|
Re: سؤال اليوم 28يناير 2016م هل الانتماءات التال (Re: بدر الدين اسحاق احمد)
|
صناعة العْرُوبَّة بـ"الكِريَّيم" ودَفنْ الهوية الأفِريقِيَّة"حياً" ..!! بقلم: كامل كاريزما 15كانون الأول/ديسمبر 2015م منذّ قرن إلا نيّف مِنْ يقظةِ وإستفاقةِ السُّودانِيين وشُعورهم العبُّوس والداكِن بالإنتماءِهم إلى القومية العربية الذي خبا أو غفا لحين من الزمن بفعل عوامل كثيرة .. كيف تبدو الأحوال السُّودانِيين الآن؟! حدث ولا حرج !! هل تراجعت السُّودانوية إلى الوراء؟! ولماذا يحدث ما يحدث الآن؟! رجال ونساء أصبحوا يستعملُون "أدوات تجميل - Beauty Tools" أو مايسمى بـ(الكِريَّيم) ما هذا؟! ولماذا؟! من أجل الـ"عْرُوبِيَّة"؟!!! هل العروبة لون وشكِل؟! وأين عُود العوج في الأفريقانِيَّة؟ . أهي العِلة في الفكّر القومِي السُّودانِي أمَّ أدوات التنفيذ؟ أم هي عوامل موضوعية أمَّ خارجية؟ أسئِلة كثيرة تطرح نفسها بقوة .. ما الذي يجعلنا ننكص بعد كل هذا الزمن؟ .. أليست العروبة تراثاً وحضارة وشعباً وعِرقاً؟! نحن السُّودانِيين من أين جئنا وإلى أين هكذا؟ وكيف خدعنا أنفُسنا كل هذه السِنين؟ .. وتوهمنا أنَّ لون الأسُود لون عبِيَّد ولون الأبيض لون الأحرار والأشراف !! . كيف إستسلمّْنا لهذه الكِذبة الفاقعة؟ ورمينا بقلوبنا على أقدام شَّبح غامض يضرِم النار في معدن السودان تحت جنح الليل، كي نتبين في الصباح أنّه مشعوذ يرتدِي عِباءة مِنْ الحريَّر .. ليخدّع أبصارنا بصورة قادِمة مِنْ بطون التاريخ تتصل برمز إنتماءنا الأفريقِي ، ثم نُكتشف أنه سلِيل ماسونِيَّة خفيَّة .. لقد كنّا لأمس القريب نخال أنَّ تلك البديهيات مِنْ الحقائِق التي لا تِحتاج إلى تذكِير أو تفعِيَّل، ولا يمكن القفز عليها أو تحرِيفها أو تزيَّيفها تحت أي ذريعة كانت بل هي من أبجديات كل فعل سياسي وطني . تزداد في السُّودان مشاعر اليأس من "الهويّة السُّودانوية(الأفِريقِية)" ويصل الأمر ببعضهم إلى حدّ البراءة مِنْ إعلان إنتِماءِهم العَربِي الخالص عبّر مَسح الكِريَّيم(أستعمال أدوات التجميِّل - فتح البِشرة) ، وإلى تحميل السُّودانوية"الأفِريقانِيَّة" مسؤولية تردّي أوضُاعهم العِرقِيِّة . هؤلاءِ يخلطون بين إيجابِيات الإنتماء للأمَّة الأفريقية وبين الظروف التي تمرّ بها، بين العروبة والأنظمة، بين الهويّة والممارسات فهي مشكلة التعامل مع الإنتماء العربي بالنظرة الآنية إليه، وليس بمقدار ما هو قائِم موضوعياً. إنّ الحالة السُّودانِيين الراهِنة هي مسؤولية الخجولين من إنتِمائِهم قبل غيرهم، لأنّهم عرفوا أنّ هناك مشكلةً في وطنهم فرضت عليهم "الخجل" من الهويّة السودانوية أي "الأفريقانية" ، إلا أنّهم عوضاً عن حلّ المُشكلة أو المُساهمة قدر الإمكان في حلّها، أختاروا التهرّب من الإنتماء الزنجي{الأفِريقِي}، فعجزهم أمام مشكلةٍ تعنيهم دفَعهم للهرب منها، إمَّا إلى "الأمام" لإنتماءات أممية (بأسماء تقدّمية أو دينية)، أو إلى "الخلف" بالعودة إلى القبلية والطائفية والعشائرية.. بل ماذا فعل هؤلاء حتى تبقى وطنهم(بلدهم) واحدةً تتطوّر وتتقدّم وتتكامل، بدلاً من دفعها للعودة إلى حروب القبائل والطوائف؟! كثيرون يتنافسون الآن على إشعال فتاوى "الفقه الديني"، وبعض هذه الفتاوى يُفرّق ولا يُوحّد، لكن "فقه التاريخ والجغرافيا" ما زال عِلماً لم يُدركْون السُّودانِيين بعد! فالشعوب تنتقل خلال مراحِل تطوّرها التاريخي من الأسرة إلى العشيرة، ثمّ إلى القبيلة فالوطن والأمة، فلِمَ يريد البعض أنّ يعيد دورة الزمن إلى الوراء؟ لعلّ أسوأ ما في الواقع السوداني الرَّاهِن هو حال التمزَّق على المستويات كلّها، بما فيها القضايا التي لا يجوز الفصل أصلاً بينها. فشعار الديمقراطيَّة أصبح نقيضاً لشعار التحرّر الوطني، أو بالعكس! والولاء الوطني أصبح يعني تنكّراً السُّودانوية وللعمل السوداني والإهتمامات العِرقِية أصبحت خطراً على الوحدة الوطنيّة! ويرافق هذا الحال من التمزّق في القضايا والأهداف، رُؤى خاطئة عن "المثقّفين السودانيين" من حيث تعريفهم أو تحديد دورهم. فهذه الرؤى تفترض أن "المثقّفين السُّودانِيين" هم جماعة واحدة ذات رؤية موحّدة، بينما هم في حقيقة الأمر جماعات متعدّدة برؤى فِكرية وسياسيَّة مُختلفة، قد تبلغ أحياناً حدَّ التعارض والتناقض وتوزيع دور هذه الجماعات لا يصحّ على أساس جغرافِي أو إقليمِي، فالتنوّع حاصل على معايير فِكرية وسياسية. صحيحٌ أنَّ "المثقّفين" هُمْ الجهة المعنيّة بالإجابة عن سؤال: "ما العمل؟" لإصلاح أوضاع الأوطان والأمّة عموماً، لكن الإنطلاق من فرضيّة أنّهم كتلة سُّودانِية واحدة تعيش واقعاً واحداً وتحمل فكراً مُشتركاً، هي فرضيةِ خاطئةِ وتزيد من مشاعر الإحِباط والعجزّ. إنّ "المثقّف - cultivate" هو وصف لحالة فرديَّة، وليس تعبيراً عن جماعة مُشتركة في الأهداف أو العمل، قد يكون "المُثقَّف" منتمياً لتيّار فِكري أو سياسي يناقض من هو مثقّف في الموقع المُضاد لهذا التيَّار، وكِلاهما يحملان صفةِ "المثقّف"! فكلمة {مثقف} يمكن إستخدامها ككلمة {لون}، إذ هناك حاجة لوضع كلمة أخرى تُحدّد المعنى المطلوب، كالقول (اللون الأحمر) أو (الأخضر). لذلك من المهمّ تحديد صفة "المثقف السوداني" المُراد الحديث عن مسؤوليته، فهو "المثقّف الملتزم بقضايا وطنه أو أمّته"، أي الجامع بين هموم وطنه وهموم الأمة من حوله، كما الجمع عنده بين العلم والعمل، وبين الوعي والمعرفة بمشاكل المجتمع حوله. أي أنّ "المثقف الملتزم" هو «طليعة» قد تنتمي إلى أي فئة أو طبقة من المجتمع، لكن تحاول الإرتِقاء بالمجتمع ككُل إلى وضعٍ أفضل ممّا هو عليه. وهناك عدد لا بأس به من المثقّفين في السوداننا الحبيب الذين يرفضون الإعتراف بالإنتِماء إلى هويّة عربيّة، وهؤلاء تجوز تسميتهم بـ"المثقّفين السودانيين"، وإن كانوا لا يعتقدون أصلاً بالعروبة ويناهضونها فِكراً وعملاً! إذن، مسؤولية العرض السليم للهويّة السودانوية"الأفريقانية" ، تقع أولاً على المثقفين السودانيين الذين يعتقدون أصلاً بمفاهيم فكريّة مشتركة حول الإنتماء والهويّة، وحول توصيف الواقع وأسباب مشاكله، ثمَّ مسؤوليتهم بوضع رؤية فكريّة مشتركة لمستقبل سوداني أفضل عند ذلك، يمكن لهذه الفئة من "المثقّفين السودانيين" أن تساهم في عودة السودانوية للسودانيين، بدل هذا الإنْحِدَار الخطير الحاصل في "الهويّة" وفي مصير الوطن معاً. أمّا الحديث بالمطلق عن مسؤولية "المثقّفين السودانيين" والتساؤلات عن غياب دورهم، فهذا غير صحيح وغير واقعي. فهناك "مثقّفون سودانيين" يدافعون الآن عن واقع الحال القائم، كما هناك من يختلف معهم ويناقضهم في الفكر والعمل .. فالضعف هو إذن في فئة "المثقّفين" المعتقدين فعلاً بالهويّة السودانوية، والرافضين فكريّاً وعمليّاً للفصل بين أهداف تحتاجها الأمّة العربيّة كلّها، كالديمقراطية والعدالة والتحرّر الوطني والتكامل السوداني. الضعف هو في غياب التنسيق والعمل المشترك بين من هم فكريّاً في موقع واحد، لكنّهم عمليّاً وحركيّاً في شتات، بل في تنافسٍ أحياناً. لكن من المهمّ أيضاً أن يدرك كلّ إنسانٍ سودانى، أنّ في الأمّة السودانية مزيج مركّب من هويّات "قانونية" (الوطنية) و"ثقافية" (العروبة) و"حضارية" (الدين). وهذا واقع حال ملزم لكل أبناء البلد ، حتى لو رفضوا فكرياً الإنتماء لكلّ هذه الهويّات أو بعضها. فالآن تعيش السودان بمعظمها مخاطر التهديد للوحدة الوطنية، كمحصّلة لمفاهيم أو ممارسات خاطئة لكلٍّ من الوطنية والسودانوية والدين. وقد عانى العديد من الأوطان، وما زال، من أزمات تمييز بين المواطنين، أو نتيجة ضعف بناء الدولة الوطنية، ممّا أضعف الولاء الوطني لدى الناس وجعلهم يبحثون عن أطر فئوية بديلة لمفهوم المواطنة الواحدة المشتركة. وقد اعتقد بعض السودانيين أنّ إضعاف الهويّة الثقافية السودانية أو الإنتماء للسودانوية بشكل عام، سيؤدّي إلى تعزيز الولاء الوطني، وكان ذلك كمن أراد إضعاف التيّارات السياسية الدينية من خلال الإبْتِعاد عن الدين نفسه، عوضاً عن الطرح السليم للهوية، وإفساح المجال أيَّضاً لحرّية التعبير السياسي والفكري للتيّارات كلّها . إنَّ الصراع على "الهُويّة" في السودان، هو جوهر الصراعات السائدة الآن، وهو صراع دولي/ إقليمي في إطاره العام الجاري حالياً، ويريد البعض تحويله في أكثر من مكان إلى صراعات طائفية ومذهبية. لكن صمّام الأمان لوحدة الوطن والمجتمعات السودانية، يكون في التأكيد على الطبيعة السياسية للصراع، وبملء الفراغ الكامن سُّودانياً، من حيث إنعدام المرجعية السودانية الفاعلة والمشروع السوداني الواحد لمستقبل الأمَّة وّوطنها"السُّودان" . وهذا المشروع لن تقوم له قائمة ما لم تكّن حاضرةً فيه، ومعاً، ركائزه الثلاث: الديمقراطية والتحرّر الوطني والهويّة السُّودانوية.
| |
|
|
|
|
|
|
|