الوقاية خير من العلاج. كان هذا شعارًا لولاية الجزيرة رُصد له مال طائل من دفع الضرائب لتحقيق هدفه السامي، وغايته حكمًا حماية ورعاية السكان لينعموا بصحة وسلامة تعينهم على تصحيح حياتهم وزيادة إنتاجهم. فتطلعت أفئدة القريبين من موقع الحدث لصدارة المسؤولية المناط بها التنفيذ لا أفئدة المواطنين البعيدين الذين لم يسمعوا بما يجري. وتم تعيين لجنة على مستوى رفيع بتوجيه من مستوى رفيع. وهي لجنة من عشرة مؤهلين حازت على الثقة بشهرة طاقمها المشكل من أصحاب المجال مطعَّمين بمن هم من خارج المجال. وحُدد موعد لاجتماع لجنة العشرة المؤسس لجدول عملها وخط سيره فاكتمل الحضور بعزم بارز ونشاط نادر النظير. وبعد الافتتاح بالبسملة وشراب العصير البارد، بدأ أ.د. راشد الزين رئيس اللجنة بسرد تاريخي وعلمي عن التجارب المشابهة. واستعان في ذلك بمصطلحات إنجليزية قارة بتخصصه كأنه لا يجد مقابلها في لغته الأم فاستعصت على غير المختصين، وقد أكثر من الكلمات ذوات السوابق واللواحق كمن يفخر بالإجادة ولو فارقته الطلاقة حتى تبعه جل المجتمعين باستعراض مخزونهم من لغة الملكة فيكتوريا. وكذلك أسرف في الحديث عن البنية التحتية الصحية السيئة ووصفها بأنها « منتهية » وقارن بينها وبين الدول الغربية التي نال منها درجاته العليا، والدول النامية ولم ينسَ أمثلة العالم الثالث الخاطفة للنجاح. وتفاعل معظم المجتمعين في المرحلة النظرية الأولى وأدلوا بطموحات كبيرة طالت النظام الغذائي والرياضة. وتشابك الكلام بتطاوله وتعرجه وطفق ينأى ويدنو إلى السبب الذي انطلق من أجله في تأرجح، واختلطت الأفكار وظهرت آراء يائسة رجمًا بالغيب باعتبار ما سيكون من تخريب متوقع من الإنسان لخططهم، وهذه الفقرة حازت حيزًا واسعًا ووقتًا أطول وغلبت وجبت ما قبلها إلى أن انتزع الرئيس الفرصة وقال: - في الختام أقول ويحدوني الأمل أننا أي أعضاء هذه اللجنة لابد أن يكون لنا نصيب الـ .. وتدارك نفسه قائلاً : - ولا أريد أن أقول نصيب الأسد بل دعوني أقول نصيب الممتاز من هذه الميزانية لما تعلمون من دوركم فيها، وما بقي إلى ما رأيتم، ورمقهم بنظرة عجلى أصابها سهم الحرج فقال : - تقريبًا ، ليس منكم من لم يتخرج بتقدير ممتاز. وتراخت نظارته وتدلت على أنفه فاستطرد بتبسم : - نصيبنا لا يقل عن نصيب العاملين عليها. فضحك الجمع ضحكة متوسطة الارتفاع والزمن وقال د. جلال شريف صاحب الياقة الناصعة مستظرِفًا: - هذا إن لم يكن لنا الخُمس. فزادت الضحكات حتى تمايل القوم. ولكن تصدت لهم بقوة الأستاذة نعمات إبراهيم المضافة إلى اللجنة بصعوبة في اللحظات الأخيرة درءًا لغياب المرأة فتكبدت وزوجها مشقة القدوم من الريف إلى مدينة ود مدني عاصمة الولاية حين تساءلت : - وأين أهل الولاية من كل هذا؟. فرد عليها بِمَن العضو الذي جلس بجوار رئيس الجلسة القادم من المركز لابس بدلة السفاري بقوله : - فليشكرنا أهل الولاية أنها ليست مسرحًا للحرب! ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. وشارك بحماسة من يُحسب أنه كان في غفوة قائلاً : - هذا القصد كله لله. وقال أقصى الجالسين السيد النعيم خضر بنبرة عدم الرضا عما طُرح : - إعطاء الولاية حقوقها هو إعطاء للبلاد ووفاء لها وجبر لضررها. إنها الوطن مصغَّرًا. إنها تمثل نموذجًا للتنوع والتعايش. فقاطعه عبدالخالق الطاهر مسؤول شؤون الأفراد الذي أذاعت صيته لقاءاته السياسية العامة حيث دق أبواب الهوية فيها وكان غالبًا ما يأخذه الميل إلى هويته مستنكِرًا : - « تنوع؟! تنوع بتاع الساعة كم ». وانقسموا إلى ثلاث فرق ؛ فرقة مناصرة لرأي رئيس الاجتماع القائل بنصيب الممتاز، وفرقة رافضة للعملية برمتها وترى استحقاق الولاية الكامل للميزانية المرصودة، وفرقة بين الفرقتين. وقد بدت الأستاذة نعمات إبراهيم شجاعة شديدة الدفاع عن حقوق الناس وعنيدة ومثَّلت صخرة العثرات حينما احتد التداول فحسم الرئيس النزاع وقال : - مادمنا مختلفين فلا خيار سوى الخيار الديمقراطي وعليه سنبدأ بالتصويت. وقال بحس إيحائي : - من يؤيد فكرة نصيب الممتاز فليرفع يده. فرفع سبعة من الحاضرين أيديهم وثامنهم رامي الاقتراح، ومنهم من رفع يمناه ويسراه معًا وقد غبرت رأسه شيبة. ثم تابع الرئيس بصوت خفيض وهادئ يقول : - ومن يرفضها فليرفع يده. فرفعت الأستاذة نعمات إبراهيم يدها فذة متفردة. وامتنع السيد النعيم خضرعن التصويت كأنما يداري ضميره وفي حسبانه الاحتمالات المنظورة وغير المنظورة وحتى لا يخسر علاقاته ومصالحه مع المسيطرين بسياسة الأمر الواقع. وانفض الاجتماع بنتائجه الملزمة فقامت الأستاذة نعمات إبراهيم في حسرة تردد : - لا أمل ، لا أمل. وتولت بإخلاء طرفها فرجوها بأجمعهم أن تبقى لتناول الغداء المعد على شرف المناسبة فأبت وقالت لهم وهي غاضبة : - « تاكلوا السم ».
أخونا السعادة قصص الفساد والإفساد أصبحت شيئاً مألوفاً وغير مستغرب من مسؤولي البلد... ولكن للعلم بالشئ ورينا الميزانية دي كانت كم؟؟؟؟؟ عشان نعرف الوقاية خير من العلاج بكم في هذ الزمن؟؟؟
كما ترى فهي قصة قصيرة تميل إلى الإجمال بطبيعتها وليست طويلة حتى تميل إلى التفاصيل الدقيقة. ولن يفوتك أن القصة القصيرة تشحذ ذهن القاريء لتصور الأحداث غير المكتوبة فيها، وربما يتفاوت فهم القصة والفائدة منها من قاريء إلى آخر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة