أحدث فوز المغربية الفرنسية ليلي سليماني ضجة واسعة في الأوساط الثقافية الفرنسية والعربية، حيث استطاعت اقتناص جائزة الجونكور بعملها الثاني، وهي ابنة الخامسة والثلاثين عاما، وتعتبر ثالث عربية تحصل علي الجائزة بعد الطاهر بن جلون وأمين معلوف، وأول امرأة من أصل عربي، وخامس سيدة خلال عشرين عاما، كما أن روايتها قد أثارت اهتماما واسعا حيث استطاعت ببساطة الولوج إلي مشكلات المجتمع الفرنسي، وصراعه الطبقي في العصر الحديث، وكذلك تقديم صورة من قريب لحياة ومشكلات الأسر في عصر الحداثة. وفيما يلي نقدم مقتطفا مما كتبته الصحف الفرنسية عن فوزها بالجائزة، وأحد المقالات التي تناولت روايتها مستبقة حصولها علي الجائزة. في جريدة (لاكسبريس) كتبت (أجنس فرنس بريس) بتاريخ الثاني من نوفمبر 2016 وعقب الإعلان عن حصول ليلي سليماني علي الجائزة: "الرقيقة ليلي سليماني روائية المناطق المظلمة" بروايتين فقط استطاعت المغربية ليلي سليماني 35 سنة فرض نفسها كصوت أدبي جديد لا يتردد في استكشاف واقتحام مناطق مظلمة، حيث شبق لحظة جنون لمربية محترمة وجيدة في كل شيء. بوجه شاب محاط بالشعر المموج، توجت الصحفية السابقة بجائزة جونكور، أهم جائزة أدبية فرنسية، عن روايتها (الأغنية الهادئة) المنشورة لدي "جاليمار" وهي المرأة الخامسة التي نالت الجائزة خلال عشرين عاما، وهي أصغر الفائزين. ولدت ليلي سليماني عام 1981 في الرباط لأسرة تفضل اللغة الفرنسية، وتعمل أمها طبيبة، وكان والدها مصرفيا، توفي قبل عشر سنوات. جاءت إلي فرنسا للدراسة في سن السابعة عشرة، حيث درست فصلا تمهيديا أدبيا، قبل أن تدرس العلوم السياسية في باريس. ومن ثم اتجهت المرأة الشابة إلي الصحافة، وعملت لمجلة (جون أفريك)، مع التشكيك في استمرار مسيرتها التي انتهت بالفعل بتقديم استقالتها والالتحاق بورش الكتابة الإبداعية التي نظمت في "سان دي سانت" مقر دار نشر "جاليمار" مع (جان ماري لاكلافنتاين) كمؤسس ومسئول. كتبت سابقا مسودة أولي (في حديقة الغول) رواية عن الشهوة، والتي استلهمتها بعد وقت قصير، من ولادة ابنها، وهي تتابع حادثة "دومنيك ستروس كان" علي شاشات التليفزيون. وقد دهشت كيف أمكنه وضع حياته علي المحك، ولكنها وجدت أن دراسة هذا الإدمان للجنس من ناحية المرأة مثير أكثر للاهتمام، "فلطالما رغبت في الحديث عن الحياة الجنسية للمرأة" توضح سليماني لجريدة "لاليبراسيون". المربية شخصية الرواية خرجت من مدام بوفاي علي حد تعبير والدتها، ولاقي الكتاب النجاح، حتي في المغرب، تقول الكاتبة: "نجح للغاية لأن البطلة كانت فرنسية، ولو كانت مغربية لأصبحت كارثة"، لقد اعتمدت الرواية علي قصة حقيقية، وقعت في نيويورك عام 2012 حيث قامت مربية بقتل الأطفال الذين كانت تقوم برعايتهم. الرواية مهداة إلي ابنها إيميل، وتبدأ بجمل لا هوادة فيها: (الرضيع قد مات، احتاج لبضع ثوان فقط. أكد الطبيب أنه لم يتألم" بأسلوبها المباشر والدقيق ليلي سليماني (حامل حاليا بطفلها الثاني)، تروي هذه القصة الرهيبة بطريقة باردة. وتقدم أيضا تحليلا حول العلاقة الطبقية بين العائلة الباريسية المعاصرة والمكللة بالنوايا الحسنة، والمربية "لويز" الحريصة والدؤوب في عملها والتي كانت في المقابل بائسة في أعماقها ومظلمة للغاية. "الموضوع ولد لأنني في الحقيقة أنا أيضا كان لي مربيات في طفولتي، كنت جد حساسة لمكانتهن في المنزل، حيث هن أمهات، ومربيات في نفس الوقت" قالت سليماني وهي ذاهبة لاستلام جائزتها. "كنت متأثرة بوضعهن الصعب، اكتشفت أنه كان يمكن أن يكن شخصيات روائية" أوضحت برفقة والدتها، التي وصلت من المغرب. "جاءها حدس الساعة الرابعة والنصف صباحا" قالت مازحة. وكانت الكاتبة قد حصلت سابقا علي جائزة (مامونية) عام 2015 عن كتابها (في حديقة الغول) المنشورة لدي (جاليمار)، وهي أول امرأة تحصل علي هذه الجائزة المخصصة للكتاب المغاربة الذين يكتبون بالفرنسية. أما مجلة (تلكل) فقد جاء فيها بقلم جيل كريتوا بتاريخ الثامن من سبتمبر الماضي (الأغنية الهادئة)، الكتاب الذي من الممكن أن يجلب جائزة الجونكور لليلي سليماني الرواية الثانية لليلي سليماني "الأغنية الهادئة" المرشحة لجائزة جونكور 2016 (حصلت عليها بالفعل بعد نشر المقال) تعرض هذا العمل الاجتماعي الرائع والمأساوي، والذي يعد بمثابة نظرة متفحصة للعلاقات الاجتماعية والعائلية في زمن الحداثة. البداية تشير إلي المؤامرة، تداهمنا مباشرة بأن الرضيع مات، ومن الصفحات الأولي تقوم ليلي سليماني بقتل ثلاثة من الأبرياء وتنحيهم، لكنها لا تترك لك المجال إلا لتظل متوترا خلال القراءة التي تمتد لمائتي صفحة من الأغنية الهادئة، حيث تبدو "ميريام" كبطلة عادية، أيامها مرتكزة قبل كل شيء حول طفليها، "ميلا" و"آدم"، وهي طبعا لم تكن راضية عن روتين حياتها، وكانت أحيانا تقوم بسرقة أشياء تافهة من المتاجر، وتتشارك حياتها مع "بول" الذي يعمل في مجال الموسيقي، وقد كانت غيورة حين أخبرته بأنها تريد العودة لمزاولة مهنتها الأصلية في مجال القانون، مبررة ذلك بأنها تريد أن تعاود حياتها النشطة، ومن ثم قام الزوجان الباريسيان الشابان والعصريان بتعيين المربية "لويز"، والتي وصفتها ميريام بأنها "خرافية، ومميزاتها كانت بلا حدود"، لويز دخلت في حياة الأسرة بسرعة، وكان شغلها الشاغل هم الأطفال المدللين والقطط المدللة أيضا، وحضورها كان يزداد قوة مع الوقت كلما دأبت علي العمل، وبالتوازي استمرت حياة الزوجين تتكتشف علي مهل للقارئ، لكن لويز ظلت تحتفظ ببعض الغموض، في لعبة بين النور والظلام، والتي لها علاقة بالوضع الاجتماعي لكل منهم، لويز تعمل في المطبخ، وكانت حريصة في عملها ، وبول وميريام كانا يتألقان أثناء وجبات الطعام، واستراحا أخيرا من المهام اليومية، كانا يعيشان في حلم كطفليهما. تحقيق اجتماعي بعد كل هذا ينتهي كل شيء إلي مأساة، من الحلم إلي الكابوس، سليماني كانت تضع ديكورها باحترافية، ولم تكن تضع ضربات فرشاة كبيرة لتوضح الأدوار الرئيسية، عدا الأرق والأخطاء وبعض الأفكار العابرة.. كل هذا كان كافيا لصنع صورة شاملة للوضع الذي يعتبر شائعا واعتياديا، "الوقائع المبلغ عنها هنا مثل الكثير من المستندات في الملف"، تحقيق اجتماعي ونفسي بين عيون الآخرين ومشاعرهم العميقة. سليماني تشرح خلال الصفحات العلاقة الحتمية والصعبة بين لويز والزوجين، تلك العلاقة التي تقوم علي تنظيف البيت الذي يحتاج جهدا، وتتحدد أيضا بالشخوص وخلفياتهم، حيث بول قد رباه أبواه علي كراهية التسلط، وعلي الاحترام الذي ربما يكون زائدا للأشخاص مهما كانوا بسطاء، أما ميريام فكانت تبذل قصاري جهدها كي لا تجرح لويز، وقد هنأها بول علي حسها الراقي في التعامل معها، ولكن لا شيء مثالي في هذه الحياة، حيث هناك معركة طبقية تلعب، وتربية الأطفال كانت مسرح تلك المعركة. وقد دخل بول الصبور في نوبة عصبية سوداء عندما فوجئ أن ابنته قد وضعت مكياجاً كراقصة ملاه مبتذلة، وكانت أظافرها ممتلئة بالطلاء الوردي بطريقة سوقية، والذي وضعته لها بكل حنان وتواطؤ مربيتها. في اتجاه المأساة سليماني وضعت شخصياتها في ظروف تتحدي رغبتهم ونيتهم الطيبة في أن يعيشوا باحترام هانئين، وبين الرغبة في الهيمنة والحب والاختلاط والسيطرة في تداخل، وتدريجيا بدأ الحلم يختفي ويصير الوضع مظلما أكثر، وسيطرت عليهم من جديد مشاعر المرارة كما كانت في الصفحات الأولي "الصمت وسوء الفهم يضيعان كل شيء" مشاعر الخجل والعار تؤرق الأفكار الحميمة، حيث الرغبة الملحة لبول في الاستغناء عن لويز، والندم الذي جعل ميريام تتساءل كيف استطاعت أن تسلم أولادها، وهكذا وداخل حتمية العلاقات الاجتماعية يخلق وعي كل فرد وعواطفه وهواجسه، سليماني وضعت آلية معقدة تذهب بنا إلي مأساة لا مفر منها، والقارئ يدرك ذلك بالفعل. المؤامرة هي في التفاصيل التي تؤدي لها. غير حاضر ليتوسل سليماني تتمسك بالحقائق، وبطريقتها الانفعالية والمرتبة تغير بانتظام الأسلوب ما بين المباشر وغير المباشر. وإن كانت تسمح لنفسها ببعض القفزات داخل الأفكار الداخلية لأبطالها، وغالبا هي تفضل وصف أفعالهم التي هي في الأساس غير مهمة لكنها تفعل ذلك بدقة وبالتفاصيل، وبشكل مبتكر وفعال، ونشعر أن سنوات عملها في الصحافة واهتمامها بالسينما يساعدانها علي ذلك. وهناك أيضا إشارات وومضات شعرية مظلمة كما هو واضح جيدا علي غلاف الكتاب الخلفي، ولكن دائما بطريقة رصينة، وقد كانت تفضل الحقائق العلمية البسيطة. هذا الأسلوب يقترب من أسلوب رواية في حديقة الغول، روايتها الأولي التي صدرت في أغسطس 2014 والتي حققت نجاحا، وطبعت مرتين خلال أسبوعين من صدورها، والروايتان بينهما تشابه في نقاط أخري، شكل من أشكال الحتمية كان موجودا من قبل في حديقة الغول عندما كانت البطلة "أديل" مأخوذة كليا بالإدمان والهوس. الوصف الذي يعتبر دقيقا ويعالج الوضع الاجتماعي والطبقي أيضا، ولكن بين الروايتن يتبين أن رؤية سليماني للمجتمع صارت أوضح وعبرت عن نفسها أفضل، وبأسلوب أجرأ في رواية الأغنية الهادئة. غياب الرتوش والوضوح: قراءة الأغنية الهادئة تؤخذ من الحلق وتشعرك بالدوار، سليماني لا تشغل بالها بالجماليات، ولا تبحث عن الإبهار، ولا عن الطمأنينة، روايتها هي من دون تنازلات، وهذا لون من المظهر العاري لنوع من الحداثة عبر نافذة الزوجين اللذين ينتميان للطبقة المتوسطة. في النهاية لا أمل ولا اطمئنان، هي معرفة الإنسان فقط، سليماني حاولت أن تكذب بطلتها لويز التي كانت تؤكد أن الأطفال مثلهم مثل الكبار حيث لا شيء يحتاج إلي فهم أو شرح.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة