نشرت صحيفة واشنطن بوست دراسة مفادها، أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في تقويض التحول الديمقراطي في مصر، من خلال تعزيز الانقسام ونشر الخوف والعداوة بين المجموعات ذات الانتماء السياسي المختلف في البلاد بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بعد أن ساهمت في تقارب هذه المجموعات خلال بداية الثورة.
وركزت الدراسة على تتبع مشاهد الحشد لتخويف العامة، وكيف أن كثيراً من التجمعات على مواقع التواصل الاجتماعي تسببت في نقل الصور أو المعلومات المخيفة بصورة غير عادلة عبر أطياف المجتمع السياسي المصري، والتي كانت تنتقل بسرعة عبر شبكات التواصل التي نُظر إليها على أنها موثوقة بطريقة تسببت في زيادة تأثيرها.
وأصبحت الجماعات المختلفة تستقبل روايات مختلفة للحدث الواحد، وتعبر عن غضبها في أوقات مختلفة، وتحتفي بشهداء مختلفين عن الجماعات الأخرى، وفقاً للدراسة.
ثورة ما بعدها مختلف
وقالت الدراسة إنه لا شك أن الثورة المصرية التي قامت عام 2011 صارت مقترنة بالاستخدام الناجح لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل الإطاحة بنظام حُكم سلطوي راسخ، حسب تعبير الصحيفة.
فقد تعاملت معها الأدبيات الأكاديمية والشعبية باعتبارها نموذجاً لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على نزاعات الحياة السياسية. وتعلّم النشطاء منها بدءاً من سوريا وصولاً إلى أوكرانيا وسانت لويس (أميركا)، وطبّقوا أساليب الاحتجاج المصرية مثل إقامة المخيمات في الساحات العامة، وتجهيز سُبل مقاومة هجمات الشرطة، وتنظيم أماكن وأوقات الاحتجاج على مجموعات موقع فيسبوك، وتوزيع صور ومقاطع فيديو الاحتجاجات على وسائل الإعلام بسرعة.
غير أن الدراسة رأت أن الأمر الذي لا يقل أهمية عن تلك التجربة، يكمن في أن المحاولة المصرية للانتقال نحو الديمقراطية بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك انتهت إلى استقطاب سياسي عنيف وانقلاب عسكري (حسب تعبير الصحيفة).
ولذا تساءلت الدراسة، هل ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في المقابل في فشل ترسيخ الديمقراطية؟.
تويتر وفيسبوك
الدراسة نُشرت ضمن سلسلة Blogs and Bullets الصادرة عن مختبر PeaceTech، استخدمت بيانات هامة من موقعي تويتر وفيسبوك لاستكشاف كيف أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار الاستقطاب والخوف في مصر، الأمر الذي قوّض انتقالها الديمقراطي.
وأكد القائمون على الدراسة، أنه من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست السبب الوحيد، أو حتى الأهم لهذا الفشل. لكنهم يرون بأن وسائل التواصل الاجتماعي تعترض طريق تدعيم الديمقراطية من خلال تسريع وتكثيف نزعات خطيرة مثل الاستقطاب والخوف وتجريد الخصوم من إنسانيتهم.
وأشاروا إلى أن المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي يتميّز بأنه سريع وذو عاطفة شديدة ويخلق لنفسه صدىً نتيجة انتشاره في مساحة مغلقة، الأمر الذي يسمح لمَن يتعرضون له بتطوير ردود أفعال أكثر تطرفاً.
ولفتوا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي بصفة خاصة لجعل الاستقطاب الاجتماعي والسياسي أكثر تدهوراً بسبب قدرتها على نشر صور عنيفة وشائعات مخيفة بسرعة فائقة وبكثافة عبر مجموعات منغلقة نسبياً لأفراد ذوي تفكير متماثل.
طوّر الباحثون مجموعتين لبيانات مأخوذة من وسائل تواصل اجتماعي ليروا تأثير مواقع التواصل. في البداية، طوروا مجموعة بيانات عن موقع تويتر لكل تغريدة مفتوحة للعامة تحتوي على كلمة "مصر" بالإنكليزية أو العربية، في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2011 وأغسطس/آب 2013.
وقد اشتمل ذلك على حوالي 62 مليون تغريدة لأكثر من 7 ملايين مستخدم مختلف.
وأنشأوا كذلك مجموعة بيانات مختلفة عن موقع فيسبوك تستند إلى الصفحات العامة. ثم أخذوا عينة عشوائية تتكون من 1000 منشور من كل صفحة على مدار العام الممتد بين انتخاب محمد مرسي في يونيو/حزيران 2012 وماوصفوه بالانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، ثمً استخرجوا كافة التعليقات عليها، والتي بلغ عددها 593 ألفاً و428 تعليقاً.
يُمكن إيجاد كافة التفاصيل المتعلقة بالبيانات في التقرير، الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
بدا أحد العوامل التي وجدها القائمون على الدراسة مثيراً للاهتمام على نحو خاص، والذي يشير إلى كيفية تأثير مجموعات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بدرجة متفاوتة على انتشار مشاعر الخوف.
حزب الكنبة وباسم يوسف
أثناء الأيام العنيفة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بدَت وسائل التواصل الاجتماعي أنها توحّد المصريين من توجهات أيديولوجية مختلفة حول هدف مشترك محدد.
غير أن تلك الحالة لم تستمر. بمرور الوقت، شجّعت وسائل التواصل الاجتماعي المجتمع السياسي على التفرق الذاتي إلى مجتمعات من أفراد ذوي تفكير متماثل، وكثّفت من التواصل بين أعضاء نفس المجموعة، وفي المقابل عمّقت المسافة بين المجموعات المختلفة.
أتاحت البيانات التي أعدها القائمون على الدراسة إظهار كيف نشأت المجموعات المختلفة وكيف ارتبطت الواحدة بالأخرى. وعبر تحليل أنماط "إعادة التغريد".
حددوا مجموعات عديدة مستمرة، مثل المجموعات التي وصفوها"العامة من السياسيين"، و"النشطاء"، و"الإسلاميين". إضافة إلى ذلك، وجدوا فئة كبيرة، معظمها غير مسيس، والتي عادة تتناقش في موضوعات مثل الموسيقى والحفلات والنكات والصور المنتشرة بشدة، والتي أطلقوا عليها (اتباعاً للسياق المعجمي المصري) "حزب الكنبة" (مصطلح مصري يشير للجالسين على الأريكة ويشاهدون الأحداث دون تدخل ويعني به غير المسيسين أو غير الفاعلين سياسياً خلال ثورة يناير وما بعدها).
وفقاً لـ واشنطن بوست، فإنه عندما تفاعلت تلك الفئة مع الأمور السياسية، كان مقدم البرامج الساخر باسم يوسف ذا تأثير خاص عليها، إذ يمكن لهذه الفئة (حزب الكنبة) أن تفوت التحليلات التي تبدأ بوسوم سياسية بدلاً من الوسم العام (#مصر)، والذي صار على الأرجح قاعدة الدعم الرئيسية لحركة "تمرد" في 30 يونيو/حزيران ضد رئاسة مرسي ولاحقاً للانقلاب العسكري، حسب وصف الصحيفة لأحداث 30 يونيو/حزيران 2016.
أكثر انغلاقاً
أجرى القائمون على الدراسة عمليات حسابية بالنسبة لمستخدمي الشبكة الإلكترونية من المصريين. وقد أظهرت جميعها تزايداً في الاتجاه نحو الانغلاق لدى المجموعات الرئيسية.
وكان اللافت أن المجموعات المتشابهة أيديولوجياً، لكن المختلفة سياسياً، عزلت نفسها عن الآخرين، فنجد المجموعات الإسلامية المتعددة صارت مجموعة واحدة، كما صارت مجموعات النشطاء المتعددة مجموعة واحدة من النشطاء، وهكذا.
بمرور الوقت، صارت تلك المجموعات أكثر انغلاقاً وأقل مشاركة للمحتوى الخاص بهم مع الآخرين وأيضاً أقل تواصلاً مع المجموعات الأخرى. وارتفع الانغلاق في الأشهر الثلاثة الأخيرة التي سبقت 30 يونيو/حزيران، كما اتسعت الفجوة بين مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين من جانب، وبين القطاع الأوسع من جمهور المهتمين بالشأن السياسي والنشطاء و"حزب الكنبة" من جانب آخر. وفي نهاية الأمر، صارت درجة التحركات الفردية بين المجموعات المختلفةً أقل.
كيف انتشرت تصورات العنف لدى العامة؟
تكمن إحدى التأثيرات السياسية لتلك التجمعات في تكثيف تأثير نشر العنف والصراع السياسي، سواء كان حقيقياً أو مجرد شائعات، حسب الصحيفة .
حاول الباحثون تتبع مشاهد الحشد لتخويف العامة، واعتمدوا في نهجهم البحثي على أسلوب معجمي من خلال استخدام كلمات مفتاحية باللغة العربية توحي بالخوف والعنف. بنهاية يوليو/ تموز 2012- أي قبل أول المواجهات العنيفة التي وقعت في أكتوبر/ تشرين الأول- لاحظ الباحثون ظهوراً لمصطلحات من قبيل "العنف" و"الخوف" و"الأناركية" و"الفوضى". تباينت الروايات المرتبطة بالعنف بصورة دراماتيكية بين المجموعات، إذ بدأ الخوف والغضب في تملك التجمعات المختلفة في أوقات مختلفة وبسبب قضايا مختلفة.
على سبيل المثال، في ديسمبر/ كانون الأول تسببت المواجهات التي وقعت خارج قصر الاتحادية الرئاسي (مقر مرسي ) وما تصفه الصحيفة بالتمرير الإجباري للدستور الجديد (الذي وقفت وراءه جماعة الإخوان المسلمين)، في انتشار روايات مختلفة بين المجموعات.
وقد حدث نفس الأمر عندما هوجمت مقرات جماعة الإخوان المسلمين في مارس/آذار 2013. كما تسبب انتشار شائعات عدم الاستقرار في تأجيج الوضع، لدى إحدى التجمعات وليس كلها.
نشر الخوف
تمركز الحشد لنشر الخوف في الشارع المصري لدى تجمعات النشطاء السياسيين أكثر من باقي الجمهور. إذ كانت إحدى النتائج اللافتة للنظر في ذلك التحليل الإحصائي، هو انخفاض معدل استخدام مصطلحات "الخوف" لدى مجموعات حزب الكنبة.
على عكس الصورة الشائعة التي تصور مصر خلال تلك الفترة مجتمعاً يتملكه الخوف والفوضى، لم يتملك الخوف تلك المجموعة السياسية، أو على الأقل لم يتناولوا الأمر على موقع تويتر.
وفي المقابل، انتشرت مصطلحات "الخوف" بين مجموعة النشطاء والإسلاميين، وهم أكثر التجمعات اهتماماً بالشأن السياسي.
وفقاً للصحيفة فإنه يبدو هذا الدليل التجريبي الجديد ذا تأثير كبير، ليس فقط بالنسبة لمصر، بل لكل محاولة للانتقال نحو المستقبل، فقد تسببت التجمعات على شبكة الإنترنت، بين ذوي الرؤى والأفكار المتشابهة، في عواقب أثرت بدورها على تعزيز الديمقراطية في العالم الحقيقي.
10-10-2016, 07:45 AM
زهير عثمان حمد
زهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273
قلق واحد ولكن.. فهمي هويدي | نشر فى : السبت 8 أكتوبر 2016 علي جريدة الشروق
مواقع التواصل الاجتماعى وتقنيات ثورة الاتصال صارت مقلقة لهم فى الغرب. كما أنها أصبحت مصدر امتعاض وقلق فى بلادنا. إلا أن البون شاسع بين أسباب القلق فى الحالتين. إذ هى اجتماعية عندهم وسياسية عندنا. أما كيف ولماذا فإليك التفاصيل.
لا يجادل أحد فى الميزات الكبرى والفوائد التى تفوق الحصر التى حققتها التقنيات للمجتمعات العصرية، لكنها حين تغولت فى حياة الناس، واستولت على عقولهم وأوقاتهم، فإن تأثيراتها السلبية على السلوك الاجتماعى أثارت انتباه الباحثين وأصبحت مصدرا لقلقهم. فالناس الذين كانوا يسيرون أو يجلسون مرفوعى الرأس ويتطلعون حولهم، أصبحوا الآن يتحركون مطأطئى الرءوس ومنكب كل واحد منهم على هاتفه النقال. والدراسات التى أجريت فى الولايات المتحدة بينت أن الأمريكيين يقضون ما بين ٥و ١٠ ساعات يوميا مع الحاسوب والنقال، والأجيال الجديدة أصبحت تعيش مع تلك الأجهزة أكثر مما تعيش مع أهليهم وأصدقائهم، بل صار انتماؤهم «العائلى» للحاسوب أوثق من انتمائهم إلى محيطهم الإنسانى. ولذلك قيل إن الأمريكيين أصبحوا شعبا «متواصلا». وخلص استطلاع أجراه «بيو ريسيرش سنتر» فى عام ٢٠١٥ إلى أن ٧٠٪ من الأمريكيين المستطلعين صرحوا بأنهم يشعرون بأنهم أكثر ألفة وحرية مع هواتفهم.
أستاذة الدراسات النفسية والاجتماعية بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا شيرى تيركيل قضت عمرها المهنى فى دراسة علاقة الإنسان بالحاسوب. وخلصت فى نهاية المطاف إلى أن «ثورة التواصل تنهش العلاقات الإنسانية وتفقرها فى دوائرها كلها. فى دوائر العائلة والصداقة وعلاقات الزمالة المهنية، بل والعلاقات الغرامية أيضا».
لاحظت الباحثة فى ضوء مئات الحوارات واللقاءات التى أجرتها إن تلاميذ مدرسة ثانوية فى نيويورك أصبحوا يتجنبون النظر إلى من يكلمهم أو يخاطبونه. كما أنهم لم يعودوا يفهمون العبارة بلغة الجسد ومصطلحه ويرهقهم الإصغاء إلى المدرس كما ترهقهم مخاطبته. وذهبت فى تحليلها إلى أن الشعور بالتعاطف والمواساة تراجع بنسبة ٤٠٪ عن مستواه قبل عشرين عاما بين أفراد عينة من طلاب الثانوية جرى اختبارهم.
مما خلصت إليه الباحثة أيضا أن إدمان التعامل مع أجهزة الاتصال يصيب الشباب بأعراض قريبة من «التوحد». الأمر الذى يجعلهم بمضى الوقت أكثر ميلا للعزلة وتجنب التعامل المباشر مع البشر. ولذلك فإنها اعتبرت تلك الوسائط نعمة حقا، لكنها نقمة أيضا.
ما يحدث عندنا مختلف تماما. فثمة قلق تعبر عنه بعض التصريحات الرسمية والتعليقات الصحفية حقا، لكنه ليس قلقا على الشباب أو العلاقات الإنسانية بين البشر. لكنه قلق على هيبة السلطة وسمعتها. والحوار الدائر فى مصر لم يتطرق إلى تأثير وسائط الاتصال على المجتمع، وإنما يركز على كيفية مراقبة تلك المواقع، سواء لإسكات الأصوات الناقدة أو المعارضة التى ترتفع من خلالها أو لحجب الأخبار التى تحرص السلطة على كتمانها.
قرأنا فى الصحف أن وزارة الداخلية قدمت مشروعا لمراقبة المواقع بدعوى أنها تشكل مخاطر أمنية يتعين إحباطها. وفى موافقة مفوضى مجلس الدولة على المشروع جرى الاحتجاج بـ«انتشار العديد من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعى التى تحرض على الدولة المصرية ومؤسساتها، وتهدر دماء العديد من طوائف الشعب المصرى، الأمر الذى يمثل إضرارا بالغا بالأمن القومى». وفى التعليقات التى نشرت تأييدا لفرض الرقابة، جرى التحذير من الاستخدام المدمر لها ومن كونها تعمد إلى تفكيك الدولة عن طريق الحشد الجماهيرى الذى يستصحبه إهانة رموز الدولة وإهدار هيبتها.
خلاصة الكلام أنه فى الدول الديمقراطية يعبر الباحثون عن قلقهم على صحة المجتمع وعافية أجياله، أما فى بلادنا فالقلق يستهدف الحفاظ على هيبة السلطة ومقام رموزها. هم يريدون حماية الشباب وتحصينهم لأن الشعب هو مصدر السلطة. أما فى بلادنا فالأمر مختلف لأن الشعب فى خدمة السلطة، وهو ما يبرر الإصرار على تحصينها وقمع وإسكات الأصوات الناقدة لها. لذلك تعلو هناك وتسمع أصوات المصلحين، أما فى بلادنا فلا صوت يعلو فوق صوت الأمن والأمنجية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة