أدب الفولان .. "أحـــــــذر غـــــبـــــارك" .. ترجمة حمزة عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 05:06 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-23-2016, 12:28 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أدب الفولان .. "أحـــــــذر غـــــبـــــارك" .. ترجمة حمزة عبدالله

    11:28 AM Jan, 23 2016

    سودانيز اون لاين
    احمد حامد صالح- بماكو مالى
    مكتبتى
    رابط مختصر



    أدب الفولان

    مدرسة "شيرنو بُكار"

    "أحـــــــذر غـــــبـــــارك"

    لم ينس المعلم الروحي الحصيف "شيرنو بُكار" أن يحذرنا من أخطار "ملاطفة النفس" القادرة على مرافقة الإنسان لمراحل بعيدة، فيقول:
    (مهما يكن جنس لإنسان، عندما تتبلور الروح فيه بفعل عبادة الله، تتحول لجوهرة سامية، ولا يؤثر لونه أو نسبه مثقال ذرة على جودة نوره الروحاني؛ مهما تكن مكانته الإجتماعية ومهما علا قدر نسبه، إذا وصل إلى هذه الدرجة لن يكون بمقدور أي مؤثر خارجي أن يفتنه)
    (العابدين الذين وصلوا إلى هذه الدرجة لم تبق لهم إلا وصية واحدة وهي أن يبتعدوا عن غبارهم.... الإعجاب بما يصدر عنهم. الإعجاب بالنفس أمر دقيق جداً وخفي، بإمكانه أتلاف نفس العابد على الرغم من وصولها للدرجة الروحية المسماة بالجوهرة، التي يشع منها النور الذي لا لون ولا شكل له...نور اسم الله الخفي)
    (عندما تصل النفس للإيمان الحقيقي، تكون مستمسكة وملازمة للتواضع مثل الفارس الذي يكون على صهوة جواد سباق منطلق بسرعة الريح)
    (النفس المُفعمة بالله لا تمد قامتها تكبراً في موقع ما، خوفاً من سقوطٍ محتمل دائماً، بل تميل لتدور مع الحق، هذا الميل يعطيها الإعتدال واليقين اللازمين لعدم فقدان التوازن).

    كان شيرنو بُكار يتميز ببساطة مثالية، وليس من صفاته التنطع أو الغرور، وكان يتميز بقدرته على النظر إلى الأشياء بروح الفكاهة، يحب أن يرشد بلطف وبطريقة مسلية، ويكرر لنا من الحين لأخر على سبيل التحذير ولفت النظر المقولة التي تقول "دائماً الإفراط في الجدية ليس من الجِدية".

    المصدر: كتاب "شيرنو بُكار حكيم بندياقرا؛ حياته وتعاليمه"، أمادو همباتي با
                  

01-23-2016, 12:36 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبــــ (Re: احمد حامد صالح)


    عادات وتقاليد الفولان

    التعقُـل والحَذر (Hakkiilo)، الخجل والحياء "Semteende"

    "هكِيلو" أي التعقل والحذر أحد العناصرالأساسية للبولاكو، منظومة القيم الثقافية المُعرفة للفولاني عالمياً، وهو مرتبط بالرأس والعقل. كلمة "هكيلو" مُشتقة من "هَـكِل hakkiil" بمعنى كن حذراً وواعياً وحساساً، حصيفاً وذكياً وماهراً في نفس الوقت.

    لا يحتوي المعنى الأساسي لـ"هكيلو" على العلم أوالخبرة، إلا أنه يركز على صفات وممارسات الشخص الذي يمتلك المعرفة والخبرة. بالنسبة للفولان الحياة المثالية هي حياة راعي الأبقار الفاضل بغض النظر عن امتلاك هذا الراعي للأبقار أو عدمه، لذلك فإن أكبر ميدان لتطبيق فضيلة الـ"هكيلو" هي الاعتناء بالقطيع وتنميته وهو ما يضمن أيضاً نماء الاسرة والقبيلة.

    الأبقار هي حياة وحب الفولاني المثالي الذي يتوق دوماً أن يعرف أفضل الطرق لتربية القطيع ومضاعفة أعداده، ويصبو لامتلاك أكبر عدد من الأطفال والأبقار أكثر ممن سبقوه. لذلك فإن التعقل والحذر "هكيلو" ليس مجرد فضيلة مجردة، بل هو جزء من طريقة حياتية في أسوأها تنقذ الأشخاص من الموت جوعاً وفي أفضلها ترفعهم إلى مواقع القيادة والاحترام. إذاً فعلامات الهكيلو تظهر في حجم وصحة القطيع، وفي سن الراعي وخبرته وفي مقدرته على استحضار المعرفة والخبرة وشرحها بطريقة جيداً وبلسانٍ فولانيٍ مبين.

    الفضيلة الثانية الأهم من بين فضائل البولاكو هي "سمتيندي" أي الخجل والحياء مضافاً إلى المعني التواضع، ويضيف أخرون احترام النفس والرزانة. يحدثنا "ريني فاليت" كيف أن فولاناً في بوركينا فاسو ينظرون إلى وضع الطعام في الفم إثناء الأكل بوصفه مسألة من أخص الأشياء الشخصية، لدرجة أنهم غالباً ما يلتفتون الى الوراء أو يغطون رؤوسهم وأفواههم بالعمامة أثناء الأكل، وكان هذا سلوك الإنسان المتحضر.
    إذا كانت فضيلة الحذر والتعقل مرتبطة بالرأس، فان سمتيندي الخجل والحياء والتواضع مرتبط بالجانب السري والداخلي وهو المعدة.

    يخبرنا "Tim Eckert" ، الذي عاش وعمل في وسط الفولان في النيجرلإثني عشر عاماُ ، كيف أن السيطرة على النفس والتواضع يظهران في السلوك اليومي، فيقول: (تتميز أقواله وافعاله بالتحكم في النفس والصبر حتى في المواقف الصعبة أو المؤلمة؛ لا يبدي مشاعره السالبة خاصة الغضب؛ لا يشكو؛ لا يسارع باظهار حاجاته مثل الجوع والعطش والمرض: لات يرفع صوته ويتجنب الجدال والخلاف ودائماً يسعى للاحتفاظ بماء وجهه: لا يغني – إلا في مناسبات خاصة ربما إذا دُعي للمشاركة؛ لا يتحدث أثناء الأكل - يُظهر هذا أنه يستمتع بالطعام؛ لا يتحدث عن أو يذكر اسم إبنيه الأول والثاني؛ لا يرد إذا سُئل عن أبنه البكر؛ لا يذكر اسم زوجته فهذه طريقته في اظهار حبه لها؛ يرحب بالضيوف والغرباء ويقتسم معهم من ما عنده؛ هو راعي يتجنب أي عمل لايتماشي مع الرعاة مثل قطع الأخشاب وبيع البضائع في الأسواق عدا المتعلقة بالابقار ومنتجاتها).

    المصدر: A study of Fulfulde varieties of estern Niger ، أنيت هاريسون (Annette R. Harrison) وآخرون
    ترجمة: حمزة عبدالله
                  

01-23-2016, 12:38 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    أدب الفولان

    مدرسة شيرنو بُكار

    الحقيقة

    سأل أمادو همباتي با شيرنو بُكار يوماَ: ( شيرنو! هل استطيع النقاش في الأمور الدينية مع غير المسلمين؟)، فرد عليه شيرنو: (نعم... إذا كان بوسعك أن تحترمهم)

    يقول شيرنو بُكار متحدثاً عن الحقيقة: (الحقيقة ليست ملكاً لأحد، بل هي ملك الواحد الأحد... حقيقة الأمر أن هناك ثلاث أنواع من الحقيقة : الحقيقة كما أراها أنا...الحقيقة كما تراها أنت...وحقيقة الله ؛ هذه الأخيرة تمثل مُحصلة النور، ولهذا يُرمز إليها بالبدر التام، بينما يُرمز إلى الحقيقة كما أراها أنا وإلى الحقيقة كما تراها أنت بهلالي القمر يتقاربان تارة ويبتعدان أخرى....كلما اقتربا من بعضهما زاد اقترابهما من الحقيقة الإلهية).

