الرياض تضع النقاط على الحروف! محمد التجاني عمر قش نجحت اندونيسيا، من قبل، في عقد مؤتمر باندونغ، عام 1955، ليكون نواة لحركة عدم الانحياز المناهضة للاستعمار في مجموعة الدول الآسيوية والإفريقية التي كان معظمها يخضع لهيمنة الدول الأوروبية آنذاك، وظلت تناضل حتى نالت استقلالها جميعا خلال الفترة من أوائل الخمسينات والستينات من القرن الماضي. لقد حضرت ذلك المؤتمر وفود من تسع وعشرين دولة أفريقية وآسيوية من بينهم الرئيس جمال عبد الناصر، ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو وجوزيف تيتو رئيس يوغسلافيا والرئيس السوداني إسماعيل الأزهري. وتبنى المؤتمر عدداً من القرارات لصالح القضايا العربية كما اتخذ مواقف قوية ومشهودة ضد الاستعمار. وظلت مجموعة عدم الانحياز تؤثر في مجرى الأحداث والسياسة الدولية لما يربو عن نصف قرن من الزمان! وشهدت تلك الفترة أيضاً قيام حلف بغداد؛ للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط، وكان يضم إلى جانب المملكة المتحدة كلاً من العراق وتركيا وإيران وباكستان وكانت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الفكرة الرئيسة، ولكنها لم تشارك فيه بشكل مباشر. ذلك الحلف وقف سداً منيعاً أمام زحف الدب الروسي نحو المياه الدافئة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا على حدٍ سواء وإن كان بدرجات متفاوتة. وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد أطلت روسيا على مسرح الأحداث مرة أخرى، وهي أشد شراسة متخذة من الحرب الأهلية في سوريا ذريعة للتدخل في المنطقة العربية بتحالف واضح مع الفرس. أما إيران فقد بسطت نفوذها في عاصمة الرشيد ومقر الخلافة الإسلامية، بغداد، ووضعت دمشق والشام تحت سيطرتها وهيمن وكلاؤها على بيروت وصنعاء ولذلك صار ملالي طهران يتبجحون بأنهم الآن يسيطرون على أربع عواصم عربية، ليس هذا فحسب بل أصبحت إيران ترعى الإرهاب وتزعزع استقرار دول عربية وإسلامية أخرى وتسعى لنشر فكرها المتطرف والمنحرف، تحت مظلة المعونات الثقافية والإنسانية المزعومة، في عدد من الدول الإسلامية والعربية الأخرى في وقت تشهد فيه كثير من الدول العربية تردي أمني وسياسي واقتصادي غير مسبوق بعد تطورات ما بات يعرف بالربيع العربي. إزاء هذا الوضع الذي يهدد المنطقة العربية، ألتقط العاهل السعودي، فارس العرب سلمان، القفاز ودعا لعقد مؤتمر القمة العربية الإسلامية والأمريكية الذي ائتلف في رياض الخير، العاصمة السعودية في 21 مايو 2017، بحضور قادة وممثلي أكثر من 55 دولة عربية وإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لمناقشة سبل التنسيق والتعاون بين هذه الدول في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله وأياً كان مصدره. إنّ هذه القمة تمثل منعطفًا تاريخيًا في علاقة العالمين العربي والإسلامي مع الولايات المتحدة الأمريكية، سيما وأنها ستفتح آفاقًا أرحب لمستقبل العلاقات بينهم. وبلا أدنى شك، هذا اللقاء لا يقل أهمية عما أشرنا إليه أعلاه؛ لأنه ببساطة سيظل يؤثر على مجريات الأحداث في المنطقة لفترة طويلة مقبلة، وسيحكم السياسة الدولية تجاه دولنا في كافة الأطر. ويعلم الجميع أن المصالح هي التي سوف تحكم العلاقات بين الدول التي شاركت في قمة الرياض؛ ولذلك من الأهمية بمكان أن يوجد حلف، بطريقة أو بأخرى؛ لإنفاذ ما اتخذ من قرارات بالرياض، وإن لم يعلن رسمياً عن قيام أو تكوين مثل هذا الحلف. عموماً، أعلنت القمة عن بناء شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية؛ لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية إقليميًا ودوليًا، واتفق القادة على سبل تعزيز التعاون والتدابير، التي يمكن اتخاذها، لتوطيد العلاقات والعمل المشترك وتعهدوا بمواصلة التنسيق الوثيق بين الدول العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك؛ لتعزيز الشراكة بينهم وتبادل الخبرات في المجالات التنموية، كما رحبت الولايات المتحدة الأمريكية برغبة الدول العربية والإسلامية في تعزيز سبل التعاون لتوحيد الرؤى والمواقف حيال المسائل المختلفة وعلى رأسها مضاعفة الجهود المشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب. ومهما يكن من أمر، فإن الضرورة الراهنة تقتضي هذا التحرك الذي جاء في الوقت المناسب. والمملكة العربية السعودية، التي استضافت اللقاء، هي مهد الإسلام وبلاد الحرمين الشريفين، وتتمتع بثقل سياسي واقتصادي، لا يستهان به، ويتطلع إليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للقيام بدورها التاريخي المنوط بها للدفاع عن بيضة الدين وحفظه من التطرف والغلو! ومع أن الرئيس السوداني، عمر البشير، قد غاب عن هذا اللقاء، في خطوة سحبت البساط من تحت المتربصين والشامتين، إلا أن السودان قد كان حاضراً في مداولات المؤتمر، وهو بذلك يعد شريكاً استراتيجياً، وله الحق في جني ما يثمر عنه المؤتمر لاحقاً؛ خاصة بعدما ثبت بالدليل القاطع أن السودان لا يرعى الإرهاب ولا يدعمه، بل هو ضحية لحركات متمردة تقودها بقايا اليسار وظلت تزعزع أمن البلاد وتعيق تنميتها بدعم من بعض دول الجوار، وليس أدل على ذلك مما حدث في شمال وشرق دارفور في الأيام القليلة الماضية. لقد وضعت الرياض النقاط على الحروف بكل حنكة واقتدار وأوضحت رفضها لربط الإرهاب بأي دين أو ثقافة أو عرق.
05-27-2017, 02:41 PM
محمد على طه الملك
محمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 10624
سلامات يا محمد التجاني .. مع احترامي لقراءتك غير أتها أغفلت أن حصاد أمريكا من هذا المؤتمر هو الأكبر .. حيث تسنى لها اصطياد عصفورين بحجر .. عهد من الدول الاسلامية السنية بمحاربة التطرف الاسلامي وتجفيف مواردة .. واستلام الجعل المادي المطلوب من المملكة من تحت طربيزة اللقاء.. أما المقاربة بين هذا المؤتمر ومؤتمر حلف عدم الانحياز فلا أراها موفقة .
05-28-2017, 08:14 AM
محمد التجاني عمر قش
محمد التجاني عمر قش
تاريخ التسجيل: 10-22-2012
مجموع المشاركات: 501
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة