تأملات جمال عنقرة الجزيرة..نفر والسفر أول مرة زرت فيها مدينة وادمدني قلب الجزيرة النابض كانت في بواكير عهد مايو، مكافأة لفوزنا في جمعية الجغرافيا في مدرسة الأبيض الثانوية بجائزة المعارض، وكان من رفقاء تلك الرحلة من الطلاب، المرحوم محمود كشولا، ومحمد أحمد الدخيري، وصلاح غريبة، وياسر عبد السلام، وكمال عوض، وكافور، وكان مشرف الجمعية الأستاذ بشير أستاذ الجغرافيا، ومعه صديقه أستاذ اللغة الإنجليزية إبراهيم جمعة، وكانت فرصة لكثيرين من الزملاء لأن يشاهدوا النيل لأول مرة، وكانت المرة الأولى لكثرين لشراب الببسي كولا، الذي فضحهم (فضيحة). أما أنا فقد بهرني مشروع الجزيرة، وسيارات المورس ماينر التي كان يركبها المهندسون الزراعيون، ولعل ذلك ما شجعني علي المواصلة في دراسة الزراعة، وكان في عهد دراستنا في مصر متاح التبديل والترفيع علي أيام طيب الذكر المغفور له بإذن الله الأستاذ طلبة عويضة مدير جامعة الزقازيق في ذاك الزمان. ولما عهد إلي في بداية ثمانينات القرن الماضي تأسيس مكتب المناشط في أمانة الطلاب في الحركة الإسلامية، إخترت الجزيرة منطقة نموذجية أطبق في البرنامج الذي قدمته مختلفاً عن البرامج التي كانت قبل ذلك. وكنت قد صممت برامج مفتوحة. وبرغم أن مدينة مدني علي وجه الخصوص، والجزيرة بشكل عام كانت مهيأة لمثل هذه المناشط، ويساعدها علي ذلك الذين يقودون العمل الطلابي في الجزيرة، الأخ عبدالعاطي عبد الخير وأركان حربه، خلف الله إبراهيم في غرب الجزيرة، ومحمد سليمان في شمالها، ويعقوب المدني في شرقها، وكان يسندهم ابن الجزيرة المتفرد هاشم الخطيب أمين الحركة كلها بالجزيرة، لكنني اصطدمت بأن أكثر من هم دون ذلك، لا سيما في مدنى من أريافها، وكانت مساحة هؤلاء في الحركة ضيقة، فتذكرت واحداً من أولاد مدني كنت قد تعرفت عليه قبل نحو عام تقريباً عندما جاء إلى مصر زائراً لشقيقه الذي كان يدرس معنا في ذات كلية الزراعة في كفر الشيخ التابعة لجامعة طنطا، وكنت قد اخترته للسكن معي في الشقة لتميزه، مع زميلين له من البرالمة المتميزين عبدالمحسن يوسف الشقيق الأكبر للشيخ عبد الحي يوسف، وسيف الدين دفع الله حسن الشايقي. وابن مدني الذي سكن معي عاماً هو عبدالله نجل شيخ حلقات القرآن الشيخ عبد العال خوجلي، أما شقيقه فهو جمال، ومما ساعدني علي التواصل مع جمال بعد تخرجنا في ذاك العام، أن زميلنا قيس كان قد عمل مدرساً في مدرستهم مدني الثانوية مدرساً للغة العربية، وعبره تعرفت علي مجموعتهم في المدرسة، حسام، ورأفت، ونادر يونس، وغيرهم، وكلهم من أبناء قلب الجزيرة، فاخترت جمال ومجموعته نواة لمكتب المناشط النموذجي في الجزيرة، ولحسن الحظ تم توزيع جمال في كلية الإقتصاد بجامعة الجزيرة، فأوصلته بابن حي المكي عبد الوهاب أحمد سعد الذي رشحته مسؤولاً عن مكتب المناشط في الجزيرة، وهو لم يزل طالبا ، فأحدث جمال تحولاً نوعيا في العمل التنظيمي في الجزيرة الجامعة، والمدينة مدني، والجزيرة كلها روح الإقليم الأوسط، واتخذت من بيتهم في القسم الأول، منزلاً ومقرا تنظيماً، وصارت والدته الحاجة جليلة يرحمها الله، راعية إجتماعية لمناشطنا وكل حاجاتنا، وحتى أخواله اليساريين، أولاد جاد كريم محمد وزكريا، استثمرناهم في العمل، وكذلك خالته حميدة، وأختها التي كانت في الخرطوم زكية والدة الأخ المجاهد المفكر، والكاتب المتميز الذي كان أحد أعمدة حسين خوجلي التي قامت عليها ألوان، الأخ جاد كريم عبدالقادر، وابن خالته حميدة الدكتور محمد يحي الشرفي وزير الصحة الأسبق في اليمن. ومن الفتوحات العظيمة للتنظيم في جامعة الجزيرة، وكان لجمال فيها سهم كبير، أنه كانت قائمة الإتجاه الإسلامي تسقط في جامعة الجزيرة، في الوقت الذى يحرز فيه الأخوان مالك وخليل إبراهيم أعلي أصوات، فلما دخل جمال الجامعة وشكل حضوراً جميلاً مع زميله عصام حسن الترابي، دفعنا بهما مع المخضرمين المتمددين محمد الفاضل حسن بشير، وعبد الوهاب أحمد سعد، وأحمد عبدالله، وآخرين، مع القائدين مالك وخليل، فكسروا احتكار اليسايين المتدثرين بثوب المستقلين للإتحاد. ولما كنت مديراً لإعلام المؤتمر الوطني قبل المفاصلة استعنت بالأخ جمال، فأحدث فرقاً كبيراً رغم أنه لم يكن يحسب من قبيلة الإعلاميين التقليديين، ولما حدثت المفاصلة وانحزت إلي جانب الشيخ الترابي، اتخذت من جمال ساعدا أيمن، فأبلي بلاء حسناً، وكنا قد عقدنا أول إجتماع للإعلاميين الإسلاميين في بيته، فحضروا جميعاً، ولما تعثر صدور جريدة رأي الشعب، وطلب مني الشيخ دعم صدورها، كان (سير) جمال فيها مطابق. ولما يئست من إعلام حزب المؤتمر الشعبي الذي كنت أتولاه، وشعرت أن طريقة الإعلامين الوطني والشعبي، يمكن أن تقود إلى ما لا يحمد عقباه، ذهبت فجراً باكراً للشيخ في منزله برفقة الأخ محمد الأمين خليفة، واقترحت عليه أن يعفيني من إعلام الحزب، ويدعني أؤسس صحيفة وطنية تكون منبراً للوطنيين جميعاً، فلما بارك ذلك ووافق عليه، اتصلت بالأمين العام للمؤتمر الوطني البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، فرحب بالفكرة وسمي الأخ إسماعيل مكي الذي كان يتولي الشأن المالي في الحزب لتمثيله فيها وتحدد أن يساهم إسماعيل بخمسين مليون جنيهاً عن المؤتمر الوطني، ثم ذهبت للشريف زين العابدين وعرضت عليه الفكرة، فوافق بلا تردد، ويشهد علي ذلك الأخ الدكتور أمين البيلي، ويشهد الأخ محمد زكي علي مباركة الإمام الصادق المهدي، الذي صدرت صحيفة الأزمنة التى أنشأناها لهذه الفكرة وبها بحوار معه، وكان جمال عبدالعال أول من ساند الفكرة بقوة، وكان له دور كبير في أن تري (الأزمنة) النور قبل أن يغتالوها بافتراء أنها صحيفة المؤتمر الشعبي، ومن الذين كان دورهم عظيماً في صدور الأزمنة راعيها المرحوم الدكتور عبدالله سليمان العوض، وصاحب الإسم والمطبعة الأخ عبدالهادي الكدرو، والصديق محمد بشير قسم السيد. فلما دعيت يوم أمس الأول لشهود كرنفال التخريج الأول لكلية الجزيرة التقنية التي أسسها الأخ جمال عبدالعال مع معهد إسلام المعرفة التابع لجامعة الجزيرة الذي أسسه صديقنا أبو المعارف والعلوم البروفيسور محمد الحسن بريمة، لم أندهش كما اندهش كثيرون أذهلهم أن صارت الكلية في سنوات معدودة صرحاً تعليميا شامخا، وما أذهب عني الدهشة معرفتي لجمال. وما ذكرته لا يساوي قطرة من بحر ما أعلم عنه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ghariba
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست