حملت صحف الخرطوم خبرا عن تصعيد الأستاذ المحبوب عبد السلام إلى المؤتمر العام للشعبي. وهو أول مؤتمر يعقب رحيل الشيخ الترابي، وسيكون عاصفاً لأنه سيختار الأمانة العامة الجديدة، وسط حالة من الإستقطاب بالطبع، وتحديات هائلة، غرابة الخبر ليس في متنه، ولكنها في غٌربة المحبوب نفسه عن مؤسسات الشعبي، والشعور الراسخ بانه من المبعدين، وقد تطاولت غيبته لأسباب مجهولة، رغم أن الشعبي في حاجة ماسة لأفكار المحبوب وحصافته وروحه الخلاقة . 🔰 لا أعرف لماذا لم يسعى شباب المؤتمر الشعبي للدفع بالمحبوب، والدفاع عن سابقته وجدارته، فهو الأعلى صوتاً في التعبير عن التيار التجديدي، والمنافح بضراوة عن المؤسسات والشورى وانتقال القيادة، وكان منذ البداية يتقن استعمال قلمه وعقله معا، بجانب شجاعته في التعبير عن أفكاره، في الوقت نفسه يُعتبر اكثر فاءاً وفهماً لأفكار الشيخ الترابي المُلهم والمُجدد. 🔰 مشكلة المحبوب انه حبس نفسه في الصفة الأكاديمية، واشتغل بالعمل البحثي والكتابة، وظل ينظر ويقدم الأوراق والمحاضرات، وساعد في تأطيره زهده عن الأضواء، وطبيعته التي تجعله لا يحفل بالمناصب عموماً، ولذلك توار شيئاً فشيئاً، لكنه فات عليهم، أن المحبوب يتمتع بقدرات فذة، وقد استفاد كثيراَ من مفاكرات الشيخ، وأسفاره وتجربته الطويلة، كما أن الترابي نفسه لم يحبس طاقته وقدراته في جلباب المفكر، وإنما عاش يسدد ويقارب في كل الميادين، ويسقط اجتهاداته على الواقع، ويفتل على جديلة نظريته التوحيدية، فما الذي يمنع المحبوب من أن يتوسم ذات الطريق والحرف؟ 🔰 لا أميل إلى تفسير كل الأحداث على هدى نظرية المؤامرة، ولكن قبل عام ونصف تقريبا دخل المحبوب حلبة الصراع السياسي دون قصد .. عبارة صغيرة فكت مغاليق الصمت الذي تدثر به لحين من الزمن، بل منذ أن أشهر ورقته الموسومة (بالمقدمات) وحتى أطل على الناس من شاشة (الشروق) ليحدث لأول مرة عن علاقته بالترابي التي لم تعد حميمية، لا سيما وأنه بدا جريئاً في طرحه، باحثاً عن طريق ثالث، يسار اليمين دون مواربة، أو البُعد الحداثوي للحراك الإسلامي .. 🔰 ساعتذٍ ضجت مجالس الإسلاميين وهي تثرثر حول ملابسات التباين بين الشعبي والمحبوب، وبالضرورة بين الشيخ وثلة من المثقفين على رأسهم المحبوب، مما عرض صاحب (دائرة الضوء وخيوط الظلام) لنيران كثيقة _ أو فلنقل نيران صديقة _وحملة جُردت لها مواقع الأقلام، وتولى كبرها من تولى، لدرجة نعته بأنه ليس قياديا في الشعبي، وأنه مهندس مذكرة العشرة الخفي الذي لم يكن يريدها أن تمضي في ذلك الطريق، وعندما شقت الصف واتسع الفتق على الراتق انبرى لتبيان موقفه والدفاع عن الأمين العام بقوة من يشعر بالذنب وهو لا يزال يحتفظ بسره الغامض . 🔰 في حقيقة الأمر فإن المحبوب مظلوم وأن التصور الخفي في ذلك الوقت كان يقوم على تجريد الترابي من كل الأذكياء أصحاب الآراء والأفكار الناقدة، وإغراق مجلسه بأصحاب الولاء المزدوج والأصوات العالية واستنزافه في محيط بلا جدوى .. ولو عدنا للحوار التلفزيوني ذياك فإن عبارة (لم نفقد المودة ولكن فقدنا الحميمية) فقد نسبها المحبوب إلى صاحبها المفكر الإيطالى (أنطونيو غرامشي) وهي بالطبع عبارة مشهورة في مجال الأدب الثوري وتستعمل في سياق تأكيد المودة وليس نفي الحميمية، فهي موصولة بمفاهيم تطور مراحل العمل الثوري والنضالي، وقد يبدأ المناضلون عملهم في رفقة الخندق الحميمة ولكن تتسع الميادين لتشمل كل المجتمع، وتبقى المودة التي هي الأصل وتنتفي الحميمية المرتبطة بالظرف العابر، وخلاصة القول فإن الوقت مناسب الأن للدفع بالمحبوب وتقديمه كحصان رابح للخروج من هذ المأزق والمحنة، محنة الحزب والبلاد والإصطفاف الأيديولجي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة