م) وكانت تبلغ (9) سنوات ، وذلك ما يعني حسب التقويم الميلادي ، أنها ولدت عام (614م) ، أي في السنة الرابعة من بدء الوحي حسب رواية البخاري ، وهذا وهم كبير.
نقد الرواية تاريخياً
(1) حساب عمر السيدة (عائشة) بالنسبة إلى عمر أختها (أسماء بنت أبي بكر - ذات النطاقين):
تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن (أسماء) كانت تكبر (عائشة) بـ (10) سنوات ، كما تروي ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينهما ، أن (أسماء) ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ (27) عاماً ، ما يعني أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام (610م) كان (14) سنة ، وذلك بلإنقاص من عمرها قبل الهجرة (13) سنة وهي سنوات الدعوة النبوية في مكة ، لأن (27 - 13 = 14 سنة) ، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من (عائشة) بـ (10) سنوات.
إذن يتأكد بذلك أن سن (عائشة) كان (4) سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة ، أي أنها ولدت قبل بدء الوحي بـ (4) سنوات ، كاملات ، وذلك عام (606م) ، ومؤدى ذلك بحسبة بسيطة أن الرسول عندما نكحها في مكة في العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها (14) سنة ، لأن (4 + 10 = 14 سنة) ، أو بمعنى آخر إن (عائشة) ولدت عام (606م) ، وتزوجت النبي (620م) ، وهي في عمر (14) سنة وأنه كما ذُكر بنى بها - دخل بها - بعد (3) سنوات وبضعة أشهر ، أي في نهاية السنة الأولى من الهجرة وبداية الثانية ، عام (624م) ، فيصبح عمرها آنذاك (14 + 3 + 1 = 18 سنة كاملة) ، وهي السن الحقيقة التي تزوج فيها النبي الكريم (عائشة).
(2) حساب عمر (عائشة) بالنسبة إلى وفاة أختها (أسماء - ذات النطاقين):
تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن (أسماء) توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة ، وهي مقتل ابنها (عبدالله بن الزبير) على يد (الحجاج) الطاغية الشهير ، وذلك عام (73هـ) ، وكانت تبلغ من العمر (100) سنة كاملة ، فلو قمنا بعملية طرح لعمر (أسماء) من عام وفاتها (73هـ) ، وهي تبلغ (100) سنة فيكون (100 - 73 = 27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية ، وذلك ما يتطابق كلياً مع عمرها المذكور في المصادر التاريخية ، فإذا طرحنا من عمرها (10) سنوات - وهي السنوات التي تكبر فيها أختها (عائشة) ، يصبح عمر (عائشة) (27 - 10 = 17 سنة) وهو عمر (عائشة) حين الهجرة.
ولو بنى بها - دخل بها - النبي في نهاية العام الأول يكون عمرها آنذاك (17 = 1 = 18 سنة) ، وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة (عائشة) عند الزواج من النبي ، وما يعضد ذلك أيضاً أن (الطبري) يجزم بيقين في كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد (أبي بكر) قد ولدوا في الجاهلية ، وذلك ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح ، ويكشف ضعف رواية البخاري ، لأن (عائشة) بالفعل قد ولدت في العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية.
(3) حساب عمر (عائشة) مقارنة (بفاطمة الزهراء) بنت النبي:
يذكر (ابن حجر) في (الإصابة) أن (فاطمة) ولدت عام بناء الكعبة ، والنبي ابن (35) سنة ، وأنها أسن - أكبر - من عائشة بـ (5) سنوات ، وعلى هذه الرواية التي أوردها (ابن حجر) مع أنها رواية ليست قوية ، لكن على فرض قوتها نجد أن (ابن حجر) وهو شارح (البخاري) ، يكذب رواية (البخاري) ضمنياً ، لأنه إن كانت (فاطمة) ولدت والنبي في عمر (35) سنة.
فهذا يعني أن (عائشة ولدت والنبي يبلغ (40) سنة ، وهو بدء نزول الوحي عليه ، ما يعني أن عمر (عائشة) عند الهجرة كان يساوي عدد سنوات الدعوة الإسلامية في مكة وهي (13) سنة ، وليس (9)سنوات ، وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الأضظراب الشديد في رواية البخاري.
نقد الرواية من كتب الحديث والسيرة
(1) ذكر (ابن كثير) في (البداية والنهاية) عن الذين سبقوا بإسلامهم:
((ومن النساء ...أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله يدعو في خفية ، ثم أمر الله عز وجل رسولهه بإظهار الدعوة)) ، وبالطبع هذه الرواية تدل على أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام (4) من بدء الثعبة النبوية ، بما يوازي عام (614م) ، ومعنى ذلك أنها آمنت على الأقل في عام (3) أي عام (613م) ، فلو أن عائشة على حسب رواية (البخاري) ولدت في عام (4) من بدء الوحي ، معنى ذلك أنها لم تكن على ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في عام (4) من بدء الدعوة ، أو أنها كانت رضيعة ، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة ، ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت في عام (4) قبل بدء الوحي أي عام (606م) ، ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام (614م) ، يساوي (8) سنوات وهو ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح للأحداث ، وينقض رواية البخاري.
(2) أخرج البخاري نفسه (باب - جوار أبي بكر في عهد النبي) أن (عائشة) قالت:
لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قِبَلَ الحبشة ، ولا أدري كيف أخرج البخاري ، هذا ، فـ (عائشة) تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين ، وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذَكَرَتْ ، وتقول إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم ، وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات.
والمؤكد أن هجرة الحبشة ، إجماعاً بين كتب التاريخ كانت في عام (5) من بدء البثة النبوية ما يوازي عام (615م) ، فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام (4) من بدء الدعوة عام (614م) ، فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة ، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحاً ، ولكن بالحساب الزمني الصحيح تكون (عائشة) في هذا الوقت تبلغ (4 قبل بدء الدعوة + 5 قبل هجرة الحبسة + 9 سنوات) وهو العمر الحقيقي آنذاك.
أخرج الإمام (أحمد) في (مسند عائشة): لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تتزوج ، قال: من ، قال: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً ، قال: فمن البكر قالت: أحب خلق الله إليك عائشة ابنة أبي بكر)) ، وهنا يتبين أن (خولة بنت حكيم) عرضت البكر والثيب - المتزوجة - سابقاً - على النبي فهل كانت تعرضهن على سبيل جاهزتهن للزواج سابقاً - أم تعرضهن على النبي على سبيل جاهزتهن للزواج ، أم على أن إحداهما طفلة يجب أن ينتظر النبي بلوغها النكاح ، المؤكد من سياق الحديث أنها تعرضهن للزواج الحالي بدليل قولها (إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً) ولذلك لا يعقل أن تكون عائشة في ذلك الوقت طفلة في السادسة من عمرها ، وتعرضها (خولة) للزواج بقولها: (بكراً).
(4) أخرج الإمام (أحمد) أيضاً عن (خولة بنت حكيم) حديثاً طويلاً عن خطبة عائشة للرسول ، ولكن المهم فيه مايلي:
((قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه ، ووالله ما وعد أبو بكر وعداً قط فأخلفه ... لعلك مصبى صاحبنا)) ، والمعنى ببساطة أن (المطعم بن عدي) وكان كافراً قد خطب (عائشة) لابنه (جبير بن مطعم) قبل النبي الكريم ، وكان (أبو بكر) يريد ألا يخلف وعده ، فذهب إليه فوجده يقول له لعلّي إذا زوجت ابني من (عائشة) يُصبى أي (يؤمن بدينك) ، وهنا نتوقف مع نتائج مهمة جداً وهي:
لا يمكن أن تكون (عائشة) مخطوبة قبل سن (6) سنوات لشاب كبير - لأنه حارب المسلمين في بدر وأحد - يريد أن يتزوج مثل (جبير) ، كما أنه من المستحيل أن يخطب (أبو بكر) ابنته لأحد المشركين وهم يؤذون المسلمين في مكة ، مما يدل على أن هذا كان وعداً بالخطبة ، وذلك قبل بدء البعثة النبوية يقيناً.
(5) أخرج البخاري في (باب - قوله: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) عن (عائشة) قالت: ((لقد أنزل على محمد بمكة ، وإني جارية ألعب ((بَلِ السَّاعّةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمرُّ)) ، والمعلوم بلا خلاف أن سورة (القمر) نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحي بما يوازي (614م) ، فلو صدقنا رواية البخاري تكون (عائشة) إما أنها لم تولد أو أنها رضيعة حديثة الولادة عند نزول السورة ، ولكن (عائشة) تقول (كنت جارية ألعب) أي أنها طفلة تلعب ، فكيف تكون لم تولد بعد؟ ولكن الحساب المتوافق مع الأحداث يؤكد أن عمرها عام (4) من بدء الوحي ، عند نزول السورة كان (8) سنوات ، كما بينا مراراً وهو ما يتفق مع كلمة (جارية ألعب).
(6) أخرج البخاري (باب - لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها) قال رسول الله:
((لا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا يا رسول الله: وكيف إذنها قال أن تسكت)) ، فكيف يقول الرسول الكريم هذا ويفعل عكسه ، فالحديث الذي أورده البخاري عن سن أم المؤمنين عند زواجهما ينسب إليها أنها قالت كنت العب بالبنات - بالعرائس - ولم يسألها أحد عن إذنها في الزواج من النبي ، وكيف يسألها وهي طفلة صغيرة جداً لا تعي معنى الزواج ، وحتى موافقتها في هذه السن لا تنتج أثراً شرعياً لأنها موافقة من غير مكلف ولا بالغ ولا عاقل.
نقد سند الرواية
سأهتم هنا ببيان علل السند في رواية البخاري فقط: جاء الحديث الذي ذكر فيه سن (أم المؤمنين) بخمس طرق وهي: حدثني فروة بن ابي المغراء: حدثنا علي بن مسهر ، عن عائشة.
حدثني عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، حدثنا معلى بن أسد: حدثنا وحيب ، عن هشام بن عروة ، عن عائشة ، حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، حدثنا قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة.
وكما نرى ترجع كل الرويات لراوٍ واحد وهو (عروة) الذي تفرد بالحديث عن أم المؤمنين (عائشة) وتفرد بروايته عنه ابنه (هشام) ، وفي (هشام) تكمن المشكلة ، حيث قال فيه (ابن حجر) في (هدي الساري) و(التهذيب):
((وقال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش: كان مالك لا يرضاه ، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق ، قدم - جاء - الكوفة ثلاث مرات ، قدمه - مرة - كان يقول: حدثني أبي ، قال سمعت عائشة ، وقدم - جاء - الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة ، وقدم - جاء - الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة)).
والمعنى ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقاً في المدينة المنورة ، ثم عاد إلى العراق بدأ حفظه للحديث يسوء ، وبدأ (يدلس) أي ينسب الحديث لغير راويه ، ثم بدأ يقول (عن) أبي ، بدلاً من (سمعت أو حدثني) ، والمعنى أنه في علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثني) هي أقوى من قول الراوي (عن فلان) ، والحديث في البخاري هكذا يقول فيه (هشام) عن (أبي) وليس (سمعت أو حدثني).
وهو ما يؤيد الشك في سند الحديث ثم النقطة الأهم أن الإمام (مالك) قال:
إن حديث (هشام) بالعراق لا يقبل ، فإذا طبقنا هذا الحديث الذي أخرجه البخاري لوجدنا أنه محقق ، فالحديث لم يروه راو ساء حفظه ولا يعقل أن يمكث (هشام) بالمدينة عمراً طويلاً ولا يذكر حديثاً مثل هذا ولو مرة واحدة ، لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبي في كتاب (الموطأ) للإمام مالك ، وهو الذي رأى وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة ، فكفى بهاتين العلتين للشك في سند الرواية في البخاري ، وذلك مع التأكيد على فساد متنها - نصها - الذي تأمد بالمقارنة التاريخية السابقة.
أما ابتناء الفقهاء والمحدثين وأولهم البخاري على هذا الحديث أوهاماً من الأحكام عن زواج الصغيرات فهذه صفحة سوداء من صفحات التراث ، سنؤجل المناقشة فيها إلى حين ، والغريب أننا نجد الوهابيين يرجون مقولة ، أن البلاد الحارة تجعل البنت تبلغ باكراً وهي صغيرة ، وهذا كلام البلهاء والسفهاء لأن البلاد الحارة وهي الجزيرة العربية ، ما زالت حارة ، بل إن الحرارة قد ازدادت أضعافاً مضاعفة ، فلماذا لم نجد البنات يبلغن قبل أوانهن في السادسة أو حتى التاسعة ، كما إن ذلك يتناقض مع الحقائق العلمية التي تؤكد عدم وجود دور يذكر للمناخ في البلوغ المبكر.
الخلاصة
إن السيدة عائشة تزوجت الرسول بعمر الـ (18) سنة على التقدير الصحيح ، وليس (9) سنوات ، وإن هذه الرواية التي أخرجها البخاري ببساطة رواية فاسدة النص ومرتابة السند ، لأنها تخالف الشرع والعقل والأحاديث الصحيحة والعرف والذوق والعادة ، كما تخالف بشدة قصوى الخط الزمني لأحداث البعثة النبوية ، فلا يجب أن نجل البخاري ومسلم أكثر مما نجل الرسول الكريم ، فلنا أن نقبل ما رفضوه وان نرفض ما قبلوه.
فالإسلام ليس حكراً على الفقهاء والمحدثين ولا على زمانهم فقط ، لذا فإننا نستطيع وبكل أريحية أن نستدرك على كل كتب الحديث والفقه والسيرة والتفسير ، وأن ننقدها ونرفض الكثير مما جاء بها من أوهام وخرافات لا تنتهي ، فهذه الكتب في النهاية محض تراث بشري لا يجب ولا ينبغي أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية أبداً ، فنحن وأهل التراث في البشرية على درجة سواء ، لا يفضل أحدنا الآخر ، فصواب أعمالهم لأنفسهم والأخطاء تقع علينا.
-------------------------------------------------------- جمال البنا تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تُلزم
| |
|
|
|
|
|
|
|