|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
ركضٌ سَلِس
بدالات الدراجة الهوائية تنزلق بسرعة رهيبة على الأسفلت القشيب مما يجبرك على الشعور بالثناء الحانق على جهود الوالي البدين؛ عندما خطب لأول مرة بساحة المولد، كانت أشجار النيم التي تحمي الساحة تعرف جيداً انه سيوعد بترميم الطرق الداخلية وتعبيد طرق جديدة مثلما تبجح سلفه الذي لاك وعود سابقه؛ التي ورثها بالتتابع من اول لص رسمي يزور المدينة، لذلك لم تصدقه حتى بعد أن حطت أولى وريقاتها المطرودة بأرض الأسفلت الجديدة جنوبي الساحة؛ ولكن ليس بعد ان أضحت أشجار الولاية كلها منبهرة بقدرة واليها على تعبيد الطرق، وبناء المآذن العالية؛ فقد أقام الوالي مإذنة اخرى أسطورية للمسجد العتيق؛ رفعتُ ذراعي لأقبض فقاعة من وقت الصباح الصيفي الهاديء بشِباك دقائق ساعة الكاسيو السوداء المحبوكة جيدا من خيوط الثواني النشطة؛ فكانت الثامنة صباحاً؛ ضجة قاتلة تحتل فضاء الطريق الضيقة الهاربة من زحام السوق لرحابة شاشة سينما المدينة؛ تلفت بحذر؛ فرأيت فرقة الموسيقى العسكرية بزيها الاحمر المزين بالحرير الوهّاج وقبعاتها السوداء المطعمة بالنحاس على حوافها الأمامية؛ كحظوة لم ينلها أحد غيرها من جحافل الجيوش المبسوطة على ما يفيض عن المليون ميل من التضاريس؛ من خلف طبولها المزعجة زرافات من الأمهات والأطفال. "موسم اخر من زفات رياض الاطفال اللعينة " زفرت وأنا احاول التركيز مع تزحلق الأسفلت اللذيذ؛ ضوضاء الركشات المتسابقة يعطي الامر نشوى من سباقات " الفورملا ون" ولكن ليس مع كل هذا الكم من الابقار؛ فقبل منعرج حديقة الشهيد وليس بعيد من الاستراحة العمومية اليتيمة في المدينة ؛ تسمّر قطيع من الأبقار وسط الطريق، وكأنه ممر من عشب خصيب، أو حظيرة مقدسة ؛ حاولت الانعطاف مثلما فعل اصحاب الطريق بركشاتهم وعربات الكارو؛ بل الراجلون خلفي فعلوا ذلك؛ يبدو أن الأبقار تستمع بالتغوط على الأسفلت. استعادت بدالات الحركة سلاستها حذو مسرح البحير تماماً؛ ولكن ليس بعد الآن، فها قد وصلنا وجهتنا يا بنت الهواء؛ انعطفنا يميناً ثم يساراً صوب مدخل المدرسة الرئيس؛ كانت ساحة المدرسة الثانوية تعيش فوضى جرس الطابور الصباحي؛ الكل يحاول التأكد من التزامه بالقوانين؛ لا طواقي، لا سلاسل او خواتم، حشر الأقمصة داخل البناطيل؛ لا احذية كاشفة. تفقدت معصمي المثقل بوزن ساعة الكاسيو الرياضية التي يفوق وزنها المائة جرام؛ لم اجد ما يثير غضب صول المدرسة ولكن الكثير من الفذع؛ خفق قلبي وهرولت الايدي نحو جيوب البنطال مع الهرولة الكبرى نحو ساحة الطابور.
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
في ذلك النهار الغائم من نُهر المدينة المنزعجة من شموس الصيف؛ كانت الطاولة الصغيرة القابعة في ركن قصي من الكافتيريا الضاجة بصوت "الحوت" تشهد الاعتراف المقدس الثالث لعقيدة الوجد المُلهب بنيران النضوج، السفر وراء اكتشاف الجزء المفقود؛ هنا وعلى ظهر هذه المنضدة الزرقاء تشابكت الايدي لمرتين قبل ان إقترانها النهاري ذلك: - يا الله يدكِ ناعمة بشكل، يدكِ جنة. - وانت كمان يدك دافية وحنينة. -دا من حنانكِ ورقتكِ - لا دا من حبك وصدق مشاعرك. - قريتي المكتوب في كتاب النحو الختيتو ليك امس عند بتاع الدكان. - قريته الف مرة؛ وهريته بوس واحضان. - تسمحي يا عمري؟. ثم يخرج خاتم بلون الماس ليستقر في الوسطى الرقيقة. - ياااااه ذوقك رهيب. - دا ميثاق حبنا الابدي؛ عارفة النجمة الخماسية دي بترمز لشنو. - بترمز لشنو؟. - دا رمز عشتار ربة الحب؛ قريتها مرة في كتاب حب، فقلت اخليها على أناملك عشان تحرس حبنا. - بحبك للأبد. - وأنا كمان يا مُفرحة؛ سامعه! ياهو محمود ذاته بغني ليك. - أشتريت ليك خاتم فضة لكن شكلي نسيته في شنطة المدرسة، ممكن تقبل مني السوار البسيط دا كميثاق؟ امي لبستني لي لامن نجحت في سادس قبل تلاتة سنة. - أي حاجة منكِ اثمن من كنوز الدنيا مجتمعة. نظم بديع لحُبيبات من السُكسك على لونين؛ احمر واسود؛ مطعمة بخرز السوميت؛ في شكل سوار معصمي آسر له قفل من النحاس؛ كان ذلك هو اعظم ما ضيعت على إمتداد عمري الذي لازال يتمطى. عند وقوفنا الصامت، بعد قرع جرس الطابور الصباحي الماسخ؛ كنت أفكر في فقط الهروب فور تسيير الطابور الى فصول الدراسة؛ للبحث عن ميثاق عشتار، كنز الحب ورمزه الابدي؛ عندها لم أكن ارى او اسمع او أشم؛ سواها؛ عيناها وهي تلبسني السوار، صوتها وهي تقول" لو بتحبني حافظ على رمز حبنا" رائحتها الزكية المعبأة بالحب والنشوى؛ يأتي تصفيق الطابور على فقرات البرنامج الصباحي بعيدا وجافاً؛ لا يحمل اي شيء عن مصير سوار السوميت؛ خطبة وكيل المدرسة العصماء عن الامتحانات التي على الأبواب؛ همس جيراني في الصف سخرية من جديته؛ لا شيء واضح سوى الم فقد سوار السُكسُك؛ وقف الوقت بتصفيقه، تواطأ دوران الأرض ليهيج داخلي حمى الأسورة؛ تُرى أين سقط بالضبط ؛ أظنه عند منعرج ألابقار.تنبه حدسي. ولِمَ لا يكون عند محل تصليح الدراجات! قاطعه الفؤاد الذي يغلي حسرة، حذو غابة النيم ، على الجسر، وسط زحام السوق…… "عشتار يا حافظة المواثيق عشتار يا راعية البريق أغمريه بحنوك حصني مرماه لأجل صفائها الفريد" أبتهال صامت مع رجة الحمى التي حجبت عن العقل تفاصيل المكان ؛ دفوف القلب الضاجة جعلت موجات الفكر الحائرة بين الابتهال والعزم تملي على الزهن جملة قوية ، مثل اي قرار حاسم : " اركض؛ قص الأثر الآن وإلا فلا". لتنطلق ساقاي بسلاسة؛ مستغنية عن وساطة البدالات.
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
مناورة
التدوين هو محاولة بائسة للاحتفاظ ببريق اللحظة، وسور قصير لحجز الازمنة في فضاء الذاكرة؛ كنا ثلاثتنا مهوسين بالكتابة ؛ فبحسب فهمنا لها هي السبيل الوحيد لمعرفة تذبدبات النفس واضطراباتها؛ وإيضاً تجعل العقل منفتح على مطالعة كتابات الاخرين بلهفة المستكشف؛ الزاوية الصغيرة التي خصصناها للكتابة الجماعية على قارعة الطريق يؤمها عدد لا بأس به من قراء السبيل وكنا سعداء بذلك؛ فمن النادر ان يهتم سالكو طرق حي كرري بمنشور معلق على حائط؛ كنا نكتب كل ما يجول بالخاطر من حكاوي؛ نرسم الشارع والسوق رغم فقر الموهبة؛ في ذلك المساء قرر الضلع الاعوج من المثلث خوض حماقته الخاصة؛ والحق أننا لم نتوقع منه مؤخراً غيرها، فلسنوات عديدة كنا نسخ متطابقة، حيث كل منا يمكنك ان تختصر وصفه في جملة من كلمتين: بذيئاً و فاحشاً. الى أن قرر هذا الأخير أن يضيف لوصفه كلمة أخرى فكان تقياً الى مجونه، ورغم تقبل نصف المجموعة لتطوره المتناقض إلا اني بوصفي النصف الاخر لم اطمئن لذلك برهةً، فقد ظل دوماً مصدر قلق لنفسي، بل أني شعرت بالذعر لمرات، فمنذ أن أصبح يلبي نداءات المسجد الخمسة، ويصلي التراويح، جنباً الى جنب مع مهام الشيطان العظيم كما كنا نسميها، أحسست أن هناك حلقة ما سُحبت من سلسة الرفقة الطويلة، لذلك سألته ذات مرة، "كيف يستطيع رجل مشوش مثلك أن يحافظ على خشوعه لسبعة عشر ركعة!"، كان ذلك ما يدهشني حقاً، لفرط ما فشلت في تماسك خشوعي، حتى في ركعتي الصبح، ولكنه أجاب بأنه يستمتع بالصلاة وكأنها جلسة عصرية على مقهى، لم يبدو لي التشبيه موفق، فقلت: - لماذا لا يكون الأمر بتفاهة تحرشاتك البايخة بالبنات. - أسمها تلطيف اجواء مش تحرشات. -أياً كان، لكن حكاية تأجيل لف البنقو لبعد التراويح دي أنا ما راكبة لي، ورانا سحور وبلاوي متلتلة. رغم أنني نجحت في أبعاده من النشوى كعقاب لتبجحه، الا انه وبعد ان انتهى مارسون الركوع، أصبح للبنقو ميقات معلوم؛ ليس قبل الفراغ من صلاة العشاء من كل ليلة، ثم نكتب، فعادة ما نكتب خيالات البنقو وهلوسة عرق البلح اللذيذ في ليالي الصيف المعتدلة، وذلك تيمناً بنصائح مولانا تشارلز بوكوفسكي. يبدو أن التجاذب العنيد داخل هذا الماجن الخشوع وصل مرحلة ذروته، فبعد ان أعلن عن إنجاز ما أسماه بـ"الحلقة الاولى" تحت ضوء مصباح هاتفه الربيكا، علقت عليه مندهشا: - يا زول عليك دينك بطل الحركات وخلينا في خيالات البنقو ياخ؟ - خليك انت في بنقوك هسي في زول سألك. أحسست بألم الصفعة مثلما خبرتها من سنين عديدة في مشاجرة عابرة، لقد كانت مصوبة بدقة نحو خدي الايسر، لذلك عدلت من إستقامة "سفتي" على الشفة العليا قبل أن أعود للحوار: - وديني أنت بقيت ############، قلت لي عايز تخربها خلاص. - ############نة شنو يا مان، بعدين هي عمرت متين عشان تخرب ، لا بد من الجراءة ، مش نحن كتّاب. تخيلت مصير الصحيفة الحائطية، قبل أن أمسح ببصري أرجاء الميدان المظلم، شبح مدرسة الحي يلبس قداسة جبل عند اتحاده مع ظلام شجرتي اللالوب، ثمة جلبة عالية تصدرها أصوات نسائية تنتمي لبائعات الخضروات عند عودتهن الصاخب ، وفي ألجانب الأخر من لميدان حمار جسور أعلن عن نفسه بنهيق داكن؛ بصقت كرة السعوط محاولاً التفكير في أي شيء، غير هذه المناورة التافهة.
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
أرق
إنها الواحدة صباحاً؛ حيث تأوي جميع المصائب الى وسائدها؛ الجو الخانق يجعلك تدرك انك تعيش انفاس ابريل الاخيرة؛ باب الغرفة الموثر ببقايا نوبة الغبار اللجوجة لازال يحفظ عهد الإقفال؛ بينما النملية المدثرة للنافذة تلهو تحت بريق قمم ابراج الخرطوم من خلف سورها النيل؛ ثم لا شيء سوى رائحة "حلو مر" متسكعة في زاوية ما من أزقة "الفتيحاب" المغبّرة؛ كنت غاضب جدا ، ومحتار اكثر للجهل بالسبب؛ غرفتي البائسة أصابتها جائحة الغبار، فبدت كمخزن مهجور مع لهب لمبة الكايروسين، نضوت عن المكتب الصغير طبقة الغبار الكثيفة فأنجلت أشعة الكايروسين عليه، ثم عبساً حركت مفتاح المصباح الكهربائي قبل أن استدرك أن أمدرمان لا تنير للأتربة الشوارع، استدرت بالكرسي الجوال لأفتح النافذة الخلفية وأزود غضبي بالورق الابيض، فالكتابة هي المسكن الوحيد في هذا الليل الدامس، سحبت الدرج لأنتقي قلماً من ركام الاتربة، فلكل حالة مزاجية نصل من الحبر، الان كل شيء جاهز، ولكن ماذا عساي أن اكتب؟ نظرت للسقف مع وهج لمبة الكايروسين المتراقص، لم تجبني اشعتها الضالة في متاهة الليل الاسحم بما يهدي السطور نقش ازرق، تفكرت في مسيرتي الكتابية الطويلة، فمنذ سنوات وأنا اخلق على الورق عوالم تعج بالخبايا والتفاصيل، دون ان اقترب منها، لابد من الغوص في عالمك الخاص يا محمد. وكزني ضميري؛ فالتقرب من هؤلاء الورقيين هو الشيء الوحيد الذي اجده سهلاً، بل هو الشيء الاكثر تسلية على الاطلاق، هممت بإدارة الكرسي الجوال لإخراج رزم المسودات القابعة في الخزانة؛ قبل أن ادرك بأني لا أحتاج لذلك، فأنا اعرف عالمي جيدا لأني انا من رسم له مسار اقداره، ومع تأكيد الاحاطة ذلك أدركت شيئاً كنت في سهو عنه تماماً، عندما تُقرأ الامور بطريقة مغايرة نكتشف خباياها، فأنا لم أفكر يوماً في نهايات أبطال قصصي بمعزل عن بداياتهم، ثلاث وتسعون شخصية، يلقون نفس المصير، يا للصدمة!، كيف تجاهل النقاد هذه النكسة، فجميعهم كتبوا حول الحبكة الدرامية، وإهتزاز بنية السرد في وسط النصوص، حتى إن احدهم كتب عن تقارب فضاء الحكايات وتداخل المشاهد التصويرية، لم يلحظ أحد منهم تشابه النهايات، ربما لأنهم لم يعطوا محصلة النهاية ما أعطوه لصورة قفل المشاهد من إهتمام، ففلتت من اعينهم الحقيقة الفاضحة،ولكن ذلك لا يهم، الان لدينا امر اهم من ذلك، لابد من الكتابة، نعم الكتابة، فهذا الليل الاصلم لن يرضى سوى بالسطور؛ ولطالما وددت الثرثرة مع الكائنات الورقية لذلك فلنكتب للأخرق صاحب قصة "الرضوخ". الى السيد/ علي جودات بإحترام أظنك تدري يا صديق الورق، انه في سكون الليل وهجيعه ترتحل ذواتنا نحو عالمها الخاص بادئة الرحلة بنشيد الروح؛ وفي طريقها الطويل ترنمه بإخلاص يليق بإندماجها المقدس، ثم قبل فراغها من الانشاد تعرج الى المنارة؛ حيث اشياءها الخاصة. لقد استمتعت ايما متعة عند أبتداع حوارك مع الروح، لأني أعرفكما أكثر مما يعرف فؤاد توجياته، لذلك تفننت في ابتداع عباراتك وصدقها، ليس فقط من أجل أن تكون بطل قصة ناجح؛ وإنما لأنك ستبقى طويلاً في فضاء السرد، وقد بنيت تنبؤاتي على خبرتي في إبتداع الابطال بلا شكً؛ ولكن رغم ذلك فقد بدوت صادق في حديثك ومضمون إفادتك. ولو جاز لي السؤال لكان: لِمَ كل هذا القدر من التعمد؛ في تبسيط للاشياء وتفسيرها نقيض ما نعرفه؟ ثم تزيد على ذلك بإنكار الحقائق! لقد بهرتني جراءتك التي ولدتها حمى السرد عندما صدحت: " الشمس لا تشرق من جهة الشرق حقيقة" ثم بدأت بنفث الاكاذيب؛ فقط لتعضض كذبتك المفضوحه !؛ لا ادري، لكن أظنني قادر على الزعم بأنك دائماً ما تسئ تقدير الاشياء؛ فبإمكانك ان تكون متفردا في طرحك، مرتبا في تناولك، و تستخدم الاسئلة مدخلا لزلق افكارك الى الاخر –لاشعورياً ثم تفاجئة بالنتيجه- دون الحاجة الى خلق مزيداً من الاكاذيب -ولكنك رغم ذلك كنت بارع في الطرح لدرجة جعلت الروح تصدقك وهي ميقنة باكذوبة الفكرة؛ لقد سرني ذلك!-؛ وكأي مغرور بفنون الكلام أعلم أنك مهووس بالكمال؛ ولكنك تتجاهل حقائق مهمة؛ فما من كمال الا وبعده نفص؛ والواصلون رجوع، فعند نهاية الهرم تبدأ درجات النزول؛ لذلك؛ قدّرت عليك -دائماً- إبقاء شئ عندك لكي لا تصل الى نهاية الهرم، ثم المناورة من محيط تلك النقطة فبقي التوازن ابدي. إليك اكتب، واعلم انك سوف لن تعير كتاباتي ادنى اهتمام، فالورقيون لا يهتمون سوى بهواجس المحو، ليس استخفافاً بك، ولكنك محض بطل ورقي لم تذق يوماً حلاوة التواصل؛ ولو أنك تدرجت قليلا في سلم السطور لرأيت ما بدا لك بعيدا في حياتك البيضاء؛ أعني شطحاتك في عالم الخيال، لا اظن بأنك ستغضب لو ان احدهم أخبرك بأنها محض هواجس بشرية بالية ألصقتها بك كحيلة لمجاراة آلة الزمن المعطلة بجانبك، وان واقعك المفترض هو حقيقةً تاريخ المتطلعين البؤساء الذين لم ينالوا أي شئ من مباهج الحضارة البشرية، ولا شغف إكتشافاتها، إذاً أنت محض حيلة قذرة؛ هل ذلك سيزعجك؟ لا أظنك بعد كل هذا ستفكر في هيبتك أمام اعين النقاد وجموع القراء، فالحقيقة أنك لم تنل من ذلك شيء، فأنا هو من تسلم الجائزة المالية، بل أنا ايضا من قام بالحديث لوسائل الاعلام عن حياتك دون الرجوع لك، فانت مجرد بيدق، تشبه تماماً مشرد ينام تحت مجاري السطور ذات الحبر الجاف، هل أنت الان مندهش من وصولية اصحاب الالفيه الثالثه. حسناً؛ فهو أمر لا يدعو للدهشة، لاسيما تحت سلطة الامين العام للأمم المتحدة، لأنه يفعل ذلك بنفسه وبقلق دائم. عند اطلاعهم على أكتشافك العظيم أحرقوا اوراق بحثه وحطموا الأنموذج في حفل تقديمه الكئيب. لقد شعرت بالمرارة التي تعيشها داخل عالمك الورقي خصوصا عندما بدأت تردد جملتك المعهودة "دي ما امة يرفعوا ليها علم" ولكنهم رغم كل ذلك فهم لم يفعلوا سوى ما فعله التاريخ البشري مع المارقين، أعلم أنك تجهل ذلك!.
كلما تذكرت ذلك الموقف ضحكت عاليا ولو في مكان عام، أقصد قصتك مع ال############ان*، اذكر ان احدهم عندما رويتك له –بابتذال- حيث قدمت له موجز لرؤاك من التجارب العلمية والى إعتمادك تعيلم الجراء فنون القتال، ثم كيف انك تعتقد ان الكلاب هي الاصل وان ما سواها من حياة صنيعة بديهية لوجودها؛ وبعد أن جادلني طويلا نعتني بالخرافة. خاصة عندما كذبت عليه مدعيا وجودك واقعياً في بقعة ما من هذه اليابسة. أدري أنك تعيش داخل سطور خارجة عن سلطة الزمن ولكن سأتساءل؛ هل أنت ضجر الآن من عواصف الغبار التي تجتاح المدينة؟ حسناً؛ لابد من ختم الرسالة الآن فأشعة الكايروسين غلبها النعاس..
تلبو
* الكلمة المحذوفة ال ج ر ذ ا ن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
معركة لا تخص وحيد القرن
" حالما يبدأ الشخص تقلد منصب سياسي تغادره الحصافة" كنت أفكر في ذلك وبين يديّ المنظار، كانت طائرة الهليكوبتر تصدر ضجيجا يتلائم والفوضى التي يوشي بها منظاري، جهاز الارسال اللاسلكي ينبئ بالمزيد منها مع ارسال الفرقة الرابضة على الحدود الميدانية،" خمسة، فوضى عارمة سيدي. حوّل ششش شش، ثمانية وخمسون،أظن أن احد ما لن ينجا من مكيدة جهنم الكبرى هذه سيدي. حوّل...ششش ستة، إنهم يستعملون قذائف الار بي جي بكثافة سيدي. حوّل ششش، صفر، احرصوا على ترطيب أشجار الواجهة بعد ازالة الحشائش. حوّل شششش، تسعة، أظني أرى الكثير من جثث الاطفال سيدي. حوّل...ششش.... المسؤولون يريدون التأكد من شيء واحد فقط؛ هو أن المعركة لا زالت خارج حدود المحمية، وأي محمية يقصدون؟ ذلك ما خطر ببالي مع إلحاح جهاز اللاسلكي، كان حري بالمنظمة العملاقة تكريس جهودها للمحمية الطبيعية للجياع التي تحترق الان، بدلاً من الحرص على قيام جولة هلكوبتر للتأكد من سلامة وحيد القرن، ولكن لا غرو فألامور هنا معكوسة على الدوام، إنها افريقيا على كل حال، زميلي الكابتن فيتنامياً حصل على منحة لدراسة علم الطيران في الولايات المتحدة، والآن يعمل متطوعاً من أجل تحصيل ساعات الطيران المطلوبة لرخصة الطيران المدني، يبدو امريكيا اكثر منه آسوي اذاما نظرنا للامر من زاوية لكنته؛ ولكنه يقول أن كلهم أعطوه جوازاً برازيلياً قبل ان ينطق جملته الاولى، سألته ذات مرة، عن سبب تركه لـ"أرض الاحلام" بعد أن دخلها بسلام، فأجاب بكل بساطة " انا رجل الادغال يا صاح". سوى روح الوغد التي ربما سرقها من حانة بائسة في دترويت، فهو يقود بمهارة رجل مصمم على ولوج كابينة بوينج 787. لازال صوت اللاسلكي حافلاً بموجات صوت مديري اللحوح، " عشرة،نحن في السليم سيدي.حوّل" أعطيته إرسال عله يكبحه، لا تغطية صحفية لموت تافه كهذا، نعم تماماً كما علّمنا العالم، إذاً الخطة ثابته، اوغاد العالم يهتمون بما يحقق نسبة مشاهدة على شاشاتهم البراقة؛ والعدد الاجمالي التقريبي للضحايا سيفي بالأمر!؛ أما التفاصيل فهي حق أصيل -وحصري- للناجين منهم، -وهنا يوجد قدر يسير من المنطق فالمجالس المحروقة تحتاج لبعض القصص الخاصة-، ثمة عجول تجري بذعر بين دوامات البارود، فلنقرّب المشهد أكثر، فألامر جدي كما تعلمون؛ اوه لا، ليست تلك التي تستحق الحماية، فقط محض عجول بلدية، ربما تعود ملكيتها الثقافية لشعب الامبررو إن لم يخذلني الحدس، على كل حال طالما وحيد القرن في مأمن، لا غبار على الحدس. تنعطف الهليكوبتر بزاوية حرجة فأصيح: " اوه ليو؛ هل اصبحنا هدف يستحق قذيفة ار بي جي!" " لا ليس أكثر من رعاة متسكعين على فضاء معركة"
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
على رمال النهود الصغيرة
الصباح الابلج الذي لم اشهد مخاض ميلاده يبدو بديناً من أشعة شمسه المتخمة بالدفؤ، ونسائمه التي تمشي الهوينا على شوارع الرياح القديمة؛ البيت الوسيع الذي فوض الرمل كحاكم ابيض لفضاءه ذا شجيرة الليمون البائسة يبدو هادئاً اكثر من اي بيت في المدنية الصغيرة، المسماه النهود؛ تأملت رفيقيّ المنكبيّن على نقش الرمال؛ ثم الساحة التي تعيش تفاصيل الطابور الصباحي لجيوش الرمل الابيض؛ كان طابوراً صباحياً بارداً تظلله سحب داكنة لا توحي بشيء؛ ثمة تنهيدات بعيدة للوري سفري من مكان ما داخل الخلاء القوز ، ثم زغرودة طازجة بسرعة البرق الذي احتل ظلام الليلة البارحة؛ تفقدت ساعة السيكو الصغيرة وانا استرجع حكمة صديقي البالية "الرفقة ملح الوجود" "الرفقة ملح الروح " هكذا قصرنا الحكمة ذات مشاهدةٍ لتوافق الضياع المترقرق في عيني الرائد ماركوس موران في فيلم "الحاقدون الثمانية" وهو يكاد يضيع في البياض الماسخ للعواصف الثلجية ؛ ولصديقي جراب لا ينضب من الحِكم؛ خاصة عندما نكون بين يدي مخرجي هوليود، ولكن لسوء حظه ليست كل الايام لرفقاء "توم هانكس". فعلى الرغم من ان علي جودات لم يكن من المثقفين الذواقين الا انه يمتلك مكتبة لم تفتقر لجحيم "د.الجيري" ولا مجلدات ابوالقاسم ح.حمد الضخمة ولكن كل ذلك لم يؤزه يوما لدروب التصوير حتى يقلق على التجاتس اللوني في اللوحات المائية؛ لتفعلها رسمات فحمية هزيلة على حائط جالوص!. ففِي ذات لحظة من مساء؛ كنا نجلس فيها على إطار مدفون لنصفه في ركن مهجور من شوارع مدينة ام بدة العتيقة؛ أُصيب إحساسه بنوبة فنية فجائية ليلتفت نحو حائط الجالوص المسكين الذي سمّره جموده خلفنا؛ وياله من حائط بائس؛ على وجهه المشقق -الذي يستجدي كل مدحلة مسحة طين- كانت تجلس رسوم صبيانية على طريقتها؛ شخوص فحمية وكلمات غزل تقليدية؛ تأملها ملياً قبل ان يبدأ الإعلان عن معانيها؛ "لابد من انها تحمل معنى " قال ذلك ومن ثم مط شفتيه ليقرأ تأثير استنتاجه على شاشة وجهي " معنى شنو يا لانغدون ام بدة" اجبته بكل سخرية املكها ومن ثم واصلت مراقبة الشارع؛ لم اعلم ان تلك السخرية العابرة ستجرني الى صالات المراكز الثقافية الأجنبية وسط العاصمة ؛ حيث مصائد التشكيلين الباردة ؛ فبعد ثلاثة ايام فقط كنت وقوفاً امام احد المآزق ؛ كان مستضيفنا مجتهداً في ان يبدو تشكيلياً حقيقياً عبر شعره الطويل المجعد المبعثر في جدائله، و كنزته ألافريقية؛ ولكن ليس بنطال الجنز المهترئ فهو يشبه بنطال مغني الريغي الأشهر؛ يقف امام حامل خشبي يحمل لوحة دائرية بالتمام؛ تتألف اللوحة المرسومة على قماش من الدمور من عدة طبقات لونية مستديرة وغامقة كلما صغر قطر دائرتها ؛ وفِي الوسط سيل من اللون الأرجواني يتدفق الى الأسفل ؛ ثم نقاط بيضاء تبدو كنتوء ؛ خلتها حُبيبات أرز اول الامر؛ سألته:"ممكن تشرح لينا اللوحة لو سمحت!". "جداً" قالها بإبتسامة طفل ومن ثم بدأ السباحة في بحور الألوان بدلالاتها الوجدانية والكونية المتقاطعة مع التوترات النفسية للفرد والمجتمع؛ لم يكن مضيفنا بارع في تداخل الألوان فحسب، حيث وجدناه داهية في دروب الكلام ايضاً؛ مما سهل عليه الخروج مبتسماً من أسئلة جودات الدائرية الدبِغة؛ لقد نجح في إخراجنا من جميع الدوائر خاليي الوفاض. الآن بدأ مرور الدجاجة وسواسيها الصباحي؛ فجاء احتجاج جودات واضحا من مجلسهما تحت شجرة النيم: - سيدنا؛ أترى! ها قد حل الضحى وخرجت الدجاجات لتجرب مناقيرها بينما نحن فقط نكتب على هذه الرمال دون انتظار لمحو الريح حتى ، فما الجدوى من كل هذا العناء . - أطن أنك أخبرتني بانك تحب أغاني عبدالدافع عثمان! - نعم؛ ولكن ما شأن ذلك؟ - لنكتب الان وسأخبرك لاحقا لقد ورطنا "دون كيشوت" في مغامرة تتبع اسرار الكون هذه بعد حلقة وعظ عابرة في السوق الشعبي وها قد بدأ يتضجر؛ لعله يظن نفسه أحصف من أن ينقش لأجل الريح- وحتى انا لن اقبل ذلك- ولكن الشيخ يرى في ذلك عمل مجدي؛ لذلك يعمل بجد.
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
|