في السودان الذي يصفه أهله بأنه بلد المفارقات، يمكن أن تلحظ في أحد شوارع العاصمة الخرطوم، واحدة من أفخم السيارات، تسير بمحاذاة “الكارو”، تلك العربة التي تجرها الحمير أو الأحصنة، والتي تعتبر بمثابة “مترو أنفاق” في هذا البلد.ورغم التطور النسبي لحركة المجتمع، خلال العقود الماضية، إلا أن “الكارو” لا تزال وسيلة نقل أساسية لبعض السكان، لا سيما في ضواحي الخرطوم الشعبية.والسودان لا يوجد فيه “مترو الأنفاق” الذي يعتبر الوسيلة الأرخص والأسرع للنقل حول العالم، كما أنه يوفر الكثير من الوقت نظراً لعدم تأثره بزحام المواصلات وساعات الذروة وخلافه.ويعتمد قسم كبير من تجار التجزئة، في الأحياء الشعبية بالخرطوم، على نقل بضائعهم من الأسواق الرئيسية، عبر هذه العربة، ذات الهيكل الحديدي البدائي، مع سطح خشبي، وعجلتين يجرهما حمار أو حصان.وفي تلك الأحياء الفقيرة، المنتشرة في أطراف الخرطوم التي لم تصلها شبكة المياه أو تعتريها قطوعات متكررة، يستخدم “الكارو” أيضا لنقل المياه، بعد استبدال سطحه الخشبي، بخزان حديدي، يتسع لما مقداره، برميلين أو أكثر.ولا تنحصر مهمة “الكارو” في نقل البضائع والمياه فقط، بل تمتد، ولو بشكل محدود، إلى نقل بعض السكان من منازلهم إلى مواقف المركبات العامة، البعيدة عنهم.ويحرص أصحاب تلك العربات، المخصصة لنقل الركاب، على نظافتها وتزيينها وتجديد الفرش الذي يغطي سطحها الخشبي.لكن المفارقة الأبرز أن ملاك “الكارو” يجارون المركبات الحديثة، بوضع أجهزة تسجيل تتعالى منها الأغاني، للترفيه عن زبائنهم، خلال الرحلة التي قد تستغرق نصف الساعة.ورغم وجود وسيلة نقل، حديثة نسبيا، تعرف شعبيا باسم “الركشة”، إلا أن غالبية من لا تصلهم شبكة المركبات العامة، يستقلون “الكارو” إلى أقرب محطة، بسبب سعره “الزهيد”.و”الركشة” مركبة هندية الصنع، تتسع بالكاد لثلاث أشخاص يصطفون خلف سائقها، وتتحرك بثلاث عجلات، مع مقود ومحرك دراجة نارية.وفي تعليقها، قالت الطالبة الجامعية، نادية عبد الحميد، إنها تدفع جنيها واحدا لصاحب “الكارو”، نظير مشوارها الذي قد يستغرق 30 دقيقة، إلى أقرب محطة مركبات عامة.وتفضل عبد الحميد “الكارو” على ركوب “الركشة” التي تكلفها 5 جنيهات، رغم أنها تقلص مدة الرحلة إلى نحو 5 دقائق.وطيلة السنين الماضية لم تفلح أوامر حكومية وغرامات في منع حركة “الكارو”، خصوصا تلك المُعدة لنقل البضائع من الأسوق، بحجة الحفاظ على “مظهر المدينة”.وخلافا للأحياء الشعبية، تتشدد السلطات أكثر في منع حركة “الكارو” بشوارع العاصمة الرئيسية، خصوصا في وسطها، الأكثر ازدحاما، لاحتضانه مقار الدواويين الحكومية والجامعات وكبريات الشركات.ولم تفلح أيضا حوافز عرضتها السلطات المحلية في بعض الأحيان على ملاك “الكارو”، لاستبدال عرباتهم بنوع آخر من “الركشة”، مخصص لنقل البضائع الخفيفة.وتتجسد هذه الحوافز في تسهيل السلطات لامتلاك “الركشات”، بجدولة قيمتها على أقساط شهرية.غير أن آدم مختار الذي يملك عربة “كارو”، قلل في حديثه، من قيمة هذا المقترح، لكون سعر “الركشة” يزيد عن 80 ألف جنيه، أي ما يعادل 4 أو 5 أضعاف سعر عربته.وبالنسبة إلى الأستاذ الجامعي والخبير الإقتصادي، عبد العظيم المهل، فإن “الكارو” اختفى في معظم دول المنطقة، خصوصا المدن، لكنه لا يزال في السودان، لكونه “مظهر من مظاهر الفقر”.وفي تعليقه، أيّد المهل خطة السلطات المحلية لاستبدال “الكاور” بـ”الركشة”، لكنه رأى أن ذلك يتطلب خطوات أكبر، مثل الإعفاءات الجمركية لخفض الأسعار، وعقد شراكات مع المؤسسات الخيرية التي تعمل على محاربة الفقر.ووفقا لأرقام رسمية، تبلغ نسبة الفقر في السودان نحو 46 %، لكن المعارضة تقول إن النسبة أعلى في هذا البلد الذي يقطنه أكثر من 30 مليون نسمة، أقل من ثلثهم بقليل، يقطنون العاصمة.وسواء تبنت السلطات المحلية خطط فعالة لاقتناء “الركشة” أم لا، سيبقى “الكارو” في الخدمة بسبب كلفته الرخيصة، كما يعتقد مختار.
حقيقة يا زوزو مقال في منتهي الواقعية . لما كنت في السودان شفت مفارقات مدهشة ! مشيت بعض المساكن العشوائية لقيت مقابلاها عمارات فارهة ! مشيت بعض المطاعم لقيت ناس كتيييرة بتأكل بكمية خيالية من القروش وبرا المطعم مباشرة واقفين عدد الشحادين عدد كبير ملفت للنظر !!! هذا هو السودان !! في عهد سيدنا عمر البشير قصر الله عمره .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة