|
Re: امرؤ القيس بلسان جوته: اهتمام غربي بالشعر (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
شيء ما امرؤ القيس بلسان غوته د. حسن مدن
سعى الشاعر الألماني الكبير غوته لتعلم اللغة العربية، ليتمكن من التحليق في عوالم ما كتب بها من إبداعات، في نطاق شغف هيمن على أدباء أوروبا الكبار في القرن التاسع عشر بالشرق وسحره، ومع أن لغتنا استعصت عليه إلا أنه عوّض عن ذلك بقراءة كل ما وقع تحت يديه من ترجمات للأدب العربي القديم، ما شكّل عوناً له، فيما بعد، في وضع سِفره الشهير «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي»، كما ترجم العنوان الدكتور عبد الرحمن بدوي في الأربعينات الماضية، وفي هذا الكتاب عكس غوته تعلّقه بالشرق عامة وبالعالم الإسلامي خاصة، ورغبته في بناء جسور التواصل الثقافي بين الغرب والشرق. يردّ إبراهيم العريس شغف غوته وسواه من كتّاب أوروبا بالشرق في تلك المرحلة إلى خيبة الأمل التي انتابتهم في مآلات الثورة الفرنسية، خصوصاً بعد الهزيمة النهائية لنابليون بونابرت الذي كان غوته مأخوذاً بعظمته. توالي أخطاء نابليون، أدت إلى شعور غوته العميق «بوجوب الفرار من عالم الواقع المملوء بالأخطار التي تهدده من كل جانب في السر وفي العلانية، لكي أحيا في عالم خيالي مثالي، أنعم فيه بما شئت من الملاذّ والأحلام بالقدر الذي تحتمله قواي»، وفق ترجمة الدكتور بدوي لقوله. رغم السجال والشكوك التي أثارها كتاب الدكتور طه حسين «في الشعر الجاهلي» حول المعلّقات السبع التي يقال إنها كانت معلّقة على أبواب الكعبة في العصر الجاهلي، إلا أن هذه المعلّقات، أو على الأقل بعضها، تبقى من أجمل الشعر العربي القديم، وهذه المعلّقات بالذات هي التي أثارت اهتمام غوته قبل أي شيء آخر في أدبنا، ويعود اهتمامه بها إلى الفترة التي كان فيها شاباً في الثلاثينات من عمره منذ أن وقع على الترجمة التي وضعها المستشرق الإنجليزي وليم جونز باللغة اللاتينية في نهايات القرن الثامن عشر ونشرها مرفقة بالأصل العربي. في «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» الذي وضعه غوته عندما نضجت تجربته، حيث كان قد بلغ السبعين من عمره يومها، أفرد حيزاً للمعلّقات، التي رأى فيها مرآة لحياة العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام، حتى أنه أعطى تشخيصاً لبعضها، ربما استعان فيه بوليم جونز نفسه، على ما ينقل الدكتور عبد الغفار مكاوي، فوصف معلّقة امرئ القيس بأنها «مرحة، أنيقة، رشيقة، متنوعة الأغراض»، ووصف معلّقة طرفة بن العبد بأنها «جريئة، جياشة العاطفة، متوثبة»، ومعلّقة زهير «حادة، جادة، عفيفة وحافلة بالوصايا الأخلاقية». عقد الدكتور مكاوي مقارنة بين النص الأصلي لمعلّقة امرئ القيس وترجمة غوته لها بالألمانية، فرأى مدى التصرّف الجميل فيها، وكيف أسقط أسماء الأماكن الكثيرة ليقتصر على إبراز العواطف.
[email protected]
| |
|
|
|
|