الطبيعى والمفهوم بين الناس كبيرهم وصغيرهم أن تعمد كل جهة الى ما رأته مخالفا لرؤاها فتنتقده وتسعى لبيان وجهة نظرها عن طريق طرح ما تراه صوابا فى القضية مثار الخلاف ، وبين السياسيين – على مختلف توجهاتهم – ظل الاختلاف السياسى لا يتعدى طور الرسائل العامة غير المتجهة للتجريح الشخصى أو تناول الحياة الخاصة بالمخالف ، وكثيرا ما تناقل الناس فى الداخل والخارج أن السياسيين السودانيين لاتدفعهم خلافاتهم للقطيعة على مستوى العلاقات الشخصية ، وهذا أمر حسن بشكل عام ويحسب من ضمن ايجابيات الشخصية السودانية التى ظلت تفاخر بما تتصف به ويميزها عن غيرها من الشعوب. .
والمعروف أيضا ان السودانيين منقسمون فى ولاءاتهم وانتماءاتهم الدينية والطائفية الى بيوتات ، والبعض يقدس أناسا مارسوا السياسة وانغمسوا فى خلافاتها الدائمة وتبايناتها المستمرة ، لكن ظل الكل يحفظون لبعضهم رعاية هذه المشاعر – بغض النظر عن صوابية تقديس هؤلاء الاشخاص او خطأ ذلك – ولكن وفى فترة الديمقراطية الثالثة اشتهر نوع من التناول الاعلامى الغير لائق بالاحترام وقد سعى فعليا الى كسر هذه القداسات فى نفوس الناس مما احدث شرخا كبيرا فى المجتمع ، وأشاع جوا من السلبيات بين مؤيدى التيارات السياسية خاصة وعندما ترى البعض يتناول بشكل جارح وغير محترم لقادتها الروحيين وزعماء الطائفة ، وقد حمل كبر هذا العمل الشنيع بعض اعلام الجبهة الاسلامية القومية وبالذات صحيفتى ألوان والراية والأخيرة أقل نوعا من رصيفتها ، الشيئ الذى أزعج قطاعا كبيرا من أتباع الطائفتين الكبيرتين فى البلد – الختمية والانصار – وهم يرون الصحف تسخر من قادتهم وتصورهم بأشكال غير لائقة ولايقبلونها ، وفى المقابل نشأ رد فعل عنيف سارت عليه صحيفة الوطن التى فاقت الوان احيانا فى عدم احترام الرموز ، ونتج عن ذلك انفصام كبير فى النفوس ظل باقيا لفترة طويلة بين اتباع الطائفتين ومستحكما فى دواخلهم مما صنع حالة من التوتر فى المجتمع يعتبر الاعلام السئ أحد أهم مسبباتها..
وعندما انتهت الديمقراطية وانتهى التراشق اللامسئول بين الاعلاميين الغير أخلاقيين انتهى مؤقتا هذا العمل ، وما كنا نظن أنه سيعود ومن طرف واحد وفى وقت لا حرية حقيقية للاعلام فيه حتى تصدر صحيفة ترد على المتطاول على من تعتبره رمزا لها وتراه قد أساء اليه ، فكان الحديث السياسى اليومى فى نشرة الظهيرة من اذاعة ام درمان الذى يعده ويقدمه – المقدم يومها – يونس محمود الذى لم يعف لسانه عن الاساءة الى رموز كبيرة وحمل عليها باعتبارها الطائفية المقيتة وكأنه امتداد لنشاط الوان والراية ، ثم جاءت عبارات قادة الانقاذ الحادة والمستفزة للاخرين ودفعت الناس الى التخندق ضد الحكومة ويجزموا بانها غير جادة فى اى ادعاء بمحاربة الانقسام ، وكل محاولات يبذلونها لاجل توحيد الناس تصبح مفضوحة بما تتناوله ألسنتهم من عبارات لاتليق بمن هو فى مركز القوة أن يتفوه بها كقولهم : الزارعنا غير الله يجى يقلعنا ، أو بعد ما لبنت ما بنديها الطير ، أو نحن حنحكم الى خمسين سنة ، ولا نرى شخصا مؤهلا بمنافستنا ، أو القول المشهور الداير يقلبنا يجرب لحسة كوعو، الى غير ذلك من العبارات الى أن جاءت كلمة الرئيس البشير فى ولاية الجزيرة مؤخرا وهى عير موفقة بكل المقاييس اذ واصل فى رسائله التصعيدية ضد المعارضة التى بدأها فى كسلا الاسبوع الماضى فقال منتشيا وهو يصف المعارضة : لن تخيفنا معارضة الاحتفال بأعياد الميلاد ولاعبى كرة التنس ، وكان واضحا أنه يعرض بالامام الصادق المهدى ، والرجل قبل أن يكون معارضا سياسيا ورئيسا لحزب هو زعيم لطائفة الانصار وامام لجموع كبيرة من قطاعات الشعب مما يعنى أن السيد الرئيس بكلامه السلبى عنه فانه يستعدى قاعدة كبيرة من المجتمع السودانى فى وقت يدعو فيه للحوار ويتبناه وسيلة لاخراج البلد من أزماتها..
كل الناس فهموا أن السيد الرئيس يعرض بالامام الصادق المهدى ، اذ اشتهر عن الرجل حرصه على احياء عيد ميلاده وممارسة رياضة التنس وهذه حتما ليست منكرات ، وان كانت العادة قد جرت ان لايلعبها كبار السن فليس هناك اشكال فى من يشذ عن هذه القاعدة ، أضف لذلك ان السيد الرئيس بكلمته هذه كأنما يستعدى شبابا كثر يمارسون اللعبة أو يشجعونها ولم يكونوا فى وارد تأييده أو الاعتر اض عليه لكنهم حتما سيرفضون طريقته فى انتقاد مخالفيه ويخصمون من رصيده الجماهيرى ، وماقلناه عن كرة التنس يقال وأكثر منه عن الاحتفال بعيد الميلاد فما بال السيد الرئيس يتكلم بما قد يندم عليه؟ ليش كده ياريس؟!..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة