في رحاب الله حفيد السادة الدواليب: رائد العمل الثقافي والاجتماعي والإنساني
قالت ام سلمة زوج النبي (ص) تبكي الوليد بن الوليد بن المغيرة: ياعيني أبكي الوليد بن الوليد بن المغيرة قد كان غيثاً في السنين ورحمة فينا وميرة ضخم الدسيعة ماجداً يسمو الي طلب الوتيرة مثل الوليد بن الوليد أبي الوليد كفي العشيرة ونستعير البيت الأخير من القصيدة أعلاه ونقول: "مثل محجوب بن مساعد بن السيد بن دوليب كفي العشيرة" فواسفاه يوم أن حمل الناعي من قاهرة المعز في الثامن من ذي الحجة 1437هـ الموافق العاشر من ايلول/ سبتمبر 2016م ، نبأ رحيل الاخ الحبيب، والصديق العزيز، والخل الوفي ،والقامة البارزة من أهلنا الدواليب بالكدرو والحلفاية، الاستاذ/ محجوب مساعد السيد أحمد تمساح الكدرو. فقد رحل عنا الأديب الأريب، والمثقف الشامل، والموثق البارع ،والمصور الحاذق، ورائد العمل الاجتماعي والإنساني "، ابو عبد القادر" ، في وقت نحن أشد ما نكون حاجة لرأيه السديد، وأدبه الجم، وأنسه اللطيف، ومجالسه العامرة ، وكرمه الفياض . وكان الفقيد من كرام الناس، الذين أضفوا علي حياتنا قيماً نبيلة ولطفاً ورقة ومذاقاً طيباً. وكنا نفخر بشجاعته النادرة، وننهل من ثقافته الواسعة ، وشغفة بالتراث العربي والاسلامي، وعشقه للثقافة السودانية،واعتزازه بموروثات أهله الدواليب. فاحدث رحيله العجول عن دنينا غصة في القلوب،وهيّج عبرة في المآقي، وترك فراغاً كبيراً في حياتنا،ودمعة وجيعة ولوعة وأسي. وبرحيله فقدت أسرة الدواليب منبرا من منابر العلم والثقافة، وصرحا من صروح المعارف،ورائداً من رواد العمل الاجتماعي والإنساني. رحل محجوب، صاحب الثغر الباسم، الذي يلقك بالترحاب والبشر ، ويحفك بالفرح والسرور، ويسعدك بالأنس والسمر. عاش الفقيد بطبائع شيخ القبيلة، يذكرك بعمه محمد السيد احمد تمساح الكدرو ، ناظر خط الوسط، ورجل الإدارة الأهلية الحكيم ، الذي كان يصلح بين القبائل والأفراد، وينفق انفاق من لا يخشي الفاقة في سبيل الصلح بين الناس وقضاء حوائجهم، و مساعدة المحتاجين منهم. فنهل الفقيد من خصال أجداده الحميدة ، وتميز "ابو عبد القادر" بعفة اليد واللسان ، والتواضع ، واحترام الكبير والصغير ،وتأكيد قيم التواصل والتراحم والتكاتف بين أسر أهله الدواليب، والدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم. ونذر الفقيد عمره في قضاء حوائج الناس، يلجأ اليه العامة قبل الخاصة في الملمات وساعات الشدة والعسر. وقد ضرب الفقيد أمثلة لاقوي ملاحم الصبر والثبات علي عظيم الابتلأت والمصائب. وكانت كل واحدة من تلك المصائب ملحمة من قصص الصبر علي البلاء، فصبر الفقيد علي وفاة زوجته ورفيقة دربه ، وهي في ريعان شبابها، وتركت له أطفالاً صغاراً، يعانون من مشكلات في النظر، فسهر علي رعايتهم وتربيتهم حتي اصبحن من الطالبات المتفوقات. وخرج الفقيد من ذاك الاختبار قوياً وثابتاً، ليضرب أروع الأمثال في الصبر علي الابتلآت.ومرة ثانية يمتحنه الله سبحانه وتعالي في اعز ما يملك ،ابنه الوحيد وفلذة كبده، "عبد القادر"، الذي استشهد غرقاً في مقتبل العمر، وكان الفقيد يدخره لمثل هذا اليوم العصيب ليتحمل المسؤولية من بعده كسند وعون ورفيق لاخواته الصغار.اما الابتلاء الثالث للفقيد فقد تمثل في الأمراض التي حاصرته في الآونة الأخيرة، وسببت له مشكلات في النظر. ومرة ثالثة يلهمه الله الصبر الجميل ، ويواصل مشوار الحياة بهمة كبيرة وروح معنوية عالية، ويقدم البذل والعطاء في مختلف المجالات حتي ادركته المنية. وللذين لا يعرفون محجوب مساعد السيد ،نذكرهم ببعض الابيات التي رثاه بها خاله ابراهيم عبد الرحمن، حفيد الفكي نابري ود دوليب: مضي اللبق الندب الذكي وأدمت فجيعته القلوب درب اللسان فنان إذا حكي كأن بين يديه مزمارجلوب وكان الفقيد قارئاً نهماً ، وأديباً أريباً، ومثقفاً شاملاً، وموثقاً قديراً، وفناناً مبدعاً، ومصوراً حاذقاً، ومحباً للشعر والشعراء،يعشق ابا الطيب المتنبي، ويحفظ الكثير من قصائده، وهو كاتب مقتدر، وقد عهدناه ممتشقاً قلمه الذي سخره ليصدح بالحق. وظل ابو عبد القادر وفياً للمبادئ والمواقف الوطنية،يدافع عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كما ظل قابضاً علي جمر قضية الوطن الواحد، معارضاً للأنظمة الشمولية ، التي تصادر حرية الرأي والتعبير. وقد كتب الفقيد العديد من المقالات عن شهداء رمضان ، ومن بينهم ابن اخته الشهيد اللواء حسين الفكي احمد عبد القادر الكدرو، كما نشر عدة مقالات عن الوقفات الاحتجاجية السنوية لأسر الشهداء، وطالب أهل الانقاذ بالتصالح مع أسر الشهداء لمعرفة كيف تمت محاكمتهم؟ وبأي قانون؟ واين قبروا؟ وتسائل عن حق أسر الشهداء في استلام رفات أبنائهم للترحم عليهم. كما طالب أهل الانقاذ بفتح ملف شهداء رمضان بشجاعة الشجعان قبل أن يفتح ذلك الملف في يوم عصيب لا تنفع فيه قوة ولا سلطان مع قوة العزيز الجبار. وللفقيد اسهامات اخري في مجالات الأدب والثقافة والفنون يحرص علي طرحها للنقاش والحوار في ديوان الأسرة بمنزل عمه عبد الهادي السيد ،وفي منزله العامر بالأدباء والمثقفين والمفكرين، أمثال الشاعر الأديب عباس الجيلاني ، شقيق الفنان القامة النور الجيلاني ، وصديق الفقيد، البروفسر يونس الأمين، استاذ اللغة الفرنسية بجامعة الخرطوم والاستاذ/ عوض بابكرموثق اغاني الحقيبة البارع، وصديقه الوفي ابراهيم ابن الوزير، وخال الراحل المقيم ، المؤرخ والشاعر ابراهيم عبد الرحمن واشقاء الفقيد/ السيد ومحمد ومعاوية ووليد ، وأبناء عم الفقيد المهندس عثمان محمد السيد والعقيد/ الشيخ محمد السيد،وصهر الفقيد اللواء م. عثمان حليفي وابن خالة الفقيد البروفسر عثمان الحسن محمد نور، والاستاذ الأسد الخليفة، والمهندس أحمد ابراهيم خلف الله، وصلاح ابراهيم خلف الله ، وابناء عمومة الفقيد، الصديق عبد الهادي السيد والفاضل عبد الله السيد ، ميرغني احمد زين العابدين،وأبناء أخ الفقيد جعفر ومصطفي ادريس دوليب ، خليفة الدواليب بالكدرو والحلفاية، والمصور المبدع كمال دوليب، وزميل الفقيد، الوجه التلفزيوني المعروف ميرغني عجيب عبد الله، والمسرحي القامة مكي سناده، ورفيق دربه وصباه صديق احمد علي الزمزمي ، وعلي الزمزمي ورفيقه في العمل العام ،قاسم صديق، وابن شقيقته اللواء طه احمد عبد القادر، وابن عمه د. احمد عبد الهادي السيد ، وصديقه الوفي محمد عبد القادر السيد، وابن خاله المهندس عصمت السيد الهاشمي ، وعز الدين عوض البدوي وأبناء محمد يوسف وغيرهم من المهتمين بالفنون والآداب والثقافة. وكل هؤلاء وغيرهم كانوا من أعز أصدقاء الراحل المقيم وجلساء منتدياته الثقافية ووحلقات النقاش السياسية والاجتماعية ، وقد احبوه واعجبوا بثقافته الواسعة ، واهتماماته الشعرية والأدبية ،وصداقته الحميمة ، ووفائه النادر، وتواضعه الجم. وبرحيله المفاجئ خيم عليهم الحزن العميق وزرفوا الدمع السخين علي فقده الأليم. وقد نظّم الفقيد مع زملائه في نادي الكدرو الرياضي الاجتماعي الثقافي العديد من التظاهرات الثقافية والبرامج المسرحية والليالي الفنية و الشعرية والمعارض التراثية، التي أحدثت حراكاً ثقافياً وفنياً بولاية الخرطوم، بمشاركة الأدباء والفنانين والمسرحيين والرياضيين وقادة الفكر والثقافة. وقد حصدت تلك الفعاليات والأنشطة الثقافية العديد من الجوائز والميداليات علي مستوي ولاية الخرطوم. وظل الفقيد في الفترة الأخيرة من حياته مشغولاً ومهموماً بتوثيق تاريخ أهله الدواليب، فبادر بتكوين لجنة لإعداد كتاب عن السادة الدواليب الركابية في السودان ودورهم في نشر الدعوة الاسلامية وتحفيظ القرأن ونشر الطريقة التجانية، تحت إشراف الخليفة/ جعفر الشيخ الدرديري، خليفة عموم الدواليب بالسودان. وقد بذل الفقيد مع زملائه جهدا مقدرا في جمع المادة العلمية ، وفي إجراء المقابلات المقننة ، وفي تصوير الوثائق والمخطوطات والأماكن التاريخية. وظل الفقيد حتي وفاته يدعم مشروع الكتاب و يتابع باهتمام دائم مع خاله/ ابراهيم عبد الرحمن ، المشرف علي إعداد الكتاب، سير العمل ويسعي لتذليل الصعوبات التي يواجهها القائمون علي جمع المادة العلمية. كما نشر الفقيد العديد من المقالات في الصحف والمجلات العلمية، نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر المرثية التي وصف فيها رحيل الأديب الطيب صالح بالخسارة الكبيرة للقيم الانسانية الرفيعة وللموروثات الثقافية الخالدة. كما وصف في تلك المرثية الطيب صالح بالمثقف السوداني الذي بلغت شهرته معظم بلدان العالم من خلال رواياته التي ترجمت الي عدة لغات. كما وصفه بعبقري الأمة وضميرها الحي ، لما قدمه الطيب صالح من سجل حافل لإبداعات غير مسبوقة. كما رسم الفقيد محجوب لوحة أدبية رائعة ، باسلوبه الأخاذ، صوّر فيها كرامات جده "مصطفي ابراهيم " حفيد الفكي نابري ود دوليب، وتحدث فيها عن رحلته التاريخية الي بيت الله الحرام والي المدينة المنورة، حيث تمكن جده "مصطفي " من أداء فريضة الحج دون اوراق ثبوتية ودون تأشيرة دخول. حدث كل ذلك بتوفيق من الله لهذا الرجل الصالح ، ثم "بالهام النور"، تلك الجملة التي كان يرددها جدنا "مصطفي" رحمه الله، وكان كل من يسمعها يظنها هرطقة وتخاريف درويش ، ولكنها اريحية المتصوفة وكرامات العابدين والذاكرين والحافظين لكتاب الله. كما تناول الراحل المقيم ابو عبد القادر في احدي كتاباته القيمة، التي كان يزودنا بها ، "منهج الأجاويد" كمنظومة ثقافية سودانية لحل الخلافات بالحسني ،والاصلاح بين المتخاصمين، و نشر فضيلة التسامح بين الناس، والتي اشتهر به أهل السودان وزعماؤه، ومن بينهم عم الفقيد/ محمد السيد احمد تمساح الكدرو، ناظر خط الوسط، رحمه الله. وقد سار الفقيد علي خطي أجداده في الإصلاح بين الناس، وقضاء حوائجهم ومساعدة الفقراء والمحتاجين منهم، وظل الفقيد يحرص علي عمل الخير ومساعدة الأسر المحتاجة حتي يوم سفره للقاهرة مستشفياً ،ونسأل الله ان يجعل كل تلك الأعمال في ميزان حسناته. وبرحيل محجوب احسسنا جمعياً بالفقد الجلل، والفراغ الكبير الذي احدثه داخل الأسرة الممتدة ، لانه بحق كان رمزا وانموذجاً لآبائنا وأجدادنا، يمثل عزتهم وكرامتهم ، ويعمل دوما علي حفظ تراث وقيم وتقاليد اسرة الدواليب. وكان للفقيد حضور مشرف في المناسبات الاجتماعية للأسرة ،ما اكسبه حب أهله وجيرانه، وبادلهم الفقيد حباً بحب، ووداً بود. وسنظل نبكي فقدنا ما دمنا علي قيد الحياة، ولن تجف دموعنا في المآقي، فمثل محجوب يبكي عليه ما امتدت ذكراه العطرة عبر السنين. وقد بكته بدمع سخي ومأقي لا يجف لها أنين، حرائر الكدرو ،والحلفاية وشمبات ، والختمية ،وام دوم.......وسكلته زوجته إعتدال وبنته "علا محجوب" واخواتها ، وسعاد مساعد وشقيقاتها، وجميع حفيدات ال تمساح الكدرو وال الهاشمي الزمزمي وال الفكي نابري،متوشحات بصبر ويقين، أنه صائر الي جنات نعيم . وقبل ذلك بكته السماء عند ما كنا نشيعه الي مثواه الأخير بمقابر الأسرة بحلفاية الملوك ،في يوم صعود الحجاج الي جبل عرفات،رافعين ايديهم الي المولي عز وجل أن يغفر لهم وأن يرحم موتاهم. واحسب أن الأمطار التي عطرت قبره في ذلك اليوم علامة من علامات القبول بإذن الله. روي ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس، رضي الله عنه،أن رجلا قال له: يا ابن عباس رأيت قول الله تعالي ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)، فهل تبكي السماء والأرض علي أحد؟ فقال رضي الله عنه نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه ومنه يصعد عمله، فاذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي يصعد به عمله ، وينزل منه رزقه فقد بكي عليه.......وقال ابن عباس أن الأرض تبكي علي المؤمن أربعين صباحاً. أخي "ابو عبد القادر" لقد تشرفت بصداقتك ومرافقتك وسعدت بمجالسك العامرة ، كما تشرف وسعد بذلك أهلك في الكدرو والحلفاية وحملوك في حدقات عيونهم شرفاً تتباهي به الأجيال القادمة لمواقفك المبدئية وللمثل القيمة التي كنت تحملها والاخلاق النبيلة التي كنت تتحلي بها، والسلام عليك يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حياً. اخي(محجوب) هل جف دمعي والمآقي وهل في جنة الله التلاقي اراك علي الأرائك في نعيم فنعم المهر يانعم الصداق
ونسألك اللهم أن تنزل حبيبنا محجوب منزلا مباركاً مع الصديقين والشهداء والصالحين، وأن تجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم نسألك أن تنزل السكينة علي قبره ، وأن تلهمنا الصبر والسلوان، كما نسألك جلت قدرتك أن تبارك في بناته علا وعناب وميمنة ومروة وهاجر، وأن تبارك في اخوانه وأهله وجيرانه وأصدقائه وأحبابه. انك سميع مجيب. اخوكم الحزين لفراقك د. عثمان الحسن
10-20-2016, 07:24 AM
احمد حمودى
احمد حمودى
تاريخ التسجيل: 01-11-2013
مجموع المشاركات: 4364
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة