الشِّعرُ نبضُ الرُّوح ونهجها الذي تستعيضُ به عن مجابهةِ الحياةِ، وذلك بغطرسةٍ وفجاجةٍ لا تتوافر لها في حيز التعاطي المباشر مع مجمل معطياتها وتفاصيلها الشائكة التي تمسها في الصميم حتف أنفها، إن كان لها أو لسواها، فروح الشاعِرِ ليس بالضرورة أن تكونَ بمحلِ المساسِ، من جهةِ أنها روحٌ يتدفقُ نهر رعايتها الفياضِ فيعم كل الجهات، المرصود منها والذي لم تبصره سواها، وهي باقتضابٍ روحُ راءٍ تستشفُ الأمسَ واللحظةَ والغد... وروحٌ كهذه لا سلطة عليها -وإن لاح عكس ذلك- إلا مجابهتها الذاتية المحضة، بمحمولاتها المخطوفة من سماواتٍ بعيدةٍ لن تتوفر لروحٍ مقارِبةٍ وإن توافرت وعظُمتْ أدواتها/ مجساتها، وتلك الروح الهاربة بأزيزها هي المنشودة لكل شاعِرٍ، من جهة أنها ستدعه في دِعةٍ من ضلالٍ لا يرصد، يستثير حماسة المتلقي ويلقيه دونما هوادةٍ إلى شطآنٍ لا تشبه وجهات شواطئها... هي المجابهةِ التي تسدد المهر المراد للشاعِر، تضعه بمحفلٍ يخصه، لا شبهة في لغته فإنها مصممة من المتواتر، فلا نكوص عن المعاني/ الدلالات المتاحة للعبارات المكونة لهجسه، لنشيجه، لتشنجاته، لصرخاته...، لا فرق إلا حين يمر البصر/ الصوت بتداخلاتها ببعضها... إن لذة القراءة في التفتتِ بين الظنون، تمسك بالمعنى فيستحيل خيطًا ضئيلًا لا يُرى، ويدلف آخر محله وهكذا... إن لذة القراءة في تعرقِ الذهنِ، وحمحمة فرس الروح، في مساحةِ الشِّعرِ التي تبيحها تلكم الروح.. الشاعِرُ الذي لا يعول على آتٍ من الأقاصي، لا يرصده، هو أقرب لمدون التاريخ، لسارِدِ الحكايات التي تنعس بين يديها عيونُ الأطفالِ، هو في اللحظة/ الراهن، في استكانةِ خيوطِهِ بين أيدي الكافة التي ستندهش وتهتف مثلًا: يا لله، لقد أخذ ما هو قبالتي، لفه بقشيبِ اللغة، وأرسله إليّ لقراءته... يا للغرابة، إن هذا جزء مني، يشبهني، يتحدث عما يخصني، لماذا لا أقدر على وضعه بدفاتِ الورقِ، سأحاول .... ومن ثم سيخرج علينا ناسخ منسوخ ناسخ منسوخ... ستمتلئ مكتباتنا بالمتشابهات، سنقدر بصعوبة على الإمساكِ بالفرقِ بين محمد وأحمد، سنشغل المطابع بـ (أ، م)، سندور كثورِ الساقيةِ...، وهذا جملته ممتلئة، ومناولته دسمة، يختار من ذخيرته اللغوية العبارات ذات الجرس الريان الرنان..... سـ... فيما إن التفتَ واحِدٌ إلى المنبوذِ، تغلغل (إن فُتح عليه) بين خفقه، فلربما أمكنه اللحاق بآخر التفاتةٍ من المنبوذِ قبل أن يغيبَ في الأغوارِ البعيدة... هذا المنبوذ، هو الذي يلملم الخيوط من الأقاصي، وحين تتآكل دواليب الحاضر ويحط رحل الأقاصي في فك اللحظة الراهنة، سيستبين ضُحىً.. إن زوابع التلقي لا تعدو أن تكون سوى لحظة القصي لوقتٍ انقضى، لذا تستعيده، تركن مركبته بأرواحها، لا تقبل نزاعًا فيه وحوله، وتروم لو تضع كل البيض بسلته... لا مشكلة عندي في احتمالِ زوابِعِكَ فإني فنجانك، تحملني بيدك، تسقطني عمدًا، ورغمي أظل بيدك، ولا مناص من أن تحملني واحتملك، وبين هذا وذاك فإني أهرّبك سرًّا منك بحبري إلى وقتٍ آتٍ قد يتأتى قبض بعض إشاراته للتو فيما ينزوي الكثير بين الأقصى... فلا تكسرني كلما عبرت بجوارك إلى جهة جديدةٍ وإنما يمكنك القول: أنظروا عاريًا تحت ثيابه يهرول إلى غير جهة...!!! ورغمي فإني لا أحب أن تنتظرني هناك، أريد جهتي بحياةٍ ليست لي..
02-14-2016, 05:05 PM
بله محمد الفاضل
بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة