في برج الفاتح الفخيم وفي احتفالية الشمعة الأولى لصُدور صحيفة “اليوم التالي” كنت أجلس على منضدة قريبة من المُخرج وبعيدة نوعاً ما من المسرح، لم أشارك بالرّقص وإنّما اكتفيت بتحية الأخ مزمل أبو القاسم على النجاح مُنقطع النظير للصحيفة. عُدت أدراجي الى مقعدي فلفت نظري رجلٌ يجلس في المنضدة قبالتي، كَان كَثير الحركة ويتلفّت حوله باستمرار، الرجل كَانَ يرتدي بَدلة أنيقة جداً وكان مشغولاً بكيسين يمسك بهما بيده تحت الطاولة . انتبهت إلى أنّ الرجل يقوم بتفريغ الأكل الموجود على الأطباق في تلك الأكياس، ولأنّ الدعوة كانت في فندق خمسة نجوم، فقد احتشدت تلك المنضدة بكل ما لَذّ وطَابَ من مشاوٍ وسَلَطات وتحلية، فما كان من الرجل إلا أن يجمع في كيس المشاوي والمعجنات وفي الكيس الآخر الحلويات والفواكه، وكلما عبر نادل بالقُرب من طاولته كان يطلب منه المزيد من الأكل، كان يشرب بشراهة ويأكل بشراهة ويجمع ما تبقى في الأكياس . لم يشارك الرجل في الاحتفال وانما ملأ الكيسين بكل مافي الطاولة وغادر، وضح جلياً أنه لم يكن من المَعازيم ولكن التقط خبر الاحتفال من إحدى الصحف. تذكّرت قصة هذا الرجل وأنا أطالع خبراً أوردته صحيفة “الجريدة” أمس من أنّ والي الخرطوم عبد الرحيم مُحمّد حسين قد وجّه قيادات الحزب المحلية ولجان الزكاة الى الإبلاغ عن أية أسرة فقيرة، وأضاف أنه يجب أن نطمئن على ألاّ يكون بيننا جائع أو تلميذ دون وجبة . لا أدري لماذا أحياناً أشعر أنّ ساستنا (بستعبطوا) علينا…… فهل من المُمكن أن يكون والي الخرطوم لا يعلم أنّ نسبة الفقر تجاوزت الـ 80%، إن كان لا يعلم فتلك كارثة وإن كان يعلم (وعامل فيها رايح) فتلك مصيبة ثاني..! هل تعلم يا والي الخرطوم أنّ هناك مئات البيوت لا يعرفون شيئاً عن مذاق اللحمة ولا طعم الفواكه…… هل تعلم أن هناك منطقة بأمدرمان تُباع فيها اللحمة بالقطعة…… هل تعلم ماذا تعني القطعة، هي قطعة اللحم الصغيرة والتي تتناولها في (اللقمة).. هل تعلم أنّ هناك مطاعم جنوب الخرطوم تقوم بإعداد (حَلّة) من بقايا الدجاج والأضلاف والاحشاء وتعد منه وجبة يرتفع فيها سعر (الدمعة إن كانت معها أضلاف) عن سعرها بدون . هل تعلم أنّ آلاف الأُسر يشربون الشاي سادة من غير حليب….. وهل تعرف أنّ من الأُسر من ينتظر نظافة صواني الأفران ليجمع بودرة الخبز ويلتقط ما سقط في الأرض . هل تعلم أنّ أسراً عريقة يقوم فيها الأب والأم والأبناء بارتداء أفضل ما لديهم من مَلابس ويتصيّدون بيوت الأفراح ليتناولوا وجبة باعتبارهم من أهل العرسان . هل تعلم بأنّ بعض النساء تباهي جاراتها باعتبار أنّ لديهم تونة…… هل تعلم أنّ البعض يعيد استعمال ورق الشاي أكثر من مرة….. هل تعلم بأنّ هناك أُسراً تسعد بمُناسبات جيرانها حتى تضمن توفير وجبتين أو ثلاث.. هل تعلم أن صحن السَّلطة الخضراء المكتمل أصبح ترفاً، وأنّ التفكير بتناول كبدة أو لحوم هو ضربٌ من الجنون……. هل تعلم أن نسبة كبيرة جداً من المُواطنين يتناولون بليلة العدسية في مُحاولة لرفع (الهيموقلوبين).. وهل تعلم أن نسبة سوء التغذية وصلت الى 11.2% حسب آخر مسح سكاني . أيُّها الوالي أصدقك القول لا يوجد من هو شبعان غير الأسر العريقة وافراد تنظيمكم واللصوص.+
خارج السور :
قُد سيارتك بعيداً عن حاشيتك واذهب إلى جنوب الخرطوم وشمال أمدرمان وشرق بحري.. ستجد لا أحد يسكن هناك أو يقيم ويتنقّل غير الفقر..! *نقلا” عن التيار
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة