دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: مرسال إلى أمي ( دعوة للتدوين) (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
مرسال إلى أمي أمي..
تحية طيبة وبعد..
أكتب إليكِ بعد ثماني سنواتٍ أحمل بعضاً من الأخبار التي قد تودين معرفتها، تعلمين أنني لست جيداً في تنسيق الكلام وأن لساني لا يقذف إلا "دبشاً"؛ لذا أعدك أن أحاول ألا تكون رسالتي على نفس قدر الفوضى الذي تركتيني عليه، والذي أطمح ألا يرثه مني "تيم الله ".. لحظة واحدة، لم أخبرك قبلاً -لحماقتي وتقصيري- أنني تزوجت قبل أربع سنوات، تشبهك أماني كثيراً، حنونة وحادة تأخذ الحياة بنفس الجدية وتحمل هم الغد تماماً كما تفعلين دوماً، تعطي ابننا كل وقتها حتى إنها تهمل نفسها تماماً أمامه، أخبرتها مراراً أن الحياة لا تستحق هذا القدر من الجدية، لكن يبدو أن الأمهات يملكن نفس العقل، تحبك هي، وتخبرني دوماً أنها تود لقاءك، أعلم أنك كنتِ ستحبينها أيضاً.
أما تيم الله فقد تعدى عمره الشهر الثاني بعد العام الثاني، يحمل نفس عينيك، البؤبؤ الداكن في محيط أبيض ناصع، يحوي جمال الدنيا في نظرة، وُلد بمصر ولم أرَه حتى بلغ عمره شهوراً أربعة وأتاني في الدوحة.
عفواً، تقصيرٌ آخر، نعم سافرت إلى الدوحة في أواخر عام حكم الإخوان لمصر، وبعدها بعامين ونيف رحلت إلى لندن، ستتعجبين من هذه التفصيلة بالتأكيد، ولكن شرحها لن تسعه رسالتي وتلخيصها المخل أنه قبل ست سنوات قامت في البلاد ثورة رحل على أثرها حكم مبارك، وجاء بعده الإخوان ثم انقلب الجيش على الثورة وقتل الآلاف وشرد الآلاف، وضاقت علينا مصر بما رحبت وتناقلتنا البلدان والأعمال، لكن الحكاية فعلاً لا تسعها ألف رسالة فسامحيني على هذه الالتفاتة السريعة، وأعدك أن أوفيها حقها لاحقاً.
كنت أخبرك عن "تيم الله"، حسناً كبر الولد نسبياً وصار محور حياتنا كلها، نبحث عن منزل يجاور مدرسة تناسبه، ونرى أي الاختيارات أفضل، هل يذهب إلى حضانة ومدرسة عادية أم أن التعليم المنزلي أفضل له، تجاربنا في المدارس لم تكن جيدة كما تعرفين، فلولا وجود الأستاذ حاتم جارنا معي في المدرسة الابتدائية لخرجت بتشوهات نفسية لا تزول أبداً، تعلمين، قبل أسبوع أرسل لي أحمد خبراً عن اصطدام سيارة نقل بدراجة بخارية، أفضى الحادث إلى وفاة قائد الدراجة البخارية "حاتم يحيى طه"، جارنا وأستاذي ودرعي في الابتدائية، نعم يا أمي رحل الأستاذ حاتم وأنا كعادتي في التقصير لم أشكره أبداً على فعله معي وحمايتي من بطش "أيمن"، مدرس الحساب الذي كان يعاملنا كتلاميذ دون العاشرة نداً بند، تعرفين، كنت لأطمئن تماما لأي مدرسة يوجد بها مثل حاتم، رحمه الله.
هل أخبرتك أن معظم أصدقائي الذين تعرفينهم لم أعد أعلم عنهم أي شيء، ما زلت على تواصل بإسلام والنطار والخنيني فقط، أما بقية أصدقائي المقربين اليوم فعلاقتي بهم عمرها سبع سنوات لا أكثر، الحياة غريبةٌ جداً، أنا أيضاً تحولت من "رغاي" كما عهدتيني إلى شخص محدود الكلام نسبياً، لا أجيد الحكي، ردودي قصيرة ومحدودة، لم أعد أقرأ كما كنت أفعل، ما زالت مكتبة أبي كما هي في شقتنا في دمياط بالمناسبة، غير أني لا أزال أحب الموسيقى، تذكرين يوم سمعتيني من المطبخ وأنا أشاهد فيلم "ملاكي إسكندرية" وأخبرتيني أنك تحبين تلك الموسيقى في النهاية؟ ما زالت هي الأحب إلي، وما زلت أشم رائحة أنفاسك وأنت تقفين بجواري تخبرينني أن أعيد الجزء الأخير من الفيلم حتى تستمعين إليها من جديد.
قابلتِ خالتي؟ لحقت بك بعد ثلاث سنوات فقط، كانت تشبهك تماماً في أيامها الأخيرة، بروز العروق من يديها، الجسم الهزيل، صفار العين، كانت نسخة عنك في أيامها الأخيرة، لعن الله الالتهاب الكبدي، التهمها كما فعل بك تماماً.
عمي كامل وأحمد ابن عمي أيضاً رحلا إليك قريباً، لا أدري إن كنتِ قد قابلتهما، لا أدري أصلاً إن كان الموتى يلتقون فعلاً، على كل حال، إن التقيتم بالأعلى فلترسلي سلامي إليهم.
لم يعد شيء على حاله يا أمي، تفرقت البلاد ببنيك وبنتك، صار بيننا على الأقل سبع ساعات من السفر بالطائرة، ونتناقل أخبارنا عبر الرسائل النصية، ما زلت لا أحب الكلام بالهاتف وأتلعثم طول الوقت، فقط ما زالت خزانة ملابسك تحمل العباءات السوداء التي لم تغيّريها أبداً بعد وفاة أبي، وبعضاً من الدواء، ورائحتك.
آسف إن كنت قد أطلت الحديث وأهملت التفاصيل، كثيرٌ حدث والسعة قليلة، أفتقد دعاءك، فإن بلغتكِ رسالتي، فلا تبخلي.
ابنك
| |
|
|
|
|
|
|
|