    هذه كلمات الرجل...حكيم بندياقرا... الذي يقول عن نفسه : (أنا اعتبر نفسي سعيداً...لأن جلدي جلد تمساح لذلك بوسعي أن أرقد في أي مكان دون مشكلة... ولي معدة نعامة، لأنه بإمكاني أن أكل أي شيء دون يصيبني عسر هضم... وقلب حمامة لأني لا أغضب ولا أتعارك مع أحد)

    المصدر: كتاب جان بير لوبي في مدرسة آمادو همباتي با

    ترجمة حمزة عبدالله
                  

01-23-2016, 12:53 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    من تراث الفولان

    مستنقع القرود
    أو (الحقيقة ليست مِلكاً لأحد)

    المصدر: أمادو همباتي با، Il n’y apas de petite querelle

    في مملكة هيلي يويو الفولانية القديمة جداُ (بحسب الأسطورة هيلي يويو هي جنة الفولان المفقودة التي طُردوا منها في غابر الأزمان، واجبروا على أن يعيشوا حياة البدو الرحل لاستمرائهم النعمة حتى أصبحوا يستخدمون اللبن في غسل الأطفال)، امتدت غابة كثيفة عامرة بالنباتات العشبية والأشجار من كل الأنواع... كانت توجد وسط هذه الغابة بحيرة كبيرة صافية عذبة المياه، بيد أنها كانت عميقة جداً لم تسبر غورها أو تقيس عمقها كل عصي الخيزران والنباتات المتسلقة.
    في كل يوم ومن حينٍ لأخر تخرج من هذه البحيرة كائنات جديدة لتنتشر في الغابة، وفي كل يوم أيضاً تسوق الرياح أنقاضاً من كل الأنواع لتلقي بها في البحيرة، دون أن تنجح في تلويث مياهها أو في ملئها، لان هذه المياه العجيبة كانت تملك خاصية تحويل كل ما يسقط فيها.
    كان يسكن حول هذه البحيرة وعلى فروع الأشجار التي تحيط بها "قرود" من كل الأنواع، وكانت تمضى الوقت كله في الصياح والشجار وتتصارع وتعض وتسلخ بعضها البعض، وأحياناً تقتل بعضها البعض. سبب هذا الإقتتال هو اختلافها حول أصل البحيرة، عمقها وطبيعة مياهها. كل جنس من القرود ينظر إلى البحيرة بطيقته ويريد أن يفرض وجهة نظره بالقوة على الآخرين باعتبارها الأصدق والأصح.
    في الوقت الذي استمرت فيه القرود في ذم بعضها البعض وفقدان حياتها أحياناً نتيجة لذلك، كانت أسراب البجع تسبح في سلام على البحيرة وكانت تغوص من حينٍ لآخر لتملأ الجراب الكبير الذي يزين أسفل منقارها بالأسماك، ولم تكن القرود تملك حيالها غير الصيحات الساخرة.
    كانت هذه الطيور تغني بمنقارها
    المزمار وهي تقول:
    (كوما ... كوما... كوما ؛ أنا الطائر المغني من جنس الطيور المائية؛ قوائمي طويلة ومنقاري قوي وحاد؛ انتمي الاحدي المجموعات الإثني عشر التي يتكون منها جنسي؛ تماماً كقبائل بني إسرائيل؛ سافرت كثيراً؛ زرت السهول والجبال في كل العالم؛ وزرت شواطىء الأف الأنهار)
    (أنا أرثي لحالكم؛ أيتها القرود التي تسخر من طيور الماء؛ انتم لا تجهلون ماهيتها ولا تعرفون ماهي قادرة على فعله؛ هي قريب لكم متفان؛ سباح ماهر وصياد كبير؛ وعندما يطير فهو طائرٌ لا يقارع؛ بوسعه أن يعيش في أي مكان في العالم؛ في الجو كما فوق سطح الأرض؛ على المياه وفي البحار البعيدة؛ وإذا كان خطوها نحو اليسار حين تسير على الارض الصلبة فهو فقط للتذكير بقصر الذين يدعون الكمال من الناس ويسخرون من الأخرين)
    (يا ايها المتشددون المتزمتون في كل المنازل، اعلموا أن تصوراتكم مهما كانت لن تبقي الوحيدة ولا الأصح. أيها القرود تقاتلوا بكل شراسة. لن تعرفوا عمق البحيرة ولا جوهر مياهها. لن تنجحو إلا في تعكير صفو مياه البحيرة التي بداخلكم دون أن تعكروا أبداً مياه البحيرة العظيمة...مصدر الحياة...مصدر السلام... والإنسجام.

    ترجمة: حمزة عبدالله (نيامي 15 يناير 2016)
                  

01-23-2016, 12:57 PM

aydaroos
<aaydaroos
تاريخ التسجيل: 06-29-2005
مجموع المشاركات: 2965

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)

    جمال
                  

01-23-2016, 01:06 PM

Tragie Mustafa
<aTragie Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-29-2005
مجموع المشاركات: 49964

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: aydaroos)



    تسلم يا سيد العاقلين

    وفعلا التعقل و الحذر من ادابهم.....ربنا يحفظهم.


    تحايا يا احمد.
                  

01-23-2016, 11:36 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: Tragie Mustafa)



    شكرا الاجلاء

    الاستاذ عيدروس

    الاستاذة تراجى

    على مروركم

    الود كل الود
                  

01-23-2016, 11:40 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)

    من أدب الفولان

    حكمة

    ("العودة إلى الجذور" أمرٌ جيد ولكن بشرط أن لا يُجعل منها أبداً راية لتبرير العنف وعدم التعايش مع الآخرين؛ لحسن الحظ المستقبل لله).

    آمادو همباتي با - حكيم باماكو
                  

01-23-2016, 11:44 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)

    متابعة ممتعة للمأدبة الشهية هذه


    كن بخير استاذي أحمد صالح





    مودتي
    تلبو
                  

01-23-2016, 11:54 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: Dahab Telbo)

    من أدب الفولان

    درس التواضع

    (مدخل: هي معرفة مكتسبة، واقعية منقولة عن طريق التلقين وليست من المعطيات الجينية... فضلاً عن ذلك، هذا النص يعيدنا إلى حكاياتٍ تلقينية مثل "كايدرا" و"كومن" و"إنفجار النجم الكبير"... عبر هذه الحكاية تذكرنا الكلمات الموجودة فيها مثل "الغار" و"الكهف" و"الجبل" بالنائمين السبعة العظماء في صورة الكهف، أو بنزول الوحي لأول مرة في غار حراء قرب مكة المكرمة)
    أبوبكر دومبا ديالو (غينيا – كوناكري)

    المصدر: آمادو همباتي با Petit Bodiel et autres contes de la savane

    في مملكة "سُلي" ، وفي مغارة في خاصرة جبل تلهبها من حين لأخر حرارة الشمس وتضربها سياط الرياح وتتغشاها الأمطار، عاش ناسكٌ يُدعي "سولي"، وكان طعامه مقتصراً على الثمار البرية، والعسل الصافي، أما شرابه فكان من ماء العيون، وكان لا يتجول في الغابة إلا في الأوقات التي يجمع فيها النحل غبار الطلع.
    وفي يوم من الأيام أقدم أحد الرعاة الشرهين إلى المخاطرة إلى أبعد مدى في الجبل خلافاً لما جرت عليه العادة، فأبصر الناسك وأراد الأقتراب منه والتحدث إليه، إلا أن الأخير أطلق ساقيه للرياح وكأن وحشاً كاسراً يطارده. إزداد فضول الراعي فانطلق خلف المتنسك وبدأت مطاردة محمومة بين الإثنين من بين الأشجار وخلف الصخور العالية مثل الفئران. في النهاية لم يجد الناسك مناصاً من اللجوء إلى كهفه وتبعه الراعي بالداخل إلا أن الكهف كان شاسعاً وتتصل دروبه الداخلية وليس فيها درب مسدود.
    تعب الراعي وتوقف عن الجري، وعندما عادت اليه أنفاسه خرج من الكهف وغفل راجعاً من حيث أتى، ثم اتجه إلى الملك "سيدو" ملك المكان التابع لملك سولي العظيم، وقال له:
    - سيدي! لقد رأيت بأم عيني رأسي في الغار المقدس يلبس لباساً من أوراق الأشجار والألياف النباتية، أردت أن أعرف من هو وتقدمت نحوه لاتحدث إليه إلا أنه فر من أمامي فرار الحمل من الذئب، ولم استطع الإمساك به. لا شك أن هذا الرجل قديس... إن لم يكن الأمر كذلك ربما كان مجنوناً أو شيطاناً ذو شرٍ مستطير.
    ثار فضول الملك فاستدعي أمامه قائد الجند وقائد الفرسان المسؤول عن الخيول وخاطبهم قائلاً:
    - اجمعوا كل الجنود وحاصروا الجبل الذي سيدلكم عليه هذا الراعي... في احدي كهوف هذا الجبل يعيش رجل ما، هذا إن لم يكن شيطاناً ... احضروه مهما كان الثمن وإلا قطعت أعناقكم...هيا اذهبوا!
    حاصر الجنود الجبل واغلقوا كل الطرق وصعدوا إلى الكهف ونادي قائد الجند المتنسك قائلاً له أن الملك يريد مقابلته. لما رأى الزاهد أنه وقع في الشرك، خرج من مخبئه وقبل أن يعود مع الجنود إلى قصر الملك سيدو. ما أن مثل الناسك أمام الملك حتى أحس الأخير بعاطفة غامضة، وامتلاء قلبه بالإحترام تجاه الرجل فسأله بلطف:
    - ما اسمك؟
    - اسمي سولي.
    - ماذا تفعل في المغارة؟
    - اتعلم السيطرة على نفسي وأبحث تأديبها.
    - ولماذا تهرب من البشر وكأنهم مرضاً معدياً مثير للإشمئزاز؟
    - لا أستطيع الرد على سؤالك أيها الملك... لأن موقعك في أعلى قمة الجبل، أما أنا ففي مؤخرة الوادي البعيد...كلامي لن يصل إلى مسامعك إلا كالصدى المتلاشي لصوتٍ بعيد...المسافة التي تفصل بيننا كبيرة جداً.
    - وماذا عليّ أن أفعل حتى تتلاشي هذه المسافة وتصبح كلماتك في متناول روحي؟
    - يجب أن تكون تلميذي المطيع.
    - أنا على استعداد لانصت لتعاليمك، ولكن ماذا يجب علىّ أن أفعل؟
    - انزل من عرشك وقايض ملابسك الجميلة بالأثمال البالية وأنس ثروتك، وحتى لا تأسف على حالك، اعتبر وكأن مصيبة حلت بك وقل مهما كانت عِظم الابتلاء الذي يحل بي، هناك دائماً إبتلاء أكبرحفظني الله منه برحمته وبلطفه.
    دون أن ينبس الملك ببنت شفة أخرى، نزل عن عرشه، وأوكل أخاه بإدارة شئون دولته ونزع عنه ثيابه الفاخرة وتبع سولي، وغادر الإثنان القرية واتجها نحو الكهف، وهناك بعيداً عن حياة البشر، تعلم الملك التفكر باشراف سولي . بعد شهر من التمرين تبين له أنه أصبح أفضل حالاً، وتابع جهده دون كلل حتى تمكن من تجاوز الحواجز التي تفصل بين المخلوقات، وادرك إدراكاً لا يخالطه الشك خواء الحالات والأطماع البشرية في هذا العالم الزائل. اخترق سر الوجود وأدرك أن سبب وجود كل المخلوقات، من الحجر الجامد إلى الإنسان الذي ينتج فكره الكثير من العجائب ، ضروري ولاغنى عنه. تعلم احترام كل الكائنات الحية المتحركة والجامدة التي تعمر ممالك الطبيعة الثلاث. تطور هذا الإدراك وتعمق بداخله حتى أصبح لا يرى في الأرض شيئاً أتفه منه.
    لما راي سولي التقدم الكبير الذي حققه تلميذه قال له:
    - سيدو! أنا سعيد لملاحظة أنك لم تعد ذلك الملك المتعالي الذي يري الأخرين وكأنهم تراب لا يصلح إلا أن يكون مداساً للنعل. أصبحت تدرك الأن أنه ما من شيء في الوجود إلا وله مكان لا يملاءه أحد، وأن الكل يتجه ويتوجن نحو الله تعالى...اعرف أن روحك قد تشربت بهذه الحقيقة، وأن التكبر قد غادرها إلى غير رجعة لدرجة أنك لم تعد ترى شيئاً اقل منك.
    - هذا صحيح... لم أعد أري نفسي إلا أتفه الخلق.
    - إذن...قبل أن أحل لك العُقد الممهورة التي تكشف لك الأسرار العليا، يجب عليك الأن أن تجوب العالم وأن تحاول اكتشاف شيء ترى أنه أقل منك شأناً.
    استئذن سيدو من سيده وبدأ يجوب الفيافي والوديان والأنهار، ويزور القرى والمدن وقصور الملوك والبارات والحانات واللصوص، ويطلب رأي كبار السن . جابت عيناه السموات واستعرضت النجوم، درس بدقة فائقة ما تحمله الشواطيء عند انحسارها للبحار. باختصار، درس كل شيء ولكنه لم يجد شيئاً في مكان ما قدر أنه أعلى منه شأناً. كلما رأى تواضعاً في شيء، لاحظ فضيلة أو خاصية حُرم منها هو. بعد أن اقتنع أنه في اسفل الدرجات قرر أن يرجع إلى معلمه ليخبره أنه لم يجد على وجه البسيطة مخلوقاً واحداً أقل منه شأناً.
    وفي الطريق أراد أن يقضي حاجته فابتعد في الخلاء لغايته، وفيما هو يتفرس في الأرض لاحظ وجود قطعة جافة من فضلاته من أثر ما تركه عندما مر بذلك المكان أول مرة، فتهللت أساريره وقال: (اخيراًعثرت عنما ابحث عنه دون أدنى شك... على الأقل أنا أساوي أكثر من فضلاتي). مد يده لتناول القطعة الجافة ليريها لمعلمه إلا أنه ولدهشته الشديدة سمع اصواتاً صغيرة متعددة تخرج من البراز الجاف ، كانت كل الحبات والجزيئيات فيها تحتج وتترجاه قائلة : (الرحمة يا هذا الإنسان ... أرحمنا من لمسك المُهلك... في الأصل كنا من زهوراً فواحة، كنا حبيبات عطرة ... بلمستك الأولى تحولنا إلى دقيق وبذلك فقدنا فضيلتنا الأولى في التوالد لنزيد من بني جنسنا...بلمستك الثانية اصبحنا طعاماً وهنا يجب أن نعترف أننا اصبحنا مغذيين وأصحاب طعم لذيذ، ولكن عند اللمسة الثالثة أدخلتنا فيك واصبحنا فيك شيئاً كريه الرائحة... على مدى أيام استحلنا شيئاً مكروهاَ عفِناَ لمن يستنشق رائحته التي تسد أنفه وحلقه...الأن بعد أن طهرنا الهواء وتصلبنا بفعل الشمس ولم نعد "مستطيلاتٍ نتنة" لا يُنظر اليها مرتان ... ماذا سنصبح أذا اخذتنا الأن؟ نرجوك أن تسير في طريقك ... نخشى إذا لمستنا مرة أخرى أن نصبح هذه المرة شيئاً لا تسطيع النار ولا الماء ولا الهواء أن تطهره مرة أخرى!)
    حزن سيدو ايما حزن وعاد إلى معلمه ليخبره بقصته وخنمها قائلاً: (أنا أحقر المخلوقات لأني أساوي أقل من فضلاتي)
    فنهض الناسك ووضع يديه على رأس سيدو وعلى جبهته وصدره وقال له:
    - أخي في الله، لقد سمت روحك إلى قمة الحكمة...ادراكنا أننا أكثر المخلوقات بؤساً هي قمة الحياة الروحية. اذهب واستعد عرشك ... ستعد من الآن فصاعداً من بين العدد القليل من الملوك الذين لم يعميهم سطوع تيجانهم... ستكون "ملكاً ملقناً"... لن يسود نور السلام والحب والإحسان في الأرض إلا عندما يصبح كل الذين يحكمون "مُلقنين" مثلك.

    على الأرجح ما زالت الإنسانية تنتظر هذا اليوم السعيد...

    ترجمة: حمزة عبدالله
                  

01-29-2016, 01:09 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    مارتاكومبا والشيطان
    (حكاية فولانية)

    المصدر: كتاب حكايات حكماء أفريقيا لأمادو همباتي با

    أكمل مارتاكومبا دراساته القرأنية بتفوق، وفي يوم الرحيل دفعته نزعة فجائية ليطلب من معلمه معروفاً هو...أن يسلمه المفتاح السحري الذي يمكنه من التواصل مع الشيطان. حزن المعلم غاية الحزن لهذا الطلب الذي لا يستطيع أن يرفضه، فقد التزم لتلميذه بأن يستجيب لأول طلب له عند تخرجه لحظة رحيله، فاضطر لإعطائه الحروف السرية والمفاتيح السرية والطقوس التي تجبر الشيطان على الظهور أمام من يستدعيه بها.

    اختار مارتاكومبا يوماً مواتياً وقام بالطقوس السحرية المطلوبة، ثم توجه ذات صباح إلى سوق القرية واستدعي الشيطان مترقباً ظهوره. بعد قليل ظهر في السوق، الذي كان لا يزال خالياً، قزم عجوز أعور أحدب وبسط على امتداد المكان خيوطاً متشابكة مُحكمة مثل نسيج العنكبوت، ثم اختفى. بدأ التجار رجالاً ونساءاً في الحضور شيئاً فشيئاً، ووضعوا تجارتهم دون أن يدركوا أن كل واحدٍ منهم وضع بضاعته في احدي عيون الشباك غير المرئية. ثم بدأ رواد السوق في الحضور، وبدأ البيع والشراء، لم يلبث الأمر قليلاً حتى امتلأ المكان بجمهرة صاخبة منهمكة.
    فجأة ظهر العجوز الصغير الأحدب أمام ناظري مارتاكومبا وكان يحمل في يده قدحاً قديماً مليئاً بالدم، واقترب من مجموعة من النسوة كن يتناقشن ثمن بعض المواد، فأدخل عوداً متشعباً في محتوي القدح وحركه بعض الشيء، ثم أخرجه وهزه في وجه إحدى النسوة، فدخلت نقطة من الدم الخفي في عينها فما كان منها إلا أن صرخت في احدي النساء التي رفعت يدها للتو: (أيتها الغبية...لقد ادخلت اصبعك في عيني... احذري عندما تستخدمين هذا الغصن الذي تسمينه يد). لما كانت المرأة مدركة تماماً أنها لم تفعل، انتفضت انتفاضة نمر مجروح وصاحت بها: (ايتها الرسحاء ذات القوام غير المتناسق ... اغلقي هذا الفم الشبيه بالمِعلف وإلا هشمت أسنانك بهذا العقد الذي هو أغلى منك)
    - أيتها الخنزيرة صاحبة الأسنان المتخلخلة ولسان كلسان النمر الجائع... إذا كنت تحاولين كسر أسناني فساجعلك تتقيئين دمك كله من أنفك لا من فمك.
    فرح الشيطان بنجاحه في بدء الشجار، واراد ان يذكيه، فتقدم نحو النسوة بلطف وداس على قدم المرأة التي اتهمت الإخرى بادخال أصبعها في عينها، فقامت الأخيرة التي لم تزل واقعة تحت الخديعة الشيطانية إلا أن صاحت بأعلى صوتها: (أه... أيتها الكلبة قصيرة الذيل...لم يكفك أن تدخلى أصبعك في عيني وها أنتي الأن تدوسين على قدمي بقوائمك الجرباء؟ خذي...حتى تتعلمي الأدب)، ثم صفعت رفيقتها صفعة مدوية، وانقضت كل واحدة منهن على الاخرى وتبادلن الضربات. وبينما هن يتضاربن فقدن التوازن وسقطن على أنية مليئة بالبهارات لأحد التجار، فاستشاط غضباً وكال اليهن الضربات حتى أدمين. غضبت صديقة لاحدي المتعاركتين فشتمت التاجر الذي قال لها: (وما خلك أنتي؟ هاتان الحمارتان مقطوعتا الأذنين كسرتا أقداحي ودلقتا بضاعتي... هل تريدنني أن اعطيهن مساجاً بالزبد المُعطر؟
    استمرت المرأتان في التعارك وتجمهر الناس حولهن، فايقظ الشيطان كلبين كانا نائمين في أحد الأركان فاندفعا نحو الجمهور. فجأة قام الشيطان ومساعدوه بجذب شبكته فتداعي كل السوق، ودخل الهلع في قلوب رواد السوق ودون معرفة السبب اندفعوا للهرب في كل الإتجاهات، واندلقت البضائع واختلطت ببعضها وسقط الهاربون وجرح بعضم وتمزقت ملابسهم.
    عادت الامور إلى طبيعتها بعد ساعة تقريباً من الفوضى المدمرة بفضل تدخل بعض التجار المحترمين الذين لم يفقدوا عقلهم ولم يشاركوا في الشجار وتجارتهم مستمرة في الإزدهار.
    عاد الشيطان مرة أخري منتصف النهر وجلس قرب بائعٍ للحلي يعرضها على بُرش، ووضع قدمه فوق خاتم فينفس اللحظة التي يقوم فيها أحد الزبائن بمعاينة حُلية. لم يرى البائع الخاتم وعبثاً بحث عنه، فوسوس له الشيطان بأن المشتري مسؤل من اختفائه، وبدون تفكير واجهه قائلاً: (أين الخاتم الذي كان هنا؟)
    - وما شأني بخاتمك وكيف أعرف أين ذهب؟
    - لقد أخفيته في جيبك وساجعلك تتقيئه يا عديم التربية يا سارق.
    قال ذلك وامسك بتلابيبه وبدا بينهما العراك، وليزيد الشيطان الطين بِلة رفع قدمه عن الخاتم، فرأه أحد المتسكعين وصاح بهم: (أنتم موغلون في الخطأ...هاهو الخاتم في مكانه). ارتبك التاجر وحاول ان يعتذر، إلا أن المشتري لم يقبل الإعتذار وأمسكه لاوياً ذراعه ثم اوقعه على الأرض وتسبب في كسر ساعده. تمجهرت الشرطة وجاء ثلاث رجال من الشرطة للقبض على الجاني الذي رفض الانصياع والتقط سكيناً استطاع به جرح أحدهم قبل أن يتمكن الآخرون من السيطرة عليه بعد جهد جهيد.
    ظهرت علامات الرضا على وجه الشيطان وتوجه بعد ذلك إلى مجموعة من الخياطين وخلط خيوطهم وطعن أحدهم بإبرة ورحل مبتعداً بعد أن اشتدت الفوضى.
    انفعل مارتاكومبا بكل ما جرى وتوجه نحو الشيطان وصفعة صفعة قوية سقط الشيطان من شدتها على ظهره. دهش الشيطان الذي لم يكن يدرى أن هناك من يراقبه منذ وقت طويل ولكنه احتفظ بهدوءه وهو يقول لمارتاكومبا: (إذا كان الجميع يعاملونني بهذه الطريقة لما بقيت حياً إلى نهاية العالم بحسب عهدي القديم مع "الباقي"...لم ضربتني؟)
    - أضربك لأنني لا أستطيع أحتمال استمرارك في زرع الفتن بين الناس، بالإستفادة من خاصية الخفاء التي تتمتع بها.
    - ليس الأمر كذلك... أنت تضربني لانك تعلم أنه بقي لك من العمر تسعون عاماً ، وأني لا أملك أي سلطان عليك في الوقت الحالي...فلتعلم أن هؤلاء البشر الذين القي بينهم الفتنة تحت وصايتي... حقيقة الأمر أنني لا أملك أية سلطان على أولئك الذين يقسمون حياتهم لقسمين: قسم للإنحلال والمتع المادية بكافة أشكالها، وقسم آخر للعبادة وللتقشف.
    - أيها العجوز الأعور المعتوه! ها أنت تخسر للمرة الأولي لأني أعرف كيف أتجنب براثنك... لن تظفر بي أبداً .
    قال الشيطان بنبرة حزينة متظاهراً بالذهول: (ماذا تريد أن تفعل؟)
    - اغرب عن وجهي...اعرف ما بقي لي أن أفعله وسترى أنه على الأقل هناك بشر عرف كيف يحبط خططك.
    ثم قال مارتكومبا لنفسه: (ها أنا قد عرفت أنني ساعيش تسعين عاماً لم أعش منها إلا ثلاثين عاماً ... بقي منها ستون عاماً...لانجو من وصاية الشيطان ساقسم حياتي لقسمين... ساعيش أولاً خمس واربعين عاماً في المُتع والملذات الدنيوية والإنحلال وأستفيد قدر الإمكان من كل ما يمكن أن أناله في هذه الدنيا.... وعند بلوغ الخامسة والستين ساتوب وأرجع إلى الله... سأكرس سنواتي الخمس عشر الباقية للعبادة كالثلاثين الأولى ... وهكذا تكون حياتي قد انقسمت لفترتين... احداهما للانحلال والأخرى للعبادة).
    في اليوم التالي بدأ مارتاكومبا في التردد على أوكار الفسوق ممتجاهلاً بطبعه العنيد كل النصائح والتحذيرات من الوقوع في حبائل الشيطان، هجر عبادته واعماله الصالحة وغرق في المعاصي.
    بعد سبع سنوات من هذه الحياة جاءه الموت المفاجيء بتوقف قلبه، وقبل أن يلفظ أنفاسه الاخيرة ظهر له الشيطان في زفة من ملائكة الجحيم: ( لقد امتلكتك ايها المنحرف المسكين... لقد نشرت حبائلي ووقعت فيها ... ألفظ أنفاسك الأخيرة بين ذراعي... أخبرك أن جهنم ستكون مسكنك الأبدي... ستبقى فيها وتعض اصابع الندم على مصيبتك... لأن هذه الدار لا نهاية لها).

    خاتمة:
    اخوتي... عليكم بالمحافظة على هدوئكم في كل الظروف... لا تسمحوا لأنفسكم بالإنجراف في مصائد الشك، فالمظاهر خادعة... اعلموا أيضاً أن الحذر يستوجب ألا نتباهى بالمعرفة وندعي أننا قادرون على مواجهة كل شيء...كم من شخص أورده الغرور والعناد والفضول الضار موارد التهلكة... وأخيرأً أمنع نفسك من كل تدخل مندفع غير محسوب العواقب...نعم ضرب مارتاكومبا الشيطان ولكنه دفع حياته ثمناً لهذا الفعل الغير مدروس... من الأفضل قبل التدخل في أمر ما معرفة مقدرتك وفوق ذلك لا تظن أنك تعرف مصيرك.

    ترجمة: حمزة عبدالله
                  

01-29-2016, 01:10 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)

    من تراث الفولان

    بندا الفولانية ... أسطورة النهر (1)

    أُسطورة "مايو ويلنقو" ... النهر العذب

    المصدر: كتاب بندا الفولانية أسطورة النهر (Penda La Peule… la legend du fleuve) للسنغالي إبراهيما سو

    في غابر الأزمان وقبل أن تشتد الجبال وتمتد المزارع على ضفاف النهر الكبير، كانت توجد قرية. كان الرجال في هذه القرية يحترفون الصيد وكانوا قساة ودمويين فوق كل تصور ، أما النساء فكن ذليلات وخائفات كالنعاج تنعدم الرقة في كلامهن وفي حركاتهن. كانت حياة هذه القرية خاضعة تماماً لتقلبات الطبيعة كما هو الحال في ذلك العهد، حيث عمت موجة قاسية خلفت ذكريات مؤلمة واسقط في يد الناس وهم يرون بأم أعينهم قطعاناً كاملة من الظباء والحيوانات البرية الاخري تنفق، واضطر الباقي منها إلى الإنسحاب إلى عمق الغابة في الأماكن التي يستحيل الوصول إليها حتى تنجو من هذه الكارثة الطبيعية ومن حملات الصيد الشرسة التي يقوم بها البشر.

    كانت المخلوقات التي نجت من هذه الفترة هياكل عظمية هزيلة، وكان الصيادون الباقين على قيد الحياة يتوغلون في الغابات للبحث عن طريدة نافقة ارداها الجوع ليسدوا بها رمقهم، وفي يوم من الأيام عاد زعيم القرية من الغابة وهو يحمل طفلاً صغيراً وجده نائماً تحت ظل شجرة. كان الطفل جميلاً وعلى عكس الآخرين كان موفور الصحة وتبدو عليه أثار النعمة وكان يضحك باستمرار. تسأل الناس في دهشة عن هوية الطفل ومن عساه يكون وأين هم أباؤه؟ ما سر ضحكه المتواصل وهذا الشيء الغريب الذي يشع من عينيه؟

    كان هؤلاء الصيادون قساة القلب لا يعرفون الشفقة ولا الرحمة، فقرر مجلس القرية أن يستبقى الطفل ثلاثة أيام ينتظر فيها أن يأتي ذويه للمطالبة به قبل أن يُذبح، وبرر المجلس قراره بدعوى أن القرية لا تستطيع أن تطعم انساناً آخر خاصة المجهولين لذا من الأسلم ان يُذبح. مرت الثلاث أيام ولم يطالب أحد بالطفل ، فقرر المجلس تنفيذ الحكم، واخذه زعيم القرية وأضجعه على جلد حيوان نافق واستل سكينه الطويلة من جرابها وهم بذبحه. في اللحظة التي هوت فيها السكين لتقطع الحلق الصغير، قفز الطفل منتصباً ولدهشة الجميع تحول في مكانه إلى شاب جميل مبتسم قوي الأعضاء، هادىء القسمات منتصب القامة، وتراجع الجميع في هلع وتسمرت أقدام بعضهم من الخوف وسقط آخرون على الأرض ودفنوا رؤوسهم في التراب، فأشار اليهم الشاب الذي ما زال يبتسم بالوقوف وكأنما الأرض انشقت فجاة، ظهرت ثيران صاخبة وأبقار جميلة وشبعى هامع لبنها مستجيبة لسحر قيثارة ظهرت بين شفتيه.

    تلا ذلك أن قام "الرجل الطفل الضحوك" كما أطلقوا عليه بتعليم الصيادين فنون تربية المواشي، مشترطاً عليهم في المقابل أن يهبوه شيئاً من اللبن كلما جاء لزيارتهم. تم التعاهد على هذا الميثاق وسط سعادة الصيادين الذين تخلصوا بذلك من المجاعة ومن شبح الموت الذي يقضي على الأخضر واليابس.

    بعد ذلك مكث الرجل الطفل الضحوك في الغابة وكان يأتي بصورة منتظمة كل في الصباح الباكر ويجلس أمام كوخ زعيم القرية ليطالب بنصيبه من اللبن، وكانت الابتسامة تعلو وجهه دائماً. شيئاً فشيئاً بدأ القرويون يتوانون في الوفاء بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم ثم اصبحوا يقدمون له اللبن في أوعية متسخة ثم أغرتهم طبيعته المسالمة أن يقدموا له ما ما شاؤوا. استمر الرجل الطفل في التبسم ، وفي يوم من الأيام نسى الناس فضله وتجرأت مجموعة على طعنه ثلاث طعنات بالسكين في موضع القلب تماماً وبدلاً من أن يسيل منه الدم سال منه هذا الماء الصافي الذى كون "مايو ويلنقو" هذا النهر العذب الذي ينساب بهدوء يحاكي هدوء الطفل الضحوك لقيط الغابة.
    تمضي الأسطورة فتقول ان الطفل الضحوك شُوهد بعد فترة في الغابة يتنقل بين الاشجار باحثاً عمن قتلوه ليقتص من هؤلاء القتلة سفاكي الدماء، وهو ما زال هناك حتي يومنا هذا، لذا يحذر الصيادون الذين يعرفون هذه الاسطورة من الخروج للصيد منفردين خوفاُ من لقائه.
    ترجمة: حمزة عبدالله

    (عدل بواسطة احمد حامد صالح on 01-29-2016, 01:13 PM)
    (عدل بواسطة احمد حامد صالح on 01-29-2016, 01:13 PM)

                  

01-29-2016, 01:17 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    بندا الفولانية وأسطورة النهر (2)
    غاسلات الملابس
    ملخص: (نساء القرية يغسلن الملابس على ضفاف النهر ويتحدث حديثاً ملئوه الغيرة عن "بندا" الفولانية التي وفدت حديثاً إلى القرية)

    خرج نسوة قرية "كيرمام راب" كما هي عادتهن أيام الخميس الى شاطىء النهر ليغسلن الملابس، ليس هذا هو السبب الوحيد بالطبع فحالما يجتمعن يتحدثن في كل شيء وتتناول السنتهن الجميع. هنا علم الجميع أن زعيم القرية الطاغية "سيلي ملال سي" لا يعدو كونه ذليلاً وضعيفاً أمام زوجته التي تجره من أذنيه رغم الحزم الذي يبدو عليه، وأن "عايدرة" الموريتاني الذي حل في القرية له عادات قريبة، وأن "دودو" الحداد الذي ترمل منذ ست سنوات يحب " زينبو" إبنة المجنونة التي تسكن مدخل القرية. لا يستثني حديثهن أحد، حتى مختار الجواهرجي وزوجته وكذلك الإمام الذي يؤم الناس للصلاة في المسجد الوحيد للقرية، عندما ينطلق قطار ألسنة الغسالات على السكة الحديد يحمل على متنه جميع أهل القرية.
    الموضوع الذي يشغل بال النسوة هذه المرة هو "بندا" بائعة اللبن التي وفدت حديثاً إلى القرية، هذه "الفولانية الغريبة" التي سكنت الشاطىء بعيداً عن القرية قبل اسبوع تقريباً.
    - يبدو أنها يتيمة.
    - لا يعرفها أحد من اهل القرية وهذا ما يُقال...
    - أما أنا فأظن أنها من إحدى الفولان
    - ياله من اكتشاف .
    كان ذلك رد احدي النسوة التي اضافت قائلة: (ظاهر أنها فولانية من لونها وملامحها، ولكن هذا لا يكفي لنعرف من أي القرى أتت... الشيء الوحيد الذي يحيرني في أمرها هو رؤيتها تعيش وحدها دون أسرة أو زوج او حبيب على الرغم من جمالها)
    - هذا غريب فعلاً.
    - أما أنا فلن استغرب من ظهور أمور ما غير مستحبة من قبلها رغم العفة التي تبدو عليها.
    إضافت أخري : (هذا رأيي أيضاً ... من غير المعقول أن تكون بكل هذه الجدية والجمال الذي يبدو لنا... احذرن الماء الساكن فالقاذورات دائماً ترقد في الأسفل ونحن جميعاً نعرف مسالة القاذورات هذه، أليس كذلك؟).
    دفع هذا الرأي الذي رددته الفتاة بصوت عال وبإشارات معروفة صديقاتها إلى الضحك بصوت عال.
    - ومع ذلك تبدو مهذبة وخدومة جداً... هل لاحظتن كيف أصبح ازواجنا يحبون اللبن منذ أن جاءت؟! إنهم يحبون لبنها، فلنحذر منها ولنهتم بأزواجنا يا اخواتي.
    - أما أنا فاهتم بزوجي ولكني لا استطيع أن أمنعه من أن يشرب اللبن بالطبع .
    - إذن عليك أن تشتريه له بنفسك وأن تمنعيه من الاتصال بالفولانية.
    - هذا ما أفعله فعلاً ... صدقوني.
    كانت النسوة معجبات بجودة لبن الفولانية المُقشد كما ينبغي والدسم رغم الغيرة التي تدفعهن، هن متفقات كذلك في أن الفولانية نظيفة وتهتم بنفسها وهي ذات قوام جميل وفيها كل الصفات التي تعجبهن، وتمثل خطراً حقيقياً ومصدر تهديد لأزواجهن الضعفاء مرهفي العواطف. كان لسان حالهن يقول (نعم للبن...لا للبّانة).
    بينما النسوة يسترسلن في الحديث ابصرن فجأة بالفولانية بقوامها الرشيق تمشي نحوهن فصمتن وكأن على رؤوسهن الطير. لما وصلت الفولانية اليهن بادرتهن بالسلام، فلم يرد عليها النسوة اللائي كن يحدقن بها. إذا قُدر للفولانية أن تعرف ما يجول في خاطرهن في تلك اللحظة بالذات لعرفت ما يجوش في خاطرهن من الغيرة العمياء، كن يعتبرن أنه من الظلم أن يجتمع كل هذا الجمال والرقة في شخص واحد... كل هذا الجمال !!! أما الفولانية فكررت التحية برقة وجدية وكأنها لم تحفل بنفس النبرة، وهذه المرة تجاوزن غيرتهن ورددن عليها التحية وهن متضايقات قليلاً من أدب الفولانية الفطري. لم يلبث الامر برهة وبدأت المحاورة:
    - هل أنتِ سعيدة بوجودك في قريتنا؟
    - كثيراً... القرية جميلة والناس فيها طيبون.
    - وهم يجدون اللبن الذي تبعينه جيداً ولذيذاً لدرجة أنهم ما عادوا يحبون غيره... خاصة الرجال.
    بدا وكأن الفولانية لم تفهم السخرية المبطنة في حديثهن فردت:
    - هذا يسعدني جداً... بيع اللبن مصدر سعادتي، أنا أمضي الكثير من الوقت للحصول على أجود لبن ممكن ، وبالتالي فإن اعجابهم بلبني يسعدني ويشجعني.
    - يبدو أنك تعيشين وحيدة؟!
    - نعم هذه حقيقة.
    - كيف تستطعين وحدك الاهتمام بابقارك وغنمك وباللبن والأعمال المنزلية؟
    - يكفي القليل من النشاط... لا يتطلب الامر جهداً كبيراً ... أنا لا أخاف من العمل أبداُ
    - ولكنك تعلمين أن العمل ليس كل شيء في حياة الشابة...هناك اشياء اخرى كما تعلمين...
    - اعرف جيداً ولكن عملي يكفيني في الوقت الحالي.
    - أنت تخفين علينا أمراً ... كيف؟
    سألتها احدي الغاسلات ضاحكة : ( ألا ترغبين في رجل؟) فضجت النسوة بالضحك. ظلت "بندا" متماسكة وغضت طرفها ثم ردت : (لا... عندي كل ما أحتاج إليه)
    - كيف تقولين أن لديك كل ما تحتاجينه؟ اشرحي لنا.
    صمتت بندا ، لم تكن تريد أن تقول المزيد، واستمرت المحادثة التي انتهت بالحديث عن مواضيع اخرى، وقبل أن تغادر النسوة توجهت إليها أحد النسوة بالحديث: (الأ ترين أنه من المبالغة قبول فكرة ان تعيش امرأة دون رجل؟! أنا أجد الأمر مبهماً). أعقب ذلك ان ضج النسوة بالضحك إلا أن بندا قررت أن تظل صامته.

    خاتمة:
    بندا حالة خاصة فهي مغرمة بالفتي الطفل الضحوك... الراعي الجميل... في اسطورة "مايو ويلنقو"... النهر العذب. على الرغم من أن هذه العاطفة تبدو غريبة إلا أن أنها تمثل قصة الحب المستحيل، لكل منا اسطورته وجنونه...ولكن أعزائي القراء ألا يعيش بعضنا ويموتون وهم متمسكون في حياتهم كلها بالمستحيلات التي هي أقل جمالاً ورفعة من بندا الفولانية؟

    ترجمة حمزة عبدالله
                  

01-29-2016, 01:20 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    بندا الفولانية وأسطورة النهر (3)

    بندا الفولانية والجواهرجي

    ملخص: (الجواهرجي الثري يتحرش ببائعة اللبن في الطريق، ثم يتجرأ ليقتحم عليها دارها فتدعوه للدخول وترحب به ترحيباً يليق بكل متحرش...)

    كانت بندا بائعة اللبن تتجول في السوق وهي تردد بصوت عال دون توقف: (من يشتري اللبن...من يشتري اللبن الجيد). عندما يناديها أحد ليشتري تضع الإناء عن رأسها، وترفع عنه الغطاء لتدخل المغرفة التي تستخدمها للقياس في اللبن الذي يعلوه الدسم، ولا تنسى أبداً أن تضيف إلى الكمية المطلوبة قدراً لزبائنها الأوفياء، ثم تحمل الإناء لتضعة مرة أخرى بتوازن على رأسها، لتواصل السير بأيد متارجحة وقامة معتدلة وقد رشيق، لتبدأ النداء مرة أخرى.
    سمعت بندا صوتاً يناديها من الجهة الأخرى من الشارع، فعبرت الطريق إلى دكان الجواهرجي الذي بادرها قائلاً: ( أنت مُبكرة اليوم)
    - ككل أيام الجمعة... هذا يوم مبارك بالنسبة لي.
    - هذا صحيح.
    قالها الرجل وهو ينظر نظرة غريبة إلى الشابه التي أمامه قبل أن يسترسل قائلاً: ( بالنسبة للبن أنا اطلبه كثيراً ولا أشرب إلا اللبن الجيد وقد قالوا لي الكثير من الكلام الجيد عن لبنك)
    - لا تقلق، ستكون راضياً عن لبني. لم يشتكى منه أحد.
    - لا أشك في ذلك إذا حكمنا عليه بتلك التي تبيعه... كيف لا نكون راضيين والأيادي التي تقدمه لنا بهذه الرقة ...
    قاطعته بندا قائلة التي لم تحفل بكلامه المعسول: ( بكم تريد؟)
    - منك؟ يكفيني القليل لأروي عطشي
    - رطلان من اللبن...أيكفون حاجتك؟
    - لا يكفيني كل لبن العالم، ولكن تكفيني إبتسامة من صاحبة اللبن دون شك...
    - هذا ما لا أبيعه... أرى أنك تريد ما لا تستطيع أن تظفر به.
    قالتها بندا واستعدت للذهب، فاستوقفها الجواهرجي : (ارجوك لا تذهبي... أنا امزح... اعطني ثلاث أرطال من البن). ثم مد اليها الإناء وتابع قائلاً: (أنا أعرف أنك تعيشين وحيدة... لا تتردي في طلبي إذا أردت المساعدة ... تعلمين انه رغم كوني بائع حُلي إلا أنني أيضاً ماهرفي إصلاح الاشياء ورعاية الحيوانات وكسر الحطب... استطيع أيضاً أن اتيك بالهدايا...). قاطعته بندا : (تأتيني بالهدايا؟ لم؟).
    - ألا تحبين الحلى الذهبية مثل كل النساء؟ الموديلات الجميلة ... لكي وحدك؟ ما رأيك؟
    لما رأى الجواهرجي أن بندا التزمت الصمت اضطرب، ثم تمالك نفسه ومد يده ليمس كتف بندا التي ازاحتها عنها بحركة صارمة، ونهضت قائمة، فأحس الجواهرجي بالحرج ورمق الفولانية بنظرة مرتابة وقال : (لا تحبين الحُلي؟ ماذا تريدين أن أقدم لك؟ أخبريني ؟)
    - لا أملك ما اشتري به حليك ولا أريدها.
    - - كيف؟ كيف؟ اسمعيني...
    - هذا هو اللبن الذي طلبته
    اسقط في يد الجواهرجي واخرج ثمن اللبن ومده إلى بندا التي تناولته بدورها وشكرته ثم مضت لحال سبيلها بخطوات ثابتة. اطال الجواهرجي النظر إلى الفولانية متاملاً محاسنها وهي تذهب عنه، فازدادت رغبته في امتلاكها.
    لما رجع الجواهرجي إلى منزله في ذلك اليوم أغلظ على زوجته التي اندهشت بدورها من هذا الكم الكبير الذي اشتراه من اللبن على الرغم من انه لا يشربه.
    لم يهدأ للجواهرجي بال، فعزم ان يتسلل إلى حيث الفولانية، وفعلاً ذهب إلى الفناء التي تقطن فيه، فاندهشت لرؤيته وسالته عن سبب قدومه فرد قائلاً: (جئت لزيارتك وتجاذب أطراف الحديث معك، هذا كل ما في الامر...ألا تريدين...)
    - يا للطفك! قل لي بربك فيم نتجاذب اطراف الحديث؟ هل نتحدث عن الأبقار أم عن الاغنام؟
    - لا تسخري مني ...أريد أن تعلمي أني لا أريد لك إلا الخير... فقط سعادتك...هذا ما قلته لك اليوم لو تذكرين. بالمناسبة انتي محقة...
    - عن ماذا تتحدث؟
    - عن اللبن الذي اشتريته منك بالطبع...انت محقة كان جيداً بحق... كان جيداً جداً ... الأفضل الذي شربته على الإطلاق...لقد امضيت اليوم في شربه ولم أشرب سواه صدقيني...هل بقي منه شيء؟
    - عندي القليل ولكنه اصبح حامضاً ... ربما بقليل من السكر
    - لا عليك... اعطنيه بدون سكر ساشربه بكل سرور ...انا ميت من العطش... اعطني ما بقي منه
    كان يتحدث لاهثاً ويرمقها بنظرات غريبة دفعتها لجر غطاء الرأس عليها وتقدمت نحو الكوخ لتحضر اللبن ، ولما رأت انه تبعها قالت له: (ستحصل على لبنك ولكن ابق حيث انت)، فأجابها: (اريد أن اشربه في الداخل)
    - لا يجب أن تدخل إلى كوخي...
    - لماذا لا تريدينن أن أدخل يا صديقتي الجميلة
    - أرى أنه لا يستطيع أحد أن يمنعك من الدخول ... ادخل
    قالتها بندا بجدية وبصوت حازم،ثم نظرت اليه ملياً وافسحت له الطريق ليدخل ، فدلف الرجل وهو يمني نفسه بتحقق امنيته وأغلقت بندا الباب خلفه.
    وفي الصباح الباكر فوجىء أهل القرية بجثة الجواهرجي مختار ملقية على قارعة الطريق.
                  

01-29-2016, 01:26 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    من تراث الفولان

    التاجر البخيل
    ( من تعاليم شيرنو بُكار)

    المصدر: (شيرنو بُكار حكيم باندياقرا حياته وتعاليمه لأمادو همباتي با)

    هل من الحكمة أن نرفض إعطاء جزء صغير لمن أعطانا كل شيء؟
    - التاجر الذي يدفعه الجشع إلى إحكام النطاق على كيس نقوده، رافضاً أن يعطي من موله في بداياته قدراً ضئيلاُ من الدنانير يُعتبر نموذجاً للقبح الأخلاقي. الأقبح من كل ذلك هو قبح الإنسان الذي يرفض تخصيص عبادته للرب الذي نال منه قيمة الحياة نفسها... الله مصدر الحب ونهايته... الله مالك كل ما في السماوات وما فوق الأرض... أنرفض إعطاء القدر الضئيل لمن خلقنا وأعطانا كل شيء؟ بالطبع لا ومع ذلك هذا ما يفعله التائهون في متاهات الحياة الدنيوية.

    ترجمة: حمزة عبدالله
                  

01-29-2016, 01:30 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    من تراث الفولان

    عُرف البقرة المربوطة

    المصدر: (كتاب الرفاهية والمعاناة في حياة الفولان الرُحل Bonheur et souffrance chez les peul nomads )

    الفولان الأمبررو (المفرد بودادو boDaaDo والجمع وودابيwoDaaBe ) أو الفولان الرُحل ينتشرون في النيجر إلى جانب نيجيريا وتشاد والكاميرون، ويتميزون عن الاخرين من بني قبيلتهم بحياتهم الإقتصادية القائمة على الأبقار.
    يقول متحدثهم: الأبقار هي قوتنا الوحيدة وثروتنا الوحيدة، بدونها يعتبر "البودادو" ترِباً وفقيراً، ويكون في حكم الميت. تعتبر عادة "البقرة المُعارة" التي نطلق عليها “haBBanae” أي الدابة المربوطة العادة الأهم بل المركز لجميع عاداتنا.
    إذا كان لديك احساس صادق بالصداقة لشخص ما، فستعمد إلى اختيار بقرة صغيرة عمرها سنتين أو ثلاثة من القطيع الذى تملكه لتعطيها لصديقك لتكون الدابة المعارة بحسب تقاليدنا.
    عندما يلاحظ "البوداديون" من بينهم فقيراُ أباطه والنجم (كما يقال عندنا في السودان)، يقومون بحسب العادات والتقاليد إلى التشاور في أمره (بحق الله علينا هيا بنا نعطي هذا الفقير أبقاراً بحسب عُرف haBBanae ، حتي يخرج من الفقر المدقع.
    عندما يفتقر رجل ما يقوم جاره باعطاءه بقرة بحكم الود وبحق العلاقة بينهما. معروف ان بامكانك ان تعطي الفقير أي شيء، لكن "البودادو" الذي لا يُعطى بقرة haBBanae فقد حرم من حقه الذي هو أهل له. هذه الابقار المعارة تجمعنا جميعاً وتصل بيننا. إذا كنت تريد أن تعطي للذي تحب بقرة بحسب هذه العادة فستدعوه يوم الأحد لانه يوم سعد للأبقار وستريه العجلة قائلاً: (خذ هذه الدابة ... الحقها بك باسم العادات والتقاليد وباسم الصداقة التي تربط بيننا). سيفرح بهذه العطية كما ستفرح انت لأنك أعطيتها له عن طيب خاطر، وستبقى عنده البقرة حتى تلد ثلاث مرات وتتبع عجولها له ويضع عليها علامته. طوال هذه الفترة تكون البقرة أو الدابة المربوطة أهم بقرة في القطيع بل أهم من كل القطيع، لا تأتي أهميتها من جمالها أو شحمها أو لبنها أو قوتها، بل تستمد اهميتها من الصداقة، ينظر اليها ويقول : ( اعطاني إياها صديقي وهي أحب بقرة إلى قلبي). تُبعد عنها بقية الابقار كي تشرب هي أولاً ويؤتى لها بالملح لتأكله من اليد مباشرة ويُربت عليها ويُنزع عنها الشوك والحشرات، وتُنادي باسمها وهي بهيمة لا تعرف السوط لانها لم تضرب أبداً، لذلك يقال إنها بقرة مجنونة لأنها تظن أنه يُسمح لها بفعل أي شيء، وتدخل إلى الحوش وتنام حيث تشاء.
    كل ذلك لأنها بهيمة الصداقة ، باحترامها نحترم صداقة الذي وهبنا إياها. نحن نحترم ونهاب عادت البودانقاكو التي ورثناها والتي توحدنا.

    ترجمة: حمزة عبدالله
                  

01-29-2016, 01:35 PM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    من تراث الفولاني

    النفاق المُعمّم

    المصدر: كتاب (تيرنو بُكار...حكيم باندياقرا: حياته وتعاليمه) لمؤلفه آمادو همباتي با

    كان شيرنو بُكار يكره التباهي بكل أنواعه وخاصة التباهي الديني، سألته يوماً عن السلوك الذي يكرهه أكثر من غيره فأجاب:
    - يا صديقي...أنا لا أحب الكراهية، ولكن السلوك الذي استهجنه وأحذره أكثر من غيره هو النفاق البائس؛ هو هذا الشخص الذي يلبس عمامة غريبة ملفوفة ثمانية مرات حول الرأس ويلبس في عنقه سبحة من ذوات الحبات الكبار، ويمشي وهو يستند من غير داعي على كتف تابعه وعلى عصاة كعصاة الحجاج. هذا الشخص ينطق بكلمة الشهادة بصخب لا لحماسة دينية، ويوعظ بنشاط لا دافع له سوى رجاء منفعة مباشرة. مثل هذا الشخص يفسد النفوس ويتلف القلوب؛ هذا الشخص أبغض ألف مرة من القاتل الذي يهاجم الأبدان.

    ترجمة: حمزة عبدالله
                  

01-29-2016, 11:44 PM

بريمة محمد
<aبريمة محمد
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 13471

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)

    تسلم يا أخى أحمد صالح ..
    شيق ..

    بريمة
                  

01-30-2016, 06:07 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1160

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: بريمة محمد)

    يازول دا ادب غني حد الترف
    شكرا لحمزة الذي يغسل عار جهلنا به
    وشكرا لك الاستاذ احمد صالح خير ناقل لأنفس منقول


    مع تعازيي الحارة لعموم البورداب في المصاب الجلل



    مودتي
    تلبو
                  

01-31-2016, 02:05 AM

امينة عيسى
<aامينة عيسى
تاريخ التسجيل: 11-20-2010
مجموع المشاركات: 619

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: Dahab Telbo)

    جميل
    ساعود باذن الله للتكملة

    يعجبنى ان اقرا واسمع عن اهلى وانت ربى يرضى عليك ما قصرت تب

    كل انحناءة دون المقام
                  

01-31-2016, 02:24 AM

Hani Arabi Mohamed
<aHani Arabi Mohamed
تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 3515

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبــــ (Re: احمد حامد صالح)

    من أجمل ما قرأت
                  

01-31-2016, 02:28 AM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: Hani Arabi Mohamed)


    أدب غنى وخصب لأبعد الحدود لأنه يحكى عن تراث بيئة بتصوير واقعى وسرد جميل.

    شكرا
                  

02-01-2016, 11:04 AM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: Abureesh)





    الشكر لكل الحضور و على كلماتكم الدافئة
                  

02-01-2016, 11:06 AM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    من أدب الفولان

    العصفور الساقط من العش

    حب شيرنو بكار للإنسانية تجاوز بكثير محيط جماعته الدينية ليشمل كل الجنس البشري، بل تجاوز ذلك ليضم كل المخلوقات بما فيها الأكثر تواضعاً من خلق الله.

    في يوم من أيام العام 1933 الذي أمضيته بقربه، كان جالساً في كوخه الذي مات فيه بعد سبعة سنوات وكان يخاطب تلاميذه الأكبر سناً ويشرح لهم بواطن الطريقة التجانية، كنا جميعاً مأخوذين بسحر المقال، وكانت الرياح تهب في الخارج وتدفع بالرمال في الفناء وتضم ريش الديك المعاند الذي يقف قرب مدق الهاون. فجأة ثارت رياح قوية اهتزت لها المباني وسقط على اثرها عش للطيور، وخرج منه طائر صغير وهو يسقسق.
    رمقنا الطائر بطرف النواظر دون مبالاة، ولم ينشغل المستمعين مثقال ذرة، فما كان من "شيرنو" إلا أن أكمل جملته وصمت، ثم نهض واستعرض تلاميذه بنظرة حزينة وواشار باصابعه الطويلة الرشيقة نحو الطائر الصغير وقال: (اعطوني إبن الأخرين هذا)، فأخذه بيديه الإثنتين، وأضاء وجهه وهو يقول: (الثناء لله الذي وسعت نعمته كل الكائنات)، ثم وضع الفرخ الصغير وأخذ صندوقاً وضعه قبالة العش، وخرج ليعود بعد برهة وهو يحمل ابرة كبيرة وخيطاً قطنياً وصعد على الصندوق ووضع الطائر الصغير في نهاية العش الممزق، وخاط العش بنفس العناية التي يخيط بها ثوبه ثم نزل ليجلس على البُرش. كننا ننتظر بلهفة بقية درسه، ولكن بدلاً من أن يتناول المسبحة التي كانت اساس شرحه، تركها جانباً وبعد فترة خيم فيها الصمت توجه الينا بالحديث:
    (من الضروري أن احدثكم مرة أخرى عن الرحمة، ألمني أن أرى أنه ليس لأحدٍ منكم ما يكفي من طيبة القلب الحقة، وأي نعمة هي ؟! لو كنت تمتلك قلباً رؤوفاً لأصبح مستحيلاً عليك سماع درس غايته الله، في الوقت الذي يستصرخك فيه كائن صغير بائس ويطلب النجدة... لم تتأثروا بهذا اليأس؛ لم تسمع قلوبكم هذا النداء ...)
    (اعلموا أصدقائي، إن الذي يحفظ عن ظهر قلب كل علوم اللاهوت لكل الملل الدينية، إذا خلا قلبه من الرحمة فليعتبر معرفته كالأحمال التي لا قيمة لها. لن يهنأ بلقاء الله إذا لم يكن في قلبه مثقالٌ من رحمة...بدونها تكون الصلوات الخمسة مجرد إيماءاتٍ أو حركاتٍ لا قيمة لها... بدونها يكون الحج نزهة لا فائدة منها).

    ظلت صورة هذا اليوم محفورة في قلبي إلى الأبد، ما زالت صورة "شيرنو بكار" تمر بخاطري لابساً عمامته البيضاء وهو يُصلح بلطف منزل "ابن الأخرين" هذا الذي لم نتمكن نحن من سماع ندائه ونحن أكثر إنشغالاً بانفسنا.
    عموماً، علمنا أن لا نقتل أبداً حيواناً لغير الضرورة، حتى وإن كان هذا الحيوان مجرد ذبابة ... بالنسبة له يجب احترام الطبيعة وما تحتويه من حيوانٍ ونبات، لانها ليست فقط أمنا التي تطعمنا، بل لأنها كتاب الله العظيم وكل ما فيها رمز حي ومصدر للمعرفة.

    المصدر: كتاب شيرنو بكار حكيم باندياقرا...حياته وتعاليمه، آمادو همباتي با
    ترجمة: حمزة عبدالله
                  

02-01-2016, 11:21 AM

احمد حامد صالح

تاريخ التسجيل: 10-21-2006
مجموع المشاركات: 2133

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أدب الفولان .. andquot;أحـــــــذر غـــــبـــ (Re: احمد حامد صالح)


    السُلم التعليمي التقليدي عند الفولان

    المصدر: فيلم توثيقي لحياة الفولان بصوت أمادو همباتي با

    مدخل طويل:
    في طقوس تلقي علوم الرعي وأسرار النباتات من "كومن" وزوجتة "فورفوندو" المالكة لأسرار اللبن، يلتقي الشاب الباحث للمعرفة بكومن فيقول له: (لقد ضاعت بقرتي وأنا أبحث عنها....أنا أبحث عن المعرفة)، فيقول له كومن: (ولماذا تقول لي انك تبحث عن بقرتك؟) فيرد عليه قائلاً: (نعم...البقرة هي المعرفة والمعرفة هي ما أبحث عنه).
    ترمز البقرة في ثقافة الفولان للمعرفة والمعرفة هي الثروة الوحيدة التي يمكن لصاحبها أن يهبها كلها دون أن يخسر منها شيئا؛ هي الشيء الوحيد في الدنيا الذي بوسعه أن يكون كذلك... البقاء والانتقال دون الرحيل.

    يحدثنا أمادو همباتي با فيقول: تنقسم حياة الإنسان إلى تسعة فترات زمنية تصاعدية تعقبها تسعة أخرى تنازلية ومدة كل منها سبع سنوات:
    • الفترة الأولي تبدأ من الولادة حتى العام السابع وخلالها يكون الطفل في مدرسة أمه، فهو لا يري ولا يسمع ولا يثق إلا في أمه، ويقال عنه أنه لا يزال في حجر أمه.
    • الفترة الثانية تبدأ من الثامنة وحتي الرابعة عشر من العمر، وفيها مع كون الطفل لا يزال مرتبطاً بامه إلا أنه يبدا في تعلم الأشياء من معلم أو مُلقن خارج المنزل، و يخزن كل ما يقال له ويلاحظه في عقله وذاكرته ثم يأتي ليلتمس التأكيد من أمه حال عودته للمنزل، فيقول مثلاُ: (أمي لقد قال لنا المعلم اليوم كذا وكذا...هل هذا صحيح؟)، وسيبقى الأمر على هذا الحال حتي انتهاء السُباعية الثانية.
    • الفترة الثالثة تبدأ من الخامسة عشر من العمر وفيها يتجه نحو الكبر ويجتاز عتبة الصغر ببلوغه الواحد والعشرين وفيها يستقل من أمه ويبدأ مغالطتها لأول مرة، فيقول لها مثلاً: (الأمر ليس كذلك يا أمي...الصحيح هو ....). ببلوغه هذا العمر ينظر إلى عقله كالقدر التي فيها الالاف من حبات البازلاء، كل واحدة منها باب لدخول المعرفة.
    في الفترات الثلاث التي تلي ذلك يتوجب عليه العمل لتجويد وتنمية كل ما تعلمه وزرعه في عقله في الواحد وعشرين سنة السابقة حتي يبلغ الاثنين وأربعين من العمر، عندها يصبح رجلا كاملاً. ابتداءً من هذا العمر يكون له حق الكلام. في السابق قد يسمح له بالكلام في المجالس العامة إلا انه لايحق له الاعتراض على أمر ما، بل ينصت فقط
    هكذا يكون الأنسان قد أمضى واحد وعشرين عاماُ في التعلم وواحد وعشرين أخري لإنضاج وتجويد ما تعلمه، لزاماً عليه تعليم الأخرين واحد وعشرين سنة أخرى حتى يبلغ الثالثة والأربعين وعندها يعتبر معفياً من أي التزام للمجتمع إلا أن يقوم به من تلقاء نفسه مخيراً لا مجبراً.

    ترجمة: حمزة عبدالله
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de