أصـــــــابع بَــــــــــدُر

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 08:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-02-2017, 09:23 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أصـــــــابع بَــــــــــدُر

    10:23 AM May, 02 2017

    سودانيز اون لاين
    حسين أحمد حسين-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر

    أصابع بَدُر

    رَفْ – رَفْ – رَفْ، تلك تقسيمة داف الأشغال التى يسمعها ود قِميحة وأُسرتُهُ كل صباح، بعد أن يكون قد استقرَّ واقفاً حيث تركه السائق لينادى على الشِّغِّيلة برفرفاته تلك. فوقتها يعرف أهل الدِخينات أنَّ الساعة الخامسة والنصف صباحاً قد حانتْ.

    نزل ود معروف من كابينة القيادة وطرق باب ود قميحة كعادته كل صباح، ومازال دافُهُ يرفرفُ بالخارج. وقد اعتاد أن يشرب شاى الصباح باللبن المقنَّنْ مع صديقه ود قميحة.

    بدُر، يا بدُر. وبدُر مازال على سريره يتمطَّى تحت بطانيته. بدُر إفتحْ الباب لعمَّك ود معروف، سَمِحْ يابا. قالها وهو لا يدرى من أىِّ العوالم قالها، ولكنْ عليه أن يردَّ بالإيجاب متى ما سمع صوت أبيه ينادى، ولا يهُم وضعُهُ الذى هو فيه. وأحياناً يقول سَمِحْ يابا حتى إذا علا صوت رجلٍ من الجيران ظانَّاً أنَّه والدُهُ. فبدر قالها هذه المرة وهو لم يغادر سريره بعد، لأنَّه مازال نائماً.

    عاود ود معروف الطرق، فصاح ود قميحة ينادى على ابنه من ثان. بَدُر، قَشُر إنتَ لِسّه ما قُمْتَ، تقوم قِيامتك .. إفتحْ الباب لعمَّك ! حاضر، النَّلبسْ نِعْلَىْ يابا. اللاَّبِسلَها شنو، تلبس الضريسة ! إفتحْ الباب لعمَّك بسرعة. لقد يئس بدُر من العثور على حذائه بسبب الإضطراب. لكنَّ والدَه أيضاً قد يئس منه وتبرَّم من تأخيره، فخطا نحو الباب ليفتحَ لود معروف بِنَفْسِهِ.

    الشاى آلحرم، يومنا راح. قالها ود قميحة وقد أقبل راجعاً بعد أنْ فتح الباب واستقبل ضيفه بكل ترحاب، وأجلسه حيث اعتاد أن يجلسه، ظهرُهُ للحرم ووجهُهُ فى وجهِ ود قميحة. هذا الوضع يعطى الحرم وولدها قدراً من حرية الحركة فى تلكم الساعة المبكِّرة من الصباح. حاضر آلخزين، حاضر. قالتها الحرم وهى تلفحُ ثوبها وتلُفُّهُ حولها وتتبلَّم بطرفه. فى هذا الأثناء يصيحُ ود معروف مُصَبِّحاً دون أن يلتفت صوبَ الحرم: صباح الخير آلحرم. أهلاً حباب ود معروف، صبَّحكْ الله فى رضاه. النَّبىْ التاية مو نصيحة. نصيحة وشديدة تَحْمِدْ سيدة. سَلِّمْ عليها وَكِتْ ترجعو. يَوْصَل إنْ شاء الله.

    بَدُر لم يَدْرِ إنْ كان قد غُفِرَ له ذلك التلكؤ أم لا. ولكنَّه على أىِّ حال، تحاشى أنْ تقع عينُهُ فى عَيْنِ والدِهِ، فانزوى فى مكان ما من المنزل. صاح ود قميحة: الشاى آلحرم، وَدَّرتى يومنا. واسترسل فى قصصهِ مع ود معروف حول رئيس العمال بالمصلحة و"الأُوبرتايم". الحرم: سَمِحْ آلخزين، لكن كَدىْ تعال لاجاى اللَّحَدِّثك. مالِكْ! فى شنو ؟ بِنْدُورلَنا فحم من الزريبة. نان ما تتكلَّمى من بَدْرى، ود معروف ماهو غريب.

    بَدُر، يا بَدُر، القَشَرْ دا مَشَى وين؟ بَدُر أبوك بِنادى. سَمِحْ جايى يابا. تجيك الكِشَّة. أنا ما قلتَ ليك لمان يكون فى ضيوف خليك قريب قد نحتاج ليك! هاك القروش دى أمِشْ جيب فَحَمْ من الزريبة، جَرِى، جَرِى من هِنا ومن هِناك. حاضر يابا.

    لبس بدر سِفنجة والدته وعدا نحو الباب عدواً، وغاب عن الأنظار. كان ذلك عند الساعة السادسة إلاَّ ربعاً، والشمس بعد لم تشرق. فنبحته الكلاب وأفزعته، جيئةً وذهاباً. فكان يزْوَرُّ منها ويتَّقيها إمَّا بجدار حائط، أو بتغيير الشارع، أو بجدعها بالحجارة، أو بالعدو بعيداً عنها، ممَّا أدَّى إلى تأخيرِهِ.

    فى هذا الأثناء، أكملتْ الدخينات إخراجَ حُشاشتِها البشرية من الشِّغَّيلة، فتجمَّعوا عند الداف بأبروناتهم الكاكية. فأخذهم ود معروف، وهو يسابقُ الريحَ إلى مصلحةِ الأشغال، مُعَوِّضاً بذلك الزمن الذى أنفقه سُدىً فى انتظارِ الشاى باللَّبنِ المُقنَّن بدارِ ود قميحة.

    أمَّا ود قميحة فقد إمتلأ غيظاً من ابنه بدر. وقال للحرم: القشر دا ما يرجانى فى البيت. لأنِّى لو لِقِيتو هنا، بورِّيهو المكشَّنْ بلا بصل. وعلى العموم، بلعَ ود قِميحة إحْراَجَه وركبَ مع ود معروف الداف متجهين نحو مصلحة الأشغال. ولعلَّهما إن وصلا فى وقتٍ مناسبٍ، لشرِبا الشاىَ من إحدى الحرائر اللائى فرَّخَهُنَّ الفقرُ، ليُغالِبْنَه بكَفَتيرةِ شاىٍ وشَرَقْرَقْ، على قارعةِ الطُرقات.

    أما بدر، فلما كان بينه وبين البيت ثلاثة حيشان، ما عاد يسمع رفرفات الدَّاف. فبدأ قلبُهُ يزدادُ فى الوجيب والرَّفرفة، واستطرد يرسم فى ذهنِهِ صورةً للعقابِ الذى ينتظره. فحين وصل البيت وجد سُحباً رماديةً من التهديد والوعيد. ولكن يبدو أنها لنْ تُمطِر على بدر، حيث أنَّ الحرم سوف تتدخل بِبَصارةٍ ما، لتجعلها تُمطرُ حوالى إبنِها لا عليه، ولربما بقِيَتْ كالمعتادِ سُحَباً خُلَّبٌ برْقُها.

    يتبع ...

                  

05-02-2017, 09:23 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (2)

    لقد أرسلت الحرم إلى أُختها بالعُشَرَة لتأخذ بدراً معها لا سيما وأنَّ اليوم هو يوم الخميس. كما أنَّ دلال لها اعتبارٌ خاصٌ عند الخزين ود قميحة. أما ما يلى الحرم، فقد أعدت خُطتَه بإحكامِ من يعرف بواطن الأُمُور، إنها دبلماسية الحرم إذاً.

    إرتدى بدرٌ زَيَّه المدرسىَّ وأخذ معه ملابسَ إضافيةً ليبقى الخميس والجمعة مع خالته دلال بالعُشَرَة. غير أنَّ بحثه المُضنى عن الفحم فى وقتٍ مبكِّر من اليوم، ضيَّعَ عليه فرصة أنْ يصلَ المدرسةَ فى مواعيدَ معقولةٍ كالمعتاد. هذا الأمرُ أدخله فى ورطةٍ جديدةٍ مع أبو - الفصل. والذى خوَّله ود قميحة لعملِ أىِّ شئٍ من شأنه أن يجعل إبنه منضبطاً، كما هو وارد فى وثيقة العهد التربوى غير المكتوبة بين المدرسة وولىِّ الأمر "ليكم اللَّحم ولينا العضُم".

    طرق بدر الباب ليدخل، لكنَّ اأُستاذ عبد الرحيم قد صفعه فى خدِّه الأيسر صفعةً كادتْ أنْ تُسقطَ كلَّ أسنانِهِ فى ذلك الجانب: "متأخِّر وكمان داير يفتحو ليك الباب يا حيوان أَجِبْ. أمش ارتاح فى بيت "أبوك"، وتعال ومعاك أبوك يوم الأحد. لكن يا أُستاذ عبد الرحيم أبوى ... اللَّبقة التَّسدْ حلقك .. غور من وشى".

    غاب بدر عن وجه أستاذ عبد الرحيم، والذى ربما لم يكن قد سمع بأنَّ الضربَ على الوجه منهىٌ عنه حتى فى حالة الحيوان، إكراماً له، فما بالك بالإنسان. غفر الله لنا وله، فإنَّه ربما يكون بحق غير مدرك للأمر. ولعلَّنا كلُّنا قد أدركنا ذلك فيما بعد، غير أنَّ خدودنا ممدودةٌ للقصاص لمن يريد أنَّ يقتصَّ منا.

    رجع بدر وهو يفكِّر فى حِيلةٍ أو كَذبةٍ يخرجُ بها من جحيمِ البيتِ والشارعِ والمدرسة. وهو لا يريد أنْ يكذِب، فقاموسه كطفل خالِ من الكذِبْ، ولكنَّه مضطرٌ لذلك هذه المرة. غير أنَّه تذكَّر أنَّ أُستاذ عبد الرحيم قد قال أنَّ الكذب حرام، وليس من شِيَمِ المسلمِ، صغيراً كان أم كبيراً، أنْ يكذِب. وقال أيضاً أنَّ مَن يكذِب سوف أكْسِر رقبتو. ولكن لماذا لم يكسر أُستاذ عبد الرحيم رقبة الحكومة والراديو والتلفزيون! بس حاقر بينا نحن التلاميذ!

    وصل بدُر إلى البيت وقبل أن يدخل سَمِعَ صوتَ فأسٍ خَمِلَةٍ تضربُ حطباً. فتح الباب، فإذا بأُمِّهِ الحرم تكسِّر طلحاً وشافا. وقالت دون أن تلتفتَ صوبَ الباب: أهلاً حباب الخزين، كيف قيَّلتَ، أُخُدْلَكْ راحة، بعدين تعال فِلْ الطلحة دى، وِكْتين دلال ساقتْ بدُر يَقَضِّى معاهُنْ الخميس والجمعة.

    سلام، دا أنا بدُر، يُمَّة. بدر! سجمى! الجابك هنا شنو! أنا ما قلتَ ليك تمشى ناس خالتك؟ لكن يا ولدى وَكِتْ اللهْ جابك تعال أدى الطلحة ضربات، قَدُر ما تقدر، والباقى خلو لى أبوك. وأنا الليلة كان ما لِحقتَ رقبتى دى بى دُخَّان، الرطوبة دى بِتْعَقِّلنى. ألَلَلَلَلْ من المخروقة دى، قُتَّ الحصل شنو؟ أستاذ عبد الرحيم ضربنى كَفْ، وقال لَىْ تجيب وِلِى أمْرك يوم الأحد، وقلتَ أجى أحدِّث أبوى.

    وفى حالةِ تعاطفٍ متماهيةٍ فى آنٍ واحدٍ مع الحدث ومع دبلماسية الحرم، بعضها مفتعل وجُلَّها حقيقى قالت الحرم: أُستاذ عبد الرحيم يضربو الضريب، إنْ كان مَزَهْلِلْ الوِلاد، الشّرَدْ شَرَدْ، الخلَّى المدرسة خلاَّها. إنْ شا اللهْ يضربو شيطان يريَّحْ منو عِيال الأُمة المحمدية، بركة الشيخ الياقوت. كدى تعال قريب وورينى وَشَّك. جُضْمَك دا مالو وارم كِدا؟ دا كَفْ أُستاذ عبد الرحيم، يُمَّة. اللهْ لا رحمو فى الدنيا ولا فى الآخرة، إنْ كان بِضرِّبْ فى الشُفِّع مِن يدخلو المدرسة لامِنْ يمُرقُو منَّها، مانى خاتية عليهو. وكدى أمسك الفأس دى منى، وأدى الطلحة دى ضربات، باقى الرطوبة دار تكسِّر كِرْعَىْ يا ولدى. وأعمل حِسابك، ما تضرب كُراعك، الفاس دى سنينة. أمَّا موضوع ولى الأمر دا، فخليهو علىْ، لُمَّان أبوك يَجى نشوفْ آخِرْتو شِنو.

    لا أحد يتعاطف مع بدُر فى هذا العالم المَزَهْلَلْ، سوى والدتُهُ الحرم. وإنمَّا يَحدثُ ذلك فقط فى غيابِ والدِهِ. أمَّا فى حضرةِ والدِهِ ود قِميحة، فلا تسمع كلمةً من أحد غير كلمة حاضر يا الخزين، وسَمِحْ يابا.

    يتبع ...

                  

05-02-2017, 10:02 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (3)

    الهمومُ تأخذُ ود قِميحة، وتترادفُ عليه، فلا يستذكر فى المساء ما حدث له بالصباح، ولا فى الصباح ما حدث له بالأمس، إلاَّ إذا تمَّ تذكيره بشئٍ آخر، والشئُ بالشئِ يُذكر. فحالة النسيان هذه، هى التى تمكِّن بدُر من الإفلاتِ من العقابِ والتهديدِ والوعيد. والحقُّ يُقال، مع كلِّ هذا العُنفِ اللفظىِّ، فإنَّ أيادى ود قِميحة لم تمتد أبداً لبَدُر بالضرب. وما أقسى لغةَ اللَّعنِ والشتمِ والتوبيخ، تلك التى تحطُّ من قدرِ الإنسان، فالضربُ أنفعُ منها إنْ كان لا مُحالة من عِقاب.

    عند الساعة الرابعة والنصف، وصل دافُ الأشغالِ إلى منزل ود قميحة. فحينها بدأ ود قميحة فى لَمْلَمَةِ حاجياتِهِ التى بداخل كابينة القيادة. وفى هذا الأثناء نظر ود معروف من على سور بيت صاحبه فرأى دُخَاناً يتصاعدُ من جهةِ النَّطعِ المعلَّقِ بالحائط، فمازحَهُ قائلاً: "شَكْلَكُمْ اليوم عندكم مشروع حضارى".

    لم تعجبْ ود قِميحة ممازحةَ صاحبِهِ وإيحاءاتِ أهلِ مشروعِهِ الحضارى المُهَجَّسين بِحُبِّ الأموالِ والنساءِ والولدانِ والقناطيرِ المقنطرةِ من الذَّهبِ والفضةِ وغيرِها من مواردِ البلادِ والعباد، لم تعجبْه مُطلقاً. وكفى بالمرء إثماً، أن يُرمى بِجَوامِعِ الشتم - المشروع الحضارى. فقد كَرِهَ ود قميحة من صديقه القديم الحميم تلصصَهُ داخل بيتِهِ، وانفجرَ يصبُّ جآمَّ غضبِهِ عليه. فقال ود قميحة لود معروف، داير تتحدَّث فى السياسة، أها إتْعَدِلْ اللَّقولَّك:

    باللهِ عليك، البلد دى غير المشروع الحضارى حقكم دا المسقِّط حجرا شنو. إنتَ المشروع الحضارى دا، قبيل وَكِتْ كُنا بنَّاقشْ فى قضايا النقابة مالك ما جِبْتَ سيرتو؟ تجيبة هسِّى وإنتَ بِتْعاين فى بيوت الناس! ولا تحسسوا ولا تجسسوا ما لاقتك فى مشروعك الحضارى دا! عامل دقنك الضلالية دى، يا ضلالى. هسِّى عليكم الله جندوركم اللَّمْلَسْ دا، يكوس حقوق ود قميحة الخِشِنْ الدِّشِنْ دا، زى ما كان بِكوسة ود الشيخ. ود الشيخ الوِكتين ينضم الدنيا دى كلها تسمعو، واللهْ مسخرة. أوعك تكون وِكتين تلَزْلِزْ فينى للجهاد تكون خاتى فى بالك تجى تعرِّس الحرم! شوف يا ضلالى إنتَ: من باكر دا، دافك دا يقيف جنب ميدان الكورة هِناك. وأوعك تانى مرة، تجى مارِّى بالقرب من الحيطة دى. بالله العظيم إلاَّ أحرقك واحرقْ دافك معاك، يا مُنافق.

    لم يفقْ ود معروف من هولِ ما لم يكن يتوقع سماعه على الإطلاق من صاحبه ود قميحة. لقد قال ما قال على سبيلِ الدعابة، وكلَّهم يقولُ مثلَ قولِهِ. وحتى ود قميحة لم يكن نشاذاً فى هذا السرب. فَتَمَنُّعُ الأمانى والطموحات، بسببِ الزلزلةِ التى يُحدثُها الفقر فى النَّفس البشرية، أحياناً يَحِجِ المرءَ، إلاَّ مَنْ رُحِم، إلى لسانٍ لَزِبٍ ومُبتذل.

    فاحتار ود معروف الذى بلغَ به الغضبُ مبلغاً عظيماً، فزاد طينةَ الموقفِ بِلَّةً. فقال بنبرةِ المجروحِ لصاحبِهِ ود قميحة: الكلام دا كلُّ يوم إنتَ بِتْقولو وأنا بقولو، الليلة الْجَدَّ شنو؟ واللهْ تكون بقيت من جماعة ود الشيخ؟ يلة يا زول لملم عفيشك وأنزل. ثمَّ بدأ يرفرفُ دافَهُ بخشونةٍ ويُحركُه ثمَّ يضغط على الكابح، مُحدثاً بذلك رجَّةً عظيمةً فى الداف، ناقلاً إلى صاحبِهِ أنَّ السيطرة على الأشياء عندنا نحن وليست عندكم أنتم. وما أنْ تأكَّد له أنَّ ود قِميحة قد وضع رجليهِ على الأرض، حتى سحب الدّاف من أمام بيت صاحبه بطريقة أدرك معها الجميع أنَّ التى بين ود معروف وود قميحة لم تكن على ما يُرام.

    نَفَضَ ود قميحة الغبارَ من على وجهِهِ، ذلك الذى خلفته رَفْرَفاتُ الدّاف، وهو يشتُمُ ويلعنُ صاحبَه ود معروف. ولحُسنِ الحظِّ، لم يسمع أحدٌ ما دار بينهما، فما من أحدٍ آخر معهما فى كابينةِ القيادة.

    فَتحَ ود قميحة بابَ بيتِهِ ودخلَ، وغبارُ الدَّافِ ودُخَانُ رفرفاتِهِ يملئان عينيهِ وأنفَه، والنَّهارُ فى تمامِ غيظِه. وما أنْ وصلَ جهةَ المطبخ، حتى زَحمَ دُخَانُ الطَّلْحِ والشافِ رئتيْهِ، ذلك الذى يخرجُ مُتثاقلاً من بين مسامِ بطانيةٍ عتيقةٍ سدَّدَ عليها الرَّان. سَرَحَ ود قميحة فى جزءٍ يسيرٍ من الثانية مع جسدِ الحرمِ المطلوح، ولهاثِ العربدةِ الحلال. ولكنَّ الدُّخَانَ كتمَ أنفاسَهُ فصاح: الحرم، بَدُر، آلحرم أمسكى الأكياس ديل. وبعدين، الشى دا ما تولعيهو بالليل، الغاشى والماشى يعاين فى المشروع الحضارى علايل فى السما! أبو المشروع الحضارى لِأبو الكلب. صاحت الحرم: حاضر يا أبو بَدُر جيتك. الدُّخَان أنا ولَّعتو عشان الرطوبة عَقَّلتْ كِرْعَىْ. أَحَّىْ، بَدُر ألحقنى، تعال ساعدنى يا ولدى.

    الرطوبة!! رطوبة شنو كمان، إنتِ مِتين بقيتِ للرطوبة. ويبدو، واللهُ أعلم، أنَّ الغضبَ وحمَّارةَ الغيظِ وكَتْمَ الأنفاسِ بالدُّخَان، قد تضافرتْ لتجعل الخزين ود قميحة لا – إرادياً خارج دائرة إيحاءآت الحرم، فماذا عساها فاعلة؟

    جاء بَدُر ليساعد والديه. أما الرطوبة فهى الكلمة التى إختارتها الحرم بعنايةِ إمرأةٍ أُميَّةٍ، لتقطع على ابنها استرسال حدسِهِ وخيالِهِ مع مآرب استخدامات الطلح والشاف المقترنة بنزوعِ النفوس إلى السكينة. شيل يا ولدى، أنا معقَّلة، حاضر يُمَّة. أخذَ بدُر الأكياس وأدخلها المطبخ. تنحَّى ود قميحة من جهة الدُّخَانِ ودخلَ غرفتَه. والحرم مازالتْ تُرقِّعُ خيالَ بدْرٍ بمزيدٍ من الأنَّاتِ والأحَّات. ولكنَّ بَدْراً فى خَوْض، والحرم فى خَوْضٍ آخر. فبدُر هواجِسُهُ كلُّها فى كيفيةِ الإفلاتِ من العقابِ الذى ينتظره. فوالدُهُ وصاحِبُهُ لم يشربا شاىَ الصباحِ بسببِ تأخُّرِهِ (وهو بعدُ، لا يعلم أنَّ التى بين والدِهِ وصاحِبِهِ خراب)، علاوة على الإحراج الذى سببه لِأبيه، وطرده من المدرسة لوصوله متأخراً بعد الحصة الأولى، والأدهى والأمر أنَّ على والدِهِ أن يحضر إلى المدرسة يوم الأحد الصباح، وذلك يعنى تأخرُهُ عن العمل وضياع الأُوبرتايم.

    فالأمر فى ذهن بدر فى غاية الاحتدام والاضطرام. ولكنْ تذكَّرَ بدرٌ أنَّ والدتَه قد قالتْ له، إترك الأمرَ لى. وعلى العموم، لم يكن لبدرٍ أدنى تصوُّر للكيفية التى ستُدار بها هذه الأزمة ولم يكن مطمئناً، خاصةً أنه لم يسمع مطلقاً أنَّ والدته قد نَبَسَتْ بِبِنتِ شفةٍ فى حضرةِ والدِهِ، بغيرِ كلمةِ حاضر.

    وعلى أىِّ حال، فإنَّ دبلماسيةَ الحرمِ التى أفلحتْ فى صرفِ ذهنِ بدرٍ عنْ الاسترسالِ مع استخدامات الطلح والشاف لغيرِ أغراضِ مداواةِ الرطوبة، لَهِىَ قادرةٌ من وجهها الآخر، على خلقِ حالةٍ من التوازنِ فى نفسيةِ ود قميحة، ولو موقتاً، وعندها تستطيعُ الحرمُ أنْ تطلبَ ما تُريد، دون أنْ ترجعَ منه خاليةَ الوِفاض.

    يتبع ...

    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 05-02-2017, 10:28 PM)
    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 05-02-2017, 10:29 PM)

                  

05-02-2017, 11:13 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (4)

    أرسلتْ الحيطانُ أكثر من ضِعفِ ارتفاعها ظلالاً. وهناكَ فى المكان الأثير، وضعتْ الحرم سريرين وثيرينِ وسِجَّادةَ الصلاة وإبريقَ النُحاس. وبين السريرين مِنضدةٌ صغيرةٌ عليها فوطةٌ أنيقة، شغلتْ أطرافَها الحرمُ بالحَرير، وعليها راديو ترانستور. ثمة نسمةٍ خجولة، توشوشُ أوراقَ النيمة التى تتوسط المنزل، وتحوِّلُ حفيفَها إلى نميمةٍ حميمة، وتهُزُّ أطرافَ المِلاءتين اللتين على السريرين مُحدثةً صوتاً خفيفاً من فرقعةٍ ناعمة.

    فى هذا الأثناء، خَرَجَ ود قميحة من الغرفة، بعد أن استبدلَ ملابسَهُ واستحمَّ وصلى عَصْراً هالِكاً. جاءَ إلى أحدِ الأسِرَّةِ ينوءُ بجسدٍ مُجهد. وما أنْ لامسَ جسدُهُ السريرَ الباردَ نوعاً ما بفعل تلك النَّسمة، نادتْ الحرمُ بدراً قائلةً: أمِشْ عَلىْ أبوك النَّجيبلَكُم الغدا، وبالمرة شيل معاك جركانة موية باردة وكُباية. حاضر يُمَّة. إنتَ إنْ شا الله تَحَضِرْ ماتغيبْ يا عشا امَّك، إيَّاكَ وحيدنا ودِخيرينا. قالتها الحرم بطريقةٍ تتعمَّدُ فيها تذكيرَ ود قميحة بأهميةِ بدرٍ فى حياتِهِما، ولكنْ هل مِنْ حياةٍ لِمَنْ تُذكِّر. فحين أحضرَ بدرٌ الماءَ الباردَ إلى حيث يرقد أبوهُ، وجده قد غَفا. فقد أغمسَهُ التَّعبُ فى ضَحْضَاحِ سِنَةٍ حَرَّى بالهواجِسِ والهموم: توبْ الحرم، كُورة بَدُر، وَخْز النَّدم، المشروع الحضارى، جندور، الأُوبرتايم .. تايم .. تايم .. وغطيطٌ خفيفٌ ومتواتر، يُومئُ بأنَّ الرجلَ فى غايةِ الإنْهاك.

    وَضَعَ بدرٌ الماءَ بالقربِ من أبيهِ وانصرفَ يُخبرُ أمَّه بأنَّ أباه قد نام. خزينى الخزين، هكذا قالتْ الحرم، يا حْليلو، اللهْ يَخضِّر ضراعو.

    اغتنمَ بدُر الفرصة، فتغدَّى سريعاً وذهبَ ليلعبَ الكُورةَ مع أولادِ الجيران. وتلك النَّسمةُ الخجولةُ هى الأخرى قد اغتنمتْ الفرصةَ ليمتدَّ شغبُها فَيُداعبُ النَّطعَ المُعلَّقَ قِبالةَ حُفرةِ الدُّخَان، ومُحدثاً بذلك خربشةً مسموعةً مع جدارِ الحائط. ذلك الصوتُ كان كافياً ليدغدغَ ذاكرةَ الحرم، التى ألْهاها إعدادُ الطعام، بأنَّ الفرصةَ الآن مواتيةً لإكمالِ مشروعِها الحضارى، كما يصفه ود معروف. فبدرٌ يلعبُ بالخارجِ وود قميحة نائم. فلم تمضِ وهلةٌ، حتى وضعتِ الحرمُ النَّطْعَ على حفرةِ الدُّخَان، لبستْ فِركتَها، رفعتْ البطانية، ودخلتْ تحتها لتُطلِحَ جسدَها، تداويه من الرطوبة، وتُهيئُهُ لسيرورةِ الحياةِ القديمة.

    رَفْعُ البطانيةِ أخرجَ كتلةً من الدُّخَان كانت كافية لتكتمَ على الخزينِ أنفاسَه، وجعلتْهُ يَسْعَل. وقام مفزوعاً وهو يقول: تانى المشروع الحضارى! يا ولية! القشرون القُشارى دا البِيَطَلِّعو من حياتنا شنو؟ الله يسقِّط حجرو بركة النبى وآلِ بيته وَكِتْ حامينا الراحة نايمين – قايمين. كدى خلى البِتَسوِّى فيهو دا، وقومى أدينا لقمة كسرة ناكلة. يا ود امِّى الغدا جاهز، جِبناه لقيناك نُمتَ.

    بدأتِ الحرمُ فى تقشيرِ جسدِها المطلوحِ أمام ود قميحة، لتُحضِر له الغداء، بحركةٍ لا تخلو من الغَنَج، وكاشفةٍ عن ساقٍ مُمشوقةٍ مُمَرَّدة، وتتصببُ عَرَقاً. فامتدَّ تأثيرُ تلك الحركةِ الشَّبِقَةِ لتُلامسَ مركزَ الإحساسِ الموازىَ عند ود قميحة، فَفاضتْ سَراويلُهُ. ولكنْ سرعانَ ما غاضتْ بفعلِ الهواجسِ مِمَّن يتلصَّصون على بيوتِ الفقراءِ من أصحابِ العرباتِ والبِناياتِ الشاهِقَة، فصاحَ يحثُّ الحرمَ على البقاءِ بساونتِها البلدية. فقامَ ود قميحة وأتى بالصينيةِ المُغطاةِ بطبقٍ أنيقٍ أيضاً ومن صنعِ يَدَىِ الحرم. بدُر، يا بدر، فردَّتْ الحرم بأنَّ بدراً قد تغدَّى ومشى الكورة. يا الله!!! أنا نسيتْ أجيبْ كورة بدر، وبالمناسبة أنا ما جبتَ ليكِ التوب القلتَ عليهو الخميس الفات، لأنَّو الدور دا ما صرفو لينا الأُوبرتايم. قالت الحرم: باكر بِجى يا الخزين، ماتشيل لىَّ هم، لكين كورة بدر لازِمْ تجيبا!

    ضيقُ ذاتِ اليد، وقلة الحيلة فى مواجهة ما هو ضرورى، أو فى مقابلةِ تلبيةِ رغبةٍ صغيرةٍ لطفل، تلسعانِ ضمير الفقراءِ لسعاً موجِعاً، لا يبدِّدُهُ إلاَّ الرضا بما قسمَ الله.

    تغدَّى ود قميحة حين بدأتِ الشمسُ التّوارى بالحِجاب، واضَّطجعَ وهو يقول: الحمدُ للهِ والشكرُ للهِ، اللَّهُمَّ زِدْها نعمةً وأحفظْها من الزَّوال، حمدُهُ الراتبُ إذا أكلَ أو شَرِب.

    فى هذا الأثناء أكملتِ الحرمُ ساونا العَصرياتِ البهيَّة، ونهضتْ مِنْ قُمقُمِها، بعد أنْ إنفَلَقَتِ البطانيةُ فِلْقَتين، وصعدتْ كتلةٌ كثيفةٌ من الدُّخَان، ومُنقَشِعة عن حَرَمٍ ... "أستغفرُ اللهَ مِمَّا قد يُخيلُ لى".

    أنسربتِ الحرمُ برشاقةٍ إلى داخلِ البيت، وخلعتْ فِركتَها، وخرجتْ بقميصِ نومٍ وتوب جارات، جدعتْهُ بإهمالٍ متعمَّدٍ على جسدِها الأسمرِ القَهَوىِّ المُضاءِ بالتَّوقِ إلى لحظةٍ حالمة. وكانتْ مع ذلك مهجوسةً بإحضارِ الشَّاىِ سريعاً إلى ود قميحة، حتى لا يتذكر أنَّه لم يشربْ شاىَ الصباح اليوم، فيعودُ فينفجرُ فى وجهِ بدرٍ بلعناتِهِ وسَخَطِهِ.

    بادَرَتْهُ بالشاىِ بسرعةٍ فائقة، وهى لاتعلمُ أنَّ التانين الذى فى الشاى، والكَفايين الذى فى القهوة، إذا تمَّ شرابُهما مباشرةً بعد الأكلِ يمنعانِ امتصاصَ الحديدِ الذى يكون فى مكوناتِ الطعام الذى قدمتْهُ له. وكان عليها أنْ تنتظرَ زُهاءَ الساعةِ أو يزيد، حتى يسرى طعامُها فى جوفِ زوجِها هنيئاً مريئا. لكنَّها ربما وُصِفَتْ فى مجتمعِها بأنَّها إمرأةٌ غير هميمة، كما أنَّها لا تريدُ لوحيدِها أن يكونَ مكسورَ الخاطِر، فلاحقتْ أباه بالشاى. ... وهل تُلامُ أُمِّيّةٌ على التفريطِ فى مثلِ تلك التدابير.

    أحضرتِ الحرمُ مقعدَها الذى تجلسُ عليه أمام المرآةِ فى غرفةِ نومِها، وجلستْ عليه قِبالة ود قميحة. فهى لا تريد أن تصبغَ مِلاءآتِها بالدُّخَانِ وعطورِهِ السائلة. جلستْ وقد تُبَّ فَخْذُها عن فَخْذِها بحياءٍ عظيم، فَشَرِبَ الخزين ود قميحة ثلاثَ كاساتٍ من الشاى. إنَّه شاىُ الحَرَمْ، تِرياقُ الخَرَمْ، وما أدراكَ ما شاىُ الحَرَم.

    حمد الخزين حمده المعلوم، واستلقى على ظهرِهِ. جَرَّتِ الحرمُ المقعدَ بالقربِ منه، وبادئتْهُ بمساجٍ خفيفٍ، تعهَّدتْ به جسدَهُ كُلَّه، وسُرعانَ ما تسرَّبَ إلى روحِهِ؛ يا لِتاتْرِدَلْكِ الحَرَم ويا لِمَساجِ الرُّوح. ولكنَّها فى خِضَمِّ ذلك، ذكَّرتُهُ بأنَّ آذانَ المغربِ قد أذَّنَ مُنذُ فترة، فنشِطَ كَمَنْ يَنهضُ من عِقال، وهو يقول: (إنَّما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم)، ثمَّ توضأَ وخرجَ إلى المسجد، الذى سيبقى فيه حتى صلاةِ العشاء، كما اعتادَ أنْ يفعلَ فى كلِّ يوم.

    فالخزين قد أوَّل أولادَكم تأويلاً فرضه راهنُ الأمرِ الماثلِ أمام عينه، والحرمُ ابتسمتْ إبتسامةً خبيثة، تنمُّ عن سيطرتِها على ذلك الأمر. لِمَ لا، أليستْ هى الأولادُ المذكورةُ فى تأويلِ الخزين ود قِميحة؟ فَمَنْ الذى أدْخَلَ الطَّبرى والقُرطبى وابنَ كثيرٍ، بين البرتقالةِ وقِشْرَتِها؟

    يتبع ...

                  

05-03-2017, 09:27 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (5)

    دَخَلَ بدُرٌ البيتَ عائداً من التمرين، وتوجَّه بسرعةٍ نحو الحمامِ ليستحمَّ قبل أنْ تُطلقَ الحرمُ تحذيرَها اليومى من حمَّام المغارِب. بَقِىَ هناك زُهاء نصف ساعة، ولمَّا خرج لم ينتبه إلى عتبة باب الحمام الأسمنتية التى ترتفع قليلاً عن سطح الأرض. فعليه أن يتخطاها خارجاً كما تخطاها داخلا. والشاهد أنَّ بدراً تعثر بالعتبة فَهَوَى على الأرض وشجَّ أنفه، وارتفع صوتُهُ بالصياحِ لمَّا رأى النَّزيف. هرعتْ إليه الحرم فوجدته ينزف، فقالت يا ولدى ياما حذرتك من حمام المغارب، لكن راسَكْ قوى ومابْتَسْمَعْ الكلام. فصاحتْ على ود الجيران خالد: يا خالد عليك الله نادى لىْ الخزين من الجامع شان يجى يودى ولدو دا حوادث المستشفى التركى. لَعلْ مافى عوج! والله يا ولدى بدُر دا واقع وجرح نخرتو وهو الآن ينزف، بسرعة عليك اللهْ نادى الخزين. خطا خالد خُطُواتٍ حثيثةً نحو المسجد وفى أُذنيه بكاء بدُر ود قميحة.

    سانحةُ ما بين العشاءين تتَّسعُ عند روَّادِ المساجدِ للتفاكر فى أمورِ الدِّينِ والدُنيا. غيرَ أنَّ ود قميحة يُفضلها دنيوية سياسية، ويتركُ أمورَ الدِّينِ لحلقاتِ قُرآنِ الفجرِ بِشَكْلٍ ثابت. وفى ذلك المساء لم يشغلْه شاغلٌ مِقدارَ تلصصِ صاحبِهِ ود معروف على بيتهِ من فوق الجدار. فصدرُهُ مَحْشوٌ بالضغينة، ويريدُ أن يُفرغَهُ من الإحنِ والمِحَنِ التى جرَّها عليه سفهاءُ آخرِ الزمان، الذين لا يرون امرأةً جميلةً إلاَّ استفزُّوا زوجها من عملِهِ أو من بلدِهِ، وراحوا يُلوِّحون لها بالمالِ ويتفرسون فى جسدها، أو تَمَنَّوْا وفاة زوجها، وإنْ لَّم يَمُتْ بالدعاء والتمنى، إفْتعلوا له حرباً وزجُّوه فيها. وقبل أن يقضىَ نحبه نعتوه بالشهيد، حالة كونِهِ لا محالةَ ميِّتاً، وأقاموا له عُرساً فرحاً بموتِهِ، وقاموا بإستخلافِهِ فى بيتِهِ بالنكاح.

    السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، إيذانُ فراغِ ود قميحة من سنةِ المغرب، ثمَّ بدأ فى شتمِ المغضوبِ عليهم، فى شخصِ ود معروف.

    يا عم الخزين، يا عم الخزين. يَخَزِن حِبْنَكْ إنتَ كمان، مالَكْ بِتتكلَّمْ تِحِتْ حَنَكْ النَّاس الكُبار يا قاشِر!! لكين، لكين خالتو الحرم مرسِلانى ليك، قالت بدُر ضاربْ نخرتو، وقالتْ ليك تعال وديهو التركى.

    لم يستطع أن يملك الخزين ود قميحة جنانه، فوزَّعَ غضبَهُ بين ود معروف، وخالد، وابنه بدُر. إلاَّ أنَّ قسمة الأخيرين من الشتمِ والغضبِ كانت أخفَّ قدراً. لا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلىِّ العظيم، استغفر اللهَ العظيم. لعنةُ اللهِ تغشاك يا ود معروف وتغشى مشروعك الحضارى. خالد يا ولدى نادى لىْ خير الله، قول ليهو الخزين قال ليك تعال وصِّلنا بى عربيتك المستشفى التركى.

    أصدرَ ود قميحة ذلك الأمر لخالد، ودلف إلى بيته، حيث عدد من النسوة يُحَمْدِلْنَ السلامة للحرم جرَّاء ما حدث لبدر. ومشهدُ النسوة عند الحرم، وحول بدر، خلعَ عن وجه ود قميحة سمتَه الغاضبَ، وكساه بالإشفاق. فأطلَّ من بين فوديهِ خزينٌ دامعُ العين، قلقٌ على ابنه، ومتَّزِنُ العبارة. فضمَّ ولده إلى صدره وهو فى حالةِ رجاء ألاَّ يتأخر خير الله. لم يخذلْه خير الله، فقد أطلق صافرة عربته معلناً عن وصوله.

    وخيرْ اللهْ، رجلٌ مُتعلِّمٌ من أعيان الجموعية بالدخينات. إخْتَلَجَ عدداً من السنوات، منذُ سبعينات القرن الفائت، بأمارة أبوظبى، وجمع ثروةً وفيرةً، وينفقُ منها إنفاقَ من لا يخشى الفقر. واسمُهُ الحقيقى عبدُ اللهِ. ولكنْ كان إذا أنفق نفقةً، قال له النَّاس: خيرك كتير علينا يا عبدَ اللهِ، فكان يقول لهم: الخير خير الله. فأصبغ عليه النَّاس ذلك الإسم.

    وصافرةُ عربة خير الله، تلك المعروفة لكلِّ النَّاس بالدخينات، قد أقلقتْ الحرم إلى جانب كونها أسعدتها. فخير الله هو شقيق أُستاذ عبد الرحيم. فخشِيَتْ أن يكون أستاذ عبد الرحيم قد ثرثر لإخيه عن طرده لبدر من الحصة، وعن أمرِ جيئةِ ولىِّ أمرِهِ للمدرسة صباح الأحد، وبذلك تكون دبلماسية الحرم عديمة الجدوى، إذْ أنَّ عدوَّها اللَّدودَ هو الضجرُ والسخط.

    إنسحبَ ود قميحة وهو يقود إبنَهُ الرَّاعف الباكى من بين النسوة إلى خارج المنزل. وحين أحسَّ بهما خير الله، نزل وفتح لهما الأبواب، باب منزل الخزين وبابى عربته الأمامى والخلفى، سلَّمَ عليهما وكفَّرَ لهما، ثمَّ جلس إلى عجلةِ القيادة. أدخل ود قميحة إبنه بدر وأجلسه على المقعد الخلفى وأغلق عليه الباب المُنَزَّلِ الزُجاج. ثمَّ دخل هو نفسه إلى داخل العربة وجلس على المقعد الأمامى بجوار خير الله.

    دافعٌ من الدوافع إستحثَّ بدراً ليغَيِّر من جِلْستِهِ على المقعد الذى خلف والده، فمدَّ يده مُمْسِكاً بالجزءِ من العربة الذى يفصلُ بين البابين الخلفى والأمامى. وفى هذا الإثناء أغلقَ ود قميحة الباب على أصابع اليد اليمنى لبدر الباكى أصلاً من شَجِّ أنفه. فقال ود قميحة لبدر : الراجل الضكر ما بِبْكى، وأها نحن قربنا نصل المستشفى. فقال بدر لوالده، الذى بدأ حديثاً مع خير الله، لكن يابا ... فقاطعه ود قميحة قائلاً: يا ولد أُسكتْ، أنا بِتْكلَّم مع عمَّك خير الله، ما تَنْضُم تِحِتْ حَنَكْ النَّاس الأكبر مِنَّكْ.

    تدخَّل خير الله قائلاً لود قميحة: إنتَ ما تسمعو داير يقول شنو. فردَّ ود قميحة قائلاً: أنا عارفو داير يقول لَىْ جيب الكورة، وإنْ شاء الله، أنا حا أجيب ليهو الكورة بكرة. فقال خير الله: حَرَّمْ الكورة أنا أدفع قروشة لمان ننزل من العربية. فقال ود قميحة لخير الله: ياخى المسألة ما بْتِستاهل تلحلِفْ لها حَرام. القروش موجودة والحمد لله، وأنا حا أجيبة ليهو لُمَّان ننزل الشغل يوم الأحد. فقال خير الله الأمر إنتهى.

    صاح بدر بجرعة بكاء زائدة: يابا أنا ... فقاطعه والده قائلاً: أها الكورة، وعمك خير الله قال حايديك قروشة لمان ينزل من العربية، خلاص إنتهينا. يابا أنا ...، فتدخل خير الله مُلِحَّاً على ود قميحة أنْ يسمع لولده. .. وما من جدوى.

    وبصوتٍ لم يعتاده ود قميحة من بدر من قبل، ولا حتى من أولاد الجيران فى الحلة، صرخ بدر فى أُذنِ أبيه اليسرى منتهراً، إذْ كان والدُهُ فى نصف إلتفاتة وهو يتحدَّث إلى خير الله: يابا أنا ما فى الكورة هسى، إنتَ قفلتَ الباب على أصابعينى ... عينى ... إىْ ... إِهِى ... إِهِ ... إِ.

    يتبع ...

                  

05-03-2017, 09:44 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (6)

    فتح ود قميحة الباب ، حتى قبل أن يضغط خير الله على الكابح، بإنزعاجٍ شديدٍ تصحبه حوقلةٌ وحدجةُ عينٍ تستنكر إنتهار ولدِهِ له. لكنَّ بدراً لم يَعُدْ يحسُّ بأصابعه ولا بتجاوزه للخطوط الحمراء. جنحَ خير الله إلى يمين الشارع، أوقفَ عربتَه، وشرعا فى تَفَحُّصِ كفِّ بدرٍ. وكفُّ بدرٍ فى تمام الورم، واتخذتْ لوناً أقرب إلى البنفسجى منه إلى الأحمرِ القانى. جاءَ ود قميحة وجلسَ إلى جوارِ ابنه فى المقعد الخلفى، وكلاهما يبكى. فبدر يبكى من الألم، والخزين يبكى من النَّدم، ثُمَّ تحركَ خير الله سريعاً نحو المستشفى ليتمَّ إسعافُ بدر.

    لم يُعانِ ود قميحة إهمالاً بالمستشفى هذه المرة وهو فى معية خير الله. ولقد طمأنهم إختصاصى الجراحة، بأنَّ جُرحَ الأنفِ سطحى، وأنَّ أرنبة الأنف سليمة. وحتى أصابع اليد اليمنى، السبابة والوسط والخنصر، لم تكن بالسوء الذى كان متوقعا،ً والذى يُعلنُ عنه بكاء بدر. ولربما بكى بدرٌ أشياءَ كثيرةٍ فى تلك اللحظة وبأثرٍ إرتدادىّ. ليس ثمةَ كسورٍ فى الأصابع، ولكن الدَّمَّ قد إحتقن فى أناملِهِ بطول المدة، حتى أنَّ نصف الأظافر الأمامية قد تشوَّهتْ بالدم المُحْتَقِن، وخُفِّفَ ورمُ الكفِّ والأصابع بطريقة معينة من التدليك. أُعطِىَ مرهم جروحٍ لأنفه، ومضاد حيوى ومُخفف ألم لأصابعه التى لُفَّتْ بشريطٍ أبيضٍ، ثُمَّ قفلَ ثلاثُتهم راجعين.

    وحين وصلت العربة إلى منزل ود قميحة، شكر ود قميحة لخير الله ذلك الصنيع، بطريقةٍ بها غلوٌ فى العرفان بالجميل، كعادةِ كلِّ الفقراْء. وأصرَّ الخزين على خير الله ليدخل فيتعشَّى معهم، لكنَّه تمنَّع. وقال للخزين: يا سيدى تحت الخدمة فى أىِّ لحظة، وإنْ شاء الله يوم الأحد سوف أغشاك لأجل أن أُوصل بدراً للمدرسة، وبالمرة أوصلك إلى وزارة الأشغال. فشكره الخزين على ذلك، وقالا نلتقى الأحد إنْ شاء الله.

    دخل الولد وأبوه البيتَ، سلَّما على الحرم، وقال ود قميحة: الحمد لله جات سليمة. سليمة كيفن، وأنا ولدى خرج بى جرحة واحدة وجاء راجع بى جرحتين!! الحصل شنو يا الخزين؟ الولد أيدو مالة؟ دا فِلِم تانى نحكيهو ليك بعدين. فِلِم!! يَكَفِّينا اللهْ شرَّ الأفلام.

    ضمَّتِ الحرمُ إبنَها إلى صدرِها، وهى تُمطره بعبارات الحنان والإحتواء: سجمى! إيدك مالة؟ أبوى قفل فينى باب العربية. لا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلى العظيم.، دى عين دى، العين بى حسين إن شا - اللهْ. وضمَّته من ثانٍ إلى صدرها. وحين دغدغت رائحةُ الطلحِ أنفَهُ، قال لوالدتِهِ: إنْ شا - اللهْ إنتِ كمان تروح مِنِّك الرطوبة يا أُمى. يسمع مِنَّك الله يا عشاى، اللهُمَّ آمين. فَسَرَى فى الحرمِ الإرتياحُ بأنَّ غسيل المخِّ الذى مارسته مع ابنها قد أتى أُكُلَهُ.

    إتجه الخزين ود قميحة بعد دخوله مباشرةً إلى المصلَّى الذى أعدته الحرم له، وتوضأ بدر، وتوضأت والدته، وصلوا جميعاً صلاةَ العشاءِ فى جماعةٍ منزلية بعد أنْ فاتته صلاة الجماعة فى المسجد. وعقب التحصين والباقيات الصالحات دَعَوْا لأنفسِهِم جميعاً دعاءاً عريضاً، وبالشفاء العاجل لبدر، وغيباً، لخير الله بالبركة والنَّماءِ والخيرِ العميم، خاصةً وأنَّ معيَّته قد أنقذتهم من مستشفياتِ ذُلِّ المساكين التى أفرزها المشروع الحضارى، ثُمَّ دَعَوْا بأنْ: اللهْ يَولِّى من يُصلحْ، وكان أخرُ دعواهم أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

    إضَّطجَعَ ود قميحة، بعد أن أوْتَرَ، على سريرِهِ، وبجانبِهِ على السريرِ الآخرِ بدرٌ وقد بدأ يغطُّ فى نومٍ عميق. أمَّا الحرم، فقد إتَّجهَتْ إلى المطبخ لإعداد العشاء. أرسلَ الخزينُ بصرَهُ إلى سماءٍ مُرصَّعَةٍ بالنجوم: العِصِى والتِّريا، بنات نَعَشْ والعنقريبْ، الجدى والحرم ... والحرمُ هى نجمةُ تلك الليلة بِلا مُنازع. إلتفتَ الخزين وراءه، فوجدَ أنَّ نجمةَ الضيفان قد غابتْ. وذلك لِعَمْر الخزين، أوانُ تحلُّلِ الحرمِ من توب الجارات. فجاءتْ تسعى نحوه بإزارِ نومٍ خفيفٍ وشفَّاف، وتحمِلُ فى يدها قَدَحاً مملوءاً بالفطير واللَّبن. حاولتْ إيقاظَ بدرٍ الذى هدَّه التمرين من قبل، وما أُنفقَ من وقتٍ بالمستشفى، ولكن بِلا طائل. فَتَعَشَّى الصَّاحبانِ بالبيضاءِ الفصيحة.

    كان الخزينُ حين يرى الحرمَ فى تلك الحال، تجوعُ روحُهُ قبل جسدِهِ للعِناقِ الحميم، ويناديها بتؤم الروح، خاصةً حين ينام البدرُ، ويُعسعِسُ الليلُ. وماذا عليه إذا صدع وصدح بتلك العبارةِ وأَخَوَاتِها بالنَّهار وفى كلِّ الأوقات، لربما فعلتْ الأفاعيل، وانفكَّتْ عُقْدةُ ذلك البيتِ الأليف. ولكن قاتلَ اللهُ الفقر، جالبَ الضجرِ والصرامةِ والحدة، فمن يخلعُ عنَّا هذا الوجهَ الكالح.

    أخذتِ الحرمُ فارغ الأقداح، وقامتْ يُقاومُ قيامَها كفلٌ رَدَاح. فتبعها الخزين ود قميحة وهو يدندن: "دا دلال ايه، دا دلال مَعَجَّنْ، ومحَّن الأُمَّاتْ يا رداح".

    يتبع ...

                  

05-03-2017, 10:03 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (7)

    لم ينعتق الخزين ود قميحة من حديقةِ جسدِ الحرم، إلاَّ بحىِّ على الفلاح، عند فجرِ الجمعة. إغتسل من بقايا ليلته المترفة بالعطور وخرج للمسجد. وحين إلتقاه خير الله هناك، نهض إلى ذهنهِ تلميحُهُ من جديد حين قال له: إن شاء الله سآتى لِآخذ بدراً للمدرسة وأوصلك الأشغال. واستحلف خير الله الخزينَ، كما فعلت الحرم على الطريقة التى تعرف، ألاَّ يسأل بدراً عن الموضوع، وأنَّ الأمر سيتمُّ علاجُهُ بشكلٍ سلس بمشيئة الله.

    ويبدو أن الخزين قد قَبِلَ وساطةَ الأَكْرَمَيْن الحرم وخير الله، ولكنَّه كلما رأى بدراً يَكادُ يَمَيَّزُ من الغيظ. ولا يُبدِّدُ من غيظِهِ إلاَّ استرجاعٌ عميقٌ يتبلور، وحالة الألم التى فيها ابنُهُ الآن، ورائحةُ الحرم التى ما زالتْ تعلقُ جسدَهُ طِوال يوم الجمعة، فتذكِّرُهُ بما قطعه معها من وعدٍ بشأنِ بدر فى تلك الليلةِ الباذخة. ولو لا أنَّه فى خِصام معه، لكانت تلك الرائحة مسارَ تعليقٍ جديد بينه وبين صاحبه سادن المشروع الحضارى.

    إستأذنتِ الحرمُ الخزين، أن تأخذ بدراً معها فى زيارة أُختها بالعُشَرة، فأذِنَ لهما وحمَّلهما ما لا يطيقان من الأشواقِ والتحايا إلى صاحبةِ المعزةِ دلال، وزوجِها عبد العزيز وأولادِهما. خرجتِ الحرمُ وابنُها وهما يستودعان الخزين الله، فاستودعهما اللهَ هو الآخر.

    فالآن، قد خلا له وجهُ صاحبِهِ الغريم. "إنتَ أظِنَّك بِقِيتْ من جماعة ود الشيخ"، وهكذا راح الخزين يسترجعُ عباراتِ ود معروف. وحينما يعودُ للمشروعِ الحضارى الذى يتلصص من فوق البيوتِ الفقيرة، يُدركُ أنَّ هذا المشروعَ يحتاج إلى علقةٍ، أُمُّها بِنتُ عمِّ أبيها. فلا بد لنساءِ البيوتِ الفقيرةِ أن يكنَّ مرهوباتِ الجانب. وهكذا تنازعُهُ النَّفسُ الأبية، فيقرر الفتكَ بود معروف.

    سكونُهُ إلى نفسِهِ ضُحى تلك الجُمعة، فتحَ بصيرتَه على بعضِ الفُهوم، فاستدركَ أنَّ حِدَّةَ طبعِهِ كلَّها سببُها هذا القشرون القُشارى. فرئيس المشروعِ البئيس وزبانيتُهُ يضغطون من هم دونهم بشكلٍ منتظم، حتى يستجمعُ الضغطُ على رؤوسِ الفقراء، فيحتدون مع زوجاتهم وأبنائهم وزملائهم الفقراء. وماذا لو إنعكسَ هذا الضغطُ واتجه من أسفل إلى أعلى!

    "إنتَ أظِنَّك بِقِيتْ من جماعة ود الشيخ"، هذه الحدة يجب أن تتوجَّه إلى مستَحِقِّيها، ما ذنبُ بَدُر، وما ذنبُ والدتهِ الحرم؟ لماذا أحتدُّ مع رجلِ الشرطة، ويحتدُّ معى رجل الشرطة، وكلانا فقراء؟ لماذا لا نوجه هذه الحدة إلى عدوِّنا المشترك؟ كيف السبيل إلى ذلك؟ "جماعة ود الشيخ" أشرف منَّك يا زانى العيون، يا خؤون، يأكلون ويشربون من عملِ يدِهِم. وأنتَ أيها الطُّفيْل، سادنُ مشروعٍ يسرق البلد صباح مساء، وها أنتَ تتغذَّى ليلَ نَهار بالسُّحتِ والمال الحرام. وهل فسادُ مشروعِكَ الحضارىِّ يحتاجُ إلى جماعةِ ود الشيخ؟ ماياهو دا قاعد عريان فى السهلة.

    لن أنتظر جماعة ود الشيخ، وسأبدأ الآن، وسأبدأ من بيتى، ولما يجو يلقونا قِدَّامن، وهم اليبقو معانا. سأبدا بمكافحة الغضب داخل بيتى وتوجيهه وِجهتًه الصحيحة. اليوم سأبدأ بإفتِتاحِ "المقرِّ الدائم لمُلاطفة الحرم" بِعِقرِ دارى، و "منظمة بدُر لمراعاة حقوق الطفل" و "الخزين لحقوق الإنسان". لكين الأطفال البحرِّقو الروح ديل الزول يسوِّى مهاهم شنو يا اللهْ، يا سيدى، يا مولاى! وفى الآخر كمان بِقو يَنَهِّرونا! الأطفال ما حراق روح، الأطفال زينة الحياة الدنيا. ودى ما نهْرة، دى إستغاثة موجوع.

    لِمَنْ وإلى متى أدَّخرُ الكلامَ الحلوَ والطيبَ فى هذا العمر القصير، إن لَّم أقله الآن لحبيبتى الحرم، وفلذة كبدى البدر؟ من هو أوْلَى منهما به؟ بالطبع لا أحد. وإلى متى أحتبسُ المفرداتِ الجميلةَ داخل صدرى، وأنفثُ اللغةَ الفظَّةَ القبيحةَ فى وجهِ النَّاس؟ قل للذين يريدون تحويلنا إلى أفاعى لنلسعَ بعضنا بعضاً، خسئتم.

    وهكذا ظلَّ الخزين يُفكِّرُ بصوتٍ مسموعٍ وخفيض، يسألُ ويُجيبُ، وأحياناً يُومئُ بإصبَعِهِ، كمن يتحدَّثُ إلى كائنٍ مرئىٍّ أمامه. ولو رأه أحدٌ فى تلك الحال، لجَزَمَ أنَّه فَقَد عقله. وعلى العكس، فقد كان يُوطِّنُ نفسه على الجمال والإنسانية المحضة. وظلَّ على تلك الشاكلة، حتى أذَّنَ المؤذنُ لصلاةِ الجُمعة. فقام الخزين فتوضأ وخطا أُولى خُطُواته الإنسانية نحو المسجد. فالأطفال الذين كانوا يَفِرُّون منه عند مرورهِ، تعجبوا من طلاقةِ وجهِهِ فى تلك الظهيرةِ الحمئة، وهو يمنحهم حلوى البشاشة، وتمرَ الإبتسام. لقد حىَّ المسجدَ بركعتينِ تختلفان عن سالفِ الركعاتِ فى الطمأنينةِ والورع. وجاء الأمام واستفرغَ خُطبةً بُلاطيةً جوفاء، لم تُفلحْ هذه المرةِ فى أفْيَنَةِ عقلِ ود قميحة بالضجر، حال كونه فى تمام الوعى الآن. وكان يُفكِّرُ طِوالَ الخُطبة فى الكيفيةِ التى يحولُ بها هذا الأمام إلى شخصٍ نافعٍ للفقراء، وسَرَحَ يُحيكُ السيناريوهات لذلك.

    فرِغَ الخزين ود قميحة من صلاةِ الجمعة وراحَ يُخالقُ النَّاسَ بِخُلُقِهِ الجديد، وكأنَّ ليلةَ قدرٍ حلَّتْ بعقلِهِ وروحِهِ وبدنِهِ. أما المسرفون فى التأويل فقد أدرجوا ذلك الخلقَ الجديدَ من الخزين فى إطارِ فجَّةِ الموت. ولعل الفارقَ بين فجةِ الموتِ وفجةِ الوعى خيطٌ وَهىّ، وفى كلٍّ إشراق. إشراقٌ يُبصِّرك بما هو آتٍ، وآخر يُبصِّرك بما هو كائن.

    كان حديثُ النَّاسِ عقبَ صلاةِ الجُمعة، ليس عن خُطبةِ الأمامِ المبتذلة، وليتَهُ ترحَّمَ فيها على السلطانِ عبد الحميد، بل عنِ الحالِ الذى طرأَ على الخزين ود قميحة.

    قَفَلَ ود قميحة راجعاً إلى البيت، تفقد الجيران من القِبَلِ الأربع، مشى إلى شيوخِهم مؤانساً، وعاد مرضاهم، ودخلَ بيتَهُ تاركاً النَّاسَ لتساءلاتٍ لايمكن الإجابة عليها. فرَّشَ الخزين السريرين الَّذيْنِ بالقربِ من النِّيمة، وقالَ على أحدِهِما إلى وقتٍ متأخرٍ من العصر. وحين إستيقظَ وجدَ الحرمَ جالسةً بالقربِ منه على السريرِ المُجاور، وراحَ يُمطرها بالتحايا والقبل.

    "بسمِ اللهِ يا الياقوت من الشربوتْ والكهنوتْ"، هكذا أكملتْ الحرم دهشتَها مما رأتْ على ود قميحة من خُلُقٍ جديد. أين فلذةُ كبدى بدُر؟ أين شنو يا الخزين؟ أين فلذةُ كبدى، وقُرةُ عينى بدر يا تؤم الروح؟ "بسم اللهِ يا حمد العِزيب المانقرك الشيب"! الليلة يا الشيخ الهاشمى فوق ود قميحة! يا خوى قوم فى عقاب عصريتك دى النَّزَوِّرَكْ الشيخ الياقوت! الحرم يا نورَ عيونى، أنا الياقوتُ نفسُهُ، أنا ياقوتُكِ يا حرمى، فلماذا لاتُصدقين؟ وضعتْ يَدَها على جبينِهِ تجسُّ الحمَّى وهى تقول: "الليلة يا المكاشفى ابْ-عُمر تلحقنى وتنجدنى" . يا ولية! قَشُرْ ودّيتى وين؟ الحمد لله، تراكْ نصيح. بدُر مع أولاد خالتو دلال، حا يبيِّتْ ويجى بكرة إنْ شاء الله.

    كلُّ الإنقلابات يتمُّ إستيعابُها إلاَّ انقلابُ العقل (وليتَ العكس كان صحيحا)، فهو يحتاج إلى إرهاص، وإلاَّ لإشمأزَّتْ قُلوبُ الذين لا يُؤمنون بالإشراق. ولكنَّ إشراقاتِ العقل لا تتجزأ، فكيف العمل؟

    يتبع ...

                  

05-03-2017, 11:36 PM

صباح حسين طه

تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 1313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    لقد إستمعت للغاية لأنها كتابة بمداد من ذهب
                  

05-04-2017, 10:09 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: صباح حسين طه)

    لقد إستمعت للغاية لأنها كتابة بمداد من ذهب

    شكراً أُستاذة صباح حسين طه على القراءة وعلى الإطراء. وكم أنا سعيد أنَّك وجدتِ بعض شئٍ ذا نفع فى هذه المباشرة السردية على عِلاَّتِها.

    فأنا ممنونٌ لكِ.

    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 05-04-2017, 09:24 PM)

                  

05-04-2017, 10:21 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (8)

    لم تكن الحرمُ معتلَّةَ الحواس، تتلذَّذُ بالفظاظةِ وغِلظةِ الطبعِ التى عند زوجِها، ولكنَّها كانتْ تريدُ أنْ تتأكَّدَ بأنَّ الحالَ الذى على الخزين، ليس مَسَّاً من الجنون، الذى يَتَغَشِّى من ينومون العصرياتِ الهالكةَ، والمغاربَ الحالكةَ بحسبِ مُعتقدِها. تريدُ أن تطمئنَّ بأنَّ ثمةَ ولادةٍ جديدةٍ لخزينٍ جديد، خزينٍ هيِّنٍ ليِّنٍ، سَهْل. خزين "برَّاحة" كما يحلو أنْ تقول الحرم.

    باتتْ أُّمُّ بدرٍ ليلتَها تلك فى أحضانِ خزينٍ فى حالةِ انقلاب، فباتتْ بين الخوفِ والرجاء. ولكنَّها كانت ليلةً عظيمةً وحافلة. كانت ليلةَ قدرٍ بحق، خزينها رزين، وطيبٌ وحنين، حديثُهُ السُّلاف، يُعانقُ الشِّغاف. فقالتْ: يا حِليلكْ يا الخزينَ الخزين، حديثك "البَلَفْسَجِى" دا من زَمَنْ شهر العسل ما شُفناهُ إلاَّ اليلة. قالتْ ما قالتْ، ثمَّ نامتْ قريرةَ العينِ هانئة، راضيةً، قانعةً وحالمة.

    فى حلقةِ قرآنِ الفجر، كان الخزين يسمعُ الآيات، وكأنَّها تَخُصُهُ لوحدِهِ دون خَلْقِ الله، كأنَّها قد نزلتْ عليهِ لِأَوَّلِ مرة. فكان يبكى ويتعجبُ القوم، ويضحكُ تارةً أُخرى ويزدادُ القومُ عجبا. وانتابته غضبةٌ مُضرية، حين قرأ أحدُهُم "قلْ للذين آمنوا يَغُضُّوا من أبصارِهِم ..."، واعتملتْ فى صدرِهِ، لم يُبدِّدها إلاَّ قولُ اللهِ تعالى على لسانِ أحد القراء حين قرأ، "من عفا وأصلحَ فأجرُهُ على الله ...". كان ذلك حالُهُ فى ذلك الصباح، فقد فعلتْ فيهِ آياتُ اللهِ الأفاعيل، كأنَّه فى مصارِعِ العاشقين.

    عادَ إلى البيت، بعد أنْ غشِىَ الفُرْنَ وأحضرَ رغيفاً، ثمَّ دخلَ المطبخَ وأعدَّ شاياً باللَّبنِ المقنَّن، وأعدَّ معه لِقيمات "وَجَنَة فاطنة السمحة"، لِقيمات وجنة الحرم. حملَ الصينية بما بها مِمَّا أُعدَّ بِحُبٍ، إلى غرفة النوم. فوجدَ الحرمَ نؤوم الضحى، مازالتْ رافلة ومُضَّطجعة فى غلالةِ سحرِها الأُنثوى، كفتاةٍ فى صبيحة عُرسِها. وضعَ الخزين الصينيةَ على المنضدة، قَبَّلَ حرمَه المصون على جبينها، ثمَّ انسحبَ من الغرفةِ بهدوءٍ آخذاً معه الجلبابَ والعُمامة.

    رَكِبَ الحافلة المتجهة إلى سوق اللَّفة. و سائقُ الحافلة كالفئة ذات الهيمنة، يفرضُ مِزاجَهُ وذائقتَهُ على كلِّ من يدخل تحت سقفِ عربتِهِ. لم يكن ليقف لكلِّ شخصٍ على جانبِ الطريق، فقد كان يتخيَّرُ رُكابَهُ. فالرِّجالُ خمسينيون يُعدون على أصابع اليد، والنساءُ على كثرتِهِنّ،َ كلُهُنَّ جميلاتٌ وممتلئات، وتعبقُ أجسادُهنَّ بالعطور البلدية. فقد كان الإشتهاءُ يتقدمُ تعاملَه مع كلِّ النِّساءِ اللائى ركبنَ معه. لقد صَنَّ آذانَ الجميعِ بماكينةِ عربتِهِ المتهالكة، وشريطِ كاسِت فى أعلى درجاتِ الصوت، ومحشوٌ بأغانى المشروعِ الحضارىِّ الرخيصة: راجلْ المرة حُلو حلا، دبِّلْ بَىْ والعسلْ ماليزيا، وهَلُمَّجرا.

    قال أحد الركاب للسائق: واحد من إثنين، إمَّا أنْ نسمعَ المسجلَ، أو نسمع الماكينة! رد السائق: تسْمَعُنْ الإثنين يا بَلَدْ، وكان ما عجبك أنزل! تدخلتْ إمرأة، وَرَجَتْهُ أنْ يُشَغِّلَ إذاعة أُمدرمان كحلٍّ وسط. فردَّ قائلاً: "غالى والطلب رخيص". فتح إذاعة المشروع الحضارى فوجدها تُغنِّى هى الأُخرى، كعادتها خلال الأربعة وعشرين ساعة. فكان حظُّ السامعين هذه المرة، وعلى غير العادة، أنْ شَنَّفوا آذانهم بأُغنية من أغانى أُم درمان النادرة، وهى "أُمْ العُلما والعمَّال". فقد كان لها وقعها عند الركاب غير العاطلين عن العمل بالحافلة، وهم قلَّة، لا سيما ود قميحة. فقد ربطتْه من ثانِ بمُطاعنةِ ود معروف له، "إنتَ أظِنَّك من جماعة ود الشيخ"، فامتدَّتْ يدُهُ اليسرى لشاربِهِ، فمسحَ بإبهامِهِ وسبَّابَتِهِ طرفيهِ أسفلَ وَجنتيه، والتقيا مِراراً وتِكراراً عند شعر الذقن أسفل شفتِهِ السُّفلى، كمن يرسمُ خُطةً لهدفٍ بعيد.

    حَطَّ ود قميحة عند تربيزةِ الخُضرجى ود عوض، حيث اعتاد أنْ يترك قفة الخضار عنده ريثما يشترى اللحمَ والتوابل ثمَّ يعود. سلَّم الخزين على ود عوض، فبادله التحية بودٍ مهبوشٍ، ولسانٍ ألثغ: أهلاً حبابْ ود قميحة، تَعالَى ومعك آخرون. فترجرجتِ الرَّاءُ فى فمِهِ كما تترجرجُ جُملةٌ مفيدة، لِمُتحدثٍ بفيهِ جُرعةُ ماء.

    ففى أثناء سيرِهِ نحو الجزارة، مرَّ ود قميحة بمجموعةِ أطفالٍ يبيعون الليمون. وأمام أحدِهم أكوامٌ من ليمونٍ أخضرٍ يَسرُّ النَّاظرين، وقد إحتدَّ معه أحدُ المُهندمين، وهو يُخرجُ بطاقةً من جيبِهِ ويقول: معاكْ العقيد جعلى أمن عبد الله ود صراصِر! إنتَ عندك رخصة؟ لا، ماعندى. هل تدفع ضرائب للدولة؟ لا، ما قاعد أدفع ضرائب. كمان متهرِّبْ من الضرائب!! قوم معاىْ بى بُضاعْتَكْ. فقامَ الطفلُ وهو يحملُ معه بِضاعتَه، وتبِعَ صاحبَ الهِندام. قال ود قميحة فى سرِّهِ اللَّهُمَّ ارحم ضعفنا وضعف هؤلاء الأطفال، وحمد الله أنَّ ابنه مازال يتردد على المدرسة.

    إشترى اللحمَ والتوابلَ، ولما عادَ وجدَ الطفلَ بائعَ الليمون قد رجع. فسأله ود قميحة: ماذا فعل الله بك؟ فأجابَ قائلاً: "تِلْتو ولا كَتِلْتو". فقال ود قميحة اللّهُمَّ أرحمْ ضعفنا، واستشاطتْ به الفاجعة. واسترسلَ الجمعُ يُنادى: كوم الليمون بى عَشَرَة، أىُّ حاجة بى عشرة، الصبَّارة بى عشرة، البندورة بى عشرة، المكرونة بى عشرة، المعجون جنيه واحد، والسوق الحضارى يَعُجُّ بِأطفالٍ قُصَّرٍ دون العَاشِرَة، يتغنون بِبِضاعةٍ مُزجاةٍ، يُحولون فيها "السلعةَ إلى نَعْتٍ للسِّعْر".

    عاد ود قميحة إلى أهلِهِ، ورأسُهُ يضجُّ بالأسئلةِ اللاَّسِعة، لسعُ الفقر، لسعُ الحُكومة، ولَسعُ ذوى الوجعة: جايى مُتأخر وكمان داير يفتحو ليك الباب يا حيوان أجب، يا لكم قسونا عليك يا بَدُر يا حبيبى، بالبيت والشارع والمدرسة. متى تعود يا حبيبى، متى تعود، حتى أُكفِّر لك عن ذنبى وأُعوِّضك العطفَ والحنان؟

    يتبع ...

                  

05-04-2017, 11:48 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    (9)

    بين الخزين ود قميحة وشقيقةِ زوجته دلال، معزّةٌ ومودَّةٌ، صعبٌ تكييفها بالمعايرات الإجتماعية السائدة فى مجتمعِنا الآن، بيد أنَّها تسمو على كلِّ المظان. فبدأ النَّاسُ يتعايشون معها ويتركونها لقانونِها الخاصِّ بها، طالما أنَّها لا تَمَسُّ أحداً بسوء. فالذى بينهما لم يُثِرْ حفيظةَ زوجِها الدبلماسىِّ عبد العزيز أو كريمة الخزين الحرم، أو أىِّ فردٍ من أفراد أُسرتيهما، فى يومٍ من الأيام. فلم تُحشرْ فى شأنِهِما أُنوفُ العاطلين عن المواهب، كأنَّ النَّاسَ قد مَسَّهم شئٌ من الحريةِ الصِّرفة.

    طرقَ عبد العزيز الباب، بعد أنْ أوقف عربتَهُ بظلٍ لا باردٍ ولا كريم، وتأخر قليلاً لتدخل دلال. أمَّا الأطفال الثلاثة، فقد سبقوهما إلى الداخلِ وهم يتصايحون: "خالتو الحرم نحن جينا، خالتو الحرم نحن جينا". ولم يكن بدرٌ بينهم، فقد ذهبَ إلى حيث يجد أباه فى تلكم الساعة من نّهار العُطلات، ليُخْبِرَه بمجئِ الضيوف. فتلقاه والدُهُ فى منتصفِ الطريقِ بين البيتِ والمسجد.

    جثا الخزين ود قميحة على ركبتيهِ، لِأَوَّلِ مرة، عند قامةِ إبنه المتواضعة، وهو يَضُمُّهُ إليه، ويَحُفُّهُ بالحنان والعطف ويقبُلُهُ، ويَخُصُّهُ بمشاعرَ لم يَعْهَدْها بدُر من قبل. فذلك الفيضُ من الحُبِّ المحبوس، كسرَ سدَّ الصرامةِ والحدَّة، ووجد طريقه أخيراً إلى بدُر. غيرَ أنَّه أربكَه، ورجَّ وِجدانَه، ولمَّا راقَ، راقَ على عاطفةٍ بالكادِ سوية؛ فتلك شروخُ النَّفسِ التى تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ لكى تندمل.

    سار بدُر إلى جانب أبيهِ وهو يُمسكُ بيده، للمرةِ الأُولى أيضاً، حتى دخلا البيت. فحين فكَّ والدُهُ يدَهُ ليسلِّم على عديلِهِ عبد العزيز، أسرعَ إلى الداخلِ اسراعاً، وسألَ والدَتَيْهِ: يعنى شنو فلذة كبد، ويعنى شنو قرة عين؟ فاندهشتْ دلال لِإلتقاطِ بدرٍ لعباراتِ اللُّغة العربية الكلاسيكية، وتبسَّمتِ الحرم وانطلَقَتْ أساريرُها وانشرحَ صدْرُها واحتضنتْ إبنها إلى صدرها تحيِّهِ وتؤكدُهُ الإنتماء.

    "هُوَ إيهْ العبارة يا حَرّوم، الحاصل فى البيت دا شنو؟" "دى ليلةُ القدر يا دلال، ليلةُ القدر بحقْ وحقيق". فانتبذتِ الأُختان مكاناً قصياً من البيت، وهُما تتحدَّثانِ وتتغامزانِ وتضحكانَ تارةً أُخرى.

    انشغلَ الخزين ود قميحة فى الحديث مع ضيفِهِ المُقِلِّ عبد العزيز. وعبد العزيز رجلٌ شديد التهذيب، عملُهُ الطويل فى السلك الدبلماسى، قبل أنْ تفصله الحكومة ويتحول إلى مدرس للعلوم السياسية بإحدى الجامعات الأهلية، جعل منه رجلاً رزيناً، لا يتحدث إلاَّ بمقدار، وينحصر حديثُهُ كلُّهُ فى لُغةِ الجَنْتِلْمان. أمَّا حديثُهُ مع الخزين السليط اللسان، فهو كمن يدير أزمة. ولمَّا لايجدِ الخزينُ فيهِ طرفَ خيط، يَهْجُرْهُ إلى صاحبةِ المعزةِ دلال، فيتنفَّسُ عبد العزيز الصُّعَداء، وتجدُ دلالٌ ضالتَها فى الثرثرة، والحرم تستمعُ بإعدادِ الطعامِ للجميع، سيما وأنَّ دلال ستُنيبها فى الحديثِ عن مواضيعَ كثيرةٍ لا تستطيعُ أنْ تتكلَّمَ فيها مع ود قميحة، والأطفالُ فى حبورٍ يلعبون.

    غير أنَّ هذه المرة، كان جُلُّ اهتمامِ الخزين ود قميحة بالأطفال، يُداعبُهم ويُلاطِفُهم، يحكى لهم الحكاوى الطريفة، ويشحذُ هِمَمَهُم بحكاوى محيميد وفاطنة السمحة، وبصاحبِ اللَّوْحة الثائر محمد أحمد المهدى. وكان يدلفُ بين الفينة والفينة إلى المطبخ ليساعدَ توأمَ الرُّوحِ الحرم، فكان يعلو من هناك نوعٌ من ضحِكِ النَّقاهة، لم يُسمع من قبل. وهكذا وزعَ ود قميحة وقته وفق معادلةٍ تحفلُ بالأطفالِ والنِّساءِ والرجال، كلٌ حَسَبَ حاجتِهِ.

    هذه الميلودراما الجديدة، زادتْ من اهتمام دلال بعبد العزيز، فلم يسرفْ فى قراءة الجرائد فى بيتِ ود قمحية. وزادت فى معاضدةِ الجميعِ للحرم، فلم تعد حبيسة المطبخ وحدها. وود قميحة كمُقَدَّمِ المسيد، ينجزُ غرضاً هنا، وغرضاً هناك، ويُطايبُ الكلَّ بأريحيةٍ ملفتةٍ للنَّظر، حتى أنَّها استنطقتْ عبد العزيز ليقول: "هذا البيتُ سيزدادُ أُلْفةً، وسيُشِعُّ كثيراً". أما الأطفال، الكاميرا الخفية لهذه المُمايزةِ الإنسانيةِ الوليدة، فقد كانوا يختزنون أُكْلَها لتمرير رغائبهم وأجنداتهم الطفولية، كأحسنِ ما يفعلُ مُفاوضٌ بارع، وهل عَجِزَ طفلٌ عن انتزاعِ ما يُريد!

    حين بُسِطَتْ المائدة، تحلَّقها الأحبابُ الصغارُ قبل الكبار. ولم يعُدْ بدرٌ مرسال الموائد حين ينزلُ بِبيتِهُمُ الأضياف، فها هو ود قميحة يقف على كلِّ شئٍ بنفسه. يستحثُّ الأطفال ليتناولوا اللَّحْمَ والخُضار، ويشجع عبد العزيز على تركِ طريقةِ الأفنديةِ فى الأكلِ وتناولِ المزيدِ من الطعام، يُغامزُ المِهْزارَ دلال، وكان، بإيعازٍ منها ، على وشكِ أن يضعَ لقمةً فى فمِ الحرم، لو لا أنَّها نفرتْ من المائدةِ متزرِّعةً بإحضارِ مزيدٍ من الرغيفِ والإدام.

    لقد أكل الجميعُ ما طاب لهم من طعام ود قميحة، وختموا بفاكهة عبد العزيز التى دائماً ما يُحضرها معه حين يزور أُسرة الخزين، بحسبان أنَّ الخزين ليس له بنداً مالياً لذلك. وأعدَّتِ الحرم شاياً بالمِسْتِكا والنعناع، فانتعشتْ له روحُ عبد العزيز، وحسا منه الخزين ود قميحة حَسَواتٍ جعلته ينشدُ ببيتٍ من الشعر للشيخ عبد الوهاب السراج رضى الله عنه فى شأن الشاى يقول فيه: "نَعْنِعْ كؤوسَكَ إنْ أردَّتَ تَكَيُفاً لاخيرَ فى شاىٍ بِلا نَعْنَاعِ".

    كان وهو يشرب الشاى يُلِحُّ عليه هاجسان، هما زيارة أُستاذ عبد الرحيم ومُواجهة ود معروف قبل أنْ يُؤذَّنُ للعشاء، فأخذاهُ فى حالة من الشرود والتبعثر. وهنا أدرك عبد العزيز أنَّ عليه المغادرة، فثمَّة ما يشغل الخزين ود قميحة ويُهِمُّ بإنجازه، فقال مداعباً أفراد أُسرتِهِ: هيَّا اربطوا الأَحزمة. ألحَّ عليهم الخزين بالبقاء حتى مغيب الشمس، لكنَّهم قد حسموا أمرهم بالمغادرة. ودَّعوا الحرم بالداخل، وتبِعهم الخزين وبدُر حيث تقف عربتُهُم، فودَّعاهما هناك.

    "أستاذ عبد الرحيم، أستاذ عبد الرحيم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! واللهِ إنتَ ود حلال، أنا أهمُّ بزيارتك الآن، إنْ شا اللهْ تكون ماشى إلى البيت". وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ود قميحة، أنا لستُ ذاهباً إلى البيت، ولكن لا بأس أنْ أتحدث إليك الآن إنْ شئت. إذاً، تفضل بالدخول. "الحرم، جهِزى غدا لِأُستاذ عبد الرحيم لو سمحتِ". لا، واللهِ أنا تغديت، ولكن لا بأس بالسوائل. "يا الحرم لوسمحتِ: سوِّى لينا ليمون، شاى، قهوة، الساهل فيهن". "حاضر يا الحبيب".

    وعلى نكهةِ قهوةٍ من شرقنا الحنين، تاجوجها الحرم وأوهاجُها الخزين، تجاذب الرجلان أطرافَ مواضيعٍ شتَّى، ليس من بينها موضوع بدُر. ولمَّا أحستِ الحرمُ بأنَّ واجبَ احترامِ المعلِّمِ الضَّيف بدأَ يأخذ من جرأةِ الخزينِ على المبادرةِ بسؤالِ أستاذ عبد الرحيم، تدخلتْ عنوةً وقالتْ: يا الخزين ماتنسى موضوع بدُر!

    بدأ أستاذ عبد الرحيم فى التململ، فهو من نوعِ النَّاس الذين يؤمنون بأنَّ لكلِّ مقامٍ مقالُهُ. فحاجياتُ المدرسة تُناقش فى المدرسة، وأمور البيوتِ للبيوت. فقال ود قميحة لِأُستاذ عبد الرحيم: "بالمناسبة، أنا ما بقدر أجى بُكرة للمدرسة، لأنَّ ذلك يفوِّتُ علىَّ فرصةً مهمَّة للحصولِ على استحقاقى من الأوبرتايم، ونحنا محتاجين ليهو لتغطيةِ مصروفات البيت. فأنا أمامى خياران، إمَّا أنْ أُناقش هذا الموضوعَ معك هنا، أو سيكون ولىُّ أمرِ بدُرٍ غداً هو شقيقك خير الله، رأيك شنو؟" فقال أُستاذ عبد الرحيم: فليأتِ من يأتِ، ولكن المهمَّ أنْ تُناقش شئون المدرسة بالمدرسة. فقال الخزين لا بأس، ثمَّ خرجا لِأَداءِ صلاةِ المغرب.

    تفحَّصَ الخزين وجوهَ المصلين؛ فلليوم الثالث على التوالى، لم يأتِ ود معروف لِأَداءِ الصلاةِ فى المسجد، فكيف يُواجهُ غريمٌ غائب؟ تأبط الخزين ود قميحة رغبته فى المواجهة، ثُمَّ تسلَّلَ من المسجد باتجاه منزل ود معروف.

    وفى لحظةٍ سَكَنَ فيها كلُّ شئٍ خلا طرقُ ود قميحة لبابِ ود معروف بعصاته المعكوفة كما الكدوس، ورَجعُ الصدى. فى هذا الأثناء خطا ود معروف خطواتٍ مُنهكة نحو بابه بعد أنْ أشارَ للتاية بالإحتجاب. فتح البابَ، فإذا بالطارقِ مُتفقدُهُ المعتاد حينما يُلِمُّ به خطب، إنَّه صديقُهُ الحميم الخزين ود قميحة. تعانق الرجلان، وبكيا بكاءاً مُمِضَّاً، بدَّدَ نشيجُهُ سكونَ الليل، فسمعهما من الأُذُنِ الكثير. وقال ود معروف للخزين: "أنا إنْجَرِحْ مِنَّكْ إنتَ يا الخزين، عشان أنا علقتَ على مشروعكن الحضارى! إنتَ قايل القشرون القُشارى دا نحن لاقين مِنّو حاجة مع ناس لافِحْ ود لافِحْ وضرَّة الشعب السودانى! انْجَرِحْ مِنَّك إنتَ أعزَّ أصداقئى يا الخزين! مَاها المحرية واللهِ، مَاها المحرية. دا مشروع لتمكين الأغنياء على حساب الضعفاء حتى داخل التنظيم نفسه". ثُمَّ يسترسل ود معروف فى البكاء، والحمى تنفثُ من مسامه، ثمَّ يعقِّبُ قائلاً: "أنا الحمّى العلىْ دى، لو ما هذا الرجل الكريم الأسمو خير الله، عليك أمان اللهْ، ما كنتَ قادر اشترى عِلاجا، ربنا يجازيهُ خير الجزاء".

    كان ود قميحة يُسجِّى على كتفِ صاحبِهِ، يُهدِّى من روْعِهِ، ويطلبُهُ العفو. ويذكِّرُهُ بالآية الكريمة "من عفا وأصلح فأجرُهُ على الله ...". فاستجاب ود معروف، وعفا عن صاحبِهِ وعفا عنه صاحِبُهُ. قال ود قميحة لود معروف: الآن تعافينا وتصافينا، وعلينا أنْ نتعاهد على الإصلاح، وأوَّل خُطُواتِ الإصلاح: "جيب أضانك جاى ..... واللهْ يَحُطْ الخائن". فقال ود معروف : "اللهْ يحُطْ الخائن". ثم خرج ود قميحة من بيتِ ود معروف حين أُذِّنَ لصلاةِ العشاء، خرج من عنده وَهَوَ يستودِعُهُ اللهَ و يتمنَّى له عاجل الشفاء من الحمَّى التى هرستْ عِظامَه.

    أدرك الخزين تكبيرة الإحرام بالمسجد، وبعد الفراغ من الصلاة ذكَّرَه خير اللهْ بأنَّه سوف يأتى إليه الصباح إنْ شاء الله ليأخذهما، هو وولدهِ، إلى مصلحة الأشغال وإلى المدرسة. فقال الخزين إنْ شاء الله نلتقى غداً صباحاً. وذكَّرَهُ ود قميحة أيضاً بأنَّه هو من سيذهب إلى المدرسة كولىِّ أمر لِبَدُر، بعد أنْ فضَّل أُستاذ عبد الرحيم مناقشة الأمر بالمدرسة. فقال خير اللهْ: حسَناً سأكون فى معيةِ بدُر إلى المدرسة.

    وفى طريق الخزين ود قمحية إلى بيته، رأى عربةً تنتظر بالخارج، فحثَّ الخُطى نحو البيت مخافة أن يكون قد طلبه طالب فلم يجده. دخل بيته مسمِّياً و مُسَلِّماً، ثُمَّ نادى على الحرم وبدُر فلم يجبْه أحد، فتوجَّسَ خِيفةً. وصل إلى الغرفة، فإذا بِبَدرٍ وأُمِّهِ مقيدين، مُكمَّمَى الأفواه، وأربعةٌ من الرجال فى زىٍّ مدنى يقلِّبون كلَّ أغراض المنزل رأساً على عقب. صوَّبَ أحدُهم مسدَّسه فى وجه ود قميحة وهو يقول: أنت الخزين محمد قميحة؟ فقال الخزين نعم، أنا الخزين محمد قميحة، فمن أنتم؟ أخرج الجميع بطاقاتهم الأمنية، فتأكد ود قميحة أنها تشبه بطاقة العقيد جعلى أمن عبد الله ود صراصِر، قائلين له: "معاك أمن الدولة يا .. يا بتاع النقابة والعصيان إنتَ".

    ولمَّا لم يعثروا على شئٍ بالمنزل، تركوا الحرم وابنها فى قيودِهما، وأخذوا خزينهما بطريقةٍ فظَّةٍ وقاسية.

    تمَّتْ.
                  

05-04-2017, 08:06 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    قليلٌ من العَروض (العيدية) فى عيد العمال/الشِّغيلة.
    وكامل التجلة لعمال السودان والمملكة المتحدة وكل عمال العالم.
                  

05-07-2017, 10:44 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    كوم الليمون بى عَشَرَة، أىُّ حاجة بى عشرة، الصبَّارة بى عشرة، البندورة بى عشرة، المكرونة بى عشرة، المعجون ذاتو بى عشرة. ... والسوق الحضارى يَعُجُّ بِأطفالٍ قُصَّرٍ دون العَاشِرَة، يتغنون بِبِضاعةٍ مُزجاةٍ، يحولون فيها السلعة إلى نعتٍ للسعر.
                  

05-09-2017, 08:15 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    أما الأطفال، الكاميرا الخفية لهذه المُمايزةِ الإنسانيةِ الوليدة، فقد كانوا يختزنون أُكْلَها لتمرير رغائبهم وأجنداتهم الطفولية، كأحسنِ ما يفعلُ مُفاوضٌ بارع؛ وهل عَجِزَ طفلٌ عن انتزاعِ ما يُريد!
                  

05-11-2017, 08:51 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    فبادله التحية بودٍ مهبوشٍ، ولسانٍ ألثغ: أهلاً حبابْ ود قميحة، تَعالَى ومعك آخرون. فترجرجتِ الرَّاءُ فى فمِهِ كما تترجرجُ جُملةٌ مفيدة، لِمُتحدثٍ بفيهِ جُرعةُ ماء.
                  

05-13-2017, 05:30 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    فكان حظُّ السامعين هذه المرة، وعلى غير العادة، أنْ شَنَّفوا آذانهم بأُغنية من أغانى أُم درمان النادرة، هى "أُمْ العُلما والعمَّال".
                  

05-13-2017, 08:35 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)

    وأعدَّتِ الحرمُ شاياً بالمِسْتِكا والنعناع، فانتعشتْ له روحُ عبد العزيز، وحسا منه الخزين ود قميحة حَسَواتٍ جعلته ينشدُ ببيتٍ من الشعر للشيخ عبد الوهاب السراج رضى الله عنه فى شأن الشاى يقول فيه:

    "نَعْنِعْ كؤوسَكَ إنْ أردَّتَ تَكَيُفاً لاخيرَ فى شاىٍ بِلا نَعْنَاعِ".
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de