تحذيرات عديدة تطلقها الدول المتقدمة لمواطنيها بالابتعاد عن الأغذية والأطعمة التى تكشف دراسات وجود آثار جانبية لها على الصحة العامة.. بل تتدخل الحكومات لمنع بيعها فى الأسواق حفاظا على صحة مواطنيها.
فى المقابل نجد فى مصر حالة من الفوضى فى تداول وتناول الأغذية فكل ما يتم منعه فى أسواق الخارج من سلع ضارة يسمح بتداوله فى الأسواق المحلية، التى أصبحت منفذا لبيع كل ما يرفضه الغرب.. بل يتم التسويق لتلك السلع علنا فى وسائل الإعلام المختلفة وسط غياب تام للرقابة الحكومية مما يفتح شهية المواطن الذى يذهب بقدميه لشراء الموت بأمواله، ليحصد هؤلاء البسطاء فى النهاية مزيدا من الأمراض الوبائية والسرطانية التى تكتب نهاية حياتهم.
تشير الدراسات إلى أن 35٪ من أمراض السرطان ترتبط بالغذاء كما يؤثر نمط الحياة والغذاء بشكل كبير على معدل إصابة الخلايا بالسرطان، وتشكل المواد لغذائية الغنية بالكربوهيدرات، والأطعمة المقلية خطرا كبيرا على الصحة .. ومن جانبها حذرت منظمة الصحة العالمية من تناول الأطعمة والمواد المصنعة واستعمال الزيوت والدهون المهدرجة والإفراط فى تناول الأغذية المحفوظة، لكونها من أهم مسببات السرطان.
ورغم تلك التحذيرات فإن مصر ما زالت من أكبر الأسواق المفتوحة لمخلفات الدول المتقدمة، فكل ما يتم حظره فى الخارج يباع علنا فى مصر، فالدول الأوروبية تجعل صحة المواطنين فى المقام الأول وتسعى جاهدة للحفاظ على سلامة مواطنيها بل تحذر من مخاطر الأغذية الضارة وتطالب بالابتعاد على كل ما هو ضار بالصحة.
ويصل الأمر إلى معاقبة كل من يحاول إيذاء غيره، وعلى النقيض تماما نجد أن صحة المواطنين فى مصر من الأمور التي لا تشغل بال الحكومة، باعتبار أن «معدة المصريين تهضم الزلط».
فالأسواق ممتلئة بكل ما هو ضار ومميت.. ويباع كل شىء أمام أعين الأجهزة الرقابية بل يتم الإعلان عن المنتجات والسلع الضارة بصحة أطفالنا فى وسائل الإعلام دون تدخل من المسئولين بوزارة الصحة، للكشف عن طرق التصنيع ومدى مطابقتها للمواصفات القياسية والاشتراطات الصحية.
فمنظمة الصحة العالمية أطلقت مؤخرا عدة توصيات لضمان سلامة الغذاء بعد انتشار الأمراض الناتجة عن فساد الأغذية فى الدول النامية وأهمها الحفاظ على النظافة الشخصية وطهى الأطعمة بشكل جيد واستخدام الأدوات الآمنة على الصحة، وأوضحت التوصيات أن نسبة كبيرة من الإصابات بالأمراض تأتى من الأغذية والمنشآت غير الصحية ولم يكن إغلاق أشهر مصانع الصلصة والكاتشاب فى مصر مؤخرا هو الأول والأخير، هذا المصنع الذى تم إغلاقه بسبب اكتشاف 62 طنا من الطماطم الفاسدة يعد خير مثال على الاستهانة بصحة المواطنين فى مصر.
فرغم علم المسئولين بإغلاق أحد فروعه فى كندا منذ سنوات وحظر فرنسا إضافة منتجاته إلى الأطعمة إلا أنه ما زال يملأ الأسواق المصرية ولم يتم سحبه والأخطر من ذلك أن الحكومة الإسرائيلية حظرت مؤخرا بيع منتجات «هاينز»، لكونه لا يحتوی على كمية كافية من الطماطم.. بل يحتوى على تركيبة كيميائية مصنعة ضارة بالصحة، وطوال السنوات الماضية تعددت الأمثلة التى تؤكد أن المواطن أصبح رخيصا فى نظر الدولة.
سلع ضارة
ففى شهر فبراير الماضى، قامت شركة «مارس» الأمريكية لصناعة الشيكولاتة بسحب منتجاتها من 56 دولة فى العالم بعد العثور على قطعة بلاستيك «طولها نصف سنتيمتر» فى أحد منتجاتها، وكانت مصر ضمن الدول التى تم إفادتها بسحب المنتج منها وسارعت وقتها السعودية بإطلاق تحذيرات لمواطنيها وسحبها من الأسواق خوفا من تلوث الشيكولاتة فى حين ظلت تلك المنتجات تملأ الأسواق المصرية.
بل الأخطر من ذلك هو قيام أصحاب المحال الكبرى بعمل عروض أسعار على تلك المنتجات للتخلص منها وبيعها لسهولة، نفس الأمر يتكرر بعد أن دعت منظمة الصحة العالمية إلى الابتعاد عن اللحوم المصنعة باعتبارها من مسببات السرطان فاتخذت ولاية كاليفورنيا الأمريكية قرارا بإدراج تلك اللحوم ضمن المواد الضارة المسببة للسرطان. كما تراجعت مبيعاتها فى بريطانيا وفرنسا بعد أن أثبتت الدراسات وفاة 34 ألف حالة فى العالم سنويا بسبب الأنظمة الغذائية باللحوم المصنعة.
أما فى مصر فلم يتأثر إقبال المستهلكين على تناول اللحوم المصنعة بل أكد المسئولون فى الطب الوقائى بوزارة الصحية أن جميع المنتجات المصنعة يتم سحب عينات منها يوميا للتأكد من صلاحيتها وسلامتها رغم وجود أكثر من 200 مصنع تقريبا لا يلتزم أغلبها بأى اشتراطات صحية.
وتشير الأرقام إلى أن حجم الاستثمار فى الصناعات الغذائية يصل ل نحو 200 مليار جنيه. أما الكارثة الكبرى التى تهدد حياة الصغار والكبار فتتمثل فى بطاطس الشيبسى التى منعت ولاية كاليفورنيا دخولها للبلاد لخطورتها على الصحة وما تسببه من أمراض خطيرة.
كما حذرت منها سويسرا والسويد.. وفى مصر يتم جذب الصغار إلى تلك المنتجات عن طريق لفت انتباههم بالإعلانات المختلفة التى تفتح شهية الصغار والكبار على تناولها، أما الطامة الكبرى فهى التدخين، ففى الوقت الذى اكتفت فيه وزارة الصحة بوضع عبارة «ضار بالصحة» على علب السجائر نجد أن كثيرا من الدول المتقدمة حظرت التدخين ، ففى اسكتلندا تم منع التدخين نهائيا فى جميع أنحاء البلاد بعد أن دعت حكومتها الشعب للبحث عن بدائل مفيدة للصحة وحظرت ألمانيا عام 2008 الماضى، التدخين فى المطاعم والفنادق والشواطئ وفرضت عقوبات على المخالفين.
عقوبات غير رادعة
ورغم أن القانون فرض عقوبة على كل من شرع فى غش المنتجات أو طرح أغذية مغشوشة فى الأسواق، بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن 10 آلاف ولا تتجاوز 30 ألف جنيه إلا أن هناك حالة من الاستهتار استغلها التجار لتسويق كل ما هو ضار بالصحة فى الأسواق وساعدهم على ذلك غياب الرقابة، والعقوبات غير الرادعة، الأمر الذى يعد مختلفا تماما فى كثير من الدول، ففى دولة الإمارات تكون عقوبة بيع السلع الضارة بصحة المواطنين فرض غرامة مالية تقدر بنحو 10 آلاف درهم، ولا تكتفى الحكومة بذلك بل تقوم بالتشهير بصاحب المحل حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر.
أما السعودية فتفرض غرامات مالية تقدر بنحو نصف مليون ريال سعودى والحبس عامين.. تلك الدول وضعت عقوبات رادعة على المخالفين للحفاظ على صحة مواطنيها ولمنع انتشار السلع الضارة بأسوقها بينما لا تزال حكومتنا تفرض عقوبات عقيمة تساعد على تفشى الفساد.
غياب الوعى
الخبراء حذروا من تناول تلك الأغذية الضارة خاصة بعد ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض السرطان والكبد الوبائى.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة أن انتشار الأغذية الضارة بالأسواق هو أمر مرتبط بدرجة الوعى لدي المواطنين، ففى ألمانيا تم منع بيع البطاطس المحمرة والشيبسى نظرا لخطورة الزيوت المهدرجة على صحة المواطنين، فضلا عن استخدام المواد الحافظة التى تسبب العديد من الأمراض.. أما فى مصر فنجد حالة من اللامبالاة فالإعلام يتحكم فى وعى المواطنين وسلوكهم ومع الأسف الوضع متدهور.
ويقول «خليل»: ما زال الإعلام لدينا توجيهيا وترفيهيا دعائيا يسعى لتسويق المنتجات الرديئة والضارة ويزداد الوضع سوءا فى ظل غياب الرقابة فعلى سبيل المثال انتشرت فى الصيدليات مؤخرا أدوية التخسيس والمكملات الغذائية التى تشكل خطورة على حياة المواطنين وتعمل على إحداث اضطراب بضربات القلب وحتى الآن لم يتم منعها، ومن ناحية أخرى نجد أن هناك عدم التزام بالاشتراطات الصحية فى الكثير من الأغذية المتداولة فى الأسواق مما يعرض حياة الكثير من المواطنين للإصابة بالأمراض بعكس ما يحدث فى الدول المتقدمة، التى تضع قوائم بحظر السلع الضارة بالصحة، والتى يمكن أن تؤدى للإصابة بالأمراض السرطانية ويستكمل حديثه قائلا: بعد أن ازدادت أعداد المدخنين فى أغلب الدول الأوروبية وانتشرت للحفاظ على صحة مواطنيها بزيادة درجة الوعى بشتى الطرق وحثهم على الابتعاد عن التدخين.. بل حظره فى كثير من البلدان.
أما فى مصر فما زال نحو 47٪ من المصريين يمارسون تلك العادة السيئة، فى كافة الأماكن المفتوحة والمغلقة دون مراعاة للآخرين لذا نحتاج لرفع درجة الوعى لدى المواطنين وتحذيرهم من مخاطر العديد من الأغذية بدلا من تشجيعهم على شرائها بالإعلانات التى تملأ كافة وسائل الإعلام.
ويشاركه الرأى الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد أستاذ الاقتصاد والإدارة بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية قائلا: هناك ضرورة لتطبيق المواصفات القياسية ومعايير الجودة على جميع السلع التى تباع فى الأسواق فأغلب الدول الأوروبية لا تقبل وجود سلع ضارة بصحة مواطنيها بل تقوم بغلق أى مصنع يخالف الاشتراطات الصحية بعكس ما يحدث فى مصر، فغياب الرقابة ساعد على انتشار المنتجات والأغذية الضارة كما اعتاد المستهلك المصرى شراء السلعة، دون الاهتمام بمدى خطورتها على الصحة.
وأرجع ذلك إلى غياب الوعى وعدم تحرك المسئولين إلا بعد فوات الأوان، مما فتح الباب أمام الكثيرين لاستغلال غياب الرقابة و تحقيق مكاسب مالية ضخمة على حساب صحة المواطنين، الأمر الذى أصبح يحتاج لمزيد من الرقابة الجادة ومحاربة الفاسدين وتوعية المواطنين بخطورة السلع الضارة بالصحة لأن الأمراض الناتجة عن تناولها تكلف الدولة ملايين الجنيهات للعلاج منها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة