|
Re: أسطورة و حكاية شعبية من ثقافة الدينكا (Re: طه جعفر)
|
(2) الحكاية الشعبية. نفس المصدر صفحة 164-165 كان للضبع و الأسد صديق مشترك يسكن في طرف بعيد من الغابة. زار الضبع و الأسد صديقهما في وقتين مختلفين. أهدي الصديقُ المشترك للضبع بقرةً حُبلَي و للأسد ثوراً كبيراً. إلتقي الأسد و الضبع في الطريق إلي الغابة. لطول الطريق و بإغراء منظر مكان فسيحٍ و خالٍ من الأشجار بالغابة صادفهما، أقترح الأسد علي الضبع أن يمضيا الليلة هناك ليرتاحا و ترتاح ابقارهما.اقتنع الضبع.نام الأسد، نام الضبع ، نام الثور و نامت البقرة. في صباح رأي الضبع عجلاً حديث الولادة جوار ثور الأسد. فسأل الأسد أليس هذا عجلي؟ و قد ولدته بقرتي. قال الأسد محاججاً أيها الجاهل أنت لا تعرف قدرة الله و معجزاته فلقد ولِد الثور هذا العجل. خاف الضبع من تبعات الإحتجاج، خاف من أن يفتك الأسد به، لكنه غضب و أحسّ بالغبن و عزم علي أخذ الموضوع لمحكمة الغابة ليحكم بينهما الفيل بعدالته المعروفة. اشتكي الضبع للفيل. دعا الفيل جميع الحيوانات. جاءت الحيوانات لمكان المحكمة.نظر الأسد في عيني أي حيوان فأرعبه، خافت الحيوانات و عندها عرف الأسد أن الشهادة ثمّ في المحكمة ستكونا لصالحه. بالفعل قالت جميع الحيوانات أن ثور الأسد قد وَلِد ذلك العجل. نعم ولد الثور العجل و لم تلده البقرة. فرح الأسد و ارتاحت الحيوانات من التفكير في غضبة الأسد و تبعاتها. أصرّ الفيل علي سماع رأي الثعلب الذي غاب عن مجلس المحكمة خوفاً من الأسد. أُرسِلت الحيوانات للبحث عن الثعلب و الإتيان به. راوغهم الثعلب وقال لهم أنه مشغول جداَ و ليس عنده وقت لهذه الأمور. عادت الحيوانات لمجلس المحكمة خائبة حيث لم يأت معهم الثعلب وكانت خائفةً من الأسد. بعد قليل مرّ الثعلب بالطريق ليس بعيداً من مجلس المحكمة. و كان يحمل وعاء به ماءٌ يغلي علي ظهره بين كتفيه و يجهد نفسه في المشي بأتزان للحفاظ علي الماء في مكانه دون أن يندلق فيؤذيه. أنتهر الأسدُ الثلعبَ و انتهر الفيلُ الثعلب أيضاً للتوفق الإدلاء برأيه. لم يتوقف الثعلب بل أبطأ سرعته ليقول: "يا سادتي هذا أمر حياة أو موت. عليّ الإستعجال! سيموت أبي فهو في أمسّ الحاجة للإستحمام بالماء الدافيء " قال الفيل غاضباً: ما هذه السخافات يا ثعلب. ما الذي يجعل أباك في حاجة للحمّام أصلاً و بالماء الدافيء كمان!!!؟؟ هنا قال الأسد بصوت غاضب، زاجر و آمر: لا أري منطقاً فيما تقول يا ثعلب. ثم همس للفيل قائلاً: لا بدّ أن لهذا الوغد ما يفكر فيه. هنا قال الثعلب، يا سادتي، انظروا، لقد ولِدَ أبي مولوداً ليلة أمس. اندهشت الحيوانات و تهامست و قالت ساخرة مرددة كلام الثعلب ولِدَ أبي مولوداً ليلة أمس!؟ ولِدَ أبي مولوداً ليلة أمس!؟ ضحك الأسد عالياً و زمجر قائلاً للثعلب أيها الغبي كيف لأباك الذكر أن يلد مولودا كما تفعل الإناث. و ضحك الأسد ها..ها... ها.... ها.... كانت ضحكته عاليةً و بدأت في الإنخفاض و انخفضت... و انخفضت... و تلاشت ثمّ ران الصمت. بعد أن انقطع الضحك تماماً. تلفت الأسد ليجد جميع الحيوانات تنظر إليه باستغراب و سخرية. هنا انتبه الأسد لأنه قد أدان نفسه في مجلس محكمة الغابة دون أن يدري. فوقف من جلسته و أخذ الثور تاركاً العجل للضبع. هكذا تنتصر الحكمة علي القوة الغاشمة في نهاية الأمر.
ترجمة طه جعفر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أسطورة و حكاية شعبية من ثقافة الدينكا (Re: طه جعفر)
|
في اسطورة ظهور عشائر الدينكا كما هو واضح من النص كان الناس في نوع من الفراديس حيث لم تكن امراض و كانت المشكلة الوحيدة هي كثرة الناس و الزحام الشديد. و هذا الكلام مهم جداً لأن قوة العشيرة في مجتمعات الرعاة و ملّاك القطعان كما هو معروف تكمن في كثرة أفرادها و هو دليل علي الإستقرار المعيشي و المقصود وفرة الطعام و الماء و الأمنو رصانة المسكن في مواجهة تقلبات الطقس و الاستقرار الجيلوجي. و البر علي النقيض من ذلك حيث تسكنه الوحوش الخطرة التي تفتك بالانسان و تقتله مثل الأسد و الضباع و الحيّات السامة و الفهود و غيرها. والأهم أن الناس كانوا خالدين و لا يموتون. النعيم المقيم و الخلود أو ابدجية الحياة هما ملامح الجنان الرئيسية في الديانات غرب الآسيوية و شرق المتوسطية أو الديانات الموصوفة بالسماوية و هي اليهودية، المسيحية و الإسلام. في فكرة أن الخال لا يقتل ابن أخته تتضح الصلة بين الدينكا و الموروث النوبي الخالد و إلي الآن في كلام سودانيي الشمال و الوسط يقال أن "الولد خال" و المقصود أن يصف بالشبه لأهل أمه و ليس أهل أبيه و عند العاربة و المستعربة مقولة أن " الابن لأبيه" و هنا تتضح المقابلة بين العروبي و النوبي ثقافياً في فكرة انتساب الولد. تعكس الأسطورة عمقاً عرفانياً( للتوسفع في في العرفان و الفلسفة يمكنكم زيارة الرابط بالأدني) في مفهوم الجنّة و بعداً نوبياً منتسب للنهر الذي هو بداية الحياة و مقر الفردوس. تقديس عشائر الدينكا للحيوانات بمعني أن لأي عشيرة سِبْر في حيوان محدد أيضاً موروث نوبي عميق و تشهد به مثلاً هيئات الإله آمون الذي هو بالحقيقة الإلهية الماء و الهواء أو سبب الحياة هذا من حيث اللاهوت الخاص بطبيعة الإله. الدينكا بالتالي من الشعوب النوبية يكون من الإحتمالات الأكثر وروداً. بلا شك سيكون البحث في الموروث الشعبي مصدراً مهماً لأيجاد الصلات العميقة بين الشعوب السودانية المختلفة بذلك ستكون الدراسات من هذا النوع من الأمور الضرورية لبناء فكرة الوحدة الطوعية المسلمة و العادلة في الوطن. اورد الكتاب في أكثر من مكان الميّزة العلمية لفكرة الأسطورة الشفاهية و أن الصيغ المختلفة للاسطورة ذات المضمون الواحد يكون مصدراً لثراء الأسطورة في الحقيقة حيث تنضاف للأسطورة المعارف الخاصة بأي عشيرة مختلفة و الخبرات الحياتية و المنتوج الوارد من تعايش تلك العشيرة مع الاسطورة الشفاهية. عندما تمكن الغازي الاوربي من السيطرة علي ناس و موارد افريقيا انتشرت في الكتابات الاوربية المختلفة حول تلك الفترة افكار عنصرية و استعلائية تليق بالثقافة الاوربية العدوانية و الرخيصة في تلك الفترة و هو الخطاب الثقافي المبرر للجرائم الإحتلالية ( استنكف عن استخدام مفردة الإستعمارلأنها إحتلالية و المسعلية) و هذا سبب عدم احترمنا له و عدم اكتراثنا لمضامينه الثقافية. رأي المحتلون الشعوب السودانية سوداء و عاريين إجمالاً إلا من خرق او قطع من الجلد تستر أجزاء من أجسادهم فاعتقدوا أنهم بدائيون و قريبون من الوحوش، لا لوم علي اوروبيي تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الانسانية فهذا تفكير يليق بمحدودية مداركهم و استعلائهم و اطماعهم. و الحقيقة أن الافارقة شعوب مثقفة و منظمة و متعلمة في اطار شفاهي حيث تحمل الحكايات الشعبية و الاساطير معرفة تلك الشعوب و فهمها لتاريخها و جغرافيتها بالتأكيد بلغات عندما أعظم و أهم من اللغات الاوربية. و الاوربيين الجهلاء في تلك الفترة كانوا يظنون أن المعارف فقط في الكتب. تحضرني قصة هنا حدثت لي في كندا. ضاعت عدة قياس مجموعة من المهندسين المشرفين علي تثبيت أطارات معدنية لبناء سقالات و يتطلب الأمر تثبيت السقالات علي أعمدة عمودية بزاوية 90 درجة مع الافقي. فسألتهم هل عندكم ميزان موية؟ قالوا نعم مستغربون فوصفت لهم أن ميزان الموية سيساعدكم في التأكد من أفقية السطع و من زاويته الموصوفة في التصميم 180 درجة تم ذلك ثم سألتهم هل عندكم خيط؟ قالوا نعم أخذت الخيط و ربطت بأسفله حجر ( صار ميزان خيط) فأنجز ميزان الخيط الزاوية القائمة. سألني كبير المهندسين عن مصدر معرفتي بهذه التفاصيل فقلت له أن أسلافي هم بناء الإهرامات و الصروح العظيمة و مجاري الماء و انظمة التصريف الداخلي كما في قصر اسبلتا في البجراوية و تلك الصروح لا يمكن بناءها بغير هندسة دقيقة.نحن نعرف الهندسة و العمارة و الكيمياء اللازمة لاستخلاص المعادن بمصادر غير اوربية و هي جزء من اسرار اللاهوت و العرافة الافريقية. المؤلم أن المنظور الاوربي لانفسنا مازال ماضياً و يتضح ذلك في انصراف متعلمينا للتبحر في كتابات الاوربيين لا بل يتلاسنون باسماء من يعرفون من كتّاب اوربيين كدليل علي علو كعبهم في الثقافة و الاستنارة و ينسون ببذاءة أن العبّادي و ود الرضي و ود الفراش و شعراء المدائح مثلاً لن يكتشف الجمال في منتوجهم الثقافي الشفاهي غيرنا و ينسون أو تصرفهم البذات الأنيقة و ربطات العنق و العطور عن تلك الدروب الشعبية بعراريقها و سراويلها و كسرتها و كمونيتها. لن نعرف بعضنا إلا بدراستنا لموروثاتنا و يجب أن يفعل ذلك المتعلمون. و يجب أن يتذكروا أن وراء كافكا و برتراند رسل و سارتر مثلاً مؤسسات تسهر علي جعلهم مهمون و هم غير ذلك لا بل كثماتهم! خواجة وراء الآخر. في الحكاية الشعبية درس موسع علاقات السلطة و درسأكثر اتساعاً عن تبعية الخطاب الثقافي للمتسلط و استلاب المضطهدين بذلك الخطاب المستبد، يتضح بجلاء أن الحكمة والمعرفة هما السبيل الوحيد لهزيمة الإستبداد و المنطق المعوج. حزنت لأن أحدا لم يمر بالبوست و لهذا الحزن جذوره في نشيد الإستلاب الغربي لمتعلمينا فما عندهم فيما يبدو مهم كثيراً مقارنة بأسطورة الخلق عند الدينكا و حكاية شعبية تحيكها الجدات للصغار في بحر الغزال.
العرفانhttp://www.kasnazan.com/article.php؟id=521
| |
|
|
|
|
|
|
|