حين تأهّبت الطفلة عهد خالد مُحمّد لاعتلاء مَنصّة التنافس في مدينة دبي تلفتت يُمنةً ويسرةً فلم تقع عيناها على وجه سوداني لا أب ولا أم ، إنّما فقط وجه من مياه النيل وملامح أفريقيا وصوت عزة كان ذلك الوجه لمُعلِّمتها نريمان عبد المطلب التي كانت ترافقها في رحلة البحث عن لقب مُسابقة تحدي القراءة.
استجمعت ( عهد) قوتها وتلفّحت بعَلَم السودان وأخذت نَفَسَاً عَميقَاً قبل أن تسترسل في رسم أحلامها وآمالها بلغة سليمة وبلاغة لم تُخطئ معنىً وحصافةً ومهارةً وفراسةً، لم تنصب مكان جزم ولم تُغادر ضَمّة في موقع سُكون.
عهد لم تكن صناعة والديها فقط، بل كانت ثمرة اجتهاد وإشراف من أساتذتها ومعلميها الذين عملوا على رعاية موهبتها وصقلها.. كانت الأستاذة وفاء مُحمّد محجوب خلف الكواليس وإدارة مدرسة عبدون حَمّاد تشد من أزرها وتهيأها لتمثل السُّودان..
ربما كان والدا عهد يعلمان جيداً ماذا أكلت وماذا شربت وما يلزمها من دواء أو كساء، ولكن معلميها بالمدرسة هُم من كانوا يدركون مكامن النبوغ وهندسة الحروف ودوزنة الثقافة وأريحية الاتكاءة على مقدمة ابن خلدون وألعاب مصطفى محمود في السيرك السياسي واعلموا جميعاً أن أمي كاملة عقل ودين..
عهد هي واحدة من ثمرات رهق المعلمين في كل أصقاع السودان...... هي ابنة المدرسة وشقيقة المكتبة وخليلة الإطلاع في فسحة الفطور...... هي نتاج جُهد وبذل المعلمين الفئة الأكثر عطاءً والأقل حظاً...... من يحملون رسالة الأنبياء ، وعطاء الأمهات ، وتضحيات الآباء.. الفئة الوحيدة التي تحمل أمنيات الأمهات الحصرية والتي ترغب دوماً في أن يكون أبناؤها أفضل منها.. وكذلك هم المُعلِّمون..
الأسبوع الماضي تعرّض المعلمون لطعنة نجلاء من نائبة رئيسة البرلمان والتي أطلقت وصفاً لا يليق بالمهنة ولا بأهلها.. نعم جميعنا يعلم أنّ هناك حوادث اغتصاب لتلاميذ كان وراءها معلمون ، ونعلم أيضاً أنّ هناك عقوبات بدنية في المدارس تؤدي إلى أذى جسيم وهروب من الدراسة وراءها أيضاً معلمون، ونعلم أيضاً أنّ هناك معلمين يؤدون حصص المدرسة ببرودٍ ويؤدون الدروس الخُصُوصية بحماس.. ولكن كل ذلك لا يُعتبر معياراً ولا مقياساً ولا حُكماً على كل أهل المهنة وقبيلة المعلمين.. كل فئة بها الصالح والطالح ولا تسلم من ذلك فئة دون الأخرى ولا مهنة دون رفيقتها ، حتى نحن معشر قبيلة الإعلاميين منا الصالحون ومنا الطالحون.. ولكن لا يستقيم أبداً تعميم الأحكام ومُجافاة الواقع وتشويه الحقائق.
رئيس البرلمان تحدث عن سحب الإساءة من مضابط البرلمان..... هذا لا يكفي أيُّها الرئيس لاسترداد عافية الطباشورة..... نائبتك تحتاج أن تعلم معنى العطاء حين يتأخّر مرتبها..... وتحتاج أن تعرف معنى مُتابعة تقليم الأظافر وحُسن الهندام وتصحيح الكراسات بدلاً عن مُراقبة موديل السيارات في باحة البرلمان.. تحتاج نائبتك أن تفهم كيف يقتطع مُعلِّمٌ من إفطاره ليطعم تلميذاً لا يحمل معه ثمن ساندوتش الفطور ولا حَق الموصلات..
نائبتك لا تعي ذلك لأنّ كراسي البرلمان الوثيرة صُمِّمت للنوم وليس لمُناقشة أوضاع المُواطنين المُزرية..! خارج السور:
التحية والتجلة ورفع القبعات لكل مُعلِّم يحمل الطباشورة بيده اليمنى ويهش على أوجاعه بيده اليسرى.. التحية لكل مُعلِّم يقف مشدود الظهر طيلة خمسة وثلاثين دقيقة أمام السبورة رغم أن ضهر الوجع مهدود، لكن كتف أمانيه بشيل..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة