شهدت مدينة كيمبردج بإنجلترا يوم الأربعاء 7 ديسمبر 2016 افتتاح المركز الأوروبي لدراسة التطرف (eurocse.org)، والذي يهدف إلى تقديم فهم جلي ومنهجي للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناشئة والمتصلة بظاهرة استشراء الفكر المتطرف في المجتمعات الإنسانية.
يطرح المركز تصورا رئيسا لعمله يستند إلى التفكيك لنظام يعتمد في الأساس على الرأي العام الذي يخضع للصياغة والتحوير وفقا لآليات صناعة الرأي المعهودة، والاستفادة من الحصيلة أرضية لدراسة فكر التطرف بشكل متعمق استنادا إلى التحليل المنهجي للبيانات الحقلية وغيره من الآليات المعتمدة في دراسة الظواهر الإنسانية، ويتطلب ذلك –بحسب المركز- إشراك المتخصصين في مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية، بُغية تكامل البحث من زوايا علمية مختلفة، وبما يحقق الهدف المنشود من إنشاء المركز.
لخّص الدكتور/ مكرم خوري مخّول، مؤسس ومدير المركز، دور المركز في خطاب الافتتاح قائلا إنه يتضمن تقديم التحليلات المنهجية، وتشجيع الحوار الناضج وروح المُساءلة الاجتماعية والسياسية، واستخدام الأدوات المناسبة لتعليم المجتمعات الأساليب الأمثل في مواجهة الفكر المتطرف، علاوة على تشجيع التداول الهادئ عن الآثار السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية للفكر المتطرف والعنيف، وبما يساعد على تطوير حوارات عقلانية تؤدي إلى المعالجة ونشر الحقيقة وتحقيق الانتقال إلى أوضاع إيجابية.
كما أوضح د. مكرم أن المركز سيستخدم العديد من الوسائل المتاحة لتحقيق تلك الأهداف وتشمل الإعلام والتعليم والمؤتمرات والسمنارات وورش العمل والحلقات التوعوية.. إلخ بهدف صياغة مجتمعات أكثر سلامة اجتماعية، ومستقبل أكثر إشراقا للبشرية.
تطرّق الأب روان ويليمز، كبير أساقفة كانتربري وزعيم الكنيسة الأنجليكانية سابقا، وعميد كلية ماغدالين في كيمبردج حاليا، إلى دور الفهم الصحيح للدين في محاربة الفكر المتطرف، وأشار إلى أن الإخاء بين البشرية يستند في الأساس إلى التعليمات الحقيقية التي جاءت بها كل الأديان، وإلى أن دور المؤمنين هو نشر الإخاء والتسامح وقيم التعايش السلمي بين البشر بصرف النظر عن انتماءاتهم المختلفة.
تحدث الأب روبرت أيمز، كبير أساقفة إيرلندا سابقا، وعضو مجلس اللوردات، عن تجربته الخاصة في محاربة الفكر المتطرف والخلاف الطائفي، حيث عمل لسنوات طويلة على محاربة التطرف الطائفي في إيرلندا الشمالية، وأشار بشكل خاص إلى تجربة إشراك الأمهات والأطفال في حوارات إنسانية تسعى إلى تخفيف حدة الطائفية، وإلى ما حققته تلك التجربة من نجاح في مجال محاربة فكر الإقصاء والإلغاء التي تستند إلى فهم مغلوط لحقيقة الدين.
كما خاطبت الحضور أيضا البارونة أودين، العضو الدائم لمجلس اللوردات، والتي كانت أول سيدة مسلمة تصل إلى مجلس العموم البريطاني في التاريخ، وأشارت إلى تجربتها الخاصة في النشاط الاجتماعي الذي يهدف إلى محاربة الفكر المتطرف والأفكار السلبية المسبّقة التي تنتشر لدى بعض القطاعات، وأشادت بفكرة إنشاء المركز، متمنية للقائمين عليه التوفيق والسداد في هذا المسعى النبيل.
أعقبت الكلمات الافتتاحية لكبار الضيوف الجلسة المتخصصة عن التطرف السياسي من منظور علم النفس، وترأسها الدكتور صلاح البندر، الباحث ورئيس برنامج المجتمع والسلامة المدنية في المركز، وتحدث فيها كل من الدكتورة بنينا غولد، الباحثة المعروفة دوليا في مجال علم النفس السياسي، والدكتور ريتشارد شيري، الخبير في أنظمة التغيير النفسية، والدكتور جوزف الخوري، الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت والمتخصص في معالجة الصدمات النفسية لضحايا الحروب والنزاعات المسلحة.
أشعل المركز شمعة تذكارية للتعبير عن نشاطه في محاربة الفكر المتطرف، وأشارت الورقة التوضيحية إلى أنها ترمز للأمل بالتطور الإيجابي في مجال التعايش السلمي بين الشعوب، وإلى الأمل والسعي معا لنشر روح التواصل والأمانة والمساواة والتكامل بين البشر بمختلف انتماءاتهم واعتقاداتهم.
في اليوم التالي، الخميس 8 ديسمبر، أقام المركز الأوروبي لدراسة التطرف فعاليته الأولى، حيث شهدت مدينة كيمبردج البريطانية يوم الخميس 8 ديسمبر 2016 مؤتمره عن موقع تركيا في الخريطة الإقليمية والدولية.
خُصصت الجلسة الأولى من المؤتمر للتأطير للأوضاع التركية خلال السنوات الماضية، حيث تطرّق المتحدث الأول، الدكتور إسماعيل سزغن، المدير التنفيذي لمركز دراسات حزمت، Ismail Sezgin، إلى نشاطات مؤسسة "حزمت"، التابعة لجماعة فتح الله غولن، وإلى الدور الذي تضطلع به في محاربة الفكر المتطرف عبر التعليم والنشاطات المجتمعية المختلفة، وذلك في إطار سعيها الحثيث للتعريف بالصورة الوسطية للإسلام على حد قوله. أما المتحدثة التالية، عائشة نور الدين، الباحثة في الجغرافيا البشرية، Ayse Nur Aydin، فتطرقت إلى الجهود التي تبذلها الحكومة التركية لتعليم اللاجئين السوريين في تركيا، وإلى سعي الحكومة لتجهيزهم إلى الانتقال إلى سوق العمل خلال السنوات القادمة. توقف المتحدث الثالث، عبد الكريم سِن، الباحث في مناهج تدريس التربية الوطنية في تركيا، Abdelkarim Sen، عند مسألة تطور المناهج الدراسية التركية بين العلمانيين الأتاتوركيين والإسلاميين، وأشار إلى أن كلا الفريقين سعوا إلى تعديل المناهج الدراسية بما يتناسب مع منطلقاتهم الإيديولوجية، وإلى مدى تأثر النشء على المدى البعيد بذلك العبث، حيث يخلق أجيالا ذات قناعات متباينة، ولا تنطوي بالضرورة على حقيقة ما يجدر بالمواطن التركي أن يحصل عليه عبر العملية التعليمية. أعقبت الجلسة مداولات محتدمة، وكان محورها الرئيس المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا في 15 يوليو 2016 الماضي، حيث وجّه بعض الحضور الاتهام مباشرة لجماعة فتح الله غولن، واصمين إياها بالإرهابية، وجاء الرد من بعض الحضور الآخرين دفاعا عن دور منظمة "حزمت" –تعني "خدمة" باللغة العربية- متهمين الحزب الحاكم في تركيا بالتشنج وباستغلال المحاولة الانقلابية لتصفية حسابات سياسية، وتساءلوا عن دلالة اختيار التوقيت، حيث لم تُبدِ الحكومة التركية أي عداء لجماعة فتح الله غولن إلا بعد أن اتهمتها الأخيرة بالفساد والمحسوبية سنة 2013.
بدأت الجلسة الثانية باستعراض توضيحي لنيكولا إسبوستي، الباحث في السياسة الدولية لمنطقة الشرق الأوسط، Nicola Esposti، عن طبيعة ومدى تحوّر علاقة الصراع بين الأنظمة التركية المتعاقبة وحزب العمال الكردستاني (PKK). أما العرض التقديمي الذي قدّمه تشالار أزيكوغلو، الباحث في الشؤون الدولية، Caglar Ezikoglu، فقد سعى من خلاله لتقديم مقارنة تاريخية بين ممارسات الحزب الحاكم في تركيا والمنهج الديكتاتوري الذي كان سائدا خلال حقبة من العصر اليونانية، وخلص إلى أن حزب العدالة والتنمية التركي لديه أجندة خفية لإنشاء نظام ثيوقراطي شبيه في بعض ملامحه بالحكم الإيراني. تطرق المتحدث الثالث، ساروهان هاتيغبوغلو، الباحث في الاقتصادي السياسي الدولي، Saruhan Hatipoglu، إلى الجانب الاقتصادي من السياسات التركية، موضحا أن المستثمر الأجنبي لديه مخاوف تتصل بحكم القانون، واستقلالية المؤسسات، وعدم وجود معايير وضوابط حازمة لإدارة العمليات المالية، وأشار إلى أن هذا الوضع قد نشأ في المقام الأول نتيجة لما تبع انقلاب 15 يوليو من كبت للحريات، واعتقالات لعشرات الآلاف من أفراد الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والجامعات وموظفي الخدمة المدنية، مضيفا أن الوضع قد يتدهور إن لم تتخذ الحكومة التركية إجراءات ديمقراطية واضحة لطمأنة رأس المال الأجنبي، وأنه رغم ذلك فإن استعادة الاقتصاد التركي لعافيته ستتطلب المزيد من الوقت حتى يتأكد المستثمر الأجنبي بأن استثماراته ستجد الجو الملائم اقتصاديا وسياسيا وقانونيا وأمنيا في تركيا. المتحدث الرابع، محمد توفيق علي، الباحث في الشؤون الكردية والتركية، Muhamad Tawfiq Ali، تعرّض لمسألة الموارد الطبيعية، وخاصة المياه في كل من تركيا والعراق وسوريا وكردستان العراق، وأجرى مقارنة بين الموارد المتوفرة وإمكانية التطوير، وشرح الأسباب الكامنة التي تجعله يُرجّح حدوث صراع على المياه في تلك المنطقة خلال العقود القادمة.
كانت الجلسة الثالثة مخصصة لسياسات تركيا في المنطقة وآثارها الحالية والمستقبلية، واستهلتها الدكتورة عائشة سوزن، مستشارة الشؤون الخارجية في ديوان الرئاسة التركي، Ayse Sozenـ، بالحديث عن تأثير المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو 2016 على السياسة الخارجية التركية، وأوضحت أن الحكومة التركية حريصة على الإبقاء على منظومة علاقاتها الاستراتيجية مع كافة الدول دون تأثر، وأنها تسعى في ذات الوقت لإصلاح البيت الداخلي التركي بما يتوافق مع نظم الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات. أما النائب البرلماني البريطاني، بول موناغن، Paul Monaghan MP، فتطرّق إلى النواحي الجيوستراتيجية بين الدين والوطنية، وضرب مثلا لذلك بنظرة الحكومة التركية إلى القضية الفلسطينية. كان ماركوس بابادوبولوس، ناشر ورئيس تحرير مجلة بوليتيكس فيرست، Politics First، Marcus Papadopoulos، هو المتحدث الثالث، وتعرّض إلى ما تمارسه السياسة الخارجية التركية من تعديات على سيادة الدول وحقوق الأفراد والجماعات، وضرب أمثلة من قبرص والعراق وليبيا وسوريا، وخلص إلى أن السياسة الخارجية التركية لا تحترم القوانين والمعاهدات الدولية، وتضرب عرض الحائط بالأعراف الخاصة بالمحافظة على الحقوق الإنسانية في إدارتها لعلاقاتها مع دول المنطقة، وختم بالقول إن المتضرر على المدى الطويل من تلك السياسات الجائرة هي الحكومة التركية في حد ذاتها، حيث ستنعكس عليها في حالة من عدم الاستقرار بدأت بالفعل في تركيا، إذ أصبحت ظاهرة التفجيرات الإرهابية ظاهرة مزعجة ومتكررة خلال الأشهر الماضية في تركيا، وخاصة في أسطنبول، حاضرة الدولة التركية الأكثر أهمية.
خُصصت الجلسة الرابعة لمسألة تركيا في المنظور العسكري في حقبة تتوجه إلى عودة ثنائية القطبية، وبدأها أفضل أمين، الباحث الاستراتيجي في شؤون النزاعات الدولية، Afzal Amin، بالتطرّق إلى التوجهات التركية الحالية في المسائل العسكرية والأمنية. أعقبه تيم ريبلي، الباحث والمؤلف في الشؤون العسكرية، Tim Ripley والذي أوضح أن أحد أسباب الغضب الغربي على الحكومة التركية هو دورها في دعم ما يُسمى بالجهاديين في ليبيا، موضحا أن ذلك يرجع إلى أن الغرب قد فقد تأثيره على تركيا، مما يُنذر بعواقب وخيمة في المستقبل إن استمرت السياسة التركية على هذا المنحى المدمر، وختم بالقول إن أولويات الأجهزة الاستخباراتية التركية معكوسة؛ إذ أنها بخلاف أجهزة المخابرات في العالم تركّز على الحيلولة دون وقوع انقلابات عسكرية عِوضا عن الاضطلاع بدورها التقليدي في مكافحة التجسس واستخلاص المعلومات المفيدة للدولة. أما سلجوك آيدين، الباحث في شؤون سياسات تركيا والمتوسط، Selcuk Aydin، فتطرق إلى الدور المرتقب للجيش التركي، المؤسسة الكمالية العريقة، في العلاقات الخارجية لتركيا خلال حكم حزب العدالة والتنمية، وأشار إلى السيناريوهات المحتملة ما بين الصراع والاحتواء والتعاون.
الجلسة الخامسة والأخيرة كانت للحديث عن تغيّر التحالفات والمصالحات التركية في المنطقة، وبدأها الدكتور أبتين خانباغي، كبير الباحثين لدى جامعة أغا خان، Aptin Khanbaghi، بتحليل العلاقة بين تركيا وإيران، والتقاطعات ما بين المصالح الاقتصادية والاختلافات الاستراتيجية على الهيمنة على أكبر شريحة ممكنة من الشرق الأوسط، وألمح إلى أن الوضع العجيب الذي تستمر فيه العلاقات التجارية مزدهرة بين البلدين في ذات الوقت الذي تسعى فيه كل من الدولتين لضرب الأخرى على المدى الإقليمي مرشح بالاستمرار في المستقبل المنظور، خاصة وأن المنظور الرسمي الإيراني يجيد التلاعب على هذا الوتر، جامعا بين الإيديولوجية والبراغماتية، ومُفضّلا إحداهما على الأخرى بحسب مقتضيات الحال. أما الدكتور صلاح البندر، الباحث والأكاديمي، Salah Albander، فقد خصّص ورقته البحثية لموضوع الدور الذي يضطلع به الغاز الطبيعي في صياغة العلاقة ليس بين إيران وتركيا فحسب، بل أضاف إلى المعادلة روسيا أيضا، وأشار إلى أن الرئيس الروسي بوتين يحمل دكتوراة في توظيف الغاز قوة ناعمة لتحقيق أهداف استراتيجية، ولفت النظر إلى الجانبين الروسي والإيراني يسعون حاليا لإنشاء كارتل للغاز على نمط يحمل ملامح أوبك، وأن هذا التطور يثير الكثير من القلق في عاصمتيّ صنع القرار الغربي، لندن وواشنطن. كما تطرق أيضا إلى آفاق تعليق الناتو لعضوية تركيا في الحلف، وما قد يترتب على ذلك من تحولات واسعة في علاقات وتحالفات النظام التركي في المنطقة. آثر دانييل فاراسي، أستاذ العلوم السياسية، Daniel Faraci، أن يستعرض المحاولة الانقلابية التي وصفها بأنها "مصطنعة"، ثم يشرح ملامح العلاقة الأمريكية التركية المرتقبة عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت مؤخرا، وقال بأن الكونغرس الذي يميل إلى الفكر السياسي المحافظ لن يقف موقفا صديقا لأردوغان، وبأن ترامب لا يهتم في الشؤون الخارجية سوى بالاتفاقيات التجارية، وأن ذلك سيجعل عملية صنع القرارات المتصلة بالشؤون الخارجية تقع بشكل كبير على عاتق نائب الرئيس ووزير الخارجية الذين سيختارهما ترامب، وختم بالقول إن صورة العلاقة بين أمريكا وتركيا قد تخضع للكثير من التطورات خلال الفترة القادمة بسبب العوامل التي ذكرها.
شهد المؤتمر العديد من العلماء والباحثين وطلاب الدراسات العليا بجامعة كيمبردج، علاوة على مجموعة من الساسة والدبلوماسيين والإعلاميين.
12-15-2016, 01:35 AM
Moutassim Elharith
Moutassim Elharith
تاريخ التسجيل: 03-15-2013
مجموع المشاركات: 1275
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة