في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 12:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-16-2016, 11:40 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين

    11:40 AM April, 16 2016

    سودانيز اون لاين
    Yasir Elsharif-Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر

    في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين
    بسم الله الرحمن الرحيم

    "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)" (الأعراف)

    "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)" (النحل)

    " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۖ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)" النحل.

    "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)" (الحج)
    صدق الله العظيم



    تحية إلى الأخ الكريم الأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود والقراء الكرام

    هذا الخيط المكتوب محاولة لإصلاح ذات البين بين الجمهوريين، والذي جاء في مقالات دأب الأستاذ الجمهوري خالد الحاج على نشرها في منبر سودانيز أونلاين، باب "آراء حرة ومقالات"، منها سلسلة أخيرة بعنوان:
    ((أنصار د. النعيم د. ياسر الشريف نموذجاً)) وصلت إلى ثماني حلقات، نزل آخرها بتاريخ 15 أبريل 2016 وأولها بتاريخ 20 مارس 2016.
    حسنا فعل الأستاذ خالد الذي استن سنَّة نقل الحوار بين الجمهوريين إلى خارج الصالون، وهو منبر مغلق على الجمهوريين، فأتاح بذلك إشراك السودانيين في الفضاء المفتوح في هذه الحوارات، خاصة أن الجمهوريين كانوا أول من دعا إلى المنابر الحرة.
    بدأت في التعليق على المقال الأول وذلك في باب "آراء حرة ومقالات" في نفس الموضع الذي نشر فيه ذلك المقال في هذا الرابط:
    http://sudaneseonline.com/board/7/msg/%d8%a3%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%af.-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b9%d9%8a%d9%85-%d8%af.-%d9%8a%d8%a7%d8%b3...%af--1458525443.html
    سوف أنقل ما أراه ضروريا من مداخلاتي هناك إلى هنا.
    الجدير بالذكر أن الأستاذ خالد الحاج كان قد بدأ بكتابة مقالاته في مناقشة أطروحة دكتور عبد الله النعيم في يناير 2009 وكان أسلوبه في الكتابة مقبولا جدا كما تفيد هذه العبارات التي أنقلها أدناه من مقالاته تلك:
    ((والاختلاف، والحوار، بين الاخوان لا يقوم على عداوات، ولا يسبب عداوات، أو هكذا ينبغي أن يكون..))
    ـــــــــــــــــ
    وقد كان الأستاذ خالد الحاج حسن الظن تجاه الدكتور عبد الله النعيم رغم اختلافه البادي معه.. وكان يرى أن الدافع الأساسي في هو مواجهة خطر الإسلام السياسي حيث قال:
    ((من المؤكد أن الإسلام السياسى خطر حقيقي، وخطر ماثل خصوصاً على المنطقة الإسلامية.. و يبدو لى أن الدافع الأساسي وراء طرح الأخ عبدالله هو مواجهة خطر الإسلام السياسى ..))
    ــــــــــــــــ
    أكثر من ذلك فإن الأستاذ خالد كان يعتقد بصدق الدكتور عبد الله النعيم وإخلاصه، فقد كتب في المقال الأول:

    ((من المؤكد أن الأخ عبد الله صادق فيما يقول، و هذا عهدى به دائماً، من خلال معرفتى الشخصية به .. إنطباعى أن الأخ عبد الله يهدف من كتابته، وأقواله، التي نحن بصددها إلى تقديم الفكرة فى اطار يعتبره هو عملى ومناسب للواقع، ويناسب استعداده هو الشخصى ...))
    ــــــــــــ
    ((لأن الفكرة دين، نشرها وانتصارها، ليس على أحد من خلق الله، وإنما هو لله وحده.. وكل من يعمل في الفكرة، وفي اطارها، في أي مجال، من مجالات العمل، إنما هو يعمل من أجل نفسه في المكان الأول فإن أحسن أحسن لنفسه، وإن أساء فعليها.. الله تعالى، لا يحتاج لأحد ليساعده على نصرة دينه.

    لأن الفكرة دين، والعلم فيها علم بالله، فعلم كل من علم هو علم نسبي، ويتفاوت الناس في هذا العلم، ولكنهم مهما علموا، سيظل علمهم في منطقة النسبية، وما يجهلونه أكثر مما يعلمونه (أعلم العلماء بجانب الله أحمق من بعير).

    الأخوان والأخوات الجمهوريين، هم تلاميذ الأستاذ، تربط بينهم أخوة رحم الدين، وهي أكبر، وأهم من أخوة رحم الدم، لأنها هي الرحم الباقية.. فالعلائق بينهم ينبغي أن تقوم على المحبة، الموصولة به تعالى ـ المحبة في الله، وهي تستوجب النصيحة، الخالصة، المخلصة. (الدين النصيحة).

    من الناحية الموضوعية كل من يتحدث عن الفكرة، من داخلها أو خارجها، حديثه قد يكون صحيحاً أو خاطئاً، دقيقاً أو غير دقيق.. وهذا ينطبق على كل الأفكار.. وكل من كتب أوتحدث عن الفكرة، أو غيرها، الأمر الطبيعي أنه يعتبر أن حديثه صحيحاً، حتى لو كان خاطئاً، فعلى الآخرين بيان خطئه، ورده الى الصواب، وهذا ما يجعل الحوار بين البشر قائماً.. فالعقل أمر مشترك بين البشر، وللعقل ضوابطه.. كل فكر مطروح له مراجعه، وضوابطه التي تبين صحة ما ينسب اليه من عدم صحته))

    ـــــــــــــــــــــــــ
    القيم التي ذكرنا بها الأستاذ خالد الحاج في مطلع حواره مع د. النعيم قيم أصيلة وباقية أو ينبغي أن تكون كذلك.. هي من أصول الدين التي بشَّرت بها الفكرة الجمهورية والتي تقوم على الاسماح والقول الحسن وقوامها آيات الاسماح (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) .. (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) .. وهي أيضا من أسس الحوار الموضوعي الذي يقوم على السعة، والرحمة، والرفق. كما هو ديدن الأستاذ محمود وتلاميذه على طول المدى.

    فما الذي حدث ليجعل الأستاذ خالد يغير من أسلوب الرفق وأدب الحوار إلى السباب ورمي التهم الجزافية بحق الدكتور عبد الله النعيم وبعض الجمهوريين، بل والإخراج من الملة ومن الفكرة الجمهورية، كما رأينا في هذه المقالات الثمانية الأخيرة؟؟
    سوف أستعرض في هذا البوست سير الأحداث منذ ذلك الوقت، ولن تكون أولويتي هي الدفاع عن أطروحة الدكتور عبد الله النعيم بقدر ما هو الدفاع عن حقه وحريته في التفكير والتعبير عن فكره، وتذكير الأستاذ خالد الحاج بأن أسلوبه الأخير، فيما يظن أنه دفاع عن الفكرة الجمهورية، هو أسلوب غير صحيح بحسب أدبيات الفكرة الجمهورية.

    وعلى الله قصد السبيل

    ياسر الشريف

    يتواصل

    ملحوظة: لقد اخترت أن أنشر كتابتي هذه في "المنبر العام" لسودانيز أونلاين فهو المنبر الذي يمكنني فيه إدارة البوست ثم تحويله إلى مكتبتي في نهاية المطاف. أرجو أن تكون المداخلات موضوعية وملتزمة بأدب الحوار وبعيدة عن السباب والإساءة والتكفير حتى لا أضطر لتجاهلها أو مسحها، وهو أمر لا أحب أن ألجأ إليه بالرغم من إتاحة لوائح المنبر العام له.
                  

04-16-2016, 12:07 PM

عاطف عمر
<aعاطف عمر
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 11152

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    تحياتي وسلامات عزيزي د. ياسر

    لك
    ولأستاذنا خالد الحاج
    وللبروف عبدالله النعيم
    عظيم التحايا والإحترام


    متابعة
                  

04-16-2016, 05:45 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عاطف عمر)

    سلام يا أخي العزيز الأستاذ عاطف
    حضورك يسعدني ويشرفني

    ــــــــــــــ
    في البداية لا بد من وضع تقديم لكتاب الدكتور عبد الله أحمد النعيم لمن ليست له خلفية عما جاء في المداخلة السابقة عن طرح النعيم.

    ـــــــــــــــ


    تقديم

    أول ما أبدأ به هو تقرير أن ما أقول به في هذا الكتاب هو على مسؤوليتي الشخصية، وهو من ديني الذي أحاسب عليه أمام الله وأتحمل تبعاته بين الناس. فكل ما أقول هنا صراحة أو ضمنا، وما يتبع من تداعيات ودلالات، هو أصالة عن نفسي فقط ولا ينسب إلى أي شخص أو جماعة في أي مكان. وعلى التحديد، فلا تعود أي مسؤولية قانونية أو أدبية على من عاونوني في البحث والإعداد لهذا الكتاب لأني المسؤول الوحيد عما ورد فيه من أقوال وجميع تداعياتها وتبعاتها.
    وثاني ما أود إيضاحه منذ الوهلة الأولى يتعلق بموضوع هذا الكتاب حتى لا أدع مجالاً لسوء الفهم. فلا بأس أبداً أن يعارضني الناس، وحتى لو أجمعوا على ذلك، ما دام ذلك على أساس حقيقة ما أقول وليس بسبب اللبس فيما أقول لتقصيري في التحديد والإيضاح. يمكن إجمال ما أدعو إليه في هذا الكتاب كما يلي:
    - إن للشريعة الإسلامية مستقبل جوهري في المجتمعات الإسلامية لكنه ليس بمعنى تطبيق أحكامها كشريعة دينية من خلال القانون والسياسة العامة للدولة. لأن اعتماد القوانين والسياسيات العامة يجب أن يستند على تسبيب وتأسيس موضوعي يتيح لجميع المواطنين، المسلم منهم وغير المسلم، وعلى إختلاف معتقداتهم الدينية والفلسفية أن يناقشوه ويقدموا ما يرونه من مقترحات وبدائل ذات صلة. فالمسؤولية الدينية إنما تجب على المسلم الذى يحاسب عليها أمام الله، بينما يجب أن تقوم جميع أعمال الدولة على المواطنة الكاملة بلا أدنى تميز على أساس الدين أو الجنس أو العنصر.
    - يمكن تضمين بعض أحكام الشريعة الإسلامية في التشريعات المدنية الحديثة بشرط أن يكون أساس الالتزام بتلك القواعد يرجع إلى تضمينها في قانون صدر عن السلطة التشريعية للدولة وليس استنادا إلى القداسة الدينية للشريعة.
    - أنني أدعو في هذا الكتاب إلى عدم تطبيق أحكام الشريعة من قبل الدولة باعتبارها شريعة دينية، مع التسليم باستمرارية تأثير الشريعة على السياسة ودورها في تأسيس قيم المجتمع وتنشئة الأطفال ومسار العلاقات الاجتماعية، وهو يستلزم ضرورة تطوير فهم المسلمين لأحكام الشريعة الإسلامية في ما يتعلق بأمور السياسة والاجتماع في إطار المجتمعات المعاصرة. غير أن هذا الكتاب لا يعالج هذا الجانب من الموضوع.
    - رغم مخالفة هذه الأطروحة للفهم الشائع عن علاقة الدين بالدولة (سواء بجمعهما، كما يقول الإسلاميون، أو إقصاء الدين عن الحياة العامة، كما يقول دعاة المرجعية اللادينية) فإني مهتم كل الاهتمام بالتأسيس الإسلامي لهذه الأطروحة. كما أني أرى أن العلمانية، بالفهم الذي أقدمه في هذا الكتاب، هي حقيقة ما كان عليه حال المسلمين منذ انتقال النبي، عليه الصلاة والسلام، إلى الرفيق الأعلى، وأن فكرة الدولة الدينية الإسلامية هي بدعة ظهرت في مرحلة ما بعد الاستعمار منذ أواسط القرن العشرين وعلى أساس الفهم الأوروبي للدولة والقانون.
    وأود الإشارة إلى أن الأطروحة الأساسية في هذا الكتاب هي ضرورة الفصل المؤسسي بين الشريعة الإسلامية وأجهزة الدولة، رغم العلاقة العضوية واللازمة بين الإسلام والسياسة لدى المجتمعات الإسلامية. فالطرف الأول من هذه العبارة يؤشر نحو ما يسمى العلمانية في المصطلح الشائع، بينما يوحي الطرف الثاني بالمعنى المضاد لذلك. وهذه الجدلية الدائمة هي جزء من الأطروحة المقدمة للنقاش هنا، بأن العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع تقوم على أساس الحوار والتفاوض المستمر في الإطار الخاص بكل مجتمع، وليس بفرض صيغة محددة، سواء كان ذلك بدعوى الفصل الكامل أو الجمع القاطع بين الدين والدولة. وإن معالجة جدلية الفصل بين الإسلام والدولة مع الربط والضبط لاستمرار العلاقة بين الإسلام والسياسة إنما تكون من خلال التفاعل الاجتماعي الإيجابي على مدى الزمن، لا بمحاولة فض التعارض بصورة فورية من خلال التحليل النظري.
    فمن الضروري النظر لعلاقة الدين بالدولة من ناحية، وبالمجتمع والسياسة من ناحية أخرى في الإطار التاريخي لكل مجتمع على حدة، والابتعاد عن تصور تعريف شامل وعام لهذه العلاقة يطبق على جميع المجتمعات الإنسانية. وبعبارة أخرى، فإن الغاية هي تأسيس وتوثيق القول بأن الدولة الوطنية المعاصرة لا تقدر على تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون عام أو أساس للسياسات الرسمية، ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك، غير أن هذا لا يعني إقصاء الشريعة عن الحياة العامة أو إسقاط دورها وأثرها على السياسات العامة للمجتمع.
    وتفاديا لما قد يصرف القارئ عن حقيقة ما أقول به، أقول هنا، وأكرر أكثر من مرة فيما بعد، لقد استخدمت مصطلح "علمانية الدولة" في هذا الكتاب لتمييز ما أقول عن العلمانية كفلسفة عامة للحياة من غير اعتبار للمرجعية الدينية من ناحية. فالفهم الشائع لدى المسلمين عامة أن مفهوم العلمانية دائما يعني العداء للدين، أو على الأقل إقصائه عن الحياة العامة للمجتمع. ولتفادي مضار هذا التعميم المضلل، فأرجو أن يلاحظ القارئ أن صفة "العلمانية" تلحق بالدولة لا بالمجتمع. كما استخدم عبارة "الدولة العلمانية" أو "علمانية الدولة" لأميز ما أقول عن دعوة بعض الجماعات الإسلامية للدولة المدنية وهم يقصدون بذلك فهمهم للدولة الإسلامية التي تكتسب صفة "المدنية" من أن القائمين عليها ليسوا من رجال الدين (القساوسة) كما في المفهوم المسيحي.
    كما أن الحديث عن الدولة العلمانية - حيث تلحق صفة العلمانية بالدولة وليس بالمجتمع - يُمكن من النظر والمقارنة بين المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي يستخدم بعضها هذا المصطلح، كما نجد في السنغال وإندونيسيا وأواسط آسيا مثلا. كما أن مصطلح "الدولة العلمانية" مفهوم في باقي أنحاء العالم باعتباره تحديداً لصفة الدولة وليس تحديداً لصفة المجتمع.
    والتعريف التطبيقي لمفهوم الدولة العلمانية في هذا الكتاب هو أنه المبدأ العام لتنظيم العلاقة بين الإسلام والدولة بما يضمن مقتضيات الحكم الدستوري، والتعددية الدينية والمذهبية، والاستقرار السياسي والتنمية، في الإطار المحدد للمجتمع المعين حسب تكوينه الثقافي والعرقي وظروفه الاقتصادية والسياسية الفعلية. غير أن هذا التركيز على خصوصية هذه العلاقة بين الدين والدولة لكل مجتمع لا يعني أن كل علاقة مزعومة بين الدين والدولة مقبولة وعملية؛ إذا كانت لا تحقق التوازن بين امتناع تطبيق الشريعة بواسطة أجهزة الدولة كقانون أو سياسة عامة، من جهة، وامتناع إبعاد الشريعة عن مجالات الحياة العامة للمجتمع، من الجهة الأخرى. إلا أن هذه الموازنة تأتي من خلال الممارسة العملية، وليس فقط بالتنظير الأكاديمي حول هذه المفاهيم. لهذا، فانأ مهتم بوسائل التوعية الشعبية لإشاعة هذا الفهم للعلاقة بين الدين والدولة من ناحية، والدين والمجتمع من ناحية أخرى، تماماً كما أهتم بالتحليل والتوثيق لأطروحتي الأساسية حول طبيعة هذه العلاقة.
                  

04-16-2016, 07:13 PM

فقيرى جاويش طه
<aفقيرى جاويش طه
تاريخ التسجيل: 06-17-2011
مجموع المشاركات: 4922

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    السلام والتحية للاخوة الجمهوريين فى كل مكان وزمان .

    المجد والخلود لامام وسيد شهداء العصر شهيد الفكر والحرية الاستاذ محمود محمد طه .
                  

04-16-2016, 07:59 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: فقيرى جاويش طه)

    تحياتي وشكرا لك يا أستاذ فقيري..

                  

04-16-2016, 08:01 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    تصحيح...

    كتبت في مداخلتي الأولى بعاليه ما يلي:

    أكثر من ذلك فإن الأستاذ خالد كان يعتقد بصدق الدكتور عبد الله النعيم وإخلاصه، فقد كتب في المقال الأول:

    الصحيح :

    أكثر من ذلك فإن الأستاذ خالد كان يعتقد بصدق الدكتور عبد الله النعيم وإخلاصه، فقد كتب في المقال الثاني:
                  

04-16-2016, 09:20 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    استمر حوار الجمهوريين في منبر الصالون في يناير 2009 وكان الأستاذ خالد الحاج قد نشر حتى يوم 16 منه حلقتين من مقالاته هناك. في يوم 21 يناير 2009 كتب الدكتور عبد الله النعيم رسالة لرئيس منتدى الصالون، لأنه ليس لديه اشتراك وعضوية باسمه في الصالون، ولكنه يستطيع أن يقرأ من حساب آخرين من أسرته. هذا هو تلك الرسالة:

    ((أستاذي خالد الحاج
    والاخوان والاخوات
    تحية طيبة
    أنا متابع لمناقشاتكم الطيبة لأطروحاتي ومنتفع منها غاية الانتفاع ولكن تتعذر لي المشاركة لأني لا أعرف الطباعة باللغة العربية وأيضا في حالة سفر متواصل فأحببت أن أفيدكم بأني سأشارك ان شاء الله في أول فرصة وأرجو أن يتواصل النقاش لأني انتفع به وإن لم اتمكن من المشاركة فيه ..

    لقد حاولت الاتصال بالأستاذ خالد تلفونيا ولكن لم اوفق ..

    عبد الله))

    ـــــــــــــــ
                  

04-16-2016, 09:24 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في نفس يوم الأربعاء 21 يناير 2009 أرسل الأستاذ خالد الحاج ردا على رسالة دكتور عبد الله النعيم هذا نصها:

    ((بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ عبدالله
    ارجو أن تكون والأسرة على أحسن حال
    شكراً على محاولة الاتصال..‏
    استطيع أن أتصور ظروفك، وأقدرها، أنا لست في عجلة من أمري، خصوصاً، أنني سأكتب ‏بعض المداخل العامة، التي ليست لها علاقة مباشرة، بالمناقشة
    مع خالص تحياتي
    خالد الحاج))
                  

04-16-2016, 09:51 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    عزيزى ياسر

    سلامات

    اتابع باهتمام سعيك لاصلاح ذات البين داخل البيت الجمهورى

    مع ودى

    المعز ابونوره
                  

04-17-2016, 02:23 AM

أبوبكر بشير الخليفة

تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 282

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Elmoiz Abunura)

    الاخ العزيز دكتور ياسر الشريف

    ارجو ان تسمح لى بالتعليق فى هذا الخيط، الذى اتفهم الغرض من ورائه.

    اولا : صحيح قولك بان الجمهوريين يؤمنون باهمية الحوار، وان الاسناذ محمود ظل لمدة اربعين عام يعلم الشعب اهمية الحوار وان محاضراته المسجلة والموجودة حاليا والتى كان يلقيها فى كل صقع من اصقاع السودان، منذ الستينات من القرن الماضى، كان يقول فيها بانه يفضل ان يتحدث فى نصف وقت المحاضرة على ان يعطى النصف الآخر لاسئلة واراء المستمعين، علما بانه فى ذلك الوقت لم يكن فى العالم اجمع زعيم حزب سياسى او طائفة يتبع ذلك النهج، وانما كانت الخطب الرنانة. ثم ان الاستاذ محمود قد قام بتدريب اتباعه تدريبا عمليا على الحوار وكان يقضى الوقت الطويل للاستماع لتقاريرهم عن سير اركان النقاش، ماذا قلنا، وماذا قال فلان، وكيف رددنا عليه، يضاف الى كل ذلك ان اجتماعات الجمهوريين التى ينظمون فيها كل تفاصيل نشاطهم كانت تتم فى الميدان العام ومفتوحة للجميع بما فيهم المعارضين الذين كانوا، وما زالوا، يتربصون بالجمهوريين الدوائر. ولكن الاستاذ محمود كان يقول بان موضوعنا موضوع دين، تغهد الله بنصرته، وان الله يدافع عن الذبن آمنوا، واننا ليس لدينا ما نخفيه. ولذلك فان جنوحك لنقاش امر يهم الجمهوريين فى المنابر العامة انما هو اتجاه طبيعى وينبع من ايمان راسخ بمبادئ الفكرة الجمهورية.

    تعم ان الجمهوريين بينهم من صلات المحبة والترابظ والتعاضد ما يفوق كل ما تجده من صلات موجودة بين كثير من اعضاء التنظيمات او حتى بين من تكون بينهم صلات الدم. وتجدهم يعرفون كل افراد اسرة الجمهورى، ويتواصلون فى كل المناسبات الاسرية، بعفوية ومحبة خالصة، جاءت من حسن التربية والترشيد التى تلقوها من الاستاذ محمود، مما يحاكى الاحاديث النبوية والايات القرانية التى تصف حالة العلاقة التى تقوم على الدين، ولذلك كان لابد من وجود المنبر الخاص بهم (الصالون) الذى يمارسون فيه هذه الصلات من خلال الوسائط التى استجدت بفضل الله وبفضل هذا التطور الكبير فى عالم التكنلوجيا. وكما يمكن للمرء ان يتفهم فان المنابر التى مثل الصالون قد لا تكون مناسبة لحوار حر يعالج قضايا فكرية وفقهية، ولا يجب ان تكون، فان الحوار الفكرى يجب ان يكون مفتوحا وفق اسسه الصحيحة، يحضره كل من يرغب، ويشارك فيه كل من يكون مستعدا لتحمل مسئولية قوله وكلامه.

    بعد هذه المقدمة التى ارى اننى قد عبرت فيها عما اوافقك عليه، ارجو ان تسمح لى بالتعبير عما اختلف معك فيه:
    اولا: نعم ان منبر سودانيزاونلاين منبر مفتوح وبه خاصية تجعل مفترع الخيط لديه المقدرة من حذف المشاركات التى يرى بانها دون مستوى الخيط او المشاركات التى يرى بانها تخالف اسس الحوار كما يراه هو. وهذه خاصية ممتازة توفق فيها الاخ العزيز بكرى ابوبكر ولقد جعلت هذه الخاصية من مفترع الخيط وكانه رئيس التحرير فى جريدة او مجلة، يوافق بنشر ما يرى بانه يخدم خط الجريدة او المجلة، وللقراء ان يحكموا على مستوى جريدته او مجلته، ويمكنهم الاستمرار فى تتبعها او الانصراف عنها. وكذلك الامر بالنسبة لمفترعى الخيوط، الذين يمكنهم التحكم فى مسار الخيط والحفاظ عليه بالصورة التى يرغبون فيها. ولكن هناك امر آخر وهو ان سودانيزاونلاين بسياستها التى تسمح للمشاركين بالكتابة تحت اسماء مستعارة، لاسباب قد يرى البعض بانها مفبولة، تقصر كثيرا عن متطلبات الحوار الفكرى الجاد، وذلك لان اهم، واكبر متطلبات الحوار الهادف الجاد يتطلب ان يكون صاحب الراى مستعدا لتحمل مسئولية اقواله او كتابته. اما ان نسمع راى من مشارك يتخذ اسما مستعارا فان هذا لا يمكن ان يكون مقبولا فى مثل هذا الحوار الذى ترغب فى ادارته.
    ثانيا: موضوع الخيط او عنوانه، (اصلاح ذات البين بين الجمهوريين)، يوحى بان ذات البين بين الجمهوريين ليست على ما يرام، وهذا فى تقديرى غير صحيح، والصحيح هو ان هناك اخ جمهورى (الاخ خالد الحاج) قد دأب فى الآونة الاخيرة على مهاجمة اخ جمهورى (الاخ عبد الله النعيم) بصورة غريبة وشاذة، وانه استمر فى نشر المقالات التى تنضح بالاتهامات الغير منطقية، وان كل الجمهوريين تقريبا، قد ادانوا موقفه هذا بوضوح شديد، وان الكثير من الجمهوريين قد حاولوا مناقشته لوقف هذا الهجوم الغريب، غير المبرر، ولم ينجحوا حتى الآن، بل زاد من هجومه ليشمل كل الجمهوريين الذين حاولوا اثنائه، ولقد كنت انت اخى ياسر اول هؤلاء الاخوان الاخرين الذين شملهم الهجوم. وفى اعتقادى ان هذا الخيط كان يجب ان يحمل عنوانا لا يوحى بان هناك خراب ذات بين، وانما يجب ان يسمى الاسماء بمسمياتها، مثلا ( اصلاح ذات البين بين الاخ خالد الحاج والاخ عبد الله النعيم)
    ثالثا: نحن، ومعنا قراء سودانيزاونلاين قد راينا كتابة الاخ خالد الحاج واطلعنا على اتهاماته الغريبة والشاذة التى اطلقها جزافا على الاخ عبد الله النعيم، وقرأنا الردود التى كتبها الاخ عبد الله النعيم، وكيف انها لم تحوى اى هجوم على الاخ خالد الحاج او ظلم، ثم انه قد توقف عن الرد عندما شعر بان الاخ خالد قد تجاوز كل حدود الحوار المحترم، وهو موقف يليق بكل انسان يحترم الحوار ويلتزم باخلاقه، ثم انه يليق بالاخ عبد الله النعيم المعروف لدى اغلب السودانيين، ولقد شهد له كل من عرفه بكل محاسن الاخلاق التى تليق بالجمهورى وتليق ببروفسير فى القانون اشتهر على نطاق العالم. وفى اعتقادى بانه ليس هناك خراب بين من ناحيته، وانما الابتعاد عن الحوارات التى لا تليق بمثله. ولذلك كان يمكن ان يكون هذا الخيط محاولة محددة المعالم وواضحة لايقاف الاخ خالد الحاج من الاستمرار فى مثل مقالاته التى نشرها، بدلا من تعميم الامر بهذه الصورة (اصلاح ذات البين بين الجمهوريين)

    ارجو الا اكون قد اطلت عليك، ولكننى احببت ان اوضح بان هذا الخيط ليكون كما تحب انت، وكما ارجو انا حتى اتمكن من الاستمرار فى الحوار معك فيه، يجب ان يضمن الى جانب مقدرتك على خذف المشاركات التى لا تخدم غرضه، ايضا عدم السماح للاشتراك بالكتابة فيه الا لمن يكتب باسمه ومستعد لتحمل مسئولية قوله. فان تم ذلك فسوف احاول ان اوضح لك بانه ليس هناك خراب ذات بين بين الجمهوريين، وانما هناك اخ جمهورى قد ظلم اخ جمهورى آخر وانه قد اشتط لدرجة كبيرة ينبغى علينا ان نوضح بان مثل هذا الهجوم ليس له مكانة عند الاخوان الجمهوريين.


                  

04-17-2016, 08:44 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: أبوبكر بشير الخليفة)


    أخي العزيز أبو بكر بشير الخليفة
    تحية طيبة وشكرا لك على المداخلة
    Quote: بعد هذه المقدمة التى ارى اننى قد عبرت فيها عما اوافقك عليه، ارجو ان تسمح لى بالتعبير عما اختلف معك فيه:
    اولا: نعم ان منبر سودانيزاونلاين منبر مفتوح وبه خاصية تجعل مفترع الخيط لديه المقدرة من حذف المشاركات التى يرى بانها دون مستوى الخيط او المشاركات التى يرى بانها تخالف اسس الحوار كما يراه هو. وهذه خاصية ممتازة توفق فيها الاخ العزيز بكرى ابوبكر ولقد جعلت هذه الخاصية من مفترع الخيط وكانه رئيس التحرير فى جريدة او مجلة، يوافق بنشر ما يرى بانه يخدم خط الجريدة او المجلة، وللقراء ان يحكموا على مستوى جريدته او مجلته، ويمكنهم الاستمرار فى تتبعها او الانصراف عنها. وكذلك الامر بالنسبة لمفترعى الخيوط، الذين يمكنهم التحكم فى مسار الخيط والحفاظ عليه بالصورة التى يرغبون فيها. ولكن هناك امر آخر وهو ان سودانيزاونلاين بسياستها التى تسمح للمشاركين بالكتابة تحت اسماء مستعارة، لاسباب قد يرى البعض بانها مفبولة، تقصر كثيرا عن متطلبات الحوار الفكرى الجاد، وذلك لان اهم، واكبر متطلبات الحوار الهادف الجاد يتطلب ان يكون صاحب الراى مستعدا لتحمل مسئولية اقواله او كتابته. اما ان نسمع راى من مشارك يتخذ اسما مستعارا فان هذا لا يمكن ان يكون مقبولا فى مثل هذا الحوار الذى ترغب فى ادارته.

    منبر سودانيز أونلاين عندما بدأ كان يقبل الدخول بأسماء حركية وأيضا بأسماء أخرى غير الأسماء الحقيقية، وكان ذلك مفهوما وقتها، ولكن بمرور الوقت أصبحت معظم الأسماء الحقيقية لأصحاب هذه الأسماء الحركية والمستعارة معروفة للناس، أو على الأقل أسماء المشهورين منهم، ويطيب لي أن أذكر منهم اثنين على سبيل المثال فقط: الأول أبوجهينة وهو الأستاذ جلال داوود، والثاني "أبومهيار" يكتب باللغة الإنجليزية Abomihyar وهو الأستاذ أسامة عبد الجليل. وكثير من أصحاب الأسماء الحركية يذيلون مداخلاتهم بأسمائهم الحقيقية في بعض الأحيان.
    ثانيا معيار قبول المشاركة هو المحتوى فإذا لم تكن تنتهك لوائح المنبر وأدب الحوار فليس هناك بأس من السماح بها حتى لو كانت باسم حركي أو مستعار طالما أن هذا هو اختيار صاحب المداخلة.

    Quote: ثانيا: موضوع الخيط او عنوانه، (اصلاح ذات البين بين الجمهوريين)، يوحى بان ذات البين بين الجمهوريين ليست على ما يرام، وهذا فى تقديرى غير صحيح، والصحيح هو ان هناك اخ جمهورى (الاخ خالد الحاج) قد دأب فى الآونة الاخيرة على مهاجمة اخ جمهورى (الاخ عبد الله النعيم) بصورة غريبة وشاذة، وانه استمر فى نشر المقالات التى تنضح بالاتهامات الغير منطقية، وان كل الجمهوريين تقريبا، قد ادانوا موقفه هذا بوضوح شديد، وان الكثير من الجمهوريين قد حاولوا مناقشته لوقف هذا الهجوم الغريب، غير المبرر، ولم ينجحوا حتى الآن، بل زاد من هجومه ليشمل كل الجمهوريين الذين حاولوا اثنائه، ولقد كنت انت اخى ياسر اول هؤلاء الاخوان الاخرين الذين شملهم الهجوم. وفى اعتقادى ان هذا الخيط كان يجب ان يحمل عنوانا لا يوحى بان هناك خراب ذات بين، وانما يجب ان يسمى الاسماء بمسمياتها، مثلا ( اصلاح ذات البين بين الاخ خالد الحاج والاخ عبد الله النعيم)

    مع احترامي لوجهة نظرك إلا أنني أردت للعنوان أن يكون محايدا بقدر الإمكان وفي نفس الوقت لا يبتعد عن الحقيقة. الحقيقة هي أن هناك اختلافات بين الجمهوريين في بعض المسائل منذ حدث الثامن عشر من يناير 1985. المهم عندي أن يتمكن الجمهوريون من احترام وجهات نظر بعضهم البعض، والابتعاد عن الوصاية ، ثم إيجاد الرأي العام السمح المستنير الذي يضطر كل من يمارس التخوين والتكفير والإخراج من الملة على الاعتذار على الملأ في هذا الفضاء الفسيح.
    Quote: ثالثا: نحن، ومعنا قراء سودانيزاونلاين قد راينا كتابة الاخ خالد الحاج واطلعنا على اتهاماته الغريبة والشاذة التى اطلقها جزافا على الاخ عبد الله النعيم، وقرأنا الردود التى كتبها الاخ عبد الله النعيم، وكيف انها لم تحوى اى هجوم على الاخ خالد الحاج او ظلم، ثم انه قد توقف عن الرد عندما شعر بان الاخ خالد قد تجاوز كل حدود الحوار المحترم، وهو موقف يليق بكل انسان يحترم الحوار ويلتزم باخلاقه، ثم انه يليق بالاخ عبد الله النعيم المعروف لدى اغلب السودانيين، ولقد شهد له كل من عرفه بكل محاسن الاخلاق التى تليق بالجمهورى وتليق ببروفسير فى القانون اشتهر على نطاق العالم. وفى اعتقادى بانه ليس هناك خراب بين من ناحيته، وانما الابتعاد عن الحوارات التى لا تليق بمثله. ولذلك كان يمكن ان يكون هذا الخيط محاولة محددة المعالم وواضحة لايقاف الاخ خالد الحاج من الاستمرار فى مثل مقالاته التى نشرها، بدلا من تعميم الامر بهذه الصورة (اصلاح ذات البين بين الجمهوريين)
    ارجو الا اكون قد اطلت عليك، ولكننى احببت ان اوضح بان هذا الخيط ليكون كما تحب انت، وكما ارجو انا حتى اتمكن من الاستمرار فى الحوار معك فيه، يجب ان يضمن الى جانب مقدرتك على خذف المشاركات التى لا تخدم غرضه، ايضا عدم السماح للاشتراك بالكتابة فيه الا لمن يكتب باسمه ومستعد لتحمل مسئولية قوله. فان تم ذلك فسوف احاول ان اوضح لك بانه ليس هناك خراب ذات بين بين الجمهوريين، وانما هناك اخ جمهورى قد ظلم اخ جمهورى آخر وانه قد اشتط لدرجة كبيرة ينبغى علينا ان نوضح بان مثل هذا الهجوم ليس له مكانة عند الاخوان الجمهوريين.


    أرجو أن نتمكن معا خلال مسيرة هذا البوست من توضيح المسائل بهدوء وسماحة كل من وجهة نظره.

    ياسر
                  

04-17-2016, 10:23 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Elmoiz Abunura)

    مرحبتين حبابك أخي المعز أبو نورة

    سعيد بوجودك
                  

04-18-2016, 09:27 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مواصلة السرد:

    استمر الحوار بين الجمهوريين في الصالون بصورة جيدة طوال شهر يناير وأوائل فبراير 2009 وقد شارك فيه الأستاذ خالد الحاج بعدة مقالات اعتبرها مقدمة لمناقشة أطروحة الدكتور النعيم.

    في يوم 8 فبراير 2009 كتب الدكتور عبد الله النعيم هذه الرسالة وأرسلها إلى الصالون عن طريق أحد أفراد أسرته المشتركين في الصالون بعد أن استعان بمن يساعده في مسألة الطباعة العربية:


    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله أحمد النعيم، مع خالص المحبة وعظيم الإحترام

    لقد تابعت الحوار الجاري في "الصالون" حول أطروحتي ولكني لم أتمكن من المشاركة فيه من قبل للأسباب التي ذكرتها في رسالتي الموجزة التي تكرم الأخ عمر هواري بتقديمها في الصالون بتاريخ 20 يناير 2009.
    والآن وقد تيسرت لي الفرصة لمساهمة موجزة، أحب أن أبدأ بتأكيد بعض المسائل التي كنت أظن أنها واضحة منذ الوهلة الأولى:
    أولاً، لم أقدم هذه الأطروحة في أي مكان، كتابة أم شفاهة، باسم سيدي الأستاذ محمود محمد طه، ولا بزعم أنها الفكرة الجمهورية، رغم يقيني الشخصي بأن هذه الأطروحة متسقة تماماً مع فهمي وجهدي في الالتزام بما تعلمت عن سيدي الأستاذ. وبالتحديد، ولتجنب أي احتمال معقول للالتباس، فإن هذه الأطروحة عندي ليست بديلاً بأي حال من الأحوال أو على أي مستوى للفكرة الجمهورية، بل هي محاولتي في التمهيد لإشاعة المعرفة والفهم للفكرة الجمهورية المتكاملة في حد ذاتها. كما أنني أرى أن هذه الأطروحة هي من وسائل تنزيل الفكرة الجمهورية إلى أرض الواقع العملي والممارسة اليومية في حياة الأفراد والجماعات البشرية المختلفة في كافة أنحاء العالم.
    فماذا يعني هذا القول بالنسبة لمن يخالفني في الرأي حول هذه الأطروحة وعلاقتها بالفكرة الجمهورية؟ وخلاصة قولي هنا هي إستدعاء دعوة سيدي الأستاذ لأن يفكر كل منا كما يشاء ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول ثم يتحمل مسئوليتة عن كل ذلك. ولعل هذا أيضا طرف من قول السيد الأستاذ عن "الأصالة في إطار التقليد".
    كما أن منظوري في هذا أنه لا يعرف الفكرة الجمهورية "كما هي عند صاحبها" إلا صاحبها نفسه، وغاية ما يبلغ أي منا فيها هو فهمه وجهده هو في التحقيق، وذلك لا يكون حجة على أي شخص آخر. ومن طبيعة الفهم والعمل الديني عندي أنه لا يمكن الحكم عليه بقرار الأغلبية ولا بسلطة أي بشر آخر. فأنا مسئول عن موقفي الديني على مسئوليتي الشخصية ولا يفيد إعلاني التحول عنه إلا على أساس نفس القدر من القناعة والالتزام. ويتبع من هذا أيضاً أن من يرى مفارقة قولي للفكرة الجمهورية إنما هو يقول عن فهمه هو للفكرة، وليس الفكرة في حد ذاتها. ولا عبرة عندي بقلة أوكثرة من يخالفنى الرأى، طالما انى قد تحريت الصدق وألأدب فى قولى، وبذلت غاية جهدى فى محاولة الإقناع. وهذا المنظور هو أساس قولي بأن الدولة الدينية مستحيلة بحكم الناحية المفهومية في طبيعة الدين من حيث هو، حسب علمي وعلى مسئوليتي.
    وسأحاول الآن متابعة البيان لأطروحتي، غير أني لست بصدد الرد على مداخلات معينة بأسماء أصحابها، وإنما أستعين بما اطلعت عليه من مساهمات في التعرف على مواضع الغموض واللبس في أقوالي السابقة عسى أن أقدر على إجلاء بعضها. فأنا أرجو أن أكون حريصاً على النظر المتروي في النقد الموضوعي لوجهة نظري، كما أرجو أن أكون حريصا على محاولة الإقناع بما أراه حقاً. وأنا في هذا وذاك أسأل الله العون والسداد وأرجو أن أعي وأحذر جهد طاقتي قصور منظوري البشري.
    ونقطة الانطلاق هنا التي سبقت الإشارة لها أن كل ما يقول ويفعل الإنسان هو بالضرورة من وجهة نظره هو ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك في أي مسألة أو موضوع، بما في ذلك أمور الدين. وعندما اتخذ موقفا من وجهة نظري، فإنني أقرر أن ما توحي به حواسي وعقلي هو حقيقة عندي حتى يظهر لي غير ذلك. وبطبيعة الحال، ينطبق هذا على من يخالف وجهة نظري ويرى أن وجهة نظره هي الحقيقة. فلا أنا ولا هو نقدر على أن نقرر حقيقة موضوعية مجردة عن وجهة النظر البشرية، وغاية ما يمكن لنا هو أن نتفق على تقرير نفس الحقيقة - التي يراها كل منا من وجهة نظره، مع احتمال أننا قد نختلف في فهمنا لما نظن أننا على اتفاق عليه.
    ودعوتي إلى ما هو حقيقة عندي (من وجهة نظري) باستحالة الدولة الدينية مفهوميا، هى عندى العمل بالواجب المباشر اليوم لأنها ضرورية لمنازعة اعتقاد الكثير من المسلمين وغير المسلمين. فهذا الوهم هو مصدر الكثير من التخبط في إدارة المسلمين لأمورهم وفي علاقة الآخرين بهم. وقولي أن معارضتي لهذا الوهم هي عملي بالواجب المباشر يعني أنه علىَّ أن أفعل ذلك بغض النظر عن احتمالات الفشل أو النجاح. فهذه هي مسألة لازمة عندي لخطر قناعة الآخرين بتلك الإمكانية وليس من أجل الترف الفكري أم السعى للمصادمة أو الإثارة فى غير موجب. ولو كانت هذه الدعوة غير متوقع قبولها عند قادة الإسلام السياسي، فهي قد تجد القبول لدى عامة المسلمين الذين يبحثون عن مخرج من التناقض الذي يعيشون معه يومياً، حيث يتوهمون أن قبول ما لا يرضونه أخلاقياً ولا ينفعهم سياسياً واقتصادياً هو لازم من أجل الإيفاء بواجبهم الديني بإقامة الدولة الإسلامية المزعومة.
    وعلى أهمية مناهضة وهم الدولة الإسلامية، فإنما هو عندي طرف مما أهدف إليه، وهو تأكيد ضرورة تأسيس القانون على "المنطق المدني" أو مرجعية المواطنة، وليس العقيدة الدينية، حتى لو كانت عقيدة في المستوى العلمي الإنساني من الدين. فقبول إمكانية الدولة الإسلامية يقود إلى التسليم بأن تشريعاتها يمكن أن تكون الشريعة الإسلامية ذاتها، وهذا وهم خطير. ورفض هذه الإمكانية تعني أن تشريعات الدولة هي دائما اجتهاد بشري يخطئ ويصيب، ولا يمكن أن يكون هو التشريع الديني نفسه، وهذا هو ما احرص على تأكيده.
    وهذا القول عندي ينطبق على الشريعة السلفية كما ينطبق على ما أعتقد بأنه شريعة الرسالة الثانية. فعقيدتي في شريعة الرسالة الثانية لا تجعلها قانونا للدولة إلا إذا تم تشريع القاعدة القانونية من خلال "المنطق المدني" وليس على أساس العقيدة الدينية. وعندما يأتى التشريع بهذه الطريقة الدستورية، فإنه سيكون قانون بشرى، يمكن تغيره بنفس الطريقة، وهذا لن يكون ممكنا لو توهمنا انه دين مقدس.
    ومن أجل الوضوح الممكن في بيان موفقي أقول أنه عند التخاطب باللغة حول ما نتفق ونختلف عليه فإنما نفعل ذلك على أساس الفهم الشائع للمصطلح أو التعريف الذي يورده إحدنا ويقبله الآخر. فإذا لم يكن الأمر كذلك فينبغي على المتحدث التنبيه لاختلاف المعنى الذي يقصده عن الفهم الشائع للمصطلح. وهكذا عندما يتحدث السيد الأستاذ عن الدين بالمستوى العلمي الإنساني، فإنه يقول بأن ذلك على غير ما هو معروف عن الأديان حتى الآن. وعندما يتحدث الأستاذ عن ذلك إنما يقول عما يعلمه يقيناً وتحقيقاً. غير أن حديثي أنا تلميذه عن ذلك إنما يقوم على عقيدتي بصحة قول الأستاذ كما أفهمه من وجهة نظري. وهكذا فإن حديثي عن المستوى من الدين الذي يتجاوز العقيدة هو نفسه عقيدة يشاركني فيها باقي تلاميذ السيد الأستاذ ولكنها مجهولة لدى عموم البشرية ومرفوضة عند القلة القليلة التي سمعت بها. هذا بالطبع لا يمنع الفهم والقبول الواسع في المستقبل، ولكن ذلك الاحتمال "العقائدي" لا يكون أساسا للعمل العام اليوم. فإذا خرج الدين عمليا عن المستوى العقائدى، فإن الحديث فى ذلك الوقت عن شيء آخر غير الدين كما نعرفه الآن.
    لذلك فإن حديثي عن استحالة مفهوم الدولة الدينية إنما ينطبق على الدين كما هو معروف عند البشر حتى الآن، وبما أن الزعم الباطل عندي بإمكانية الدولة الدينية إنما يقوم على عقيدة المدعي بذلك، فالدولة بالضرورة لا يمكن أن تكون دينية بالمعنى الذي يتجاوز العقيدة. وكون هذا القول هو دائما على أساس عقيدة الشخص، وهي مسألة فردية بالضرورة، فإن الدولة الدينية لا يمكن أن تكون بصورة موضوعية مستقلة عن عقيدة كل معتقد.
    وأحب أن أوكد هنا أن العقيدة دائما فردية ولا يمكن أن تكون جماعية لأن الجماعة أو المجتمع ليس هو كيان قادر على الاعتقاد في حد ذاته. فالمجتمع المسلم (أو المسيحي مثلاً) هو جماعة من الأفراد المسلمين وليس كيان مسلم بصورة مستقلة. فحتى إذا وقع إجماع الجماعة على أن دولتهم دينية، فهو رأي يقوم على عقيدة كل منهم منفرداً، وليس حقيقة موضوعية مستقلة عن ذلك. فحتى القول بأن صفة "الدينية" يمكن أن تقع على العنصر البشري (الحكومة) فإنما هي صفة قائمة على العقيدة الفردية لكل شخص، وليس على وهم العقيدة الجماعية أو بصورة موضوعية مستقلة عن عقيدة كل فرد يعتقد بأن الحكومة دينية. هذا جانب من قولي باستحالة الدولة الدينية من الناحية المفهومية.
    وحديثي عن استحالة تدين الدولة كمؤسسة ليس لأني أنسب هذا الفهم لدعاة الدولة الإسلامية، وإنما فقط لتأكيد أن الوصف لا يقوم إلا في حق البشر. وإذا أدركنا ذلك رأينا خطورة التسليم بهذا الزعم.
    وبالإضافة لذلك، فإن هذا الزعم كله ضرر بالمجتمع والدولة وليس فيه أي نفع أو مصلحة. صحيح أننا مجازا نتكلم عن الدولة الديمقراطية أو الرأسمالية وما إلى ذلك من الصفات القائمة على نظريات بشرية في السياسة والاقتصاد. ومثل هذا القول هو بالضرورة من وجهة نظر كل فرد يعتقد بصحة ذلك الوصف، وهو دائما نسبي لأن العمل البشري لا يمكن أن يتحقق له الكمال. ولكن بما أنه يتعلق بنظريات بشرية (وليس دين مقدس) فهو بالضرورة خاضع للمنازعة والاعتراض بين الناس.
    إلا أن الأمر يختلف عندما أصف الحكم البشري بأنه ديني لأني أنسب له صفة الكمال الذي يأتي من الله سبحانه وتعالى. وهذا هو بالتحديد السبب الذي من أجله يحرص أصحاب المذاهب والمطامح السياسية على إدعاء صفة الدينية لحكمهم لأنه يوحي بكمال الدين الذي يتجاوز نسبية وقصور وجهات النظر البشرية. ويمكن في تقديري قبول هذا الزعم في حق الحكومة لأنه منسوب للبشر، وبالتالى يمكن أن ينازعه البشر الآخرون.
    وتجتمع ملابسات غموض المفهوم والمصطلح عند الحديث عن ما يسمى في الخطاب الإسلامي الشائع بدولة المدينة. فأحد مصادر الإلتباس هو إطلاق هذه التسمية على ما كان عليه الأمر بوجود النبي عليه الصلاة والسلام وما صار الأمر عليه على عهد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ومن بعده من الخلفاء الراشدون، ومصدر آخر للالتباس وصف نظام الحكم في تلك العهود الأولى بأنه كان" دولة"، بالمعنى المتعارف عليه لهذا المصطلح اليوم.
    ومع ملاحظة هذا الالتباس أقول بأن حكم النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة كان هو حكم الدين الإسلامي نفسه لدى المسلمين، وليس مجرد وجهة نظر بشرية في ذلك، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان هو مرجعية الإسلام الحاسمة التي لا تنازع عند من يعتقد بهذا الدين - أقرأ قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" (النساء 65).
    وهذا المقام لا يكون لأي من أمة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا حتى أبو بكر رضي الله عنه، إلا عندما يرى الإنسان أن الحكم يتطباق مع قضاء النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا فى أحسن الأحوال لا يكون إلا من وجهة نظر كل مسلم لنفسه بنفسه، وهو دائما منازع فيه من الآخرين. هذا من الناحية المفهومية. ومن الناحية التاريخية فهو ما كان عليه الحال عمليا بين المسلمين منذ تولي سيدنا أبو بكر الخلافة، وتواصل على عهود عمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم جميعاً، وحتى اليوم. ولا أرى إمكانية لتغيير ذلك بنهاية الخلاف واكتمال الإجماع على أي أمر أو موضوع. وعن حتمية ودوام الخلاف بين البشر أنظر آل عمران 55، والمائدة 48، والأنعام 64، والنحل 92، والحج 69.

    [إضافة نصوص الآيات التي أشار إليها الأخ عبد الله النعيم:
    إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) (آل عمران)
    وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) (المائدة)
    قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) (الأنعام)
    وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) (النحل)
    اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) (الحج)
    ]

    فعند كل مسلم بعد النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الحكم والقضاء يكون من وجهة نظر بشر غير معصوم، وحسب فهمه هو للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وليس من منظور النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو الدين نفسه لدي المؤمنين. وهكذا قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم". ففي هذا القول الحكيم الورع إقرار بأنه بشر قد يخطيء في فهم الوحي أو يضل أو يحيد عنه، كما فيه إقرار بحق الآخرين في الحكم على قول وعمل سيدنا أبو بكر: هل هو طاعته لله أم معصيته.
    وكما سبق القول فمثل هذا التقرير لا يقوم دينا على رأي الأغلبية، فالفرد الواحد قد يكون على حق ضد إجماع الآخرين. أما من الناحية السياسية، فإن إرادة الحاكم هى النافذة، واذا كان الحكم ديمقراطيا فيكون القرار السياسى برأي الأغلبية، مع حماية حقوق الأقلية. فمثلا، من المقرر عندي أن سيدنا أبو بكر كان على حق في أمر محاربة القبائل التي منعت عنه الزكاة. فمن الناحية السياسية، كان ذلك الموقف صحيحاً لأنه حفظ وحدة الأمة وسلامة المجتمع المسلم. وأما من الناحية الدينية، فقولي بصحته هو من وجهة نظري وليس من منظور الدين نفسه كما يكون الأمر في قضاء النبي عليه الصلاة والسلام.
    والقول بأن الحكم هو دائما مفهوم سياسي لا يعني أن أي حكومة معينة صالحة أم طالحة، عادلة أو ظالمة، وإنما يعني فقط أنها مجال للصراع والتنازع والتفاوض بين مصالح ومواقف مواطنيها. وبما أن هذه هي طبيعة الحكم، حتى على عهد الخلفاء الراشدين، فإن الإسلام نفسه لا يتعلق بالحكم وإنما يكون الأمر هو عقيدة كل مسلم في صحة أو بطلان المواقف والأحكام من وجهة نظره هو في الدين، وليس الحكم الديني نفسه المجرد عن الخطأ والغرض البشري حسب عقيدة المؤمن بذلك الدين.
    وقد استخدمت عبارة "حكم" هنا للتحفظ على المصدر الثاني للبس، وهو الحديث عن نظام الحكم على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد الخلفاء الراشدين بأنه كان دولة. واللبس يأتي من استخدام مصطلح الدولة في مجتمع عشائري محدود واقتصاد بدائي ونظام عفوي تلقائي فى الإدارة وفض المنازعات، ثم استخدام نفس المصطلح بالنسبة للمجتمعات المعاصرة وأجهزة حكمها المعقدة واقتصادها المتقدم ونظمها المؤسسية فى شؤن القانون والإدارة العامة.
    وقولي بأن الدولة الوطنية المعاصرة مفهوم استعماري أقصد به أنها أتت إلى البلاد الإسلامية من خلال الحكم الاستعماري وهذا القول تقرير لحقيقة تاريخية وليس الحكم على الدولة الوطنية بأنها ضارة أو مفسدة لمجرد أنها جاءت عن طريق الاستعمار.
    ولكن المهم هنا تأكيد الاختلاف الكبير في طبيعة وخصائص وسلطات هذا النوع من الدولة البيروقراطية المركزية المتشعبة، عما كان عليه نظام الحكم فى صدر الإسلام. فمن منظور موضوع هذا البحث (وليس فى جميع الأمور)، فإن الدولة الوطنية المعاصرة هى مفهوم جديد للدولة، وليس مجرد شكل مستحدث لمفهوم قديم. ومن أهم خصائص الدولة الوطنية من منظور بحثنا هذا أنها تقوم على المواطنة الإقليمية، وليس الانتماء الديني.
    كما أن طبيعة القانون في الدولة الوطنية تعتمد على السلطة السياسية كمظهر للسيادة القومية، وليس المعتقد الديني في حد ذاته. ومثال للتمييز المقصود هنا الفرق بين "الذنب" و "الجريمة". صحيح أن القانون يحاول استمداد مشروعيته من أخلاق المجتمع، ولكن القانون ينفذ بإرادة الدولة بغض النظر عن رأي المواطن في سنده الأخلاقي. وهكذا فأنا أميز بين استخلاص القاعدة القانونية من أساسها الأخلاقي (سواء كان ذلك دينيا أم فلسفي أو عرفي) من ناحية، والتوهم بأن ذلك الأساس الأخلاقي نفسه هو القاعدة القانونية. فالقاعدة هي النص المقنن في التشريع وليست الحكم الأخلاقي (أو الديني). وهذا قائم عندي بالنسبة للشريعة السلفية أو شريعة الرسالة الثانية. والمفارقة التي أشير إليها في الخطاب المعاصر للإسلام السياسي يزعم تأسيس الدولة الإسلامية التى تطبق الشريعة على اساس نمط الدولة الوطنية (الأوربية) وسيادتها الإقليمية وطبيعة نظامها القانونى المغاير لطبيعة الشريعة الإسلامية -- هذه هي المغالطة التي أقصد إبرازها.
    وعندما نستدعي هنا إشكالية المصطلح السابق ذكرها لجوانب أخرى من أطروحتى أقول هنا أن أي وصف للدولة أخذ به يحتاج للإيضاح. فإذا قلت بأنها "مدنية" مثلاً، فهذه هي التسيمة التي يطلقها الإخوان المسلمون على مفهوم دولتهم القائمة على الشريعة السلفية. لذلك أحتاج لإضافة القول بأني لا أعني هذا المعنى لمصطلح الدولة المدنية. كما أني أداول فى كتابى بين هذه التسمية والقول بالدولة العلمانية كما أعرّفها بأنها محايدة تجاه الدين وليست رافضة أو معارضة له. والقيمة الأخرى للأخذ بصفة علمانية الدولة كما أعرّفها أنها تُمكن من الدراسة المقارنة بين مختلف التجارب البشرية لشيوع هذا المصطلح بينها.
    في ثقافتنا نحن تلاميذ السيد الأستاذ أن الدستور العلمي الإنساني إنما يؤخذ من القرآن، لكنه ليس هو القرآن في ذاته حرفيا. وهو دستور علمي إنساني لأنه يحقق تلك القيم وليس لأنه موصوف بأنه ديني. فتسميته بأنه ديني لا تجعله كذلك، بل إن هذه التسمية تضر بالقيم المقصودة من الدستور الإنساني لأنها على أحسن الأحوال تدخل عنصر الوصاية لمن نعتقد أنهم أعلم في الدين على من هم أقل علما.
    وعندي أن ما نسميه بالدستور العلماني يختلف عن الدستور العلمي الإنساني اختلاف مقدار، وليس إختلاف نوع، لأن الدستور العلماني يحقق قدراً نسبياً من القيم التي يحققها الدستور العلمي الإنساني على مستوى متصاعد في الكمال. وعندي كذلك أن الدستور العلمي الإنساني إنما يبرز في الواقع من خلال التطوير للدساتير البشرية كما نعرفها اليوم، ولا يهبط من السماء كاملاً أو جاهزاً للتطبيق.
    وأعلم كذلك من سيدي الأستاذ أن القرآن لا يصادم البداهة المألوفة عند من يخاطبهم فتأتي عباراته حاوية للمعنى القائم لدى القارئ في كل زمان ومكان كما تحتوي على المعنى الذي يظهر في المستقبل أو لدى من هم على درجة أرفع من الوعي والتحقيق الديني. وهكذا كان الفهم بأن الإسلام رسالتين كامنا في النصوص التي قرأها المسلمون عبر القرون ولم تتجلى لهم هذه الحقيقة. ولو كان القرآن قد قال بذلك صراحة لأربك الناس وفتنهم بفتح باب الإستعجال فى محاولات التطبيق السابقة لأوانها.
    وتأسياً بهذا المنهج الحكيم فأنا أتحدث في أطروحتى عن الدستور وهو قول صحيح في المعنى القائم لدى القارئ العادي، كما هو صحيح كذلك عندي في معنى الدستور العلمي الإنساني الذي أتوقعه في المستقبل. فكما سبقت الإشارة، فإن معرفتي بالدستور الإنساني هي من عقيدتي بصحة قول السيد الأستاذ، وفي نفس الوقت تقوم معرفتي بالدستور البشري الراهن من تجربتي في حياة اليوم. وخلاصة القول هنا أن السعي لتحقيق حياد الدولة تجاه الدين (ما أسميه بالدولة العلمانية أو المدنية) يتم من خلال الدستور الذي هو أدنى من القمة التي يتصاعد إليها الدستور العلمي الإنساني. والدستور الذي يمكن أن نضعه اليوم ضروري لتوفير الشروط التي تعين في سعينا لتحقيق القيم الأرفع في الدين الذي يتجاوز ما نألفه من الأديان اليوم. ومعلوم عندنا تلاميذ سيدي الأستاذ أن الوسيلة من جنس الغاية.
                  

04-21-2016, 08:20 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مواصلة :

    كان الأستاذ خالد الحاج قد كتب في مقاله الأول في صالون الجمهوريين والذي نشر في الأول من يناير 2009 عن المحاور التي يريد أن يكون عليها كتابته عن أطروحة الدكتور عبد الله النعيم ما يلي:


    وأنا أحب أن أناقش طرح الأخ عبدالله في ثلاثة محاور:ـ
    1. هل طرح الأخ عبدالله، من الناحية المبدئية، في نظري سليم أم فيه نظر؟
    2. هل هذا الطرح يمكن أن تكون له فعالية في محاربة استغلال الاسلام السياسي للدين؟
    3. هل هذا الطرح هو طرح الفكرة الجمهورية كما هي عند صاحبها، بالصورة التي تجعله مقبولاً عندي وعند قطاع مناسب من الأخوان والأخوات؟.. والمحاور الثلاثة مرتبطة بعضها ببعض.
                  

04-21-2016, 08:57 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    طوال ما يقرب من ستة أسابيع بين مقال الأستاذ خالد الحاج الأول الذي اقتطفت منه المحاور الثلاثة أعلاه استمرت الكتابة من عدد مقدر من الجمهوريين في الصالون ولكن سأختار مقالات الأستاذ خالد ابتداء من يوم 14 فبراير 2009 فهي تحوي الكثير الذي يلقي الضوء على كتاباته اللاحقة.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    "من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد" 46 فصلت
    تعقيب على كتابة الأخ بدرالدين عثمان

    الأخ الأستاذ /بدر الدين
    لك خالص تحياتي
    ولك الشكر على مخاطبتك
    رغم أن كتابتك تفتقر الى الموضوعية، بصورة كبيرة، إذ أنها تتناول الأشخاص وليس الفكر، إلا أنها تثير مواضيع هامة جداً، الأمر الذي يجعلني أفصل في الرد عليها بعض الشيء.
    أرجو أن أذكر بعض النقاط قبل المناقشة:
    1. الفكرة الجمهورية هي دعوة الأستاذ محمود محمد طه وليس للجمهوريين فيها إلا نصيب التلمذة
    2. الأستاذ محمود بالنسبة لنا عارف، ونحن جميعاً ـ حسب المصطلح ـ نعتبر سالكين
    3. مرجعية الفكرة الأساسية، هي ما طرحه صاحبها من أفكار، مكتوبة، أو مسجلة صوتياً، أو ما سمعها عنه أحد الناس، متى ما تمت صحة النقل. وفوق ذلك كله حياته، ثم أبناؤه وبناته الذين تمت تربيتهم على يديه، فهم كتبه أيضاً.
    4. خارج الفكرة، بالطبع يمكن لأي انسان، أن يدعو لما يشاء؛ أما داخل الفكرة نفسها، فلا يحق لأي انسان، جمهوري أو غير جمهوري، أن يضيف أي شيء أساسي أو يحذف شيئاً من الفكرة، كما هي عند صاحبها، وورد الخطاب بها.
    5. الفكرة الجمهورية، دعوة دينية، تقوم على العلم بالله، عن طريق منهاج التقوى ـ طريق محمد صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقوم على الأيمان والعمل الصالح.
    6. أذن الأستاذ محمود، لأبنائه وبناته، من الجمهوريين بالحديث عن الفكرة، بالقول والكتابة لفترة طويلة، ويشترط في المتحدث، أن يكون ملتزماً بأدب الفكرة.. وأهم شرط أن لا يتحدث فيما لا يعلم.. وقد مارس الجمهوريون، الحديث والكتابة، لوقت طويل، ولا يزالون يفعلون.. لم يرد عن الأستاذ أن الإذن مرتبط بوقت، او مرحلة معينة.. ولم يرد عنه، فيما أعلم، أنه سحب هذا الاذن، أو قيده بشروط جديدة.
    7. الفكرة ليست هي علم الأستاذ، وإنما هي مستوى من هذا العلم متنـزل لواقع الناس، حسب طاقتهم وحاجتهم.. هي خطاب للناس على قدر عقولهم.. والناس هنا كل الناس، وليس الجمهوريين فقط. فالأستاذ لم يخاطب الناس، بأمر لا يستطيعون فهمه.. بل الخطاب بالفكرة موجه لأبسط الناس ـ الأمي ـ والعمل بالمنهاج، كفيل بتعليم من يتبعه، ما لم يكن يعلم.
    8. لأن الفكرة دين، نشرها وانتصارها، ليس على أحد من خلق الله، وإنما هو لله وحده.. وكل من يعمل في الفكرة، وفي اطارها، في أي مجال، من مجالات العمل، إنما هو يعمل من أجل نفسه في المكان الأول فإن أحسن أحسن لنفسه، وإن أساء فعليها.. الله تعالى، لا يحتاج لأحد ليساعده على نصرة دينه.
    9. لأن الفكرة دين، والعلم فيها علم بالله، فعلم كل من علم هو علم نسبي، ويتفاوت الناس في هذا العلم، ولكنهم مهما علموا، سيظل علمهم في منطقة النسبية، وما يجهلونه أكثر مما يعلمونه (أعلم العلماء بجانب الله أحمق من بعير).
    10. الأخوان والأخوات الجمهوريين، هم تلاميذ الأستاذ، تربط بينهم أخوة رحم الدين، وهي أكبر، وأهم من أخوة رحم الدم، لأنها هي الرحم الباقية.. فالعلائق بينهم ينبغي أن تقوم على المحبة، الموصولة به تعالى ـ المحبة في الله، وهي تستوجب النصيحة، الخالصة، المخلصة. (الدين النصيحة).
    11. الإيمان مقدمة لكل معرفة، وأساس لها، بما في ذلك المعرفة في العلم المادي التجريبي فهو لا يقوم إلا على مسلمات، أو مصادرات، حسب المصطلح في فلسفة العلم.. ولا توجد نظرية لم تبدأ بفرضية.. فالنظرية، فرضية أثبتت صحتها التجربة.. فلذلك لا تصح المعرفة إلا إذا صح الإيمان، الذي هو نفسه معرفة في مستوى من المستويات.. ومن هنا تأتي أهمية صحة العقيدة، للمعرفة الدينية.
    هذه أمور بديهية، لكننا نحتاج أن نذكر أنفسنا بها.

    سؤالي حول طرح الأخ عبدالله:
    جل، ما كتبه الأخ بدر الدين، يدور، حول سؤالي عن طرح الأخ عبدالله أحمد النعيم، والذي جاء فيه: "هل هذا الطرح هو طرح الفكرة الجمهورية كما هي عند صاحبها، بالصورة التي تجعله مقبولاً عندي وعند قطاع مناسب من الأخوان والأخوات؟"..
    لقد فهم بدر الدين السؤال بصورة معينة، من المؤكد عندي أن السؤال لا يعطيها، بأي وجه من الوجوه، لا في نصه المحدد، ولا في نص المساهمة التي ورد فيها السؤال.. وقد بنى بدر الدين على تخريجه الكثير جداً من الاتهامات، ليس في حقي فقط، وإنما في حق آخرين أورد اسم واحد منهم، هو الأخ عمر القراي.
    فهم بدر الدين، أنني اتحدث في السؤال، عن ما عبر عنه هو بقوله:
    “to believe that what they write is exactly what al – Ustadh wanted to say”
    الاعتقاد بأن ما يكتبونه هو بالضبط ما اراد الأستاذ أن يقوله..
    وقد ورد هذا التخريج، في كتابة بدرالدين، بصور مختلفة، وبنى عليه الكثير جداً.. فهل السؤال يعطي ما أراد بدر الدين أن يفهمه!؟ حسب تخريج بدر الدين يصبح سؤالي: هل طرح الأخ عبدالله هو بالضبط exactly، ما أراد الأستاذ ان يقوله!؟ هذا أمر خارج نص السؤال تماما، وسؤالي لا يعطيه، لا مباشرة ولا ضمناً، لا في النص المحدد – السؤال ـ ولا في النص العام.
    السؤال يتحدث بوضوح لا لبس فيه عن (طرح)، ولا أعتقد أن كلمة طرح كلمة غير واضحة.. أنا أتحدث عن طرح الفكرة كما طرحها صاحبها، وطرح الأخ عبدالله، كما طرحه صاحبه.. وفي الحالتين، الطرح تم ليفهم.. لم يرد في قولي اطلاقاً ما يقابل قول بدر الدين exactly what al – Ustadh wanted to say” ‎ لا بالنسبة للأستاذ ولا بالنسبة لعبدالله.
    والفكرة كما طرحها صاحبها موجودة في مصادرها.. ومصادرها معروفة. والفكرة، على الأقل في أساسياتها، مفهومة بصورة لا لبس فيها.. فأنا أتحدث عن مرجعية الفكرة، التي عليها يمكن أن يقاس ما هو منها، وما هو ليس منها، في حالة اختلافنا، أو في حال تعرض أي انسان لها، ناقداً، أو مؤيداً.. فهل هنالك شك في أن صاحب الفكرة هو المرجعية الأساسية لها!؟ وهل إذا كان الأستاذ غائبا حسيا، ما طرحه أيضا غائب حسياً!؟ وهذه نقطة هامة جداً، سنرجع لها.. كما أن الأستاذ لم يطرح شيئاً يستعصي فهمه على الناس، هو قطعاً، لم يطرح شيئاً، أراد أن يفهمه الناس، بخلاف ما يريد لهم أن يفهموه، فكل ما طرحه، طرحه ليفهم بالصورة التي يريد بها أن يفهم، وليس بصورة مخالفة لما يريد أن يفهم!!
    والجزء من السؤال الذي أقول فيه: "بالصورة التي تجعله مقبولاً عندي وعند قطاع مناسب من الأخوان والأخوات" يجعل ما قلته أنت، وما توحي به محال. فالحديث عن الأخوان والأخوات، هو حديث يؤكد أن الموضوع هو المرجعية.
    وهذه ليست أول مرة، أكتب فيها عن أمر المرجعية، فقد كتبت منذ زمن عن الموضوع، ونشر ما كتبته في الصالون، وفي غير الصالون ، وهو لا يختلف عن كتابتي الحالية.. ومما سبق أن كتبته ونشر في الصالون، قولي: "من الناحية الموضوعية كل من يتحدث عن الفكرة، من داخلها أو خارجها، حديثه قد يكون صحيحاً أو خاطئاً، دقيقاً أو غير دقيق.. وهذا ينطبق على كل الأفكار.. وكل من كتب أوتحدث عن الفكرة، أو غيرها، الأمر الطبيعي أنه يعتبر أن حديثه صحيحاً، حتى لو كان خاطئاً، فعلى الآخرين بيان خطئه، ورده الى الصواب، وهذا ما يجعل الحوار بين البشر قائماً.. فالعقل أمر مشترك بين البشر، وللعقل ضوابطه.. كل فكر مطروح له مراجعه، وضوابطه التي تبين صحة ما ينسب اليه من عدم صحته".. وقلت عن الفكرة: "المرجعية الأساسية هي صاحب الفكرة، ومن تتلمذ عليه وما تركه أو ما تركه اتباعه من تراث مكتوب، أو منطوق ..الخ".. يقول بدر الدين، حول هذه النقطة ثانياً: المعيار الذي يبدو أن الأستاذ خالد يقبله هو: "بالصورة التي تجعله مقبولا عندي وعند قطاع مناسب من الأخوان والأخوات" ثم يذهب ليسأل بصورة أقرب (للتريقة): هل هو يعني قطاع مناسب من الجمهوريين سابقاً كم هو عددهم؟! ومنذ متى كنا نقيس صحة الآراء الدينية بمثل هذا المعيار.. اذا أنت تعلم أنني، في السؤال موضوع النقاش، أتحدث عن (المعيار) .. معيار صحة الفكرة!! فلماذا اذن خرجت سؤالي بالصورة التي طرحته بها، طالما أنك تعلم أنه يتعلق بصحة المعيار!؟.. وهل أنا حصرت الموضوع في الجمهوريين، أم قلت منذ البداية (هل هذا الطرح هو طرح الفكرة الجمهورية كما هي عند صاحبها) لمذا هنا تركت هذا الجزء الأساسي، لتقول (المعيار الذي يبدو أن الأستاذ خالد يقبله)، مع أن موضوع الأخوان والأخوات تابع للأستاذ!؟ هذا هو تحريف الكلم عن مواضعه!!
    لماذا الأخوان والأخوات!؟ لأنهم تلاميذ الأستاذ، وأخذوا الفكرة عنه، وبالتالي هم مرجع من مراجع الفكرة "إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه، وهذا النبي، والذين آمنوا، والله ولي المؤمنين" ..ثم ألست أنت القائل: واستخدام فهمنا للفكرة في سبيل سعي البشرية لايجاد مخرج.. لقد أتيحت لنا فرصة فريدة لمعرفة الفكرة، على أفضل نحو، مباشرة من الأستاذ.. اليس هذا قولك!؟ فلماذا تحسّن الأمر عندما يصدر عنك، وتعتبره صحيحاً، وهو نفسه، تقبّحه، وتخطئه عندما يأتي من غيرك!؟ أنا اعتبر الجمهوريون مرجعية في الفكرة، لنفس الاعتبارات التي ذكرتها أنت، لكنني لم أقل أنهم المرجعية الوحيدة، ولا الأولى أو الأساسية.. وأنا لا أتكلم عن العدد، وإنما عن الرأي (مقبولاً عندي وعند قطاع مناسب من الأخوان والأخوات) والقبول بالنسبة للفكرة، قبول فكر، وليس عدد.. وهو إنما يتم عبر الحوار.. وعدد مناسب لأنني لا أرى الاجماع ضرورة في المرحلة، وأنت ترى الاتفاق على شي واحد مستحيل.
    هذا عن النص في حدود السؤال، فماذا عن النص في حدود الموضوع الذي ورد ضمنه النص!؟ ما رأيك في هذا القول الذي ورد في كتابتي المذكورة: "أنا أتعامل مع طرح الأخ عبدالله على اعتبار أنه طرح واحد من الأخوان، يقدم ما يفهمه هو من الفكرة، أو ما يراه مناسباً لأن يقدم في المرحلة.. من الواضح أنني أختلف مع عبدالله في طرحه.. وفي طرحي الذي أختلف فيه مع عبدالله، أنا لا أخرج من كوني أخ له وجهة نظر يراها صحيحة، وهي عند الآخرين قابلة لأن تكون صحيحة أو خاطئة" إذا لم تقرأ هذا النص وهو موجود في الكتابة التي تعلق عليها ومع ذلك قلت ماقلته، فهذه مصيبة!! واذا قرأته ومع ذلك قلت ما قلته، فالمصيبة أكبر!! هذا يؤكد أن موقفك هذا، موقف مسبق، وليس له علاقة بما أكتب، وكل كتاباتك، في هذا الموضوع تؤكد ذلك.
    على كل هذا النص المنقول أعلاه، لا يدحض تخريجك وحسب، وإنما أكثر من ذلك يؤكد، أن كل اتهاماتك ـ والتي سنتعرض لها لاحقاً، إنما هي موقف شخصي، ولا علاقة لها بالحوار الفكري الموضوعي.. فالحد الأدنى من الموضوعية، يقتضي أن لا تنسب للآخرين، خلاف ما يقولون، خل عنك أن تنسب لهم عكس ما يقولون.
    عباراتك Nothing is more erroneous than this وما تلاها و of course not وما سبقها،من عبارات هي خارج الموضوع، وخارج الموضوعية، فهي مبنية على تخريجك، وما بُني على باطل فهو باطل.
    بالنسبة لي، ليس الأستاذ فقط، وإنما حتى الأخ عبدالله، أنا لا أتحدث عما يدركه ولا عن what exactly he wants to say” وإنما أتحدث عن ما طرحه بالفعل في أقواله، وكتاباته.. أما ما في داخل عقله فلا علم لي به، ولا أتحدث عنه.. وهذا مكتوب في نفس المساهمة، التي تفضلت بالخطاب حولها، فقد جاء فيها ما نصه "كل هذا معلوم عند الأخ عبدالله، ولكن لابد أن نتعامل مع ما يقوله، أو يكتبه فعلاً، لا مع ما يعلمه ولم يقله، أو قال بخلافه.. أنا أتعامل مع نص وليس مع شخص " أما الأمر بالنسبة لك فهو على العكس، فأنت تكتب، وتقوّم، أشخاص، لا أفكار وردت في نصوص محددة.
    والغريب أنني حتى الآن لم أكتب عن طرح الأخ عبدالله وعلاقته بطرح الفكرة.. وهنالك بعض الأخوان كتبوا في هذا الموضوع قبل دخولي فيه!!
    مما يؤكد أن بدرالدين ينطلق في كتابته من منطلق رأي مسبق، هو أنه يتحدث عن أشخاص، وليس عن أفكار، هو أنه يتحدث عن أشخاص، لم يشتركوا في الحوار الجاري، وتحدث عنهم على أساس اتهامات عنده يتهمهم بها!!
    يتبع.........

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 13/2/2009
                  

04-21-2016, 04:41 PM

Kostawi
<aKostawi
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 39980

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)


    السلام عليكم و رحمة الله أخي ياسر الشريف
    شكرا على هذا البوست الهام,
    و الهام جدا, At least for me personally
    ...و سوف أتابعه للنهاية إن شاء الله

    دعني أن اضع جزء قصير(video) من محاضرة الأستاذ الدكتور بدر الدين السميت بواشنطن/ سبتمبر 2015 و هوعبارة عن إجابة لسؤال وجهته انا له و يصب "خفيفا" في مجرى هذا البوست...
    لك شكري و إمتناني،
    كوستاوي

                  

04-22-2016, 08:43 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Kostawi)

    سلام يا عزيزي نصر الدين هجام
    وأشكرك على ما تفضلت به بوضع هذه الشريحة التي لم يسبق لي مشاهدتها.. سأبحث عن بقية المحاضرة أو الندوة إذا كانت موجودة في اليوتيوب.

    ملاحظة: أريد فقط أن أشير إلى أن المقصود في كتابة الأستاذ خالد الحاج الأخيرة بعاليه، ليس هو الأستاذ بدر الدين يوسف السيمت وإنما الأستاذ بدر الدين عثمان موسى.

    ياسر
                  

04-22-2016, 09:25 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    قبل المواصلة في السرد لدي توقف عند بعض نقاط الأستاذ خالد الحاج في مقاله الأخير بعاليه:

    Quote: 1. الفكرة الجمهورية هي دعوة الأستاذ محمود محمد طه وليس للجمهوريين فيها إلا نصيب التلمذة

    نعم، الفكرة الجمهورية هي دعوة الأستاذ محمود محمد طه، وقد برهن على صدقه فيها بتفديته إياها بنفسه في تلك الوقفة المشهودة "ما زاغ البصر وما طغى". وقد كان موقف التلاميذ كما وصفه الأستاذ خالد الحاج نفسه في مقال سابق في التسعينات بأنهم "ذهبوا مغاضبين" وبذلك دخلوا بطن الحوت كما حدث للنبي يونس عليه السلام. ذاك المقال من عام 1998 يسلط الضوء على عبارة أن الجمهوريين ليس لهم نصيب في الفكرة الجمهورية سوى التلمذة. أرجو قراءة ذلك المقال التاريخي النادر قبل أن أجد الفرصة للعودة، ونسأل الله أن يرحم أخينا الراحل المقيم الأستاذ بشير بكار الذي كان سببا في كتابة الأستاذ خالد لهذا المقال:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أهل الصالون
    سلام عليكم

    من إطلاعى على بعض ما دار في صالونكم، شعرت أن الفضل - من بعد الله - في ما أنتم فيه من نعم الوصال، والحوار، يرجع إلى هوارى، وعبد الله عثمان " شيخ على المهجر" فجزاهما الله عن الجميع كل خير.
    وذكر المهجر، ذكرنى، بطائفة من عباقرة الأدب والفن، سبقوكم إلى أرض المهجر، واشتهروا بها في مجال فنهم، فكانوا رواداً، مهدوا لكم الطريق، وعلى رأس هؤلاء جبران، ومخائيل نعيمة، وإيليا ابو ماضى.. وقد كانت لى مع جبران رفقة طيبة أيام الشباب، ولازلت أحن إلى سماع أنغام كلماته المشبعة بالتعاطف مع أحزان الانسان، حتى بعد أن أصبحت لى رؤية جديدة، وحس جديد في التعامل مع هذه الاحزان..
    نستأذنكم في الدخول الى صالونكم.. ولكن سوف يكون دخولنا من غير الباب الذي يدخل به الداخلون عادة عندكم، أعنى باب اللغة الانجليزية.. ربما كان باب اللغة الانجليزية حتى الآن، تكنولوجياً، هو الباب الوحيد الذي يمكن الدخول عبره.. ولكن يمكن لاصحاب الملكات أن يترجموا حديثى هذا، بالصورة التي تمكن من حشره عبر المدخل.. أو يمكن أن اكون عضواً منتسباً إلى صالونكم، تتم مشاركته من الخارج.. فأنا أحب أن اكتب باللغة العربية، لأننى لست على ثقة من إنجليزيتى خصوصاً عندما يكون الموضوع له صلة بالعرفان.. ليست لى واردات بالانجليزى، ولا أستطيع ان أتذوق معانى القرآن بالانجليزية..
    من الطرف الذي إطلعت عليه، يبدو لى أن الحوار يدور حول الطرح الذي طرحه الأخ بشير بكار.. وقد لاحظت أن المساهمات تجىء قصيرة جداً، ثم بعد ذلك يعتذر المساهمون عن التطويل؟ وأنا أعتقد أن طبيعة القضايا التي طرحت والتي يمكن أن تطرح، لا يمكن معالجتها بصورة مناسبة، من خلال هذا الأسلوب التلغرافى، فبهذا الأسلوب يصبح الحوار غير مثمر، في تقديرى.. أنا لست مع التطويل، ولكننى ضد الاختزال.. إن ما يعين على الاختصار، أن المتحاورين، يحملون أفكاراً مشتركة، ولغة إصطلاحية مشتركة، وينطلقون من نفس المسلمات، ولكن هذا كله لا يجعل الأسلوب التلغرافى، أسلوباً مناسبا، فهو لا يحقق الثمرة ولا المتعة.
    سوف يكون حديثى إليكم عبارة عن "دردشة" ولكنها بطبيعة الحال، ستكون دردشة جادة، تهدف إلى أن تكون معينة، ما امكن ذلك. وأنا لا أود أن يكون حديثى، ولا حديث أى أحد من الاخوان والاخوات، رداً على أحد بعينه، وانما تناول للقضية في عمومها، ولكن لما كان حديث الأخ بشير هو المنطلق، فسوف أعلق على بعض ما أثاره قبل الدخول في القضية.
    إن القضايا التي طرحت من خلال ما كتب بشير، تتلخص حسب تقديرى في النقاط التالية:
    (1) هل نحن طائفة؟ Are we a cult ؟
    (2) يعتبر الدين صحيحا إذا ضمن له أهله، أن يعيش فعالاً..
    Every religion or policy is considered true if it survives.
    (3) الوقت..وعودة المسيح.
    وأنا أعتقد أن القضية الاساسية، ليست هي هذه القضايا، كمواضيع فكرية وعرفانية، وانما القضية الاساسية هي الواقع الذي تطرح عبره هذه القضايا، وغيرها من قضايا تتعلق بفكرتنا.. هذا الواقع الذي أعنيه هو 18 يناير 1985م.. التاريخ والحدث.. فنحن جميعنا اليوم، عندما نتناول قضايانا المتعلقة بالفكرة، بالحديث، أو بعدم الحديث، لا نفعل إلا وعقولنا وقلوبنا ونفوسنا، متأثرة بالحدث، فتأتى أفكارنا ومواقفنا متلونة بلونه أو بلون رؤيتنا له.. وكثير مما يدور، هو إنفعال بالحدث، ومجرد موقف نفسى، وإن بدأ لأصحابه أنه فكر.. ولذلك سأجعل من الحدث مدخلى ومنطلقى، والمحور الذي سيدور حوله حديثى، هو الحياة الكاملة، الحياة الخالدة، الحياة السعيدة.. فكل الوسائل ينبغى أن توظف لخدمة هذه الحياة، وكل الوسائل ينبغى أن تنظم لتفضى إليها، وهذا ما تفعله الفكرة، ودون سواها من الاديان والفلسفات والأفكار..

    الله ظهر!!
    فليعذرنى الأخ بشير، فأنا رغم أننى لا أود أن يكون حديثى رداً على أحد بعينه، أو مناقشة أحد بعينه، فاننى هنا، في هذه الجزئية، أود أن أعلق على بعض ما ورد في حديثه، وما أعلمه عن نفسى، أن مبعث تعليقى هذا هو محبتى للأخ بشير..
    فى تقديرى أن الأخ بشير، يكتب وهو منفعل بالحدث، وقد أدى هذا الانفعال الى تلوين المنظار الذي يرى به الأشياء، وهذا ينطبق علينا جميعا، على تفاوت فيما بيننا.. فنحن جميعاً نظرتنا للأمور، تكونت بلون رؤيتنا للحدث..
    الاخ بشير، في بدايات حديثه ينعى لنا الأخ الراحل، عم الأمين عبد الغفار، ذلك الرجل الفذ.. ويثير رحيل عم الأمين في بشير، ذكرى اللحظات الغالية التي عاشها، فيقول:
    He reminds me of precious moments in life that are never going to come back again.
    وهكذا، ومنذ البداية، حدد بشير لون المنظار الذي يرى من خلاله الأشياء.. وجميع حديث بشير الذي ذكره له هذا اللون، ولكن بصورة خاصة حديثه عندما تحدث عن الوقت.. فعنده الوقت لن يجىء حتى عام 2017 ولا حتى بعد ذلك!! وعام 2017 هذا الذي ذكره بشير- إذا لم يكن هنالك خطأ مطبعى - ليس بعيداً، بالصورة التي تفيد المبالغة التي كان يرمى إليها بشير، فهو بعد عشرين عاما!! ولكن بشير في تقديرى، كان منقسماً، وهو يقرر هذا التقرير.. هنالك شىء في داخله يقول له أن الأمر خلاف ذلك، وهذا الشىء هو الذي حجم مبالغته.
    إن الأمر الذي أردت أن أتناوله من حديث بشير قبل الدخول إلى القضية هو ظهور "الله"، لما له من إرتباط بقضيتنا الأساسية.. والأمر الذي يطالعنى من كتابة بشير في هذا الجانب، هو سيادة روح الاديب الفنان، الذي تستهويه الصور الشعرية، ولذلك أعتقد أن بعض الحديث ليس مقصوداً بحرفيته، وإنما المقصود عرض اللوحة الفنية، التي إذا نظرت إليها من قريب، ورحت تحلل تفاصيلها أفسدتها، وذهبت بجمالها الفنى.. ورغم ذلك لا بد من النظر من قريب! يقول بشير:
    Throuhout history, there have been hundreds of religious sects whose followers were waiting for the coming of God. But God has never shown up. Even when the Shukria ( my kinsmen) challenged him to come down after the death of their sheikh. I love their realism and defiance!!
    وحادث الشكرية المشار إلية، يتلخص في أن أفراد قبيلة الشكرية غضبوا عند وفاة شيخهم (الشيخ عوض الكريم أبوسن) وضربوا النحاس، وسلوا سيوفهم، وهم "يعرضون" ويبكون، وربما ظهرت منهم بعض العبارات التي أشار إليها بشير في تحديهم لله.. والسلوك جميعه - إذا جردناه من الصورة الأدبية - هو ردة إلى الجاهلية الاولى.. والشكرية في عملهم هذا، كانوا ينتصرون لإله صغير جداً، ولكنه مباشر، هو شيخهم.. ولا أرى أنهم كانوا عمليين بأى وجه من الوجوه.. ولا أدرى ماهو تصورهم لله، الذي يتحدونه بهذه الصورة البدائية جداً، وعلى كل، لم يكن تحديهم مجدياً، ولم يعد شيخهم إلى الحياة، وما كان له أن يعود، ولم يستطع واحد منهم أن يحمى نفسه بسيفه من الموت.. ولكن هل حقيقة لم يظهر الله لهم!؟ ما رأيك في من يرى ان الله ظهر لهم في شخص " السدارنة "!!
    وهل حقيقة أن الله لم يظهر عبر التاريخ للجماعات الدينية التي كانت تنتظر ظهوره!؟ أنا لا أوافق على ذلك..فالله لم يغب عبر التاريخ عن الظهور للجماعات التي تنتظر ظهوره.. وأنا هنا لا أعنى المعنى العرفانى الواسع للظهور، وأنما أعنى ظهور "الله" المجسد في اللحم والدم.. وبالطبع لا أعتقد أن من يُنتظر ظهوره، هو الذات، وانما هو تجسيد الاسم، فمنذ أن تنزل الاسم، في آدم أبو البشر، لم يغب عن مسرح الحياة.. ثم ظهر في قمة في النبى الكريم، الذي قال عنه تعالى: (( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق ايديهم )) وهو قول واضح وحاسم.. ومن الطبيعى أن يكون الظهور حسب حكم الوقت، وحسب انتظار المنتظرين، وعلى ذلك هو ظهور نسبى، ولم يستعد المكان في الارض، عبر التاريخ، للظهور الكامل، وكانت كل مستويات الظهور هي مقدمة، لهذا الظهور الكامل، والذي نعتقد أن الأرض، الآن، ولأول مرة، بفضل الله، وبفضل مستويات الظهور السابقة، قد تهيأت له، وهذا ما نحن بصدده.. والآن ونحن ننتظر، لا أعتقد أننا ننتظر في مستوى واحد، من التصور للمنتظر، ولا للانتظار، ولكن تصورنا جميعاً، في عمومه يختلف إختلافاً جذرياً عن تصور المنتظرين الآخرين، عبر التاريخ وإلى اليوم.
    أما عن نكتة Norman Mailer ، فان أبسط ما يقال عنها هو أن إلهنا يختلف كثيراً عن إله Mailer، فاذا كان إله هذا الأخير يزعجه دعاء عباده له، فإن إلهنا يحب عبده الملحاح في الدعاء، وقد يؤخر الاستجابة لعبده لأنه يحب أن يسمع صوته، ولذلك أنا أرى أننا في حالة تقصير كبير في أمر الدعاء والالحاح فيه.
    الخروج من بطن الحوت:
    إن واجبنا المباشر، في الوقت الحاضر، هو العمل على الخروج من بطن الحوت.. وأنا هنا أعيد ترتيب الأوراق، وفق تصورى للأولويات، وهو بالطبع، تصور ليس ملزماً لأحد.
    اننى أجعل من 18 يناير 1985م المدخل، كما سبق أن أشرت، وذلك لأننى أرى أن الحدث، والموقف منه، هو الذي أعطى أفكارنا، ومواقفنا طابعها.. ونحن عندما نتحدث عن الفكرة بعد التنفيذ، لا يمكن لحديثنا ان يكون غير متأثر بما جرى، وتصورنا له، وأنفعالنا به.. وأنا هنا استطيع أن أعمم، وأقول إننا جميعاً بعد التنفيذ دخلنا بطن الحوت، على تفاوت بيننا.. وأنا هنا أعنى حوت " صاحب الحوت" (ذا النون)!! فتجربة سيدنا يونس تجربة مفيدة جداً، في إلقاء الضوء على موقفنا من التنفيذ وانفعالنا به، كما هي مفيده في إعانتنا على الخروج مما نحن فيه.
    وقصة يونس باختصار، أنه عندما أرسل الى قومه مكث بينهم وقتاً طويلاً ولم يستجيبوا له، فدعا ربه أن ينزل عليهم العذاب، وأنذر قومه بعذاب وشيك، ولم ينزل بهم العذاب، فغضب يونس، ولم يحتمل أن يعتبره قومه كذاباً، يعدهم بالعذاب ولا يتحقق، فخرج مغاضباً لربه، ظناً منه أن ربه أخلفه وعده، ومغاضباً لقومه، وعند البحر وجد قوماً يركبون سفينة فحملوه معهم، ولكن السفينة إحتبست، فقال الملاحون ان فيها عبداً آبقاً عن سيده، ولن تتحرك السفينة الا اذا أخرجوه منها، فأقترعوا لمعرفة العبد الآبق، وكانت القرعة تخرج دائماً على يونس فألقوا به في البحر، فابتلعه الحوت، وظل حبيساً في الظلمات، ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة نفسه، إلى أن دعا الله، فاستجاب له وأنجاه، يقول تعالى: (( وذا النون إذ ذهب مغاضباً، فظن أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات أن لا إله إلا انت سبحانك إنى كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين ))
    ونحن بعد التنفيذ ذهبنا مغاضبين، لأن الله لم ينفذ ما نريد.. ولأننا ظننا أنه أخلف وعده لنا.. فقد كنا نضع له السناريو، ونطلب منه هو أن ينفذه، ولكنه جعل كيدنا في تضليل، وفجعنا بما لم يكن في حسباننا، وأنفذ السناريو الذي وضعه هو، لا الذي وضعناه نحن، فظهر في دواخلنا يونس، وذهب كل منا، وعلى التعميم، مغاضباً، فدخلنا بطن الحوت، لنعلم أنه يقدر علينا، ويقدر لنا، بأفضل مما نظن.. وكنا في ذهابنا مغاضبين طرائق عده، فمنا من أوغل بعيداً، ومنا من بدأ العودة من قريب، وكل ذلك حسب حال كل منا قبل التنفيذ من الإيمان ومن العلم والعمل.. وقد شفع ليونس وأنجاه من الغم أمران: أولهما، أنه كان قبل أن يبتلعه الحوت من المجتبين المسبحين.. (( فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )).. والامر الثانى، إستفادته من التجربة، واعترافه بظلمه، وعودته للتسليم لقدرة القادر، (( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا انت، سبحانك، انى كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين )).. فكانت النجاة النهائية باسم الله الاعظم "الله".. وكذلك الحال بالنسبة لنا، فقد دخلنا جميعاً بطن الحوت، وسنخرج جميعاً منه، على تفاوت بيننا في زمن الخروج.. وسيكون السبب الأول في خروجنا، هو الاجتباء، الذي دخلنا به الحرم الآمن، حرم الفكرة، فاصبحنا من المسبحين.. والسبب الثانى هو الفضل والاستفادة من التجربه، ونحن سيكتمل خروجنا، بالاسم الأعظم " الله " فضلاً ومنة: (( قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون )).. فأنا لا أخشى على أحد من عدم الخروج من بطن الحوت.. فكل من كان مؤمناً حتى وقت التنفيذ، هو من أهل بدر!! الحاله الوحيده التي أخشى فيها، هي أن يكون أحدهم مع الجماعة وهو ليس منها، أعنى ليس مؤمناً، ولكن كل من كان مؤمناً حتى لحظة التنفيذ، فليتخبط ما شاء، فانه داخل حرم العناية، وقد أحاطت به شبكة الرحمة الرحيمية، وهو لن يخرج منها مهما فعل، مصيره مصير يونس، سيلفظه الحوت، ويخرج من الظلمات وضيق السجن، الى النور، وباحات الحرية الواسعة.
    وما أرى إلا أن حركة الخروج من بطن الحوت قد بدأت منذ حين، وقد بدأت في البداية بطيئة جداً، ثم تسارعت والآن أرى الناس يتزاحمون في الخروج، ويتدافعون بالمناكب.
    والآن فلنعد إلى الحدث، وإلى خلفية الحدث، ونذكر أننا قلنا أن محور حديثنا هنا سوف يكون الحياة، لأنها وحدها هي الغاية.. والحدث مرتبط بالموت، فكيف ذلك!؟
    هنا أبدأ الحديث عن قضية المسيح المنتظر.. فهل نحن جماعة ليس عندها سوى إنتظار عودة المسيح المنتظر!؟ ربما كان هذا تصور بعض الأخوان والأخوات، واذا صح ذلك، فانه ظلم شنيع للفكرة.. بل هو يكاد يكون إنكاراً لوجودها، وتعامى عن حقها، وعن فضلها علينا.. أنا شخصياً، عندما بدأت إنتمائى لم اكن قد سمعت بأمر عودة المسيح، كقضية مرتبطة بالفكرة، ولم يكن لهذه القضية أى دور في التزامى.. ثم ظللنا ونحن داخل الفكرة وقضية عودة المسيح لا تشكل أى جزء من أدبياتنا.. والآن لنفرض - جدلاً - أن قضية المسيح لم تكن واردة!! فهل هذا يقدح في الحق الذي في الفكرة، ويجعلها غير جديرة بأن تلتزم!؟ إننى لا أجد على الاطلاق شبيه، من قريب، أو من بعيد، بالفكرة، كمذهبية، تعالج قضايا الوجود، وقضايا الحياة الاساسية، وتقدم الحلول المقنعة والعملية لها.. وانا إذا لم تكن قضية المسيح موجودة لا يسعنى إلا أن اكون جمهورياً، عن قناعة، وعن تذوق حقيقى للفضل الذي أنا فيه بفضل انتمائى لها..
    فعندما إلتزمت الفكرة، كان السبب الفكرى الذي قادنى إليها هو قضية التسيير والتخيير و التي هي في إعتقادى أم القضايا جميعها، وقد كنا ندرسها في الجامعة، ضمن دروس الفلسفة Problems of philosphy ، وضمن اللغة العربية، في دراسة حول المذاهب الفكرية الاسلامية.. وقد جعلتنا هذه الدراسة في حيرة وبلبلة شديدة، إلى أن قيض الله لى كتابى ـ ( الاسلام ) و ( اُسس دستور السودان )، ويلاحظ انهما من الكتب الصغيرة ـ التي لا تتناول قضية الجبر والاختيار بصورة مباشرة، ولكن رغم ذلك وجدت فيهما ضالتي.. وأدى ما ورد فيهما إلى تهدئة البلبله الذهنية والنفسية التي أثارتها دراسة الفلسفة للقضية المذكورة.. ثم ظللنا الى وقت طويل ونحن في مجتمع الفكرة، ليس لنا دراية بأمر عودة المسيح، ولا هي من الأدبيات المعلنة، ولا الأدبيات الداخليه - ربما يكون من سبقونا لهم علم بالأمر - ولكن الذين أتوا مؤخراً وقد تكامل إعلان الفكرة، وجدوا أن القضية مطروحة بصورة واضحة، في الطرح العام، وفى الثقافة الداخلية..وبالطبع هي قضية ليست قاصرة علينا، ولا هي قضية قاصرة حتى على الأديان الكتابية الثلاث، فانت تكاد تجدها في معظم الأديان الكبيره، بما فيها الاديان الهندية، وفى الاساطير..
    وبكتاب صمويل بيكيت "في إنتظار جودو" دخلت مجال الأدب.. ولكن العبرة بالفهم ووضوح الرؤية، وأنا لا أجد في هذا الصدد مجالاً للمقارنة بين الفكرة، وبين الافكار والفلسفات والأديان الأخرى.. فقضية المسيح في الفكرة هي جزء من بناء متكامل، يتناول جميع نواحى وقضايا الوجود الاساسية، وهي لا تنفصل عن نسيج هذا البناء.. كما أنها تقوم على مفهوم أساسى في فلسفة التطور التي تطرحها الفكرة، فهي تعبير عن رؤية الكمال الحضارى، والكمال الانسانى، الذي يفضى اليها هذا التطور.. فالرؤية متكاملة ومتماسكة، ومبنية على طرح فكرى واضح، وسند دينى بيّن، ويمكن لمن يعرف لغة التوحيد، إدراكها من خلال مؤشرات الواقع المعاش، واتجاه الحركة فيه.
    قبل التنفيذ لم تكن هنالك أى مشكلة بخصوص مفهوم عودة المسيح، فمن أين أتت المشكلة بعد التنفيذ!؟
    أتت المشكلة في تقديرى اساساً من:
    1- الربط بين شخص الأستاذ والموعود وفق تصورات معينة للظهور.
    2- غياب الموت عن الصورة، والارتباط العاطفى القوى بالأستاذ.
    3- تراخى الزمن..
    وجميع هذه الامور مرتبطة بتصور الأفراد للفكرة، ولقضية التوحيد، ولبعض الأقوال والمعارف المتداولة، وهي يختلف فيها الناس كثيراً.
    هل ما حدث كان منتظراً أن يحدث!؟ بالنسبة لى من المؤكد أنه لم يكن منتظراً.. وأعتقد أنه بالنسبة لكل الأخوان والأخوات، تقريباً، لم يكن منتظراً.. واذا وجدت حاله، أو بعض حالات قليلة، هي بخلاف ذلك، فهي تشكل استثناء.. ولكن لماذا كان الأمر كذلك!؟ هنالك عدة اعتبارات يمكن أن تذكر في هذا الصدد..
    أولاً: هنالك الارتباط العاطفى القوى بالأستاذ.. ذلك الارتباط الذي يجعل الموضوع مرفوض نفسياً، بصورة مبدئية، لا تسمح بمجرد الخواطر.. وأنا هنا اتكلم عن تجربتى الشخصية ولا اعتقد أنها مختلفة كثيراً عن الآخرين.. فقد سمعت كلاماً واضحاً في السبعينات عن ما أصطلحنا في ما بعد على تسميته بالتنفيذ.. قال الأستاذ: كل ما حدث للمسيح الاول تحدث صورة منه للمسيح الثانى.. بما في ذلك الصلب!! حاولت أنا شخصياً أن أعطى الأمر تفسيراً معنوياً، فتحدثت عن الصلب بمعنى حل التعارض بين العقل الواعى والعقل الباطن، أو شىء في هذا المعنى.. قال الأستاذ: لا.. الصلب الحسى.. ولقد انزعجت وقتها انزعاجاً شديداً، وأصبحت لا استطيع النوم المتواصل، وقد استمرت هذه الحاله لأكثر من شهر.. ثم نسيت!! نعم نسيت، وهذا أمر محير، وأعتقد أن له دلالة روحية إلى جانب الدلالة النفسية.. وأنا الآن استطيع أن اقول أننى لم انس، وانما أُنسيت!! وأعتقد أن الموقف كله كانت فيه حكمة تتعلق بانضاجنا روحياً وفكرياً وعاطفياً.. ولقد ظل الامر مرفوضاً عندى حتى بداية مساء 17 يناير 1985م.. وفى ذلك المساء تأكد لى التنفيذ.. وعندما تم التنفيذ وكنا بمنزل العم أحمد عمر بكوبر، ونسمع صوت المايكرفون، شعرت بسكينة حقيقية تتنزل على، وأعتقد أن هذا كان حال كل الأخوان والأخوات.
    الأمر الثانى، الذي يجعل ما حدث كان من غير المنتظر عندنا أن يحدث هو ضعف تصورنا لقضية الموت والحياة.. فرغم عمق معارفنا في الجوانب الأخرى، إلا ان معرفتنا في هذا الجانب، لم تكن تختلف كثيراً عن معرفة الآخرين.. هذا رغم أن الحديث ورد كثيراً في هذا الأمر، في الكتب وفى الأحاديث الخاصة، وفى بعض الحالات كان الحديث يذهب إلى عمق المسألة.. ولكن يبدو أننا لم نكن في مستوى استحقاق المعرفة.
    لقد كان الأستاذ، منذ أيام الخلوة في 1948م ينتظر "التنفيذ" وقد تحدث في ذلك للبعض، ومنهم المرحوم العم مختار على الشيخ.. فعندما صدر الحكم على الأستاذ قال مختار ان هذا الحكم سينفذ!! فقام عليه البعض يهاجمونه في قوله هذا.. فقال لهم: هذا ليس قولى وانما قاله لى الأستاذ محمود بنفسه، ففى احدى زياراتى له في خلوته قال لى أنه سيأتى يوم يعدم فيه.. وأنه في ذلك اليوم من يكون معنا يناله خير كثير، ومن لا يكون معنا هو الخاسر - شىء في هذا المعنى - قال مختار، قلت له: عليك الله يا أستاذ، وبحق العلاقة التي بيننا لا تنسانى في ذلك اليوم.
    وقد تحدث الأستاذ عن الموضوع عدة مرات، بعضها مباشر، وبعضها غير مباشر.. وورد الحديث في الكتب بصورة عرفانية.. وأعتقد أن أوضح ما قيل في هذا الصدد ما نقلته أنا، وما ورد في حديث الفداء، وما رواه إبن البان، وما نقلته بعض الأخوات خصوصاً سامية حجاز، بالاضافة إلى تفسير آيات (الله نور السموات والأرض)، وخطاب الأستاذ للشيخ على حمد.. ومما جاء في حديث ابن البان 29/3/1951م في الحديث عن اليوم الآخر، ساعة التعمير، جاء قول الأستاذ: "إن ذلك لا يجىء إلا حين تنتصر الحياة على الموت بتجربته واجتيازه".. (تجربته واجتيازه) هذه هي العبارة الأهم، والأكثر دلالة على الموضوع.. وفى تفسير أو تأويل (الله نور السموات والأرض) 15/9/1965م جاء قوله: "فإن البيوت أجساد العارفين.. وفى طليعتهم الانسان الكامل.. فإن جسد العارف أذن الله له أن يرفع من الأموات.. فهو إنما يجيء إلى هذه الدنيا من العالم الآخر.." أما خطاب الشيخ على حمد 23/7/1962م، فمما جاء فيه قول الأستاذ: "وفى قمة العبودية الخاصة خلق الله خلقاً بذاته، وليس بينه تبارك وتعالى، وبينهم واسطة.. فاذا أشعرهم، تبارك وتعالى، بذلك شعوراً يقينياً، في مرتبة حق اليقين، فقد خلع عليهم إسمه الحى.. فهؤلاء لا يكادون يموتون، ولا ينشرون، لأنهم قد خرجوا من أجسادهم، في حياتهم الدنيا، خروجاً يكاد يكون تاماً، ورفعوا الوسائط بينهم، وبينه، فأفاض عليهم الديمومة، والبقاء. وأعلى هؤلاء ينتقل، من جانب الحياة الدنيا، إلى الحياة العليا.. (الحياة الاخرى على مألوف التعبير) كما ينتقل المهاجر من بلد الى بلد بكليته..".. أرجو أن تلاحظ عبارة "فهؤلاء لا يكادون يموتون" لأن هنالك ما يشبه الموت، وهو ليس بموت حسب مألوف الناس عن الموت.. أو هنالك انتصار على الموت "بتجربته واجتيازه" حسب العبارة التي قيلت لابن البان "فالتنفيذ" هو هذه التجربة، وهو لا يكاد يكون موتاً لقد قيل لى في منام، وأنا أنظر الى عنق الاستاذ خشية أن يكون حبل المشنقة ترك بعض الأثر عليها، قال، حسب النص: "مافى حاجة حصلت.. الناس ديل ما عملوا أى حاجة.. الأمر كله لطف في لطف!!".. وغير ذلك كثير.. والأمر هو قمة التحقيق في العبودية، وهو قمة انتصار الحياة، التي قلنا أنها هي المحور الذي ينبغى أن يدور عليه حديثنا.. ولا سبيل لانتصار الحياة إلا اذا انتصرت على الموت.. وأمر بهذه الدقة، وبهذا العظم، ومخالف لمألوف الناس منذ أن كانت الحياة على الأرض، ليس بمستغرب أن يؤدى إلى فتنة البعض.. أقول مخالف لمألوف الناس، وأنا أعلم أن الناس قد ألفوا في بعض الحالات، عودة من ماتوا الى الحياة.. ولكن هذا الامر يختلف عن ذلك كثيراً.. الأمر ليس هو عودة للحياة بعد الموت، وإنما هو إنتصار على الموت، وشتان بين الامرين.. ولا أرى مجالاً للحديث عن الحقيقة العرفانية: الألوهية لا تكرر نفسها.. ليس هنالك تكرار وانما الامر واحد متصل.
    إهتم بعض الاخوان عندنا في رفاعة بسماع رواية د. محمد برعي ولكننى لم أجد في نفسى حاجة لسماعها.. و د. محمد برعي هو طبيب من أبناء رفاعة، كان يعمل بالمستشفى العسكرى، وأحضروه بالأمر لكى يقرر في الحالة بعد التنفيذ، وخلاصة ما ذكره للاخوان، أنه بعد إنزال الأستاذ من المشنقة كشف عليه، ووجد أن الموت لم يحدث، وخشى إن هو قال لهم ذلك أعادوه مرة أخرى إلى المشنقة، فقرر أن الموت قد حدث.. ثم هو شعر بتأنيب الضمير، وعاش في فترة قلق مزعجة، ظناً منه أنه تسبب في دفن إنسان حى.. ومنا من ذهب يستلهم حالة "البيات الشتوى".. ومنا من استخرج الحدث من نبوءات ابن عربى ونوستراداموس، وكل ذلك يمكن أن يكون معيناً، ولكن ألسنا نحن أولى بالأمر من إبن عربى!!
    إن الأمر، أمر توحيد وايمان، فمن قصر به توحيده ينبغى أن يسعفه إيمانه، وهذا هو الحال في كل معرفة.. وما ترك من الجهل شيئاً من ظن أنه يمكن إدراك جميع الاسرار.. واكثر منه جهلاً من ظن أن ما لا يعلمه هو فهو غير موجود.
    إن ما حدث من أمر "التنفيذ" له دلالات وأبعاد كثيرة، وأبعاد حكمته لا تستنفد، ولكن بالنسبة لنا، هو محك حقيقى لامتحان وتمحيص ايمان المؤمنين، كما هو تشميس لنا.. فنحن كجماعة، اكثر جماعة رخوة، عبر تاريخ الجماعات، ولعلنا الجماعة الوحيدة، التي تفديها قيادتها، والى حد كبير يرجع ذلك الى ان الوقت وقت الفضل.. والآن قد رفع عنا الظل وتركنا لنواجه حرارة الشمس، ولينمى كل منا حصيلته لمواجهة المرحلة الجديدة، مرحلة ما بعد "التنفيذ".. فالمرحلة الأولى، مرحلة ما قبل "التنفيذ" كان بها الدخول العام، فمن دخل فقد دخل في الفضل، وأخذ لونه الذي لا يحول "لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم".. فالكل من أصحاب بدر.. أما المرحلة الثانية، مرحلة ما بعد "التنفيذ" فهي مرحلة تجربة وتمحيص لمن إجتازوا امتحان المرحلة الأولى، والفضل شامل. أن يذهب البعض مغاضباً، ويوغل بعيداً، وأن يشك البعض، ويظن أنه قد كذب، كل ذلك وارد، وموعود.. (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا).. وأنا لا أستبعد أن تحدث البعض أنفسهم، بأن الساحة قد خلت لهم، وأن الأمر أصبح أمرهم!! فنحن موعودون بكثيرين يدعون المقام، ولا يوجد ما يمنع أن يكون بعضهم من بيننا!! كنت أظن أصحاب الادعاء عادة يكونون من أصحاب التجربة في العبادة الذين يلبس عليهم.. ولكن بعد تجربة "الشايقى" تأكد لى خطأ ظنى هذا.. فكل صاحب نفس، مهما كان حظه من التجربة الدينية، أو عدم التجربة الدينية، يمكن أن يدعى، ويدعى أى مقام.. فنحن لنا أصلين، أصلنا الأول هو الله، وأصلنا الثانى التراب، ووجود الأصل الاول فينا يجعل الاستعداد للادعاء جاهز، ينتظر ما يثيره، حتى ولو خاطر، أو نفثة من نفثات الشيطان.. أما تجربة الآخر، فأمر محزن وخطير أشد الخطوره وهي تدل على أن قانون المعاوضه، قانون صارم.. كما تدل على أن النفس البشرية يمكن أن تدعى أرفع المقامات، وهي في أشد حالات هوانها وبعدها، أو ربما بسبب ذلك الهوان والبعد.
    خلاصة ما أريد أن أقوله هنا، هو ان الفكرة الجمهورية هي الاسلام، وهي خلاصة تجربة الحياة، وتجربة الفكر والدين على الارض.. وهي مذهبية متكاملة، تعالج جميع قضايا الوجود الاساسية، وتقدم لها الحلول، بصورة تقنع العقل ويطمئن لها القلب.. وهي الحق، ان كان هنالك مسيح ينتظر له أن يجىء، أو لم يكن.. ومفهوم المسيح في الفكرة ليس مفهوماً منبتاً، وانما هو تعبير عن الكمالات الانسانية التي تبشر بها الفكرة وترسم الطريق العلمى والعملى لتحقيقها.. ففى الفكرة جرثومة الإنسان الكامل في كل إنسان حتى ولو كان أبله، ومصير كل إنسان اليه.
    اننى أعتقد بجعلى منطلق الحوار هو 18 يناير 1985م الحدث، قد وضعت النقاط على الحروف، وأنا أعتقد أن الكثيرين يريدون أن يدخلوا من هذا الباب، لكنهم ظلوا يحومون حول الحمى..

    التيار الرئيسى:
    وردت عبارة هي من مفاتيح الحديث الذي دار في الحوار، وترجمة العبارة يمكن أن تكون: من أجل أن تتفادى أى جماعة دينية، وصف الطائفية cult عليها أن تعيش.. عليها أن تنال إعتراف جزء كبير من التيار الرئيسى..
    So, for a religious group to escape the description of "cult", it has to survive. It has to gain the recognition of a large part of the main stream.
    ولم يذكر لنا المتحدثون ماذا يعنون بالتيار الرئيسى!؟ ولذلك أنا هنا أفترض أنهم يعنون بالتيار الرئيسى، مجموع الناس الذين يمثلون الحضارة السائدة، وما تقوم عليه حياة هؤلاء من أفكار، ومفاهيم وقيم، تعطى الحياة القائمة لونها، وتوجه مسيرتها.. والحضارة السائدة بالطبع هي الحضارة الغربية.. وهذا التعريف الذي سأعتمده إلى أن يظهر لى أن المعنى كان خلافه.. وعلى ضوء هذا المعنى، أنا لا أوافق على العبارة في عمومها.. فالأفكار الثورية، لا تعمل على مسايرة الواقع الحضارى، أو نيل إعترافه، وانما هي تعمل على تغيير هذا الواقع، ليتوافق مع رؤاها هي، ولا أعتقد أن كلمة Recognition ، تعطى هذا المعنى.. فالعبارة حسب المعنى الذي أعطيته لها، تجعل الواقع الحضارى هو المعيار.. وما أراه، أن الفكرة هي المعيار الذي يقرر في أمر الواقع الحضارى.
    معلوم أن أى دعوة تغيير لا بد أن تتنزل لأرض الواقع. ونحن نقول الثورة الثقافية هي إلتقاء الفكر بالواقع من أجل تغييره.. الواقع المراد هنا هو طاقة الناس وحاجتهم.. ففى الواقع دائماً يوجد أمران: ما ينفع الناس، والزبد.. وما ينفع الناس هو التيار الرئيسى، ولكنه قد يكون مغطى بركام من الزبد يطغى عليه، والزبد دائماً يكون أعلى الماء، والفكر الذي يدعو إلى التغيير عليه أن يعرف ما ينفع الناس لينميه، ويعرف الزبد ليزيله من وجه الماء.. وفى المنعطفات التاريخية الكبيرة - ونحن الآن في اكبرها - يطغى الزبد بصورة حاسمة، وتنبهم الرؤية، ويحتاج الأمر إلى تدقيق شديد لمعرفة التيار الحى.. فالتيار الرئيسى ليس هو ما تمثله الأغلبية، ولا هو التيار الذي تكون له السيادة.. فالأغلبية قد تكون أغلبية الى نقصان، والسيادة قد تكون سيادة الى زوال.. ولكن التيار السائد الحقيقى، هو التيار الحى، الذي يملك مقومات الاستمرارية والانتشار في المستقبل، والذي يملك منذ الآن وعود المستقبل.. ومعرفة هذا التيار تقتضى معرفة اتجاه الحركة ومعرفة القيم التي تملك صلاحية الاستمرار.. فالحياة ليست هي الاعتراف، ولا هي السيادة.. الحياة الحية هي التي تستعصى على الموت بمعنى الفناء!! الحياة الإنسانية ليست هي مجرد العيش، وانما هي تتضمن العيش وتتجاوزه بكثير.. ولا بد من اعتبار بعدين: بعد حياة الفرد وقضاياه الوجودية.. وبعد حياة المجتمع وحاجاته المادية والمعنوية، والعنصر المشترك في البعدين هو الحرية.. والبعد الأول والأساسى - بعد حياة الفرد وقضاياه الوجودية - تكاد الحضارة الغربية لا تقدم فيه شىء اكثر من العيش، وهي بطبيعتها لا تملك أن تقدم أكثر من ذلك.. وهي قد إنصب جل إهتمامها على البعد الاجتماعى، وبسبب الانعكاسات لغياب البعد الأول، على البعد الثانى، هي لم تبلغ ولن تبلغ طائلاً.
    ماذا أريد كانسان اكثر من أن أنال تصوراً للكون يقتنع به عقلى وتطمئن له نفسى، وينسجم مع معطيات العلم المادى، ومع العرفان.. وأن أجد الفكر الذي يحل لى التناقضات الاساسية في الوجود، ويعطى المعنى للحياة، ويحدد الغايات والأهداف.. ويجعل كل ذلك في إطار الممكن عملياً.. ويجعلنى أتذوق طرفاً من وعوده الآن، ثم هو يجعل الأمل في الغد المشرق، لى وللانسانية جمعاء، نتيجة طبيعية للمقدمات التي يقدمها.. ماذا أريد اكثر من أن تكون أبواب المعرفة مشرعة امامى دائماً.. وكذلك أبواب الحياة، الحرة الكريمة، التي تتطلع إلى تجاوز كل صور الشر، وتتسامى على كل قيد.. أنا لم أجد غير الفكرة، ما يمكن أن يعطى ذلك أو يعد به، ولو من بعيد.. ولا أعتقد أننى قصرت في البحث، وإن كنت أساساً لست في حاجة إلى هذا البحث.. فقد وجدت ضالتي، فمن يجد منكم ما هو أفضل فليهدنى إليه، وأعده بأننى سأتعامل معه بجدية وسعة أفق..
    ولكن الآن دعونا من الحديث المنظم، ولندردش، دردشة غير منظمة.. كانت إحدى الأخوات تحمل إناء الطعام وهي تطارد طفلها لتطعمه.. والطفل يجرى منها وهو يضحك لاهياً.. ( يا محمد جننتنى، أقيف هاك دا.. أنا ما بقدر على المساككة دى ).. والطفل في جريه، وهي لا تزال تتابعه بإنائها.. ثم تعثر الطفل ووقع على الأرض، وأخذ يصرخ ويبكى.. فوضعت هي إناء الطعام جانباً، وحملته وقد إكتسى وجهها بعلامات الحزن، وأخذت تنفض عنه التراب، وتحاول إسكاته.. لكن لم يسكت.. انتابها شعور بأنها هي التي تسببت في وقوعه، فأخذت تهدهده، وهي تبكى في صمت إلى أن نام!!
    يقول اريك فروم إن حب الأم، هو الحب الحقيقى، لأنه من غير مقابل.. وما لا يعرفه فروم أن "أبونا" هو أكبر أم!! ولنقرأ الآن سطوراً من سفر الحياة، سفر الجمال..

    اللوحة الأولى:
    كنا قد حضرنا إلى كوستى لتونا، ونزلنا بمنزل الأستاذ.. وبسرعة مذهلة تجمع بعض الدراويش من أصدقاء الأستاذ بالمنزل.. ولا أحد يدرى كيف علموا بخبر حضوره بهذه السرعة.. وجلس الأستاذ على سرير وبعضهم حوله في نفس السرير، وأخذوا يتسامرون، ويحكى بعضهم مشاكله ونحن نتفرج.. ( يا شيخ محمود.. حمارتى البيضا، ما راحت!! ).. وكانوا يضحكون من قلوبهم كالأطفال، والأستاذ يضحك معهم، ومن وقت لآخر يمسح عينيه من الدموع.. وكان ود جاد الرب، يضحك ويضرب الأستاذ على ظهره ويقول لنا: الليلة أديت ليكم أستاذكم على رأسه!! فيضحك الأستاذ لقوله حتى تدمع عيناه!!

    اللوحة الثانية:
    منزل الأستاذ بالثورة، وكنا نجلس حول الأستاذ أمام الصالون، بعد المغرب.. حضر أحد الأصدقاء.. وبعد فتره من الحديث، شارك الضيف برواية حديث كان متداولاً بين الناس عن أحد الزعماء السياسيين،الذين كتبنا نحن عنهم.. وقد غضب الأستاذ لحديث الرجل، وزجره بصوره شديدة، لم نعهدها قبل ذلك.. وقال: لا يا أخ.. ما تقول كدا!! قال الرجل: دا ما قلته أنا، حتى جماعته يقولوه.. قال الأستاذ: ما تنقله عندنا.. وإذا مصر تقوله ما تجى عندنا تانى!! وكانت العبارات شديدة، وتنم عن غضب شديد، جعلتنا نشعر بخشية وكأننا إشتركنا في جريمة الكلام المنقول.. ثم سادت المجلس فترة صمت، إلى أن تحول الحديث إلى مجال آخر..

    اللوحة الثالثة:
    وهي كثيراً ما اكررها للأخوان.. كان قد توفى بالخرطوم بحرى المرحوم الجبر ناصر من أهلنا بالديم، وقد أُرسل للأستاذ، فذهب مع بعض الأخوان فحضروا مراسيم التجهيز والتشييع ورجعوا.. وكنا بعض أبناء الديم، لم نحضر الخبر.. وعندما ذهبنا للأستاذ بحجرته حكى لنا الصورة بالتفصيل.. وكان يحكى لنا حزن زوجة المرحوم، على زوجها، وكيف أنها كانت تبكى وتقول: (( يا ريته كان غلّط على يوم واحد!!)) وكان الأستاذ وهو يحكى لنا ذلك دموعه تجرى على خديه، وتنقط على مشمع أرضية الحجرة!! ألا ما أعظم دموع الرجال، عندما تكون تعبيراً عن حب الانسان، ومشاركة له في اتراحه، وأفراحه!!
    أتدرون ماذا قال الأستاذ عن أفضل ما في الوجود!؟
    قال: هو العواطف الانسانية ‍‍
    وليس من رأى كمن سمع.. ويا خيبة من رأى ولم يرى!!
    السؤال المحير هو: هل نحن لسنا مجانين بما يكفى!؟ أم ترانا كذلك ولا ندرى؟!

    لعل هذه الكتابة قد طالت، ولكن رغم التطويل ورغم ما هو مشترك بيننا، إلا أننى أشعر أن بعض القضايا لم تجد منى البيان الكافى.. ولكن ربما كانت لنا عودة فأرجو أن أتمكن من المواصلة.. وسوف يكون حديثى القادم محاولة لقراءة بعض المؤشرات في الحضارة القائمة، على ضوء التوحيد، وفى ارتباط بوعود الاسلام "الفكرة" المتمثلة في الوقت.. وعودة المسيح.. وقد حددت عنوانين للكتابة هما:

    1- ما أكثر الأنبياء.. ولكن!!
    2- قالت لى دولى Dolly !!

    ودمتم في حفظ الله ورعايته.. وحتى نلتقى لكم
    خالص الحب.

    (تاريخ الرسالة 1 أغسطس 1998)
                  

04-22-2016, 09:30 AM

اميرة السيد

تاريخ التسجيل: 07-09-2010
مجموع المشاركات: 5598

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    عزيزي ياسر الشريف
    وما هو اسم الكتاب الذي الفه البروف عبد الله النعيم ..ومتى الفه؟؟
    وهل الكتاب متوفر في مكتبات السودان ام ممنوع من التداول ..
    وكيف يمكن الحصول عليه في هذا الحال...عشان نتنور ...
    ..والله يديك الصحة والعافية...
                  

04-22-2016, 10:43 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: اميرة السيد)

    سلام يا عزيزتي أميرة السيد
    إسم الكتاب "الإسلام وعلمانية الدولة" وقد ظهرت نسخته الانجليزية "ISLAM AND THE SECULAR STATE". في عام 2008. والنسخة العربية فيما بعد [ربما أواخر 2009 أو 2010]
    لا أدري إن كان الكتاب متوفر في مكتبات السودان أم أنه ممنوع من التداول هناك.
    ولا أعرف كيف يمكن الحصول عليه للقارئ الذي يعيش في السودان..
    ولكن ربما تكون هذه الصفحة مفيدة في معرفة طريقة طلب الكتاب:

    http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx؟id=egb150653-5161400andsearch=bookshttp://www.neelwafurat.com/itempage.aspx؟id=egb150653-5161400andsearch=bookshttp://www.neelwafurat.com/itempage.aspx؟id=egb150653-5161400andsearch=bookshttp://www.neelwafurat.com/itempage.aspx؟id=egb150653-5161400andsearch=books

    وشكرا، وبرضو الله يديك إنت الصحة والعافية

    ياسر

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 04-25-2016, 06:23 PM)

                  

04-23-2016, 09:31 PM

Kostawi
<aKostawi
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 39980

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    الأخ يا سر الشريف
    هذا لنك لندوة الأستاذ بدرالدين يوسف السيمت كاملة - واشنطون- ١٩ سبتمبر 2015

    https://youtu.be/5WOtahlojjghttps://youtu.be/5WOtahlojjg
                  

04-23-2016, 10:28 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Kostawi)

    تسلم يا عزيزي نصر الدين وأشكرك جزيل الشكر على بذل الرابط.

    تحياتي
                  

04-23-2016, 09:58 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مواصلة:
    أريد في هذه المداخلة التعليق على هاتين النقطتين من مقال الأستاذ خالد الحاج بتاريخ 14 فبراير 2009 بعاليه:
    Quote: 3. مرجعية الفكرة الأساسية، هي ما طرحه صاحبها من أفكار، مكتوبة، أو مسجلة صوتياً، أو ما سمعها عنه أحد الناس، متى ما تمت صحة النقل. وفوق ذلك كله حياته، ثم أبناؤه وبناته الذين تمت تربيتهم على يديه، فهم كتبه أيضاً.
    4. خارج الفكرة، بالطبع يمكن لأي انسان، أن يدعو لما يشاء؛ أما داخل الفكرة نفسها، فلا يحق لأي انسان، جمهوري أو غير جمهوري، أن يضيف أي شيء أساسي أو يحذف شيئاً من الفكرة، كما هي عند صاحبها، وورد الخطاب بها.



    النقطة الأولى هي أنه لا يزعم أحد من الجمهوريين، فيما أعلم، الاجتهاد في الجانب النظري من الفكرة الجمهورية كما جاءت على لسان وقلم الأستاذ محمود. طبعا الفكرة الجمهورية لا تزال في حيز التنظير إذ لم تحظ بفرصة التطبيق على أرض الواقع في مسائل الحكم والاقتصاد والمجتمع. أكثر من ذلك، هي فكرة غريبة تمَكَّن خصومها من تشويهها واستعداء السلطة ضدها إلى الدرجة التي انتهت بتنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود، وهذا في حد ذاته زاد من اغترابها ومن غربة الجمهوريين. ومما لا شك فيه أن حدث تنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود كان مزلزلا كما وصفه الأستاذ خالد في مقاله التاريخي النادر. ومع أن نظام الرئيس جعفر النميري لم يدم بعد الأستاذ سوى ما يقرب من الثلاثة أشهر إلا أن خصوم الفكرة الجمهورية تمكنوا بعد أقل من أربع سنوات من الوصول إلى الحكم في السودان عن طريق الإنقلاب العسكري.
    النقطة الأخرى هي أنه من حيث التنظير لا يوجد ما يمنع أحدا، جمهوريا كان أم غير جمهوري، من الإتيان بأي فكر مستقل أو تجديد، بالإضافة أو بالحذف، للفكرة الجمهورية. المحك هو المسئولية والثبات أمام التحدي. الأستاذ محمود لم يكتف فقط بتقديم فكرة دعا لها كتابة أو محاضرة أو قيادة حركة من المقتنعين بها، ولكنه عندما جد الجد تقدم كل هؤلاء المقتنعين بفكرته وصدع بمواجهة السلطة الغاشمة بما هو معروف لدى الكثيرين. بدون تقليل من قيمة أي جمهوري، لم يظهر حتى الآن من بين الجمهوريين من يواجه الظلم بمرجعية الفكرة الجمهورية وأسلوبها في المواجهة السلمية والعصيان المدني بالطريقة التي جسّدها الأستاذ محمود.


    يتواصل

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 04-23-2016, 10:03 PM)
    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 04-23-2016, 11:05 PM)

                  

04-23-2016, 10:10 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مواصلة:
    على ضوء رسالة الدكتور عبد الله النعيم الأخيرة للصالون بتاريخ 8 فبراير 2009 والتي قمت بوضعها في هذا الخيط بعاليه، تقدم الأستاذ خالد الحاج ببعض الأسئلة في رسالة للصالون نشرت بتاريخ 5 أبريل 2009:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأخ عبدالله أحمد النعيم
    تحية طيبة
    أرجو أن تكون، وسارة، وبقية أفراد الأسرة على أحسن حال
    هنالك بعض النقاط المتعلقة بطرحك، أود التأكد منها.. أكون شاكراً، لو تكرمت ‏بإفادتي حول ما يأتي:‏
    ‏1.‏ ما هو التعريف المعتمد عندك للدولة.‏
    ‏2.‏ ما هو التعريف المعتمد عندك للسياسة.‏
    ‏3.‏ أنت تستخدم عبارة (المنطق المدني).. لماذا المدني؟! هل لكلمة (مدني) دلالة معينة؟
    ‏4.‏ هل تعتبر طرحك هذا، نهائي أم مرحلي؟إذا كان نهائي، ليس عندي ما أسأل عنه، ‏ولكن إذا كان مرحلياً، ما هو الموضوع النهائي؟
    ‏5.‏ ما هي المرجعية، المعتمدة عندك، حسب طرحك؟ أعني بالنسبة لطرحك، وليس ‏لشخصك.‏
    ‏6.‏ هل لك موقف معين، من استخدام النصوص من القرآن، والحديث، والأقوال ‏العرفانية، أيضاً أنا هنا أتحدث عن هذه النصوص في إطار طرحك.‏
    لك خالص تحياتي
    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة 5/4/2009‏
                  

04-23-2016, 10:15 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في اليوم التالي مباشرة، أي 6 أبريل 2009 كتب الدكتور عبد الله النعيم هذه الرسالة إلى الصالون:

    استاذى خالد الحاج

    اشكرك على هذه الإستيضاحات الإيجابية، وسوف احرص على الرد عليها بأول فرصة ممكنة. وبما انى استضيف استاذا زائرا هذا الأسبوع، فقد لا أجد الفرصة للكتابة حتى نهاية الأسبوع

    مع خالص المحبة ولإحترام
                  

04-23-2016, 10:25 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم السبت 11 أبريل أرسل الدكتور عبد الله النعيم هذه الرسالة إلى الصالون حاوية إجاباته على أسئلة الأستاذ خالد الحاج:

    الأستاذ خالد الحاج
    تحية طيبة مباركة لك والأسرة الكريمة ومن حولكم من الإخوان والأخوات.. معذرة على تأخير هذه الردود الموجزة على تساؤلاتكم بتاريخ الخامس من أبريل، وذلك لإنشغالي بضيافة أستاذ زائر كما ذكرت من قبل.
    وفي ما يلي اعتمد على بعض ما قلت في الكتاب حتى لا أثقل على صديقي علاء الذي يقوم بطباعة هذه الردود.

    ما هو التعريف المعتمد عندك للدولة وللسياسة؟
    أرجو ان تسمح لى بالإجابة على السؤالين الأولين - المتعلقين بتعريفي للدولة والسياسية - معا لتداخل الرد عليهما.
    فالدولة، بإيجاز هي المؤسسات التي تمثل سيادة الشعب بصورة مستمرة، وعلى تعاقب الحكومات التي تعبر عن الإرادة السياسية للأغلبية في الوقت المعين، والتي ربما تتغير في الانتخابات التالية. فوزارة العدل هي المؤسسة المستمرة، ووزير العدل هو مظهر الحكومة الناتجة عن تصارع بين القوى السياسية (الأحزاب) في وقت معين. فبينما يتغير وزير العدل عند تغيير الحكومة، تستمر وزارة العدل كمؤسسة من مؤسسات سيادة الشعب، وكذلك الحال مع وزارة الخارجية، وغير ذلك من مؤسسات الدولة.
    كما أنني أقول في مواقع مختلفة من الفصل الأول والفصل الثالث من هذا الكتاب بضرورة التمييز بين الدولة والسياسية، رغم ارتباطهما القوي ببعضهما البعض.
    وقد ورد في ص 2 من الفصل الأول
    الدولة هي نسيج متشابك من السلطات، والمؤسسات، التي يتم من خلالها حفظ الأمن العام والقضاء وتوفير الخدمات في مجالات مثل الصحة والتعليم والقيام بتحصيل الضرائب وضبط الإنفاق العام. فبحكم طبيعة مهامها ينبغي أن تمثل الدولة الجانب الأكثر استقراراً وتروياً في عمليات الحكم، فيما تكون الحكومة القائمة نتاج للتنافس السياسي اليومي على تحديد وتطبيق السياسات العامة. ولتحقيق مهامها تحتاج الدولة لاحتكار استخدام العنف؛ أي القدرة على فرض إرادتها على عموم السكان. وهذه القدرة على إنفاذ إرادتها بالقوة الجبرية، والتي بلغ مداها وتأثيرها الآن مدى لم تصله من قبل أبداً طيلة التاريخ الإنساني، سوف تأتي بنتائج ضارة بالمجتمع إذا استخدمت بشكل اعتباطي، أو لأهداف فاسدة أو غير مشروعة. لهذا من الضروري إخضاع جميع أعمال الدولة للضوابط الدستورية، وبخاصة المحافظة على حياد الدولة تجاه الدين، بقدر الإمكان، وهو حياد يستدعي اليقظة المستمرة والعمل من خلال عدد من الاستراتيجيات والآليات السياسية، والتشريعية، والتعليمية، وغيرها. كما يتطلب حياد الدولة تجاه الدين والتمييز بين الدولة والسياسة تفاعلاً مستمراً بين أدوات الدولة ومؤسساتها من ناحية، وبين القوى الاجتماعية والسياسية، من ناحية أخرى.
    ويجب التأكيد على حقيقة أن الدولة أكبر وأهم وأكثر دواما من المواقف والتوازنات السياسية اليومية، إذ أنه من الضروري أن تكون قادرة على التوسط بين الرؤى والبرامج السياسية المتنافسة، وفض المنازعات بينها، وهو ما يؤكد على ضرورة احتفاظها باستقلال نسبي، عن قوى المجتمع المختلفة. ولما كان الاستقلال التام للدولة ليس ممكناً، إذ لا يمكنها أن تنفصل عن القادة السياسيين والموظفين الذين يهيمنون على أجهزتها، فينبغي علينا أن نتذكر دائما طبيعتها السياسية. إلا أن هذه الطبيعة السياسية للدولة هي مدعاة لمواصلة السعي والجهد لضمان التمييز بين الدولة والسياسة، حتى يجد المعارضون للحكومة القائمة الحماية والإنصاف لدى مؤسسات الدولة، خصوصا ضد الحكام وكبار الموظفين.
    كما ورد في الصفحات 4 إلى 6 من الفصل الثالث تحت عنوان فرعي "التمييز بين الدولة والسياسية"
    التمييز بين الدولة والسياسة، والذي طرحناه مسبقا في الفصل الأول، هو يصعب تخيله من الناحية التجريدية، ولكن المحافظة عليه ضرورية من الناحية العملية قدر الإمكان. الصعوبة تكمن في الحقيقة البديهية الظاهرة لنا في أن الدولة ليست بوحدة قائمة بذاتها ويمكنها العمل باستقلال عن البشر الذين هم الناشطون الحقيقيون خلف ستار السلطة المؤسسية للدولة. لكن، وبسبب هذه الطبيعة السياسية للدولة تحديدا، من الضروري المحافظة على هذا التمييز المتشابك بين الدولة والسياسة، لضمان أن لا يستغل عملاء الدولة سلطاتهم من خلالها ليروجوا لرؤاهم الخاصة التي تخدم مصالحهم الضيقة. على سبيل المثال فإن القضاة يُفترض بهم أن يطبقوا القانون الرسمي والمعتمد للبلاد، بغض النظر عن رؤاهم الخاصة أو رغبة الحكومة الحالية، لكن هذه الرؤى الخاصة، بالإضافة لسياسة الحكومة، ستؤثر في الغالب على طريقة تفسير القضاة وتطبيقهم للقانون بخصوص حقائق القضايا المعروضة عليهم. في مثل هذه الحالة فإن التمييز بين الدولة والسياسة المقصود به ضمان أن يطبق القضاة القانون رغم تأثير رؤاهم وسياسة حكوماتهم. هذا التشابك يزداد تعقيدا نظراً لأن الرؤى والمعتقدات الخاصة للقضاة في الدول الديمقراطية تؤخذ بعين الاعتبار عند تعيينهم، وأن سياسة الحكومة قد تعكس بالتأكيد رغبة أغلبية المواطنين. على أية حال، فإن التساؤل قائم حول ما إذا كان من الممكن إنسانيا للقضاة أن يعملوا بحياد ونزاهة تامة؟ وكيف يمكن الحكم على ذلك من ناحية الممارسة؟
    .........
    وإجمالا فإن شرعية وكفاءة الدولة تعتمد على الموازنة بين ارتباطها بالقوى الإجتماعية والسياسية من ناحية وحاجتها للحفاظ على استقلاليتها من التأثير الزائد لتلك القوى من ناحية أخرى. ومن اللافت للانتباه، أن الدولة كلما كانت عميقة الجذور في المجتمع كلما كان احتمال ضعف استقلاليتها منخفضا، إذ أن تعدد وسعة التنافس بين الفئات أو المجتمعات ذات المصالح المختلفة سيساعد الدولة على المحافظة على توازنها فيما يخص درجة التأثير التي تملكها أي مجموعة من هذه المجموعات عليها. استقلالية الدولة تكون أيضا أقل عرضة للتهديد من جانب مجموعة ما، أو عدد صغير من المجموعات، عندما تكون بنية الدولة مركزية ومحكومة بقواعد واضحة بين الأجهزة المتخصصة. وفيما لا يتسع المجال لتناول تفاصيل أكثر عن هذه النظريات المختلفة حول الدولة والسياسة، آمل أن نستفيد من العرض السابق حول دينامية العلاقة بين الدولة والمجتمع وبين الدول والسياسية في بحث سؤالنا الأساسي هنا: كيف يمكن موازنة العلاقة بين الدولة والمجتمع، أو بين الدولة والسياسة، عبر آلية المنطق المدني.

    أنت تستخدم عبارة (المنطق المدني) لماذا المدني؟ هل لكلمة مدني دلالة معينة؟
    المنطق المدني هو الخطاب الذي يعتمد على مرجعية المواطنة وليس المرجعية الدينية العقائدية التي يختلف فيها الناس بالضرورة. وكلمة "مدني" هنا هي ترجمة لكلمة "Civic" باللغة الإنجليزية، فالدلالة هي للمفهوم المقصود وليس للمصطلح، فكلما يؤكد السعي لمرجعية مشتركة بين عامة المواطنين، وليس المرجعية الدينية بين أصحاب العقيدة الواحدة يؤدي الغرض من كلمة "مدني" في هذا السياق.
    المنطق المدنى هو منهج فى الحوار فى ألإمور العامة وليس اى محتوى محدد من اى منظور فلسفى، دينى أو مفهومى معين. والغرض من وراء هذا المنهج هو مقدرة كل منا على اقناع الآخرين بالحجج ووسائل الخطاب التي لا تعتمد على العقيدة الدينية. وينبي قولي هذا على أن الدين هو قائم على العقيدة دائما، حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الإعتماد عليها.
    وقد ورد في ص 4 من الفصل الأول من الكتاب
    ... فالتزام أحكام الشريعة يجب أن يقوم على النية الخالصة وهذا لا يستقيم مع الإرغام الجبري للدولة. وهذا القول لا يمنع المسلمين من اقتراح السياسات والتشريعات التي توافق عقيدتهم الدينية، كما هو حق لكل مواطن، ولكن عليهم أن يدعموا اقتراحهم ذاك بما أسميه "المنطق المدني". وكلمة "مدني" هنا ترجع إلى الحاجة إلى الإعلان عن منطق السياسة أو التشريع المقترح، وإلى ضرورة أن تبقى عملية الحوار العام حوله علنية ومتاحةً لكل المواطنين. وذلك حتى لا تكون أمور الحكم والقانون قائمة على أساس فرض عقيدة البعض على الآخرين. بالمنطق المدني أعني إذن وجوب ارتكاز التشريع أو السياسة العامة إلى المنطق المشاع، الذي يمكن لكل مواطن أن يقبله أو يرفضه، أو يقدم البديل من المقترحات، من خلال الحوار العام، دون الاعتماد على دينه أو مزاعم تقواه. المنطق المدني، لا المعتقدات أو الدوافع الشخصية، هو أساس التشريع والسياسات العامة، سواءً كان المسلمون أغلبيةً أو أقليةً، في مجتمعهم الذي يعيشون فيه.
    ليس من المتوقع أن ينصاع الناس جميعاً لمتطلبات المنطق المدني، منذ الوهلة الأولى لأن ذلك يأتي عن قناعة قائمة على الدوافع الداخلية. من الصعب أن نعلم لماذا يصوت الناخبون بشكل معين، أو كيف يبررون اختياراتهم السياسية لأنفسهم. المطلوب هو الدعوة إلى المنطق والتفكير المدني، وتشجيعهما، مع إضعاف نزعة الاعتماد على المعتقدات الدينية أو المذهبية الشخصية فى ألتأسيس والحوار على أساسها في مجال السياسة العامة والقانون. ولا يصح افتراض أن المهيمنين على الدولة محايدون في أداء أعمالهم الرسمية، لأن الناس يتصرفون وفقاً لمعتقداتهم، ومبرراتهم، الشخصية. ولكن الدعوة إلى تقديم أسباب موضوعية للسياسة العامة، ومناقشتها بشكل عام ومفتوح، وفقاً لمنطق يستطيع الجميع أن يقبلوه أو يرفضوه بحرية، ستؤدي تدريجياً إلى تشجيع وتطوير إجماع أوسع، بين عامة المواطنين، يتجاوز المعتقدات المحدودة، دينيةً كانت أو مذهبية فلسفية. والمقدرة على إظهار ألوان من المنطق، ثم الجدال حولها على أساس مدني، موجودة فعلاً في العديد من المجتمعات. لذا، فإن ما أدعو إليه هو دفع هذه العملية بصورة متعمدة وشاملة، وليس المطالبة بفرضها كاملةً على نحو فوري. وآمل أن تصبح هذه الدعوة لممارسة وتطوير المنطق المدني أكثر وضوحاً، مع ما سيرد من بيان في هذا الفصل، وما يليه من فصول.
    ......
    ومع الأخذ في الاعتبار الملاحظات التى اوردتها من قبل (فى هذا الفصل) عن معالم الدولة الحديثة وأهمية تمييزها من السياسة، سأعرض فيما يلي لعدد من النقاط المتعلقة بمفهوم المنطق المدني:
    1. لا بد أن يكون مجال المنطق المدني محميا من قبل الدولة، بحيث تحول بنية الدولة دون أن تقوم أي حكومة أو أي مجموعة اجتماعية معينة بالتحكم فى مجراه. فالمطلوب هو أن يكون مجال ألمنطق المدني متوفرا ومقبولا لجميع المواطنين، من جميع فئات وطوائف المجتمع، مما يجعله مرتبطا بالدولة ذاتها، وليس بحكومة معينة.
    2. وبناء على ذلك فإن مجال المنطق المدني يجب أن يكون محميا بواسطة المؤسسات الدستورية وضوابط حقوق الإنسان والمواطنة، كما نناقشها في هذا الفصل. لكن، وبالرغم من أن هذه العناصر المتعلقة بالتنظيم السياسي والقانوني للدولة ضرورية جدا، إلا أنها ليست كافية، لأنها نفسها عرضة للإستغلال السياسي. ...... لذلك فإنه من الضروري المتابعة والمثابرة المستمرَّين لتوفير ضمانات في إطار الدستورية وحقوق الإنسان والمواطنة على نحو يحول دون التلاعب بقواعد وممارسة المنطق المدني لخدمة رغبات الحكومة أو مصالح أي فئة صغيرة دون غيرها من المواطنين .
    3. يجب أن لا تسعى الدولة إلى التأثير على مسار المنطق المدني، على سبيل المثال عن طريق تضييق نطاق المشاركين في الحوار العام أو التمييز ضد بعض المجموعات الدينية أو الفئات المجتمعية أو الأقليات. بل على العكس، يجب أن تعمل الدولة على إتاحة الفرصة وتسهيل قيام أكبر عدد من المواطنين، كأفراد وجماعات، بالمشاركة في إدارة الحوار حول أمور بالسياسة العامة عبر أدوات المنطق المدني. غير أن الأمر لن يكون سهلا، إذ أن الحكومات التي تتصرف باسم الدولة ستحاول غالبا التحكم في ممارسة المنطق المدنى لخدمة مصالحها.
    4. بينما يتعين على الدولة أن توفر الحد الأدنى من تنظيم علاقات المنطق المدني، يجب أن يبقى هذا المجال مدعوما في الجانب الأكبر من جانب المجتمع المدني. بعبارة أخرى بينما تنظم الدولة ميدان المنطق المدني، يجب أن يبقى مجاله مستقلا وغير تابع لمؤسسات الدولة. هذه التسوية ستضمن استقلالية الدولة في نفس الوقت الذي تقوم فيها برعاية تعددية الناشطين المجتمعيين والسياسيين، وستسمح أيضا بتمكين مجريات الحوار والنقاش وبناء التوافقات بين هؤلاء الناشطين بالنسبة للأهداف السياسية.
    (إنتهى التنصيص من الكتاب)

    هل تعتبر طرحك هذا نهائي أم مرحلي؟ إذا كان مرحليا، ما هو الموضوع النهائي؟
    اعتبر هذا الطرح مرحلي، والموضوع النهائي عندى هو تحقيق الرسالة الثانية من الإسلام.

    ما هي المرجعية، المعتمدة عندك، حسب طرحك؟ أعني بالنسبة لطرحك، وليس لشخصك؟
    المرجعية المعتمدة عندي بالنسبة لطرحى هذا في شئون الحكم وإدارة الدولة هي المواطنة، لأنها هي المرجعية المشتركة لدى جميع المواطنين فى كل قطر. وهذه المرجعية تمكن جميع المواطنين من اعتماد مرجعيتهم الدينية الخاصة بهم في كل أحوالهم وتصرفاتهم في حدود القانون الدستوري. وهكذا فإني أرى أن هذه المرجعية المعتمدة عندي في موضوع طرحي هذا تتسق مع مرجعيتي الدينية الخاصة بي، وهي الفكرة الجمهورية، ولا تتعارض معها.

    هل لك موقف معين، من استخدام النصوص من القرآن، والحديث، والأقوال العرفانية، أيضا أنا هنا أتحدث عن النصوص في إطار طرحك؟
    موقفي من استخدام مثل هذه النصوص في إطار طرحي يعتمد على اعتبارين:
    أولا: اعتقد أن حجية هذه النصوص وقدرتها على الإقناع تعتمد على الإطار المفهومي والمشترك. فحتى بين المسلمين لا يجد النص حجيته ولا يخدم غرض الإقناع إلا بين من بينهم أرضية مشتركة في فهم النص وعلاقته بالموضوع.
    ولكن السبب الثاني والأهم عندي لعدم استخدام النصوص في هذا الكتاب هو أن خطابي هو من باب "المنطق المدني" الذي يسعى لإقناع عامة المخاطبين من غير الاعتماد على المرجعية الدينية العقائدية بين المسلمين أو غيرهم من اصحاب ألأديان أو المذاهب الفلسفية.
                  

04-24-2016, 04:03 AM

Kostawi
<aKostawi
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 39980

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)



    هل تعتبر طرحك هذا نهائي أم مرحلي؟ إذا كان مرحليا، ما هو الموضوع النهائي؟
    اعتبر هذا الطرح مرحلي، والموضوع النهائي عندى هو تحقيق الرسالة الثانية من الإسلام.


    اختلفت الوسائل و الهدف واحد

    (اذا "العكة عكة و سائل،
    based on السؤال و الاجابة above)

    تعليقي أعلاه لا يعني كثيرا
    بل ربما يفتح حزمة من شعاع .......

    أفتحوا "منتدى الفكرة" للعالم
    للمناقشة...و للأخذ و الرد....
    الخوف من شنو؟

    لو المنتدى بتاع "cult .com"
    برضو وضحوا لينا...

    رحم الله صديقي بشير بكار
    و رحم الله صديقي متوكل مصطفى

    و تحيتي لكل أصدقائي الجمهوريين و هم كثر

    رحم الله من قال:
    "الحرية لنا و لسوانا"
                  

04-24-2016, 07:57 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Kostawi)

    عند موائد الكرام (1)

    كتب الدكتور ياسر الشريف :طوال ما يقرب من ستة أسابيع بين مقال الأستاذ خالد الحاج الأول الذي اقتطفت منه المحاور الثلاثة أعلاه استمرت الكتابة من عدد مقدر من الجمهوريين في الصالون ولكن سأختار مقالات الأستاذ خالد ابتداء من يوم 14 فبراير 2009 فهي تحوي الكثير الذي يلقي الضوء على كتاباته اللاحقة:وقطفنا من حديث الأستاذ / خالد الحاج ما يلي :
    {4. خارج الفكرة، بالطبع يمكن لأي انسان، أن يدعو لما يشاء؛ أما داخل الفكرة نفسها، فلا يحق لأي انسان، جمهوري أو غير جمهوري، أن يضيف أي شيء أساسي أو يحذف شيئاً من الفكرة، كما هي عند صاحبها، وورد الخطاب بها.}

    قرأت النص المنقول عن الأستاذ " خالد الحاج أعلاه من مقالاته التي جلبها لنا دكتور ياسر الشريف . وكنت قد قرأتها من قبل ، وشغلتنا الشواغل عن المتابعة الدقيقة ، ولكني اليوم استدعي الخيط عن " الفكر الجمهوري " بعيداً عن خلاف الأفراد ، ولكنه يصبّ في أصل الفكرة ، وفي ذات المعنى ولو بَعُد قليلاً : وهو الدعوة إلى التعميق في التأويل ، ومنهج المتصوفة ، الذين يعتد بحديثهم كثيراً الأستاذ محمود في استشهاده ، أراه هو المُتكأ .

    (1)

    لستُ إلا مُحباً لنهج الجمهوريين وأستاذهم صاحب اكتشاف الرسالة الثانية ( المُضمرة في النص القرآني الكريم ) ، ولستُ منتمٍ إليهم ولا لغيرهم . ليس عن ضيق صدرٍ بما عندهم من مواعين أو إبداع عقدي في الفكر والنقاش والتأويل ، بل لأن العقل البشري ليست له حُدود ، يرغب عن الذي يربطه بقيود . وما يفتح إبداعه في كنوز التأويل، إلا صاحب الوقت جلّت عظمته . وهو مسيّر الأمور لما ينبغي أن تسير . ولم يكن الحوار والنقاش إلا بمثل تمهيد الطريق للمعرفة وكل الذين قرأوا الفكرة عن صاحبها من مورد حديثه الرفيق ، ومن منطق مقولته العظيمة ( نحن نحتفي بالفكر المُخالف ) ، ومن كتاباته المكتوبة " مع التدقيق على المنقول " ، ومن محاضراته الشفهية ، فهو مُفكر في التأويل عظيم دون شك . وأن اكتشاف تأويل الفكرة عند محبسه الأول لهو فتحٌ لو تعلمون عظيم . وأن موهبة الكشف عن الرسالة الأولى والرسالة الثانية ، رغم عظمتها من تأويل فإنها تيسرت بأمر الله . وما كانت له إلا بعد صبر صبراً جميلاً وارتقى في المعرفة الربّانية . فإن مولانا جاعل من بشره رُسلاً ، ولا تحُد صنعته حدود . وكلكم تذكرون أن الأستاذ ، طيب المولى ثراه ، كان يتحدث عن الزمان ويقول ( القرن العشرين ) . وذلك ليس عيباً في نص الفكرة أو تقليلاً من شأنها ، ولكنه مفتاح ربطه المولى بأنه هو صاحب الإبداع ، فحدد للأستاذ زمانه . وقادر هو على الكثير الذي لم نزّل نجهل وفق ما أرى . ولم يكُن ذكر القرن العشرين ولا ذكر الرأسمالية ، ولا ذكر الاشتراكية ، وهي أمثلة جرى ذكرها عند الأستاذ إلا لنستبين عظمة المولى في أن لكل زمان أهله الذين اصطفاهم لمهام جسيمة في الفكر ، ولكنها في المقام الأول تُكشف أن الرب أعلى مما نتصور وقادر على خلق المؤولين الذين اختصهم بالرسائل المُضمرة في النصوص : الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ....الخ ، بقدر حاجة الزمان .

    (2)

    لم تكُن الفكرة إلا تأويلاً ، ولم يكن صاحبها ومؤلها معصوماً ، ولم تكُن هي معصومة ، إلا بالقدر الذي ييسره المولى ، لكل زمان – لن أقول رجاله – بل من يختارهم المولى وييسر لهم التأويل الأدق الذي يناسب عصرهم في الطريق إلى الله . قد تبدو الفكرة عن الرسائل المتعددة في علم الغيب ، وربما هو قول من هوّ خارج الفكرة ، وقد تكون من صُلب الفكرة . ولستُ مُدعيا أني صاحب رسالة ، ولا ينبغي لي . فليس لديّ من مقدار العِلم اللَدُّني إلا أني أعرف أنه مُرتجى السالكين ، ولن نخرج من النص القرآني الفخيم الذي لم يزل يتحدث الأستاذ عظّم المولى سره فيه:
    المنقول من الذكر الحكيم :

    (أ)
    { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ }﴿الانشقاق: ٦﴾
    (ب)
    { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا }(65) الكهف
    (ج)
    { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) البقرة

    (3)

    نعود إلى حديث الأستاذ محمود عظم المولى سرّه ، فقد كتب عبارات بليغة عن العقوبات :

    (أ)
    المنقول من الرسالة الثانية من الاسلام :الشريعة في خدمة الحرية الفردية المطلقة:{وقانون المعاوضة على مستويين : مستوى الحقيقة ، ومستوى الشريعة ، وبينهما اختلاف مقدار ، لا اختلاف نوع .. فقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة قوامه قوله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
    ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وقانون المعاوضة في مستوى الشريعة قوامه قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} .
    (ب)
    وقانون المعاوضة ـ القصاص ـ قانون ينبع من أصل في الحياة أصيل ، فهو ليس قانون دين بالمعنى المألوف في الأديان ، ونحن حين نقرر أن تشاريع الإسلام مبنية على القصاص ، إنما نعني الإسلام في حقيقته ، لا في عقيدته ، والإسلام في حقيقته ليس دينا بما ألف الناس عن الأديان ، وإنما هو علم ، وما مرحلة العقيدة فيه إلا مرحلة انتقال إلى المرحلة العلمية منه .. مرحلة الشريعة فيه مرحلة انتقال إلى مرتبة الحقيقة حيث يرتفع الأفراد ، من الشريعة الجماعية ، إلى الشرائع الفردية ، التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة .
    (ج)
    القرآن والجبر والاختيار :فالقرآن ساق معانيه مثاني .. معنى قريبا في مستوى الظاهر ، ومعنى بعيدا في دقائق الباطن ، ولكن أصحاب الرأي لم يفطنوا إلى ذلك ، فجعلوا الآيات التي تجاري أوهام الحواس ، والتي تجاري أوهام العقول ، سندهم ، وبنوا عليها علمهم ، فضلوا كثيرا وأضلوا.
    (د)
    التسيير خير مُطلق :. فالعقاب ليس أصلا في الدين ، وإنما هو لازمة مرحلية ، تصحب النشأة القاصرة ، وتحفزها في مراقي التقدم ، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب ، فيوضـع عنها إصـره ، وتبـرز نفـس إلى مقام عـزها .

    (4)

    والآيات السابقة هي مفاتيح لمن يتأمل .كنتُ دائماً أمني نفسي بأن يجتهد تلامذة الأستاذ محمود محمد طه عظّم المولى سره وخاصة المقربين من وهج " الفكر’ " ، أن يُكملوا ما كتب الأستاذ من فِكر وما أوّل . وقد أضطر هو وفق ما تعمقت في قراءة ما كتب ، قبل أن يصيغ عبارة (فالعقاب ليس أصلا في الدين ) . وهو تأويل أظنه لم يفصله في واقع زمانه ذاك . وهي من مفاتيح الأعمال التي سوف تسير مع الزمان لتتراجع ( العقوبات ) إلى مجتمع الرسالة الأولى ، بعد استكمال الرسالة التي ظلت مفتوحة للتأويل ، إن لم تكُن هنالك رسالة ثالثة لم تزّل خفية علينا في علم الغيب ، والرب جلّ جلاله هو القادر على تيسير ذلك باصطفاء واحد أو عدد من عِباده ليكملوا شوط التأويل في مساره السرمدي خلال وجود الإنسان في الكون.

    التحية للإخوة الجمهوريين ولصاحب الفكرة عظم المولى قدره... وجميع شركاء الملف
    .*

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-24-2016, 07:59 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-24-2016, 08:38 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-24-2016, 08:57 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-26-2016, 03:30 AM)

                  

04-24-2016, 02:56 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    شكرا الأخوين نصر الدين هجام "كوستاوي" وعبد الله الشقليني على ما تفضلتما به.

    ياسر
                  

04-24-2016, 03:51 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    أنكر علي بعض الإخوان الكرام في صالون الجمهوريين قولي التالي، والذي كنت قد كتبته بعاليه:

    النقطة الأولى هي أنه لا يزعم أحد من الجمهوريين، فيما أعلم، الاجتهاد في الجانب النظري من الفكرة الجمهورية كما جاءت على لسان وقلم الأستاذ محمود. طبعا الفكرة الجمهورية لا تزال في حيز التنظير إذ لم تحظ بفرصة التطبيق على أرض الواقع في مسائل الحكم والاقتصاد والمجتمع. أكثر من ذلك، هي فكرة غريبة تمَكَّن خصومها من تشويهها واستعداء السلطة ضدها إلى الدرجة التي انتهت بتنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود، وهذا في حد ذاته زاد من اغترابها ومن غربة الجمهوريين. ومما لا شك فيه أن حدث تنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود كان مزلزلا كما وصفه الأستاذ خالد في مقاله التاريخي النادر. ومع أن نظام الرئيس جعفر النميري لم يدم بعد الأستاذ سوى ما يقرب من الثلاثة أشهر إلا أن خصوم الفكرة الجمهورية تمكنوا بعد أقل من أربع سنوات من الوصول إلى الحكم في السودان عن طريق الإنقلاب العسكري.
    النقطة الأخرى هي أنه من حيث التنظير لا يوجد ما يمنع أحدا، جمهوريا كان أم غير جمهوري، من الإتيان بأي فكر مستقل أو تجديد، بالإضافة أو بالحذف، للفكرة الجمهورية. المحك هو المسئولية والثبات أمام التحدي. الأستاذ محمود لم يكتف فقط بتقديم فكرة دعا لها كتابة أو محاضرة أو قيادة حركة من المقتنعين بها، ولكنه عندما جد الجد تقدم كل هؤلاء المقتنعين بفكرته وصدع بمواجهة السلطة الغاشمة بما هو معروف لدى الكثيرين. بدون تقليل من قيمة أي جمهوري، لم يظهر حتى الآن من بين الجمهوريين من يواجه الظلم بمرجعية الفكرة الجمهورية وأسلوبها في المواجهة السلمية والعصيان المدني بالطريقة التي جسّدها الأستاذ محمود.



    الحقيقة البسيطة هي أنه لا يوجد ما يمنع إنسانا ما، جمهوريا كان أم غير جمهوري، من حقه في التفكير والتعبير، خاصة أن الفكرة الجمهورية كما قلت لم تجد حظها في التطبيق في مسائل الحكم والاقتصاد والاجتماع، وجاء في أدبياتها أن الرسالة الثانية سوف يطبقها المسيح المحمدي. الفكرة الجمهورية ليست مملوكة لأحد، والجمهوريون ليس فيهم من يستطيع أن يدّعي أنه مرجعية تمنع أحدا من التفكير والتعبير. هذا ما أردت قوله. طبعا هذا لا يعني أن لا ينبري أحد الجمهوريين بالنقد والتصحيح لمثل هذا الشخص، والمسألة سوف تكون متروكة لقبول المتلقي أو رفضه. أرجو أن تكون نقطتي قد وضحت. ولمصلحة الجدل أريد أن أذكِّر إخواني الذين أنكروا، أو الذين سوف ينكروا، بأمور معينة. لقد ذكَّرنا الأستاذ خالد بالتالي:
    ((مرجعية الفكرة الأساسية، هي ما طرحه صاحبها من أفكار، مكتوبة، أو مسجلة صوتياً، أو ما سمعها عنه أحد الناس، متى ما تمت صحة النقل. وفوق ذلك كله حياته، ثم أبناؤه وبناته الذين تمت تربيتهم على يديه، فهم كتبه أيضاً.)) فما رأي هؤلاء الأخوان وما رأي الأستاذ خالد فيما كتبه أحد الأخوان الجمهوريين في الصالون عن أمر قاله الأستاذ في ندوة عامة وشهد عليه كبير الأخوان الجمهوريين، الأستاذ سعيد الطيب شايب. كتب ذلك الأخ الجمهوري ما يلي:

    حديث الأستاذ في ندوة عامة للجمهور بمدينة ود مدني أن أي فكرة إذا مات صاحبها قبل أن تنتصر فهي فكرة باطلة، وعندما سئل الأستاذ ماذا تعني بتنتصر قال يعني تحكم.. فقيل له: هل ينطبق ذلك علي الفكرة الجمهورية؟ قال نعم.. وهذا ما إستدل به أستاذ سعيد عندما أرسل عبد الله النعيم ورشيدة محمد فضل الى المعتقلين بعد التنفيذ ليذكرهم بهذه القولة حتى يوقع كل معتقل علي التعهد ويخرج ليفكر في هذا الأمر لوحده.. وقد إستنكر بعض الأخوان أن يقول سعيد مثل هذا القول. فصادف أن إجتمعنا بعد أيام في صالون سعيد وكان مكتظاً بالأخوان فسألته عن هذه الحادثة فأثبت صحتها وطلب من بعض الإخوان الحاضرين شهادتهم وكلهم أقر بحضور هذه الندوة وصحة الحديث المذكور.

    هذا الحديث يعطي من شاء من الجمهوريين أن يفهم ما لم يكن مطروحا في دائرة حركة الجمهوريين قبل الثامن عشر من يناير الشهير، وهو ما استقر عليه تيار كبير من الجمهوريين بعد حين من تنفيذ حكم القتل على الأستاذ، ويتلخص في أن الأمر لم ينته بذلك الحدث، وإنما له ما بعده وهو نزول المسيح لنصرة الرسالة الثانية من الإسلام. وبقليل من الاستنتاج ندرك أن نفس هذا الحديث يعطي من شاء من الجمهوريين أن يأتي بمقترحات مرحلية كما حدث مع الدكتور عبد الله النعيم مثلا أو ما فعله مجموعة من الجمهوريين عندما وقعوا على بيان للمرحلة سيأتي تفصيله في ما يقبل من سرد.
    المشكلة الحاصلة الآن هي أن الأستاذ خالد سمح لنفسه باتهام الدكتور عبد الله النعيم بتعمد تشويه الفكرة الجمهورية وأنه يشترك في مؤامرة ضد الإسلام وضد الفكرة الجمهورية يدبرها ويقودها الغرب، وبالتحديد أمريكا. ليس ذلك فحسب وإنما وقف معارضا لإنشاء مركز الأستاذ محمود الثقافي في أمدرمان كمنظمة مجتمع مدني، ووقف معارضا لسعي بعض الأخوان على رأسهم الأستاذة أسماء لتأسيس الحزب الجمهوري في السودان، وكل هذا موجود في المقالات التي نشرها في سودانيز أونلاين وبعض المواقع الأخرى.

    يتواصل.....
                  

04-25-2016, 03:20 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    هذا الملف يتعين أن يكون عالياً
                  

04-25-2016, 08:05 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    تسلم يا صاحب الرؤى
    فإني كلما أتذكرك أتذكر بوستك ذاك ومقالك الباذخ
    http://sudaneseonline.com/board/265/msg/-%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b7%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%a4%d9%8...85-.-1241484081.html

    ويطيب لي وضع مداخلتي التالية والتي كانت بتاريخ 21 يناير 2007:




    ))((عزيزي عبد الله الشقليني،

    لك مني المودة والإحترام والسلام..

    بوستك هذا واحة من واحات المنبر.. وأنا لما وجدته فيه لا أريد أن أعيد إليك "كوريتك" فاضية كما يقول أهلنا السودانيون الطيبون.. فأرجو أن تسمح لي بأن أهديك وأهدي زوار بوستك حديث الأستاذ محمود للجمهوريين في يوم 6 فبراير 1983، يعني قبل أربعة أشهر من اعتقاله.. وكان الجمهوريون قد عادوا من مؤتمر للحركة في جامعة الجزيرة وفي بداية الجلسة التي تحدث فيها الأستاذ هنا كان الجمهوريون قد نقلوا انطباعاتهم عن ذلك المؤتمر.. الحديث يستحث فيه الأستاذ الجمهوريين على ضرورة التحلي بالأدب.. الحديث اشتهر "بحديث الأدب".. وقيمته في بوستك هذا تنبع من تعليم السيد المسيح بأن يخرج أحدنا العود من عينه أولا ثم يقول لأخيه أن في عينه قذى.. وهو أحد أوجه الشبه العظيمة بين تعليم الدين الإسلامي فيما قدمه الأستاذ محمود وتعليم السيد المسيح.. هذا التسجيل لم يسبق أن نشر على الناس خارج نطاق الجمهوريين، وأرجو أن يجيء الوقت الذي يتمكن الجمهوريون فيه من التركيز على التعريف بالأستاذ محمود وبأحاديثه ونشرها بين الناس.. [ملحوظة: جبريل المذكور في حديث الأستاذ محمود هو الأخ جبريل محمد الحسن وهو على ما أظن دفعتك في كلية الهندسة..]


    بالضغط هنا:
    http://assaloon.org/audio/aladab.mp3http://assaloon.org/audio/aladab.mp3

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 04-25-2016, 11:59 AM)

                  

04-25-2016, 10:41 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    عفواالرابط الذي وضعته بعاليه تم تغييره الآن. هذا هو الرابط الصحيح ولكنه يظهر مكررا مرتين فأرجو ممن يريد الاستماع أن ينسخ رابط واحد من الرابطين المكررين ثم يضعه في محرك بحث

    alsaloon.org/audio/aladab.mp3

    ورابط بوست الشقليني هو
    محمود محمد طه في رؤى الأحلام . محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 04-25-2016, 04:52 PM)

                  

04-25-2016, 01:24 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    هذا السؤال جاء إلي في صالون الجمهوريين:
    هل فعلاً انت بتفتكر انو الفكرة الجمهورية باطلة، لانك شايف انو صاحبها مات قبل ان تطبق؟

    وكان تعليقي كالتالي:

    لو أنا بفتكر أنو الفكرة الجمهورية باطلة لماذا أقول أنني جمهوري حتى الآن؟
    ــــــــ
    والآن أفصِّل:
    فقد سبق في هذا البوست أن استشهدت بما كتبه الأستاذ خالد الحاج في مقال له عام 1998 وهو:

    فقد سمعت كلاماً واضحاً في السبعينات عن ما أصطلحنا في ما بعد على تسميته بالتنفيذ.. قال الأستاذ: كل ما حدث للمسيح الاول تحدث صورة منه للمسيح الثانى.. بما في ذلك الصلب!! حاولت أنا شخصياً أن أعطى الأمر تفسيراً معنوياً، فتحدثت عن الصلب بمعنى حل التعارض بين العقل الواعى والعقل الباطن، أو شىء في هذا المعنى.. قال الأستاذ: لا.. الصلب الحسى.. ولقد انزعجت وقتها انزعاجاً شديداً، وأصبحت لا استطيع النوم المتواصل، وقد استمرت هذه الحاله لأكثر من شهر.. ثم نسيت!! نعم نسيت، وهذا أمر محير، وأعتقد أن له دلالة روحية إلى جانب الدلالة النفسية.. وأنا الآن استطيع أن اقول أننى لم انس، وانما أُنسيت!! وأعتقد أن الموقف كله كانت فيه حكمة تتعلق بانضاجنا روحياً وفكرياً وعاطفياً.. ولقد ظل الامر مرفوضاً عندى حتى بداية مساء 17 يناير 1985م.. وفى ذلك المساء تأكد لى التنفيذ.. وعندما تم التنفيذ وكنا بمنزل العم أحمد عمر بكوبر، ونسمع صوت المايكرفون، شعرت بسكينة حقيقية تتنزل على، وأعتقد أن هذا كان حال كل الأخوان والأخوات.
    انتهى..
    ياسر
                  

04-25-2016, 03:06 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم 21 يوليو 2009 كتب الأستاذ خالد الحاج مقالا حول طرح الدكتور النعيم معلقا على إجابات النعيم على أسئلته:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مواصلة الحوار حول طرح الأخ عبد الله
    المنطق المدنـي (1)


    قبل الدخول في مناقشة، مضمون، طرح الأخ عبد الله، نبدأ بمناقشة منهجه في التفكير، ذلك الذي اسماه (المنطق المدني).. وسنجري مناقشة هذا الجانب في حلقتين: الحلقة الأولى مناقشة المنطق المدني، من حيث المبدأ، والحلقة الثانية سنناقش تطبيق صاحبه له.
    حول المنطق المدني جاء من أقوال الأخ عبد الله: "كيف يمكن موازنة العلاقة بين الدولة والمجتمع، أو بين الدولة والسياسة، عبر آلية المنطق المدني
    المنطق المدني هو الخطاب الذي يعتمد على مرجعية المواطنة وليس المرجعية الدينية العقائدية التي يختلف فيه الناس بالضرورة وكلمة (مدني) هي ترجمة للكلمة Civic باللغة الانجليزية، فالدلالة هي للمفهوم المقصود وليس المصطلح، فكل ما يؤكد السعي لمرجعية مشتركة بين عامة المواطنين، وليس المرجعية الدينية بين اصحاب العقيدة الواحدة يؤدي الغرض من كلمة (مدني) في هذا السياق.
    المنطق المدني هو منهج في الحوار، في الأمور العامة، وليس أي محتوى محدد من أي منظور فلسفي، دين أو مفهومي معين. والغرض من وراء هذا المنهج هو مقدرة كل منا إقناع الآخرين بالحجج، ووسائل الخطاب التي لا تعتمد على العقيدة دائماً، حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الاعتماد عليها"
    "بالمنطق المدني أعني إذا وجوب ارتكاز التشريع أو السياسة العامة على المنطق المشاع ، الذي يمكن لكل مواطن أن يقبله أو يرفضه أو يقدم البديل من المقترحات ، من خلال الحوار العام، دون الاعتماد على دينه أو مزاعم تقواه. المنطق المدني، لا المعتقدات أو الدوافع الشخصية، هو أساس التشريع والسياسات العامة، سواء كان المسلمون اغلبية أو أقلية في المجتمع الذي يعيشون فيه.. "
    "المطلوب هو العودة الى المنطق والتفكير المدني، وتشجيعهما، مع اضعاف نزعة الاعتماد على المعتقدات الدينية أو المذهبية الشخصية في تأسيس الحوار على أساسها في السياسة العامة والقانون. ولا يصح افتراض أن المهيمنين على الدولة محايدون في آدآء اعمالهم الرسمية، لأن الناس يتصرفون وفقاً لمعتقداتهم، ومبرراتهم الشخصية" انتهى

    أهم نقاط المنطق المدني، كما وردت في النص:
    1. هو آلية الحوار، ومنهج له، تقوم على مرجعية مشتركة بين عامة المواطنين ـ هو المنطق المشاع الذي يمكن لكل مواطن أن يقبله أو يرفضه أو يقدم البديل من المقترحات، من خلال الحوار العام، دون الاعتماد على دينه، أو مزاعم تقواه.
    2. لكي تتحقق للمنطق المدني، صفة العمومية المذكورة، يجب أن يعتمد الخطاب على مرجعية المواطنة، وليس المرجعية الدينية، وذلك لأن الدين قائم على العقيدة دائما حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الاعتماد عليها.. والمنطق المدني منهج في الحوار وليس أي محتوى محدد من أي منظور فلسفي ديني أو مفهومي معين.
    فالأمر كله يقوم على بعدين أساسيين: مطلب العمومية والشمول الذي يشمل كل الناس في الحوار.. واستبعاد ما يحول دون هذه العمومية، بالذات الدين.
    لقد قام الأخ عبد الله بشرح استخدامه لكلمة (مدني)، ولكنه ترك شرح كلمة (منطق)، ربما لأنها كلمة معروفة، وهي فعلاً معروفة، ولكن بخلاف استخدام عبد الله لها، فعلينا نحن أن نعرف الكلمة.
    المنطق ببساطة شديدة هو التفكير السليم، الذي تؤدي فيه المقدمات الى نتائجها دون خلل، فهو يقوم على فن الاستدلال الصحيح.. وما هو منطقي، هو ما يطابق قواعد المنطق والتفكير السليم.. فالأمر كله، في المنطق يتعلق بالتفكير الصحيح، الذي يعين الناس على أن يصلوا للحقيقة، في الحوار فيما بينهم دون أن يكون هنالك، إضلال، أو تضليل عن هذه الحقيقة موضوع الحوار، سواء أن كان هذا التضليل متعمداً أو غير متعمد.. وأهم مبادئ التفكير المنطقي، مبدأ عدم التناقض، وهو يعني أنه يستحيل وجود الشيء وعدمه في نفس الوقت، أو صدق القضية وكذبها في وقت واحد.. كما أنه من أساسيات المنطق السليم، عدم الوقوع في المغالطات المنطقية Fallacies، وهي عديدة.. من أهمها مغالطة استخلاص نتيجة ليست هي النتيجة الضرورية من المقدمة. ومغالطة اسقاط الشرط، ويستدل عليها بقوله تعالى: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".. فيقول القائل (لا تقربوا الصلاة ) ويسقط (وانتم سكارى).. المغالطات اللغوية، وهي عديدة.. .الخ
    المنطق كأسلوب للتفكير السليم والاستدلال الصحيح، يشمل كل مجالات التفكير، وليس قاصراً على مجال دون مجال، فيمكن، مثلاً الاستدلال، على عقيدة الايمان بالله، استدلالاً منطقياً، وكذلك الحال بالنسبة لأي عقيدة أخرى، فلا يوجد مجال في الفكر البشري لا يخضع للمنطق.. فالمنطق هو معيار صحة التفكير والاستدلال، فهو الذي يتم وفقه الحكم على الصحة، ولذلك هو المرجع، ولكن صاحب المنطق المدني جعل للمنطق نفسه مرجعية (المنطق المدني هو الخطاب الذي يعتمد على مرجعية المواطنة وليس المرجعية الدينية)، وبذلك جعل المنطق نفسه محكوماً بغيره!! وما هو هذا الغير؟! المواطنة!! قضية جانبية جداً في الفكر السياسي.
    المنطق المدني، منطق (استبعادي)، هو يستبعد الدين، بصورة خاصة، وهو يستبعد الدين، لأنه حسب فهمه يفرق بين الناس، بسبب أنه في كل المجالات يقوم على العقيدة.. وهنا تكمن المغالطة المنطقية الكبرى، بالنسبة للمنطق المدني، فحسب هذا المنطق، الناس خارج اطار الدين يمكن أن يتحاوروا لأنهم تفكيرهم، لا يقوم على عقيدة.. والمفارقة تأتي من أنه لا يوجد علم، في أي مجال من المجالات، ولا في أي مستوى من المستويات، إلا والعقيدة مقدمة ضرورية له، ومصاحب دائم له، هذا ينطبق على الدين كما ينطبق على العلم المادي التجريبي، فصحة أي علم تتوقف على صحة العقيدة التي قام عليها، فإذا فسدت هذه العقيدة، فسد العلم المبني عليها، وهذا ايضاً ينطبق على العلم المادي التجريبي، كما ينطبق على الدين.. ولا توجد عقيدة، إلا وتقوم على علم.. وكل علم يشكل قاعدة عقيدية، لعلم أكبر منه، فالإختلاف بين العقيدة والعلم هو اختلاف في المقدار، هو اختلاف في درجة الوثوق، ودرجة الصحة، ودرجة الاحاطة، وهذه الأمور الثلاثة، لا مجال لاستقصائها، بصورة تامة.. فكل علم، مهما بلغ من الرفعة هو علم ناقص، وهنالك ما هو أكمل منه، وهذا ينطبق حتى على علم اليقين ـ باستثناء حالة واحدة، هي الشهود الذاتي ـ وهذه ليست علماً، بالمعنى الذي نتحدث عنه.
    ما هو موضوع العلم؟ أو ماذا نعلم؟ موضوع العلم، في كلمة واحدة هو (الحقيقة).. والحقيقة تتعلق بالوجود، فكل ما هو موجود هو موضوع للعلم.. والعلم بالموجود، يتضمن أولاً حقيقة وجوده، من عدم وجوده، ثم معنى طبيعة وجوده، وهنا مجالات لا حصر لها، من مجالات المعرفة بالشيء الواحد.
    ما هو مصدر المعرفة؟ وكيف نعرف؟ في الفكر الديني مصدر المعرفة لجميع الخلائق واحد، هو الله في ذاته، فكل علم هو مستمد من علمه، وهو الذي يعلمه في الحقيقة.. كما أنه تعالى، في ذاته، وفي تنزلاته، هو موضوع المعرفة.. وتنزلاته في جميع صورها، ليست اغياراً.. فالمعنى الجامع لكل شيء، هو الله.. فمعنى الشيء، هو ما يشير اليه، أو ما يدل عليه.. فما من شيء إلا ويشير الى الله، ويدل عليه.. أما في غير الدين، فمصدر المعرفة، يختلف باختلاف الافكار والفلسفات، فهو في المادية، يمكن أن يكون الكون المادي، فهو مصدر المعرفة، وموضوعها، ويمكن أن يكون العقل، فهو مصدر المعرفة ووسيلتها، ويمكن أن يكون الحدس.
    أما طبيعة المعرفة، فهي علاقة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة.. وتتفاوت هذه العلاقة، بين ما تدركه الحواس ـ الادراك الحسي ـ ومما تدركه العقول، وما تدركه القلوب.. فكل مستوى من المعرفة يصحح ما هو دونه، وهذه عملية سرمدية، فالمعرفة تتم، وتنمو عن طريق التجربة في الخطأ والصواب.. المعرفة تقتضي، رؤية موضوع المعرفة كما هو، وهذا أمر أمامه عقبات عديدة منها خداع الحواس، وخداع العقول، ودخول النفس وأغراضها، وتحيزاتها.. فمن أجل المعرفة السليمة، لا بد من التخلص من هذه العقبات والمعوقات أو تصفيتها..
    الوسيلة الأساسية للمعرفة، في مستوى التعدد، هي العقل.. وبديهي أن العقل ليس مكتفياً ذاتياً، ولا يمكن أن يكون مستغنياً بذاته.. وعلى كل هو يبدأ من بدايات بسيطة، في الطفولة، ثم ينمو ويتعلم من خلال تجربة المجتمع المنقولة اليه، عن طريق وسيلة اللغة، ووسيلة المجتمع واللغة، كلاهما يحتاج الى تصحيح بصورة دائمة.. وما ينقله لنا المجتمع، وما تنقله لنا اللغة، ليس أكثر من عقيدة، تحتاج أن تمحص، وتصحح وتصبح علماً.. وبالطبع قد لا تصحح، وقد يعتبرها صاحبها، طالما أنها هي رأي الجماعة، هي حقائق، وهذا يجري في كثير من الأحيان دون أن يشعر صاحبه.
    وبالطبع هنالك علم نافع، وعلم غير نافع أو ضار.. فالعبرة بالعلم النافع.. ونافع هذه، تتوقف على صحة المعيار الذي نقيس به.. وهذه بدورها تتوقف على اطار التوجيه، الذي تتتحدد وفقه الوسائل والغايات، وتتحدد وفقه المفاهيم.. فالعقل، في جميع الحالات هو وسيلة الحياة.. ولكن ما هي الحياة؟ هنالك اختلاف جذري بين مفهوم الحياة في الفكر العلماني، وفي الدين ـ لقد كتبت في الاحتفال بالذكرى بعض التفاصيل حول الانسان، والحياة، والفكر بين الحضارة الغربية والإسلام، يمكن الرجوع اليها ـ المهم أن الحياة في الدين أكثر من مجرد العيش، الذي يلتقي فيه الانسان مع الحيوان.. فالحياة في الدين تحتاج الى تهذيب لتصبح حياة عليا، حياة انسانية.. وهذا المستوى الثاني من الحياة، لا وجود له اطلاقاً ، في غير الإسلام، كما تطرحه الفكرة.. فالحياة الدنيا وسيلة للحياة الأخرى.. ومن العلم ما يخدم الحياة الدنيا، وهذا مشترك بين الدين والعلمانية، مع اختلاف اساسي، هو أن الدين منذ البداية يضعه موضوع الوسيلة للحياة العليا.. وعندما تصبح الحياة الدنيا غاية يصبح العلم بها ووفقها من العلم الضار، لأنه يكون حجاباً، حائلاً دون الحياة الأساسية، الحياة العليا، وهي وحدها الحياة، لأنها الحياة الباقية.. والاخنلاف بين الحياة الدنيا والحياة العليا، هو اساساً اختلاف في (القيم)، كما هو اختلاف في مستوى العقل والعلم.. فللحياة الدنيا عقل المعاش، وللحياة العليا عقل المعاد، كما جاء التعبير في الفكرة.. وبالمناسبة هذا امر وصل له الغرب، في وقتنا الحاضر، إذ أصبح يعتبر العقل مجرد أداة للعيش ـ العقل الأداتي ـمع اختلاف اساسي مع الدين، إذ يرى أصحاب هذا الرأي، من مفكري الفكر الغربي أنه لايوجد، مستوى من العقل، أكثر من مستوى العقل الأداتي، وأن العقل بطبيعته ليس وسيلة للمعرفة، وإنما هو فقط وسيلة للعيش.. وأن قضايا الوجود الكبرى كما يقول جون ديوي ـ لا توجد وسيلة لمعرفتها.. ودون معرفة قضايا الوجود الكبرى، لا معنى للمعرفة، ولا معنى للحياة.. وهذه هي أزمة الانسان المعاصر الحقيقية، وكل القضايا الأخرى تتبع.. وقول ديوي ـ وآخرين غيره ـ صحيح ، في اطاره.. فقضايا الوجود الكبرى، لا مجال لمعرفتها ـ وهي لا بد من معرفتها ـ اعتماداً على العقل وحده.. فما ينقص العقل هنا هو العقيدة الصحيحة، التي لا وجود لها خارج الدين ـ وبالطبع ليس كل دين ـ
    هنالك فرق شاسع جداًً، بين أن تكون الحياة هي هذه الدورة من الميلاد وحتى الموت، وبين أن تكون هنالك حياة بعد الموت.. وحياتنا كلها متأثرة بالموت، والخوف من الموت.. ولا مجال لمعرفة حياة بعد الموت، إلا المعرفة الدينية التي تبدأ من العقيدة.
    فالعقيدة أمر أساسي جدا للفكر، وللحياة، وعند جميع البشر.. فحياتنا كلها تقوم على العقيدة، ولا يمكن أن تستقيم بغير العقيدة.. ففي الحياة اليومية، كل العلوم الطبيعية خارج تخصصنا، هي بالنسبة لنا مجرد عقيدة، وهي عقيدة تعتمد عليها حياتنا.. وأحب أن أضرب مثلاً بمجال الطب لما له من علاقة مباشرة بالحياة.. فالمريض عندما يذهب للطببيب، هو يعتقد أن الطبيب سيعالجه، لأن هنالك لافتة في عيادته، أو حدثه أحدهم عن، أنه درس الطب في جامعة ما، وتخصص في مجال معين.. وهو عندما يتناول الدواء لا يعلم بالضرورة العلاقة بين مرضه، والدواء، وهو يثق أن الصيدلي أعطاه الدواء الصحيح.. وكذلك صاحب القضية عندما يذهب للمحامي، ومن يريد أن يشيد منزلاً، عندما يتعامل مع المهندس.. المعرفة في المجالات المختفلة، في العلوم نحن نؤمن بصحتها، لأننا نؤمن بالعلم بصورة عامة، وإن لم تكن لنا معرفة بالعلم المحدد.
                  

04-25-2016, 03:09 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    الغـيـب:
    مما يجعل العقيدة أمراً أساسياً، أن حياتنا كلها محاطة بالغيب، ونحن لا نكاد نعلم شيئاً عن الكون الذي نعيش فيه، وكل ما لا نعلمه لا مجال لأن نتعامل معه إلا عن طريق العقيدة في البداية.. ثم إننا دائماً نعيش على أمل ما، والأمل يتعلق بالمستقبل المجهول، فهو غيب، ولا مجال للتعامل معه إلا عن طريق العقيدة في البداية.. إن أبسط، وأوضح تعريف للغيب، يمكن أن يكون هو كلما غاب عن عقولنا، وحواسنا.. والعلم ، كل علم، هو تحويل المعلوم، من الغيب الى الشهادة.. وهذا التحويل لايتم إلا عن طريق العقيدة.. وأول العلم وأبسطه هو الادراك الحسي.. ونحن عندما نخرج من خلوة الرحم، نبدأ بتحسس بيئتنا، بحواسنا المختلفة، لنعلم عنها.. والفضل الأكبر في تعلمنا، يرجع من بعد الله، الى بيئتنا الاجتماعية، خصوصاً الأسرة، وبصورة أخص الأم.. فنحن نأخذ ثقافة مجتمعنا كمسلمات، وتلعب اللغة دوراً اساسياً في ترسيخ هذه المسلمات.. ولا سبيل للمعرفة، ونمو القدرات العقلية، إلا هذا السبيل.. وهو، هو سبيل الايمان.. وستظل ثقافة مجتمعنا، ولغته تشكل الخلفية الأساسية، لمعرفتنا، عن وعي وعن غير وعي منا.. ولا يأتي التصحيح إلا لاحقاً، وهو لا يأتي لكل الناس.. والادراك الحسي، الذي هو أصل الادراك، ليس معرفة للأمر كما هو عليه، ولذلك هو ايمان.. نحن نؤمن بأن الأشياء هي كما تدركها حواسنا، ولكنها ليست كذلك!! أنا مثلاً، أرى الآن شجرة خضراء أمامي.. وكل انسان ـ غير مصاب بعمى الأوان، سيراها خضراء مثلي.. ولكن هذا اللون الأخضر، وأي لون آخر، غير موجود في الطبيعة، وإنما هي درجات في الضوء.. فكل البشر يدركون الألوان في الطبيعة، وإدراكهم هذا، ما هو إلا ايمان، بمعنى أنه لا ينطبق على الحقيقة، ومع ذلك هم يجمعون عليه، ويشكل بعداً أساسياً في الحياة، لا تكون الحياة من دونه ممتعة، هذا البعد هو الجمال.
    وكذلك، كل ما ندركه في الوجود، بحواسنا، ليس هو ما عليه الأمر في الواقع!! وذلك لأزدواجية حواسنا، ولأن الزمن بعد اساسي، في رؤيتنا للأشياء.. ونحن لأننا نرى بالضوء الذي ينعكس لنا من الأشياء، فنحن دائماً نرى تاريخها، وليس واقعها في اللحظة التي نراها.. فعندما يصلنا الضوء من الشيء الذي نراه، يكون قد مضى وقت من الزمن، حسب المسافة، وبما أن كل شيء متغير، فإن الصورة التي نراها للشيء، تختلف عن واقعه في لحظة الرؤية.. وإذا كانت المسافة بعيدة، يكون الأمر، أوضح.. فقد تكون رؤيتنا للنجم الذي نراه الآن، هي واقعة قبل ملايين السنين، وقد يكون النجم في هذا الوقت، الذي نراه فيه، قد فنى!! وهنالك جوانب كثيرة، مدهشة، يثيرها علم الأعصاب الحديث في هذا الصدد.. ما أريد أن أصل اليه، هنا، هو أنه حتى بالنسبة للادراك الحسي، إن معظم ما ندركه، ليس معرفة، وإنما هو ايمان.

    العلم الحديث:
    لقد كان علماء، العلم المادي التجريبي، الى وقت قريب، يعتقدون، أن منهجهم ـ المنهج العلمي ـ هو وحده المنهج الموثوق به، وكل المناهج الأخرى غير علمية، وأن حقائق العلم، هي وحدها، الحقائق، لأنها تقوم على الواقع المادي، وليس على الغيب.. واتضح الآن، أن كل هذا مجرد عقيدة، وفقد العلم، والمنهج العلمي، تلك الوثوقية، الذي كان يضفيها عليه سدنته، وذلك بفضل الله، ثم بفضل تطور العلم نفسه.
    لابد من الاختصار، أنا اريد هنا أن أؤكد أن العلم المادي التجريبي، ككل معرفة، يقوم على العقيدة بصورة أساسية، تجعله يكون مستحيلاً دون هذه العقيدة!! وهو مصحوب بالعقيدة في جميع أطواره.. ومن باب أولى بالطبع العلوم النظرية.
    1. المعرفة، كل معرفة، إنما هي معرفة الحقيقة.. وغاية العلم، كما يرى أصحابه هي معرفة الحقيقة، كما هي في الواقع.. فما هي الحقيقة العلمية؟! يرى بوانكاريه، وهو من كبار فلاسفة العلم، أن الحقيقة، هي: "العلاقات بين الأشياء التي يشترك في إدراكها جميع الكائنات المفكرة، على أن تنتج الانسجام الكلي الشامل".. ويقول برونسكي: "الوحدةالداخلية، والاتساق، والتماسك، في العلم هو الذي يتيح له الصدق (الحقيقة).. ".. يقول د. قنصوة: "لا يمكن وضع الحقيقة العلمية خارج العلم المتغير، بل تظل دائماً تحت الاختبار المتواصل.. وهي ليست انعكاساً للوجود أو الواقع في مرآة العلم، لأن العلماء لا يكفون عن تغيير الطبيعة لخدمة أهدافهم".. ويقول: "الحقيقة لعلمية ليست هي الواقع reality، بل ما يقرره العلماء عن هذا الواقع، وليست ثمة حقيقة علمية نهائية، بل تواصل النظريات المتعاقبة خطواتها على طريق ذلك الطموح والتطلع، الذي لا يكف لحظة عن التقدم، ولا يزال العلم حتى اليوم مجازفات ومخاطرات، وكل (حقائقه) موقوتة، لا تبقى كذلك إلا الى حين.. ".. هذا ما عليه جميع العلماء اليوم.
    2. هذا عن الحقيقة في نظر العلم، فماذا عن مدخل العلم لهذه الحقيقة الموقوتة والمتغيرة؟!
    إن المنهج العلمي، يقوم على العقيدة، بصورة حاسمة ولا مجال للاختلاف حول ذلك.. فهو يقوم على مسلمات أساسية، لم يبرهن على صحتها، لا عقلياً، ولا تجريبياً، وإنما يسلم بصحتها ابتداءً.. من هذه المسلمات:-
    1. الانتظام في الطبيعة
    2. الاطرادuniformity، وهو يعني أن هذا النظام متكرر الوقوع في اطراد
    3. العلية: وهي تعني أن هذا الاضطراد محكوم بالعلاقات العلية بين السبب والنتيجة.
    يقول د.صلاح قنصوة: "يسلم رجل العلم، وهو بحكم تعريفه من يستخدم المنهج العلمي، يسلم قبل المضي في خطوات، اصطناع اجراءته، بمبدأ الحتمية، لأنه إذا ما كان عليه أن يصف مجرى الحوادث، ويفسرها، ويتنبأ بها، ويتحكم فيها، فلابد أن يكون ثمة ضمان يكفل له الاطمئنان في بلوغ نتائجه التي يستخلصها من مجموعة محددة من الوقائع.
    فمن المستحيل أن يعرض رجل العلم لكل الوقائع القائمة في كل زمان ومكان، وحسبه ما يحتاج له منها، أو يختاره، أو يصفه، لكي يصل الى التعميم الذي يهيء له آداء وظائف المنهج العلمي من وصف وتفسير وتنبوء وتحكم.. ولن يتحقق له ذلك إلا إذا افترض قبل الشروع في العمل، أن العالم من حوله خاضع لحتمية تجعل ما يصدق عليه هنا يصدق عليه هناك، وما يصدق الآن يصدق في كل زمان.
    ويعني هذا أن الظواهر تحدد وقوعها شروط لا تسمح باستثناء.. بيد أن مبدأ الحتمية نفسه يتضمن افتراضات أخرى تسبقه وتحدد محتواه.. وأول هذه الافتراضات أن ثمة نظام order في الطبيعة، والثاني هو أن هذا النظام متكرر الوقوع في اطراد uniformity، والثالث هو أن هذا الاطراد محكوم بالعلاقة العلية causality بين السبب والنتيجة".. ويقول: "فالعلم يبدأ إذا بالاعتقاد بأن العالم منظم".. ويقول الدكتور السيد نفادي: "العلم لاينبني على مباديء وحقائق أي وقائع فحسب، ولكن أيضاً على مسلمات أساسية.. أولى هذه المسلمات تبلغ حداً من البساطة، يشيع معه اغفالها، وأعني بها القول ان (الطبيعة قابلة للفهم).. وما هذا إلا تأكيد لايماننا بأن الظواهر التي يتألف منها عالمنا لا تبلغ من التعقيد أو الغموض حداً يستحيل معه فهمها.. والواقع أن هذا الاعتقاد طموح جداً، ولكن بدون هذه المسلمة لن نستطيع على الأرجح أن نشرع في القيام بأي ابحاث من أي نوع".. ويقول: "هنالك مسلمة أخرى يتميز بها العلم، وأعني بها التسليم بأن الطبيعة موحدة، فلولا هذا الايمان البسيط بوجود مجموعة واحدة فقط من القوانين الطبيعية، لما أمكن وجود العلم كما نعرفه الآن".. ويقول د.قنصوة: "أما اطراد الطبيعة فيعني اتصال الحوادث واستمرارها في الزمن وانتظام وقوعها، بحيث أن ما كان سيكون، وهذه المسلمة هي مصدر ما يسمى بمبدأ أو مشكلة الاستقراء في المنهج العلمي، بل هي اساس الاستدلال العلمي على وجه العموم.. فالدعوة القائلة بأن المنهج التجريبي قادر على البرهنة واثبات الارتباطات الكلية اللامتغيرة، إنما هي دعوى قائمة على الاعتقاد بأن الطبيعة مطردة"
    يقول عالم الفيزياء فاينبيرغ: "العلماء شأنهم في ذلك شأن الفنانين، يعتمدون اعتماداً شديداً على الحدس.. فغالباً ما اعرض عن منهج كامل في البحث لمجرد احساسي بأنه غير صحيح، أو قد أمضي شهوراً في تطوير منهج آخر لمجرد احساسي بأنه صحيح".. والعقيدة حول مسلمات العلم، أو مصادراته، لا خلاف حولها.
    رغم اهمية مبدأ السببية لابد لنا من الاختصار.. فمبدأ السببية هو من المباديء العقلية الضرورية التي لا تحتاج الى برهان، فنحن في جميع تفاصبيل حياتنا نعمل لأغراض ونتخذ ما نعتبره اسباباً تؤدي اليها.. ومفهوم السببية هو ما يستند اليه الاستدلال في جميع مجالات التفكير الانساني.. فالدليل عند العقل، هو سبب صحة المستدل عليه.. وخطأ الاستدلال يؤدي بالضرورة الى خطأ النتيجة، المستدل عليها.. يقول مارجينو: "إن مبدأ السببية، في الحقيقة، أحد الشروط الميتافيزيقية الضرورية لقيام النظرية الطبيعية".. ويعلق أبو ريان، بقوله: "وهذه الفكرة تعتبر في واقع الأمر كمصادرة أو فكرة تكاد تكون غريزية.. فالمناهج العلمية في حاجة الى مصادرات فلسفية قبلية، مثل الايمان بالسببية، وبساطة الطبيعة ومعقوليتها، وقانون أقل جهد"..
    حتى نهاية القرن التاسع عشر، كان العلم الكلاسيكي، يقوم على الحتمية السببية، أما بعد النسبية، ونظرية الكوانتم، فإن الأمر قد اختلف بصورة جذرية.. لقد انتفت الحتمية من السببية بصورة نهائية، فلم تعد الأسباب تؤدي الى النتائج بالضرورة، فهي قد لا تؤدي!! والعلم بطبيعته لا يبحث عن السبب الحقيقي او النهائي، وإنما يبحث فقط عن السبب المباشر، وحتى هذا لا تكون النتيجة فيه إلا في حدود احتمال احصائي!! يقول د. السيد نفادي: "إننا لا نبحث في عالم الوجود الواقعي عن الأسباب النهائية مطلقاً، إنما كل ما نريد التوصل اليه هو الأسباب الثانية أو ما يسمى بالأسباب المباشرة لحدوث ظاهرة ما، سواء أن كانت مثل هذه الأسباب، بالمعنى الأصغر لها أو بالمعنى الأكبر الذي ذكره موي".. فالعلم يبحث عن (كيف) تحدث الظاهرة، وليس في لماذا تحدث، إلا اذا استعملنا لماذا بمعنى كيف".
    يقول فرانك: "إذا حاولنا البحث عن العلاقة السببية بشكل كامل وخالص ومطلق، فلن نستطيع العثور عليها، إذ أنها تعمل بشكل تقريبي، وفي عمليات معينة، تحدد بالزمان والمكان وحتى هذا لا يكون إلا في حالات خصوصية فقط"
    ويقول دابرو: "في ضوء الاستجابة العملية لاختبار مبدأ السببية الدقيق عن طريق التجربة: ينبغي النظر الى هذا المبدأ على اعتبار أنه عقيدة يمكن للبعض قبولها أو يمكن للبعض الآخر رفضها".. ويرى تايلور: "إن عيوب المقولة السببية، باعتبارها مبدأ تفسيرياً، تكمن في انها تقودنا الى الارتداد اللامحدود، والارتداد اللامحدود، يعني ببساطة، أنه إذا توصلنا الى سبب ظاهر، فمعنى هذا أن هنالك سبب آخر يسبقه الى ما لانهاية"!!
    والمشكلة كلها، فاقمتها نظرية (اللاتعين) أو عدم اليقين، لهايزبيرج.. فاكتشاف عدم الانتظام في جزيئيات الذرة، جعل هنالك تصوراً في العلم المادي، أن الكون في بنائه الأساسي يقوم على العشوائية، وليس الانتظام.. فظهرت نظرية العشوائية chaos theory وقد عارضها اينشتاين بشدة، ولكن لم يستطع دحضها فيزيائياً، وقد قال قولته المشهورة: "إن الله لا يلعب النرد"!! وهذا حق، ولكن اينشتاين رجع فيه الى مجال الدين، وليس مجال الفيزياء.. وهي قضية لا حل لها إلا بالرجوع الى هذا المجال الذي رجع له اينشتاين في مقولته هذه.. فالقضية بالنسبة للعلم والدين، وأي تفكير بشري، ليست في وجود العقيدة أو عدمها، فالعقيدة دائماً موجودة، وإنما القضية في صحة العقيدة، التي يعتمد عليها العلم الصحيح.
    منهج العلوم يقوم على الفروض، ومن المستحيل في حقه الوصول الى أي نظرية دون البدء بفرضية.. والفرضية اعتقاد.. صاحب الفرضية يعتقد أن تفسير الظاهرة هو بالصورة التي تقترحها فرضيته، ويعمل على اثبات ذلك من خلال التجربة، فإذا نجح فبها، وإلا بحث عن فرضية أخرى.. فالقانون هو فرضية، تم اثبات صحتها بالتجربة.. وبما أنه لا يوجد أي قانون نهائي في العلم، فلا نظرية نهائية، فحتى النظرية يمكن اثبات خطئها، ولذلك العقيدة يقوم عليها العلم وتصحبه في جميع مراحله
    والمعرفة التي يقود اليها العلم، هي معرفة الأسباب المباشرة، وبالصورة التي ذكرناها عن السببية.. أما السببية الغائية، فليس للعلم فيها نصيب، وهي مرفوضة عند علماء العلوم الطبيعية، بصورة مبدئية.. أكثر من ذلك، هي عندهم تفسد العلم. من أقوال قنصوة، ليس في العلم "علية غائية تحكم كائنات الطبيعة".. ويقول بيكون: "إن مطلب الغائية يفسد العلوم، بدلاً من أن يرقى بها".. أما ديكارت فيقول، "كل دروب الغائية لا قيمة لها، في الأشياء المادية أو الطبيعية".. والعلية الغائية هي اساس المعرفة، وقد أصبح هنالك من علماء الطبيعة من يدركون اهميتها، كما يدركون في نفس الوقت أنها خارج مجال علمهم ـ لقد تمت مناقشة الموضوع برمته بشيء من التفصيل في كتاب (المعرفة وطبيعة الوجود) الذي صدر مؤخرأً.
    يقول صاحب المنطق المدني عنه، إنه: "ليس محتوى محدد من أي منظور فلسفي، ديني أو مفهومي معين".. ثم يناقض نفسه مباشرة، ويجعل للمنطق المدني، مضموناً محدداً، فهو (الخطاب الذي يقوم على مرجعية المواطنة)، وهذا مفهوم سياسي محدد.. ويستبعد المرجعية الدينية (وليس المرجعية الدينية العقائدية)، فهو يقوم على نفي المرجعية الدينية العقائدية، وهذا مفهوم محدد.
    إن شرطك هذا، بابعاد المرجعية الدينية العقائدية لا قيمة له.. وأهم الحوارات ينبغي أن تكون حول الأطر المرجعية المختلف حولها.. وهذا هو الحوار الأساسي، وكل القضايا الأخرى تتبع.. والنقطة، الجوهرية فيه، هي: هل العقل وحده هو المرجع، أم العقل هو نفسه محتاج لاطار مرجعي.. كما أن شرطك هذا مستحيل، وأوضح دليل على ذلك، أنك أنت صاحب الشرط لم تستطع أن تلتزم به.. وهذا ليس مجرد استنتاج مني، ولا هو مبني على معرفتي بك، وانما هو ما تقوله أنت بنفسك!! فأنت صاحب عقيدة، حسب أقوالك: "مقترحي أيضاً يرتكز على الايمان بأن تصنيفات الفهم التي يوظفها الناس في حيواتهم اليومية لا يمكن تقسيمها ببساطة، الى علمانية (أي غير دينية) وأخرى دينية".. وأنت تؤمن بأن الحل النهائي هو في الرسالة الثانية، وهي دين، وحسب أقوالك العقيدة لا تفارق الدين حتى في مرحلة العلم، فأنت تقول: "وهذا القول عندي ينطبق على الشريعة السلفية كما ينطبق على ما أعتقد بأنه شريعة الرسالة الثانية. فعقيدتي في شريعة الرسالة الثانية لا تجعلها قانوناً للدولة.."!! فأنت صاحب عقيدة ليس فقط بمعنى عقيدتك في الرسالة الثانية، وإنما بمعنى الاعتقاد بأن الشريعة الدينية، لا تصبح قانوناً للدولة إلا إذا تم تشريع القاعدة القانونية من خلال المنطق المدني!؟ أكثر من ذلك عقيدتك هذه هي عقيدة خاصة جداً، وتقوم على مستحيلات!! ثم إن ما تريد أن تصل اليه، لا يحتاج الى كل هذه الربكة، وقد قالته الفكرة ببساطة ووضوح، عندما قالت: العبرة ليست بالنص، وإنما بفهم النص"، وعندما أوردت قول على بن أبي طالب: "المصحف لا ينطق وإنما ينطق عنه الرجال".. وبصورة خاصة عندما قالت: "ليس هناك قوانين سماء، وقوانين أرض إلا في أوهام الواهمين" وقالت: "والقوانين الإسلامية ليست بدعاً في ذلك.. فإنها في حقيقتها وضعية.. ونبتت من الأرض.. وكل ما هنالك أنها عرضت على المثل الأعلى، القانون الطبيعي، فهذبها وشذبها، ونسقها، وعطل منها ما لا يستقيم مع الاتجاه المستقيم" وقالت: "وكذلك الأنبياء، فإنهم يجدون العادات والتقاليد، صالحها، وفاسدها، مختلطاً في عقول، وفي معيشة أممهم.. وهم، بما اعدوا به من أدب السماء، يميزون بين العادات الضارة والعادات الحسنة.. وهذا هو السر في كثرة ورود كلمة (المعروف) في القرآن، فإن المعروف هو ما تواضع عليه الناس، بشرط ان لا يكون معوقاً لغرض من أغراض الدين، وجماع اغراض الدين تحقيق كرامة الانسان.. "ـ ونحن لنا الى هذا الأمر عودة ـ
    إن المنطق المدني لابد ان يقوم على العقل.. والعقل إما أنه يكون مكتفياً بذاته، ولا يحتاج، لأي إطار توجيه غيره كما كان يرى فلاسفة القرن الثامن عشر.. أو أنه يحتاج الى اطار توجيه.. واضح من دعوة الأخ عبد الله، لضرورة التخلي عن العقيدة، كشرط للمنطق المدني، أنه يرى الاعتماد على العقل وحده، دون الحاجة الى اطار توجيه.. وهذه عقيدة في العقل قد خلفها الزمن بصورة جلية.. بل إن العلم الحديث، قد حسم بصورة نهائية وهم الارادة الحرة، الأمر الذي يقتضي طرح جميع القضايا، في اطار الواقع المعرفي الجديد.. وللأخ عبد الله، في طرحه، مشكلة حقيقية في التعامل مع الواقع ، سنتعرض لها في موضعها.
                  

04-25-2016, 03:11 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    العقيدة والدين:
    رأينا أن الأخ عبد الله ـ في منهجه الاستبعادي ـ المنطق المدني ـ يستبعد الدين من الحوار البشري، في مجال السياسة والقانون، بحجة أن الدين في جميع مستوياته، يقوم على العقيدة.. وذهبنا، نحن، على أن الفكر البشري في جميع مجالاته، وجميع مستوياته، يقوم عى العقيدة، وتحدثنا عن ذلك، بصورة عامة، وفي مجال العلم المادي التجريبي بصورة خاصة، وذلك على اعتبار أن العلم يقوم على التفكير المادي بطبيعته، وإذا كان هنالك انكار لأهمية العقيدة، فالتفكير المادي هو الأقرب لهذا الانكار.. وعلى اعتبار أن هنالك، افتتان بالتفكير العلمي.
    والآن نريد ان نتحدث عن العقيدة في مجال الدين، وهو الموضوع الأساسي، لأن عبد الله يستبعده، ولأن طرحه أساساً يقوم على العلاقة بين الدين والدولة ـ فصل الدين عن الدولة.. نحب أن نؤكد أولاً، ما ذهب اليه الأخ عبد الله، من أن الدين في جميع مستوياته، يقوم على العقيدة ـ الايمان ـ فنحن في هذا نتفق معه.. ولكننا نختلف معه، بصورة جذرية، بأن هذا الأمر قاصر على الدين.. قلنا إن موضوع العلم، أي علم، وكل علم، هو معرفة الحقيقة.. وميزة المعرفة الدينية، التي لا تدانيها أي معرفة، في أي مجال آخر، هي صحة العقيدة، في الحقيقة.. والحقيقة في الدين هي ذات الله، وهي وحدها من لها ثبات وجودي، وأي حقيقة، سواها، ليس لها ثبات وجودي ولا تستطيع أن تدعيه.. وإذا كانت الحقيقة، متغيرة، فهي ليست بحقيقة، وإنما هي مظهر لحقيقة وراءها!! وأي علم، لا يقود الى حقيقة ثابتة ، أو ينبني عليها، هو ليس بعلم، أو هو علم بمظهر الحقيقة.. فالحقيقة في الدين منذ البداية، تقوم على المطلق.. ولما كان المقيد، لا يمكن أن يحيط بالمطلق، فإن العقيدة دائماً مقدمة ضرورية لمعرفة المطلق ولن تنفك.
    ثم إن القانون الأساسي، والوحيد، الذي يسير كل الوجود، بما فيه الانسان، وعقل الانسان، هو الإرادة الالهية، المتفردة.. وحول هذا الجانب تقوم أهم عقائد الدين بعد الايمان بالله.. فالله تعالى، هو وحده الإله بمعنى انه وحده تعالى، الفاعل الحقيقي لكل ما يحدث في الوجود، من كبير الأشياء وصغيرها.. هذه الحقيقة، أهم ما جاء به الدين.. والسير الى الله، جله، يقع في اطار هذه الحقيقة.. ولما كان السير الى الله هو علم، وعمل بمقتضى العلم، يؤدي الى تحقيق الحياة العليا، فإن العقيدة في وحدة الفاعل، التي تعبرعنها كلمة التوحيد (لا اله الا الله) لا يدانيها شيء في تحقيق غايات الوجود ـ غايات الكمال الانساني ـ لقد توصل العلم، بفضل الله، الى أن الإرادة البشرية الحرة، وهم.. ولكن العلم لا يستطيع أن يخلص الانسان من هذا الوهم.. والتخلص من هذا الوهم، هو السبيل الوحيد، لتحقيق الإرادة الانسانية الحرة، وذلك بالتخلص من وهم الإرادة البشرية، والتسليم للإرادة الالهية، فتصبح بذلك الإرادة البشرية من الإرادة الالهية، فتكون حرة، ونافذة (فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد).. وكل المستويات الأخرى من قضايا الحياة، وقضايا الفكر، تنبثق من هذا المستوى، وتتبع له.. وهذا المستوى لا مجال اليه، إلا مجال العقيدة الصحيحة. حول كلمة التوحيد والعمل وفقها، في المنهج الذي يقوم عليها.. وما يميز هذا المنهج، بصورة لا يشاركه فيها أي منهج آخر، هو انه منذ البداية، يقوم على العقيدة الصحيحة، في اصل الوجود، وغايته، والقانون الذي يحكمه.. وهذا لا يمكن أن يتوفر في أي مجال آخر.. ثم هنالك خريطة ترشد السير في شعاب الوجود، هي القرآن، وهنالك بوصلة، تحدد الاتجاه، هي التوحيد، وهنالك دليل يقود المسيرة، وقد خبر الطريق، هو أحمد صلى الله عليه وسلم.. وكل هذه الجوانب، في أساسيتها، تقوم على العقيدة أولاً، ثم العلم، ثانياً.. ولا مجال لهذا العلم إلا بالعقيدة.. فأهمية الايمان في الإسلام، أهمية كلية، فهو يقوم عليه كل شيء.. فليس في الوجود خير إلا ويأخذ مبدأه من الايمان بالله.. وليس هنالك عمل، لا يقوم على الايمان يمكن أن يكون صالحاً.. فالايمان خير في ذاته، ولا سبيل الى الخير بدونه.. ومن جانب الحقيقة، لا يمكن لأي شيء، أن يكون مجرد كيان، بغير الايمان، فهو القيومية التي قامت بها الأشياء.. والايمان أصل في جميع مراقي الحرية ـ راجع أسئلة أحمد الحسين ـ ومجرد كون الحقيقة مطلقة، يؤكد لا نهائية العقيدة، فكل معرفة، لا يمكن إلا أن تتقدمها مرحلة، لا يسعها إلا الايمان، الذي يصبح بدوره قاعدة لمعرفة جديدة، في مستوى جديد.. ومما يزيد العقيدة توكيداً، وأهمية، أن من أسماء الله تعالى (المؤمن).. فقد جاء في القرآن، مثلاً (لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن) الحشر-23 و (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه) البقرة-285.. وكذلك الحال بالنسبة لكل الانبياء والرسل.
    مرة أخرى القضية ليست ايمان أو لا ايمان، فالايمان قائم في جميع الحالات.. القضية هي، هل هو ايمان بالحق أم ايمان بالباطل.. يقول تعالى: (بل كانوا يعبدون الجن، أكثرهم بهم مؤمنون..) سبأ-41 ويقول: (والذين آمنوا بالباطل، وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) العنكبوت-52.. فإما ايمان بالله وبما جاء به على لسان رسله، وهذا هو الايمان الحق. أو ايمان بغير الله وهو الايمان بالباطل، ولا يخرج الأمر عن هذين الوجهين.
    الايمان الصحيح وسيلة للمعرفة الصحيحة، دينية أو غير دينية، ومقدمة ضرورية لها.. ولا يمكن أن تقوم معرفة صحيحة على ايمان خاطيء.. والايمان نفسه معرفة، ولا يقوم إلا على معرفة.. وعندما يتحاور اصحاب العقائد ـ وهم قد ظلوا عبر التاريخ والى اليوم يتحاورون ـ لا يقدمون في حوارهم مجرد عقيدتهم، وإنما يقدمون المعرفة التي تقوم عليها عقيدتهم، والمعرفة التي تؤدي الى عقيدتهم.. فمثلا، من يؤمن بالله، لا يقول للناس، آمنوا بالله، لأنه عقيدة صحيحة، وإنما يقدم أدلة عقلية، يمكن أن يشترك فيها من لا يؤمنون.. وكذلك الحال لمن يؤمن بدين الإسلام، هو لا يقدم مجرد عقيدة dogma وإنما يقدم من الأدلة والبراهين، ما يمكن أن يكون مشتركاً مع غير المسلمين.. فصاحب العقيدة، عندما يجادل حول عقيدته، يعمل على اظهار الحق الذي تقوم عليه، فهذا معنى قوله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).. والحوار حول الأديان، ليس قاصراً على أصحاب الدين الواحد، وإنما يشمل أصحاب الأديان الأخرى، وإلا لما انتصر دين على دين، ولما قام دين أساساً.. ولو كان هذا الحوار بين أصحاب الأديان المختلفة، أو أصحاب الدين المعين ومن يرفضونه، غير ممكن، لما أمر به الله تعالى ففي قوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن)، المقصود مجادلة غير المسلمين.. وهذا ما ظل يجري عبر تاريخ البشرية، منذ أن عرفت البشرية الحوارٍ.. وفي وقتنا الحالي، هنالك العديد من الغربيين، الذين يعتنقون الديانات الشرقية والإسلام.. وقد قدم لنا اصحاب، الاعجاز العلمي في القرآن، أمثال زغلول النجار، العديد ممن اقتنعوا بالإسلام، ومنهم علماء طبيعة مرموقين.. ومما اقنع هؤلآء بالإسلام، تأكدهم من ورود بعض الحقائق العلمية، المتعلقة بآيات الأفاق في القرآن، لم تعرف إلا في القرن العشرين ولا يمكن أن تعرف في الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، الأمر الذي وكد عندهم، أن القرآن لا يمكن أن يكون من عند محمد صلى الله عليه وسلم. مثلا الآية البسيطة (والبحر المسجور) كلمة مسجور في اللغة العربية تعني الملتهب ناراً.. وهذا حسب الظاهر يبدو مستحيلاً، فالماء والنار لا يجتمعان.. ولم يكن في وسع المسلمين، إلا أن يسعهم الايمان، فيردوا الأمر الى قدرة الله.. أما الآن بعد اكتشاف قيعان البحار، فقد اتضح أن (البحر المسجور) حقيقة علمية!!
    المهم أن العقيدة، لا تقوم بغير علم.. من طبيعة البشر أنهم، لا يتبعون شيئاً لم تقتنع به عقولهم، ولذلك هم دائما يعارضون ما هو جديد، ويقاومونه بشدة (وكان الانسان أكثر شيء جدلاً).. عندما آمن سيدنا أبوبكر، آمن عن علم.. فهو حسب معرفته الطويلة، لصديقه، كان يعلم أنه لا يكذب، فعندما جاءت الدعوة لم يتردد في قبولها، لعلمه المسبق بصدق صاحبها.. وقد قاوم بعض كبار الصحاب الدعوة وحاربوها بشراشة، وعندم اقتنعوا بها حاربوا الى جانبها.. المهم أن العقيدة لا يمكن قبولها إلا بعلم، في مستوى من المستويات، وهي سبب العلم، وهي في ذاتها علم، يقول تعالى: (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) (البقرة ـ 26) ويقول: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم)..
    الايمان إنما يكون ايمانا بالغيب، فصاحبه، لا ينكر ما غاب عنه لمجرد أنه لا يدركه، وهو بذلك لا يجعل عقله، وعلمه، حكماً على الوجود. وهذا في حد ذاته علم، وعكسه جهل وادعاء، صاحبه غير مرجو في مجال المعرفة.
    وكما ان الايمان مستويات، كذلك الايقان.. فكل يقين يقتضي العلم الذي يناسبه.. فأنا مثلاً، على يقين من وجود الطاولة التي اكتب عليها، ولكنني لا اعلم بكل ما يحيط بهذه الطاولة، فيقيني بوجودها، ولكن هنالك جوانب أخرى متعلقة بها أنا لا أعرفها، وبعضها لن استطيع معرفته، والكثير مما يمكن معرفته، عن الطاولة، لا توجد ضرورة لمعرفته.
    فاليقين مرتبط بمستوى ما يستيقن منه.. وعندما نتحدث عن علوم اليقين: علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين، استخدام كلمة يقين هنا، استخدام اصطلاحي، يتحدث عن درجات معينة من المعرفة بالله، وليس اي معرفة اخرى.. وهذا لا يعني أن اليقين بمعارف دون هذا المستوى غير ممكن.. كما أن القول بأن مراحل الايمان: الإسلام والايمان والاحسان، كلها تقع في مرحلة الايمان، لا ينفي عنها العلم، وإنما يحدد مستوى العلم.. والاختلاف بين الايمان والايقان اختلاف درجة.. وهنالك العديد من مجالات المعرفة في المستويات الأدنى، يمكن أن يكون صاحبها على يقين منها، فيجب عدم الخلط بين المعنى الاصطلاحي، والمعنى اللغوي.. فاليقين بصورة عامة يعني: العلم الذي لا يكاد يكون فيه شك.. والشك دائماً موجود في مستوى من المستويات، وبه تكون الزيادة في العلم.. وعن المستويات الدنيا من اليقين، قال تعالى على لسان هدهد سليمان: (أحطت بما لم تحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين) النحل-22، وفي موضع آخر يقول تعالى: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة، قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها، واستيقنتها أنفسهم، ظلما وعلواً، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) النمل-13،14.. (واستيقنتها أنفسهم)، قطعاً لا تعني أنهم كانوا في مستوى علوم اليقين، فهم لم يكونوا أصحاب يقين بالله، وإنما بالآيات التي شهدوها.. وحتى الراسخين في العلم، لا يتجاوزون الايمان، يقول تعالى: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا).. وكما يعبر الاستاذ محمود: "نحن لا نسمو على العقيدة، وإنما نسمو بها"، وعلى كل، جميع المعرفة الدينية في الأرض، منذ سيدنا آدم، والى اليوم، تقع في مراحل الايمان، لا يخرج عن ذلك إلا المسلمين من الأنبياء والمرسلين.. وهذه المعرفة، التي تقع في مرحلة الايمان هي أكبر معرفة تحققت في الارض، ما عدا حالة الاستثناء التي ذكرناها.
    هنالك آية، أعتقد أنها دامغة في توكيد أهمية الايمان، يقول تعالى: (ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين) المائدة-5.. من يكفر بالايمان، تعني، فيما تعني، من يكفر بمبدأ الايمان، كما تعني أركان الايمان.
    أنا لست في حاجة لايراد الكم الهائل من المعرفة الواردة في الفكرة، عن العقل وأهمية الفكر، في الإسلام، وعن دور المنهاج في تهذيب عقل المعاش، والانتقال به الى عقل المعاد، وكل ما ورد في هذا الصدد، في تراث الفكرة، ولكنني أحب أن أختم بهذا الحديث النبوي: روى أنس رضي الله عنه قال: "أثني على رجل عند رسول الله بخير.. فقال لهم: كيف عقله؟ قالوا: يارسول الله نثني عليه بالعبادة وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الأحمق العابد يصيب بجهله أعظم من فجور الفاجر.. إنما يرتفع الناس في درجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم"
    يقول الأخ عبد الله: "ولا يصح افتراض أن المهيمنين على الدولة محايدون في آداء أعمالهم، لأن الناس يتصرفون وفقاً لمعتقداتهم ومبرراتهم الشخصية".. "الناس يتصرفون وفق معتقداتهم" هذا ينطبق على كل الناس، وهو في حق من مرجعيتهم المنطق المدني أوكد، لأن مرجعيتهم هذه لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتهذيب العقول، وتربية النفوس ولا يمكن التخلص من الهوى، الذي يؤدي الى عدم الحياد إلا بالتربية الدينية الصحيحة.. من المستحيل أن يتم الحياد، بصورة تلقائية أو بدون منهج.. فمجرد ابعاد العقيدة من الحوار، لا يؤدي الى اقناع الآخرين بالحجج.. والمنطق المدني عقيدة، هو عقيدة في أن الحوار دون العقيدة يعين على الاقناع بالحجج.. هو عقيدة في العقل المجرد، ولذلك هو عقيدة بدائية، قد خلفها الزمن بصورة واضحة.. وحتى القرن الثامن عشر، في أوربا، لم يكن الاعتماد على العقل بهذا التطرف.. يقول عبد الله: "وليس المرجعية الدينية العقائدية التي يختلف فيها الناس بالضرورة" ويقول: "وينبني قولي هذا على أن الدين قائم على العقيدة دائماً، حتى لدى من يتجاوزون العقيدة من خلال الاعتماد عليها".. واضح أن صاحب المنطق المدني يؤكد أنه لا أمل في الحوار بالحجة والمنطق، إلا إذا استبعد الدين من هذا الحوار، بما في ذلك الدين في مستواه العلمي، لأن "الدين قائم على العقيدة دائماً حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الدين".. الضمان الوحيد، هو استبعاد الدين من الحوار، والاعتماد الكلي على المنطق المدني!!
    ونحن لنا الى الموضوع عودة، ولكن لنرى الآن، منطق، المنطق المدني، كما هو مطبق عند صاحبه وداعيته.

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 18/7/2009
                  

04-25-2016, 03:26 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم 22 يوليو 2009 نشر الأستاذ خالد الحاج الجزء الثاني من مقاله المطول، وسأجعله بلون واحد وفي مداخلات مختلفة مثلما تم نشره في الصالون:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مواصلة الحوار حول طرح الأخ عبد الله
    المنطق المدني (2)


    بعد أن عرضنا رأينا في المنطق المدني، من حيث المبدأ، سنتجه في هذه الحلقة الى مناقشة المنطق المدني كما هو مطبق عند صاحبه، فصاحب المنهج، بالطبع هو أفضل من يطبقه، كما أن أفضل حكم عليه، هو الحكم عليه كما هو مطبق عند صاحبه، فهو يظهر إذا كان هذا المنهج يقوم على أساس متين أم لا.. ونحب أن يتابع القارئ ، الجوانب التالية: ـ
    1. التناقض وفي القضايا الأساسية بالذات
    2. المغالطات المنطقية، ونستخدم كلمة مغالطة في معنى الكلمة الانجليزية fallacy
    3. تخطئة قضايا عندما تأتي من الآخرين، واستخدامه هو لنفس القضايا، على اعتبار انها صحيحة
    4. التعامل مع الواقع
    5. التعريفات وتحديد المفاهيم.. وهذه جميعها قضايا اساسية في تحديد منطقية منهج "المنطق المدني".
    ونبدأ بموضوع الدولة الدينية، على اعتبار أنه موضوع أساسي في طرح الأخ عبد الله، وهو من أهم مواضيعه التي يمكن الحكم على المنطق المدني من خلالها.. فعند الأخ عبد الله، كما أوردنا العديد من نصوصه، الدولة الدينية وهم، وهي خطأ مفهومي، فلم تكن هنالك دولة دينية في الماضي، فحتى دولة المدينة دولة سياسية وليست دينية، ولا توجد دولة دينية في الحاضر، ولايمكن أن توجد دولة دينية في المستقبل، وكل هذا سبق أن أوردنا فيه النصوص من أقواله.. وحجة عبد الله الأساسية، ضد الدولة الدينية، هي أن الدولة في ذاتها لا تقدر على التدين أو الاعتقاد ولا يصح أن ينسب لها الاعتقاد الديني أو النية اللازمة لصحة العمل الديني..
    الأمر كله يقوم على مفارقات أساسية للمنطق السليم ولا يقوم إلا على مجرد مغالطات منطقية، ونحن سنوضح ذلك في النقاط التالية: ـ
    1. عبد الله لم يورد أي نموذج من أي جماعة او فرد ممن تحدثوا عن الدولة الدينية مؤيدين لها أو معارضين، أو مجرد دارسين لها وهم كثر ـ هو لم يورد نموذجاً لواحد من هؤلآء قال بأن الدولة الدينية هي الدولة القادرة على التدين أو الاعتقاد في ذاتها، أو تملك امكانية الاعتقاد الديني، أو النية الصالحة للعمل الديني.. وهو لم يورد أي نموذج، لأنه لا يوجد هذا النموذج، ولذلك هو بنى على مفهوم خاص به، وطبقه على الآخرين، الذين لا ينطبق عليهم.. وهذا هو أبعد أنواع عدم الموضوعية، وغياب المنطق.. فليس من المنطق في شيء أن تنسب للآخرين خلاف ما يقولون.. وهو أمر يجعل الحوار مستحيلاً.. والآن مطلوب من عبد الله، أن يورد نموذجاً واحداً لاستخدام الدولة الدينية بالمفهوم الذي يتحدث عنه.
    2. مفهوم أن الدولة الدينية، هي الدولة التي تقدر على التدين أو الاعتقاد، والنية الصالحة للعمل الديني، مفهوم خاطيء ويقوم على مغالطة منطقية مكشوفة.. وهي مغالطة تتعلق باستخدام اللغة.. فكلمة دينية من عبارة (دولة دينية)، ليست (صفة) وإنما هي (نسب).. فالأصل في النسب، أن تلحق بالمنسوب اليه ـ ياء مشددة مكسور ما قبلها (دينِيـّة) والتاء للتأنيث ـ فدولة دينية تعني دولة منسوبة للدين، وليست متدينة في نفسها.. ففهم عبد الله، من كلمة (دينية) أنها (متدينة) تقدر على العبادة ، فهم خاطيء، لا تعطيه عبارة، دولة دينية.. وهذا خطأه هو.
    وحتى لو قيل دين الدولة او أخلاق الدولة، فهذا لا يعني بالضرورة أن الدولة تقوم على التدين، وعلى الأخلاق.. وبالفعل يتحدث ميكافيللي عن دين الدولة واخلاق الدولة ولم يفهم أحد أن ميكافيللي يقصد أن الدولة تستطيع أن تكون متدينة.. فتخريج عبد الله تخريج خاطيء جداً، ويدل على غياب حقيقي للمنطق والموضوعية، ومع ذلك، هو يكرره في اصرار ويبني عليه.
    3. الذين تحدثوا عن الدولة الدينية، أوردوا تعريفهم لها، وهو تعريف شائع جدا، تجده في كل المعاجم، والموسوعات، وفي جميع المراجع في مجال الاختصاص، ولم يورد لنا عبد الله نموذجاً واحدا من هذه المراجع ، منه يفهم أن الدولة الدينية هي بالمعنى الذي يتحدث عنه.. وجميع هؤلآء، وغيرهم متفقون على وجود الدولة الدينية، ولكن بخلاف المعنى الذي يبني عليه عبد الله.. وجماعة الإسلام السياسي، لها مفهوم واضح للدولة الدينية، ومتوفر في مراجعها، ولاعلاقة له من قريب أو من بعيد بالمفهوم الذي يتحدث عنه عبد الله.. وقد سبق أن ذكرنا أنه مفهوم يقوم على (الحاكمية).. فالأمر الطبيعي، والموضوعي أن يورد عبد الله هذه المفاهيم، ويبدي رأيه فيها، لا أن يتركها كأن لم تقل، وينسب لأصحابها خلاف ما قالوا به، ويخطئهم ويدينهم، على اساس ما نسبه لهم بالباطل.
    4. القول بأن الدولة الدينية، هي الدولة التي تقدر على التدين خطأ بداهة، فإن وجد من يقول به، فهذه حالة شاذة غير طبيعية.. أما أن تعمم هذه الحالة، وتعتبر هي القاعدة بالنسبة لكل من يقول بوجود دولة دينية، فهذا أمر لا علاقة له بالحوار الفكري.
    5. إن مجرد القول بأن من يتحدثون عن الدولة الدينية، يفهمون أنها تقدر على التدين والاعتقاد، هو اتهام ضمني لهم في عقولهم.. ولكن الأخ عبد الله لم يترك الأمر للاتهام الضمني، وإنما هو تحدث صراحة عن هذا الأمر، وفي عبارات قاسية مثل (لايستقيم عقلاً، ولا يصح ديناً) و (بدعة ووهم) ومع ذلك عبد الله يدعو الى أن تكون الحوارات (بصورة متمدنة وباحترام وتقدير) ألم يكن الأحرى أن تلتزم أنت بذلك.
    6. من هم هؤلآء الذين تحدثوا عن الدولة الدينية، مؤيدين أو معارضين، أو مجرد دارسين؟! فليستعرض كل منا، من يعرفهم.. هل أمثال هؤلآء يصح أن يقال في حقهم أنهم يقولون ما لا يستقيم مع العقل، ولا يصح ديناً؟!
    لا، والله، إن منهم أعقل العقلاء وخير المتدينين في الأرض، وقول عبد الله هذا لا يعلق بهم.. إني والله لأجد الحرج، في ذكر أسماء بعض من لحقهم هذا الحكم الجائر
    7. الأمر المدهش، أن الأخ عبد الله، رغم كل المماحكة، حول الدولة الدينية، هو نفسه يستخدم التعبير بنفس المعنى الذي يستخدمه به من ينتقدهم بالصورة التي رأيناها!! في حق الآخرين يقول لا توجد دولة دينية، والأمر خطأ في المفهوم، وفي نفس الوقت يعطي نفسه الحق في الحديث عن الدولة الدينية!! أسمعه يقول: "وسواء أطلقنا على مجتمع النبي في المدينة من المسميات الحديثة، عبارة الحكم الديني (ثيوغراطي) أو حكم الشريعة (نوموقراطية) فقد كان له تنظيم فعلي معين، كان المفروض أن يحتذي حذوه بعد وفاته، مع بعض التغييرات الناجمة عن انقضاء الوحي الالهي" ويقول: "لقد كان عليه الصلاة والسلام ـ وفق المعيار الدستوري ـ هو الحاكم البشر الأصل، ومؤسس الدولة الإسلامية".. أكثر من ذلك هو يقول عن الخميني أنه زعيم دولة مسلمة اسمعه يقول: "أما الأمر الأشد مدعاة للقلق فهو أن يقوم زعيم دولة مسلمة، هو الامام الخميني في ايران، بدعوة المسلمين الى مطاردة واغتيال مواطني دولة أخرى!!" راجع كتاب (نحو تطوير التشريع الإسلامي) الصفحات 112 ،113،230 على التوالي.. ثم بعد ذلك جاء ليقول: "دولة المدينة دولة سياسية، وليست دينية".. "إن مفهوم امكانية اقامة دولة دينية وهم باطل لا أساس له على الاطلاق من ناحية مفهومية".. "وهي لم تقع على مر التاريخ في أي مكان"!!
    كان يمكن أن نكتفي بالنقاط التي ذكرناها، فهي كافية، ولكن لتوكيد أن المنطق المدني يقوم على مجافاة المنطق والموضوعية، بصورة شاملة، وليس في مجال محدد بعينه، نواصل في ايراد بعض النماذج الأخرى.
    8. يقول عبد الله: "القانون ليس شريعة، والشريعة ليست قانوناً، وعندما نتوهم أننا يمكن أن نقنن للشريعة، نغير من طبيعتها كنظام وقواعد سلوكية ملزمة للمسلم ديناً، فتصبح قاعدة قانونية ملزمة للمواطن قانوناً"..
    هذه مغالطة منطقية، تقوم على، ما يعرف بمغالطة اشتراك الاسم، وهي مغالطة لغوية.. فهو يورد قول صحيح، ينطبق على الشريعة الفردية، ولكن يعممه ويطبقه على الشريعة الجماعية، وهي قانون ولا يصح قوله في حقها.. فالاسم (شريعة) مشترك بين الشريعة الفردية والشريعة الجماعية، فهو يبني على هذا الاشتراك وينسب للشريعة الجماعية، ما هو مقصود به الشريعة الفردية.. وقد سبق لي أن أشرت لهذه الظاهرة وأوردت المثل الذي يدرس لطلاب المنطق وهو يقول:
    a. النجم جرم سماوي مضيء
    b. ماردونا نجم
    c. إذا مردونا جسم سماوي مضيء
    فالشريعة الفردية، لا تقنن، ولكن الشريع الجماعية يمكن أن تقنن وتنفذ بسلطة الدولة.. وهذا ما يقوله عبد الله نفسه: "وفي اعتقادي أنه بالنظر الى أن النسخ قد استخدم في الماضي في اقامة صرح الشريعة التي باتت تحظى بعد ذلك بالقبول باعتبارها نموذجاً إسلامياً حقيقياً ذا حجية، فإنه بالوسع استخدام الاسلوب ذاته اليوم من أجل وضع قانون إسلامي حديث ذي حجية وطابع إسلامي حقيقي" ص 82.. ويقول: "أما أن نستمر في تجاهل الشريعة في الشؤون العامة او نطبق مباديء الشريعة دون اعتبار للاعتراضات المتصلة بالدستور أو القانون الدولي أو حقوق الانسان.
    فأما الخيار الأول فأرفضه عن مبدأ، لأنه ينتهك التزام المسلمين الديني بتنظيم كافة مظاهر السلوك في حياتهم العامة والخاصة على هدى تعاليم الإسلام" ص 91.. ما هو هذا الخيار الذي يرفضه عن مبدأ؟ هو "أن نستمر في تجاهل الشريعة في الشؤون العامة"!! هنا يرفضه عن مبدأ، وهناك يزعم أننا "عندما نتوهم أننا يمكن أن نقنن للشريعة نغير من طبيعتها"!! يقول عبد الله: "وفي رأينا أنه من الضروري مواءمة القانون الإسلامي وتكييفه وفق ظروف الحياة المعاصرة واحتياجاتها داخل اطار إسلامي عام، حتى لو أدى ذلك الى الغاء أو تعديل مظاهر معينة من الشريعة التقليدية" ص 21.. ويقول: "والغرض من الكتاب هو مناصرة تبني أكثر المناهج قدرة على تحقيق اصلاح حقيقي وكاف للقانون العام في الإسلام. وستكون الصورة المقترحة للقانون العام في مثل إسلامية الشريعة.. . في أي زمن كانت، بالنظر الى انها ستنهل من المصادر الأساسية نفسها للإسلام التي اعتمد عليها الفقهاء الأوائل في بناءهم لصرح مباديء الشريعة في المجال ذاته"
    ويقول: "وفي اعتقادي أنه من الأفضل أن نقوم بتقييم القانون العام في الشريعة والتجربة التاريخية وتطبيقها، وأن نسعى الى وضع مباديء إسلامية بدبلة للشريعة في القانون العام، تطبق في عصرنا الحديث. وهذا هو الهدف من هذا الكتاب" ص 76..
    من جانب "القانون ليس شريعة، والشريعة ليست قانون ، وعندما نتوهم أننا يمكن أن نقنن للشريعة نغير من طبيعتها".. ومن الجانب الآخر "من الأفضل أن نقوم بتقييم القانون العام في الشريعة"!! ففي الشريعة قانون عام.. ثم "وأن نسعى لوضع مباديء إسلامية بديلة للشريعة في القانون العام".. والمقصود شريعة مطورة من داخل الإسلام.
    9. يقول الأخ عبد الله: "أدعو للعلمانية والتعددية، وحقوق الانسان من وجهة نظر إسلامية، فأنا اعتقد أن هذا المنهج ضروري لحماية حرية الإسلام.. ".. كونك تدعو للعلمانية هذا أمر واضح، ولم لم تقل (أدعو للعلمانية).. أما كون دعوتك هذه (من وجهة نظر إسلامية) فهذا غير صحيح تماماً، فأنت في منهجك (المنطق المدني) لا تعطي الإسلام مجرد الفرصة ليشارك في الحوار في القضايا العامة، وتستبعده بصورة كلية، كما أوردنا من أقوالك.. وهذه النقطة سنقوم بجلائها بصورة واضحة.. ما يعنينا هنا هو التناقض في المنطق المدني.. فداعية العلمانية، ومنهجها، الذي يرفض اشراك الدين في الحوار، يقول في موضع آخر: "فكما قال فضل الرحمن بحق (إن الصعوبة أمام العلماني الحقيقي [في العالم الإسلاميٍ] هي اضطراره الى اثبات المستحيل وهو أن محمداً حين يسلك مسلك المشرع أو الزعيم السياسي، إنما يسلك مسلكاً علمانياً خارج اطار الدين).. فبالاضافة الى الصعوبة العلمية - اعتقد المقصود العملية - في تقديم حجة مقبولة في هذا الاطار فإنه من رأيي أن الإتيان بها يحرم المسلمين من مصادر حضارية بالغة الأهمية ولازمة من أجل انماء هويتهم الخاصة. وإنه لمن غير المحتمل أن تقبل غالبية المسلمين الى الأبد إضفاء العلمانية الى حياتهم العامة".. وهذا المستحيل الذي ذهب اليه فضل الرحمن، ووافقه عليه الأخ عبد الله ذهب اليه عبد الله بقوله عن دولة المدينة أنها (سياسية وليست دينية) فهو ينفي عنها صفة الدينية ويثبت لها (السياسية) اليست هذه نفس العبارة (إنما يسلك مسلكاً علمانياً خارج نطاق الدين) لا يوجد فرق في المعنى بين عبارة (خارج نطاق الدين) وعبارة (ليست دينية)
    10. هناك مشكلة أساسية جداً، في طرح الأخ عبد الله، وفي منهج المنطق المدني، تتعلق بتحديد ما هو ديني وما هو غير ديني، فهو يقول مثلاً: "فكل ما يدركه المسلمون اليوم من تصورات الشريعة حتى تلك التي ينعقد حولها اجماعهم، ما هي إلا حاصل آرآء بشرية عن معنى القرآن والسنة، قبلتها أجيال المسلمين السابقة ومارستها مجتمعاتهم".. ففهم القرآن والسنة، حتى ولو تم عليه اجماع المسلمين هو عند عبد الله أمر بشري!! وكونه بشرياً، عند عبد الله، يجعله ليس دينياً!! ولكن ما هو الأمر الديني؟! الأمر الديني، كما أراه، هو العمل البشري الذي يقوم على توجيهات الله للبشر ـ وليس للملائكة ـ كما جاءت في القرآن أو كما جاءت في توجيهات رسوله الكريم.. وهي بالضرورة تقوم على فهم البشر لها، وهي من أجل فهم البشر.. هل يمكن للأمر الالهي أن يقوم عند البشر دون ن يفهموه، ويعملوا به وفق فهمهم له!؟ هذا أمر مستحيل بداهة، وهو ليس مطلوب ديناً.. هذه النقطة ينبني عليها الكثير جداً من المفارقات.. يبدو أن أقوال عبد الله عن دولة المدينة: بأنها سياسة وليست دينية، تقوم على هذا الفهم.. وهو يضرب مثلاً، فيقول: "على سبيل المثال معاقبة شرب الخمر او منع التعامل بالربا قانوناً، هو بالضرورة رؤية بشرية في اطار سياسي قانوني محدد".. الى أن يقول: "وضع السياسات والتشريعات وتطبيقها يخضع دوماً للخطأ البشري بما يجعلها أبداً عرضة للمسألة والاختبار، دون أن ينعكس ذلك على الاعتقاد الديني في إلزامية الحكم الشرعي على المسلم" عبارة (بالضرورة رؤية بشرية) توضح أن الأمر الديني عنده، لا يقوم على رؤية بشرية، وهذا قطعا غير صحيح، هو بالضرورة يقوم على رؤية بشرية، لكن الرؤية البشرية خاضعة، للتوجيه الالهي، الوارد في النص.. الاختلاف الأساسي بين ما هو ديني وما هو غير ديني، لا يقوم على أن الرؤية بشرية أو غير بشرية، في جميع الحالات الرؤية بشرية، الاختلاف هو: هل هذه الرؤية قائمة على توجيهات الدين كمرجعية لها، أم قائمة على تقديرات العقل البشري وحده.. في هذا الاطار يقول الأخ عبد الله: "وإعطاء أي سلطة بشرية تقرير ما يجوز أو يجب ديناً، يناقض الطبيعة الدينية للشريعة ذاتها. وهذا المنطق هو أحد الأصول الإسلامية الرئيسية التي اقترحها لتأسيس الدولة المدنية، وضمان حقوق الانسان والمواطنة للجميع".. لاحظ (أحد الأصول الإسلامية الرئيسية) كلمة (سلطة) في نص عبد الله، ليست أكثر من تعمية، وهو كما رأينا، يقرر حتى ما يقوم عليه الاجماع مما جاء في القرآن والسنة هو بالضرورة بشري، وليس ديني، ويجب أن يخضع للمنطق المدني.. فالدين في جميع الحالات عنده يخضع للمنطق المدني، بما في ذلك الرسالة الثانية.. فهو تحدث عن السماح للمسلمين بالتشريع في هذا الاطار.. فالإسلام عنده ليس هو اطار التوجيه، وإنما هو محكوم بالمنطق المدني وحقوق الانسان، والدستورية، في اطار المنطق المدني.. وأمر الدولة عنده محسوم: لا توجد دولة دينية، ولن توجد في أي يوم من الأيام، حسب عباراته (وبعبارة أخرى فإن الدولة بكافة مؤسساتها هي ذات طبيعة مدنية لا دينية، مهما كانت المزاعم بالدولة الدينية).. هذه (المزاعم بالدولة الدينية) الفكرة ليست خارجها، فالأمر مبدئي.
    وفي المثال الذي ضربه، إذا تم تحريم الربا أو الخمر بالقانون، فالامتناع عنهما لا يكون عملاً دينياً، إنما هو طاعة لقوانين الدولة!!
    11. يقول عبد الله: "فالفكرة الجمهورية، تهدف الى تصحيح التزام الإسلام لدى كل مسلم وليس باقامة دولة تزعم أنه إسلامية، فتلك هي مغالطة وخداع للشعب" الصحافة 17/5/2008 م
    أنا هنا أعرض هذه النقطة فقط في إطار المنطق المدني، وما يقوم عليه من مغالطات منطقية، ومغالطات للواقع.. هل الأخ عبد الله أحمد النعيم لا يعلم أن الفكرة تدعو لقيام دولة في إطار مفاهيم الرسالة الثانية!؟استبعد جداً أن عبد الله يجهل ذلك، فهو من الأمور البديهية في الفكرة.. وأمر الدولة حسب تصور الفكرة مفصل في كتاب (أسس دستور السودان)، ولا توجد فيه، ولا في غيره أي اشارة الى مرجعية المنطق المدني أو المنطق العام كما هي عند عبد الله فهذه مغالطة مكشوفة.. وعندما يتحدث عبد الله عن الفكرة إنما يتحدث عنها بشروطه هو، لا كما هي في الواقع، من أقوال صاحبها.
    12. في سبيل الحياد، وضمان الاعتماد في الحوار على الحجج دون تأثير من دين أو فلسفة، استبعد المنطق المدني الدين من ميدانه كآلية للحوار، حتى يكون المنطق مشاعاً بين كل المواطنين، هذه هي حكمة المنطق المدني، ولكنها حكمة هو نفسه لا يتأثر بها، فقط ليلزم بها الآخرين، أو يبعدهم.. إن أبسط الأشياء التي تقوم على الحياد والموضوعية، التعريفات، وتحديد المفاهيم، فإذا كان هنالك خطأ فيها يكون الحوار الموضوعي مستحيلاً.. والتعريف يقوم على طبيعة الشيء المعروف كما هو في الواقع، أما إبداء الرأي يأتي بعد التعريف.. ولكن المنطق المدني التعريف عنده حكم مسبق على الموضوع الذي يراد تعريفه، وهو حكم مسبق، يتم حسب رؤية، المنطق المدني، وربما رغبته ـ للشيء المراد تعريفه.. وقد رأينا نموذجاً لذلك، في موضوع الدولة الدينية.. ونحن هنا نعرض نموذجاً آخر لتوكيد أن الموضوع موضوع ظاهرة، وليس مجرد خطأ في حالة أو حالتين.
                  

04-25-2016, 03:48 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في نفس يوم نشر الكتابة الأخيرة قام أحد أعضاء الصالون وهو قصي همرور شيخ الدين بكتابة مداخلة لم تكن الأولى له في خيط الحوار ذاك، ولكنها كانت ذات أهمية خاصة، أنقلها لهذه الأهمية، ولكون قصي من أكثر الجمهوريين اطلاعا على طرح النعيم.

    عبارة الأستاذ خالد تقول:
    رأينا أن الأخ عبد الله ـ في منهجه الاستبعادي ـ المنطق المدني ـ يستبعد الدين من الحوار البشري، في مجال السياسة والقانون، بحجة أن الدين في جميع مستوياته، يقوم على العقيدة..

    عزيزي الأستاذ خالد الحاج
    أعزائي الأساتيذ الكرام
    هذه مداخلة أخرى في سبيل التعليق.. لا أحب أن يكون بها مصادمة لخط الأستاذ خالد في تقعيد المفاهيم وضبطها، حسب وجهة نظره، كما لا أظن أن سيكون بها جديد قول، لكن ربما جديد صياغة نابع من تفاعل إيجابي مع كتابات الأستاذ خالد.

    أنا، حسب فهمي لأطروحة الأستاذ النعيم، لا أتفق مع ما قرره الأستاذ خالد في العبارة المقتبسة أعلاه، ولو كنت أرى ذلك في أطروحة النعيم لما أيدتها، بل إني رأيت منذ البداية تأكيد النعيم على استحالة استبعاد الدين من الحوار البشري، في مجال السياسة والقانون وفي غيره، بيد أنه طرح آلية لتنظيم هذا الحوار حتى لا تضيق المرجعيات ببعضها البعض على أساس العقيدة، ومن ثم تذهب فرص التأثر والتأثير بالوسائل المدنية.. الأستاذ خالد هنا، مع كامل احترامي، وبعد كل التأسيس المفاهيمي والتاريخي الذي أثرى به هذا الخيط، إنما يعود ليرد على تصور معيّن للعلمانية، ليس هو تصور النعيم المطروح للدولة المدنية (أو علمانية الدولة، لا علمانية المجتمع) في نظر مؤيدي أطروحته، وهي نفس المشكلة التي واجهت حوارنا – أي المخالفين والمؤيدين لأطروحة النعيم – منذ البداية.

    نقطتان أحب تقديم وجهة نظري فيهما، عن المنطق والمنطق المدني

    (1)
    المنطق هو اتجاه التفكير الذي تتسق فيه النتائج مع الأسباب.. هذا تعريف مختصر للمنطق، ولست متأكدا إن كان فيه أي اختلاف مع التعريف الذي قدمه الأستاذ خالد (ولا أرجح ذلك)، لكنه على العموم التعريف الذي أقبل به أنا للمنطق، إذا كان الأستاذ خالد يطرح ما هو غيره.. أقول لست متأكدا فقط حتى لا أزعم أن الأستاذ خالد سيؤمّن على فهمي لتعريفه للمنطق.

    والفكر، كما ذكر الأستاذ خالد نفسه، لا يترعرع في غير ظل مسلـّمات مسبقة (اقرأ عقيدة)، ممدوة من افتراضات شعورية/وجدانية ممدودة بدورها من مشاهد وتجارب حياتية متنوعة تنعكس على مستويات وعي متفاوتة، حتى في العلوم الطبيعية والتكنولوجية، وهذه المسلـّمات تبقى موثوقة ما دامت نتائج التجربة العملية لا تناقضها بصورة واضحة، وعلى العموم فهذه النقطة أوفاها الأستاذ خالد بما لا يحتاج لمزيد.

    لنفس هذا السبب فإن أي منطق لا بد له من مرجعية! هو معيار صحة التفكير، نعم، لكنه لا يقوم على غير مرجعية، وليس هو المرجع الأصلي دوما.. هذا الأمر واضح في ما نراه في ممارساتنا اليومية فيما يعرف بالـ"المنطق الداخلي" و"المنطق الإجرائي".. المنطق الداخلي هو المتواضع عليه بين من ينتمون لمرجعية معيّنة هي أضيق من المرجعية الأشمل.. مثلا، منطق تقدير المواقف وتمييز القضايا بين الجمهوريين داخليا يختلف عن منطق محاورتهم للخصوم الفكريين (اختلاف مقدار طبعا)، كما انه يختلف حين يكون هؤلاء الخصوم مسلمين أو متدينين عموما أو ملحدين؛ ذلك لأن مرجعية كل مستوى من هؤلاء تختلف في مجال اشتراكها مع مرجعية الجمهوريين، وبالتالي فسيرورة المنطق ودواليبه تتغير (ويبقى العود ما بقي اللحاء).. اللغة نفسها هي رسول المنطق للعقول، لكن العالم يحتوي على لغات شتى، بقواعد نحو شتى (وعلوم النحو علوم منطق في جوهرها، إذ أنها ترسم خط اتساق النتائج مع الأسباب لدى المجموعة المتفقة على مرجعية اللغة المعنية كأداة للتواصل).. من أمثلة المنطق الإجرائي أيضا ما نراه في لغات الحاسوب، في ما يسمى بالمنطق الرقمي (Digital Logic)، وهو منطق لا تقوم أي لغة حاسوب بدونه، على تعدد شكوله، وفيه لا تتجسد النتائج إلا باتساقها مع القواعد الأولية لتلك اللغة الرقمية.. هذه القواعد الأولية (اقرا الأسباب) هي "مرجعية" ذلك المنطق.

    الأستاذ النعيم طرح آلية تنظيم للحوار في إطار مؤسسات الدولة (وهذا إطار واضح جدا وليس مبهما أو مخلوطا مع إطار الحياة المجتمعية العامة – في السياسة وفي الثقافة وفي المجتمع المدني والتقاليد الشعبية والقواعد الأسرية، الخ – الذي هو أوسع بكثير من إطار مؤسسات الدولة)، ثم سمى هذه الآلية بالمنطق المدني، وحدد مرجعيته المشتركة بين الناشطين والفاعلين فيه، وهي المواطنة في إطار الدولة.. هذا القول أراه صياغة جديدة، مع بعض التفصيل، لرأي الفكرة الجمهورية القديم بأن أساس الحقوق والواجبات في الدولة يقوم على المواطنة، لا على عقيدة أو جنس أو لغة أو ثقافة، وهذا ببساطة لأن المواطنة هي الأرضية المشتركة الواضحة بين جميع المنتسبين للقطر الجيوسياسي للدولة، وبهذا استحقت أن تكون المرجعية المقبولة للجميع، لا لسبب آخر.. هذا والمواطنة ليست قضية جانبية في الفكر السياسي المعاصر، في نظري، فهي مرجعية واضحة المعالم والتبعات في إطار الدولة القطرية المعاصرة، وتتشكل معظم الحقوق والواجبات حول محورها، كما انها هي نفسها مبنية على إرث مرجعي عتيد من التجارب الإنسانية وفهمها لذواتها، وهو إرث متأثر بالدين، من حيث هو دين، لأبعد الحدود، عمقا ومساحة.

    (2)
    الأستاذ النعيم لا يطرح أن يأتي الناس لميدان المنطق المدني بعد التخلص من عقائدهم، كما لا يطلب منهم أن يتركوا عقائدهم في منازلهم قبل الإتيان لهذا الميدان، ولا أخفي استغرابي من كوننا – معارضين ومؤيدين – حتى الآن لم نصل لفهم مشترك واضح بيننا لهذه النقطة في أطروحة النعيم.. النعيم ببساطة يقول إن ميدان المنطق المدني لا يؤيد أن يطرح الناس أراءهم بخصوص السياسة العامة لمؤسسات الدولة وقوانينها كأطروحات عقائدية، بل عليهم أن يشرحوا آراءهم بصورة لا تستبعد من هم على غير عقيدتهم من فرصة الأخذ والرد، أي من فرصة "الحوار" ضمن شروط مرجعية المواطنة.

    في الواقع لو أننا قبلنا بأن يقدم الناس آراءهم في هذا الميدان على أساس أنها عقائد فنحن هنا نعمل بمنطق "استبعادي"، إذ أن أهل غير العقيدة السائدة مستبعدون بلا شك، ولا يحق لهم أن يعترضوا على الآراء المطروحة لأن هذا سيكون اعتراض على عقيدة الطارحين (ونحن نعلم تبعات ذلك بالتجربة المعاشة في التاريخ القديم والمعاصر)، ومن ثم فإن فرص الحوار تضيق ولا تتسع، وهذا القول متسق عندي مع قول الفكرة الجمهورية إن العقائد تفرّق ولا تجمع بين الناس ((..كل حزب بما لديهم فرحون)).

    لتوضيح رأيي أكثر، يمكنن أن أضرب مثلا بقضية الربا (وهي إحدى القضايا التي استخدمها الأستاذ النعيم كأمثلة لآلية المنطق المدني).. نحن كمسلمين نعترض على الربا لأنه حرام بالنص القطعي، وغيرنا من أهل الأديان يرون حرمة الربا أيضا (بنصوص قطعية وبغيرها)، لكن هناك أيضا من المنتسبين للاديان من يرى أن الربا لا غبار عليه اليوم (ومنهم من يُـلبسونه لبوس الدين كما نرى في ما يسمى بالبنوك الإسلامية)، لأسباب مردودة لهم، ومن الناس أيضا من هم غير مؤمنين بهذه الأديان أساسا.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن عقيدة بعض أهل الأديان في حرمان الربا لها مستوى من الفهم المنطقي يدعمها، هو أن الربا يعطي قيمة للملكية النقدية وللريع ورؤوس الأموال فوق قيمة العمل، بل ويجعل العمل خادما لهؤلاء، وبالتالي فهو يشيع الفساد والاختلال الاقتصادي في المجتمع عن طريق تضخيم ثروات من لا ينتجون على حساب من يعملون وينتجون، كما انه يغلق أبواب الاستقلال والنماء الاقتصادي على أكثر الفئات مساهمة في ازدهار المجتمع اقتصاديا (العمال بشتى مجالاتهم)، ويفتحها واسعة لمن هم خاملين في الإنتاج وغير مساهمين في هذا الازدهار إلا بما يحقق أغراضهم الخاصة (أصحاب الريع والنقد ورؤوس الأموال)، وتنداح هذه القسمة الضيزى على الاستقرار الاجتماعي وعلى شرعية تمثيل القرار السياسي للمواطنين (من لا يملك قوته لا يملك قراره).

    هذان مستويان من النظر لقضية الربا، كلاهما متسق مع الآخر (ويمكن القول إن أحدهما مستمد من الأخر)، لكن أحدهما قادر على مخاطبة جميع المواطنين في الدولة، في حين أن الآخر قادر فقط على مخاطبة أهل العقيدة المعنية، وبالتالي هو "يستبعد" غيرهم.. المنطق المدني ببساطة يستوفي شروطه حين نطرح معارضتنا للربا عن طريق المستوى الثاني الذي يستطيع جميع المواطنين مداولته، بغض النظر عن وجهات نظرهم العقائدية أو عدمها بخصوصه.. هذا هو الشرط المبدئي الموضوعي الوحيد، وليس هناك أي شرط آخر من سبيل حظر أصحاب العقائد عن المشاركة في هذا الحوار، كما أنهم أحرار تماما في التعبير عن عقائدهم والترويج لها في الحياة العامة باساليب أخرى مختلفة واوسع خارج إطار مؤسسات الدولة (وهو إطار ضيق وواضح الحدود بطبيعته كما ذكرنا، ولا يشمل جميع أوجه الحياة المجتمعية بأي حال من الأحوال)؛ والحق أن المواطن الواثق من مبادئ دينه، والمتشرب لها، قادر على طرحها لجميع الناس لا كعقيدة، بل كحجج موضوعية مقبولة لدى جميع المواطنين (وهذا هو جوهر طرح الفكرة الجمهورية في اعتقادي).. هذا أيضا متسق مع الفهم الموجود في أطروحة النعيم لحقيقة أن أي مواطن ناشط في ميدان الدولة لا بد وأن يكون متأثرا بخلفية عقائدية ما، أيا كانت، إذ أن النعيم هنا لا يتحدث عن حياد الأفراد تجاه الدين، إنما حياد الضوابط وحياد المؤسسات، وهي موازنة لا تزعم انها قطعية الحدود والكمال، لكن عدم قطعيتها هذا لا يعني أن نرميها كلها خلف ظهورنا بحجة أنها غير ممكنة التحقيق مئة بالمئة، فالمطلوب هنا هو السعي نحو الكمال النسبي – وهل هناك كمال غير نسبي؟ – لحلول معاصرة من أجل تعايش أفضل وأقرب لأهداف التلاقح الخلاق والتنمية المستدامة والثورة الثقافية.

    خلاصة:
    إن مرجعية المواطنة ليست مصادِمة لمرجعية العقيدة، بل تحاول تنظيمها في إطار معيّن يحتاج للتنظيم لكونه يستوعب مرجعيات عقائدية متعددة ومتفاوتة، وفي نفس هذا الخط فإن "المنطق المدني" لا يصادم جوهر "المنطق"، بل يحاول التوفيق بين مرجعيات "منطقية" متعددة ومتفاوتة في نفس ذلك الإطار المعيّن؛ إطار مؤسسات الدولة.. هذا ببساطة ما يعنية الأستاذ النعيم، حسب فهمي، بفصل الدين عن الدولة "مع تأكيد" علاقة الدين بالسياسة ومحاولة تنظيمها، لمصلحة جميع أهل العقائد الذين يشتركون في صفة المواطنة، وليس لضد مصلحتهم أو لإنكار حقوقهم في الحياة والتعبير الخاص والعام وفق خياراتهم الدينية، والدعوة لها بسبل شتى، ما دامت لا تنتهك نفس هذه الحقوق التي لغيرهم.

    إن معارضة النعيم لتقنين الشريعة (أي أن تكون الشريعة قانون دولة معاصرة) لا يعني معارضته لأن تكون الشريعة هادية للسياسة العامة والشؤون العامة للمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، ما دامت الحقوق الأساسية لغير المسلمين مصانة وما دام المجال مفتوحا لهذه الأقليات للتعبير والتأثير في السياسة العامة أيضا.. القانون (Law) والسياسة العامة (Public Policy) ليسا نفس الشيء في مجال الدولة، كما ان مجال المجتمع العام ومجال الدولة ليسا نفس الشيء، وأطروحة النعيم، خصوصا في كتابه الأخير، تسهب في شرح هذه القضايا، بالتمثيل وبالاستشهاد بالمراجع المختلفة وبتأسيس مفاهيمها المتبناة.

    محبتي واحترامي للجميع
                  

04-25-2016, 04:42 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)





    والآن أفصِّل:
    فقد سبق في هذا البوست أن استشهدت بما كتبه الأستاذ خالد الحاج في مقال له عام 1998 وهو:

    فقد سمعت كلاماً واضحاً في السبعينات عن ما أصطلحنا في ما بعد على تسميته بالتنفيذ.. قال الأستاذ: كل ما حدث للمسيح الاول تحدث صورة منه للمسيح الثانى.. بما في ذلك الصلب!! حاولت أنا شخصياً أن أعطى الأمر تفسيراً معنوياً، فتحدثت عن الصلب بمعنى حل التعارض بين العقل الواعى والعقل الباطن، أو شىء في هذا المعنى.. قال الأستاذ: لا.. الصلب الحسى.. ولقد انزعجت وقتها انزعاجاً شديداً، وأصبحت لا استطيع النوم المتواصل، وقد استمرت هذه الحاله لأكثر من شهر.. ثم نسيت!! نعم نسيت، وهذا أمر محير، وأعتقد أن له دلالة روحية إلى جانب الدلالة النفسية.. وأنا الآن استطيع أن اقول أننى لم انس، وانما أُنسيت!! وأعتقد أن الموقف كله كانت فيه حكمة تتعلق بانضاجنا روحياً وفكرياً وعاطفياً.. ولقد ظل الامر مرفوضاً عندى حتى بداية مساء 17 يناير 1985م.. وفى ذلك المساء تأكد لى التنفيذ.. وعندما تم التنفيذ وكنا بمنزل العم أحمد عمر بكوبر، ونسمع صوت المايكرفون، شعرت بسكينة حقيقية تتنزل على، وأعتقد أن هذا كان حال كل الأخوان والأخوات.


    المقتطف أعلاه من حديث الأستاذ خالد الحاج الذي نقله لنا الدكتور ياسر جدير بالتأمُل
    *
    شكراً دكتور ياسر على الإطراء وهو الأمر شراكة بيني وبينك والشاعر أسامة الخواض ...ووقفنا عند العلم اللدوني ...
    وتفاكرت مع الأكرم : عمر عبد الله على التفرغ له وقت أن يأذن المولى

    *

                  

04-25-2016, 05:58 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    تسلم يا أخي الفاضل/ عبد الله الشقليني
    ـــــــــــ
    وأواصل في وضع مواصلة مقال الأستاذ خالد نشرت يوم 23 يوليو 2009 في الصالون:

    يعرف المنطق المدني الجهاد بقوله: " While it is clear that the term ‘jihad’ has many meanings, and there are various requirements for its proper application or deployment, I am using it here to refer to the unilateral use of force by Muslims in pursuit of political objectives and outside the institutional framework of international legality and the rule of law in general”
    "للجهاد معان كثيرة كما هنالك عدة متطلبات لصحة ممارسته.. وأنا هنا استخدمه لأعني به الاستخدام للقوة من جانب واحد من قبل المسلمين لتحقيق أهداف سياسية خارج الاطار المؤسسي للشرعية الدولية ، وخارج حكم القانون بصورة عامة" ـ انتهى ـ
    هل هذا هو الجهاد أم حكم عبد الله على الجهاد!! واضح جداً، أن هذا استخدام لمصطلح جهاد، بصورة لا علاقة لها بمفهوم الجهاد أو تعريفه..
    1. يجب ملاحظة أن عبد الله يتكلم عن الجهاد بصورة عامة، وليس عن ممارسات معينة.
    2. الوضع الطبيعي والذي تقتضيه الموضوعية، والمنطق السليم، أن يُعرّف الجهاد أولاً حسب ما هو واقع، ثم بعد ذلك يبدي رأيه حوله، ولكنه أبدى رأيه من خلال التعريف نفسه، فأصبح التعريف بهذه الصورة حكم قيمي، وهذا أمر لا مجال للموضوعية معه
    3. إذا كان مجرد التعريف يتضمن حكماً مسبقاً، كيف كيف يمكن أن يكون هنالك حوار بين البشر!؟
    4. استخدام المنطق المدني، لمصطلح جهاد، لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد بالمصطلح.. فالمصطلح من الناحية اللغوية، عربي وهو مصطلح إسلامي، ورد في القرآن والسنة، وقد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم، بما يشرح معناه القرآني، بصورة محددة، وواضحة، ومعروفة، ولا علاقة لها بما قاله عبد الله.. ثم هو مصطلح تاريخي
    5. استخدام عبد الله للمصطلح، فيه ادانة للمسلمين عامة، دون استثناء ـ استخدام القوة من قبل المسلمين ـ وفيه ادانة للإسلام عامة، لأن هذا الاستخدام للقوة يقوم على مفهوم ديني ، يقوم على القرآن والسنة.
    6. حاكم عبد الله الجهاد على ضوء القانون الدولي، وهو مفهوم ظهر في القرن السابع عشر، في حين أن الجهاد ظهر في القرن السابع!! وحكم على الجهاد بأنه خارج حكم القانون بصورة عامة، وواضح أنه يشير الى القانون حسب الواقع الذي تقوم فيه الشرعية الدولية وفي اطار الواقع الذي يستخدم فيه مفهوم (الاستخدام للقوة من جانب واحد)، وهو القرن العشرين
    7. واضح جداً أن عبد الله استخدم مصطلح جهاد هنا لغرض، ولم يكن محايداً، ولم يتحدث عن المفهوم كما هو في الإسلام.. هذا الغرض هو ادانة الجهاد ، والحكم عليه بأنه استخدام للقوة من طرف واحد، وأنه خارج الشرعية الدولية، وخارج حكم القانون بصورة عامة.. فداعية الحياد في الحوار، يعجز أن يكون محايداً في مجرد استخدام مصطلح معروف جداً، ومع ذلك يبعد الدين كله عن مجال الحوار، لأنه يقوم على العقيدة.
    8. نصب المنطق المدني نفسه قاضياً، للحكم على الجهاد، وفي مجال ليس مجال قضاء.. وحكم على المتهم بالادانة، دون أن يسمع لأقوال الدفاع.. وأخطر من ذلك، حكم في القضية وفق قانون جاء بعدها، بأكثر من عشرة قرون!! هذه هي طبيعة الحياد والموضوعية في المنطق المدني.
    9. ربما أراد عبد الله، أن يدين العنف الذي يستخدم من بعض الجماعات، في وقتنا الحاضر باسم الجهاد.. ولكن عمل هذا الجماعات ليس جهادا، بالمفهوم الصحيح للجهاد، وليس فيه استيفاء لشروط الجهاد.. فمن الخطأ أن ندين الجهاد بصورة عامة ، لسوء استخدام جماعة معينة له
    10. ليس للجهاد معان كثيرة، فهو في الجانب الاصطلاحي كما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على معنيين فقط: الجهاد بالسيف ـ الجهاد الأصغر.. والجهاد الأكبر.. والجهاد الأكبر هو نقيض استخدام عبد الله لمصطلح الجهاد.
    معلوم عندي أن عبد الله، في طرحه، لا يستخدم النصوص الدينية.. ولكن في موضوع الجهاد، كان يمكن، بل كا ينبغي، الرجوع لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، من باب التوثيق في البحث، فهو من عرّف المصطلح، وهو مصطلح أساساً يرجع للدين الذي جاء به.. فمثل ما يقول عبد الله، قال فضل الرحمن، كان يمكن أن يقول قال محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ضروري، ولا معدى عنه، طالما أن الأمر يتعلق به.. ولكن هذا هو حياد المنطق المدني، يمكن أن يستشهد بنص من أي انسان، ولكن لا يستشهد بالنص القرآني، أو الحديث النبوي، حتى اذا كانت ضرورة البحث تقتضي ذلك ـ ونحن لنا الى موضوع التعامل مع النص عودة..
    يقول الأخ عبد الله، عن عدم استخدام النصوص من القرآن، والحديث والأقوال العرفانية: "السبب الثاني والأهم عندي لعدم استخدام النصوص في هذا الكتاب هو أن خطابي هو من باب (المنطق المدني) الذي يسعى لاقناع عامة المخاطبين من غير الاعتماد على المرحعية الدينية العقائدية بين المسلمين أو غيرهم من أصحاب الأديان أو المذاهب الفلسفية.. "
    أولاً: استخدام النصوص، لا يجعل الخطاب بالضرورة يعتمد على المرجعية الدينية العقائدية، فقد يستخدم الباحث النصوص لينقدها او يبدي رأيه حولها.. وضرورة الموضوعية في البحث العلمي، تقتضي، ذكر النصوص ذات الصلة حتى ولو كان الباحث ضد الدين نفسه.. وأنت عملياً تتحدث عن الإسلام وتتعرض لبعض قضاياه، مثل الجهاد، وهو مفهوم إسلامي، فالمنهجية العلمية الموضوعية تقتضي أن تورد تعريف أصحابه له، وتوثق قولك بالنصوص، ثم تبدي رأيك فيه، وهذا لا يجعلك تنطلق من منطلق عقائدي.. وعملياً، أيضاً، عندما تتحدث عن أفكار آخرين، أنت تورد النصوص التي تدعم قولك إلا عندما يكون الحديث عن الإسلام.. كان يمكن أن تورد النصوص، من منطلق منطقك المدني نفسه، بل لا مجال لخلاف ذلك، وأنت تتحدث عن الإسلام.. لايصح، اطلاقاً، في الحوار الفكري الموضوعي ان تناقش قضية متعلقة بجهة ما، ثم تترك رأي أصحاب القضية، وتنسب لهم رأي من عندك، ثم تناقشه على اعتبار أنه رأي تلك الجماعة، كما فعلت في موضوع الدولة الدينية، وموضوع الجهاد، ومواضيع أخرى!! هذه مفارقة مدهشة في غرابتها تجعل الحوار الموضوعي بين البشر مستحيلاً وبكل أسف إن منطقك المدني، في عموم حاله، يقوم على مثل هذه المفارقات.
    انت في ندوة الخاتم عدلان تقول: "ليس هنالك نص مقدس نحن نتكلم عن القدسية، وعن أن القرآن منزل، ولكن عندما يدخل القرآن العقل والتجربة البشرية ما عاد نص مقدس، جدوى النص المقدس هي في دخوله حياة الناس، في وعيهم وتجرتهم البشرية، لذلك هنالك تداخل أساسي بين الدين والعلمانية المادية.. جوهر القرآن يتجاوز وعي البشر ومقدرتهم على الالمام به، نهايات القرآن عند الله سبحانه وتعالى وبدايات القرآن عندنا هنا في الأرض".. كون القرآن مقدس عند عامة المسلمين، هذا واقع لا يمكن انكاره.. قول عبد الله "ولكن عندما يدخل القرآن العقل والتجربة البشرية ما عاد نص مقدس" ما هو إلا وسيلة لابعاد القدسية عن القرآن.. فالنص القرآني، كنص هو هو ، إذا كان في المصحف أو في عقول البشر.. فهم الناس للنص القرآني ليس مقدساً، ولكن عبد الله يتحدث عن النص وليس عن الفهم.. لغة القرآن هي أساساً لغة العرب، ولكن الله تعالى اختار أن يصب القرآن في قالب هذه اللغة فأصبح القرآن بين دفتي المصحف كلام الله، ومن هنا تأتي قدسيته.. والقرآن (عندما يدخل العقل والتجربة البشرية) حسب تعبير عبد الله، يمثله النبي صلى الله عليه وسلم.. فهو القرآن الحي، وهو مقدس، وينبغي أن يكون مقدساً، ومن أجل تقديسه أمرنا بالصلاة عليه، وأخبرنا من قبل الله تعالى، أنه أولى بنا منا.. وهذا أمر في التفكير المدني، يكون غريباً جداً ـ أعني أن يكون شخص أولى بالانسان من نفسه ـ وأمرنا ألا نرفع صوتنا فوق صوته، وإلا حبط عمل من يفعل ذلك.. إن الفكرة الجمهورية أكبر دعوة إسلامية، دعت لتقديس القرآن، وتقديس النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره.. والموضوع كله يتعلق بالعقيدة، فإشكالية عبد الله مع العقيدة، تنسحب على كل شيء يصدر عنه.
    وعبد الله كعادته، في فعل الشيء، وانكاره على الاخرين ينكر على الترابي أنه لا يستشهد بالقرآن، فهو يقول عن الترابي: "إنه لا يستشهد بآية قرآنية واحدة، أو بحديث نبوي واحد، أو حتى بقول لفقيه إسلامي مرموق".. وهذا ما ينطبق على عبد الله، فيما يتعلق بالقرآن والحديث، ولكن الاختلاف، أن الترابي لا ينطلق من مبدأ في عدم الاستشهاد، في حين أن عبد االه ينطلق من مبدأ..
    يقول عبد الله: "في الحقيقة ما في فهم ديني موضوعي.. كل فهم ديني فردي.. ما في رأي ديني موضوعي.. أي رأي ديني ذاتي".. أخشى أن يكون تعريف موضوعي وذاتي، مثل تعريف الدولة الدينية، والجهاد، بل لابد أن يكون كذلك، فالشخص واحد، والمنهج واحد.. ولكن الأمر هنا أسوأ بكثير جداً، فهو ابعاد نهائي للدين، ليس من مجال الحوار، وإنما من مجال الحياة كلها، ليصبح أمراً شخصياً ذاتياً.. الأمر بالعكس تماماً، الفهم الديني هو الوحيد الذي يمكن ان يكون موضوعبا.. ونعني بالموضوعي، ادراك الحقيقة كما هي، وأي فهم غير الفهم الديني، بما في ذلك الفيزياء، يكون الانسان فيه مشاركا ـ تمت مناقشة الموضوعية في كتاب (المعرفة وطبيعة الوجود) ـ ونحن لنا الى الموضوع عودة.. عبارة (كل فهم ديني فردي) ، عبارة مضللة، توهم القاريء بأن فردي، هي ذاتي.. طبيعة الفهم، في أي مجال من مجالات المعرفة، وليس في الدين فقط، هو دائماً فردي.. ولكن كونه فردي لا يعني أنه غير موضوعي، وهو قابل لأن يكون موضوعياً أو غير موضوعي.. والفهم عندنا يعبر عنه صاحبه، يصبح موضوعاً لمناقشة الآخرين له، وبعد ذلك يقرر إن كان موضوعياً، أو خلاف ذلك.. الفهم الديني، موضوعي، منذ البداية، لأنه لا يقوم على الرأي الشخصي الذاتي فقط، وإنما هنالك مصدر خارجي، يقرر في امر الحقيقة، هو الله، وما يخاطب به البشر، وهذا أمر غير متوفر في غير الفهم الديني.
    يجب ادراك أن آراء عبد الله هذه عن الدين، آراء مبدئية، ونهائية، عنده.. فهو بصورة مبدئية يرى أن الدين في أي مستوى من مستوياته، حتى في المستوى العلمي، يقوم على العقيدة ولا يصلح للحوار في الأمور العامة.. ويرى أن الفكر الديني، فكر ذاتي، وهو يستخدم كلمة ذاتي كمقابل لموضوعي، وهذا أمر عنده من طبيعة الدين، وليس أمراً مرحلياً.
    وهو يفرق بين ماهو ديني، وما هو مدني.. فما هو مدني لا يمكن أن يكون دينياً.. فالموضوع السياسي، هو سياسي وليس ديني.. فحتى دولة المدينة سياسة وليست دين!! وهذا موقف مبدئي عام، ونهائي.. الأمور المدنية العامة، ستظل مدنية، وليست دينية.. يجب ملاحظة أنه ينفي عن ما هو مدني امكانية أن يكون دينياً، فهو لا يكتفي مثلاً، بكلمة سياسي، وإنما ليؤكد ما يريد، يضيف ليس دين.. وهذه ظاهرة عامة عنده.
    يقول عبد الله: "أدعو للعلمانية والتعددية، والدستورية، وحقوق الانسان، من وجهة نظر إسلامية، فأنا أعتقد أن هذا المنهج ضروري لحماية حرية كل انسان..".. إذا ما يدعو له هو عقيدة عنده، (أنا أعتقد..).. لا أعتقد عبارة (من وجهة نظر إسلامية) في النص بها عبرة، فالإسلام مستبعد بصورة جلية وخاضع للمنطق المدني.. ما هو الأساس المرجعي الإسلامي حسب عبد الله نفسه: "هنالك بداية للفهم العام للإسلام باعتباره الديانة التوحيدية، التى أتى بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بين عامي 610و632م ، حين تلقى القرآن، ثم وضح معناه وأحكامه فيما عرف باسم سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك يشكل هذان المصدران الأساس المرجعي لأي فهم لمصطلح الإسلام، أو ما اشتق عنه من مفاهيم، أو صفات بين المسلمين. إنهما مصدرا العقيدة التي يتمسك بها كل مسلم، وبيان عبادته التي يتعبد بها، وخلقه الذي عليه أن يتخلق به. ومن القرآن والسنة يلتمس المسلمون الترشيد والتسديد، لتطوير علاقاتهم الاجتماعية والسياسية، ومعاييرهم القانونية، ومؤسساتهم المختلفة".. كلام واضح جداً، ومحدد.. القرآن والسنة هما المراجع (يشكل هذان المصدران الأساس المرجعي.. الخ) ولذلك أي طرح من منطلق إسلامي لا يمكن أن يتجاوزهما.. ولكن طرح عبد الله، ليس فقط، لا يقوم عليهما، وإنما يتجاوزهما، عن قصد، وتدبير ـ اسمعه يقول عن عدم استخدام النصوص من القرآن والسنة: "السبب الثاني والأهم عندي لعدم استخدام النصوص في هذا الكتاب هو أن خطابي هو من باب (المنطق المدني) الذي يسعى لاقناع عامة المخاطبين من غير الاعتماد على المرحعية الدينية العقائدية بين المسلمين أو غيرهم من أصحاب الأديان أو المذاهب الفلسفية.. "!!
    عندما تفارق المرجعية الدينية الأساسية ـ القرآن والسنة ـ حسب اقرارك أنت بنفسك، يصبح حديثك عن مرجعية دينية أو من منظور ديني، أو ليس على حساب المرجعية الدينية، يصبح كل ذلك مجرد كلمات، لا تدل على شيء اكثر من تناقضك الحاد، حتى بالنسبة للمنهج نفسه.
    بكل أسف، اتخذ الأخ عبد الله اسلوباً بعيداً جداً عن الموضوعية، ولا يمكن معه أن يتم حوار حقيقي جاد، فهو يلجأ لعدم التحديد وعدم الوضوح، بل يتعمد الغموض، واللبس، ولنرى بعض ذلك من أقواله.. فهو مثلاً في مقابلة أجرتها اديت كريسنا نشرت في موقع قنطرة، يجيب على بعض الأسئلة، بغموض، واضح أنه متعمد!! ولنورد بعض الأمثلة.
    السؤال: إن هذا كله يبدو وكأنه عصري وفردي جدا. هل تعتبر الشريعة إحدى دعائم تقنين الفكر الحديث بالنسبة لكم.
    أحمد النعيم: ليس هناك موضوع على مر التاريخ الإسلامي البالغ الفاً وخمسمائة عام إلا وتعرض للمناقشة أو النقد. إن فكري مرتبط بتقاليد عريقة.
    مثال ثاني:
    سؤال: هل تجدون الاجابة على أسئلتكم في ديانتكم؟
    أحمد النعيم: نعم، ولكني احتفظ لنفسي بالحق في الاجابة عنها شخصياً.. إن ديانتي تعطيني الكثير، بعض المسلمون يصفونني بالالحاد ولكن لا بأس
    مثال ثالث:
    السؤال: هل تؤمنون بالوحي؟
    أحمد النعيم: ثمة دائماً بشر يبلغوننا عن الله، حيث ثمة قوة ما تكمن وراء ذلك، إنها مسألة تتعلق بالعلاقة البشرية.. إننا عندما نتحدث عن المسلمين كأفراد نكون بصدد موضوع اجتماعي، إنهم أناس يعملون ويفشلون، إن حقوق الانسان والعلمانية من الأهمية بمكان بالنسبة لي لأنها تتيح لي فرصة النقد.
    هل هذه الأسئلة المباشرة تحتاج لكل هذا اللف والدوران؟! إن هذا الأسلوب يجعل الحوار غير عملي.
    هذه مجرد نقاط، عن نهج الأخ عبد الله ـ المنهج المدني ـ وهي كافية لتعطي أساسيات هذا المنهج، ورأينا فيه.. ونحن في المساهمات التالية، لن نكتب مباشرة عن المنهج المدني، ولكن موضوعه سيكون مصاحباً في كل المساهمات، وربما نشير اليه من وقت لآخر.
    إن الأمر الأساسي المفقود، في منهج المنطق المدني، هو المنطق نفسه.. والمنطق المدني هذا، ليس أكثر من عقيدة عند صاحبه، هي عقيدة مضادة.. وهي عقيدة ذاتية، استبعادية.. وهي كعقيدة، استبعادية، تستبعد أهم شيء في الوجود، ومصدر الحقيقة الوحيد ـ الدين ـ
    إن التناقض يطال حتى المرجعية، وهي الأساس، الذي ينبني عليه الطرح.. يقول الأخ عبد الله: "أنا لا أدعو الى اعتماد المرجعية البشرية العقلانية على حساب المرجعية الدينية".. هل المنطق المدني مرجعية دينية أم هو مرجعية بشرية عقلانية، على حساب المرجعية الدينية، بمعنى أنه يستبعد الدين، بوضوح، على زعم أنه يقوم على العقيدة.. يقول "اؤمن شخصياً بمنهج اصلاح معين، ولكن لا أصر عليه كمطلوب أولي للاطار المقترح"!! لماذا لا يصر على المنهج الذي يؤمن به، هل لأنه يقوم على العقيدة؟! وماذا عن المنهج الذي يصر عليه؟! هل هو الآخر لا يقوم على العقيدة، أم تراه يقوم على علم اليقين؟! لو كان على قناعة تامة، بالمنهج الذي يؤمن به، لما تركه لغيره.

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 18/7/2009
                  

04-26-2016, 04:42 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    عند موائد الكرام (2)

    حول طرائق الحوار :لعناية الأستاذ خالد الحاج والبروفيسور عبدالله النعيم

    (1)
    لستُ في منزلة الذي يعلو عن المتحاورَين ، إذ أنا متواضع في الفهم وفق ما يسره المولى ،
    وليس لدي ادعاء فوقي لهداية أهل الحوار ، ولكنه أصل من أصول العمل وتطوير المعرفة في التأويل،
    ولا أظنني أقدر على تلبس دور إدارة الحوار بينكما ، ولست ناظراً من علٍ لحواركما ،
    ولكني أكتب لتكون هناك فائدة . وأعلم الفردانية التي يسلكها العابد ، ولكن ليسمحا لي أن أتواضع في الرأي .
    إن أمر الفكرة ليست حِكراً على تلامذة الأستاذ محمود قدس الله سره ، وأظن أنني أعني أن الأستاذ قد هدانا للمنهاج ،
    ولم يكن يورد ( إخواننا المتصوفة ) خبط عشواء ، إن لم يكونوا أقرباء الفكرة .
    وما ميّز الأستاذ محمود محمد طه أنه أباح ببواطن الفتوحات الربانية ،
    فالتبس على غيره الفروق بين ( الشريعة ) و ( الطريقة و(الحقيقة ) :
    لذا كان الاستشهاد أمراً واقعاً لمن لا يفهمون علم الحقيقة ، وفق ما أرى

    مقتطف من كتاب : الرسالة الثانية من الإسلام
    مقدمة الطبعة الرابعة:العنوان الجانبي : الرسالة الثانية من الإسلام
    النص الآتي :
    {وبالمثل ، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسما حيا ، ناميا ، متطورا ، يواكب تطور الحياة الحية ، النامية ، المتطورة ، ويوجه خطاها ، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله ، منزلة ، منزلة .. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها ، فما من ذلك بد .. " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه .." وإنما تتم الملاقاة بفضل الله ، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث : الشريعة ، والطريقة ، والحقيقة ..}


    (2)
    إن كان هناك خلاف بين الأستاذ خالد الحاج والبروفيسور عبد الله النعيم ، فنرجو أن يكون هناك منهاجاً لإدارة الحوار :
    - حصر الاتفاقات في موضوعات بعينها ونفضل الترقيم حتى تعُم فائدة الحوار
    - حصر نقاط الخلاف في موضوعات بعينها ونفضل الترقيم حتى تعُم فائدة الحوار(

    3) طرح أولي :

    (أ‌) هل فكر الأستاذ محمود محمد طه قدس الله سره هو صمدي غير قابل للتطوير في منهاج التأويل، أم هو أمرٌ قابل للتطوير عن طريق التأويل في الطريق إلى الله ؟
    (ب‌) أرى أول سؤال طرحه الأستاذ محمود محمد طه قدس الله سره :أين يقف الدين من حاجات العصر ؟.
    وبإيمانه القاطع بأن الدين صالح لكل زمان ومكان ، ينهض أمر التأويل للتفريق بين الشريعة والحقيقة .
    والشريعة قضية عصر في طريقه للضمور ، والحقيقة هي أمر سالك وسرمدي بمدى حياة البشرية ،
    وفق ما خط لها المولى جلّت عزته ، وييسر هو من يشاء من عباده الفتوحات الربانية عن طريق التأويل لمن اختارهم المولى .

    *

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-26-2016, 04:47 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-26-2016, 04:49 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-26-2016, 04:52 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-26-2016, 04:56 AM)

                  

04-26-2016, 12:07 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    سلام للجميع وتحية لك يا أخي الشقليني
    ـــــــــــــ
    بخصوص الفقرة التي كنت قد وضعتها بعاليه والمنسوبة إلى الأستاذ سعيد الطيب شايب وجاء فيها إسم الدكتور عبد الله النعيم أحب أن أضيف الآتي. مع اقتناعي التام بصحة العبارة المنقولة عن الأستاذ محمود بواسطة الأستاذ سعيد، وبأن الله قد فتح على الجمهوريين بفهمها فهما جديدا فيما بعد، إلا أنني على يقين بأن استدعاء الأستاذ سعيد لها في ذلك الوقت كان بسبب أنه أراد بها أن يحفظ دماء الجمهوريين والجمهوريات ويذكِّرهم أن المسألة ليست مسألة شجاعة فحسب، ولا مسألة مواجهة جماعية، وإنما تحتاج إلى علم وتحقيق من جانب كل فرد جمهوري، ولذلك كان التوقيع على التعهد فرديا. أحب أن أضيف أن هناك جلسة داخلية تمت في أوائل ديسمبر 2011 في منزل أحد الجمهوريين. الأخ د. عبد الله روى مسائل توثيقية هامة جدا في سياق رده على السؤال الذي جاء في الموضع ساعة و 25 دقيقة من التسجيل المرفق بعاليه.
    الأخ دكتور عبد الله قال أنه لا يتذكر بالتحديد أن الأستاذ سعيد طلب منه أن ينقل تلك العبارة ثم طلب عبد الله من الأخوان الحاضرين أن يعينوه على تذكر الوقائع، وقام الأخ وديدي بمداخلة في الموضع ساعة و 40 دقيقة وقد حاول تذكير الأخ عبد الله بأن تلك العبارة قد نقلت إلى المعتقلين وذكر أن الأخ مبارك الطيب ثار وغضب على إثر ذلك.

    يمكن مشاهدة تلك الندوة الداخلية والاستماع لما جرى فيها في هذا الرابط:
    https://adobeconnect.oit.ohio.edu/p57il1b4rl4؟launcher=falseandfcsContent=trueandpbMode=normal

    أو هذا الرابط للصوت فقط
    http://www.alustadhcenter.org/share/Ismail/Drhttp://www.alustadhcenter.org/share/Ismail/Dr. An-Naim_120411.mp3
    كتب الأخ الأستاذ أبو بكر بشير في يوم 8 ديسمبر 2011 في صالون الجمهوريين هذه الإفادة المحورية:

    كنت من ضمن الاخوان فى القسم الشمالى، وطبعا زى ما قلت انت لى عبد المحمود، مافى زول - فى حوارنا دا - قال صيغة التعهد كان وارد فيها الكلام عن الفكرة البموت صاحبها .

    وبعدين افتكر مافى خلاف اننا كلنا كنا نعتقد عقيدة شديدة فى انو التنفيذ ما حيتم.

    ونحن فى الحراسة وصلتنا اخبار جلسة الدروشاب، واذكر كويس جدا، انو وصلتنا اولا من الاخ الهميم الذى تم اعتقاله بعد يوم - وفى الحقيقة كنا مصممين على مواجهة السلطات، وما كنا خايفين، وكان فى انشاد مستمر وصلاة جماعة وآذان. كنا متماسكين تماما، وكنا على يقين بان الموضوع له ما بعده، كنا فى الايام الاولى مهمومين بالاخوات، الذين كانوا فى نفس القسم الشمالى، ولكن بعد خروجهم - ما عدا بتول التى بقيت الى ان خرجت معنا- ارتحنا قليلا.

    والكلام - عن الفكرة البموت صاحبها يجب ان تٌراجع او يعاد فيها النظر، ولا اذكر عبارة (باطلة) - كان موجود فى اذهان الناس عندما جاءنا دكتور عبد الله، ولقد كان واضحا ان دكتور عبد الله مرسل من استاذ سعيد. وزى ما قال وديدى فى ناس انفعلوا بمعنى انهم قالوا لى دكتور عبد الله دا شنو دا؟

    قضينا بعدها يومين، او ثلاث، كان الجلسات تتحدث عن ان هناك شئ جديد علينا، ولكن لم يتطرق الشك لاى واحد.

    استاذ الباقر كان حرفيا، آخر من يأكل، وآخر من يشرب، وآخر من يرقد، ولم تصدر منه ولا كلمة واحدة عن نيته بعدم التوقيع، اما مصطفى فكان يقول ذلك ويناقش.

    الفترة القضيناها كانت حداشر يوم.

    اذكر بعد الخروج، ذهبت ووجدت استاذ سعيد فى بيت ناس خيرى، وكان هو هو ، استاذ سعيد الذى تعرفه، كأنو مافى مشكلة، كان مهتم باخراج استاذ الباقر، خلال جلستنا دخل استاذ جلال واستاذ ابراهيم يوسف ، جاءوا من زيارة لاستاذ الباقر، لينقلوا لاستاذ سعيد حوارهم معه، اذكر ان ابراهيم يوسف قال : قلنا ليهو يا الباقر، الضربة شالها عبد اللطيف، مافى داعى للموضوع دا. واذكر ان استاذ جلال قال لى استاذ سعيد (لكن انت بتعرف الباقر) يعنى اصراره على ما يراه حق.

    قالوا ان هناك اكل - عشاء - يريدون ارساله للباقر ومصطفى، قلت لهم يمكننى اخذه لهم، اخذت الاكل، وذهبت للقسم الشمالى وكان الوقت حوالى ثمانية مساء، وكنا قد خرجنا حوالى واحدة بعد الظهر، الضابط لعله لاحظ اننى كنت فى نفس حراستهم، قابلنى بترحاب، وارسل لاستاذ الباقر ليجى من الحراسة، عندما جاء، وانا مهموم بسلامته، كاننى اشحده، وبادب ورجاء قلت له امنا آمنه مشغولة بيكم، اذكر عبارته تماما، قال لى: انا بقيت زى الحمار القلع وتده
    ذهبت منه مهموما.

    العقيدة بعدم امكانية حدوث التنفيذ كانت شئ ثابت، والعبارة عن الفكرة التى يموت صاحبها قبل ان تنتصر كانت ايضا شئ ثابت وقد ذكرها استاذ سعيد. وكلنا الان يعرف، ان القناعة بالفكرة، وبالاستاذ، وباستاذ سعيد، لم تتاثر سواء بالتنفيذ او بالعبارة.


    الجدير بالذكر أن الأخ الراحل المقيم الأستاذ الباقر الفضل (انتقل إلى جوار الله عام 1997) والأخ الأستاذ مصطفى محمد صالح كانا الوحيدين اللذين لم يوقعا التعهد في محابس شرطة العاصمة المثلثة وتمت إحالتهما إلى سجن كوبر وخرجا مع اندلاع انتفاضة 6 أبريل 1985.

    ياسر
                  

04-26-2016, 08:13 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مواصلة السرد:

    استمرت مقالات الأستاذ خالد الحاج المطولة في الصالون.
    في يوم الجمعة 14 أغسطس أرسل الدكتور عبد الله النعيم رسالة قصيرة إلى الصالون هذا نصها:

    الأستاذ خالد الحاج والأخوان والأخوات

    من متابعتى للنقاش الجارى حول كتابى عن الإسلام والدولة المدنية، أرى أن هناك التباس كبير حول ما أقوله أنا فى هذا ألكتاب. ومع خالص المودة وعظيم الإحترام، فإنى أعتقد أن مناقشة الإستاذ خالد الحاج تقوم على فهم مغاير تماما لما أقصد قوله أنا فى هذا الكتاب.

    وبما أنى قد حاولت التوضيح من قبل بنشر الفصل ألأول من الكتاب على ألصالون و كذلك من خلال الرد على تساؤلات ألاستاذ خالد على الصالون أيضا، فقد رأيت انتظار صدور الطبعة باللغة العربية الذى أرجو أن يتم فى القاهرة خلال أسابيع قليلة، عسى أن يعين ذلك على فهم حقيقة ما أقول.

    وبما أن أحد الزملاء قد أرسل لى مناقشته لكتابى فقد رايت عرضها على ألأخوان وألأخوات عسى أن يعين ذلك على بيان وجهة نظرى. فمع أن ألأخ محمد فاضل ( أستاذ قانون مصرى بكندا) ينتقد حجتى، إلا أن فى طرحه ما قد يعين على فهم حقيقة موقفى أنا فى هذا الكتاب.

    فى ختام هذه الرسالة القصيرة اعتذر لتقصيرى فى المشاركة فى النقاش على ألصالون لعجزى عن الطباعة باللغة ألعربية – فقد استغرقتنى طباعة هذه ألأسطر قرابة الساعة من الزمن

    ومع عظيم محبتى وإحترامى، وطلبى العفو عن كل قصورى و تقصيرى


    عبد ألله أحمد ألنعيم

    وهذا الرابط أدناه يقود إلى ورقة الدكتور محمد فاضل التي يقصدها الدكتور عبد الله النعيم، في صفحة 22 من الفايل PDF
    http://pointdebasculecanada.ca/wp-content/uploads/2012/05/8-26-nyls-cle-materials-islamic-constitutional-interaction-theory.pdfhttp://pointdebasculecanada.ca/wp-content/uploads/2012/05/8-26-nyls-cle-materials-islamic-constitutional-interaction-theory.pdf

    ؟ISLAMIC POLITICS AND SECULAR POLITICS: CAN THEY CO-EXIST
                  

04-26-2016, 08:23 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم 1 سبتمبر 2009 نشر الأستاذ خالد الحاج هذا المقال في الصالون وكان تاريخ الكتابة في ذيل المقال هو 19 يوليو 2009..

    بسم الله الرحمن الرحيم
    استبعادات المنطق المدني - الاستبعادي

    يقوم طرح الأخ عبد الله، ومنهجه، أساساً على الاستبعاد.. هو لايقدم أي قضية، وإنما يستبعد.. هو في جملته، وتفاصيله يقوم على الفصل بين الاشياء، وهذه سمته الأساسية.. وحتى نعطي تصوراً متكاملاً، نحن هنا، نقوم بحصر بعض القضايا الأساسية التي يستبعدها.

    الاستبعاد الأول:
    إن الاستبعاد الأول والأساسي، الذي يقوم عليه طرح الأخ عبد الله، ومنهجه، هو منهج التوحيد وما يقوم عليه.. فإذا فكرنا في وضع الله تعالى، في جملة طرح عبد الله وفهمه، نجد أنه ليس لله تعالى فيه وضع!! فهو المغيب الأساسي، فلا شيء في هذا الطرح ومنهجه، يكاد يرد اليه تعالى.. الاعتماد، كل الاعتماد على الفاعل المباشر، ولم أصادف أي اشارة للفاعل الحقيقي.. بل هذه الرؤية التوحيدية، التي تقوم على رؤية الفاعلين، في نفس الوقت، لم أجد أي شيء يدل على وجودها، في طرح عبد الله وفهمه، لا بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. ولولا أن الأخ عبد الله، يتحدث عن الاسلام في طرحه، وخطابه أساساً موجه للمسلمين، ويقول أن طرحه، يتسق مع الفكرة، لما ذكرت هذه القضية.. ولكن لما كان يفعل، كل ذلك، فإن هذه القضية هي القضية الأولى، والأساسية، في الاسلام، وعليها يقوم الفكر كله، والعمل كله، واليها ترد جميع الأمور، فإذا غابت، ديناً، يغيب كل شيء.. وبكل أسف في طرح الأخ عبد الله، وفهمه هي ليست غائبة فحسب، وإنما كل القضايا الأساسية المتعلقة بها، لا تجد أدنى تقدير، ولا تشغل صاحب الطرحٍ.
    الاختلاف الأساسي بين الاسلام والعلمانية يقع في نقطتين اساسيتين: في الاسلام العقل يخضع لاطار توجيه، هو التوحيد، وما يقوم عليه من عمل في المنهاج.. فالغايات والوسائل تحدد وفق هذه الرؤية التوحيدية، والعمل يأخذ اولوياته حسب هذا التحديد.. واهم من ذلك، أن المنهاج في كل تفاصيله يستهدف تهذيب العقل، وتقويم الفكر، وتنميته. والعبرة ليست للعقل المجرد - عقل المعاش - وإنما العبرة بالعقل المؤدب المروض عقل المعاد.. أما في العلمانية، ومنها منهاج المنطق المدني، فالاعتماد كل الاعتماد على العقل المجرد.. بل هو المرجع الذي وفقه يقاس حتى الدين.. فالمنهج المدني يعتمد كل الاعتماد على العقل المجرد، فهو الذي يحدد الوسائل والغايات، ويحدد العمل واولوياته.. وهنا يقع الاختلاف الجذري بين الاسلام، والمنطق المدني وما يقوم عليه من طرح..
    والنقطة الثانية هي، أن الاسلام يوحد بين الدنيا والأخرى، ويعمل لهما معاً، وفي نفس الوقت.. ومنهج عبد الله وطرحه، قاصر كلياً على الحياة الدنيا.. ونعني بالأخرى، الحياة العليا عند الانسان، التي يتجاوز بها مرحلة البشرية، ويدخل مداخل الانسانية، كما نعني في نفس الوقت، دورة الحياة بعد الموت.. وبالطبع يمكن لعبد الله أن يغالط، بأنه إنما يتكلم عن السياسة والدولة، وستكون هذه مجرد مغالطة، لأنه يتكلم عن الدين بصورة اساسية، كما أن الحديث في الاسلام، عن أي شيء، لا يمكن إلا أن يشمل القضايا الأساسية في التوحيد، هذا يجري مهما كان الموضوع جانبياً.. فالاسلام دائماً يرد الأشياء الى اصولها، وهذا يعني ردها الى الله، والى الإله.
    هذا الاستبعاد الأساسي، يجعل علاقة طرح عبد الله بالاسلام، مجرد كلام.. وهذا ينسحب على جميع المجالات الأخرى التي تم استبعادها، والتي سنذكر الأساسي منها أدناه.

    الاستبعاد الثاني:
    هذا الاستبعاد، هو استبعاد الدين، من خلال استبعاد العقيدة.. فالأساس في الدين هو الايمان، والدين كله يقوم على صحة العقيدة، والعمل الصالح، الذي يقوم عليها، ولا عمل صالح بدون عقيدة صحيحة.. وطرح عبد الله، والمنهج الذي يقوم عليه، يحرصان أشد الحرص على استبعاد العقيدة، وما يقوم عليها من دين.. هو لا يستبعد العقيدة في المجال الدنيوي، وإنما بالعكس، يقوم عليها، وإنما يستبعد عقيدة الدين بالذات.
    ولقد أوردنا بعض النصوص التي يستبعد فيها المنطق المدني العقيدة، بل حتى العلم، ففي قوله: "الغرض من وراء هذا المنهج هو مقدرة كل منا على اقناع الآخرين بالحجج ووسائل الخطاب التي لا تعتمد على العقيدة الدينية، وينبني قولي هذا على ان الدين هو قائم على العقيدة دائماً، حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الاعتماد عليها".. (من يتجاوزون العقيدة من خلال الاعتماد عليها)، هذه اشارة الى علوم اليقين وهذا يعني أن العلم بالله، حتى في مستوى اليقين، لا يجعل صاحبه مؤهلاً للمشاركة في الحوار في المسائل العامة.. بل إن هذا العلم بالله حسب النص، عدمه، أفضل منه، فمن لا يملك هذا العلم يدخل في فضيلة المنطق المدني، أما من يملكه فقد ضيع فرصته.

    الاستبعاد الثالث:
    لا زلنا في مجال الاستبعادات التي لها علاقة بالمنهاج.. الاستبعاد الثالث يتعلق باستبعاد القرآن والسنة من مجال الاستشهاد، يقول عبد الله، عن عدم استخدامه لنصوص القرآن والحديث: "موقفي من استخدام مثل هذه النصوص في إطار طرحي يعتمد على اعتبارين:
    أولا: اعتقد أن حجية هذه النصوص وقدرتها على الإقناع تعتمد على الإطار المفهومي والمشترك. فحتى بين المسلمين لا يجد النص حجيته ولا يخدم غرض الإقناع إلا بين من بينهم أرضية مشتركة في فهم النص وعلاقته بالموضوع.
    ولكن السبب الثاني والأهم عندي لعدم استخدام النصوص في هذا الكتاب هو أن خطابي هو من باب (المنطق المدني) الذي يسعى لإقناع عامة المخاطبين من غير الاعتماد على المرجعية الدينية العقائدية بين المسلمين أو غيرهم من اصحاب ألأديان.. " .. يجب أن نتذكر أن خطاب عبد الله، في المكان الأول للمسلمين، وأن موضوع طرحه الأساسي، عن الاسلام وفصل الاسلام عن الدولة.
    بالنسبة للنقطة الأولى، الإطار المفهومي المشترك ينبغي أن يكون غرض من أغراض الحوار.. فلا يمكن أن يكون هنالك حوار بين البشر، إذا انغلق كل اصحاب اطار مفهومي على أنفسهم، ولم يديروا أي حوار مع الاخرين.. وهذه النقطة، الواقع يدحضها، فالعلمانيون، وأصحاب الأطر المختلفة، ظلوا عبر التاريخ، والى اليوم يتحاورون، ويتحولون من اطار الى اطار.. وإذا كانت الصورة كما يقول عبد الله، لاستحال انتصار اي فكر.. وقد شهدنا ملايين البشر تحولوا من أطرهم، الى إطار الماركسية، عندما اقتنعوا بها، وكذلك الحال بالنسبة لمختلف الأديان والأفكار.. وبالنسبة للمسلمين عموماً، القرآن والسنة أمر مشترك.. وبالنسبة للبشر عموما، العقل أمر مشترك، والعقل لا يخضع لاطار واحد، يخضع له مدى الحياة، وإنما هو قابل لأن يتحول من اطار الى اطار..
    وليس كل من يستعمل النص، هو يعتمد على المرجعية الدينية، بل من الممكن أن يستخدم النص من هو ضد المرجعية الدينية، ويستخدم النص لنقدها.. فكونك لا تؤمن، في طرحك، بالمرجعية الدينية العقائدية، ليس سبباً كافياً لعدم استخدام النص.. فالموضوعية تحتم عليك عندما تتحدث عن امر يتعلق بالاسلام، أن تستشهد بما يقوله أهله، وأنا هنا اذكر بتعريفك للجهاد، فقد كان من الضروري أن تذكر تعريف القرآن والحديث له دون أن تكون لك مرجعية دينية.. فلنـتذكر أن الأخ عبد الله يقول أنه في طرحه مرجعيته دينية اسلامية.
    الحجة الثانية في عدم استخدام النصوص، تقوم على أن الخطاب من باب (المنطق المدني)، الذي يسعى الى الاقناع دون الاعتماد على المرجعية الدينية.. استشهادك بالنصوص لا يجعلك تعتمد على المرجعية الدينية.
    المهم أن عبد الله يستبعد الاستشهاد بالنصوص، لأنه يستبعد المرجعية الدينية.. وهو يستبعد المرجعية الدينية عن مبدأ، وهو أن الدين في زعمه يفرق، والمنطق المدني يجمع ويوحد.

    الاستبعاد الرابع:
    هذا الاستبعاد يتعلق بالموضوع، وبالطبع لا ينفصل عن المنهج والاطار المرجعي.. فعبد الله يستبعد الدين، عن الدولة ويقول أن هذه هي دعوته المحورية.. ولما كانت الدولة تعني كل وزارات السيادة والمؤسسات، في ديموميتها، فهذا يعني أنه يستبعد الاسلام عن جميع هذه المؤسسات، وبصورة دائمة.

    الاستبعاد الخامس:
    هو استبعاد الدولة الدينية، وهو يلحق بالرابع.. فعنده لا توجد دولة دينية، لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، فهي مجرد وهم، وخطأ مفهومي.

    الاستبعاد السادس:
    هو استبعاد إمكانية، وضع تشريع عام من الاسلام، وهو تحصيل حاصل، لأنه مضمن في ابعاد الاسلام عن الدولة ممثلة في اجهزتها، لكن المهم التسبيب والمنطق الذي يقوم عليه هذا الاستبعاد، فهو كما رأينا، يجعل كل نشاط بشري في مجال السياسة والدولة، نشاط مدني بشري، وليس ديناً، وهذا يعني أنه يفصل بين ما هو مدني وبشري وبين ما هو ديني، وهذه الحجة تلغي الدين تماماً.. ويتبع لهذا المنطق، قوله عن القرآن أنه عندما يدخل عقول البشر يصبح غير مقدس، هذا المنطق يقلل من قيمة الانسان بصورة خطيرة، ومن الفكر الانساني، إذ يجعل القرآن كنص بين دفتي المصحف، مقدساً أكثر من أن يكون فكراً وحياة.. هذا مع أن الانسان في الدين، هو من كلام الله، وهو اتم من القرآن اللفظي.. والانسان هو قدس الأقداس.. ولكن هذه معان بعيدة جداً، عن طرح عبد الله.

    الاستبعاد السابع:
    استبعاد المنطق الديني، وهو ينبع تلقائياً من الاعتماد على المنطق المدني، وعدم الاعتماد على المرجعية الدينية العقائدية، واستبعاد استخدام النصوص.. ولكن عبد الله لم يترك الأمر للاستنـتاج رغم وضوحه، فهو يقول صراحة باستبعاد المنطق الديني، وما يهمنا تسبيبه لاستبعاد هذا المنطق، فهو يقول:"تداخل عدد كبير من الفاعلين، والعوامل المعقدة التي من غير الممكن احتواؤها بمنطق اسلامي ديني".. فهو يستبعد المنطق الاسلامي الديني لعجزه، عن احتواء التداخل الكبير بين الفاعلين، والعوامل المعقدة التي تتطلبها طبيعة ودور قانون الدولة في الدولة الحديثة.. ولذلك هو يستعيض عن هذا المنطق العاجز، بمنطقه هو، الكفء للمهمة، ألا وهو المنطق المدني، هذا يؤكد ما ذهبنا اليه، من أنه عند عبد الله المعرفة الدينية، تجعل صاحبها أقل من الانسان العادي، الذي يعتمد على المنطق المدني.. وهذا ينسجم مع رأي عبد الله عن الفكر الديني.

    الاستبعاد الثامن:
    هو استبعاد الفكر الديني، بصورة مبدئية، فبالاضافة للضعف الأساسي، في الفكر الديني في نظر عبد الله، من أنه يقوم على العقيدة الدينية، هنالك آفة أكبر في الفكر الديني، تجعله لا يصلح لشيء عام، هذه الآفة هي أنه فكر ذاتي، وليس موضوعياً، حسب زعمه.

    الاستبعاد التاسع:
    استبعاد الاسلام، من أن يكون موحداً بين البشر.. فحسب زعمه الدين يفرق ولا يوحد.. والذي يوحد هو المنطق المدني!! الاسلام الذي تقوم عليه وحدة الوجود كله في الحقيقة - الاسلام العام - والذي وعد رب الوجود، أن يجمع الناس - كل الناس - في الأرض عليه، عند صاحب المنطق المدني، يفرق ولكن منطقه هو يجمع!! هذه نقطة لنا اليها عودة.

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 19/7/2009
                  

04-26-2016, 10:28 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في نفس يوم الثلاثاء 1 سبتمبر 2009 نشر الأستاذ خالد الحاج في الصالون هذا المقال ردا على خطاب الدكتور عبد الله النعيم الأخير للصالون أيضا.
    بسم الله الرحمن الرحيم


    الأخ عبد الله أحمد النعيم، الأخوان والأخوات

    رمضان كريم، وكل عام وأنتم بخير

    لقد اطلعت على خطاب الأخ عبد الله.. وقد جاء فيه، عن مناقشتي لطرحه، ما يلي: "من متابعتي للنقاش الجاري، حول كتابي عن الاسلام والدولة المدنية أرى أن هنالك التباس كبير حول ما أقوله في هذا الكتاب
    ومع خالص المودة، وعظيم الاحترام، فإني اعتقد أن مناقشة الأستاذ خالد الحاج تقوم على فهم مغاير تماماً لما أقصد قوله في هذا الكتاب".. لقد كتبت من جانبي عدة حلقات، في مناقشة طرح الأخ عبد الله، ولم يتحرك ليقول ما قاله، إلا بعد أن قطعت الكتابة، شوطاً كبيراً.. طالما أنه كان يريد التعليق كان يمكن أن يقول تعليقه هذا بعد أول حلقة، أو حلقتين.. (مغاير تماماً لما أقصد قوله)، تعني لا شيء فيه يتفق مع ما يقصد قوله، فكله مغاير لهذا القصد!! ما الدليل على ذلك؟ هو لا يذكر، هو فقط يقرر!! ألم يكن من الممكن أن يعطي أمثلة محدودة، يدلل بها على صحة قوله؟! هو لا يفعل.. علينا نحن أن نجتهد لنعرف السر.. الأخ عبد الله يملك أن يعبر عن نفسه بصورة واضحة ومفهومة - إلا إذا أراد خلاف ذلك!! وخطابه، خطاب عام لكل المسلمين أولاً، ولبقية الناس، فمن الطبيعي أن يكون مفهوماً، فما السر في أن فهمي له (مغاير تماماً) لما يقصد قوله!! وهل هذا ينطبق عليّ دون بقية المخاطبين، أم هنالك من يشاركني؟! بالنسبة لي كل ما قلته، مطابق تماماً، لمقاصد عبد الله، كما يظهر من كتابته، أما إذا كانت هنالك مقاصد غير المكتوبة، فهذه لا ِشأن لي بها.. فاللغة هي الأمر المشترك بين الكاتب والقاريء.
    في الواقع، الأخ عبد الله، في خطابه هذا، لم يقل شيئاً محدداً!! والاتجاه الى الابهام، ليس أسلوباً مناسباً للحوار.. رغم ذلك أنا أرد عليه.. اعتقد أنني استطيع أن أفهم.. وإذا لم أفهم لا أكتب.. عندما رجعت للأخ عبد الله، أسأله عن بعض الأشياء، هذا لتحري الدقة.. والأشياء التي سألت عنها، لم أسأل لأنني لم أفهمها، وإنما لأن هنالك أقوال متضاربة، أردت أن استوثق مما هو معتمد عنده.. أما كوني بعد الاجابة لم أفهم القصد، فلا اعتقد أنني غبي لهذا الحد، فمن يرى خلاف ذلك، عليه هو أن يبرهن، حتى ولو للآخرين، فالحوار ليس مقفولاً علينا!!
    أين تكمن المشكلة!! هنالك اشارة، إذا استبعدنا أن عبد الله يقصد أنني لا أفهم ما يقال، أو أنني مغرض - هذه الاشارة تأتي من قول الأخ عبد الله (وبما أنني حاولت التوضيح من قبل بنشر الفصل الأول من الكتاب على الصالون، وكذلك من خلال الرد على تساؤلات الأستاذ خالد على الصالون أيضاً، فقد رأيت انتظار صدور الطبعة باللغة العربية..) عبارة (انتظار صدور الطبعة باللغة العربية)، يمكن أن يفهم منها أن المشكلة كانت في التعامل مع الطبعة باللغة الانجليزية، يعني، هنالك حاجز لغة.. إذا صحّ هذا، فهو أمر لا أساس له - بالطبع يمكن لعبد الله أن يقول أنني هنا لم أفهم قصده.
    أولاً: قول عبد الله: "مناقشة الأستاذ خالد الحاج تقوم على فهم مغاير تماماً لما أقصد قوله أنا في هذا الكتاب" .. هذا القول قول خاطيء.. أنا أساساً لم أناقش الكتاب إنما ناقشت الطرح!! وهنالك اختلاف كبير بين الأمرين.. فتحديد الكتاب، يعني أنني رجعت لمصدر واحد، وانحصرت فيه.. وأنا، في الواقع، رجعت الى مصادر عديدة، الكتاب مصدر واحد منها.. فهنالك المحاضرات، والندوات، والمقابلات الصحفية، المنقولة في الصحف، وعلى مواقع الشبكة.. وكل هذا جرى في أمكنة مختلفة وفي أزمنة مختلفة، ومعظم ما أخذت منه هو باللغة العربية.
    هذا الخطأ غير مبرر، فعبد الله يقول أنه تابع، فمنذ مقاله "الدولة الدينية" ، والى آخر مقالة نشرت، كان يمكن أن يدرك بوضوح، تعدد المصادر.
    ثانياً: إذا كانت النصوص المستخدمة، "تقوم على فهم مغاير تماماً" لما يقصد عبد الله قوله، فهذا لا يعني سوى شيء واحد هو أن عبد الله شخصياً، ترجم هذه النصوص بصورة (مغايرة تماماً) لما يقصد قوله!! فأنا لم يحصل لي شرف ترجمة كلمة واحدة من الكتاب الانجليزي.. وفي جميع كتابتي - حتى الآن - لم ارجع الى هذا الكتاب في أصله الانجليزي!! فلا يوجد حاجز لغة، ينتظر صدور الكتاب بالعربية، لتجاوزه.. والنصوص الانجليزية المستخدمة في كتاباتي قليلة جداً، بعضها أثبته كما هو، دون ترجمة.. والبعض الآخر، أوردت النص الانجليزي، مع الترجمة.. وقد كان الأخ بدرالدين عثمان يكتب بالانجليزية، وأنا بالعربية، ولم يشكل ذلك أي مشكلة.. ويمكنك سحب جميع النصوص التي مصدرها اللغة الانجليزية، ثم يظل الأمر قائماً كما هو.
    ثالثاً: في معظم المواضيع الأساسية أنا لم اكتف بنص واحد، وأنما أوردت عددا من النصوص، من مصادر مختلفة كلها تدور حول نفس الموضوع.. مثلاً في حلقة (حول مفهوم الدولة الدينية)، أوردت في البداية، أربعة نصوص حول نفس المعنى: النص الأول من الكتاب.. النص الثاني، من جريدة أجراس الحرية.. النص الثالث من جريدة الصحافة.. النص الرابع بالانجليزية - ترك كما هو، دون ترجمة - من مقابلة في نيجريا نقلها عثمان ابوبكر.. وفي نفس الحلقة، هنالك العديد من النصوص، مأخوذة من ندوة (منبر أجراس الحرية)، ومعظمها يؤكد نفس المعنى.. فلا مجال اطلاقاً، للقول بأنني لم أفهم قصدك، إلا إذا كان المقصود، قصد آخر غير المكتوب.
    والآن لنكن أكثر تحديداً.. إن موضوعك في جانبه الديني، واضح جداً، ومحدد، والنصوص فيه مستفيضة، ومتكررة، ويؤكد بعضها البعض، وتدور حول محور أساسي، فأنت، لأمر ما، تريد أن تبعد الدين عن مجال السياسة العامة للدولة، وعن القانون العام، لتجعله كله، مجرد علاقة فردية بين العبد وربه.. كل قضاياك الدينية تدور حول هذا المحور، وهي تتلخص في:
    1. الدولة الدينية، لا وجود لها، لا في في الماضي، ولا في الحاضر، ولن يكون لها وجود في المستقبل.. هي مجرد خطأ مفهومي.
    2. فصل الدين عن الدولة، وليس عن السياسة.. والدولة عندك هي المؤسسات الدائمة
    3. عدم امكانية تقنين الشريعة، كقانون عام.
    4. الاعتماد على المنطق المدني الذي يجمع بين الناس، على خلاف الحال بالنسبة للدين والمنطق الديني الذي يقوم على العقيدة.
    5. لتوكيد النقطة الأولى أنت تقول عن دولة المدينة أنها سياسة وليست دين.. والنصوص، من أقوالك، حول هذه القضايا مستفيضة جداً، ومن مختلف المصادر.
    وأساسيات طرحك هذه هي على العكس تماماً لما جاء في كتابك (نحو تطوير التشريع الاسلامي) - وقد كتبت حول هذا الموضوع، في حلقة خاصة - والنصوص المأخوذة من هذا الكتاب جميعها من الترجمة العربية، الطبعة الأولى، الصادرة من دار (سينا للنشر).. وهذا مما يزيد من توكيد أن مناقشتي لم تكن حول كتابك الأخير، وإنما حول طرحك.
    عن موضوع الدولة الدينية جاء، مثلاً، من أقوالك: "مشروع الدولة الدينية، أو ما يسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهومياً، ولا أساس له من التجربة التاريخية، فالدولة دائماً مؤسسة سياسية، لا تقدر على التدين أو الاعتقاد في ذاتها..) الصحافة 13 مايو 2008م.. وهو نفس المعنى الوارد في صحيفة (أجراس الحرية) 28 ديسمبر 2008م، والذي جاء فيه: "الحقيقة الأولى: إن مفهوم امكانية اقامة دولة اسلامية وهم باطل، لا أساس له على الاطلاق من الناحية المفهومية، ولا أساس له من التجربة التاريخية أو الممارسة العملية.. فالمشكلة ليست أن الدولة الاسلامية فشلت في السودان، بل إن فكرة الدولة الاسلامية في حد ذاتها، لا يمكن أن تنجح في أي مكان، فهي لم تقع في التاريخ في أي مكان".. ونصوصك في هذا المجال عديدة.. فهل هنالك معنى آخر، غير المعنى الذي فهمته أنا منها، والذي يفهمه كل قاريء لها، حسب لغتها الواضحة؟! بدل التعميم أذكر لنا كيف أنني لم أفهم قصدك من هذه النصوص.
    لما كان طرحك، حول الدولة الدينية، مواجه، بدولة المدينة، كدولة معتبرة دينية فقد اخترت، حتى تؤكد سلامة طرحك، أن تؤكد أنها ليست دينية، حتى لا ينهار أساس الطرح، فجاء من أقوالك، في هذا الصدد: "دولة المدينة دولة سياسية وليست دينية" المصدر السابق.. وهذه نقطة هامة جداً، لابد لنا من الوقوف عندها.
    عدم قيام دولة دينية عندك يقتضي الفصل، بين الدين والدولة.. وهذا ما تدعو له.. أنت تقول مثلاً: "أطروحتي المحورية، من أجل مستقبل الشريعة، ترتكز على الفصل بين الاسلام والدولة، مع تنظيم ورعاية العلاقة الطبيعية، بين الاسلام والسياسة" .. النص من (خلاصة: مفاوضة مستقبل الشريعة - تقديم) ص 6، وهو نص وارد بصورة متكررة في مصادر أخرى مختلفة.. أما التعريف المعتمد للدولة حسب الأخ عبد الله، فهو "الدولة يايجاز هي المؤسسات التي تمثل سيادة الشعب بصورة مستمرة، وعلى تعاقب الحكومات، التي تعبر عن الارادة السياسية للأغلبية في الوقت المعين، والتي ربما تتغير في الانتخابات التالية: فوزارة العدل هي المؤسسة المستمرة، ووزير العدل هو مظهر الحكومة الناتجة عن تصارع بين القوى السياسية" - الصفحة الأولى من الرد على استفساراتي - وهو قول متكرر.
    وعن عدم امكانية تقنين الشريعة، ورد من أقوالك: "الغاية هي تأسيس وتوثيق القول بأن الدولة الوطنية المعاصرة، لا تقدر على تطبيق الشريعة الاسلامية كقانون عام أو اساس للسياسة الرسمية، ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك" تقديم ص2. واضح جدا من النص، ابعاد الدين عن السياسة العامة للدولة، وعن القانون العام - وهذا بالضبط عكس ما جاء في كتاب (نحو تطوير التشريع الاسلامي) - وجاء أيضاً القول :"الطبيعة الأساسية للشريعة، هو تركيزها على تنظيم العلاقة بين المسلم وربه، تعني أن تلك المسئولية لا يمكن التنازل عنها، أو تفويضها. ولا يمكن لمؤسسة بشرية، ادارية أو قضائية، أن تكون دينية، حتى حين تزعم تطبيقها أو فرضها لمباديء الشريعة" تقديم ص 11
    يقول عبد الله: "المطلوب هو عدم تطبيق الشريعة من خلال مؤسسات الدولة بصورة قسرية وهذا ينطبق على أي فهم للشريعة، تقليداً كان أو مستحدثاً. فكل القوانين والسياسات الرسمية تعود إلى مرجعية المواطنة وليس عقائد الناس الدينية" ترجمة الفصل الأول ص 27 - بصورة قسرية تشمل كل الأنظمة، ديمقراطية كانت أم غير ديمقراطية، فالقانون عندما يجاز، لابد أن يطبق بسلطة الدولة.. وحتى لا يتوهم الجمهوريون، أنهم خارج هذا القول جاءت العبارات، من النص "وهذا ينطبق على أي فهم للشريعة، تقليداً كان أو مستحدثاً.."
    الأخ عبد الله اعتمد على ما أسماه المنطق المدني أو العام.. وهو منطق يستبعد المنطق الديني، لأنه يقوم على العقيدة، هو يقول مثلاً: "بالمنطق المدني أعني إذا، وجوب ارتكاز التشريع أو السياسة العامة، على المنطق المشاع، الذي يمكن لكل مواطن أن يقبله أو يرفضه أو يقدم البديل من خلال الحوار العام دون الاعتماد على دينه أو مزاعم تقواه" - من الرد على استفساراتي – لاحظ (دون الاعتماد على دينه).. ويقول: "المطلوب هو الدعوة الى المنطق والتفكير المدني، مع اضعاف نزعة الاعتماد على المعتقدات الدينية" نفس المصدر - هذا الذي تسميه، مطلوب، هو القائم بالفعل!! أما الدين الصحيح، فهو غائب عن حياة الناس.. ويقول: "هذا ويتطلب طبيعة ودور قانون الدولة، في الدولة الحديثة، تداخل عدد كبير من الفاعلين، والعوامل المعقدة، التي من غير الممكن احتواؤها بمنطق اسلامي ديني" خلاصة: مفاوضة مستقبل الشريعة ص 13
    هل الفهم في هذه المواضيع المحددة، (مغاير تماماً) لما تقصد قوله؟! عبارة (مغاير تماماً) تفيد أنه، ولا قضية واحدة تقوم على ما تقصد قوله.. وإذا صح أن هنالك قضية واحدة تستقيم مع ما تقصد قوله، يصبح قولك هذا باطل تماماً.. وأنا عندي أن جميع القضايا المذكورة صحيحة، وتقوم على ما تقصد قوله، حسب أقوالك بالطبع - وليس حسب ما هو في عقلك أو قلبك، ولم تقله - ولذلك قلت منذ البداية أنني اتعامل مع الطرح، وليس الشخص .. وأي صاحب فكرة مطروحة للناس، لا يمكن التعامل مع فكرته، إلا من خلال أقواله الواردة في هذا الطرح.. وقد سبق أن قلت أن اللغة عنصر مشترك بين الكاتب والمتلقي.
    حتى لا نشغلك - وإن كنت أنا شخصياً لا أرى وجود شيء ينبغي أن يشغل الانسان أهم من دينه - ورغم ذلك، حتى لا نشغلك، يكفي فقط أن توضح لي وللأخوان والأخوات، كيف أن فهمي لهذه النقاط المذكورة أعلاه (مغاير تماماً) لما تقصد قوله.. وما هذا الذي تقصد قوله في هذه النقاط، ويختلف عن ما يفهمه أي انسان عرف اللغة العربية؟! إن ما تطرحه في كتابك هذا، هو على العكس تماماً لما طرحته في كتابك (نحو تطوير التشريع الاسلامي)، فكل منهما يبطل الآخر، ولا يمكن أن يقوما معاً وفي نفس الوقت.. أرجو أن تقول لنا القول الفصل في هذا الأمر، بما يعين على فهم قولك: إن ما جاء في مناقشتي مغاير تماماً، لما تقصد قوله.
    إن إحالة الأمر، الى صدور الترجمة العربية، لا أعتقد أنه يفيد شيئاً.. أولاًً وأساساً، لم يرد ولا نص واحد في مناقشتي، رجعت فيه للأصل الانجليزي.. ولأن الموضوع ترجمة، يفترض أن لا يغير من المحتوى، والمشكلة ليست في الأسلوب ، ولا طريقة العرض، وإنما في المحتوى.. فمن المستحيل أن تكون هنالك ترجمة حقيقية لطرحك، وهي تقوم على وجود الدولة الدينية، الأمر الذي ينفيه الطرح.. ولا يمكن للترجمة أن تلغي موضوع فصل الدين عن الدولة، أو أن تلغي عدم امكانية تقنين الشريعة.. فإذا حدث ذلك، يكون هذا تغيير أساسي في الطرح، وليس ترجمة، وإذا لم يحدث، ستظل القضية في جوهرها كما هي، مهما كان اختلاف الأسلوب، والشرح.
    ثم إن الشخص الذي لم يفهم، الكلام الواضح، حسب الأجزاء من الكتاب، التي ترجمتها أنت شخصياً، هو نفس الشخص الذي ينتظر له الفهم من الترجمة المنتظرة!! فما هو التغيير الذي يمكن أن تحدثه فيه هذه الترجمة؟!
    أنا يا أخ عبد الله، لم أفكر في أن أناقش طرحك هذا، لأنني لم أكن أعرفه.. صحيح، إنك مشكوراً، أهديت لي كتابك، ولكنني لم أجد الفرصة حتى الآن للاطلاع عليه.. اطلعت على كتابك (نحو تطوير التشربع الاسلامي) وعلى الرغم ان لي بعض الملاحظات حوله، إلا أنني لم أفكر في مناقشته، لأنه في جملته في خط الفكرة، وملاحظاتي حوله لم تكن خطيرة، وفي هذه الحالة الأفضل دائماً أن يصحح الانسان نفسه بنفسه.. فكرت في مناقشتك بصورة شخصية، ولم تتم المناقشة.. وعندما صدر كتابك الأخير، اعتقدت أنه لن يختلف في جوهره عن الكتاب الأول.
    بدأ التحول الأساسي، بعد ندوة منبر أجراس الحرية.. وقد شق علي أن يختلف الأخوان، في منبر عام.. فقررت أن اطلع على هذا الموضوع، الذي تم عليه الاختلاف وأقول كلمتي فيه.. كما قررت ألا أشترك في نشاط عام قبل أن أقول كلمتي .. لأن الأولويات عندي: المجتمع الجمهوري، قبل المجتمع الخارجي.. وقد كان الاتجاه عندي أن اشترك في الاحتفال بالذكرى.. وكان الأخ القراي، وبعض الأخوان، يودون أن أشترك، وقد اتصلوا بي تلفونياً، ولكنني كنت مُصرّاً على موقفي.. ثم قاموا مشكورين بزيارتي برفاعة، وعندما وجدوني مصراً على موقفي تركوني.
    وعندما بدأت الاطلاع على طرحك، اندهشت كثيراً، وكلما اطلعت أكثر زادت دهشتي أكثر، لما أجده من أقوال لم يخطر ببالي، أن تصدر منك، كجمهوري أولاً، وبصفتك كاتب (نحو تطوير التشريع الاسلامي) ثانياً.. بالفعل وجدت أن الأمر خطير جد، من حيث الدين.
    ولما كانت المفارقات صارخة جداً، في وضوحها، خشيت أن يدخل في الحوار، من ليس لهم تجربتك في الفكرة.. فحاولت تلافي هذا الأمر، فاتصلت بالأخ عمر هواري، وأنا أعلم، أنه لا أنا ولا هو نملك ايقاف هذا الأمر، ولكنه تحريك شريعة.
    طلبت من أحد الأخوان القيادييين المعروفين، أن لا يدخل في الحوار، ويتركه لي، لأنني، على الأقل ند لك في السن، وقد وافق، والتزم، مشكوراً.
    قال لي أحد الأخوان: أنت متعاطف معه.. قلت له: طبيعي أن أكون متعاطفاً معه، ولكن لن يكون ذلك على حساب ما أراه حقاً، ولا على حساب دينه.
    كنت أتلكأ في الكتابة عن عمد.. وكانت لي حساباتي الروحية والسلوكية.. وكنت - ولا زلت - أطمع في الفضل الالهي، بأن يؤدي الى التغيير المطلوب، فيغنيني عن المناقشة.. ولم أُترك لمشهدي، ولحساباتي، فكان هنالك من يستعجلني، وكان الأولى أن أترك لمشهدي.
    وبعد استنفاد كل الاعتبارات، التي عندي، شرعت في الكتابة في الصالون، على اعتبار أن القضية، قضية داخلية تهم الأخوان، والأخوات.. ولم يكن غائباً عني أن النشاط حول الطرح، أصبح عالمياً، وكذلك الحوار حوله.
    بالنسبة لي، الأمانة الأساسية التي تركها لنا الأستاذ هي الأخوان والأخوات، ثم الفكرة.. وكتابتي هذه في هذا الاطار .. هي عمل ديني، يقوم على النصيحة، التي أرجو أن تكون خالصة، ويقوم على محاولة التذكير.. فالذكرى تنفع المؤمنين.
    أما وقد كتبت، فلابد لي أن أتحرى الصدق والاخلاص والوضوح، ما وسعني الوسع.. وقد كنت في البداية اشير مجرد اشارة لخطورة الأمور الخطيرة، ومنها القول، بأن: "دولة المدينة سياسة وليست دين" .. فقد اكتفيت في البداية بأن أطلب من الأخ عبد الله، أن يراجع الأمر في نفسه.. ولم أجد رد الفعل يتناسب مع القضية، فحاولت أن أوضح أكثر، ولا جديد.. والآن عليّ أن أكون واضحاً، كل الوضوح، ما أمكنني ذلك.. إن عبارة (دولة المدينة سياسة وليست دين)، عبارة شديدة الشناعة، من كل الوجوه.. وهذا حكم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حكم جائر وباطل، شديد الجور والبطلان.
    1. من حيث المبدأ: كيف يجرؤ مؤمن على تقييم دين رسوله، ويقرر في حقه ما هو دين وما هو ليس بدين؟! وفق أي ميزان يتم هذا التقويم؟! هل هو ميزان المنطق المدني!!
    2. كيف يمكن أن يستقيم الايمان،مع الحكم على عمل، ولو واحد، من أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه ليس دين، خلي عنك أن يكون هذا الحكم شاملاً لكل أعمال الرسول، كمؤسس ورأس لدولة المدينة، وهو عمل استمر طوال حياته!؟ إن الأمر شديد الظلم والاظلام.
    أرجو أن لا تحاول تطفيف الأمر، بالالتفاف حول المعنى، إن هذا يكون أكثر بشاعة، لأنه يدل على الاصرار، بدل الانابة والاستغفار، ثم هو لا يجدي.. أنت مثلاً قد تقول في محاولة للتبرير: إنما اقصد مؤسسات دولة المدينة، كمؤسسات مجردة!! هذا ليس بدفع.. فعبارة (سياسة وليست دين) تفيد أن الأمر قابل للاحتماليين: احتمال أن يكون سياسة، واحتمال أن يكون دين.. وأنت اخترت الاحتمال الأول، ولم تقف عند القول (سياسة)، وإنما لتوكيد المعنى أوردت(وليس دين)!! .. وأنت تقول بوضوح: "ولما كان الاستقلال التام للدولة ليس ممكناً، إذ لا يمكنها أن تنفصل عن القادة السياسيين والموظفين الذين يهيمنون على أجهزتها، فينبغي علينا أن نتذكر دائماً طبيعتها السياسية".. وتقول: "الدولة ليست بوحدة قائمة بذاتها، ويمكنها العمل باستقلال عن البشر الذين هم الناشطون الحقيقيون خلف ستار السلطة" النصان من الرد على استفساراتي ص2 .. حتى لو سلمنا جدلاً، بأنك إنما تعني المؤسسات ككيانات مجردة، في استمرارها، فإن بشاعة القضية لن تختلف.. فمن غير المعصوم، أوجد هذه المؤسسات وظل قائماً عليها طوال حياته؟! فالاتهام للمعصوم، بأنه أسس أمراً هو ليس بدين، وظل يرعاه الى أن التحق بالرفيق الأعلى، أمر بشع، تقشعر لقوله الأبدان.. فالمعصوم، لا يخطيء، وإذا أخطأ يصحح خطأه الوحي، وهذا معروف عندك بداهة، وتستخدمه عندما ترى أنه يخدم طرحك!! وقولك هذا البشع، ينسجم مع بقية أقوالك، فأنت ترى مبدئياً أن أي عمل بشري مدني هو سياسة، وليس دين!!
    أبوبكر وعمر، لم يؤسسا دولة المدينة، ولا هما يسألان عنها، وحتى العمل الذي جرى في فترة حكمهما الأساس فيه هو ما وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهما متبعان، وليسا مبتدعين، وكان همهما الأكبر، أن يكونا على ما تركهما الرسول صلى الله عليه وسلم عليه.. فدولة المدينة، حتى لو اقتصر الحديث على فترة أبي بكر وعمر، هي دولة الرسول صلى الله عليه وسلم.. هذا، مع التذكير بأنك ترى بصورة مبدئية أنه لا وجود لدولة دينية، وأنها مجرد وهم.
    واضح جداً، أنك إذا قلت أن دولة المدينة، دولة دينية، فأنت بذلك تهدم بنيان طرحك من أساسه - إذا كان له أساس - فأصبحت بين خيارين: إما أن تضحي بطرحك، أو تضحي بدينك.. فاخترت - عن وعي أو عن غير وعي - أن تضحي بدينك، في سبيل طرحك.
    وهذه العبارة البشعة في طرحك، ليست هي الوحيدة، وإنما لها أخوات، وربما تعرضنا لبعضهن لاحقاً.
    لقد حاولت أن أكون أكثر وضوحا، في كتابتي هذه، وما يهمني في المكان الأول دينك، ولذلك أكتب، وأكتب في الاطار الداخلي - الصالون بالذات.. فالطرح، من غير صاحبه، لا يعنيني، فلولا اعتبارك ،واعتبار بعض الأخوان، واعتبار الفكرة، لما كتبت كلمة واحدة في مناقشته.. فكتابتي هذه هي لك، لا عليك.. أنا فعلاً منحاز لخيرك الباقي، بالمعنى الذي أفهمه عن الخير.. وواضح أن طرحك هذا عزيز عليك، حتى إنك لتضحي في سبيله بأغلى شيء.. أما بالنسبة لي، أنت أعز من طرحك، وأحب لك العز الذي لا عز غيره.. العز الذي يقول عنه تعالى: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً، اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه".. هذا، والأمرلله من قبل ومن بعد.
    نور الله أبصارنا، وبصائرنا.. اللهم نسألك، أن نرى الحق حقاً فنتبعه، وأن نرى الباطل باطلاً فنجتنبه، ونعوذ بك، من أن نكون ممن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً.

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 8 رمضان 1430 الموافق 29/8/2009

                  

04-26-2016, 10:34 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في اليوم التالي مباشرة، 2 سبتمبر 2009، نشر الأستاذ قصي همرور هذه المداخلة في الحوار الدائر:
    الأستاذ خالد والاخوان الكرام
    تحية محبة واحترام، وبعد

    أكتب مكتوبي هذا اليوم من باب شعور بالمسؤولية، فبرغم أن الأستاذ خالد يوجه حديثه للأستاذ النعيم، وربما لا يعتد بأي وجهة نظر أخرى مؤيدة لأطروحة النعيم ما دام يخاطب صاحبها بالأصالة (ولا أدري إن كان قرأ مداخلاتي هنا أم لا)، لكني على العموم مشمول في مسؤولية الرد، لأني اخترت موقفي ومن ثم فإن دفاعي عنه مسؤولية مباشرة لا وكالة فيها (كما أن الأستاذ خالد أكد مشكورا أن الحوار ليس مقفولا عليه والأستاذ النعيم فقط).. على العموم أعتقد أني فعلا قد وضحت موقفي، من ناحية المحتوى، بصفة كافية، ولم أجد في كتابة الأستاذ خالد (رغم حرصي على متابعتها) ما يدعوني لجديد قول في المحتوى، لكن ربما (مرة أخرى) جديد صياغة.

    لست قلقا جدا من كون الأستاذ خالد لا يتفق مع هذه الأطروحة، إذ من الواضح لي أني أفهمها بصورة مختلفة جدا عن فهمه لها، ولو كنت أفهمها كما يفهمها لما أيدتها.. أعتقد أن لي الحق في أن أزعم أن فهمي لمقصود النعيم أقرب من الأستاذ خالد، ما دمت جاهزا للدفاع عن زعمي هذا بموضوعية، ولا أرى في ذلك أي طرف من اتهام الأستاذ خالد بالغباء أو الغرض، كصفات لم أجد مبررا لأن يستخدمها الأستاذ خالد -وقد أشار النعيم لموضوع الفهم المغاير هذا باحترام بالغ للأستاذ خالد- فسوء الفهم أمر يجري من أدنى المستويات لأعلاها، وقد يزول مع استمرار الحوار أو قد لا يزول إلى أجل مسمى.

    أصابني بعض القلق من طريقة حديث الأستاذ خالد مع النعيم، وقوله للنعيم "واضح أن طرحك هذا عزيز عليك، حتى إنك لتضحي في سبيله بأغلى شيء" وما شابه ذلك من بقية حديثه أعلاه، وفيما قبله من الرسائل التي تحوي تقريرات كبيرة لا داعي لها ولا داعم، في نظري، لكني خلصت لأن مثل هذا القول محسوب على صاحبه، أيا كان صاحبه، في نهاية المطاف، وأيا كانت مكانته بيننا.. لهذا فإني الآن فقط أسجل اعتراضي على أسلوب الأستاذ خالد في مخاطبة الاستاذ النعيم، في قولته المقتبسة أعلاه وماشابهها (كتسجيل موقف، كقارئ وأخ صغير له الحق في التعبير عن قلقه تجاه أسلوب حوار يرى فيه طرفا من الإرهاب الديني، ويرى فيه ظاهرة لا بد أن يسجل موقفا بشأنها، وهو رأي أنا مسؤول عنه)، ومن ثم أمضي لتناول بعض الجوانب الموضوعية التي أريد أن أتناولها، ولا مانع عندي من العودة لدعم اعتراضي هذا بالحجة إذا طولبتُ بها مستقبلا.

    أولا: التأسيس المفاهيمي
    هناك اتهامات أوردها الأستاذ خالد بخصوص أطروحة النعيم، هي اتهامات في مبنى الأطروحة ومنهجها نفسه، قبل الحديث عن محتواها، وهي اتهامات عندي لا أساس لها من الصحة، وقد قررها الأستاذ خالد تقريرا:

    (1)
    زعم الاستاذ خالد أن الأستاذ النعيم لا يؤسس لأطروحته وتعاريفها من مرجعية مفاهيمية او واقعية واضحة، بل يسكبها سكبا بدون قواعد مفاهيمية أو ارتكاز على واقع، هذا لنكتشف بعد ذلك أن الاستاذ خالد، كما قال عن نفسه، لم يطلع على كتاب النعيم الذي أهداه له حتى الآن، كما أنه لم يقرأ من النسخة العربية (وهي أكثر من مجرد ترجمة بالمناسبة) غير الفصل الأول والخلاصة (وربما التقديم).. هذه التهمة غير مؤسسة ببساطة لأننا لو قرأنا كتاب النعيم (بخلاف اللقاءت الصحفية والندوات التي لا مراجع فيها، والتي ليس الغرض منها أن تحول محل الكتاب، بل لتؤدي للمزيد من الاطلاع عليه) لوجدنا اهتمام النعيم بالتأسيس المفاهيمي والتاريخي، قانونيا ومن التراث التشريعي الإسلامي، وإيراده للعدد المقدر من المراجع، النوعية والكمية، التي بنى عليها تأسيسه المفاهيمي لما هو أصيل في أطروحته، ولرأينا إشارته لأن أطروحته ليست قائمة بذاتها، إنما هي مستقاة عنده من المنهجية الدينية التي ينتمي لها (الفكرة) وتسعى لتعبيد الطريق لها في الميدان العام، لكن بدون احتكاره للرأي بخصوص ذلك الميدان (كمبدأ ديمقراطي)، وبدون ترك مسؤولية الأطروحة على غيره.. بطبيعة الحال إيراد المراجع والتأسيس المفاهيمي والتاريخي لا يعني بالضرورة صحة الأطروحة، لكن يعني أن تهمة الأستاذ خالد لا أساس لها في أرض الواقع.. التهمة أن النعيم لا يتعاطى مع الواقع في أطروحته، في حين أن حديثه التاريخي الموثق عن دينامية العلاقة بين الدين والدولة والسياسة في التاريخ الإسلامي، في الكتاب، هي مما لم يطلع عليه الأستاذ خالد حتى الآن (حسب قوله).

    زعم الاستاذ خالد أيضا أن الاستاذ النعيم يختلق التعاريف من عنده، وأن منهجه في تعريف المسائل غير علمي، لأنه يضع التعريف الذي يوافق رأيه للقضايا.. يقول الأستاذ خالد إن التعريف الصحيح يجب أن يعرّف طبيعة الأشياء ومن ثم بعد ذلك يمكن للمرء أن يوضح رأيه بخصوصها.. الأستاذ خالد طبعا لم يذكر أن "طبيعة الأشياء" هذه نفسها تعتمد على رأي المرء في قضايا "الطبيعة" و"الأشياء" نفسها، برغم أن هذه النقطة بالذات من أكثر ما يحب الأستاذ خالد الكتابة عنه، في ميادين اخرى (مثل كتابه الأخير "المعرفة وطبيعة الوجود").. هذه التهمة أيضا لا أساس لها، فالواقع أن معظم القضايا الإنسانية، اجتماعية كانت أو تقنية أو ضمن العلوم الطبيعية، الخ، تحوي تعريفات متعددة لنفس الشيء، وكثيرا ما يختار الناس التعريف الذي يناسب قناعاتهم ومجالات بحثهم ويدافعون عنه، والموضوعية العلمية فقط تتطلب عدم إيهام الناس بأن التعريف الذي يتبناه الشخص، او تتبناه مؤسسة ما، هو التعريف الأوحد الذي لا خلاف عليه، وهو أمر معروف ومتداول في الأوساط الفكرية العامة في كل المعمورة.. الأستاذ النعيم كان علميا وموضوعيا في تعريفه للقضايا التي تناولها ضمن أطروحته، ولم يأل جهدا في توضيح اختياره للتعريف ولماذا اختاره.

    مثلا، نقد الأستاذ خالد لتعريف النعيم للجهاد.. النعيم كان واضحا في اختياره للتعريف، وهو وضّح منذ البداية أن هناك تعريفات أخرى للجهاد، أما الأستاذ خالد، وهو يحاول تصحيح تعريف النعيم، فإني أقرأ له وأقرأ قول الأستاذ محمود، بالبنط العريض، في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام: "الجهاد ليس أصلا في الإسلام"، فلا أملك سوى أن أشاهد معركة الأستاذ خالد في غير معترك ليثبت على النعيم تهمة لا أساس لها.

    (2)
    الأستاذ خالد اتهم النعيم بالغموض واللبس (المتعمد؟) في أطروحته، وأورد بعض النصوص البسيطة، من مقابلة صحفية مع النعيم (لا أدري إن كانت مترجمة أم مباشرة بالعربية)، وقرر بعدها أنها الغموض واللبس بعينه.. أنا شخصيا لم أجد أي غموض أو لبس في تلك النصوص المقتبسة، وأزعم أني فهمتها بصورة واضحة وبدون تعب، وأزعم أن أطروحة النعيم فيها حرص كبير على التوضيح المطوّل، لان النعيم حريص على أن لا يخلط الناس بين أطروحته وأطروحات أخرى تتشابه معها في بعض النقاط وتختلف في بعض، كما تتشابه معها في بعض المسميات وتختلف في بعض، لهذا ركّز على أن يوضح أي مفهوم أو تعريف مهم لأطروحته، وكل هذا مبذول في كتابه (والكتاب هو محل التفصيل، لمن ابتغى التفصيل، أما اللقاءات الصحفية والمقالات القصيرة والندوات العامة فليست دوما كذلك).

    (3)
    يصر الأستاذ خالد على أن النعيم نعت دولة المدينة (بما فيها عهد حكم النبي عليه الصلاة والسلام) بأنها سياسية، وحين يظهر جليا من حديث النعيم أنه يستثني زمن حكم النبي استثناء واضحا (بل إن الفصل الثاني بكامله في الكتاب مخصص لتوضيح هذه النقطة)، لا يقبل الأستاذ خالد بهذا الاستثناء، ويصر على اتهام النعيم بأنه قال قولا خطيرا في حق النبي.. من حق الأستاذ خالد أن لا يقبل حجة النعيم بأن دولة المدينة، بعد النبي، كانت سياسية، لكن ليس من حقه أن يصر على تقويل النعيم ما لم يقل.. النعيم يرى أن دولة النبي كانت استثناء تاريخيا نادرا جدا وغير قابل للتكرار أو الاستنساخ، ولا يمكن الاحتذاء بمثالها اليوم عمليا ولا مفاهيميا، خصوصا في حدود فهمنا الموضوعي المعاصر، لأنها دولة تتطلب وجود نبي مرسل، صاحب رسالة جديدة، حي يمشي بين ظهرانينا، وهو ما ليس متوفرا اليوم.. يوفي النعيم هذه القضية حقها في كتابه بالتفصيل، ويورد الأدلة التحليلية التاريخية على أن دولة الخلفاء الراشدين لم تكن دولة دينية (كما كانت دولة النبي) لأن عنصرا جوهريا مفقود فيها، هو سلطة النبي الدينية التي لا تراجع، وهو في نفس الوقت رأس الدولة ومصدرها التشريعي الأصيل، وهو أمر افتقدته سلطة الخلفاء الراشدين بصورة واضحة (والأدلة على هذا كثيرة، منذ انتقال النبي للرفيق الأعلى إلى نهاية دولة المدينة).. والنعيم لم يقل إن الحكومة نفسها في دولة الخلفاء كانت حكومة سياسية، بل هي فعلا كانت حكومة دينية (والتمييز بين الدولة والحكومة ضروري عند أطروحة النعيم، وإن كان البعض لا يتفقون معه في ذلك فعلى الأقل يجب أن يقرؤوا حجته من خلال تمييزه هذا ثم بعد ذلك يقبلوها أو يرفضوها، لكن ليس من الإنصاف أن يتجاهلوها لمصلحة افتراضاتهم المسبقة).. هذا مع اعتبار ان النعيم يشير لاهمية النظر لمدى الفرق الكبير جدا، الذي يكاد يكون نوعيا، بين شكل الدولة ووظائفها في ذلك الزمان وشكلها ووظائفها في حقبة ما بعد الاستعمار الأوروبي، حتى ان تسمية تلك دولة وهذه دولة فيه بعض التجاوز الاصطلاحي لمصلحة الجدل والمقارنة.. كل هذا تحليل أورده النعيم وحرص على توضيحه، وللجميع الحق في أن يختلفوا معه أو يتفقوا معه إن شاؤوا، لكن من شروط الموضوعية أن لا نحتج على الشخص بما لم يقله.

    ثانيا: اختلاف الفهم
    هناك قضايا أربع، أرى أن فهمي لها من أطروحة النعيم مغاير جدا لفهم الأستاذ خالد لها، كما أرى أن النعيم وضّح نظرته لتلك القضايا بصورة لا غموض فيها، بالنسبة لي، وقد تناولنا هذه القضايا في هذا الخيط من قبل (وغيرها كثير، في كتابات الأستاذ خالد وفي كتاباتنا السابقة هنا، لكن ننحصر في هذه الآن لأنها أساسية):

    (1) مفهوم الدولة الدينية وعلاقته بالواقع
    الأستاذ خالد يقول إن النعيم يتحدث عن مفهوم الدولة الدينية (كدولة متدينة، أي تعتنق دينا) لا وجود له في الواقع، ولا توجد جماعة تدعو للدولة الدينية وتعرّفها بهذا الشكل، وبالتالي فإن النعيم غير موضوعي وغير واقعي.. الإشكال ببساطة هنا هو أن الاستاذ خالد يفهم أن النعيم ينتقد ممارسات ومحاولات تطبيق الدولة الدينية جميعها على هذا الأساس، وهو أمر غير صحيح لأن النعيم لم يغفل عن انتقاد محاولات تطبيق الدولة الدينية عبر التاريخ الإسلامي، ولم يغفل عن متى كانت بدايات مصطلح "الدولة الإسلامية" في تاريخ الفكر الإسلامي (فالمصطلح وجميع تعاريفه اليوم حديثة لا قديمة، ظهرت أوائلها مع نهايات حقبة الاستعمار الأوروبي) كما انه لم يقل إن هذه المحاولات تعرّف الدولة الدينية بهذا الشكل.. النعيم ببساطة واجه مسألة الدولة الدينية على مستويين: المستوى الأول يتعلق باستحالة اجتماع المسلمين على صيغة يتفقون عليها للدولة الإسلامية، لأن فهمهم لنصوص وتعاليم الدين وتشاريعه مختلف، كمّا ونوعا، وبالتالي فإن أي دولة تدعي تمثيل الإسلام إنما هي تمثل وجهة نظر القائمين عليها -اقرأ الحكومة- للإسلام، وهناك مسلمون غيرهم لا يوافقون على الشرعية الدينية لهذه الدولة؛ هذا بالإضافة لإشكالات قانونية عديدة تظهر بمجرد محاولة إضفاء القداسة على العملية السياسية في الحكم، وهي عملية دينامية بطبيعتها وبالتالي دائمة التحول والتشكل، في حين أن النص المقدس غير ذلك؛ وبالتالي فإن نفس الطائفة التي تزعم تطبيقها للدولة الإسلامية تجد نفسها تخالف مبادئها التي رسمتها لنفسها مع سيرورة الأيام.. هذا في المستوى الأول (والمقام ليس مقام تفصيل)، أما المستوى الثاني فبه النعيم واضح في أنه يسعى به لقطع الطريق على جميع مدعي تطبيق الدولة الدينية في المستقبل، حتى نتجنب مغبة كل المغامرات السمجة التي على بال الكثير من المسلمين السذج والمهووسين اليوم (فالكثير منهم يقولون "لم يفلح من أتى قبلنا في تحقيق الدولة الإسلامية، أما نحن فسنفلح")، ولهذا فهو يحاربها في المستوى المفهومي ليقول إنها مغلوطة أساسا، وليس هناك سبب لربط الدين بالدولة إلا لو كان هناك سبب لربط السفينة، كآلة ومرفق، بديانة ركابها، فنقول إنها "سفينة إسلامية" لأن ركابها مسلمين (أو أغلبهم مسلمين).. مؤسسات الدولة آلات سياسية يرتفق بها الناس لتنظيم بعض شؤونهم الحياتية ضمن ظروف زمكانية معيّنة، وليس هناك سبب منطقي لربطها المباشر بأي دين كفكر ومنهج شامل وأكثر عمقا وحياة من وظائف تلك الآلات.

    والنعيم، كما أفهمه، لا يرى في هذا خلافا مع حديث الفكرة حول دولة الرسالة الثانية من الإسلام، وأنا أوافق على ذلك، فدولة الرسالة الثانية من الإسلام عندي ليست دولة دينية! (ولقد أوردت الكثير من النصوص عن الأستاذ محمود هنا، في هذا الخيط، التي وضحت أني أفهم منها ذلك، فلتراجع في موضعها) وإن كان الأستاذ خالد وغيره يرون غير هذا فهو بيننا اختلاف رأي، لكنه لا يعني أننا ننكر دولة الرسالة الثانية نفسها! أنا شخصيا لم أجد أي نص من الأستاذ محمود حتى الآن يفيدني بان دولة الرسالة الثانية دولة دينية، وقد بحثت عنه (بل وجدت نصوصا كثيرة تفيدني بانها دولة ذات دستور إنساني وحكومة غير دينية ومجتمع متدين -اقرأ متمدين- بمعنى المستوى العلمي من الدين)، ولا مانع عندي من نقاش هذا الأمر باستفاضة أكبر مع أي شخص، إضافة لما تم له من نقاش في هذا الخيط، ما سمح الظرف بذلك، وليس مهمّا جدا عندي أن يقتنع جميع الجمهوريين بهذا التصور قريبا، فلست وكيلا عليهم، لكن ليس لأحد غير الأستاذ محمود نفسه، وغيري، أن يحدد لي مدى انتمائي للفكرة الجمهورية (وهي الفكرة التي اخترتها طائعا كنهج حياة)، لمجرد أن فهمي لها يخالف فهمه.

    ثم إني أرى اهتماما كثيفا، من بعض الاخوان، بالمسمى الديني للدولة، في حين ما أفهمه من تاريخ الفكرة أن الأستاذ كان حريصا على محاربة المسميات الدينية في غير مكانها، وكان يحرص على المحتوى (وقد ذكر في إحدى لقاءاته الصحفية الأخيرة انهم فضلوا الاسم "المدني" للحزب الجمهوري وابتعدوا عن المسميات الإسلامية، مع التركيز على أن يكون المحتوى إسلاميا، بالفهم المختلف جدا للإسلام عما كان شائعا)، بل إنه أكد مرة، وبنص معلن واضح، أنه لا يدعو لحكومة لدينية، فما بالك بالدولة الدينية! كما انه ذكر إن الدستور القائم على أصول القرآن هو الدستور الإسلامي، لكنه أكد أنه لن يسميه كذلك، إنما يسميه دستورا إنسانيا (النصوص موجودة في هذا الخيط، فلتراجع في موضعها).. فوق ذلك فكل هذا متسق مع الفهم المعروف للفكرة بأنها ليست دينا "بالمعنى المألوف للأديان"!

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تعريف النعيم للدولة على أنها مؤسسات السلطة القائمة على حدود جيوسياسية معلومة، وليست الحكومة ولا الشعب، تعريف معروف ومأخوذ به في مجال الدراسات القانونية حول العالم، والنعيم لم يأت به من عنده، وقد أورد مصادره ووثق لها بصورة واضحة في الكتاب، فلتراجع في موضعها لمن أراد التأكد.. الأستاذ خالد لا يقبل بهذا التعريف، وهذا شأنه، لكن لا يحق له أن يصف النعيم بأنه "يعرف بعض الأشياء بتعريفات ذاتية، لا علاقة لها بالموضوع المراد تعريفه".

    (2) الوصل بين الدين والسياسة
    من العجيب في هذه النقطة أن الأستاذ خالد يقر بأن النعيم يقول بفصل الدين عن الدولة مع وصله بالسياسة، لكنه بعد ذلك يصر على اتهام النعيم بأنه يريد استبعاد الدين من السياسة العامة والقانون وحصره في المجال الفردي! وهو أيضا اتهام تقريري لا أساس له، والأستاذ خالد يكرره كثيرا ويورد عليه النصوص الاستشهادية، بيد أن تلك النصوص التي يستشهد بها من كلام النعيم لا تقول ما يريد لها الأستاذ خالد أن تقول! النعيم تحدث بوضوح جدا عن فصل الدين عن الدولة ولكن ليس عن السياسة، بل أكد على ضرورة وصله بالسياسة، والأستاذ خالد ما زال يصر على أنه فهم أطروحة النعيم جيدا، ومن ثم يقول "فأنت، لأمر ما، تريد أن تبعد الدين عن مجال السياسة العامة للدولة، وعن القانون العام، لتجعله كله، مجرد علاقة فردية بين العبد وربه".. انك يا أستاذ خالد، لأمر ما، ترى النعيم يقول بوضوح ما هو بخلاف ذلك، ولكنك تصر على انتقاده من هذه الزاوية.. أنت مصر على أن تجعل علمانية الدولة التي يتحدث عنها النعيم هي هي العلمانية في صورتها الشائعة، التي روّج لها التنظير الغربي السياسي الحديث واستقبلها المسلمون بمحاذير جاهزة، وكأن النعيم لم يأت بجديد، ولا يشفع له عندك كونه وضح مرارا أن أطروحته بخلاف ذلك، ولا يشفع لنا عندك أننا في هذا الخيط تناولنا هذه القضية بأكثر من صورة ومثال.. أنت مصر على فهمك أن أطروحة هي هي العلمانية الشائعة منقولة فقط، وأن محاولة للنعيم هي مجرد محاولة تجميل لنفس الوجه، وهو فهم لا يدعمك فيه أي نص من النصوص التي استشهدت بها من أقوال النعيم.

    ومسألة استشهاد الأستاذ خالد بنصوص النعيم تستحق وقفة بسيطة.. بالنسبة لي، كقارئ، أقرأ النص وأقرأ تعليق الأستاذ خالد بعده، وقليلا ما أتفق مع فهم الأستاذ خالد لذلك النص.. مثلا، أنا لم أقرأ الكتاب "نحو تطوير التشريع الإسلامي" حتى اليوم قراءة مكتملة (قرأت فقرات منشورة هنا وهناك، وتصفحته بسرعة في يوم من الأيام، وقرأت المقدمة)، لكني حين أقرأ استشهادات الأستاذ خالد من ذلك الكتاب اليوم، أرى فيها عكس ما يراه الأستاذ خالد.. أرى فيها اتساقا كبيرا، حتى الآن، مع أطروحة النعيم المعاصرة، مع بعض تغيير في اللغة وأسلوب الحجة (وبعض التغيير في اللغة أعني به بعض التغيير في المصطلحات، ولا أرى في ذلك عيبا ما دام في كتابه الجديد وضّح ما استقر عليه اليوم من اصطلاحات، بعد سنين بحث وتطوير للأطروحة).

    هذا لا يعني أن فهمي هو دوما الصحيح، بأي حال من الأحوال، فلا أستبعد خلاف ذلك، ولكني ما دمت ممحصا لفهمي اليوم ومقتنعا به فإني مسؤول عنه، وأرى بوضوح أنه يختلف عن فهم الأستاذ خالد.. وليست عندي بمشكلة أن أختلف أو أتفق مع الأستاذ خالد اليوم في هذا الأمر (وهناك الكثير من النقاط التي توسع فيها الأستاذ خالد في كتاباته هنا لا أجد عندي اعتراضا عليها، كما لا أجد علاقة لها بتفنيد أطروحة النعيم! بل إن النعيم كتب عنها أيضا -أي تاريخ التجربة الأمريكية- إضافة لكتابات مماثلة عن تاريخ دول أوروبية عدة، موعدكم معها في النسخة العربية)، لكن الأستاذ خالد يتعامل مع هذه الأطروحة بوصفها مخالفة للفكرة لدرجة الموازاة، بل وذهب ليجعل نفسه ممتحنا للنعيم في عقيدته في الفكرة (الاستشهاد جاهز إن أراد البعض ذلك)، وبذلك فإن الأستاذ خالد قد قدم مثالا حيا لضرورة إبعاد العقيدة من الحوار المدني (المنطق المدني)، إذ على أي أساس يعطي الأستاذ خالد لنفسه الحق في مساءلة النعيم في عقيدته؟ وفي قضية عامة كهذه، تحت نظر جميع الاخوان هنا؟ أكثر من ذلك فالأستاذ خالد لا يقف عند المساءلة، بل يقرر الحكم ولا ينتظر، فيقول في النهاية للنعيم "واضح أن طرحك هذا عزيز عليك، حتى إنك لتضحي في سبيله بأغلى شيء"!

    (3) المنطق المدني كآلية حوار لا كمنهج تفكير
    الأستاذ خالد يقتبس تعريف النعيم له، فهو "منهج في الحوار، في الأمور العامة، وليس أي محتوى محدد من أي منظور فلسفي، دين أو مفهومي معين. والغرض من وراء هذا المنهج هو مقدرة كل منا إقناع الآخرين بالحجج، ووسائل الخطاب التي لا تعتمد على العقيدة دائماً، حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الاعتماد عليها.. الخ".. يورد الأستاذ خالد هذا النص (موجود بكامله في نص الأستاذ خالد، فليراجع، ويحبذ أن يراجع بالتفصيل في الفصل الثالث من الكتاب)، وبعدها يخلص لأن المنطق المدني يستبعد الدين نفسه من المجال العام، في حين أن الاقتباس واضح في أن المنطق المدني "منهج في الحوار... ليس أي محتوى محدد من أي منظور فلسفي، دين أو مفهومي معين..."، فشروط الحوار بين المواطنين الذين يلتقون على مرجعية المواطنة هنا هي المسألة، وليس فيها تحديد لما يُقبل وما لا يُقبل من مرجعيات الناس الفكرية، ما داموا مستوفين لشروط الحوار المرسومة لتناسب الجميع بدون تفضيل.. أكثر من ذلك فالمنطق المدني ليس مفروضا على "الحياة العامة" في الدولة، هكذا بإطلاق العبارة، إنما هو محصور في المجال السياسي العام الذي يتضمن مخاطبة أجهزة الدولة.

    المنطق المدني ليس بديلا للعقيدة الدينية، ولا يسعى إطلاقا لمنع وجود الدين في الحياة العامة، إنما هو شرط من الشروط الموضوعية للحوار بين أهل عقائد متباينة يشتركون في حقوق ومسؤوليات المواطنة، ولهذا يرجى منهم جميعا (مسلمين وغير مسلمين، متدينين وغير متدينين) أن لا يفرضوا عقائدهم على بقية مواطنيهم في إطار الدولة، فإن أراد المسلمون، مثلا، منع التعامل الربوي في البنوك المحلية بقانون الدولة، لحرمته، لن يقال لهم "هذه عقيدة، ولن يُسمح بها باسم المنطق المدني!"، كلا! بل سيقال لهم "ليس لأحد الحق في التدخل في مرجعيتكم الدينية بهذا الخصوص، لكن عندما تطرحوا هذا الأمر على مواطنيكم، ليصبح قانون دولة، عليكم أن تطرحوه بصورة مقنعة وبغير إرهاب ديني لأي منهم، كتابيا كان أم وثنيا أم ملحدا" (وقد اوردت مثالا في هذا الخيط، في مساهمتي السابقة، عن كيفية تقديم تلك الحجة بدون رفع كرت الحرام والحلال العقيدي).. إن فكرة المنطق المدني بسيطة وواضحة، والمنطق المدني هو هو أسلوب طرح الفكرة الجمهورية لآرائها في المجال العام، كما أراه، خصوصا السياسي والاقتصادي، فالفكرة الجمهورية بالذات لا تسعى لإقناع الناس بوعود ومحاذير العقيدة، إنما بالفهم المقبول لدى المحاور، وهذا ببساطة عين ما يطلبه المنطق المدني، فأين المشكلة؟

    يبدو لي بعض الاخوان يعترضون على موضوع المنطق المدني على أساس أنه يضيّق على الدعوة للفكرة الجمهورية، في حين أراه أنا العكس تماما.. المنطق المدني لا يقول بمنع التبشير الديني والتعبير الديني عموما في المجتمع (على مستوى أفراد أو جماعات أو منظمات ومؤسسات مدنية، غير مؤسسات الدولة التي وظيفتها حماية المواطنين بمختلف عقائدهم وتفعيل القانون، لا التبشير)، لكن حين يريد بعض الناس نقل بعض تعاليم دينهم إلى تجسيد قانوني في الدولة، عليهم حينها أن يقنعوا غيرهم بان تلك الخطوة لا تشكل خطرا على حقوقهم الأساسية ومكتسباتهم المدنية، بل هي طيبة الثمار للجميع (أو غير ضارة على أقل تقدير)، وهم منطقيا لن يستطيعوا أن يقنعوا غيرهم هؤلاء بهذا الأمر لو ارتكزوا على الحجة العقيدية، لانها حجة غير مقبولة عند مرجعية الغير ((كل حزب بما لديهم فرحون)).. التشاريع الإسلامية غير المخالفة للدستور -اقرأ تشاريع الأصول- عندها فرصة أن تنعكس على قوانين الدولة، والمنطق المدني عند النعيم لا يرفض ذلك، بل يؤيده النعيم كمسلم، لكن على وعي أننا بحاجة لإقناع غير المسلمين بحصافة هذه القوانين، كإخوة مواطنين لنا يملكون نفس الحقوق الأساسية في الدولة، ومن ثم أيضا لا نخلع قداسة على أي من تلك القوانين بصورة تجعل مراجعتها المستقبلية -إن شاءت الظروف ذلك- مثارا لفتنة دينية بين المواطنين.

    مرة أخرى.. المنطق المدني ليس ضد العقيدة؛ المنطق المدني ضد أن تصير العقيدة حجة في حد ذاتها في المجال السياسي والتشريعي، لأن في هذا ظلما لبقية المواطنين من غير معتنقي تلك العقيدة.. المنطق المدني لا يقول بإبعاد الدين عن مجال السياسة العامة والقانون، إنما يقول بتنظيم حوار المواطنين، من مختلف الخلفيات الدينية، ليتواضعوا على شروط مفاوضة في المجال السياسي العام مقبولة عندهم جميعا ومنصفة لهم جميعا، وهذا عندي مطلب أولي في تشريع الرسالة الثانية من الإسلام نفسه.

    نلاحظ أيضا أن النعيم لا يضع شروطا كثيرة بخصوص محتوى المنطق المدني في إطار كل دولة، ذلك لأنه يتحدث بوضوح، في كتابه، عن أهمية أن نعي أن شكل وشروط آلية المنطق المدني -رغم الاتفاق حول الشروط البسيطة العامة- ستختلف من دولة لدولة بحكم اختلاف تجارب شعوبها وتكويناتها العقائدية والثقافية.. المنطق المدني آلية مرنة للحوار المنظم المثمر في الميدان السياسي العام، وآخر ما يمكن أن يقال عنه انه استبعادي لأي شخص أو لأي عقيدة.

    (4) بين القانون والأخلاق
    يتعجب الأستاذ خالد كثيرا من عبارة الأستاذ النعيم: "بعبارة أخرى فإن الدولة العلمانية قادرة على توحيد المجتمعات المتباينة عقائدياً عملياً في مجتمع سياسي واحد لأن متطلباتها الأخلاقية قليلة، ومحدودة، ولذلك هي أقل عرضة لأن تكون مصدر اختلاف رئيسي بين المواطنين"، ويقول في تعليقه عليها، باستنكار: "لقد اضطربت الموازين عند عبد الله اضطراباَ عظيماً، وتبادلت القيم مواضعها.. هل الأهم، لمصلحة الفرد، ولمصلحة الجماعة، أن يتوحد الناس سياسياً، أم أن يتوحدوا اخلاقياً؟!".

    إن سوء الفهم هنا ليبلغ مدى عظيما عند الأستاذ خالد، فالنعيم حين يتحدث عن الدولة إنما يتحدث عن القانون لا عن الأخلاق، وهو لا يقول بعدم ضرورة التوحد الأخلاقي، وأطروحته أساسا ليست بهذا الصدد.. الدولة معنية فقط بالقانون، والقانون، كما هو تعريفه عندنا في الفكرة، الحد الأدنى من الأخلاق.. الأخلاق في مستوياتها العليا فوق منطقة القانون، كما هو عندنا في الفكرة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وكل المطلوب من القانون الدستوري للدولة هو ألا يتناقض مع مقاصد تلك النهايات، لا أن يقنن لها! الأستاذ خالد يظن، لسبب من الأسباب، أن النعيم يعترض على عملية توحيد الناس أخلاقيا، وهو الأصعب، فقط لانه لا يتحدث عن هذا الأمر في أطروحته! الأستاذ خالد يتعامل مع أطروحة النعيم، كما يبدو لي، كأطروحة موازية للفكرة ومستغنية عن الدين، في حين أن مبتغى النعيم أصغر من هذا بكثير (وما عرفت أن له مبتغى غيره من هذه الأطروحة)، فهو لا يرى في أطروحته إلا شيئا من التفصيل حول فهمه للجانب السياسي والتشريعي العام في الفكرة الجمهورية، وهو فهم يعلن مسؤوليته التامة عنه.. النعيم مشغول في أطروحته بمستوى القانون، أولا وأخيرا، والأستاذ خالد مشغول بالأخلاق وما إذا كان النعيم يضحي بها أم لا، فإن لم يكن هذا سوء فهم فماذا يكون؟

    خاتمة:
    إن أطروحة النعيم تسمي نفسها "مفاوضة مستقبل الشريعة"، وتركز كثيرا على آلية "المفاوضة" هذه، وهي دوما تشير لأن المسائل في مستوى التنظير أسهل منها بكثير في مستوى عملية التطبيق، وتصر الأطروحة على ضرورة إشراك الناس في تنزيل النظرية لأرض الواقع، للمقتنعين بها، وأن هذه التطبيقات لن تكون كلها واحد منسجم، بل ستختلف في الشكل والمستوى باختلاف سياقات متعددة في العالم حيث يقطن المسلمون (وحيث يقطن المتدينون عموما)، وهذا أمر إيجابي وليس سلبيا، فتنوع الفهوم ليس دوما مشكلة، ما دامت متعايشة ومتلاقحة.. النعيم يعترف بصورة جلية بصعوبات التطبيق؛ صعوبات الفصل (بين الدين والدولة) وتحديات الوصل (بين الدين والسياسة)، ويدلل على ذلك بتاريخ عالمي متنوع (بعضه من مجتمعات مسلمة وبعضه من غيرها)، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال التوقف عن التفكير في تقديم حل هيكلي/مؤسسي مناسب لسيرورة هذا التطبيق (سيرورة المفاوضة) مع التدليل على أحقيته في الاعتبار الجاد، وهو يدلل على هذه الأحقية من واقع إيجابيات بعض التجارب التاريخية ومن واقع قدرته على فض بعض التناقضات المفاهيمية في أذهان الناس -المسلمين خاصة- بخصوص قضية الدين والدولة.. النعيم لا يطرح تقريرات نهائية ووصفات حاسمة، بل آليات تنظيم لمفاوضة القضايا حتى نصل بها لوصفات مستقرة (وليست نهائية، فالسيرورة تقتضي دوما التطور في آليات الحكم كلما تطور المجتمع وتبدلت الظروف)، وهذا الطابع واضح في أطروحته (خصوصا في الكتاب)، وهو ما يجعلني مقتنعا بها بهذه الصورة، لاني أراها قوية ومرنة في نفس الوقت، ومتسقة مع فهمي للفكرة الجمهورية بمستوى مريح.. لكن الأستاذ خالد، كما أراه، يفضل التعامل مع الطروحات كتقريرات حاسمة وحرفية، ومواقف نهائية وقائمة بذاتها، بلا جذور، فيسهل عليه بعد ذلك وصفها بتقريراته النهائية هو أيضا (وقد كرر في كتابته أعلاه كيف أن حصيلة فهمه لآراء النعيم هي مواقف النعيم "المبدئية والنهائية"، وهو بالإضافة لذلك لا يقبل أن يقال له إنك أسأت الفهم فيها).. الأستاذ خالد يقول عن أطروحة النعيم إنها تستبعد إمكانية حصول تشريع عام مستمد من الإسلام، وتستبعد الفكر الديني، وتستبعد حتى منهج التوحيد(!) وما إلى ذلك من الاستبعادات التي يطول عددها؛ كل ذلك حين أرجع لأصله أجده فقط فهم الأستاذ خالد لأطروحة النعيم، من نصوص أقرؤها شخصيا ولست أدري كيف توصل منها الاستاذ خالد لذلك الفهم!

    إن التعامل الحيوي، الدينامي، مع أطروحة النعيم أقرب لتيارها الذي اختارته من البداية، سواء أكان هذا التعامل بالنقد السلبي أم الإيجابي، لكن التقريرات والاتهامات الحاسمة هي فقط حاسمة بالنسبة لمتبنيها، ولا تقود إلا لقطيعة في التواصل الفكري أو لانتهاء الحوار بحسابات "غالب ومغلوب" و"فريقنا وفريقهم" (لمن يحبون تلك الحسابات، وهي أحيانا ضرورية، لكن لا أظن بين الاخوان)، لكنه لا يقود لدحض أي فكرة مؤسسة وعتيدة البنيان، ومن معرفتي للأستاذ النعيم فهو من أبعد الناس عن هذا الأسلوب الحسمي في الحوار، ومن قراءاتي الطويلة لنقاشات الأستاذ خالد مع العديد من الاخوان هنا في الصالون، في قضايا عدة وبأزمان متفرقة، فهو أغلب الوقت يتبنى هذا الأسلوب في الحوار، ولا أستبعد أن أستقبل قريبا حديثا من الأستاذ خالد بهذه الصورة (إذا لم يتجاهلني تماما)، لكني على العموم مهموم أكثر في حواراتي هنا بأن أكون صادقا مع نفسي، قدر الإمكان، وواقفا بجدية مع ما أنا مقتنع به ومطمئن له، وبأن أكون متأدبا قدر استطاعتي مع الاخوان، وما بقي بعد ذلك هيّن، والله يفعل ما يشاء.

    هذا وللأستاذ خالد، وللأستاذ النعيم، ولجميع الأخوان كثير محبتي واحترامي
    قصي همرور
                  

04-26-2016, 11:32 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم السبت 5 سبتمبر 2009 كتب الأستاذ الراحل المقيم سيف الدين إبراهيم محمود عليه رحمة الله (انتقل إلى جوار ربه في إيطاليا في عام 2010) هذه المداخلة:


    مشاركةبواسطة saif » السبت سبتمبر 05, 2009 11:00 am

    الأخوان الكرام
    سلام
    أولاً ، أود أن أهدي تحياتي وتهاني بالشهر الكريم للأستاذ خالد والأخوان والأخوات ، ثم أعرب عن شكري وتقديري للأستاذ خالد علي جهده الكبير ، والمقدر ، في تناوله بالبحث والنقاش لهذا الموضوع الهام ، وأتمني له دوام الصحة والعافية .
    كتب الأستاذ خالد

    Quote: أنا يا أخ عبد الله، لم أفكر في أن أناقش طرحك هذا، لأنني لم أكن أعرفه.. صحيح، إنك مشكوراً، أهديت لي كتابك، ولكنني لم أجد الفرصة حتى الآن للاطلاع عليه..


    لم يتسن لي ، أيضاً ، مطالعة الكتاب موضع الخلاف لأني لم أعثر عليه بعد . ولكن ما اطلعت عليه من كتابات الأستاذ النعيم ، داخل هذا الصالون وخارجه ، لم يحوجني للوقوف علي أطراف أصابعي ترقباً ، وحذراً ، لما يمكن أن يصدر عنها من خطر علي الفكر الديني ، والإسلامي بصفة خاصة . علي النقيض ، رأيت فيها محاولة للتدقيق ، وتسليط مزيد من الضوء علي مبدأ هام وأساسي من مبادئ الفكرة الجمهورية ، يتعلق بنزع الصبغة الدينية ، والإسلامية بصفة خاصة ، عن القانون الأساسي ( الدستور ) الذي ينظم علائق الدولة بالمجتمع ، في مساراتها الحياتية المختلفة ، وإرساء قواعد دولة المواطنة والحقوق الأساسية ، علي المستوي القومي والعالمي . والأستاذ النعيم ، لم يفعل ذلك بوصفه جمهورياً نجيباً يقف علي أرض مشتركة مع سائر الأخوان فحسب ، بل بوصفه أيضاً أكاديمياً ضليعاً نذر حياته المهنية لهذه الغاية ، مما يدعو للتعامل مع طروحاته بصورة أكثر جاهزية وروية مما بدا لي حتي الآن .
    الإتفاق او الإختلاف مع الطروحات المعنية أمر وارد وطبيعي ، لاسيما بيننا الآن أبناء الفكرة الواحدة ، ولكن ما يثير القلق أن ينسحب علينا ما نعاه الأستاذ علي بعض معارضيه ، كونهم لايقرأون كتب الفكرة ثم معارضتها علي بينة مما ينبغي معارضته . والأخ الأستاذ خالد يقر بأنه لم يطلع حتي الآن علي كتاب النعيم وإنما يهمه الطرح العام ( ولي تحفظ علي هذا القول ) ، فما ضره لو تحلي بمزيد من الصبر والإطلاع بنية التحري و الإستوثاق ، ثم مواصلة الحوار ببركة هذا الشهر الكريم ؟
    لي بعض الملاحظات علي ماورد في أجزاء من كتابات الأخ خالد ، قد تبدو جانبية ، ولكنها ذات دلالات هامة .
    1-

    Quote: ولما كانت المفارقات صارخة جداً، في وضوحها، خشيت أن يدخل في الحوار، من ليس لهم تجربتك في الفكرة.. فحاولت تلافي هذا الأمر، فاتصلت بالأخ عمر هواري، وأنا أعلم، أنه لا أنا ولا هو نملك ايقاف هذا الأمر، ولكنه تحريك شريعة. طلبت من أحد الأخوان القيادييين المعروفين، أن لا يدخل في الحوار، ويتركه لي، لأنني، على الأقل ند لك في السن، وقد وافق، والتزم، مشكوراً .


    خشية الأخ خالد أن يدخل في الحوار من ليس له خبرة الأخ النعيم في الفكرة ، أمر يدعو للعجب ، إذ لا يتسق مع سعة الفكرة وقدرتها علي تربية أفرادها ، صغاراً وكباراً ، علي ثقافة إبداء الرأي و الحوار . و سعي الأخ خالد للتصدي وحده لهذا الأمر ، ينبئ عن ثقة مفرطة في النفس لا ننازعه عليها ، ولكن لا تعطيه الحق في التشكيك في قدرات الأخرين ، والسعي لإقصائهم .
    ثم يقول الأخ خالد :-
    2-

    Quote: بالنسبة لي، الأمانة الأساسية التي تركها لنا الأستاذ هي الأخوان والأخوات، ثم الفكرة.. وكتابتي هذه في هذا الاطار .. هي عمل ديني، يقوم على النصيحة، التي أرجو أن تكون خالصة، ويقوم على محاولة التذكير.. فالذكرى تنفع المؤمنين.اً


    هذا الزعم يحتاج لإعادة نظر رغم دوافعه الصادقة والنبيلة ، وأحمد للأخ خالد حرصه علي خيرالأخوان والأخوات . ولكن يشتم من ذلك الحرص نوع من الوصاية ( بالرجوع لضمير المتكلم في " لنا ") ، وكأن الأخوان والأخوات " صرة في خيط " ، لم يشبوا بعد عن الطوق ليواجهوا مسئولياتهم الفردية في معترك الحياة العريض .
    ثم إني أعتقد أن الأمانة الأساسية التي تركها لنا الأستاذ هي الفكرة ، وكرامة الفكرالحرالنامي دوماً ، وما الأخوان والأخوات إلا " وديعة الله " يأخذها متي شاء ، وكيف شاء . ومن هؤلاء الأخوان والأخوات من لم يرهم الأستاذ خالد ، ولم يروا الأستاذ ، ولم يعيشوا يوماً في كنف الجمهوريين ، ومع ذلك هم قمم شواهق ، لا يجوز في حقهم ما يجوز علي القاصرين .
    وللجميع محبتي وتقديري .
    سيف
                  

04-26-2016, 11:45 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم الثلاثاء 8 سبتمبر 2009 نشر الأستاذ خالد الحاج هذا المقال الذي أضعه في مداخلات عدة كما جاء في الصالون:


    بسم الله الرحمن الرحيم
    بين الفكرة، وطرح الأخ عبد الله (1)

    يزعم الأخ عبد الله أن طرحه هذا، يتسق مع الفكرة، فهو يقول: "لم أقدم هذه الاطروحة في أي مكان كتابة أم شفاهة، باسم سيدي الأستاذ محمود محمد طه، ولا أزعم أنها الفكرة الجمهورية، رغم يقيني الشخصي بأن هذه الأطروحة متسقة تماماً مع فهمي وجهدي في الالتزام بما تعلمت عن سيدي الأستاذ" .. فهل هذا الفهم، يتسق مع الفكرة؟! بل هل هو يتسق مع أساسياتها أم يعارضها؟! هذا ما سنراه.
    فلنبدأ بعرض الخطوط العامة للفكرة، وأساسياتها:
    1. الفكرة أساساً دعوة لبعث الدين، ببعث (لا إله إلا الله) قوية خلاقة في صدور الرجال والنساء.. وذلك ببعث السنة بعد اندثارها.. بعث لا إله إلا الله، يقوم على رفع عمود التوحيد الى مستوى جديد، يتناسب مع حكم الوقت، وهذا بدوره يعني الارتفاع في كلمة التوحيد، من المعنى القديم: لا معبود بحق إلا الله، الى المعنى الجديد: لا فاعل لكبير الأشياء ولا لصغيرها غير الله ـ وحده الفاعل.. وهذا يتضمن:
    ‌أ. كلمة التوحيد هي القانون الأساسي الذي يقوم عليه الكون الحادث كله.. وهذه منطقة الإسلام العام.. ومنطقة الارادة الواحدة.
    ‌ب. وحدة الفاعل هذه تنبني عليها وحدة الوجود.. فالوجود كله وحدة، ليس فيه اختلاف نوع.. ومعنى وحدة، هو أن أصله واحد، ومصدره واحد، والقانون الذي يحكمه واحد، ومصيره واحد.. فهو من الله صدر واليه يعود.
    ‌ج. الحقيقة واحدة، هي الذات الالهية.. فهي الثابت الوجودي الوحيد.. وكل الوجود الحادث تجلي لها، ومظهر يدل عليها.. فلا أغيار في الوجود
    ‌د. على التوحيد، يقوم السلوك.. فالتوحيد هنا صفة الموحِد ـ الإنسان ـ وهو من خلال العمل بالمنهاج يعمل على توحيد البنية البشرية، بتوحيد الفكر والقول والعمل ـ وحدة الفكر ـ ثم وحدة الحياة ـ العقل والقلب والجسد.. وكل هذا العمل يقع في اطار تحقيق الإنسان لإنسانيته
    ‌ه. الإنسان هو غاية الوجود الحادث كله، كما هو غاية كل فرد بشري.. وتحقيق إنسانية الإنسان، تعني الانتقال من مرحلة البشر الحالية الى مرحلة الإنسان، وذلك بتحقيق وحدته الذاتية، والانتقال من مرحلة العقل والجسد المتنازعين، الى مرحلة الجسد والعقل المتسقين.. وهذه هو التكليف الأساسي، وهو يتحقق عن طريق العبودية لله.. وهذه هي وظيفة منهاج الطريق ـ طريق محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. والعبودية لله هي الحرية الفردية المطلقة.
    2. العمل بالمنهاج هو عودة الى الله عن طريق كلامه ـ القرآن ـ وذلك باتباع قدوة التقليد في عبادته، وفيما يطاق من عادته.. وهذا هو بعث السنة، التي بها يعاش القرآن، في اللحم والدم.. وروح السنة هي الفكر ـ ادخال الفكر في العمل، بحيث يتلبس النشاط البشري كله.. فالقرآن هو خريطة سير الإنسان الى غايته، في رجعاه الى مقام احسن تقويم.. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الدليل، وهو القرآن الحي.. والتوحيد هو بوصلة السير.. والسير كله هو عمل في تهذيب الفكر وتنميته وتأديبه، حتى يدق، ويتسع ويكسب الحيادية، بالصورة التي تعينه على رؤية الأشياء على ما هي عليه، بعد أن يتخلص من قصوره والتواءاته، ويتخلص من الأوهام والأباطيل، وعلى رأسها، وهم الارادة البشرية الحرة، ليكتسب الارادة الحرة، بجعل ارادته تتطابق مع ارادة الله
    3. المذكور أعلاه هو مجال تنظيم العلاقة بين الفرد والكون، بحيث يتسق الفرد مع بيئته الطبيعية.. والوجه الآخر هو تنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع، بحيث يتيسر للإنسان تحقيق رسالته الأساسية وذلك عن طريق تربية نفسه، بالصورة التي ذكرت، بالاضافة الى تنظيم المجتمع، بالصورة التي تعينه اعانة فعالة وتزيل العقابيل من طريقه.. وتنظيم المجتمع يقوم على ثلاثة أسسس، في تنظيم الدولة الحديثة هي: الديمقراطية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية، بالاضافة الى الرأي العام السمح الذي لا يضيق بالاختلاف.. ومن واجبات نظام الحكم هذا اشباع حاجات الإنسان الاساسية، وتوفير الحرية الضرورية للمجتمع، حتى يتفرغ هو لتحقيق حريته الفردية، التي لا تتحقق الا بالمجهود الفردي.. وفي هذه الدولة القانون أساساً يقوم على الوحدة.. فهو يتعامل مع الحياة الدنيا والحياة العليا في نفس الوقت.. كمايراعي دورة هذه الحياة الدنيا ـ ودورة حياة ما بعد الموت ـ الآخرة ـ
    4. الطرح كله يقوم على اعتبارات الواقع .. والواقع يقرأ على أساس التوحيد.. فهو يمثل الارادةالالهية، والمطلوب الانتقال منها الى الرضا.. ومن أهم سمات هذا الواقع ـ الحضارة الغربية ـ إنه واقع مادي، فيه دين التوحيد غائب.. وإنه واقع أدى الى وحدة الكوكب الأرضي مادياً، ومن هنا تأتي التحديات الأساسية التي خلقها.. وجوهر هذه التحديات، هو أن الواقع الحضاري جعل قضية السلام، قضية حياة أو موت.. فتحقيق السلام، عند الأفراد، وفي المجتمع، وعلى مستوى الكوكب كله هو التحدي الأساسي الذي يفرضه الواقع الحضاري.. والفكرة في جملتها، وفي نفاصيلها، هي الاستجابة لهذا التحدي.. وهي تعمل على تحقيق السلام، عن طريق السلام الداخلي عند الأفراد، والسلام الاجتماعي، من المجتمعات الصغيرة، وحتى المجتمع الكوكبي.
    وما يميز الفكرة، في هذا الصدد، هو أن القرآن دستور للفرد ودستور للجماعة في آن معاً، ومن هنا تأتي امكانية التكامل بين الفرد والمجتمع.. فالفرد عندما يعمل لمصلحة الجماعة، هو إنما يعمل لمصلحته الفردية، في المكان الأول، ومن هنا يأتي حرصه على مصالح الآخرين؛ وعلى هذا تقوم التربية
    5. الفكرة لا تقوم إلا كلها، فهي لا يمكن تجزئتها، وهي إنما تقوم بشروطها، وتطبق في مجتمعها.
    6. الفكرة بصورتها هذه التي ذكرناها، هي بشارة.. هي بشارة بعهد الإنسان.. عهد تحقيق اكتمال خلافة الإنسان لله في الأرض، ذلك العهد الذي جاء في قوله تعالى: "إني جاعل في الأرض خليفة".. وهي ترى أن هذا العهد قد أظل، وتهيأت البشرية له، بالحاجة له والطاقة به، فليس لها عنه مندوحة، وليس لها به بديل.. "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ".. يعني كل محاولاته تفشل.. فاليوم لا بديل للإسلام، في هذا المستوى الذي تطرحه الفكرة.. من هنا يأتي مفهوم (الوقت) في الفكرة، ومفهوم حكم الوقت، وأدب الوقت، وصاحب الوقت.
    هذه خطوط عريضة، رأينا أن نذكر بها، ونجعلها مدخلاً لحديثنا عن علاقة طرح الأخ عبد الله بالفكرة.. ونحن سنتناول هذه العلاقة في نقاط، تهتم بالجوانب الأساسية، فالمفارقة في الأسس، وليست في مجرد التفاصيل.
                  

04-26-2016, 11:48 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    . مفارقة طرح الأخ عبد الله للفكرة، لا تأتي فقط فيما تحدث عنه، وإنما هي تأتي، أكثر من ذلك فيما غيبه من أمر الفكرة.. فكل ما ذكر أعلاه عن أساسيات الفكرة هو مغيب.. التصور المبدئي لطبيعة الكون، والطبيعة البشرية، والقانون الأساسي الذي يحكم الكون بما فيه البشر.. والغايات الأساسية والوسائل التي تقوم على هذا التصور.. وعلاقة الفرد بالكون، وعلاقته بالمجتمع.. ومنهج التوحيد كمنهج اساسي، لا بديل له في الفكرة، لأنه مرتبط بطبيعة الوجود، والطبيعة البشرية.. واطار التوجيه، المتمثل في التوحيد، وما يقوم عليه من عقل.. وموجهات هذا العقل، المتمثلة في توجيهات القرآن والسنة، كمنهج حياة.. والمصطلحات الأساسية مثل الحقيقة والشريعة، والفاعل الحقيقي والفاعل المباشر.. الخ.. كل ذلك مغيب في طرح الأخ عبد الله.
    العلاقة بين الفكرة وطرح الأخ عبد الله، تبدأ في مرحلة التنزل للسياسة والحكم، وهذه مرحلة في الفكرة محكومة بما هو فوقها، وطرح عبد الله، لا يتعداها الى أعلى، ثم هو يجعلها حاكمة لما هو فوقها.. فهو يغيب الأعلى بالأدنى، والأصول بالفروع، وهذا قياس معكوس.
    2. كل ما ورد، في حلقة (استبعادات المنطق المدني ـ الاستبعادي) من استبعاد للمسائل الأساسية في الدين، هو ينطبق على الفكرة كدين ـ وهو يجعل علاقة الفكرة بطرح عبد الله، علاقة تقوم على استبعاد أسسها وثوابتها، على اعتبار أنها دين يقوم على العقيدة.. عبارة عبد الله، التي يقول فيها: "والغرض من وراء هذا المنهج هو مقدرة كل منٍّا على اقناع الآخرين بالحجج ووسائل الخطاب التي لاتعتمد على العقيدة الدينية، وينبني قولي هذا على أن الدين هو قائم على العقيدة دائماً، حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الاعتماد عليها" هذه العبارة مقصود بها الفكرة بالذات، فقوله (حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الاعتماد عليها) هو حديث عن مرحلة العلم في الإسلام، وهي مرحلة لم تعرف في غير الفكرة.. وحتى لو لم ترد هذه العبارة فالنتيجة هي هي، فمجرد استبعاد العقيدة الدينية هو استبعاد للفكرة
    3. الاختلاف الأساسي، بين الفكرة، وطرح عبد الله، يأتي من الاختلاف الجوهري، في اطار التوجيه، والمرجعية التي يقوم عليها كل منهما.. ففي الفكرة، اطار التوجيه، والمرجعية، التي تقوم عليها، في كل تفاصيلها، هي التوحيد.. والعقل يخضع لهذا الاطار.. طرح عبد الله يقوم على ما أسماه (المنطق المدني)، وهو العقل العام، كما هو دون أي اطار توجيه يوجهه، أو يروضه ويؤدبه.. وكلمة مدني، في عبارة (المنطق المدني) تعني العقل الذي لا يقوم على الدين، فعبد الله لم يترك هذا ليفهم من مجرد الكلمة، وإنما وكده توكيداً شديداً.. فالمنطق المدني منذ البداية، يستبعد منهج الدين بصورة أساسية.. ومقابل المنطق المدني من الفكرة، هو مصطلح (عقل المعاش).. يقول الاستاذ مجمود عن عقل المعاش: "العقل عقلان: عقل معاش، وعقل معاد.. فأما عقل المعاش فهو القوة الدراكة فينا التي استلها من الجسد، الخوف من القوى الرهيبة التي هددت الحياة، بالموت الذريع، منذ أول النشأة.. فهو من أجل ذلك قلق، مضطرب، خفيف، يجسد الخوف.. ويجسد الحرص.. وهو موكل بمجرد حفظ حياة الحيوان.. وحركته ليست فكراً، وإنما هي قلق وخوف مما يجيء به المستقبل المجهول.. هو غريزي وليس مفكرا.. هو شاطر وليس ذكياً، وادراكه علماني وليس علمياً.. ومن هذا العقل يجيء الجبن، والحرص، وحب الادخار، والبخل، وكل مذام الصفات".. هذا هو رأي الفكرة في (المنطق المدني)، وموقفها منه.. وأما العقل الذي يقوم عليه الدين، وتقوم عليه الفكرة، فهو عقل المعاد، وعنه يقول الأستاذ: "أما عقل المعاد فهو أيضاً القوة الدراكة فينا، وهو الطبقة التي تقع بين عقل المعاش والقلب، وهو أيضاً خائف، ولكن خوفه ليس عنصرياً، وإنما هو خوف موزون بالذكاء الوقاد، الذي يملكه حين يفقده عقل المعاش الشاطر.. عقل المعاد موزون، رزين، وقور.. وهو أيضاً موكل بحفظ الحياة.. ولكنه لا يخاف عليها من كل ناعق، كما يفعل عقل المعاش، وذلك لأنه يملك موازين القيم.. وقد يستهين بالخطر الماثل في سبيل الأمن الدئم.. وهو قد يضحي باللذة العاجلة، ابتغاء اللذة الباقية ـ هو ينشغل بالحياة الأخرى أكثر مما ينشغل بالحياة الدنيا ـ عقل المعاد هو عقل الدين ـ هو الروح .. نحن لا نفهم الدين بعقل المعاش، وإنما نفهمه بعقل المعاد.. وعقل المعاش يتأثر بعقل المعاد ويؤثر فيه.. قال تعالى في العقلين: (الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه، وفضلاً، والله واسع عليم).. الشيطان هنا عقل المعاش، والرحمن عقل المعاد.. والشيطان داخلنا، وخارجنا.. خارجنا هو الروح الشرير الذي لا يأمر بخير، وداخلنا هو عقل المعاش، الذي ينصت للشيطان، ويأتمر بأمره"
    "وعقل المعاش حين يؤثر على عقل المعاد يزلزله، ويخرجه عن وقاره، ويذهله عن قيمه.. وإنما من اجل تهذيب عقل المعاش جاءت الشريعة.. فهي بوسيلة العبادة، ووسيلة العقوبة، يسير عقل المعاش، فيتهذب، ويلتقي بعقل المعاد"
    يستطيع عبد الله، أن يقول عن كل هذا، أنه مجرد عقيدة، فهو حر في ذلك.. ولكنه لا يستطيع بأي حال من الأحوال، أن يقول أنه يتسق مع طرحه، فالفرق واضح وشاسع.. الاختلاف بين طرح عبد الله والفكرة، هو الاختلاف بين عقل المعاش، وعقل المعاد.
    ومفهوم عقل المعاش، ليس خاصاً بالفكرة وحدها، وإنما هو موضوع تنبه له الفكر الغربي مؤخراً، فقد ظهر لهذا الفكر، أن العقل ما هو إلا أداة للمعيشة، وليس للمعرفة، وأصبح مفهوم العقل الأداتي، منتشراً بصورة واسعة عند مفكري الغرب.. وأصبحت هنالك إدانة واسعة في الغرب، لعقلانية عصر التنوير.. وهذا ما ذهب اليه، نقد ما بعد الحداثة بالذات.. وأهم الانجازات، في هذا الصدد، ما توصل اليه العلم، من خلال عدة معارف علمية، أن الارادة البشرية الحرة عند البشر، مجرد وهم.
    هذا الاختلاف الجذري بين الفكرة وطرح الأخ عبد الله، والخاص بإطار التوجيه، والمرجعية، والموقف من العقل، يجعل الفكرة وطرح عبد الله لا يلتقيان، وهذا الاختلاف ينسحب على جميع التفاصيل.
    4. عبد الله، اعتماداً على المنطق المدني يحكم على الفكر الديني بأنه ذاتي غير موضوعي، وأنه عاجز عن حل المشكلات وهذا عكس ما تقول به الفكرة.. ففي الفكرة وللاعتبارات المذكورة، عن عقل المعاش، هو العقل الذاتي وغير الموضوعي وهو عاجز عن الرؤية الصحيحة للمشكلات، خلي عنك أن يقوم بحلها، بخلاف الحال بالنسبة لعقل المعاد، الذي يستطيع أن يرى المشكلات بوضوح وعلى أساس هذه الرؤية الواضحة يستطيع حلها.
    5. طرح عبد الله يقوم، بصورة حاسمة ونهائية على أنه لا توجد دولة دينية، لا في الماضي ولا في الحاضر، ولن تكون في المستقبل.. الأمر عنده مجرد خطأ في المفهوم.. وهو يرى أن القول بدولة دينية أو إسلامية لايستقيم عقلاً ولا يصح ديناً.. وعلى العكس من ذلك الفكرة.. فهي تقر بالدولة الدينية في الماضي، وتدعو لقيامها في المستقبل.. يقول الأستاذ في الرد على الأستاذ خالد محمد خالد: "ويبدو لي أن أهم ما في الكتاب مسألة الدولة الدينية".. وهذا يعني أن الدولة الدينية، ليست فقط موجودة، وإنما هي ناجحة، على خلاف ما يقول الأستاذ خالد.. ويقول الأستاذ: "وهذا هو أس البلاء الذي جعل المؤلف يفرق بين الدين والدولة، ويتحدث عن الحكومات الدينية، وما يسميه بالحكومات القومية، وعن رجال الدين، ورجال الدولة".. وقد اخترت هذين الموضعين لأن عبد الله، يحاول أن يفرق بين الحكومة والدولة، حتى لا يقول أن الأستاذ إنما يتحدث عن الحكومة وليس الدولة، وإلا فإن كل أقوال الأستاذ عن الحكومة مقصود بها الدولة.. وكتاب أسس دستور السودان كله، يقوم على الأسس التي تقوم عليها الدولة الإسلامية.. وهو ينطبق على التعريف الذي يعتمده الأخ عبد الله للدولة.. فهو يعرف الدولة بمؤسساتها ذات الاستمرارية.. وكتاب الأسس، يتحدث عن هذه المؤسسات المختلفة، ويضع الأسس الدائمة لها، ولا يتحدث عن حكومة بعينها تجيء عن طريق انتخابات، وتنتهي بالدور المقرر لها.
    6. يعتبر عبد الله، أن محور طرحه هو فصل الإسلام عن الدولة، وهذا بالضبط نقيض ما تقوم عليه الفكرة، فهي تدعو لوصل الدين بالدولة، وبجميع نشاطات الحياة البشرية، وكما نقلنا في النص أعلاه، الفكرة ترى أن الحديث الذي يفرق بين الدين والدولة، يقوم على خطأ هو (من أس البلاء)
    في حوار دار بين الأستاذ وعم أحمد الطيب خالد قال عم أحمد: يا أستاذ ما تخلو السياسة دي وتتفرغوا للتربية.. الأستاذ: لكن الدين ما بقوم إلا إذا قام في دولة.. عم أحمد: والله إلا تاخدك كما أخدت الحلاج .. والأستاذ مداعباً: ما تراكا بتفهم.. وهذا أمر بديهي لا يفوت على عبد الله، لولا المغالطات الذي أخذ بها في طرحه هذا.
    الأخ عبد الله يقول أنه، لا يتحدث باسم الفكرة، وهو يقرر في حقها بخلاف ما تقول به، فيقول: "الفكرة الجمهورية تهدف الى تصحيح التزام الإسلام لدى كل مسلم، وليس بإقامة دولة تزعم أنها إسلامية، فتلك هي مغالطة وخداع للنفس وارهاب للناس"!! هل نأخذ بقولك أم بقول صاحب الفكرة؟! ومن الذي يغالط؟! وكيف تكون الدعوة لدولة إسلامية خداع للنفس وارهاب للناس؟! الأمر كله يدعو للحيرة!! عليك أن تبحث عن خداع النفس في طرحك هذا المدهش في غرابته.. الدولة التي تدعو لها الفكرة هي نهاية زمن الارهاب في الأرض، آمن من آمن وكفر من كفر!!
    والغريب أن عبد الله لا يغالط وحسب، وإنما يتبنى مغالطات غيره، عندما يظن أنها لصالحه، فهو يقول: “كما أن منظوري في هذا أنه لا يعرف الفكرة الجمهورية (كما هي عند صاحبها) إلا صاحبها نفسه، وغاية ما يبلغ أي منا فيها هو فهمه وجهده في التحقيق".. فهمها كما هي عند صاحبها، كما طرحها للناس لكي يفهموها، وهذا لا علاقة له، فيما يتعلق بصحة المعلومة، بالتحقيق، لا من قريب، ولا من بعيد.. فحتى من يعارض الفكرة، يستطيع أن يعرف صحة المعلومة عنها من مصادرها وينبغي أن يعرف ذلك، لكي يعارض معارضة أمينة.. فكون الأستاذ يقول بوجود دولة دينية أو لا يقول، أمر ادراكه لا علاقة له بالتحقيق.. أنت تقول، لا يقول، وأنا أقول يقول، وبيننا أقوال الأستاذ من كتبه، وأحاديثه، فلا أنت المرجع، ولا أنا، ولكن صاحب الفكرة هو المرجع، وهذا أمر بديهي، وأنت تقول به، ورغم ذلك يمكن أن تعارضه!! فقد جاء من أقوالك في اللقاء الذي أجرته رشا عوض، ونشرته صحيفة أجراس الحرية بتاريخ 18/12009، ما نصه: "فيجب الرجوع الى الأستاذ محمود في مصادر ومراجع فكره المتاحة، ونموذج حياته"!! وهذا ما ظللت اوكده من جانبي، وعلى بداهته، تعرض لمغالطات شديدة.. وهذا أمر ينطبق على كل فكر بشري، ديني أو غير ديني، صاحبه عبر عنه للآخرين، وإلا لا معنى أن يقال، أو يدعى له، إذا اصبح من المستحيل أن يفهمه غير صاحبه.. وأنت في طرحك هذا، ألا تنتظر أن يفهمه الناس، كما تطرحه، أم تنتظر أن يفهمه كل إنسان بطريقة خاصة، تختلف عما تدل عليه كتابتك أو أقوالك!؟ ويقول عبد الله، في هذا الاطار: "ونقطة الانطلاق هنا التي سبقت الاشارة لها هي أن كل ما يقول ويفعل الإنسان هو بالضرورة من وجهة نظره هو، ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك في أي مسألة أو موضوع، بما في ذلك أمور الدين. وعندما اتخذ موقفاً من وجهة نظري، فإنني أقرر أن ما توحي به حواسي وعقلي هو حقيقة عندي حتى يظهر لي غير ذلك، فلا أنا ولا هو نقدر على أن نقرر حقيقة موضوعية مجردة عن وجهة النظر البشرية، وغاية ما يمكن لنا أن نتفق على تقرير نفس الحقيقة ـ التي يراها كل منا من وجهة نظره، مع احتمال أننا قد نختلف في فهمنا لما نظن أننا على اتفاق عليه"!! إذا كان الأمر كما تقول، يكون لا مجال للحوار بين البشر، ولا معنى له، ويصبح أمر الفكر كله مجرد أمر ذاتي.. والأمر على ما عليه في الواقع هو أن وجهة نظر كل منا، قابلة لأن يفهمها الآخر، يتفق معها أو يختلف.. والحوار المقصود منه أن نصل الى وجهة نظر متفقة، وإلا فلماذا تطرح دعوتك هذه!!.. (نتفق على تقرير نفس الحقيقة) هذا هو المطلوب من الحوار، وواقعياً هو الذي يتم بالفعل.. وكل هذا لا علاقة له بالمعلومة عن أفكار الآخرين.. فالفكرة المعينة إما وردت عند صاحبها أو لم ترد، وإذا حصل اختلاف في هذا الأمر يحسم بالرجوع لمصادر صاحب الفكرة.. لا يمكن أن يكون كون الأستاذ قال بالدولة الإسلامية، أو لم يقل، موضوع خلاف يخضع لوجهات النظر، ولا يمكن حسمه!! ويقول عبد الله: "غير أن حديثي أنا تلميذه عن ذلك إنما يقوم على عقيدتي بصحة قول الأستاذ كما أفهمه من وجهة نظري، وهكذا فإن حديثي عن المستوى من الدين الذي يتجاوز العقيدة هو نفسه عقيدة يشاركني فيها باقي تلاميذ الأستاذ ولكنها مجهولة لدى عموم البشر ومرفوضة عند القلة القليلة التي سمعت بها".. مالذي جعل لك أنت وبقية الجمهوريين عقيدة، فيما يقول الأستاذ؟ وما الذي يمنع أن يكون للآخرين عقيدة مثلكم، متى ما عرفوا الفكرة وعرفوا سيرة الأستاذ؟! في الواقع لاشيء يمنع، طالما أن الأمر حدث لبعض البشر.. وطالما أن هنالك عقيدة يشترك فيها الجمهوريون، لا شيء يمنع من حيث المبدأ، أن يشترك معهم فيها غيرهم.. هذا من حيث الشريعة، أما من حيث الحقيقة، فلابد من الرجوع للإرادة الإلهية والأذن الإلهي، فلا شيء يقوم دونهما.. الهدى هدى الله، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ومن لم يهتد اليوم، لابد له من أن يهتدي غداً.. وإذا أنت أساساً تؤمن بالعقيدة، لماذا كل هذا الاستبعاد لها؟! نحن بشر كبقية البشر، وليس لنا فضيلة عليهم أن اهتدينا للفكرة، وإنما الفضل لله علينا أن هدانا، هذا هو منطق الدين، وهو يختلف تماماً عن المنطق المدني، الذي تستبعد به منطق الدين.
    من الأفضل أن نسترسل في أمر العقيدة هذا، يقول عبد الله: "وأحب أن اؤكد هنا أن العقيدة دائماً فردية، ولا يمكن أن تكون جماعية، لأن الجماعة أو المجتمع ليس هو كيان قادر على الاعتقاد في حد ذاته، فالمجتمع المسلم أو المسيحي مثلاً، هو جماعة من الأفراد المسلمين وليس كيان مسلم بصورة مستقلة، فحتى إذا وقع اجماع الجماعة على أن دولتهم دينية، فهو رأي يقوم على عقيدة كل منهم منفرداً، وليس حقيقة موضوعية مستقلة عن ذلك. فحتى القول بأن صفة (الدينية) يمكن أن تقع على العنصر البشري (الحكومة) فإنما هي صفة قائمة على العقيدة الفردية لكل شخص وليس على وهم العقيدة الجماعية، أو بصورة موضوعية مستقلة عن عقيدة كل فرد يعتقد أن الحكومة دينية، هذا جانب من قولي باستحالة الدولة الدينية.. "!! هذا تبرير لا معنى له، ولا قيمة له.. وعبد الله يلجأ اليه في كتير من الأحيان.. لا أحد يقول بأن المجتمع كمفهوم مجرد هوكيان قادر على الاعتقاد بحد ذاته، وهذه بداهة.. فعندما يقال المجتمع، المقصود مجموعة الأفراد، أو حتى الغالبية من الأفراد، ولا أحد يفهم أن المقصود المعنى المجرد.. عبد الله يقول هذا عن الدولة الدينية.. ويقوله عن أخلاق الدولة، ويقول الدولة بطبيعتها لا أخلاقية، لأنها ليست شخص!! هو يفترض افتراضات لا وجود لها، لمجرد المغالطة.
    يقول عبد الله: "فإن الدولة الوطنية المعاصرة هي مفهوم جديد للدولة، وليس مجرد شكل مستحدث لمفهوم قديم.. " هذا غير صحيح، فمفهوم الدولة مفهوم أقدم من الدولة الوطنية المعاصرة بآماد طويلة.. على الأقل منذ (الدولة المدنية) في عهد اليونان، ولم يتغير شيء في المفهوم بظهور الدولة الحديثة، على خلاف ما تقول أنت، وإنما تغير الشكل فقط، وتغيره هو زيادة في التعقيد.. ولكن من حيث المفهوم لا خلاف بين (الدولة المدنية) والدولة الحديثة.. فكلاهما يقوم على: مجموعة من البشر، يسكنون قطعة من الأرض لها حدود وتقوم علائقهم على السلطة ـ حكاماً ومحكومين ـ هذا لم يتغير فيه شيء سوى درجة التعقيد.. وكل ما بنيته على هذه التفرقة، هو مبني على باطل.
    يقول عبد الله: "وكما سبق القول فمثل هذا التقرير لا يقوم ديناً على رأي الأغلبية، فالفرد الواحد قد يكون على حق ضد اجماع الآخرين، أما من الناحية السياسية فإن ارادة الحاكم هي النافذة، وإذا كان الحكم ديمقراطاً يكون القرار السياسي برأي الأغلبية مع حماية حقوق الأقلية".. كون الفرد الواحد قد يكون على حق ضد رأي الأغلبية، هذا ليس قاصراً على الدين، وإنما في كل مجال من مجالات المعرفة.. وهذا لا علاقة له بموضوع الأغلبية في السياسة، فالسياسة تتعلق بإدارة شئون الناس الدنيوية، سوى أن كانت تقوم على الدين أو على غير الدين.. وعندما يقو الأمر على الدين، هو يقوم على فهم بشري قابل لأن يخطيء ويصحح.. فالتشريع الذي يقوم على الدين، هو تشريع وضعي يقوم على موجهات الدين.. وكونه وضعي، لا يجعله علمانياً، ولا ينفي عنه صفة الدين، لأنه لا يخضع للعقل المجرد وإنما يقوم على توجيهات الدين.. وحتى الأمر الذي يتم باسم الدين، يمكن أن ينازع، مهما جعل لنفسه من قدسية، وقد نوزع عبر التاريخ.. وقد تكون هنالك صعوبة أكبر في منازعته، ولكن هذه الصعوبة، لا تقتضي ترك أمر الدين للعلمانية، بأي فهم كانت.. بل إن منازعته الفعالة إنما تكون بالتوعية بالدين الصحيح.. ولا يوجد في التاريخ حكم استغل قداسة الدين لم ينازع.
    وفي تبريره لأقواله عن الدولة الدينية، يقول عبد الله: "كما أن طبيعة القانون في الدولة الوطنية تعتمد على السلطة السياسية كمظهر للسيادة القومية، وليس المعتقد الديني في حد ذاته. ومثال للتمييز المقصود هنا الفرق بين (الذنب)و (الجريمة).. صحيح أن القانون يحاول استمداد مشروعيته من أخلاق المجتمع، ولكن القانون ينفذ بإرادة الدولة بغض النظر عن رأي المواطن في سنده الأخلاقي. وهكذا فأنا أميز بين استخلاص القاعدة القانونية من أساسها الأخلاقي (سوى أن كان ذلك دينياً أو فلسفياً أو عرفياً) من ناحية، والتوهم بأن ذلك الأساس الأخلاقي نفسه هو القاعدة القانونية. فالقاعدة هي النص المقنن في التشريع، وليس الحكم الأخلاقي (أو الديني). وهذا قائم عندي بالنسبة للشريعة السلفية أو شريعة الرسالة الثانية".. هذا أمر قد سبق أن تعرضنا له، عند الحديث عن مغايرة طبيعة الشريعة لطبيعة القانون.. طبيعة القانون في الدولة الوطنية أو الدينية واحدة، ففي كلا الحالتين تعتمد على السلطة السياسية كمظهر للسيادة.. كل ما هنالك أن الشعب في الدولة الدينية حياته تقوم على التربية الدينية التي تنعكس على سلوكه وقراراته.. فلا يوجد خلاف في هذا الأمر.. والذنب، هو نظرة للخطأ باعتبار المسئولية أمام الله، وهذا قائم سوى أن كانت هنالك دولة، أو لم تكن، وسواء أن كانت الدولة دينية أم تقوم على الالحاد.. والجريمة، قائمة على اعتبار القوانين.. فما يجرمه القانون هو جريمة، سواء أن كان هذا القانون يقوم على مرجعية دينية أو خلاف ذلك.. والعقوبة على الجريمة توقعها سلطات الدولة المختصة، بعد تقرير الحكم من جانب القضاء، ولا خلاف في ذلك بين الدولة الدينية والدولة العلمانية.
    يقول عبد الله: "في ثقافتنا نحن تلاميذ الأستاذ أن الدستور العلمي الإنساني إنما يؤخذ من القرآن، لكن ليس هو القرآن في ذاته حرفيا.. وهو دستور علمي إنساني لأنه يحقق تلك القيم وليس لأنه موصوف بأنه ديني".. القول (ليس هو القرآن ذاته حرفياً) قول لا معنى له.. وفي ثقافتنا القرآن في ذاته، مطلق ـ هو الذات.. وكون الدستور مأخوذ من القرآن، هذا يعني أنه ديني، لأن القرآن كلام الله، وكونه علمي، هذا أيضاً يعني أنه ديني، لأن علمي تعني العلم بالله، وكونه إنساني أيضاً يعني أنه ديني، لأنه يقوم على مفهوم الإنسانية في الدين.. فهو ديني من كل الوجوه، ولكن لا نقول عنه ديني في المرحلة، لأن عبارة ديني في المرحلة تتضمن نوعاً من الارهاب، ونحن نريد للناس أن يأتوا للدين عن طريق عقولهم، ودون أي صورة من صور الارهاب.. وفي النهاية لا نحتاج أن نقول عنه ديني، لأنه لن يكون هنالك شيء في حياة الناس غير ديني.. لقد ورد، في أكثر من مرة، أننا لا ندعو للدولة الدينية!! ودائماً العبرة بفهم النص وليس بالنص.. فمثل هذا النص ليس المقصود منه أننا ندعو لدولة علمانية مثلاً، وإنما المقصود إننا لا ندعو للدولة الدينية بالمفهوم التقليدي للدولة الدينية.. وهو نفس المعنى الذي يجيء في أقوالنا بأن الإسلام ليس ديناً بالمعنى المألوف عن الأديان.. فالمعنى المقصود هو أننا ندعو الى دولة إنسانية، تقوم على الإسلام.. وهذا، مثل قول الأستاذ، من كتاب (الثورة الثقافية): "وهذه القوانين الدستورية التي تستمد من الدستور الإنساني (اقرأ الدستور الإسلامي)".. فالدولة الإنسانية، هي الدولة الإسلامية، في المستوى العلمي للإسلام، ودستورها مأخوذ كله من القرآن.
    لم أجد في أقوالك هذه سوى محاولة للتبرير.. أنت ليس لك اعتبار للرأي الآخر، مما يؤكد أن طرحك كله ما هو إلا عقيدة ذاتية تأبى أن ترى غيرها.
    7. احتهد الأخ عبد الله كثيراً، ليبعد التشريع الجماعي من الدين، حتى يستقيم قوله بعدم وجود دولة دينية، وأن الدين علاقة بين العبد والرب ولا غير.. وابعاد التشريع الجماعي هو خلاف الفكرة بصورة جلية، ولا يتسق معها بحال من الأحوال، والأمر مفصل في الفكرة، وقد جاء عن الشريعة في مستوى الفرد والشريعة في مستوى الجماعة مانصه: "استطاع أن يجعل التنظيم الجماعي وسيلة للحرية. وهو إنما استطاع ذلك التنسيق لأن تشريعه يقع على مستويين.. مستوى الجماعة.. ومستوى الفرد.. فأما تشريعه في مستوى الجماعة يعرف بتشريع المعاملات.. وأما تشريعه في مستوى الفرد يعرف بتشريع العبادات.. والسمة الغالبة على تشريع المعاملات أنه تشريع ينسق العلاقة بين العبد والعبد. والسمة الغالبة على تشريع العبادات أنه تشريع ينسق العلاقة بين العبد والرب.. وليس معنى هذا أن كلاً من هذين التشريعين يقوم بمعزل عن الآخر، وإنما هما شطرا شريعة واحدة، لا تقوم إلا بهما معاً..".. فعبد الله يريد أن يجعل الإسلام مثل المسيحية، ليس فيه تشريع جماعي، ليستقيم له نقل التجربة الغربية في فصل الدين عن الدولة، وهذا ليس مجرد استنتاج من أقواله، وإنما هو يقوله بالفعل، ففي الاجابة على السؤال: هل معنى هذا أن الدين عندكم ليس إلا تقاليد أخلاقية وثقافية؟ يجيب:
    أحمد النعيم: (نعم شيء من هذا القبيل)!! المقابلة التي أجرتها إيدت كريستا
    وظهرت المقابلة في جريدة دي تاتس بتاريخ 7/1/2006
    وقد رأينا قبل ذلك، لكي يستقيم له القول بالفصل جعل الإسلام مؤسسات مع أنه هو نفسه يقول بعدم وجود كهنوت في الإسلام.
                  

04-26-2016, 11:51 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    8. يقول الأخ عبد الله: "وليس المرجعية الدينية العقائدية التي يختلف فيها الناس بالضرورة".. فالدين عنده بالضرورة يفرق، لأن الناس في المرجعية الدينية العقائدية يختلفون بالضرورة.. وبالضرورة تعني لا محالة، فالأمر نهائي، وليس مرحلي، وحتى لا يتوهم أحد منا، أن الموضوع قاصر على الدين في مرحلة العقيدة، يزيل عبد الله امكانية هذا الوهم بقول حاسم: "وينبني قولي هذا على أن الدين قائم على العقيدة دائماً حتى لمن يتجاوزون العقيدة من خلال الاعتماد عليها" !! (يتجاوزون العقيدة من خلال الاعتماد عليها) تعني يتجاوزونها لمرحلة العلم، فحتى بالنسبة لهؤلآء، الدين يختلف فيه الناس.. وهذا بالطبع يشمل الفكرة بصورة واضحة.. ولكن ماذا عن المنطق المدني؟! الصورة واضحة منذ البداية، فالدعوة للمنطق المدني لأنه مرجعية مشتركة بين عامة الناس، وهو المنطق المشاع، فهو يستطيع أن يجمع الناس، ومن هنا ضرورة الاعتماد عليه، وإضعاف المرجعية الدينية التي تفرق: "المطلوب هو الدعوة للمنطق والتفكير المدني، وتشجيعهما، مع اضعاف نزعة الاعتماد على المعتقدات الدينية..".. المنطق المدني والتفكير المدني يدعى لهما ويشجعان، والمرجعية الدينية التي تقوم على المعتقدات، الدعوة لإضعافها!! ثم بعد ذلك يقول لنا عبد الله أن مرجعيته دينية!!.. ويشير عبد الله، في أكثر من موقع الى امكانية الاجماع عن طريق المنطق المدني.. على كل هذا يتعارض مع الفكرة بصورة لا لبس فيها، ففي الفكرة الدين هو الذي يجمع بين الناس، ويوحد بينهم، لا العقل في أي صورة من صوره، أو تحت أي اسم.. فالأديان إنما جاءت اساساً لتوحيد الناس، يقول الأستاذ: "إن الأديان مرجوة لتوحيد الناس على المحبة، لأن الناس إخوة من أم وأب.. وقد أغرى بينهم العداوة الجهل بحقائق أمرهم.. وستسوقهم الأديان الى العلم بعد الجهل.. الأديان كلها وحدة.. وهي، في أي مستوى كانت إنما هي مرحلة من الفكرة الكبيرة التي هي الإسلام.. الأديان كلها هي الإسلام، تنزل الى حكم الوقت.. تستوي في ذلك الوثنيات والتعدديات، والتوحيديات.. والإسلام معناه الاستسلام الراضي في غير نزاع، بين العبد والرب ولا بين العبد وبقية العباد الآخرين.. قال النبي: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده).. هذا في معنى قول الرسول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) إن الناس بفضل الله ثم بفضل الإسلام، سيعيشون في سلام ومحبة".. هذا هو موقف الفكرة من أمر توحيد الناس، فهم عندها، سيتوحدون بالإسلام على سلام ومحبة، فإذا رأى عبد الله خلاف ذلك، فمن حقه أن يرى، لكن ليس من حقه ان يزعم أن رؤيته هذه المخالفة للفكرة، تتسق معها.
    المنطق المدني، يقوم على العقل، وعلى إرادة البشر، فقط، وهو على ذلك، حسب المصطلح الديني، يقوم على الشريعة.. أما الفكرة فتقوم على الحقيقة والشريعة معاً .. وأمر الحقيقة هو الغالب، فالله تعالى غالب على أمره.. أمر الدين، هو أمر الله، وأمر المنطق، هو أمر البشر.. فإذا كان الأخ عبد الله يعتقد، كما تؤدي أقواله، أن أمر البشر، يمكن أن ينجح، فيما يفشل فيه أمر الله، فهذا يدل على خلل حقيقي في العقيدة.. فتصحيح عقيدته، هو أولى، وأهم من أي عمل آخر.. وكل عمل آخر يمكن تأجيله، ولكن هذا التصحيح لا مجال لتأجيله!!
    فالأخ عبد الله، يزعم أن عدم فصل الإسلام عن السياسة، كفيل بأن يطمئن المسلمين على القيم، كما يطمئنهم بأن نموذجه المقترح لا يؤدي الى علمنة المجتمع، فهو يقول مثلاً: "لنرتقي بهذه الرؤية لمستقبل الشريعة، يصبح من الضروري أيضاً أن نقدر، ونحاول أن نصلح المخاوف الجادة الكثيرة للكثير من المسلمين من أن النموذج المقترح سيؤدي بالضرورة الى علمنة المجتمع نفسه واضمحلال دور الإسلام في الحياة العامة. هذه المخاوف، في نظري مبالغ فيها، حيث أن المؤمنين سيجدون دوماً أساليب للتعبير عن قناعتهم عبر العملية السياسية والعلاقات الاجتماعية.. "
    أولاً، علمنة المجتمع أمر قائم الآن، وليس أمر يخشى منه في المستقبل، وخطره مستشر بصورة كبيرة، خصوصاً في مجال تدهور القيم.. وحتى العلمانيون يدركون ذلك، ولهم محاولاتهم الجادة في مواجهة القضية، وهم في هذا السبيل يعقدون المؤتمرات العالمية دون جدوى.
    واضمحلال دور الإسلام في الحياة قائم الآن، بل الإسلام نفسه غائب، فالمسلمون على قشور من دينهم.
    فنموذجك المقترح لا يؤدي بالضرورة الى علمنة الحياة، فهي معلمنة أصلاً، والعلمانية ليس في حاجة الى طرحك.. فما يقوم به طرحك، ليس أكثر من تكريس للواقع شريعة، والمساهمة في ابعاد الحل، الإسلامي، شريعة أيضاً.. فليس في طرحك شيء يضاف للعلمانية، وإنما هو مجرد عمل على نقلها للمسلمين، وحتى هذه هي تحصيل حاصل.. فالقضية ليست علمنة الحياة، وإنما هي الخروج من واقع هذه العلمنة.. والقضية ليست هي اضمحلال دور الإسلام في الحياة عامة، فهذا أمر واقع، فالقضية هي الخروج من هذا الواقع ببعث الإسلام ورفد العلمانية بقيمه.. والمشكلة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، وإنما هي مشكلة الإنسانية جمعاء، ولا مجال لحلها، إلا في اطارها هذا العالمي.
    فبدل التطمين الزائف من الخير للناس أن ينزعجوا حتى يسعوا السعي الجاد للحل.
    والعلمانيون في الغرب، لم يبعدوا الدين من السياسة، بالقدر الذي تبعده به أنت.. ولقد عرضنا بالتفصيل دور الدين في الحياة وفي السياسة في الغرب، فمن شاء يمكنه أن يرجع اليه.. المشكلة الأساسية أن الدين، في الغرب والممثل في المسيحية، لا يملك ما يقدمه.. الحزب المسيحي الديمقراطي في المانيا حكم أكثر من ستة عشر عاماً، وهذه امكانية غير متوفرة في طرح الاخ عبد الله.

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 17/رمضان 1430 الموافق 7سبتمبر 2009
                  

04-26-2016, 11:57 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم الأربعاء 9 سبتمبر 2009 كتب الأستاذ قصي همرور هذه المداخلة.

    مشاركةبواسطة Gussai » الأربعاء سبتمبر 09, 2009 9:45 am

    سلام يا كرام
    وشكري للأستاذين بدرالدين عثمان وعبدالله الأمين على قولهما بخصوص مساهمتي السابقة، وأرجو أن أكون دوما عند حسن ظنهما وحسن ظن الجميع

    هل المنطق المدني مثير للجدل لهذا الحد؟

    هناك مثال أحاول تكراره، لأنه واضح ومباشر في شرح شروط المنطق المدني، وهو مثال قضية الربا.. إذا أردنا أن يُمنع الربا في المنظمات المالية المحلية (بنوك وخلافه) بقانون دولة، هنالك أسلوبان في طرح هذا الأمر في المجال السياسي العام:
    الأسلوب الأول: أن نقول إن قانون منع الربا ضروري لأن الربا حرام، إذ النص القرآني قاطع التحريم فيه، وبالتالي يجب أن يرضخ قانون الدولة لهذا الأمر الإلهي.
    الأسلوب الثاني: أن نقول إن الربا يعطي قيمة للملكية النقدية وللريع ورؤوس الأموال فوق قيمة العمل، بل ويجعل العمل خادما لهؤلاء، وبالتالي فهو يشيع الفساد والاختلال الاقتصادي في المجتمع عن طريق تضخيم ثروات من لا ينتجون على حساب من يعملون وينتجون، كما انه يغلق أبواب الاستقلال والنماء الاقتصادي على أكثر الفئات مساهمة في ازدهار المجتمع اقتصاديا (العمال بشتى مجالاتهم)، ويفتحها واسعة لمن هم خاملين في الإنتاج وغير مساهمين في هذا الازدهار إلا بما يحقق أغراضهم الخاصة (أصحاب الريع والنقد ورؤوس الأموال)، وتنداح هذه القسمة الضيزى على النسيج الاجتماعي وعلى شرعية تمثيل القرار السياسي للمواطنين (من لا يملك قوته لا يملك قراره)، وفي كل هذا ضرر بالغ بمصلحة عموم المواطنين في العدالة والاستقرار التنموي بالبلاد.

    ببساطة، المنطق المدني يدعم الأسلوب الثاني لأنه مشاع الحجة، وقابل للأخذ والرد فيها، لجميع المواطنين دون إرهاب أو حصر، وليس للمسلمين فقط (بل ومن المسلمين من يظن ان ظاهرة البنوك الإسلامية لا غبار عليها من حيث الدين).. من الواضح عندنا أن الأسلوبين متسقان مع بعضهما البعض، فالتحريم الإلهي، كما نؤمن به كمسلمين، سببه أن الربا مُفسد جدا للمجتمعات وللأفراد، لكن الفرق بين الأسلوبين واضح في أن الأول استبعادي (يستبعد غير أهل العقيدة فيه) والثاني شامل لجميع المواطنين بصفتهم مواطنين (وعلاقة الدولة بقاطني أرضها هي علاقة مواطنة، بحقوق وواجبات متساوية، بغض النظر عن عقائدهم حتى لو كانوا ملحدين).

    هذا هو المطلب الأساسي للمنطق المدني ببساطة! وهو في جوهره كما وصفه الأستاذ عبدالله الأمين: "يعني المنطق الذي يستند على المدركات المشتركة، والأدلة ذات القابلية المشتركة للإدراك، بين الناس، بمختلف عقائدهم الدينية"، مع الحرص على تنزيل هذا الفهم في إطار الدولة كمرشد قانوني لأسلوب الخطاب المشروع في المنابر السياسية العامة ومرفقاتها في المجتمع المدني.

    والأستاذ خالد يقول، إضافة لرأيه العام في المنطق المدني، إنه -أي المنطق المدني- يستبعد حتى الفكرة الجمهورية بصفتها المستوى العلمي من الدين، المتجاوز للعقيدة.. طبعا قد وضحنا رأينا بخصوص كون المنطق المدني استبعادي أم لا، فرأي الأستاذ خالد هذا لا دليل عليه عندنا، أما بخصوص الجمهوريين فشروط المنطق المدني تسري عليهم كما تسري على غيرهم! إذ لا يصح أن يعامَـل الجمهوريون معاملة خاصة لأنهم يزعمون أن فكرتهم هي المستوى العلمي من الدين! الجمهوريون كمواطنين لا يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، ولكنهم كدعاة فكر قويم فإن المنطق المدني يعمل لصالحهم لا العكس! فالجمهوريون أقدر الناس على إقناع الآخرين بالحجة المقبولة لدى الجميع لا بالعقيدة، وإلا لما استحقوا زعم أن فكرتهم هي المستوى العلمي من الدين أساسا.

    هذا مع التركيز على أن المنطق المدني ليس شرطا لجميع صور التعبير في الحياة العامة في محيط الدولة الجغرافي، فهو مشروط للمجال السياسي العام الذي يتضمن مخاطبة أجهزة الدولة ومخاطبة المواطنين بصفتهم مواطنين (مرجعية المواطنة)، أما غير ذلك فلكل جماعة في المجتمع حرية أن تعبر عن أفكارها وأديانها وثقافاتها بالطريقة التي تحلو لها، ما دامت تخاطب المجتمع لا الدولة ومرفقاتها، وما دامت تعبر عن نفسها أو تبشّر بدون انتهاك لحقوق الغير في نفس حرية التعبير هذه.

    الدولة الدينية مرة أخرى

    لقد أتى الأستاذ خالد مؤخرا بتصريحات غريبة، لكن طيبة، وهي غريبة لأنها أتت منه لا من غيره، بعد كل معارضته لأطروحة النعيم.. اسمعوه يقول: "لقد ورد، في أكثر من مرة، أننا لا ندعو للدولة الدينية!! ودائماً العبرة بفهم النص وليس بالنص.. فمثل هذا النص ليس المقصود منه أننا ندعو لدولة علمانية مثلاً، وإنما المقصود إننا لا ندعو للدولة الدينية بالمفهوم التقليدي للدولة الدينية.. وهو نفس المعنى الذي يجيء في أقوالنا بأن الإسلام ليس ديناً بالمعنى المألوف عن الأديان".. هذا في الحقيقة قول مؤيدي أطروحة النعيم منذ البداية، والأستاذ خالد لم يأت بجديد فيه، والحمد لله أن الأستاذ خالد أقر بأننا في الفكرة ورد عندنا في أكثر من مرة ما يفيد أننا لا ندعو لدولة دينية، والحمد لله أن الأستاذ خالد أيضا أشار لأن العبرة دائما بفهم النص لا بالنص نفسه، وهو هو ما كنا نقول فيه منذ بداية هذا الخيط، وبقي فقط أن يقر الأستاذ خالد بأن فهمه لتلك النصوص ليس الفهم الأوحد، ولغيره حق أن يفهم منها خلاف فهمه.

    إن الأستاذ في كتب الفكرة أشار لأنه حكومته المقترحة ليست دينية، وأعطاها مسمى "إنسانية"، لكن الأستاذ خالد يصر على أن النعيم يخالف الفكرة حين يرفض الدولة الدينية، وحجة الأستاذ خالد أن دولة الرسالة الثانية "دينية" (لاحظوا عودته للمسمى المرفوض في الفكرة بإقراره)، لكن ليس بالمفهوم التقليدي لها! بما أنها دولة جديدة وقائمة على التنظيم المستمد من فهم المستوى العلمي من الدين يا أستاذ خالد فهي إذن ببساطة ليست دولة دينية، لأنها غير مبنية على عقيدة (لاحظ "المستوى العلمي" لا "العقيدي")، والمنطق المدني يرفض الاحتجاج بالعقيدة وليس بالعلم! هذا إضافة لأن نصوص الفكرة واضحة في رفض الاسم الديني للدولة، فعلام الإصرار إذن على اسم "الدولة الدينية" من جانبك؟ وهو إصرار ليس كرأي شخصي فقط، بل يصحبه اتهام مكرر لعبدالله النعيم في دينه! ولعله من الواضح لك الآن أني وعدد من الاخوان نرى أن أطروحة النعيم أقرب للفكرة من رأيك هذا، فماذا تقول إذن في ديننا نحن أيضا؟

    هذا وقد جاء الأستاذ خالد بنصوص للأستاذ من كتب الفكرة الأصيلة، هي نصوص أوردناها وناقشناها هنا مسبقا، وفينا من يرى فيها تأييد أطروحة النعيم، حسب فهمنا لها (والعبرة ليست بالنص وإنما بفهمه كما نتفق)، إضافة لنص جديد سماعي (قصة عم أحمد الطيب) لم أفهم منه شخصيا أن الأستاذ يدعو لدولة لدينية، وفهم ذلك النص يقوم عندي باتساق مع فهم النصوص الأخرى الموثقة والمعلنة.

    والأستاذ خالد يصر على فهمه بأن نصوص الفكرة حين تتحدث عن "الحكومة" فهي تلقائيا تتحدث عن "الدولة"، بخلاف طرح النعيم، فما رأيه إذن في نصوص الفكرة العديدة التي تقول صراحة برفض "الحكومة الدينية" مستقبلا، أليست تلقائيا ترفض "الدولة الدينية" بنفس فهمه هذا؟ (مثل النص في كتاب "أسس حماية الحقوق الأساسية": "وهذا الدستور لا يسمى اسلاميا لأنه لا يسعى لإقامة حكومة دينية وإنما يسعى لإقامة حكومة انسانية..")، فإن كان الأمر كذلك فلماذا إذن مهاجمته الضارية لأطروحة النعيم؟

    التشريع والأخلاق مرة أخرى

    هذا وأرجو أن نلاحظ أن أطروحة النعيم خاصة بمجال التشريع، كما هو واضح، وهو مجال معني فقط بالحد الأدنى من الأخلاق، كما هو معروف وكما هو مؤكد عندنا في الفكرة، كما قال الأستاذ في ندوة "تعلموا كيف تتعاملون": "دائما كلام التشريع بيتناول أصلو الحد الأدنى.. التشريع بيتناول الحد الادنى اصلو.. بعدين الناس اللتسامو فوق ليهو.. الحد الادنى اذا كان واجه مشاكل المجتمع السودانى وحلاها حل ذكى، دا ما بنسميهو الثورة الفكرية".. لهذا فإن إطالات الأستاذ خالد حول غياب أساسيات الفكرة من أطروحة النعيم (أحصاها الأستاذ خالد فهي عنده "التصور المبدئي لطبيعة الكون، والطبيعة البشرية، والقانون الأساسي الذي يحكم الكون بما فيه البشر.. والغايات الأساسية والوسائل التي تقوم على هذا التصور.. وعلاقة الفرد بالكون، وعلاقته بالمجتمع.. الخ")، كل هذه ليست مجال الحد الأخلاقي الادنى المطلوب بين المواطنين، وهي أدخل في النسق المفاهيمي الخاص بالفكرة الجمهورية والمنتمين لها والقربيين منها كمرجعية فكرية، لا كمرجعية مواطنة قانونية مشتركة مع آخرين كثيرين بمرجعيات فكرية وعقائدية متباينة.. كما ان عدم ذكر النعيم لهذه الأساسيات في أطروحته لا يعني أنه غيّبها، بمعنى تجاهلها ولم يبن عليها! فهذه الأساسيات التي يقول فيها الأستاذ خالد مبذولة بتوسع في مراجع الفكرة الجمهورية، والنعيم ليس بحاجة لتكرارها في كتابه حتى يصبح في مأمن على عقيدته! المشكلة فقط تظهر إذا وجدنا في أطروحة النعيم ما لا يتسق مع مقاصد أساسيات الفكرة هذه، حينها يمكن أن نختلف معه ونحاوره حسب وجهات نظرنا، لكن ما فعله الأستاذ خالد حتى الآن أقرب للتقريرات المفتعلة وصور الإرهاب الديني من الحوار والنقد البناء.

    مع وافر محبتي واحترامي للجميع
    (ملحوظة: قمت بتعديل المساهمة بعد بضع ساعات من نشرها هنا، لغرض توضيح عبارة أكثر، بخصوص مجال المنطق المدني، لا لإضافة أو حذف أي نقطة)

    قصي همرور
                  

04-27-2016, 04:38 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)



    هذا الملف( للمرة الثانية ) يتعين أن يكون عالياً
    ما عرفته عن الجمهوريين : نقاء السريرة وعفة اللسان والصبر على المكاره ،
    وسمو الأخلاق معنى ومبنى .

    تحية لهم جميعاً إن تحاورا ، اتفاقاً أو اختلافا....
    فهو ثراء ضخم ، تتباهى بوجوده سودانيزأونلاين ، ويرجّع جزء من مجدها ،
    و وما أصابها جراء هجرة أصحاب الأقلام الناصعة ...
    ليتهم يعودوا ليثروا الساحة


    *
                  

04-27-2016, 09:10 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    سلام يا حبيبنا الشقليني صاحب باقة الورد والكلام الزي الورد

    فاصل وأواصل، ولكن الفاصل لن يكون بعيدا عن معنى ما أردت أنت قوله في مداخلتك "في هواك يا جمييييل العذاب سراني".. (وهذا بمثابة إعلان عن أن البوست لن يكون فقط بالكتابة وإنما بالفن والرسم والغناء والإنشاد مع الكتابة والمواد المسموعة صورة وصوت والبركة في اليوتيوب)
    أغنية الشاعر عمر البنا تغنيها سِيَر عابدين ونور طه مع عزف ثلاثي على الجيتار بمشاركة الدكتور الفاتح حسين..




                  

04-27-2016, 08:31 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)
                  

04-28-2016, 09:20 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    يقول الأستاذ خالد في مقاله المنشور في الصالون بتاريخ 8 سبتمبر 2009:
    يزعم الأخ عبد الله أن طرحه هذا، يتسق مع الفكرة، فهو يقول: "لم أقدم هذه الاطروحة في أي مكان كتابة أم شفاهة، باسم سيدي الأستاذ محمود محمد طه، ولا أزعم أنها الفكرة الجمهورية، رغم يقيني الشخصي بأن هذه الأطروحة متسقة تماماً مع فهمي وجهدي في الالتزام بما تعلمت عن سيدي الأستاذ" .. فهل هذا الفهم، يتسق مع الفكرة؟! بل هل هو يتسق مع أساسياتها أم يعارضها؟! هذا ما سنراه.
    الدكتور النعيم يتحدث عن أن طرحه مرحلي وأن الأمر النهائي الذي يرجوه هو تطبيق الرسالة الثانية. وأظن أنه يعرف مقولة الفكرة الجمهورية بأن الرسالة الثانية يطبقها المسيح المحمدي بكلياتها التي تحكم في دولة. لا شك أن الأستاذ خالد يعلم أن الجمهوريين كانوا ينتظرون تطبيق الفكرة وظهور المسيح المحمدي في حياة الأستاذ محمود، ولكنهم بحسب عبارة الأستاذ خالد نفسها "وفجعنا بما لم يكن في حسباننا"، وذلك عندما تم تنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود.
    والآن فليسمح لي الأستاذ خالد بأن أعطي فهمي لعبارات الأخ الدكتور عبد الله النعيم. هو يقر بأن طرحه الذي يتلخص في فصل الدين عن الدولة، بمعنى الدولة المحايدة تجاه الأديان، بالطريقة التي قدمها، ليس هو دعوة الفكرة الجمهورية كما كان يدعو لها الأستاذ محمود والجمهوريون. ولكنه، في ظل الواقع الذي بدأ منذ أن تمكن السلفيون وخصوم الجمهوريين من تنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود، أصبح يرى أن طرحه الذي يقدمه يتسق تماما مع فهمه وجهده في الإلتزام بما تعلم عن الأستاذ.
    أين المشكلة هنا؟ النعيم لم يزعم أن طرحه بديل للفكرة الجمهورية أو التعريف بها، حتى يرهق الأستاذ خالد نفسه بما تفضل به من تفاصيل في مقاله هذا. لو نزل المسيح سيطبق الرسالة الثانية "وكفى الله المؤمنين". ولكن إذا لم ينزل فسوف تظل الساحة مملوءة بفكر السلفيين والإخوان المسلمين وبسلطتهم، وسيطرتهم، سواء في السودان أو في دول أخرى مؤثرة مثل السعودية وإيران. والأستاذ خالد، بمعارضته للدعوة في هذه المرحلة، لدولة كل المواطنين إنما يعمل على تكريس فكر السلفيين، شيعة أو وهابيين، وسلطتهم.

    ياسر

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 04-28-2016, 09:43 AM)

                  

04-29-2016, 04:05 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    https://www.youtube.com/watch؟v=HYgEJxMKm8Ihttps://www.youtube.com/watch؟v=HYgEJxMKm8I

    شهادة العميد طيار / فيصل مدني حول أعدام الأستاذ محمود محمد طه ومكان دفنه
    *

    استراحة لرفع الملف
    *
                  

04-29-2016, 05:39 PM

الشفيع وراق عبد الرحمن
<aالشفيع وراق عبد الرحمن
تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 11406

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    سلام وتحية د/ياسر والحضور الكريم
    استغرقني زهاء الساعة ونصف للمرور على نص البوست الدسم للغاية
    ثم قفزت لاخره للتحية والاستراحة

    نحيي الخروج بالحوارات والنقاشات للعلن وفي الهواء الطلق

    واضح انو دي تسخينة وسيتبعها نقاشات ومساجلات ستكون جدا مفيدة

    اتمنى ان يتم توجيه دعوة لاخونا د/الابوابي للمشاركة





    شايف اخونا عاطف جر بنبره واقترب
    وتحية خاصة لاخونا عبد الله الشقليني
                  

04-29-2016, 10:21 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: الشفيع وراق عبد الرحمن)

    الله يبارك فيك يا الشفيع

    والشكر للباشمهندس الشقليني على رابط شهادة المقدم مصطفى مدني مختار. وأنا هنا أضع الشريحة التي قام بتسجيلها ووضعها في اليوتيوب مركز الأستاذ محمود الثقافي المحلول بفرمان سلطاني من "الإنقاذ"..



                  

05-01-2016, 11:48 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    عند موائد الكرام (3)
    حول الحزب والسياسة في الفكر الجمهوري (نظرة من خارج الجماعة الجمهورية )

    ربما كانت قضية دخول الفكرة على السياسة ، والأحزاب والسلطة ، هو كتاب دستور الحزب الجمهوري ، بداية من الأربعينات التي حدد فيها الأستاذ قدس الله سره في ( حدود السودان آنذاك ) ,جدده مع التعديل في أوائل الخمسينات . وكان صاحب التأويل يرى في الحزب وسيلة لإشاعة الأمر بين الناس ، وخلق منبراً يسمح بانتشار الفكرة عبر الوسائل المُتاحة . ولكن الهدف هو انتشار الفكرة .نود ذكر الآتي :
    (1)إن كتب الأستاذ عن الدستور كانت أيام الاستعمار .

    (2)
    الدستور ليست له علاقة بالفكرة ، بل هي وسيلة انتشا ر للفكرة حسب الظروف المتاحة ، اجتماعات في البيوت ، وإذ ترخصت الحالة السياسية ، يتم تكوين الحزب كوسيلة لطريقة انتشار الدعوة وفق المتاح .
    الرأي :
    (أ‌) إن الفكرة عندما تكوّن حزباً ، فيعني أنها دخلت السياسة ، والدولة من أوسع أبوابها ، وإنها إن رضيت بالمُتاح فإنها في الطريق إلى السلطة ، والحكم . لأنه حسب الدساتير فإن أغلبية الثلثين تحكم ، وتعدل الدستور ، ويمكن للأغلبية ألا تبيح غير الإسلام ديانة ، وتلك تتناقض مع فكرة الحرية : اقتباس : { (أية الشورى ليست ديمقراطية وفق ما ورد من قول الأستاذ:وبذلك أمر الله حين قال (( فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم ، واستغفر لهم ، وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله ، إن الله يحب المتوكلين ) .وهذه آية الشورى ، والشورى ، حيث وردت ، سواء في هذا الآية ، أو في قوله تعالى( والذين استجابوا لربهم ، وأقاموا الصلاة ، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون ) فليست آيـة ديمقراطية ، وإنما هي آية تنزلت من آية الديمقراطية لتعد الناس ليستأهلوا الديمقراطية ، حين يجئ أوانها ..}

    (ب) :
    ما الفرق بين الدولة الدينية ، وتكوين الحزب الجمهوري؟ : فهما يدعوان للدولة الدينية آخر الأمر ، وليست الحرية الكاملة التي يتعين أن تكون لكل البشر ، ويدخلوها عن اقتناع . وقد ذكر الأستاذ ضمن المقتطفات :ومن كرامة الانسان عند الله أن الحرية الفردية لم يجعل عليها وصيا ، حتى ولو كان هذا الوصي هو النبي على رفعة خلقه وكمال سجاياه . فقد قال تعالى في ذلك " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"
    (ج ) :
    إذن فالدخول في الدولة أو السلطة قضية تسعى لفرض دين بعينه ، دون وسيلة التذكير التي وردت في الذكر الحكيم .
    (د) :
    إن كتاب (الإسلام اشتراكي الديمقراطي ) لم يصدر ، ولو صدر فهو تقدير لواقع يتعين التعامل معه كمرحلة لازمة للوقت الذي عاشه الأستاذ وربما هو لم يزل أملاً ولكنه ليس مقدساً وليس نهاية المقال ، وليس وسيلة سلطة .
    (هـ) :
    عند توافق " الناس مرحلياً في مسألة حقوق الإنسان : ومن حريات اتفقت عليها الأمم ، إلا تحجر على أصحاب الديانات الأخرى ، وهو دستور يتعين أن يتوافق عليه الجميع جمهوريون وغيرهم . وإن الدين الإسلام في المحصلة ليست دولة وسعيها إلى الدولة والسلطة هو سعيها لتكون دولة مثل دولة المدينة! ، بل هي دعوة فردانية :
    إقتباس من كتاب الأستاذ محمود { إن الدعوة إلى الإسلام منذ اليوم لن تكون على نحو ما كانت في الماضي فإنه لا إكراه ولا وصاية في عالم اليوم، فالفرد الذي يريد أن يدعو إلى الإسلام عليه أن يبدأ بنفسه فيطبق عليها دستور القرآن ويأخذها بأخلاق القرآن حتى تصبح نموذجا يغري وقدوة تُطلب، وقل مثل هذه للدولة التي تريد أن تدعو إلى الإسلام.. فالفرد الصالح نموذج يدعو الأفراد إلى الإسلام بلسان حاله، قبل لسان مقاله.. والدولة الصالحة نموذج يدعو الدول إلى الإسلام بلسان حاله قبل لسان مقاله.. فإن الله تبارك وتعالي يقول ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) وتعني بيّنوا الرشد، بأن تجسدوه في شمائلكم، وأخلاقكم، ثم بيّنوه بعد ذلك بأن تفصلوه في أقوالكم وأعمالكم.إن البشرية كلها تحتاج الإسلام.. والمسلمين في طليعة من يحتاجه، ولا سبيل إلى الدعوة إليه غير هذا السبيل القويم.}.
    الخلاصة :
    الدعوة لو دخلت الحزبية فإنها تسلك وسائل اتبعتها الديمقراطيات ، والديمقراطية في السودان وغيرها التي تترك ثلثي الأعضاء لتعديل الدساتير ، إذا لا ينبغي تجاوز حدود المساواة بين الجميع وحفظ حقوق الأفراد ، وحرية الأديان كما تدعو له حقوق الإنسان العالمية ، وهي سنة علمانية إن صحّ التعبير ولكنها أكثر القوانين أراها اتفاقاً مع الفكرة لأنها تعظم من شأن الحريات والمساواة ، وهو مايجب أن يكمله تلامذة الأستاذ بعد رحيله ، ولا أظن الفكرة لديها مسلمات ومواد دستورية كاملة ، ولا أظنها صاحبة قوانين مدنية وجنائية وتجارية يمكن أن تكون وفق إسلام الحاضر الذي تجلياته في الحياة الفردانية ، لأن كل تلك القوانين من فكر أولئك الرعيل من السلفيين الذين اجتهدوا قدر استطاعتهم ليكوِّنوا دولة المدينة مرة أخرى ، فهو ارتداد عن الفكرة حسب ما أرى .وليست دعوة " علمانية الدولة " خبط عشواء ولكنه يصب في أهداف الفكرة ، حتى لا يدع أصحاب الفكرة الباب موارباً بين آلية السلطة وآلية الفكر ، ولأن الفكر وفردانية ممارسته يتناقض مع الدولة لأنها ربما تقمع الفكرة وأهلها كما هو حادث الآن ، والدولة صائرة إلى التغيير لأن قوانين حقوق الإنسان حالياً لن تخرج من زمانها ومكانها. وحتى الفكرة الجمهورية يتحدث صاحبها عن أن بُشرياتها قد أتت ولكنها لم تأت بعد ، لذا أنا كتبت ( أنه ربما هنالك في بطن الغيب رسالات أخرى ، ييسر المولى أهلها حين يأتي زمانها ، ومنها العقوبات التي يتعين أن تتراجع لدولة المدينة )، وهو ما طلبنا من الكرام تلامذة الأستاذ أن يكونوا بقدر تحدي المنهاج الذي تركه الأستاذ قدس الله سره .
    بهذه المناسبة فقد جمعت أوليات تتعلق بالعلم ( اللدُني ) رغم صعوبة ذلك ، رغم أنه السبيل إلى أن يكون الذهن مُستقبِلاً ، وهو ما أرى أنه حدث للأستاذ.فقد تلقى معرفته دون شك عن طريق العمل ، ووصل في عبادته الفردانية ما بعد صلاة الحركات ، وهي تصب في الغاية التي ذكرتها الآية الكريمة : ( أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك ...) ولم يخُص الذكر الحكيم المسلمين ، بل الإنسان..
    وليتقبل الجميع القراء وأصحاب الانتماء للفكرة خالص شكري للقراءة ومودتي ، ولم أزل أذكر أن صاحب الفكرة كان يقول ( إننا نحتفي بالفكر المخالف ) ، فما باله لو عُرض عليه الفكر الذي يتم اجتهاده بواسطة تلامذته أو غيرهم إن يسر ذلك المولى جلّت قدرته .
    *
    الأسانيد :
    (1)
    المقتطفات من الرسالة الثانية من الاسلام ف
    ي المساواة السياسية : الديمقراطية :
    وهذه آية الشورى ، والشورى ، حيث وردت ، سواء في هذا الآية ، أو في قوله تعالى" والذين استجابوا لربهم ، وأقاموا الصلاة ، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون )) فليست آيـة ديمقراطية ، وإنما هي آية تنزلت من آية الديمقراطية لتعد الناس ليستأهلوا الديمقراطية ، حين يجئ أوانها ..فالشورى ليست أصلا ، وإنما هي فرع ، وهي ليست ديمقراطية ، وإنما هي حكم الفرد الرشيد الذي يعد الأمة لتصبح ديمقراطية .. والأصل في الديمقراطية آيتا " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر ".
    (2)
    من كتب الدستور اسلامي نعم ولا أهداف الحزب الجمهوري:*" إن غاية الحزب الجمهوري هي انجاب الفرد البشري الحر وهو عندنا الفرد الذي يفكر كما، يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون نتيجة قوله أو فعله إلا الخير ، والبر، بالأحياء، والأشياء.. "*" للتوسع في إنجاب الأفراد الأحرار لا بد من قيام المجتمع الصالح، وهو عندنا المجتمع الذي يقوم على ثلاث مساويات: المساواة الاقتصادية، وتبدأ بالاشتراكية حيث يكون للفقير حق، لا صدقة، ثم تتطور نحو الشيوعية، حيث تشيع الخيرات بين الناس، بغير تمييز.. والمساواة السياسية وتبدأ بالديمقراطية النيابية، شبه المباشرة، ثم تتطور كل حين وبكل سبيل، نحو الديمقراطية المباشرة.. والمساواة الاجتماعية حيث تمحي فوارق الطبقة، واللون، والعنصر، والعقيدة..
    "*"
    هذا المجتمع دستوره الدستور الإسلامي - ونحب ان ننبه إلى أن كلمة إسلامي هنا تعني ما يعنيه الجمهوريون، لا الدعاة السلفيون - وذلك لأن الدستور، في هذا المستوى، يملك القدرة على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة. ولقد عجزت كل الفلسفات الاجتماعيات عن هذا التوفيق، وبغير هذا التوفيق لا يمكن الجمع بين المساويات الثلاث التي سلفت الإشارة إليها، بل أنه لا يمكن حتى الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية في جهاز إداري واحد.
    *
    بخلق النموذج الجمهوري، وهذا يعني المسلم الصحيح الإسلام، المسلم ذا القلب السليم، والذهن الصافي، وبإشاعة هذا النموذج في الناس، فإن القدرة ستمكن الجمهوريين من تطبيق دستور القرآن على المجتمع السوداني وبذلك تجيء جمهورية السودان نموذجا صالحا للدول، كما يحاول اليوم الفرد الجمهوري أن يخلق من نفسه نموذجا صالحا للأفراد.. إن الدعوة إلى الإسلام منذ اليوم لن تكون على نحو ما كانت في الماضي فإنه لا إكراه ولا وصاية في عالم اليوم، فالفرد الذي يريد أن يدعو إلى الإسلام عليه أن يبدأ بنفسه فيطبق عليها دستور القرآن ويأخذها بأخلاق القرآن حتى تصبح نموذجا يغري وقدوة تُطلب، وقل مثل هذه للدولة التي تريد أن تدعو إلى الإسلام.. فالفرد الصالح نموذج يدعو الأفراد إلى الإسلام بلسان حاله، قبل لسان مقاله.. والدولة الصالحة نموذج يدعو الدول إلى الإسلام بلسان حاله قبل لسان مقاله.. فإن الله تبارك وتعالي يقول ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) وتعني بيّنوا الرشد، بأن تجسدوه في شمائلكم، وأخلاقكم، ثم بيّنوه بعد ذلك بأن تفصلوه في أقوالكم وأعمالكم.إن البشرية كلها تحتاج الإسلام.. والمسلمين في طليعة من يحتاجه، ولا سبيل إلى الدعوة إليه غير هذا السبيل القويم..
    هذه نبذة موجزة عن أهداف الحزب الجمهوري، وتفاصيلها وردت في كتب الحزب الجمهوري المختلفة فلتلتمس في مظانها، وعلي الله قصد السبيل..
    (3)
    من مقال الأستاذ خالد الحاج يوم 8 سبتمبر 2009 في الصالون:( حسب ما نقله د. ياسر )
    6_ يعتبر عبد الله، أن محور طرحه هو فصل الإسلام عن الدولة، وهذا بالضبط نقيض ما تقوم عليه الفكرة، فهي تدعو لوصل الدين بالدولة، وبجميع نشاطات الحياة البشرية، وكما نقلنا في النص أعلاه، الفكرة ترى أن الحديث الذي يفرق بين الدين والدولة، يقوم على خطأ هو (من أس البلاء)في حوار دار بين الأستاذ وعم أحمد الطيب خالد قال عم أحمد: يا أستاذ ما تخلو السياسة دي وتتفرغوا للتربية.. الأستاذ: لكن الدين ما بقوم إلا إذا قام في دولة.. عم أحمد: والله إلا تأخذك كما أخدت الحلاج .. والأستاذ مداعباً: ما تراكا بتفهم.. وهذا أمر بديهي لا يفوت على عبد الله، لولا المغالطات الذي أخذ بها في طرحه هذا

    .*

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 05-01-2016, 05:33 PM)

                  

05-02-2016, 03:17 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)



    عالياً
                  

05-02-2016, 05:30 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    عزيزي د. ياسر،
    أتابع باهتمام. ولكن لم تسنح لي سانحة لإكمال المطالعة، خاصة وأن المداخلات طويلة، أقترح أن تقصرها، فهذا ييسر للنفس اللوامة
    المتابعة ويجعلها خالية الوفاض من التعذر بطول القطعة المقرؤة.

    في أمر آخر،
    أرجو أن تسأل عزيزنا عمر هواري إن كام قد فصلني من الصالون عمداً أم أن الجميع قد فصلوا، بمعنى ان المنبر قد قفل .
    وإن كان قد فصلني بظن أنني خرجت عن مألوف الجمهوريين في الأدب، فليسأل نفسه أين كان هو يوم كان ينقل أبشع
    المفارقات التي كانت تفيض بها كتابات خالد الحاج للصالون. وكان يفعل ذلك، كما تعلم يا ياسر، بحماس يحسده أعتى العاتين.

    وكان يدافع عن خالد بإزاء عبدالله النعيم، وكان خالداً قد أصبح المهدي المنتظر. بعد هذه الأسئلة أرجو أن تطلب منه الأخ عمر أن
    يرجعني. لكي أمارس حقي الديمقراطي مع إخوتي. وفي هذا خير، وسأصفح عنه وعن عقوقه وسوء تقديره للأمور. وإن لم يفعل
    ففضاء آت الله واسعة، وسماواته مفتوحة. الإسكات، و الفصل والقهر النابعة من طرائق الهوس أو الطائفية في التفكير
    لم تعد فعالة كما كان الحال بها في الماضي. ولم تعد تجوز حتى على العبطاء ، خل عنك الجمهوريين المحتمرمين،
    مثل عمر هواري.

    إن إردت يمكنك الرسالة بعاليه كما هي.
                  

05-02-2016, 04:32 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    عالياً يتعين أن يكون الملف
                  

05-03-2016, 06:56 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    سلام يا أخي حيدر
    قرأت رسالتك في الدائرة البريدية الى الاخ عمر هواري ولذلك اعتبر ان سؤالك قد وصله. الصالون العام لا يزال مقفلا ماعدا بوست واحد لحسم مستقبل الصالون وقد عمل استطلاع رأي فاز فيه خيار القفل المؤقت للصالون الى حين وضع قوانين ولوائح تمنع المارسات التي قادت الى قفله.
    أما بوستي هذا فلا ينفع معه الاختصارات والاختزال لأن الغرض منه إصلاح ذات البين وجعل المعتدين يقرون بخطئهم ويعتذرون عنه، فشيل الصبر معاي وخليك متابع.

    والتحية لك يا أخي الشقليني وشكرا لك على مداخلاتك وتعهدك برفع البوست عاليا، والشكر للأخ بكري أبو بكر ان وضعه في الواجهة.

    لدي كتابة مهمة سأضعها اليوم حال إتمامها ومراجعتها وهي تنطلق من آخر ما كتبه الأستاذ خالد الحاج ونشر في باب آراء حرة وقالات بتاريخ 29 أبريل.

    ياسر
                  

05-03-2016, 08:51 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    كتب الأستاذ خالد الحاج في مقاله بعنوان " د. ياسر الشريف يحكم بباطل الفكرة الجمهورية!! بقلم خالد الحاج عبدالمحمود" في باب "آراء حرة ومقالات" بتاريخ 29 أبريل 2016:
    Quote: في هذه الكتابة، ظهر د. ياسر الحقيقي.. وظهر موقفه من الفكرة الجمهورية، ومن د. النعيم.. لقد حكم د. ياسر أن الفكرة الجمهورية باطلة، مستنداً في حكمه هذا على قولة منسوبة للأستاذ محمود، جاء فيها أن الفكرة التي يموت صاحبها قبل تطبيقها فكرة باطلة، والأستاذ محمود مات أو قتل، قبل أن يطبق دعوته..يقول د. ياسر أن الأستاذ محمود قال: أي فكرة إذا مات صاحبها قبل أن تنتصر هي فكرة باطلة.. وعندما سئل الأستاذ محمود ماذا تعني بتنتصر؟ قال: يعني تحكم.. فقيل له: هل ينطبق هذا على الفكرة الجمهورية؟ قال: نعم.. وقد ذهب ياسر إلى إيراد شهادات سماعية مطولة، ووضع رتوشاً على المقولة.. وعن قتل الأستاذ محمود يقول د. ياسر: "هي فكرة غريبة تمَكَّن خصومها من تشويهها واستعداء السلطة ضدها إلى الدرجة التي انتهت بتنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود.."

    كتاتبتي كلها موجودة وأنا أتحدى الأستاذ خالد أن يأتي بالنص والعبارة التي حكمت فيها بأن الفكرة الجمهورية باطلة.
    ولكن كيف يُعقل أن أقول بأن الفكرة الجمهورية باطلة وأنا من أكثر الجمهوريين تواجدا ومشاركة في منبر سودانيز أونلاين منذ العام 2002 وفي منبر الصالون منذ قيامه في أواخر التسعينات، وعُرفت بأني جمهوري من تلاميذ الأستاذ محمود وأهتم بالتعريف به وبالتوثيق لحياته وفكرته بين الناس؟ هذا ما سنراه في بقية التعليق على مقاله هذا الأخير في مداخلات قادمة، ولكن في هذه المداخلة سأقتصر على توضيح خطأ الأستاذ خالد في قوله بأني "حكمت أن الفكرة الجمهورية باطلة":
    يقول الأستاذ خالد:
    Quote: والأمر لا يحتاج لكل هذا، فالمقولة صحيحة، قالها الأستاذ محمود أو لم يقلها.. ونسبتها للأستاذ محمود صحيحة، ولكن هل تؤدي إلى ما توصل إليه د. ياسر، من أن الفكرة الجمهورية باطلة، لأن صاحبها مات أو قتل قبل أن تحكم!؟ هذه هي القضية.

    أولا الحمد لله أن الأستاذ خالد قال بأن نسبة المقولة للأستاذ محمود صحيحة، فأنا لم أفعل سوى أنني نقلت فقرة من كتابة أحد كبار الجمهوريين في الصالون.
    طبعا أنا لم أتوصل إلى ما نسبه الأستاذ خالد إلي بأني حكمت "أن الفكرة الجمهورية باطلة"، وإنما قلت كلاما موجزا يفيد معنى ما قاله هو بكتابته المفصلة في مقاله الأخير هذا، في سبيل فض التعارض بين المقولة وبين موقف الجمهوريين واستمرارهم في الاعتقاد بصحة الفكرة الجمهورية.
    وأنا هنا سأنقل للقراء الكرام ما قلته في الخيط المعني في سودانيز أونلاين، والخيط لا يزال مستمرا. لقد أوردت نص ما كتبه الأخ الجمهوري في الصالون وهو:
    حديث الأستاذ في ندوة عامة للجمهور بمدينة ود مدني أن أي فكرة إذا مات صاحبها قبل أن تنتصر فهي فكرة باطلة، وعندما سئل الأستاذ ماذا تعني بتنتصر قال يعني تحكم.. فقيل له: هل ينطبق ذلك علي الفكرة الجمهورية؟ قال نعم.. وهذا ما إستدل به أستاذ سعيد عندما أرسل عبد الله النعيم ورشيدة محمد فضل الى المعتقلين بعد التنفيذ ليذكرهم بهذه القولة حتى يوقع كل معتقل علي التعهد ويخرج ليفكر في هذا الأمر لوحده.. وقد إستنكر بعض الأخوان أن يقول سعيد مثل هذا القول. فصادف أن إجتمعنا بعد أيام في صالون سعيد وكان مكتظاً بالأخوان فسألته عن هذه الحادثة فأثبت صحتها وطلب من بعض الإخوان الحاضرين شهادتهم وكلهم أقر بحضور هذه الندوة وصحة الحديث المذكور.
    وقد كان هذا تعليقي الذي أضعه باللون الأزرق كما جاء، ثم أوضح أنه لا يعني بأي حال من الأحوال أنني قد حكمت بأن الفكرة الجمهورية باطلة:

    هذا الحديث يعطي من شاء من الجمهوريين أن يفهم ما لم يكن مطروحا في دائرة حركة الجمهوريين قبل الثامن عشر من يناير الشهير، وهو ما استقر عليه تيار كبير من الجمهوريين بعد حين من تنفيذ حكم القتل على الأستاذ، ويتلخص في أن الأمر لم ينته بذلك الحدث، وإنما له ما بعده وهو نزول المسيح لنصرة الرسالة الثانية من الإسلام.
    ولو كان الأستاذ خالد يعتمد على متابعته بنفسه لكل ما كتب في البوست "الخيط" في المنبر العام لسودانيز أونلاين، ولم يكن يعتمد على ما يحضره له من يقومون بالقراءة نيابة عنه، كما يبدو لي، لأدرك أنني قد وضعت مقاله الذي وصفته بالنادر والتاريخي والذي يعود لعام 1998 وقد جاء فيه معاني ما وصفته في عبارتي الموجزة بـ "وهو ما استقر عليه تيار كبير من الجمهوريين بعد حين من تنفيذ حكم القتل على الأستاذ". فقد جاء في ذلك المقال الذي احتفيت أنا به ولا زلت أحتفي به:
    ((إن القضايا التي طرحت من خلال ما كتب بشير، تتلخص حسب تقديرى في النقاط التالية:
    (1) هل نحن طائفة؟ Are we a cult ؟
    (2) يعتبر الدين صحيحا إذا ضمن له أهله، أن يعيش فعالاً..
    Every religion or policy is considered true if it survives.
    (3) الوقت..وعودة المسيح.
    وأنا أعتقد أن القضية الاساسية، ليست هي هذه القضايا، كمواضيع فكرية وعرفانية، وانما القضية الاساسية هي الواقع الذي تطرح عبره هذه القضايا، وغيرها من قضايا تتعلق بفكرتنا.. هذا الواقع الذي أعنيه هو 18 يناير 1985م.. التاريخ والحدث.. فنحن جميعنا اليوم، عندما نتناول قضايانا المتعلقة بالفكرة، بالحديث، أو بعدم الحديث، لا نفعل إلا وعقولنا وقلوبنا ونفوسنا، متأثرة بالحدث، فتأتى أفكارنا ومواقفنا متلونة بلونه أو بلون رؤيتنا له.. وكثير مما يدور، هو إنفعال بالحدث، ومجرد موقف نفسى، وإن بدأ لأصحابه أنه فكر.. ولذلك سأجعل من الحدث مدخلى ومنطلقى، والمحور الذي سيدور حوله حديثى، هو الحياة الكاملة، الحياة الخالدة، الحياة السعيدة.. فكل الوسائل ينبغى أن توظف لخدمة هذه الحياة، وكل الوسائل ينبغى أن تنظم لتفضى إليها، وهذا ما تفعله الفكرة، ودون سواها من الاديان والفلسفات والأفكار..))

    وجاء فيه أيضا:
    ((ونحن بعد التنفيذ ذهبنا مغاضبين، لأن الله لم ينفذ ما نريد.. ولأننا ظننا أنه أخلف وعده لنا.. فقد كنا نضع له السناريو، ونطلب منه هو أن ينفذه، ولكنه جعل كيدنا في تضليل، وفجعنا بما لم يكن في حسباننا، وأنفذ السناريو الذي وضعه هو، لا الذي وضعناه نحن، فظهر في دواخلنا يونس، وذهب كل منا، وعلى التعميم، مغاضباً، فدخلنا بطن الحوت، لنعلم أنه يقدر علينا، ويقدر لنا، بأفضل مما نظن..))
    وجاء فيه أيضا:
    ((والآن فلنعد إلى الحدث، وإلى خلفية الحدث، ونذكر أننا قلنا أن محور حديثنا هنا سوف يكون الحياة، لأنها وحدها هي الغاية.. والحدث مرتبط بالموت، فكيف ذلك!؟
    هنا أبدأ الحديث عن قضية المسيح المنتظر.. فهل نحن جماعة ليس عندها سوى إنتظار عودة المسيح المنتظر!؟ ربما كان هذا تصور بعض الأخوان والأخوات، واذا صح ذلك، فانه ظلم شنيع للفكرة.. بل هو يكاد يكون إنكاراً لوجودها، وتعامى عن حقها، وعن فضلها علينا.. أنا شخصياً، عندما بدأت إنتمائى لم اكن قد سمعت بأمر عودة المسيح، كقضية مرتبطة بالفكرة، ولم يكن لهذه القضية أى دور في التزامى.. ثم ظللنا ونحن داخل الفكرة وقضية عودة المسيح لا تشكل أى جزء من أدبياتنا..))

    وجاء في المقال أيضا:
    ((فقضية المسيح في الفكرة هي جزء من بناء متكامل، يتناول جميع نواحى وقضايا الوجود الاساسية، وهي لا تنفصل عن نسيج هذا البناء.. كما أنها تقوم على مفهوم أساسى في فلسفة التطور التي تطرحها الفكرة، فهي تعبير عن رؤية الكمال الحضارى، والكمال الانسانى، الذي يفضى اليها هذا التطور.. فالرؤية متكاملة ومتماسكة، ومبنية على طرح فكرى واضح، وسند دينى بيّن، ويمكن لمن يعرف لغة التوحيد، إدراكها من خلال مؤشرات الواقع المعاش، واتجاه الحركة فيه.
    قبل التنفيذ لم تكن هنالك أى مشكلة بخصوص مفهوم عودة المسيح، فمن أين أتت المشكلة بعد التنفيذ!؟
    أتت المشكلة في تقديرى اساساً من:
    1- الربط بين شخص الأستاذ والموعود وفق تصورات معينة للظهور.
    2- غياب الموت عن الصورة، والارتباط العاطفى القوى بالأستاذ.
    3- تراخى الزمن..
    وجميع هذه الامور مرتبطة بتصور الأفراد للفكرة، ولقضية التوحيد، ولبعض الأقوال والمعارف المتداولة، وهي يختلف فيها الناس كثيراً.
    هل ما حدث كان منتظراً أن يحدث!؟ بالنسبة لى من المؤكد أنه لم يكن منتظراً.. وأعتقد أنه بالنسبة لكل الأخوان والأخوات، تقريباً، لم يكن منتظراً.. واذا وجدت حاله، أو بعض حالات قليلة، هي بخلاف ذلك، فهي تشكل استثناء.. ولكن لماذا كان الأمر كذلك!؟ هنالك عدة اعتبارات يمكن أن تذكر في هذا الصدد..
    أولاً: هنالك الارتباط العاطفى القوى بالأستاذ.. ذلك الارتباط الذي يجعل الموضوع مرفوض نفسياً، بصورة مبدئية، لا تسمح بمجرد الخواطر.. وأنا هنا اتكلم عن تجربتى الشخصية ولا اعتقد أنها مختلفة كثيراً عن الآخرين.. فقد سمعت كلاماً واضحاً في السبعينات عن ما أصطلحنا في ما بعد على تسميته بالتنفيذ.. قال الأستاذ: كل ما حدث للمسيح الاول تحدث صورة منه للمسيح الثانى.. بما في ذلك الصلب!! حاولت أنا شخصياً أن أعطى الأمر تفسيراً معنوياً، فتحدثت عن الصلب بمعنى حل التعارض بين العقل الواعى والعقل الباطن، أو شىء في هذا المعنى.. قال الأستاذ: لا.. الصلب الحسى.. ولقد انزعجت وقتها انزعاجاً شديداً، وأصبحت لا استطيع النوم المتواصل، وقد استمرت هذه الحاله لأكثر من شهر.. ثم نسيت!! نعم نسيت، وهذا أمر محير، وأعتقد أن له دلالة روحية إلى جانب الدلالة النفسية.. وأنا الآن استطيع أن اقول أننى لم انس، وانما أُنسيت!! وأعتقد أن الموقف كله كانت فيه حكمة تتعلق بانضاجنا روحياً وفكرياً وعاطفياً.. ولقد ظل الامر مرفوضاً عندى حتى بداية مساء 17 يناير 1985م.. وفى ذلك المساء تأكد لى التنفيذ.. وعندما تم التنفيذ وكنا بمنزل العم أحمد عمر بكوبر، ونسمع صوت المايكرفون، شعرت بسكينة حقيقية تتنزل على، وأعتقد أن هذا كان حال كل الأخوان والأخوات.
    الأمر الثانى، الذي يجعل ما حدث كان من غير المنتظر عندنا أن يحدث هو ضعف تصورنا لقضية الموت والحياة.. فرغم عمق معارفنا في الجوانب الأخرى، إلا ان معرفتنا في هذا الجانب، لم تكن تختلف كثيراً عن معرفة الآخرين.. هذا رغم أن الحديث ورد كثيراً في هذا الأمر، في الكتب وفى الأحاديث الخاصة، وفى بعض الحالات كان الحديث يذهب إلى عمق المسألة.. ولكن يبدو أننا لم نكن في مستوى استحقاق المعرفة.
    لقد كان الأستاذ، منذ أيام الخلوة في 1948م ينتظر "التنفيذ" وقد تحدث في ذلك للبعض، ومنهم المرحوم العم مختار على الشيخ.. فعندما صدر الحكم على الأستاذ قال مختار ان هذا الحكم سينفذ!! فقام عليه البعض يهاجمونه في قوله هذا.. فقال لهم: هذا ليس قولى وانما قاله لى الأستاذ محمود بنفسه، ففى احدى زياراتى له في خلوته قال لى أنه سيأتى يوم يعدم فيه.. وأنه في ذلك اليوم من يكون معنا يناله خير كثير، ومن لا يكون معنا هو الخاسر - شىء في هذا المعنى - قال مختار، قلت له: عليك الله يا أستاذ، وبحق العلاقة التي بيننا لا تنسانى في ذلك اليوم.
    وقد تحدث الأستاذ عن الموضوع عدة مرات، بعضها مباشر، وبعضها غير مباشر.. وورد الحديث في الكتب بصورة عرفانية.. وأعتقد أن أوضح ما قيل في هذا الصدد ما نقلته أنا، وما ورد في حديث الفداء، وما رواه إبن البان، وما نقلته بعض الأخوات خصوصاً سامية حجاز، بالاضافة إلى تفسير آيات (الله نور السموات والأرض)، وخطاب الأستاذ للشيخ على حمد.. ومما جاء في حديث ابن البان 29/3/1951م في الحديث عن اليوم الآخر، ساعة التعمير، جاء قول الأستاذ: "إن ذلك لا يجىء إلا حين تنتصر الحياة على الموت بتجربته واجتيازه".. (تجربته واجتيازه) هذه هي العبارة الأهم، والأكثر دلالة على الموضوع.. وفى تفسير أو تأويل (الله نور السموات والأرض) 15/9/1965م جاء قوله: "فإن البيوت أجساد العارفين.. وفى طليعتهم الانسان الكامل.. فإن جسد العارف أذن الله له أن يرفع من الأموات.. فهو إنما يجيء إلى هذه الدنيا من العالم الآخر.." أما خطاب الشيخ على حمد 23/7/1962م، فمما جاء فيه قول الأستاذ: "وفى قمة العبودية الخاصة خلق الله خلقاً بذاته، وليس بينه تبارك وتعالى، وبينهم واسطة.. فاذا أشعرهم، تبارك وتعالى، بذلك شعوراً يقينياً، في مرتبة حق اليقين، فقد خلع عليهم إسمه الحى.. فهؤلاء لا يكادون يموتون، ولا ينشرون، لأنهم قد خرجوا من أجسادهم، في حياتهم الدنيا، خروجاً يكاد يكون تاماً، ورفعوا الوسائط بينهم، وبينه، فأفاض عليهم الديمومة، والبقاء. وأعلى هؤلاء ينتقل، من جانب الحياة الدنيا، إلى الحياة العليا.. (الحياة الاخرى على مألوف التعبير) كما ينتقل المهاجر من بلد الى بلد بكليته..".. أرجو أن تلاحظ عبارة "فهؤلاء لا يكادون يموتون" لأن هنالك ما يشبه الموت، وهو ليس بموت حسب مألوف الناس عن الموت.. أو هنالك انتصار على الموت "بتجربته واجتيازه" حسب العبارة التي قيلت لابن البان "فالتنفيذ" هو هذه التجربة، وهو لا يكاد يكون موتاً لقد قيل لى في منام، وأنا أنظر الى عنق الاستاذ خشية أن يكون حبل المشنقة ترك بعض الأثر عليها، قال، حسب النص: "مافى حاجة حصلت.. الناس ديل ما عملوا أى حاجة.. الأمر كله لطف في لطف!!".. وغير ذلك كثير.. والأمر هو قمة التحقيق في العبودية، وهو قمة انتصار الحياة، التي قلنا أنها هي المحور الذي ينبغى أن يدور عليه حديثنا.. ولا سبيل لانتصار الحياة إلا اذا انتصرت على الموت.. وأمر بهذه الدقة، وبهذا العظم، ومخالف لمألوف الناس منذ أن كانت الحياة على الأرض، ليس بمستغرب أن يؤدى إلى فتنة البعض.. أقول مخالف لمألوف الناس، وأنا أعلم أن الناس قد ألفوا في بعض الحالات، عودة من ماتوا الى الحياة.. ولكن هذا الامر يختلف عن ذلك كثيراً.. الأمر ليس هو عودة للحياة بعد الموت، وإنما هو إنتصار على الموت، وشتان بين الامرين.. ولا أرى مجالاً للحديث عن الحقيقة العرفانية: الألوهية لا تكرر نفسها.. ليس هنالك تكرار وانما الامر واحد متصل.))

    ـــــــــــــ
    وقد كتبت في مداخلة في نفس خيط "في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين" في المنبر العام لسودانيز أونلاين بتاريخ 28 أبريل 2016:
    ((لا شك أن الأستاذ خالد يعلم أن الجمهوريين كانوا ينتظرون تطبيق الفكرة وظهور المسيح المحمدي في حياة الأستاذ محمود، ولكنهم بحسب عبارة الأستاذ خالد نفسها "وفجعنا بما لم يكن في حسباننا"، وذلك عندما تم تنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود.))
    خاصة أن بعض النصوص في كتب الفكرة الجمهورية قد أكَّدت ما وصفه الأستاذ خالد بأن ما حدث لم يكن متوقعا فقد جاء في كتيب "المسيح" :

    عيسى الإسرائيلي عليه السلام ، قتل أم رفع ؟؟

    إن الذي جعل المسلمين يعتقدون في أن المسيح المنتظر إنما هو عيسى الإسرائيلي اعتقادهم في كونه لم يمت وهو اعتقاد انبنى على الآية: (وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم ، رسول الله ، وما قتلوه ، وما صلبوه ، ولكن شبّه لهم .. وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ، ما لهم به من علم ، إلا اتباع الظن ، وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) ..
    وواضح أن الآية لا تعطي هذا الفهم .. خاصة إذا أخذنا في الحسبان قوله تعالى: (إني متوفيك ورافعك إلي) وقوله تعالى أيضا: (والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) .. فالقرآن لا يناقض بعضه بطبيعة الحال ، فعبارة (متوفيك) إنما تعني أنه سيموت ، وحسب سنّة الله الجارية في خلقه بعد العمر المألوف .. وعبارة (ويوم أموت) كذلك في نفس الاتجاه ولذلك فإن الفهم المستقيم إنما يكون في أن المسيح قتل ، ثم رفع ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: (وما قتلوه يقينا) وهي تعني ، دون أدنى شك ، أنهم قتلوه ، فيما يظهر لهم ، ولكنهم (ما قتلوه يقينا) ، وهي هي نفسها عبارة (ولكن شبّه لهم) .. وهذا المعنى وارد في القرآن في مواضع أخرى كقوله تعالى: (وما رميت ، إذ رميت ، ولكن الله رمى) وكقوله: (فلم تقتلوهم ، ولكن الله قتلهم) .. ومعنى هذه الآية: إنكم لم تقتلوهم ، إذ قتلتموهم ، ولكن الله قتلهم .. ولذلك فقوله تعالى: (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ، وما قتلوه يقينا) .. إنما يشير إلى مبلغ الاضطراب في فهم هذه القضية ، وإلى ما ينشأ فيه من خلاف .. ولكن جلية الأمر فيها أن الآيات التي تتحدث عن المسيح إنما تتحدث عن المسيح الإسرائيلي وعن المسيح المحمدي في نفس الوقت .. فالمسيح المحمدي هو الذي سيرفع .. فالذي يتحدث عن المسيح الإسرائيلي معتقدا أنه لم يقتل مخطئ ، دون أدنى ريب .. إن أمر الرفع سيصح في أمر المسيح المحمدي .. فإنه هو الذي سيرفع حيا .. وهذا هو كمال الإسلام على المسيحية الذي يوشك أن يضيعه المسلمون بالاضطراب في الفهم ، أو قول (باتباع الظن) كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة ..

    إذن أنا لم أحكم بأن "الفكرة الجمهورية باطلة" وإنما قلت أن هناك وعياً جديدا قد تشكل لمفهوم "الموت والقتل"، وقد اتضح أن هذا الوعي الجديد في حقيقة الأمر قديم، ولكن تم اكتشافه من قبل كثير من الجمهوريين فقط بعد تنفيذ حكم القتل.

    فهل يقر الأستاذ خالد الحاج بخطئه في حقي ثم يعتذر عنه.

    كما أحب للأستاذ خالد الحاج أو الذين يقرأون نيابة عنه الرجوع إلى رابط خيط الأخ الأستاذ عبد الله الشقليني الموسوم "محمود محمد طه في رؤى الأحلام"، الذي سبق وأن وضعت رابطه هنا في هذا البوست، وفيه تم تناول هذه المسألة بمشاركة من أسئلة ونقاش مع الأخ الأستاذ أسامة الخواض. وسأعود إلي بعض تفاصيلها في مداخلات لاحقة بإذن الله.
    محمود محمد طه في رؤى الأحلام . محمود محمد طه في رؤى الأحلام .
    يتواصل....

    ياسر
                  

05-03-2016, 05:52 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)






    يا له من ملف ..
    أرغب كثيراً أن تكون المحبة هي سيدة العلاقة ، والمحبة يتعين أن تقود الخلاف ...
    والنقاش . وقد سبق للأستاذ أن قال ( نحنُ نُرحب بالراي المخالف ) ،
    فكيف إذا يكون الخلاف إن كان بين الأحباب؟

    *
                  

05-03-2016, 10:53 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    سلام وشكرا لك يا عزيزي الشقليني على ما تفضلت به.
    المحبة تفترض الثقة وحسن الظن، وهذا ما نحاول إعادته بين الجمهوريين.

    ـــــــــــ
    مواصلة:
    كتب الأستاذ خالد في مقاله الذي نحن الآن بصدده:
    Quote: المهم أن د. ياسر حكم بأن الفكرة الجمهورية باطلة.. كون حكمه هذا صحيح أم غير صحيح، لا يغير من الأمر شيئاً، بالنسبة لموقفه.. وكون الفكرة الجمهورية باطلة بالنسبة له، هذا حكم قاطع بأنه غير جمهوري.. والوضع الطبيعي، طالما أن الفكرة باطلة بالنسبة له، هو أن يتركها، ولا يشغل نفسه بالباطل.. يمكن أن يعمل على كشف باطلها للآخرين.. ولكن الأمر الغير معقول، هو أن يحكم بأنها باطلة، ثم ينسب نفسه إليها، وينشغل بها كل وقته.. هذا أمر له دلالة أخرى، هي ببساطة، وبوضوح، هو أنه موظف، لهدم الفكرة.. وهذا واضحٌ جداً، من علاقته بد. النعيم.
    يقول د. ياسر: "من حيث التنظير لا يوجد ما يمنع أحدا، جمهوريا كان أم غير جمهوري، من الإتيان بأي فكر مستقل أو تجديد، بالإضافة أو بالحذف، للفكرة الجمهورية. المحك هو المسئولية والثبات أمام التحدي..".. واضح جداً الالتواء في القول.. من المؤكد، لا يوجد ما يمنع أي إنسان الإتيان بفكر مستقل، ولكن من قال بخلاف ذلك؟! وما علاقة هذا القول ببقية النص.. في الواقع هو قول للتعمية، يجعل ما ينطبق عليه، ينطبق على ما جاء في بقية النص.. بقية النص تقول: "أو تجديد، بالإضافة أو الحذف للفكرة الجمهورية..".. على العكس تماماً، من زعم د. ياسر، الفكرة الجمهورية لا يملك أحد أن يحذف منها أي شيء، أو يضيف إليها أي شيء.. وهذا أمر بداهة، ويقتضيه العقل، والقانون والأخلاق.. ليس من حق أحد أن يضيف إلى فكر غيره أو يحذف منه.. قال د. ياسر: "المحك هو المسئولية..".. المسئولية هي أن لا تنسب فكرك، لغيرك، وإنما تتحمل المسئولية في نسبته إليك.. من عنده زيادة أو حذف، فليدعُ إلى فكرته هذه، وفق رؤيته في الزيادة والحذف، ولا ينسب رأيه الشخصي للأستاذ محمود ودعوته، وخلاف ذلك، هو تجني، وجرمٌ عظيم.. وهو أمر غير مقبول، بأي مقاييس أتخذتها.. وعلى كل حال، نحن لن نسكت عليه.

    وكتب أيضا:
    Quote: ويقول د. ياسر: "وبقليل من الاستنتاج ندرك أن نفس هذا الحديث يعطي من شاء من الجمهوريين أن يأتي بمقترحات مرحلية كما حدث مع الدكتور عبد الله النعيم مثلا..".. هذه هي قضية د. ياسر الحقيقية، وكل اللف والدوران، بسبيل من أن يصل إليها.. هو يزعم أن د. النعيم أتى بما يكمل نقص الفكرة.. ولغياب المسئولية وغياب الشجاعة، سماها "مقترحات مرحلية"..

    وكتب أيضا:
    Quote: عمل د. النعيم، وأنت معه، ليس اكمال نقص الفكرة المزعوم، وإنما الغائها، واستبدالها، بما هو نقيضها، كما هو وراد في أقوال د. النعيم.. د. ياسر حكم أن دعوة الأستاذ محمود، في جملتها باطلة، وهرطقات د. النعيم، في جملتها صحيحة، وهو في الحالين لا يذكر التفاصيل أو جزء منها.. بالذات هو لا يتعرض لأي قول من أقوال د. النعيم.. وهذا ظل يجري منذ البداية وحتى اليوم.. واضح أن هنالك تعليمات صارمة، في هذا الصدد، ود. ياسر يطيع هذه التعليمات، طاعة عمياء، وهذا يلقي الضوء على العلاقة بينه وبين د. النعيم، فهي علاقة عمل!!

    وكتب أيضا:
    Quote: د. ياسر من جانبه، بعد أن حكم بأن الفكرة باطلة وناقصة، حدد من يكمل نقصها، وهو عنده د. النعيم!! عند ياسر الأستاذ محمود جاء بعمل باطل، وناقص، ومن يصحح هذا البطلان، ويتمم هذا النقص هو د. النعيم!! هذا هو موقف د. ياسر من الأستاذ ومن د. النعيم!! اللهم نعوذ بك من مكرك..

    وكتب أيضا:
    Quote: د. ياسر رجلٌ هانت عليه نفسه، وهان عليه دينه، فباعه بثمن بخس، وكان فيه من الزاهدين.. وما أسرع ما تشرب د. ياسر القيم المضادة – قيم د. النعيم!! نفس المراوغة، والتحايل، وعدم الموضوعية بترك الموضوع كله تماماً.. ونفس الكذب والالتواء، وقول الشيء وضده.. وبصورة خاصة نفس عدم الحياء.


    إذن، وباختصار، الأستاذ خالد يقول بأن الذي بيني وبين الدكتور عبد الله النعيم هو علاقة عمل، أو وظيفة، ليس ذلك فحسب بل أن هناك تعليمات صارمة من الجهة التي توظف الدكتور عبد الله النعيم وتوظفني معه لهدم الفكرة الجمهورية!!!!؟؟؟؟ والأستاذ خالد يقول أنني قد أخرجت نفسي من الانتماء إلى الفكرة الجمهورية ولذلك علي أن أكف عن الحديث عنها.
    في البداية أنا أشهد الله أمام الملأ هنا أنه ليست لدي أي علاقة عمل مع الدكتور عبد الله النعيم، وليست لي أي علاقة عمل وظيفي مع أي إنسان أو جهة ولا أتلقى تعليمات، صارمة أو غير صارمة، من أي جهة، وأقسم على ذلك بالله العظيم.. فهل هذا يكفي الأستاذ خالد كي يصدقني ولا يذهب في ظنونه إلى هذا المدى؟
    في المداخلة السابقة أوضحت أنني لم أحكم "بأن الفكرة الجمهورية باطلة" وما ينبغي لي. وطبعا الأستاذ خالد بنى كثيرا من تخريجاته واستنتاجاته، في مقاله، خاصة فيما اقتبسته عنه بعاليه، على أن لي علاقة عمل مع الدكتور عبد الله النعيم وأشترك معه في "تعمد تشويه الفكرة الجمهورية" لقاء ثمن بعت به ديني.
    وفي تعليقات سابقة لي ذكرت أنني أرفض أن أصنف بأنني من أتباع الدكتور النعيم أو أنني من أنصار هذا أو ذاك من الجمهوريين ولكن الأستاذ خالد لم يصدق قولي. والواضح جدا هو أن الأستاذ خالد يريد أن يسرع إلى إدانتي بما يظنه حقيقيا وهو ليس كذلك وسأحاول أن أوضح نفسي للقراء وأترك أمري لله "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور" وهي الآية التي وضعتها في مستهل هذا الخيط.
    للأسف الأستاذ خالد وقع في خطأ كبير وهو أنه عندما نقل من كتابتي اختار أن يبترها وإلا لماذا أسقط قولي التالي والذي جاء كنقطة أولى:
    النقطة الأولى هي أنه لا يزعم أحد من الجمهوريين، فيما أعلم، الاجتهاد في الجانب النظري من الفكرة الجمهورية كما جاءت على لسان وقلم الأستاذ محمود. طبعا الفكرة الجمهورية لا تزال في حيز التنظير إذ لم تحظ بفرصة التطبيق على أرض الواقع في مسائل الحكم والاقتصاد والمجتمع.
    هل بعد هذا يحق له أو لغيره أن يقول:
    د. ياسر من جانبه، بعد أن حكم بأن الفكرة باطلة وناقصة، حدد من يكمل نقصها، وهو عنده د. النعيم!!
    ولماذا اختار الأستاذ خالد أن يسقط ما كتبته في نفس البوست وحاولت فيه أن أوضح مقصدي وهو:
    ((الحقيقة البسيطة هي أنه لا يوجد ما يمنع إنسانا ما، جمهوريا كان أم غير جمهوري، من حقه في التفكير والتعبير، خاصة أن الفكرة الجمهورية كما قلت لم تجد حظها في التطبيق في مسائل الحكم والاقتصاد والاجتماع، وجاء في أدبياتها أن الرسالة الثانية سوف يطبقها المسيح المحمدي. الفكرة الجمهورية ليست مملوكة لأحد، والجمهوريون ليس فيهم من يستطيع أن يدّعي أنه مرجعية تمنع أحدا من التفكير والتعبير. هذا ما أردت قوله. طبعا هذا لا يعني أن لا ينبري أحد الجمهوريين بالنقد والتصحيح لمثل هذا الشخص، والمسألة سوف تكون متروكة لقبول المتلقي أو رفضه.)) انتهى..
    ليس ذلك فحسب بل أن ما دار بيني وبين الأخ الأستاذ أسامة الخواض في عام 2007 يؤكد أنني لست مؤيدا لمن يقول بالتطوير في فكر الأستاذ محمود، وهذه بديهية. ولكن من حيث التنظير يستطيع كل من يريد أن يطور في أي فكرة، أو يضيف أو يحذف كما يريد وينسب التطوير لنفسه طبعا، وهو مستعد لتحمل مسئولية ما يقول. كتب الأستاذ أسامة الخواض في ذلك البوست "محمود محمد طه في رؤى الأحلام" الموجود رابطه في هذا الخيط هنا في المنبر العام في الأعلى:
    ولي سؤال ،بناء على نفي الصديق حيدر إلى أن محمود لم يقل بانه المسيح.
    لقد سمعت كلاما عن احد الاخوان مفاده أن الجمهوريين يؤمنون أن محمودا هو المسيح،وانه اي الاستاذ محمود له عودة.

    وكان ما يلي جزءا من ردي عليه :

    إذا أردت دراسة الفكرة الجمهورية من وثائقها فتستطيع أن تجد كل ما تحتاجه للدراسة، ولكن إذا أردت تسجيل ما يقوله الجمهوريون عن إيمانهم بأن الأستاذ هو المسيح أو أنه سيعود فلن تكون قد قمت بدراسة الفكرة الجمهورية وإنما آراء الجمهوريين وهذا يختلف عن الفكرة الجمهورية.. أما قاله الأستاذ محمود فهو مسجل.. وحتى لقاء الصحفي إبن البان الموجود في صفحة الفكرة ليس من وثائق الفكرة الجمهورية وإنما هو ما تم نشره عن الفكرة الجمهورية..[.......]
    نصوص الدين اليهودي تتحدث عن المسيح ولكن اليهود عندما جاء المسيح أنكروه واعتبروه كاذبا وساحرا وقتلوه وهم لا يزالون ينتظرون المسيح بحسب التصور الذي رسخ في أذهانهم.. بينما المسيحيون يؤكدون أن المسيح قد جاء تصديقا لتلك النبوءات وأنه قد قتل وقام من الأموات وسيعود مرة أخرى في يوم الدينونة.. وكثير من المسلمين ينتظرون ظهور المسيح الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا.. التصور لهذا المجيء يختلف اختلافا كبيرا بين الفرق الإسلامية فمنهم من يقول بأنه يأتي محاربا منتصرا، مثل تصور كثير من اليهود، ومنهم من يقول بأنه يأتي بالسلام، مثل تصور كثير من المسيحيين.. المهم أن أقول لك رأيي أنا وهو أن المسيح الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا لم يظهر بعد.. الاستاذ محمود حدثت له أشياء مشابهة لما حدث للمسيح الإسرائيلي بصورة تدعو إلى الدهشة مثل الإنكار والمحاكمة والقتل.. أظن أن هذا ما أراده الأخ عبد الله الشقليني في موضوع "محمود محمد طه في رؤى الأحلام"، فكرة الفادي الذي يضحي بحياته من أجل مبادئه ومن أجل أن يثبت تمسكه بها..
    [......]
    قولك:
    وأنه حينما سئل حول هل أنه المسيح،
    قال أنه في شك لكن دعا الأخوان الى ألا يشكوا.
    الكلام لم يجيء عندما سئل هل أنه المسيح.. الكلام جاء في عام 1982 بعد لغط وجدال كثير خاصة في الجامعة.. فالحديث كان عن الأصالة والشريعة الفردية وأن الأصيل في الحقيقة واحد وهو لم يأت بعد.. والأصيل المعرف بالألف واللام هو المسيح المحمدي وهو المسلم بمعنى الإسلام النهائي بحسب ما جاء في الفكرة الجمهورية.. فالأستاذ طلب من الجمهوريين، خاصة الذين يتحدثون في المنابر، ألا يقولوا عنه أنه الأصيل أو أنه المسيح، وأنه برغم ما لديه من علم وما عليه من أصالة وشريعة فردية، فهو لم يتخذ عند الله عهدا أن يجعله "الأصيل" بمعنى المخلص الذي يملأ الأرض عدلا، وهو لم يَّطلع الغيب، لذلك يبقى الأمر طرف منه في الغيب.. وقال أن شكه هو من هذا الباب وليس من باب الشك في اصالته وفرديته.. وكان معنى عبارته للجمهوريين كالآتي: "شكي أنتم لا تعرفونه مثلما أعرفه أنا، ولكن من مصلحتكم ألا تشكوا في أنني أصيل وعلى شريعة فردية لأن هذا الشك يضركم".. المهم أن حدث الثامن عشر من يناير 1985 أوضح للناس أن الأستاذ محمود لا يتزعزع فيما عنده حتى في مواجهة القتل.. وقد اتضح لي شخصيا أنه كان يشك في ألا يتم له ذلك الموقف على تمامه كما حدث..
    "طلبت مقاما بذل نفسك شرطه"

    فعاد الأستاذ أسامة الخواض بالتعليق التالي:
    اتفق معك في جوهر كلامك،لكن كلامي حول تأويل الجمهوريين انفسهم لخطاب الاستاذ مهم،لانه يكشف لنا بعضا من مآلات الفكرة وتطورها .
    بالتأكيد ان الذي ينتظر عودة الاستاذ لن يطور فكره ،ويساهم في رفده.

    وكان هذا تعليقي الذي أرجو أن يتم تأمله جيدا من القراء ومن الأستاذ خالد طبعا:
    أولا: عندما يقوم إنسان بزيادة في الفكرة الجمهورية أو نقصان فلن تكون هي الفكرة الجمهورية التي أبانها الأستاذ محمود ودفع حياته كي يبرهن أنه على يقين بأنها صحيحة.. الشاهد أن الفكرة الجمهورية كان ينقصها التطبيق وليس التطوير في تلك المرحلة..

    ثانيا: الأستاذ محمود أنهى حركته بإنذار "هذا.. أو الطوفان" ومعناه إما أن تتم الإستجابة إلى المطالب الثلاثة التي جاءت في المنشور، وأهمها إلغاء قوانين سبتمبر وعقوبات الجلد والصلب والقتل، أو أن يحدث "طوفان" بمعنى انهيار وفوضى وتطبيق أشياء أخرى تكون مفروضة داخليا وخارجيا.. اتضح فيما بعد أن الطوفان قد تداعى حتى جاء بنظام الجبهة الإسلامية إلى الحكم وحدث تصعيد غير مسبوق للحرب في جنوب السودان [لاحظ أن اللجوء إلى الحل السلمي كان المطلب رقم إثنين في المنشور]..

    ثالثا: الواقع الذي يحدث في السودان وفي العالم ككل هو الذي يفرض مواجهة الفكر السلفي المتخلف وهذا الواقع يستفيد من الكثير مما طرحته الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يراه، من غير الإدعاء أو المطالبة بضرورة تطوير الفكرة!!!!!! فأنا اليوم مثلا لا أنادي بتطوير التشريع في السودان في هذه المرحلة كما نادت به الحركة الجمهورية سابقا، فهذا نفسه الآن قد تجاوزه الواقع الجديد.. بل أطالب بإلغاء قوانين حكومة الجبهة وأقامة الدولة المحايدة دينيا والتي فيها الدين منفصل عن السياسة، وإن لم يكن منفصلا عن المجتمع الذي تتعايش فيه جميع الأديان والمعتقدات بحسب قانون عادل مأخوذ من القوانين العالمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..
    باختصار قولي هو ما وضعته في العنوان:
    الواقع يتطور نحو الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يحتاجه الناس حتى لو لم يكن مما قالت به حركة الجمهوريين..

    فعاد الأخ أسامة الخواض بهذه المداخلة بما في ذلك من اقتباسات من كلامي وهو موجود باللون الأزرق اقتباس:

    عزيزي ياسر
    شكرا على مداخلتك وفي انتظار الكتاب "عودة المسيح".
    لكن الاحظ تناقضا واضحا في كلامك ،
    فلقد قلت ان الفكرة الجمهورية لا تقبل الاضافةاو الحذف ،بل ان الواقع هو الذي ينبغي ان يرتفع الى مستواها،حين قلت:

    Quote: Quote: أولا: عندما يقوم إنسان بزيادة في الفكرة الجمهورية أو نقصان فلن تكون هي الفكرة الجمهورية التي أبانها الأستاذ محمود ودفع حياته كي يبرهن أنه على يقين بأنها صحيحة.. الشاهد أن الفكرة الجمهورية كان ينقصها التطبيق وليس التطوير في تلك المرحلة

    لكنك سرعان ما تعود الى إعادة النظر في ما طرحته الفكرة الجمهورية حول الحدود،وهي فكرة متخلفة كثيرة عن القرن العشرين الذي تحتفي به الفكرة باعتباره قرن النضج،وباعتباره "نهاية التاريخ".
    فها أنت تقول ،ناقدا موضعا من مواضع الفكرة الجمهورية اي الحدود:
    تقول في ذلك عزيزي :

    Quote: Quote: ثالثا: الواقع الذي يحدث في السودان وفي العالم ككل هو الذي يفرض مواجهة الفكر السلفي المتخلف وهذا الواقع يستفيد من الكثير مما طرحته الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يراه، من غير الإدعاء أو المطالبة بضرورة تطوير الفكرة!!!!!! فأنا اليوم مثلا لا أنادي بتطوير التشريع في السودان في هذه المرحلة كما نادت به الحركة الجمهورية سابقا، فهذا نفسه الآن قد تجاوزه الواقع الجديد.. بل أطالب بإلغاء قوانين حكومة الجبهة وأقامة الدولة المحايدة دينيا والتي فيها الدين منفصل عن السياسة، وإن لم يكن منفصلا عن المجتمع الذي تتعايش فيه جميع الأديان والمعتقدات بحسب قانون عادل مأخوذ من القوانين العالمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..


    اذن انت تقول بصريح العبارة ان مفهوم الفكرة الجمهورية غير صحيح،وقد تجاوزه الواقع،
    باعتبار ان الفكرة نفسها تتحدث عن تطور الواقع،لكنها ترى في الواقع بداية ونهاية،
    وترى القرن العشرين مقدمة مهمة لنهاية العالم والتاريخ معا.


    وكان هذا تعقيبي عليه:
    ليس هناك تناقض أبدا.. فأنا عندما قلت أن
    (("الشاهد أن الفكرة الجمهورية كان ينقصها التطبيق وليس التطوير في تلك المرحلة"))
    كنت أيضا أقصد أن تطبيق الفكرة الجمهورية للحدود لم يكن ليتم قبل أن تملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا.. لو رجعت إلى منشور "هذا.. أو الطوفان" ستجد القول "ثم إن تشاريع الحدود و القصاص لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية ، وهي أرضية غير محققة اليوم .." .. المهم أن الحركة الجمهورية لم تتح لها الفرصة لتطبق رؤيتها التي كانت ستبدأ بتحقيق الديمقراطية والإشتراكية والمساواة الإجتماعية.. أما قولك:
    Quote: لكنك سرعان ما تعود الى إعادة النظر في ما طرحته الفكرة الجمهورية حول الحدود،وهي فكرة متخلفة كثيرة عن القرن العشرين الذي تحتفي به الفكرة باعتباره قرن النضج،وباعتباره "نهاية التاريخ".

    ليس هو بالضبط إعادة نظر في الفكرة الجمهورية.. [أرجو ملاحظة أنني لا أعني الفكرة الجمهورية عندما اقول الحركة الجمهورية].. الحركة الجمهورية وصلت إلى طريق مقفول، وقد قلت ما اقتبسته أنت عني ووضعت تحته خطاً ولكنك ذهلت عن أنني أقصد الحركة الجمهورية وليس الفكرة الجمهورية.. تأمل قولي مرة أخرى وسأحاول توضيحه:
    Quote: فأنا اليوم مثلا لا أنادي بتطوير التشريع في السودان في هذه المرحلة كما نادت به الحركة الجمهورية سابقا، فهذا نفسه الآن قد تجاوزه الواقع الجديد.. بل أطالب بإلغاء قوانين حكومة الجبهة وإقامة الدولة المحايدة دينيا والتي فيها الدين منفصل عن السياسة، وإن لم يكن منفصلا عن المجتمع الذي تتعايش فيه جميع الأديان والمعتقدات بحسب قانون عادل مأخوذ من القوانين العالمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..

    فبالرغم من كل العمل والمجهود الذي أقوم به في التعريف بالفكرة الجمهورية وبسيرة الأستاذ محمود محمد طه وتاريخ الحركة الجمهورية، إلا أنني أن الجمهوريين لا يحتاجون إلى إقامة تنظيم تكون مرجعيته الفكرة الجمهورية، والحكمة تقتضي أن يفهموا أن تطور الحركة [إذا جاز لي التعبير بكلمة"الحركة"] الذي فرضه حدث الثامن عشر من يناير 1985، وأحداث أخرى كثيرة، تتطلب منهم المناداة بالدولة المحايدة دينيا..
    الحركة الجمهورية احتفت كثيرا بالقرن العشرين لأنه القرن الذي ظهرت فيه الفكرة الجمهورية منذ ميلادها وإلى أن توجت بموقف الأستاذ محمود، ولكنها لم تقل أن ذلك القرن هو نهاية التاريخ، بل تركت الأمر مفتوحا..
    ولك مني خالص المودة..
    ياسر

    هذا ما كان مني ومن الأخ أسامة في عام 2007..
    وبهذه الخلفية أحاول أن أوضح أنني قد فهمت ما تقدم به الأخ عبد الله النعيم من مقترحات عملية في هذه المرحلة وكذلك ما جاء في بيان الجمهوريين وقد كنت من ضمن الموقعين عليه وسوف يستمر السرد.
    فهل يكفي هذا كي لا يتهمني الأستاذ خالد بما اتهمني به؟؟ فإذا كان كافيا فليس أمامه سوى الإقرار بظلمه لي وتجنيه علي ووجب عليه من ثم الاعتذار، وأرجو مخلصا ألا تأخذه العزة بالإثم.
    لم ينفك الأستاذ خالد يردد انتقاده لمقتطفات من أقوال الدكتور عبد الله النعيم ويصر علي أن أقول رأيي فيها وأنا أريد أن أكون واضحا جدا في قولي بأن أولويتي ليست في ذلك وإنما هي في رد العدوان عن الدكتور النعيم بدل المشاركة في اغتياله معنويا وربما حسيا أيضا، وليت الأستاذ خالد الحاج اكتفى بتبيين ما يعتبره يستحق النقد من أقوال الدكتور النعيم ويكف عن اتهامه بتعمد تشويه الفكرة الجمهورية والمشاركة في مؤامرة غربية أمريكية لهذا الهدف، فهذا لا يدخل في ذهن كل من يعرف الدكتور النعيم عن قرب.

    انتهى التعليق على مقال الأستاذ خالد الحاج الأخير، ولكن ربما يستمر الاقتباس من خيط "محمود محمد طه في رؤى الأحلام" مع استمرار السرد في نشوء الخلافات بين الجمهوريين ومحاولة رأب الصدع وإصلاح ذات البين.
    آسف للإطالة ولكن الموضوع لا يجوز فيه الاختزال.
    ياسر
                  

05-05-2016, 10:22 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    سلام للجميع
    وتحية خاصة للجمهوريين والجمهوريات الذين يتابعون هذا الخيط "في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين".. الفكرة الجمهورية لا تحتاج إلى تعصب وإساءة ظن بالآخرين وادعاء حراستها بمثل هذا السلوك، فهي قد انتصر بها ولها الأستاذ محمود في تلك الوقفة المشهودة، ولم يبق غير ظهور برهانها للناس عندما يتأذن الله.

    حكمة اليوم مقتطف من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" للأستاذ محمود تعقبه قصيدة للأخ العوض مصطفى وأداء لها من الأخت هدى عثمان في جلسة بمنزل الراحل المقيم الأستاذ عبد اللطيف عمر الذي تمر هذه الأيام ذكرى انتقاله الأولى نسأل الله أن يجعل بركته فينا. لمن لا يعرف الأستاذ عبد اللطيف فهو يظهر في هذه الشريحة لبضع ثواني يحاول تهدئة الأطفال الذين يلعبون ويمرحون.

    Quote: القضاء والقدر

    هناك ما يسمى سر القدر ، وهو الطرف الرفيع من القضاء ، ولقد وردت الإشارة إليه في قوله تعالى (( إنا كل شئ خلقناه بقدر * وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر )) فالقضاء هو هذا الأمر الواحد الذي خرج عن الزمان والمكان ، كما تفيد عبارة (( كلمح بالبصر )) والقدر هو تنفيذ القضاء ، وإبرازه في حيز الزمان والمكان ، على مكث ، وتلبث ، وتطوير.
    والقضاء والقدر وردت الإشارة اليهما أيضا في آية أخرى ، وهي قوله تعالى (( يمحو الله ما يشاء، ويثبت ، وعنده أم الكتاب )) فقوله تعالى (( يمحو الله ما يشاء، ويثبت )) إشارة إلى القدر ، وهي في ذلك إشارة إلى التطور ، بتعاقب صور الكائنات ، فقد أسلفنا الإشارة إلى أن الحياة تتقلب في الصور ، ابتغاء أن تكون ثابتة في الصور كما هي ثابتة في الجوهر ، وهيهات !!.. وقوله (( وعنده أم الكتاب )) يعني القضاء ، يعني سر القدر.
    واليهما أيضا الإشارة بقوله تعالى (( وإن من شئ إلا عندنا خزائنه ، وما ننزله إلا بقدر معلوم )) فقوله (( وما ننزله إلا بقدر معلوم )) تعني القدر ، وقوله (( وإن من شئ إلا عندنا خزائنه )) تعني القضاء ، تعني سر القدر أيضا.
    فالقدر منطقة ثنائية ، حيث الخير والشر ، والعلم والجهل ، ولكن القضاء منطقة وحدة ، حيث يختفي الشر ، ولا يبقى إلا الخير المطلق ، عند الله، حيث لا عند . وهذا ما يسمى عند أصحابنا بسر القدر ، وهو أمر لم يكن عندهم مما يصح البوح به ، وذلك مراعاة لحكم الوقت ، وتأدبا بأدبه .
    وهناك سابقتان لكل مخلوق : سابقة في القضاء ، وسابقة في القدر .. فأما السابقة في القضاء فهي خير مطلق لكل الخلائق ، وأما السابقة في القدر فهي : إما خير ، وإما شر ، وأمرها مغطى على الناس ، وقد تدل ، على هذه السابقة ، اللاحقة ، وهي ما يكون عليه الإنسان في حياتـه اليومية من صلاح أو طلاح ، وأمر اللاحقة غير مغطى على أصحاب البصائر ، الذين يعرفون عيوب العمل بالشريعة ، وإرسال الله الرسل ، لكشف اللاحقة ، بتفصيل الشريعة ، وتغطيته تعالى السابقة في سر لوحه المحفوظ ، ألزم عباده الحجة ، وأوجب عليهم العمل بأوامر الشريعة ، ونواهيها ، (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) ولقد قال ، جل من قائل ، في ذلك (( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، ما لهم بذلك من علم، إن هم إلا يخرصون )) .. ما لهم بمشيئة الرحمن من علم ، لأنها مغطية عنهم ، وإنما لهم علم بشريعة الرحمن ، وقد أمرتهم ألا يعبدوا إلا إياه ، وقوله (( إن هم إلا يخرصون )) تعني إلا يكذبون ، وذلك لأنهم لا يردون الأمور كلها لله ، في أمور معاشهم ، وفي كسب أرزاقهم ، وما ردوها إليه في أمر عبادتهم إلا لقلة يقينهم بالآخرة ، إذا ما قيست إلى الدنيا .
    وحين تطلع النفس على سر القدر ، وتستيقن أن الله خير محض ، تسكن إليه ، وترضى به ، وتستسلم وتنقاد ، فتتحرر عندئذ من الخوف ، وتحقق السلام مع نفسها ، ومع الأحياء والأشياء ، وتنقي خاطرها من الشر ، وتعصم لسانها من الهجر ، وتقبض يدها عن الفتك ، ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها ، فتصير خيرا محضا ، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف ، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار.
    ههنا يسجد القلب ، وإلى الأبد ، بوصيد أول منازل العبودية . فيومئذ لا يكون العبد مسيرا ، وإنما هو مخير . ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف ، فأسلمه إلى حرية الاختيار ، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله ، معاوضة لفعله .. فيكون حيا حياة الله ، وعالما علم الله ، ومريدا إرادة الله ، وقادرا قدرة الله ، ويكون الله .
    وليس لله تعالى صورة فيكونها ، ولا نهاية فيبلغها ، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين ، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره ، في كل لحظة ، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه ، (( كل يوم هـو في شأن )) والى ذلك تهدف العبادة ، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال (( تخلقوا بأخلاق الله ، إن ربي على سراط مستقيم )) وقد قال تعالى (( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )) .
    وفي حق هؤلاء قال تعالى (( لهم ما يشاءون عند ربهم ، ذلك جزاء المحسنين )) فقوله تعالى (( لهم ما يشاءون )) يعني هم مخيرون وقوله (( عند ربهم )) يعني مقام العبودية ، لأنه لا يكون عند الرب إلا العبد ، وقوله (( ذلك جزاء المحسنين )) يعني بالمحسنين من أحسنوا التصرف في الحرية الفردية المطلقة ، وذلك باستعمالها في تحقيق العبودية لله ، فإنه تعالى قد قال (( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون )) .
    ههنا منطقة فرديات ، والشرائع فيها شرائع فردية ، والداعية فيها إلى الله، الله نفسه .. يقوم فيها العبد في مواجهة الرب ، وقد سقطت من بينهما الوسائط ، ورفعت الحجب - حجب الظلمات وحجب الأنوار- العبادة فيها عبودية ، والعمل فيها ملاحظة السابقة ، وضبط اللاحقة عليها ، حتى يستقيم الوزن بالقسط، إذ محاولة العبد هنا أن يكون لربه كما هو له ، وهذا معنى أمر الرب سبحانه حين قال (( وأقيموا الـوزن بالقسط ولا تخسـروا الميزان )) فإذا كان حضور العبد مع الرب كحضور الرب مع العبد ، تماما ، فقد أقيم الوزن بالقسط .. وهيهات !! ولا بأس هنا من استطراد بسيط إلى القيمة العملية من العبادة ، ذلك بأن قيام العبد في مواجهة الرب ، وقد سقطت من بينهما الوسائط، تعني اللقاء بين الحادث والقديم ، وقد رفعت من بينهما الحجب ، والحادث هنا العقل والقديم القلب ، وهو ما يعبر عنه أيضا بالعقل الباطن . وهذه الحجب هي جثث الرغبات المكبوتة على سطح العقل الباطن ، بفعل الخوف الموروث ، في سحيق الآماد، من لدن النشأة البشرية الأولى ، وهي (( الرين )) الذي وردت الإشارة إليه في قوله تعالى (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) .
    ولا يمكن أن يبلغ الفـرد الحرية الفردية المطلقة وهو منقسم على نفسه ، وبعضه حرب على بعض . بل لا بد له من اعادة الوحدة إلى بنيته ، حتى يكون في سلام مع نفسه ، قبل أن يحاول أن يكون في سلام مع الآخرين ، فإن فاقد الشئ لا يعطيه . وهو إنما يكون في سلام مع نفسه حين لا يكون العقل الواعي في تضاد، وتعارض مع العقل الباطن ، ويومئذ تتحقق سلامة القلب ، وصفاء الفكر . وبعبارة أخرى ، تتحقق حياة الفكر ، وحياة الشعور ، وتلك هي الحياة العليا .. وتوحيد القوى المودعة في البنية إنما يتم بأن يفكر الإنسان كما يريد ، ويقول كما يفكر ، ويعمل كما يقول ، وهذا هو مطلب القرآن إلينا جميعا ، حين قال ، عز من قائل ، (( يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ؟ * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) .
    وإنما يفض التعارض القائم ، بين العقل الواعي والعقل الباطن عن طريق فهم التعارض القائم بين الفرد والجماعة ، وبين الفرد والكون وقد بينا فضل الإسلام في ذلك ، وهكذا يتضح ان ضرورة فهم علاقة الفرد بالجماعة ، والفرد بالكون ، فهما دقيقا إنما تجيء من الحاجة العملية إلى المنهاج الذي به يتم تحقيق الحرية الفردية المطلقة ، ولا يتم بمنهاج سواه .


    خذوا عنـِّي
    العوض مصطفى
    خذوا عنـِّي
    هنا إنـِّي
    أحبُّ جمالَ أرواح ٍ غدت منزُوعة الضِّـغن ِ
    وحلـَّق فوقها راع ٍ يفـُـكُّ طلاسمَ اللـَّحن ِ
    وراحت تـُنشدُ الدنيا
    ( عُيونك في السُّرى وطني وقلبُـك في الهوى سكني )
    عيونك يا بحارَ العلم ِ تجذبُـني وتجذبني
    عيونك تجْـتلي بدني
    وتسبرُ غورَهُ حسَّــًا يمينَ اللهِ يملؤني
    أنا يا كلَّ أفراحي ويا حسِّي ويا شجني
    أنا يا روحيَ العطشَى من التـِّرحال ِ للسَّـكن ِ
    يمينَ الله يكفيني
    سلامٌ مِنـْـكَ يُدنيني
    وأشهدُ أنـَّـه ديني
    فهل دينٌ سوى الحبِّ وهل فرَّطت في ديني

    1981


                  

05-07-2016, 11:44 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    أخي العزيز الباشمنهدس عاطف عمر محمد صالح
    تحية طيبة
    قرأت مداخلتك في هذا البوست
    Re: الفكرة التي يموت صاحبها قبل تطبيقها فكرة Re: الفكرة التي يموت صاحبها قبل تطبيقها فكرة
    ليت الذين قرأوا البوست هناك يقرأوا توضيحي للمسألة هنا في هذا البوست وفي باب "آراء حرة ومقالات" أسفل مقال الأستاذ خالد الحاج
    قولك التالي يحتاج إلى تدقيق بسيط


    Quote: وأكثر من ذلك فقد ( إستدل ) بهذه القالة الأستاذ سعيد الطيب شايب ( وسعيد شايب هو الرجل الثاني في الفكرة الجمهورية ) استدل بهذه القالة ليقنع مجموعة المستتابين ليتراجعوا عن الفكرة الجمهورية ويحكموا ببطلانها
    ومجموعة المستتابين هذه كانت تضم الأستاذ عبداللطيف عمر حسب الله وعبداللطيف عمر كان من قياديي الصف الأول يعني ضمن أكبر خمسة جمهوريين أيامها ورجل مثل هذا لم يكن من الممكن ألا يكون ملماً بهذه القالة لذلك سهل إقناعة

    الذين أرسل لهم الأستاذ سعيد الدكتور عبد الله النعيم كي يقنعهم بالتوقيع على تعهد يتم بعده إطلاق سراحهم هم الجمهوريين والجمهوريات المحبوسين في محابس الشرطة في العاصمة المثلثة خاصة في القسم الشمالي بأمدرمان وذلك بعد نحو 11 يوم من الثامن عشر من يناير كما أوضح ذلك الأخ الباشمهندس أبوبكر بشير وكان منهم.
    الأربعة المحكوم عليهم هم الذين جرت معهم ما عرف بجلسة الاستتابة وقد شاهدها الشعب السوداني في التلفزيون في يوم السبت 19 يناير.

    ولك الشكر
    ياسر

                  

05-07-2016, 12:50 PM

عاطف عمر
<aعاطف عمر
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 11152

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    تحياتي وسلامات أخي العزيز د. ياسر الشريف
    وعميق شكري للتوضيح المهم

    وهو على أهميته لا يغير كثيراً من ( جوهر المسألة ) المتمثل في ( صحة ) القالة المنسوبة للأستاذ محمود محمد طه
    واقتناع قياديي الصف الأول الجمهوري بها
    واقتناع عموم الجمهوريين الذي تم الإستشهاد بهم بها كما ورد
    بل
    واستخدام تلك القالة بواسطة المرحوم الأستاذ سعيد شايب ( الرجل الأول في الفكرة الجمهورية بعد رحيل الأستاذ محمود ) إستخدامها كـ ( فتوى ) ببطلان الفكرة الجمهورية وذلك لكى ( يقنع أخوانه وأخواته الجمهوريين والجمهوريات المحبوسين في محابس الشرطة في العاصمة المثلثة خاصة في القسم الشمالي بأمدرمان وذلك بعد نحو 11 يوم من الثامن عشر من يناير إقناعهم بالتوقيع على تعهد يتم بعده إطلاق سراحهم كما أوضح ذلك الأخ الباشمهندس أبوبكر بشير وكان منهم. ) وأن من قام بهذه المهمة هو أستاذ القانون بجامعة الخرطوم البروف عبدالله النعيم .
    وغني عن القول أن المرحوم الأستاذ سعيد لم يكن ليفتري على الأستاذ محمود بما لم يقله ، وأن البروف النعيم ( القانوني الضليع ) لم يكن ليمضي في ( أمر قانوني ) كهذا ما لم يكن موقناً بالقالة المنسوبة للأستاذ محمود إبتداءً ومقتنعاً تمام الإقتناع بصحة فتوى الأستاذ سعيد

    ومع كل ذلك فإنه يلزمني أن أتقدم باعتذار لروح الأستاذ عبداللطيف عمر حسب الله ولأسرته ولكل من تأذى من إيرادي لاسمه في مداخلتي التي صححها الأخ العزيز د. ياسر
                  

05-09-2016, 12:53 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عاطف عمر)

    تحية طيبة أخي عاطف وشكرا لك..

    ــــــــــــــــــ

    كتبت اليوم بوستا له علاقة بهذا الخيط ولكني أفضل النقاش حوله هناك حتى نترك هذا البوست لموضوعه ـــ في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين.

    http://sudaneseonline.com/msg/board/490/msg/1462797955/rn/1.html
                  

05-13-2016, 07:59 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

                  

05-15-2016, 09:03 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: عبدالله الشقليني)

    سلام يا عزيزي الشقليني
    وشكرا لوضع هذه المحاضرة وموضوعها المحوري في الفكرة الجمهورية..

    ياسر
                  

09-23-2016, 09:26 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    سلام لجميع الأحبة
    أرفع اليوم هذا البوست بوضع هذه الشريحة وهي لجلسة عقدت في مدينة رفاعة في العام 2006 ومناسبتها الاحتفاء بعدد من الجمهوريين والجمهوريات الذين حضروا من خارج السودان ومن بينهم الأستاذة أسماء محمود محمد طه والأخ دكتور عبد الله أحمد النعيم وآخرين ستشاهدونهم في الشريحة. الجلسة أدارها الأستاذ خالد الحاج.



                  

09-23-2016, 10:04 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في واحدة من القصائد تجري هذه الكلمات:

    هنا والآن نلقى الله وهو أعز عائدنا
    هنا والآن نطوي همنَّا في جنب واحدنا

    هنا والآن فلنحضر لقاصدنا وواجدنا
    هنا والآن فلننصب خيام العبد زاهدنا
                  

09-26-2016, 02:00 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    تحية خاصة للجمهوريين والجمهوريات الذين يتابعون هذا البوست ويهمهم كثيرا إصلاح ذات البين بين الجمهوريين.
    وتحية أخص لكل محبي الأستاذ محمود الذين يتابعون هذا البوست ويأسون لما وصل إليه الحال بين الجمهوريين

    هل ما يجري الآن من خلاف بين الجمهوريين ورمي بعضهم البعض الآخر بتهم مثل تعمد تشويه الفكرة الجمهورية لقاء ثمن هو العمالة للغرب لغرض هدم الإسلام وهدم الفكرة الجمهورية، هل هذا أمر يخص الجمهوريين وحدهم؟ أم يمكن لكل المثقفين الذين يحترمون الفكر الجمهوري أن يشاركوا في إبداء الرأي حوله؟ أجدني مع الرأي الذي يرحب برأي المثقفين الأحرار الذين يحترمون الفكر الجمهوري ويحترمون الأستاذ محمود ويقدرونه. فالأمر لا يخص الجمهوريين وحدهم.
    وأنا أقول قولي هذا أحب أن أوضح حقيقة هامة وهي أن الجمهوريين ليسوا مجمعين على تنظيم يجمعهم جميعا، ولديهم اختلافاتهم التي أحترمها بخصوص مسألة التنظيم والحركة الجماعية المنظمة، بل إن للبعض منهم رأيا حتى في النشاط الفردي الذي يقوم به البعض الآخر منهم في المنابر العامة، إذ يرون أنه لا ضرورة له.

    الأخ الدكتور عمر القراي من التيار الذي يدعو إلى الحركة ويرى أن ما أصاب الجمهوريين من وهن ومن تقوقع سببه غياب التنظيم، وأنهم أهملوا الحوار الداخلي الذي يرى أنه ضرورة حيوية قبل قيام التنظيم وتوحيد الصف. الأخ الأستاذ خالد الحاج له نشاط فردي كبير في تأليف الكتب ونشرها ولكنه يعترض على نشاط الدكتور عبد الله أحمد النعيم بخصوص كتابه الموسوم "الإسلام وعلمانية الدولة"، ويعترض كذلك على مجموعة من الجمهوريين تبنَّت التوقيع على بيان في 2 نوفمبر عام 2013 تحدث عن ضرورة التوافق بين السودانيين على حد أدنى وذلك لإنقاذ السودان، هذه المجموعة تضم الدكتور عمر القراي والدكتور عبد الله النعيم والأستاذة أسماء محمود وقد كنت أنا ضمن الموقعين على البيان. البيان نشر في الراكوبة وفي "حريات" وفي مواقع أخرى. [سوف أضع نسخة من ذلك البيان وأسماء الموقعين عليه من الجمهوريين والجمهوريات في المداخلة التالية].
    الأستاذ خالد الحاج كتب عدة مقالات منتقدا ذلك البيان والموقعين عليه ويمكن لمن يريد قراءتها أن يجدها في إرشيف موقع سودانيز أونلاين باب "آراء حرة ومقالات" أو باستخدام هذا العنوان في محرك البحث قوقل [حول بيان "ما بعد الطوفان"/خالد الحاج عبدالمحمود].
    جرت مؤخرا نقاشات داخلية في دائرة بريدية مغلقة بين الأخ الدكتور أحمد المصطفى دالي والأخ دكتور عمر القراي وقد شارك فيها آخرون لم يكن الأخ الأستاذ خالد الحاج بينهم، ولكن الحوار وصل إليه من آخرين، وهذا ما جعله يكتب خمسة مقالات بعنوان "حول تعديلات د. القراي في الفكرة الجمهورية" نشرت في باب "آراء حرة ومقالات" في سودانيز أونلاين. رد الأخ دكتور عمر القراي بمقالين الأول عنوانه "بيني .. وبين الأخ خالد الحاج !!" ونشر أيضا في باب "آراء حرة ومقالات" في سودانيز أونلاين، والمقال الثاني بعنوان "تعقيب" وهو بمثابة تعقيب على ما جاء بصورة خاصة في المقال الخامس من سلسلة مقالات الأخ الأستاذ خالد الحاج عما أسماه "صور أخرى من التعويق". الأخ دكتور القراي احتج على عنوان سلسلة مقالات الأخ الأستاذ خالد "حول تعديلات د. عمر القراي في الفكرة الجمهورية" وقال أنه لم يكن من حق الأستاذ خالد أن يقوم بالتعليق في منبر عام كسودانيز أونلاين حول وقائع حوار في دائرة بريدية مغلقة، وأنا أرى أنه محق في هذا. ثم أن الأخ دكتور عمر القراي كتب التالي نافيا عن نفسه أن يكون لديه تعديلات في الفكرة الجمهورية إذ قال: ((فأنا لم أدع أن الآراء التي تبنيتها في ذلك الحوار هي الفكرة الجمهورية، وإنما ذكرت أنها فهمي، في مرحلة حيرة !! ولقد كان غرضي من محاورتي لإخواني، ممن أظن بهم المعرفة بالفكرة، أن أطمئن على فهمي، أو أصححه بما أرى من وجاهة في إعتراضهم عليه )). كل هذا الحوار لا غبار عليه ولكن ما جاء من الأستاذ خالد في خاتمة مقالاته الخمس هو الذي أثار البلبلة فقد جرى قلمه بالآتي:

    ((صور أخرى من التعويق:
    وهنالك صور من التعويق، لا يعلمها الكثير من الجمهوريين..
    ما رأي د. القراي، إذا قلت له أن هنالك شخص، من الوسط الجمهوري، سعى بجرأة والحاح لصرف أحد الأشخاص، الذين يساعدونني في كتابة الكتب، صرفه من أن يتعاون معي في إخراجها. هل يصدق الإخوان هذا الأمر!؟ وما هي الحجة التي ساقها ليصرف الشخص المذكور عن التعاون معي!؟ قال له: ما عندو شيء!! يقصد أنني لا أملك شيء من الفكرة.
    وليت الأمر وقف عند هذا الحد.. هنالك ما هو أعجب بكثير.. هنالك من لهم علاقة أمنية، وسعوا من خلال جهاز أمن دولة أجنبية، لمنع عرض كتبي في تلك الدولة!!
    أن نكون مخترقين أمنياً، هذا أمر مفهوم.. ومنذ أيام حكم عبود كانت أجهزة الأمن تتابع نشاطنا، حتى الذي في البيوت.. وكنا نعلم ذلك.. ونحن ليس عندنا ما نحتاج أن نخفيه.. فحتى منشور (هذا أو الطوفان)، كان يناقش في ميدان عام، ولذلك لم نكن نهتم كثيراً بمتابعة أجهزة الأمن لنا.
    وبالطبع تواصلت المتابعة الأمنية، أيام حكم نميري.. ومعلوم أن أجهزة الأمن تجند بعض الأفراد، وتدسهم بين الجماعات التي تراقبها، كأعضاء في تلك الجماعات.. عندما ظهر نميري في التلفزيون، ليؤيد حكم الإعدام على الأستاذ محمود قال بعض الأقوال التي صدرت عني.. فقد قال: المدعو خالد الحاج يقول كذا وكذا.. وكان ما نسبه لي صحيحاً.. وقد ورد قولي المذكور هذا، في جلسة من الجلسات التي تكون بعد صلاة الصبح، بمنزل من منازل الإخوان.. وعدد الأعضاء في الجلسة محدود جداً، وجميعهم معروف لدي، ولدى بعضهم البعض!!
    أما أمر الأمن الآن، فجديد تماماً، فهو يتعلق بالتعويق الذي يتم باسم الفكرة، ومن جهات محسوبة على الفكرة.. وليس هذا هو الجديد، وإنما الجديد هو أن العلاقات الأمنية، هذه المرة علاقات خارج السودان!! ومرتبطة بدول أجنبية!! والواضح أنها تقوم على علاقات امنية بين الدول!! يوظف فيها أمن دولة ليؤثر على أمن الدولة الأخرى، ويسوق الى تنفيذ أغراض معاداة الفكرة، عند بعض الأشخاص!!
    والشخص الذي ذكرته في البداية، وذكرت أنه يتعاون معي في نشر كتبي، كان يعمل في دولة عربية لفترة عشرين عاماً.. ولم تأخذ عليه تلك الدولة أي شيء طوال تلك الفترة.. وفجأة أخذت أجهزة أمن تلك الدولة تلاحقه، وتستدعيه الى مكاتبها!! وكلما سألهم عن سبب استدعائه، وماذا يريدون منه، كان يجيبون اجابة معممة.. اعتبارات امنية!! وحتى النهاية لم تذكر له هذه الاعتبارات.. وقد فهم هو حقيقة الأمر خصوصاً، عندما سئل عن اتصالاته التلفونية، ومن هو أكثر من يتصل به.. وعندما أخبرهم أنه شخصي، أخذوا ينظرون الى بعضهم البعض في تعجب، وكأنهم كانوا ينتظرون أن يخفي هذا الأمر.
    وأخيراً طلبوا منه أن يتعاون معهم ضد جماعة الإخوان المسلمين.. والحوا كثيراً.. وقالوا له أنهم قتلوا استاذك!! فلما رفض رفضاً باتاً، أعطوه مهلة محددة ليخرج من بلادهم.
    يا ترى، ما هو عدد الذين عرض عليهم الأمر، وقبلوا؟!
    نحن نسأل د. القراي، بصفته داعيا للحوار الجاد والهادف: هل ملاحقة الناس في أرزاقهم لها علاقة بالحوار الجاد والهادف؟! هل الحوار له علاقة بأجهزة الأمن؟! قد يقول د. القراي أنه لا علم له بكل هذا الذي ذكرناه.. ولكننا نسأله عن المبدأ، فهو قد أخذ علينا، قلة العمل في نشر الدعوة، وذكرناه بالمعوقات التي تأتي ممن يعملون على تشويه الفكرة، باسمها.. ونذكر له هنا هذه المعوقات الأخيرة، وهي ليست بعيدة عن تلك!!
    من المؤكد أن د. القراي يعرف الشخص الذي حاول أن يصرف من يتعاون معي عن تعاونه.. أما الآخرين، فالغالب أنه يعرفهم.. احتمال معرفته لهم أكثر من 90%!!
    هذا كله من التشويه والتعويق الذي يأتي من الداخل، وقد نبهنا الأستاذ لذلك، منذ وقت مبكر، ولكن كالعادة، لم نكن نظن أن الأمر يصل الى هذا الحد.. ولكن لا ضير " وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ".. ومن خان في السر افتضح في العلن.
    وفي الختام، نطلب من د. القراي، أن يقول رأيه بوضوح، في هذا الذي ذكرناه أخيراً.. وحتى نقفل الباب أمام الالتواءات، نطالبه برأيه من حيث المبدأ!!
    ))
    انتهى
    مقال الأخ الدكتور عمر القراي الثاني نشره في باب "آراء حرة ومقالات" في سودانيز أونلاين ويمكن قراءته أيضا بكتابة هذا العنوان على محرك بحث قوقل العربي (تعقيب: بقلم د. عمر القراي)..
    وأخيرا كتب الأخ إبراهيم عبد النبي مقالا في باب "آراء حرة ومقالات" بسودانيز أونلاين، بعنوان "لماذا يكذب د. القراي؟!؟ بقلم إبراهيم عبدالنبي" يمكن كتابة العنوان والبحث عنه في محرك قوقل العربي.
    الخلافات الفكرية والنقاش حولها لا غبار عليه عليه إذا تجاوزنا مسائل العنف اللفظي، ولكن الإشكال يأتي من مثل هذا النوع من التهم الغير مؤسسة، والتي أصبحت للأسف ديدن الأخ الأستاذ خالد الحاج.
    وبعد أن خرجت هذه الاتهامات إلى العلن نرجو أن يتمكن المصلحون من إصلاح ذات البين ورأب الصدع وتقريب القلوب لعودة الاحترام والمحبة.

    ياسر الشريف
                  

09-26-2016, 02:22 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    ماذا بعد الطوفان؟؟ بيان



    11-03-2013 04:36 PM

    بسم الله الرحمن الرحيم
    "ماذا بعد الطوفان؟؟"
    بيان
    نحيي شهداء سبتمبر / أكتوبر الأبرار، ونترحم على أرواحهم الزكيّة .. ونحيي الشعب السوداني العظيم، على ثالث ثوراته المجيدة، التي نرجو الله ان تُتوّج بتخليص بلادنا من هذا الوضع الذى تسبب فيه نظام الاخوان المسلمين.

    إن الملحمة البطولية، التي قدم فيها الشبان والشابات السودانيين، أرواحهم بأنفسهم للفداء، تضحية جسيمة .. ولكنها لم تذهب هدراً ، وإنما وضعت الشعب على الطريق الصحيح، حيث وحَّدت مشاعره، وحدَّدت أعداءه، وكشفت مضلليه، وأبانت من أضاعوا القضية ومن تاجروا بها، ومن كانوا مذبذبين مرة مع الشعب، ومرات عليه .. وليس وراء الوحدة العاطفية، غير الوحدة الفكرية، التي هي السبيل الوحيد، لإحداث ثورة التغيير. ثم ان هذه التضحية العظيمة تلقي على كل الشعب مسئولية العمل المستمر لتحقيق أهداف الشهداء المتمثلة فى الحرية والديمقراطية والمساواة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

    إن ما ظل يجري لسنوات، من تقتيل أبناء هذا الشعب، وحرق قراهم، وتهجيرهم، وتشريدهم خارج أوطانهم، وضرب واغتصاب النساء السودانيات، وتعذيبهن، وإهانتهن، في جنوب السودان، وفي دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الازرق، ثم ما جرى مؤخراً، من تقتيل طلبة المدارس والجامعات في الخرطوم، وفي مختلف مدن السودان، وضربهم، واعتقالهم، وتعذيبهم، لم يترك لحكومة الاخوان المسلمين، بمسمياتهم المختلفة، أي شرعية. فكيف تقتل حكومة - مهما كانت - شعبها جهاراً نهاراً، ثم ترجو أن تستمر في حكمه ؟!

    لقد تم، فى عهد هذه الحكومة، تدمير منظم، ومتواصل، للموارد الاقتصادية، والمشاريع التنموية، بغرض إفشال أغلب المشروعات الإنتاجية، كما تم بيع أغلب هذه المشاريع، بعد إفشالها، إلى أعضاء الحزب الحاكم، إمعاناً في الفساد، وإهداراً لحقوق المواطنين .. ووظفت عائدات النفط لشراء السلاح، والصرف البذخي على مؤسسات الأمن، وقيادات المؤتمر الوطني، وذويهم، حتى أصبح الشعب السوداني، الغني بموارده الطبيعية، من أفقر شعوب العالم، وتسوَّل كرام المواطنين، الذين كانوا موئل الكرم، ومأوى المحتاج. ثم عجز سائر أهلنا في الريف وفي المدن، عن العيش الكفاف، بالحد الأدنى من الكرامة.
    إن الشرفاء، الشجعان، الذين رفضوا الظلم، وخرجوا في مظاهرات سلمية، ضد حكومة الجوع والفساد، يعانون الآن في المعتقلات، أو في المحاكم، أو يُعذبون في "بيوت الأشباح" .. والمترفون، المفسدون، هم قضاتهم وجلادوهم. وأصبح الوطن الحزين، سجنا كبيرا، تقف على بوابته، عصابة مدججة بالسلاح، صوَّر لها ذعرها، وجهلها، أنها تستطيع أن تقوم ب(قتل ثلث الشعب السوداني) حتى يدوم لها حكمها الزائل !! لقد ذبحت الحرية، وحقوق الانسان على قارعة الطريق، وليست هنالك سيادة لحكم القانون، بل ان القوانين التي تحكم البلاد اليوم، مثل القانون الجنائي الذي يصادر حق الحياة بدعوى الرِّدة، وقانون النظام العام الذي ألهب ظهور النساء بالسياط،لأول مرة في تاريخ بلادنا، لهي أسوأ من قوانين سبتمبر، التي ثار عليها الشعب، وأسقط بسببها نظام نميري !! ولا ملاذ للشعب في القضاء، لأن القضاء قد تم تدجينه، وإخضاعة للسلطة التنفيذية، حتى فقد هيبته تماماً، وأخذ الناس يتحدثون عن أن بعض القضاة، ضباط في جهاز أمن الدولة، الذي فقد مهنيته وأصبح أداة الحكومة القوية، لإجهاض حقوق المواطنين، وتعذيبهم، وتقتيلهم فى الشوارع!!

    لقد بلغ السوء، والضرر حداً لا يقبل معه أي حياد، أو صمت، أو تجاهل، من أي مواطن سوداني، مهما كان توجهه .. ولهذا فإن على الاغلبية الصامتة، من أبناء شعبنا، أن تعبر عن إدانتها بشتى الوسائل، لما يحدث لهذا الشعب الكريم. إن كل تخاذل، أو تهاون، أو انصراف عن هذا الواجب المباشر، يلبس صاحبه ثوب الذل، ولا يبقي له أي قدر من الكرامة الإنسانية.
    إننا أصحاب فكرة عتيدة، ودعوة قاصدة إلى التغيير.. ونزعم أن تلك الفكرة، قادرة على أن تحقق للسودان، مجده وكرامته ورخاءه .. وهي فكرة سودانية المنشأ، وعالمية التوجه، ولكنها حجبت عن شعبها طوال تاريخها، بسبب التشويه والتحريف المتعمد، الذي أثاره حولها دعاة الهوس الديني والتطرف، واستغلوا فيه حرمة المساجد .. ونحن بطبيعة الحال نتطلع إلى اليوم الذي يقتنع فيه شعبنا بهذه الفكرة ويسعى إلى تطبيقها كي يحل مشاكله المستعصية وفقها.. ولكن هذا لا يمنعنا من الإسهام مع بقية أبناء الوطن في إصلاح شأنه الراهن، بالقدر الذي تسمح به المعطيات والظروف، ويمكن للشعب أن يتجاوب معه، في هذه المرحلة الهامة، من مراحل تطوره .. ثم إن نظرنا إلى غايتنا النهائية، لا يزال قائماً في كل حين. ومن أجل ذلك، فإننا نحب أن نؤكد الآتي:

    1-السودان بلد واسع، متعدد الاديان، والثقافات، والاعراق، وهو لم ينصهر حتى الآن، بصورة تامة، في وحدة قومية حقيقية، تجعله أمة واحدة الهوية والشعور. ولهذا فإن من أكبر ما أدى الى الوضع السيئ الذي تمر به بلادنا، الفهم الإسلامي، الإقصائي، المتخلف، والتعالي العنصري البغيض. وليس هنالك من سبيل يراعي ويحترم هذا التنوع، ويتجاوز هذين المأزقين، إلا إقامة نظام حكم ديمقراطي، يقوم، الآن، على أساس فصل الدين عن الدولة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بمرجعية إنسانية، تحكمها المواثيق الدولية. فلا بديل عن الديمقراطية، التي تصاحبها التوعية، حتى يظهر للناس كيف ان الديمقراطية ضد الدكتاتورية، وضد التعصب، وضد العنصرية، وضد الطائفية.

    2- ثم لابد من حماية الديمقراطية، بإشاعة المنابر الحرة، التي يحميها وينظمها القانون .. وتسخير كافة وسائل الإعلام، لتطرح فيها، وجهات نظر الأحزاب، والتنظيمات، والجماعات، والأفراد، حول المفاهيم الاساسية، ويتم فيها الحوار بين كافة الكيانات، في جو معافى، ويستمع إليه الشعب بمختلف فئاته، ويتابع ويدعم هذه المنابر، حتى ينشأ رأي عام حر، مربى على الوعي، وبعيد عن الهوس والتعصب، وذلك لأن المؤسسات لا تحمي الديمقراطية، وإنما يحميها وعي الشعوب. ومن هذا الصراع الفكري الحر، ستجيء الفكرة الأمثل، وستلتف حولها الأغلبية، فيكون بها النظام المنشود.

    3- لقد تم فصل الجنوب نتيجة استفتاء، ولكن ما سبق الاستفتاء، من تنفير منظم، من حكومة الإخوان المسلمين، للإخوة الجنوبيين، يعتبر مؤامرة استهدفت الشمال والجنوب معاً.. لذلك نرى أن يفتح الحوار الشمالي الجنوبي، بهدف عاجل هو حل كل المشاكل العالقة بين البلدين وهدف آجل هو النظر في إعادة وحدة البلاد.

    4- إن ما لحق بالوطن من دمار، وتمزق، لن يزول بزوال النظام .. وإنما يحتاج لتضافر كل الجهود، وكافة الإمكانات، كما يحتاج للصدق، والتجرد، والاخلاص .. فمهمة الثوار لا تنتهي بزوال سلطة "الانقاذ"، بل تستمر حتى تقيم الصلاح مكان الفساد .. ولهذا، فإن القوى التي تشارك في التغيير، هي صاحبة المصلحة الحقيقية فيه، وليس الزعامات التقليدية، التي نأت بنفسها عنه. وهذه المجموعات المختلفة، المشاركة بفاعلية في التغيير، هي التي يجب ان تباشر طرح البدائل، والحوار حولها حتى يتم التغيير المنشود.

    إننا نضع أيدينا في أيدي كل الحادبين على هذا الوطن، الساعين لخلاصه، وإصلاحه .. ولكن لا يكفي ان تصدر كل جماعة بياناً، وإنما يجب ان تسعى هذه الجماعات المختلفة، لتتحاور مع بعضها البعض، وتصل الى مبادئ عامة، يمكن الإتفاق حولها وتطبيقها، للحفاظ على الوطن وتغيير الحكومة الحالية بحكومة تمثّل كافة الشعب وتعمل بوعى لتحقيق غاياته. هذا وعلى الله قصد السبيل.

    صدر هذا البيان في اليوم الثانى من نوفمبر عام ألفين وثلاثة عشر بتوقيع الأسماء التالية من الجمهوريين:

    أسماء محمود محمد طه
    عبد الله أحمد النعيم
    عمر أحمد القراي
    بدر الدين عثمان موسى
    ياسر الشريف المليح
    أبوبكر بشير الخليفة
    عبد الله عثمان بابكر
    صلاح أحمد فرح بابكر
    بابكر الطاهر بابكر
    بثينة عمر تروس
    إلهام صالح
    صلاح الدين موسى
    دعاء صلاح الدين
    محمود صلاح الدين
    نجدة المبارك محمد الحسن
    محمد علي عبد الرحمن
    ياسر بشرى محمد أحمد
    صبري الشريف
    صلاح الدين حميدة الفكي
    الحاج البشير نور الدايم
    مصطفى الجيلي
    حنان الأمين عبد الغفار
    إسماعيل علم المهدى
    عبد الرحمن الضريس
    عوض الله أحمد محمد الفادني
    محمد الفضل محمد الأمين
    هدية عبد الله سليمان
    إلهام أمير
    محمود خيرى احمد
    لطفى أحمد عمر
    عائشة عبد الرحمن العوض
                  

10-11-2016, 02:56 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    كتب الأستاذ خالد الحاج مقالا نشر بتاريخ البارحة 10 أكتوبر 2016، في باب آراء حرة ومقالات في سودانيز أونلاين عنوانه: " العلم والإيمان (1ـ3) بقلم خالد الحاج عبد المحمود" يهمني منه هذه الجزئية فقط:

    ((أصحاب العبارات أعلاه، [والمقصود بهم الدكتور عمر القراي والأخ أبو بكر بشير الخليفة] على جهلهم الفاضح، هم أفضل بكثير من د. النور محمد حمد، الذي وصل إلى درجة من السوء ما عليها من مزيد، حيث قال: "أنا بفتكر ما عادت في فرصة للدعوة.. يعني الدعوة للعقيدة، أو لأي فكرة دينية هي من التاريخ.."!! ونحن لنا عودة إلى مناقشة هذا الزعم الممعن في الغرور والسطحية.. فصاحب الزعم رغم أنه تحدث حديثاً مطولاً، إلا أنه لم يورد أي دليل على قوله.. ونحن يعنينا زعمه هذا هنا، في مجال ارتباط الفكر بالعقيدة والعلم.))
    رابط المقال:
    http://sudaneseonline.com/board/7/msg/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%281%d9%803%29-%d8%a8%...8%af-1476075489.html
    واهتمامي بهذه الجزئية يرجع إلى أنني أريد التعليق عليها بما يصب في مجال إصلاح ذات البين بين الجمهوريين، وهو عنوان هذا الخيط الذي افترعته منذ شهور. في البداية لا بد لي أن أعتب على الأستاذ خالد الحاج في أنه وضع هذا النص من كلام الأخ الدكتور النور محمد حمد من غير أن يشير ولا حتى إشارة إلى مصدره، ومتى وأين قيل، حتى يرجع القارئ ويتحقق منه أولا ثم يحكم لنفسه. وأنا من جانبي لا أريد أن أدافع عما يقوله الأخ النور، فربما أتفق معه هنا وأختلف معه هناك، وإنما يهمني إثبات مصدر القول ومناسبته بتفصيل يفيد في توضيح المسألة وتقريب وجهات النظر التي أرى أنها بالفعل قريبة من قريب فإلى القصة.
    في يوم السبت 30 يوليو 2016 استضاف منبر السودان الديمقراطي، واشنطون دي سي، الأخ الدكتور أحمد المصطفى دالي في حوار حول حقيقة المنظمات التي تزعم تمثيل المسلمين في أمريكا، مقر الفعالية كان في Mason District Goverenmental Center في واشطنون. الحوار وضع في اليوتيوب بتاريخ 16 أغسطس 2016، ويمكن مشاهدته هنا لمن يريد:



    جاءت مداخلة من البروفيسور سكر كانت في الموضع 49 دقيقة من التسجيل واستمرت حتى موضع ساعة وبضع ثواني من التسجيل، سأضعها في هامش رقم 1 أسفل هذه المداخلة، ثم عقَّب عليها الأخ الدكتور دالي من الموضع ساعة وحتى الموضع ساعة و 10 دقيقة من التسجيل تقريبا، سأضعها كتابة في هامش رقم 2 بالأسفل أيضا. ثم جاءت مداخلة الأخ الدكتور النور محمد حمد في الموضع ساعة و 11 دقيقة من التسجيل، وسأقوم بوضعها في صيغة كتابة هنا في متن المداخلة، مع التنبيه إلى أن ما أضعه بين قوسين مربعين [..] أو هلالين (...) هو دائما تحرير مني للتوضيح إذ أن الكلام بالدارجية السودانية طبعا، أو ترجمة لمصطلح أو جملة ذكرت في المداخلة باللغة الانجليزية.
    ((

    النور: عجبتني مداخلة بروفيسور سكر واعتقد أنها طرحت قضايا أساسية وجوهرية.. وبرضو بفتكر أنه نحن الناس الاشتغلنا مع الأستاذ محمود وقعدنا معاهو فترة طويلة بنحتاج نعيد النظر في رؤيتنا.. وبنحتاج أننا نزاوج التغيرات التي جرت في 25 أو 30 سنة الماضية مع خلفيات فكرتنا.
    ...
    أنا بفتكر ما عاد في فرصة للدعوة.. يعني الدعوة للعقيدة أو لأي فكرة دينية هي من التاريخ.. ويجب أن يكون في فصل تام بين العمل السياسي والعمل الدعوي.. دا هسع الوصلت ليهو ناس الغنوشي.. يعني قد يكون فيهو بعض الشوائب هنا وهناك واضطروا ليه اضطرار وانزنقوا ليهو لكنهم في النهاية مشوا فيهو لأن الاتجاه بقى واضح جدا.. أنا بفتكر إنك إنت تمسك القيم، يعني زي كلام دالي القالو دا. إنت داعي للاشتراكية وللديمقراطية أطرح نفسك كحزب اشتراكي ديمقراطي، واستبطن القيم الجاياك من فكرتك الدينية.. ما ضروري تعملها banner (يافطة).. خلي الناس يمشوا على القيمة دي.. مثلا، عشان الصورة دي تكون أوضح: الأستاذ محمود لمن كتب "أسس دستور السودان" في سنة 1954 والكتاب تاني أعيد طبعه في سنة 68 قال أنه "الحزب الجمهوري لكل سوداني وسودانية بلغ من العمر 18 سنة".. لا قال مسلم، ولا قال مسيحي، ولا قال أي حاجة.. لأنه دا حزب سياسي.. إذا إنت ما عايز core (نواة) ـ قد تكون عايز ليك core بتاع قيادة، وأنا بفتكر أنو نحن كجمهوريين، أو على الأقل بعضنا خلطوا بين فترة الإعداد الأعداها الأستاذ محمود لينا كدعاة وبين صورة المستقبل الذي ينبغي أن يكون عليه الحزب.. يعني نحن دُربنا تدريب ديني - وهو تدريب قادة - وانت في أي عمل داير تكون عندك leadership (قيادة) - ال leadership أساسية.. إنت ما بتحرِّك بال masses (الجماهير).. ال masses بتديك صوتها لكن بيكون عندك elites (نخبة).. ديل البيكونو ال key people (الناس الأساسيين) البيعملوا ليك ال transformation (التحول) من حالة لي حالة.. فالعمل عمل سياسي في الأساس..
    بعدين أنت ما بتترك المسائل في الفراغ يعني أن نقول مثلا نحن حندعو الناس دعوة دينية.. يكون عندنا جمهوريين ماشين على ال model (النموذج) العملو الأستاذ مع ال core (النواة) الصغير الاشتغل معاه دا مثلا من سنة 51 لغاية 85.. دا ما بيحصل.. دا فكر مثالي جدا جدا.. بيحصل انك تكسب قطاع كبير من التعاطف لمن تجي في انتخابات وعندك برنامج انتخابي محدد.. الناس ديل يدوك أصواتهم لأنه شافوا فيك قيم.. انك انت transparent (شفّاف) ما قابل للفساد.. dedicated لل cause (مخلص للقضية) العام بتاع الناس ودا الشيء المطلوب في حقيقة الأمر.. ما بفتكر أنو ضروري فعلا نحن نقدم نفسنا...... في [هناك] إشكالية حقيقية.
    برضو بالمناسبة ما ننسى التاريخ.. بروفيسور سكر نبهنا للتاريخ.. البيحصل في الشرق الأوسط دا ما جديد.. دا الحصل في أوروبا من القرون الوسطى لحدى الثورة الصناعية لحدي ما جات ثورة مارتن لوثر وحصل ال transformation وحصل ال separation between state and church (الفصل بين المؤسسة الدينية والدولة) يعني.. نحن موش راح نعيد اختراع العجلة.. ما افتكر نحن راح نجترح وضع جديد بيهو نرجع الدين يبقى هو central (مركزي) لحياة الناس.. الدين للأفراد.. يعني يمكن يكون التنظيم عنده خلفية دينية - زي الجمهوريين - لكن ما تعلن عنها كأنها هي خلفية دينية - أعلن عنها كقيمة عصرية مقبولة عند الناس..
    برضو من الكلام القالوا الأستاذ محمود محمد طه مثلا أنه "أنا ممكن اتبع غير المسلم" - دا كلام قاله الأستاذ بنفسه - إذا هو متحقق بالقيم الرفيعة، ما بهمني أنه هو شنو مسلم أو غير مسلم، بتهمني النتيجة.. إيه هو محقق. نحن بالصورة دي كدة بنكون جبنا الإسلام للنطاق الإنساني.. ببقى هو مجرد خلفية زي الخلفية زي مثلا ما تقول الحزب الديمقراطي المسيحي في Germany (ألمانيا) الناس ديل هنا الآباء المؤسسين خلفياتهم خلفيات مسيحية.. ولا زالت البلد دي الـ creed العقيدة الواقفة وراء كل العمل دا هي روح مسيحية، لكن ما جاءت بالتفاصيل لتتحكم في حياة ..... لأنك إنت مجرد ما دخلت في موضوع النصوص دخلت في إشكالية وفي Dilemma (جدلية) كبيرة جدا جدا. لأن النصوص دايرا interpretation (تفسير وتأويل) والتفسير هو رأيي ورأيك، لأنو النصوص مرات بتكون crude (خام) إنت بتلطفها بالتأويل. التأويل هو فكري وفكرك. فبيبقى الحل في النهاية هو العقل، هو العقل الإنساني وليس هو النص.. النص إنت لابد أنك تتجاوزه إما بالتأويل أو بأن تقول مثلا انتقلنا من نصوص فرعية لنصوص أصلية - حتى النصوص الأصلية ذاتها يدخل فيها التأويل - التأويل لا ينتهي.. ولذلك نمشي للخلاصة.. الخلاصة هو العقل.. يعني العقل الصافي والقلب السليم.. إذا إنت رابط نفسك بالقيم العليا، بحقوق الناس، ومتخلِّق بالأخلاق البتخليك إنك تكون فعلا قائد وأنك تكون زاهد وأنك تكون حريص على صلاح أمر الناس زي ما حريص على صلاح أمر نفسك، دا الوقت البتجي فيهو القيادة اللي بتكون يعني تلهم الناس في أنو هم يجترحوا تغيير
    ...
    أنا بفتكر برضو أنه التغيير اللي جاي ما راح يجي بالصور اللي نحن نتصوره بيها.. ما عاد الان لقطر يمكن أن ينهض بنفسه.. يعني ناس الخُضر وناس رالف نادر وناس بيرني ونحن الجمهوريين وغيرنا من الناس البيحلموا بدولة بنفكر بطريقة واحدة. التحكم الآن جاي من الرأسمال، ومن العولمة اللي هي الرأسمالية دايرة تتمدد في العالم تسيطر عليه زي ما سيطرت على أمريكا. يبقوا كل الناس عندها أقنان، دي هسع مشت خلاص، الرأسمالية بقت قاعدة في السودان أو قاعدة في الخليج أو قاعدة في أي دولة من الدول، هي مش رأسمالية وطنية، هي مرتبطة بمصالحها مع الـ core (المركز) اللي هو موجود في الفضاء الغربي. ولذلك هم قاعدين هناك وكلاء للنظام الموجود هنا. فبيبقى الحل دا حل كوكبي وليس حل جزئي. يعني لو إنت داير تتحرر من الدين البنك الدولي ما بيخليك، لو عايز تنمية ما بتحصل تنمية، لو عايز تنافس في السوق دا ما بتحصل منافسة. ما يقول ليك ناس البشير يعملوا إنتاج زراعي و... دا كلام ساي نظري. الواقع العملي لا يسمح للدول إلا في حدود ضيقة جدا. في الحدود اللي هي بتحصل هنا. يعني النموذج الماليزي النموذج الما [بعرف إيه]، حصلت نجاحات، البرازيل إلخ، هي دخلت في البنية دي، في البنية الرأسمالية، سُمح ليها ببعض الشيء لكن بتلقى الـ masses (الجماهير) فقيرة، سواء في الهند أو في البرازيل أو في ماليزيا. حتى في أمريكا نفسها صاحبة القدح المُعلَّى في الموضوع دا، 45 مليون شخص ليس عندهم health insurance (تأمين صحي). كل الناس from hand to mouth (من الإيد للخشم، أو من الشُمَّارة للخُمَّارة).. يعني بتشيل المرتب بي جاي وبتشيلو تكتبو فواتير للناس بي هنا. وتقعد بعد داك تناضل وحياتك كلها لهثي وإرهاق وأنك إنت ما عايش كإنسان. إنت جاري بس، جاي بس to survive (لتحيا) لحدي ما تقع تموت. فبيبقى الحل دا حل كوكبي، يعني هناك إشكالية حقيقية. ولذلك انت لمن تَصْدُر من مصدر في الشرق الأوسط وتقول ليهم أنا عندي خلفية دينية أو أنا عايز أكلمكم عن الدين الإسلامي أنا ما افتكر في حد بيسمع ليك.. هسع في السودان نفسه أنا أفتكر الكلام عن الدين بقى صعب جدا.. ولحسن الحظ، أنو الجماعة ديل حرقوا لينا الكرت بتاع الهوس الديني.. تاني مافي زول بيجي يتشدق زي ما قال فيصل لحسين خوجلي.. قال ليهو تااااني يا حسين.. حسين خوجلي قال لسه الإسلاميين لم يحكموا.. الحكموكم ديل ما الإسلاميين.. فالناس بقوا ما بيسمعوا الكلام الزي دا.. ما في فرصة زي دي.
    في أمور تانية بتتعلق بدعوتنا نحن.. يعني تجربتنا ننظر ليها.. أنا ما بفتكر نحن كجمهوريين رايحين نلقى قائد أفضل من الأستاذ محمود there is no way ( مافي طريقة) أنا ما شفت في حياتي زول consistent (متسق) زي الأستاذ محمود، في كل تفاصيل حياته اليومية، يعني من تصبح لمن تغيب الأستاذ محمود دا عنده سمت واحد ونهج واحد وطريقة.. يعني أنا ما شفت إنسان يقظ يعني، وعشت معاه وبعرفه عرفة بتاعة 15 سنة.. إنت ما بتقدر to replicate (تكرره) مع هذا حركتنا دي استمرت من 51 بعد الأستاذ أعلن الفكرة بصورتها دي لحد 85، النهاية الشفناها ياها دي.. كل الناس النحن حصلناهم بضع مئات.. والأستاذ إنتهى الى منصة الإعدام.. فيبقى أنه البيئة دي ما بيئة صالحة لدعوة.. ولا يمكن نحن نجري وراهو ونمسك النهج دا نفسه ونعيد التجربة دي تاني.. التجربة دي مفروض ننطلق منها لتصور جديد في أن نمد جسور للناس ونتمسك بالقيم البتخلينا كلنا نعيش مع بعض..
    يعني ما بتقدر تعمل عمل دعوي.. لا بتقدر تقدم له النموذج ولا بتقدر تقدم له التضحية ولا بتقدر تقدم له التحقيق.. ما بتقدر تعمل دا. فبيبقى الصورة أن الكلام في الناحية دي بيبقى إدعاء ساكت.. فببقى الوضع الوحيد الإنت يمكن أن تعمله هو تمد الجسور للناس.. تستبطن القيم العليا دي وتعرضها في شكل برنامج وتعمل في الحياة اليومية.. يعني ما تتعالى على الواقع.. تعمل مع ناسك.. ديل ياهم ناسك.. ياهم ناس "نداء السودان" وناس ما بعرف ايه و"الجبهة الثورية".. قايم وقاعد بتعمل في الحدود البتقدر [عليها]، ولأنه التغيير بيجي عن طريق الاحتكاك اليومي.. مافي فكر أنت بتطرحو نظريا بعدين الناس كلهم يقتنعوا بيهو بعدين يبقوا [يصبحوا] طاقة للتغيير.. لمن تجي النقطة الهناك ديك. لا. دا عمل في الحراك اليومي، من خلال الحراك دا الوعي بيزداد، من المحاككات دي. دا عند الشيوعيين مفهوم، موضوع النضال اليومي دا يعني، هو صحيح حقيقة. وهسع الناس شغالين كلهم كدا. الـ activism (النشاط) في كل العالم شغال كدا، إذا كان ناس خضر ناس بيئة ناس كدا ناس كدا، (إلخ) بيشتغلوا في حراك يومي؛ منظمات حقوق الإنسان، طوالي يرسِّلوا ويكتبوا و.. (إلخ)
    ...
    فنحن نكون Activist (نشطاء)، مستبطنين قيمنا.. موش مجرد أننا عايزين نصب الناس في قالب.. الناس ما حيكونوا في قالب.. الإسلام ذاتو ما داير الناس يكونوا حاجة واحدة.. يعني (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة).. فالشاهد أنه العالم متنوع جدا لكنه ماشي للمفاهيم الإنسانية، متقارب مع بعض.. الناس أقرب لبعض من أي وقت مضى.. وجاءت الوسايل بتاعة التواصل الاجتماعي وثورة المعلومات لتجعل الكوكب متقارب من أي وقت مضى.. ولذلك بتبقى فرصة تجميع الناس على الفضاء الإنساني من غير أن تجلب معاك انت ال baggage (الحمولة) بتاعك.. لأنه ال baggage بتاع الإسلام دا controversial (مثير للجدل) يا جماعة.. زي ما قال د. سكر يعني السيرة دي فيها مشاكل حقيقية.. مشكلة الناس لأنهم ما بيقروا.. بيكلموهم كلام بسيط.. لكن لو الإنسان بيقرأ بينفر من الإسلام.. لو بتقرأ السيرة حقيقة حتنفر من الإسلام.. والداعية البيجي يحاول يقنع الناس بالإسلام حيجد مشقة عظيمة جدا.. وبعدين التجارب في (موجودة)..
    بعدين ننظر برضو للشرق الأوسط.. ليه البؤرة دي هي البؤرة الوحيدة المتخلفة في كل العالم.. ليه؟ ليه الهند ما متخلفة.. البوذيين.. الكونفوشيوسيين.. المسيحيين.. ليه بالضبط الحتة البين إيران دي وبين المغرب؟؟ دي الخالقة الاشكالات؟ متخلفة في التعليم.. متخلفة في التنمية.. الدول العربية كلها الناتج الاجمالي بتاعها أقل من أسبانيا اللي هي أفقر دولة في اوربا.. بالخليج دا وبكل قروشه دي.. كل الدول العربية دي أقل من اسبانيا وحدها.. دا لأنه في مشكلة في العقول.. المشكلة دي سببها ديني بالمناسبة..
    الثورة الدينية ضرورية وال reform (الإصلاح) ضروري لكن جرجرته لموضوع السياسة بالشكل الدعوي راح يرهق الدعوة وبيجعلها تتراجع يعني بتتبدد.. الطاقة دي راح تتبدد.. إلا إذا الناس قدروا يمدو الجسور..
    فكرتنا نحن ذاتها، الفكرة الجمهورية، فيها حاجات كثيرة جدا controversial والجمهور ما بيقبلها.. ولو كان ممكن يقبلها كان قبلها على عهد الأستاذ.. لكن موش معناها.. أنا افتكر الأستاذ قال أشياء عظيمة جدا وهو مفكر من كبار المفكرين الظهروا في القرن العشرين.. بالذات لأنه مشى لإشكالية الأخلاق، اللهي دي الفكر العلماني حتى فيما بعد الحداثة ما طرق الموضوع دي بالشكل دا.. لكن الأستاذ لمَّ (جمع) حاجة كثيرة جدا، لأنه هو في بيئة بتتعامل بالنصوص، اتعامل معاها بالنصوص.. ودا كان بحكم ال context (الإطار) واللحظة التاريخية.. ما بفتكر نحن في اللحظة دي مفروض نعيد انتاج نفس الموضوع دا من جديد.. لا.. لازم نخرج منه إلى فضاء أكثر رحابة وأكثر عملية.. وأكثر سيولة ونبعد من اليافطة - يافطة الإسلام دي ما تجرها.. استبطنها.. استبطن القيم الإنت بتؤمن بيها.. ناقش بيها ناسك.. لكن ما تعرضها up front [مباشرة] في الواجهة.. فيها مشاكل كتيرة جدا وبتعوق..
    شكرا جزيلا

    تداخلت الأستاذة إيمان وسألت الدكتور النور سؤالا حول كيف يتم مد الجسور التي تحدث هو عنها والنظام في السودان لا يسمح بذلك.

    تعقيب النور:

    أشكرك أنك ذكرتيني نقطة مهمة جدا اختمرت في ذهني لكن فاتت علي مع الكلام الطويل. أنا برضو مع بروفيسور سكَّر، في أنك إنت ما بتقدر تتجنَّب إقامة دولة علمانية. ما في طريقة تتجنبها. يعني ادعُ إلى أي شيء. أنا بفتكر إنو الدولة جهاز بيروقراطي، محايد، إنت ممكن to inject (تحقن) في الدولة مفاهيمك، كان [سواء] جبتها من القرآن، جبتها من الإنجيل، جبتها من الفلاسفة القدامى، جبتها من أي يوتوبيا، ممكن تحقنها في الدولة، لكن الدولة هي جهاز لتنظيم شئون الناس. ولذلك إلصاق بطاقة دينية عليها أنا بفتكر إنو irrelevant (لا علاقة له بالموضوع). ولذلك في وضعنا الفي السودان دا، في وضعنا الحالي دا، مع التجهيل [الحاصل دا]. يا جماعة في حاجة نحن ما ننساها. الجماعة ديل رجَّعوا عقارب الساعة في السودان أكتر من خمسين سنة. يعني النقطة النحن كنا فيها في 1989 نحن رجعنا منها تاني لوراء إمكن خمسين سنة. يعني لاحظوا للسودانيين إتغيروا كيف؟ شوفوا الثفنات الهنا [وأشار إلى جبهته]، شوفوا العزبات شوفوا الجلاليب، شوفوا الخِمارات والإسمها إيش، يعني، وبعدين شوفوا حاجات القرآن والحوقلة والبسملة، وما في أخلاق بملِّيم في الشارع. الخرطوم دي غااابة. السواقة غابة، السوق غابة، أي شيء غابة، الألفاظ ذاتها تدنت، اللغة بقت ضعيفة، القدرة على التعبير، الفن تدنى، أي شيء تدنَّى. يعني حصل انحطاط لا يُصدَّق. Reversal (انقلاب ورائي) لأي قيمة اكتسبناها نحن من مجيء الانجليز لحدي الاستقلال ولحدي ما بعد الاستقلال إمكن بعشرة عشرين سنة. لذلك في [هناك] إشكالية. يعني الدولة العلمانية بتدي فرصة لي أنك إنت تتنفس. صحيح ما حتجيك إنت من الأول؛ حيجوك ناس ملولوين وحيجوك ناس من الطائفيين يستغلوا الديمقراطية، زي ما استخدموها يعني طلعوا الحزب الشيوعي وعملوا محكمة الردة، وعملوا كدا (إلخ)، دا كلو بيحصل، لكن على أي حال النظام العلماني بيديك فرصة أنك تشيل وتخت. وأنك تعمل reform process (عملية إصلاح). لكن النظام الـ totalitarian (الشمولي) وخاصة إذا بقى ديني، بيكمم، وبياخد منك الجمهور، لأنو الجمهور بسيط والجمهور أمي. نحن إشكاليتنا إشكالية معقدة، لذلك أنا بفتكر كدا، بفتكر إنو الجمهوريين يشتغلوا مع بقية القوى في أننا نحاول نصل إلى دولة يعني نتقاسمها كلنا. وكل زول يكون عندو فيها equal representation (تمثيل متساوي) وعنده فرصة ليقول رأيه ويرفع للقضاء ويشتكي ويعمل ويناضل. التغيير ما بيجي Lump sum (دفعة واحدة). بيجي process (عملية تراكمية) .

    آسف للإطالة.

    هامش 1: مداخلة البروفيسور ابراهيم سكر:
    شكرا جزيلا. شكرا للأخ دالي ، ونحن فعلا سعدنا اليوم أنو أكملنا ما سمعناه المرة السابقة من الأخ القراي، وزي ما أنا اتكلمت برضو في الندوة السابقة وقلت إلى أي حد يعني عندي admiration [إعجاب] للفكر بتاع الأستاذ محمود، وبفتكر فيهو كتير مما يمكن يحل الأزمة بتاعة المسلمين. المسلمين في محنة، القضية كبيرة جدا؛ والقضية ليست السودان، وليست شكل الدولة في السودان ولا حتى الديانة الكبيرة الإسمها الإسلام دي، فيها 1500 مليون، بالنسبة لي أنا كطبيب : في مرض عايز ليه علاج. اللي هو يسموهو الإصلاح. المشكلة بتاعة الإصلاح بالنسبة للدين الإسلامي متعقدة، معقدة. معقدة لأنو الدين الإسلامي ما فيهو Government per se [حكومة بهذا التحديد]. ما فيهو كنيسة. يعني المسيحيين دخلوا في الأشياء دي كلها. استخدموا الدين لأي حاجة عشان يفسروا بيهو كل شيء: العلم، السلطة، الغيرو؛ اللي هو هسع دا بالضبط دي اللحظة الواقفين فيها المسلمين. يعني كأنما يستجلبوا العصور الوسطى زي ما هي وبيعيدوا في إنتاجها قدام عيوننا، كل الحاصل دا نحن شايفينوا قدام عيونا. في المسيحية الموضوع كان أسهل إصلاحو [إصلاحو أسهل] لأنو في Governence في حوكمة ، جهاز بتاع اللي هو الكنيسة دي. بمجرد ما انقسمت الكنيسة وبدأ الحوار وغيرو وصلوا لأشياء هي اللي قدمتهم لي قدام. من الأشياء المهمة جدا في تقدم الغرب وانعتقوا من أسباب التخلف بخلط الدين وشبك الدين مع السياسة هو العلمانية أو فصل السياسة من الدين. العلمانية لا تعني إنو الناس يكفروا أو إنو إنك تمشي تقيم ليك منابر عشان تسب الأديان؛ لأ. لم يقوم الفكر العلماني على ذلك. الفكر العلماني أو التطبيق العلماني اللي هسع نحن بنشوفو إنو الدولة بمسافة واحدة من جميع الاعتقادات المواطن اللي هو نفس الكلام اللي بقولو الأخ [دالي] اللي هو يعني حكم الشعب للشعب ولمصلحة الشعب، والأفكار دي بتاعة الديمقراطية، والديمقراطية الليبرالية، لا يمكن أن تتم في وجود، يعني خلينا من الديماغوغية السياسية واستجداء الدين ، واستجداء وخلط الأشياء وما شابه ذلك. واحدة من المشاكل الوقفت أمام التغيير في الإسلام هو موضوع الـ Absence of Government [غياب الحكومة]. لكن في إشكالية تانية: إنو المسلمين جايبين كل، منذ أن جاءت عصور الانحطاط ، أتوا بالجمل بما حمل ودا كلو مسكوهو قدسوهو، وأنا بفتكر الجمهوريين قدموا مساهمة كبيرة جدا لحل الإشكالية دي. اللي هي في التفريق بين القرآن المكي والرسالة السرمدية للإسلام والتطبيق اللي تم في القرن السادس. وهذا يمكن.. ودي مشكلة.. هو في الحقيقة هسع أنا قلت إنو الـ Holy Grail [الكأس المقدسة] الـ "هولي قريل" هو بالنسبة للمسلمين الآن ، لو وصل الفهم دا ، وأتختَّ [وُضع] والتدين بتاع المسلمين وتفكير المسلمين مشى في هذا الاتجاه، لحلَّت الكثير جدا من المشاكل بتاعة العالم الإسلامي الهسع، يعني مخلية الزول ما شايف ليهو حاجة والله يحتفل بيها ويقول أنا مسلم أو جاي من دول إسلامية. المساهمة بتاعة الأستاذ محمود محمد طه دي بتضيع لمن [عندما] الإخوة يقدموا لينا الطرح الجمهوري المتكامل إنو عايزين الـ Magic Bullet [الرصاصة السحرية أو عصا موسى] تحل كل المشاكل. بما فيها العدالة الاجتماعية بما فيها ... بما فيها... بما فيها. في التدين يمكن أن تفصل بين السياسي والعمل الديني. في العمل الديني هذه رؤية متقدمة للإسلام. ويمكن للإخوة الجمهوريين أن يقنعوا بيها المسلمين. لكن لفك الاشتباك في الحياة العامة وفي السياسة لا بد للإخوة الجمهوريين أن يتقبلوا الفكرة ديه، بتاعة إنو بُعد السياسة عن الدين. وبعدين أنا حأضيف حاجة تانية. الإسلام ليس فيه دولة. والأستاذ [دالي] برضو اتكلم عن موضوع الشورى. الإسلام، الشواهد بتقول إنو كانت في ما يسمى مجتمع المدينة أو دولة المدينة، كان فيها رسول! وكان يعني يوصل للناس الأشياء البتجيهو من السماء وما تفسير الدين وأقاموا المجتمع بتاعهم. ولكن في دولة المدينة لم تؤت مؤسسات، ما كان في قائد بتاع جيش دائم، لم يكن هناك قضاة دائمين، ودا مش لأنهم ما كانوا بيعرفوا؛ العرب يعرفون ذلك، جنبهم الفرس وجنبهم الرومان. ولكن لم تكن هناك دولة. مات الرسول صلى الله عليه وسلم واختلفوا وتصارعوا، وحصل اللي في السقيفة وحصل ما يقال بين عمر بن الخطاب والسيدة فاطمة. الخلفاء الراشدين الأربعة كل واحد تم اختياره بطريقة مختلفة من التاني، وتلاتة منهم ماتوا [قتلوا] ويقال أنو الرابع برضو سُمم، فمافيش نظام، ما فيش نظام بتاع دولة. وليس مطلوب من الأديان أنو تقدم نظام بتاع دولة للناس، إنما بتديهم قيم، وبتديهم معايير معينة، على ضوئها، البشرية بتعبها دا كلو، وصلنا للنظام الديمقراطي، ووصلنا ... الغربيين بقولوا This is not Christian [هذا ليس مسيحية يعني الديمقراطية ليست مسيحية]. يعني إنو المسيحية لا تسمح لك بأنو تقول بي كدا. المسلمين [برضو] في مجتمعهم الإسلامي الديمقراطي اللي يُعزّ فيه الإنسان [ويشير إلى دالي] ويكون كل حوله يعني خدمة المشاكل بتاعة الناس المتساكنين والمتعاضدين والمتعايشين واللي بيدينوا بالدين الإسلامي يمكن لهم أن تكون ثقافتهم هي اللي حتعبِّر عن تديُّنهم أو الدين، والدين طبعا مكوِّن كبير جدا من الثقافة، ف دا الدور بتاع الدين. أختصر كلامي مرة تانية: أنا أفتكر إنو الإخوة الجمهوريين يحاولوا يعيدوا النظر في قصة إنو عاوزين يدونا [يعطوننا] Big Brush أو "ماجيك بولليت" يحلوا بيها مشاكلنا كلها. يكفي في الوقت الحاضر إنو الإخوة الجمهوريين يشيلوا ال "هولي قريل" دي ودا ال Magic Solution [الحل السحري] بالنسبة ليهم. بالمناسبة هسع المسلمين جايبين الجمل بما حمل. والله العظيم، أنا مشيت سنة 91 لليمن شلت معاي سيرة ابن هشام، قلت شوية كدا أصلح من ال [كلمة انجليزية غير واضحة] [السياق يعطي أنها تعني تحصيل] بتاعتي الدينية. أنا الكتاب دا ضربت بيهو الحيطة تلاتة مرات وللا أربعة مرات. وبقول لأصحابي إنو لو في حد كتب السيرة بتاعة هتلر ما ممكن يكتبها أسوأ من ديل. أنا أقول ليهم يعني: في السيدة زينب يحتمي بيها طفل يهودي صغير، تختوا [تضعه] بضهرها كدا يجو الجماعة يفتشوه ينزلوا سروالو يلقوهو العانة بتاعتو قامت يروحوا يمشوا يقتلوه؛ بس عشان العانة بتاعتو قامت. يهود بني قريظة قتل منهم 800 وكم، المهم الأعداد دي كلها مبالغ فيها. السيدة، الست اللي هجت الرسول صلى الله عليه وسلم، ومشوا ليها جابوا ليها جملين ربطوها من هنا ومن هنا والجملين كلٌّ على جيهة [ويوصف بيديه يعني شقها نصفين]، والرجل اللي مشى بالليل ويحكي كيف هو قاتل عدو الله اللي كان هو صاحبو وصديق، ناداهو بالليل استأمنو وقال لمن [عندما] سلم عليهو استل الخنجر وغرزو في ظهر عدو الله. دي الأشياء اللي بيدرسها الأزهر دي الغيبوبة بتاعة المسلمين اللي ماشة معاهم ليها سبعة قرون أو تمانية قرون I am not very sure of this [لست متأكدا جدا من هذا]. لو المسلمين أخدوا الفكرة بس بتاعة إنو الإسلام دا فيهو مستويات وأنو الأصل بتاعو هو القرآن المكي وإنو الشريعة وكل الأشياء اللي جاية في السيرة، صحيحة ولَّا [أو] غير صحيحة، لأنو برضو بيضيف ليها وشيء لخرجنا من الورطة اللي نحن فيها دي. الأشياء الروحية والفهم الراقي للجمهوريين يمكن يكون في المجتمع المدني في العمل الدعوي وما شابه ذلك. الإخوة في تونس هسع recently [مؤخرا] تكلموا عن أنو يكون في طلاق بين الدعوي والسياسي، العمل السياسي. ف الإخوة الجمهوريين لو أخدوا بس الفكرة دي، وطلَّعوا لينا الـ contribution [المساهمة] بتاعة الأستاذ محمود دي لي قدام بحيث إنو الناس التانيين يقدروا يبلعوها، لأنك إنت ما ممكن تجيب للناس a whole package [محمول كلي] وإنسان عندو ملاريا تجيب ليهو صديلية بأكملها وتقول ليهو يللا خودك [خذ] بلِّع الحاجات دي كلها عشان تبقى كويس وعشان تبقى اشتراكي وعشان ..... الإشكالية، الأزمة، الآن [تكمن] في الفهم بتاع الدين، والجمهوريين لديهم الحل وأنا من رأيي أنو الأستاذ محمود لو كان في بلد آخر، أو لو كان المسلمين فيهم النزعة دي بتاعة الفهم والنقاش الراقي وهنالك مجالات الحوارات الراقية، لكانت فكرتو انتشرت وأخدت طريقها. والآن أنا من رأيي أنو الجمهوريين يفكروا في هذا الأمر. للمرة التانية أنا أقول الكلام دا. شكرا جزيلا..

    ــــ
    هامش رقم 2 تعقيب الدكتور دالي على البروفيسور سكر:
    الحقيقة نحن قبيل لمن [عندما] اتكلمنا عن الجماعة ديل، جماعات المنظمات الإسلامية بتطلع تشجب، أنو يقولوا داعش العملتو دا ما من الإسلام، لأنو بنعرف أنو الكلام البيطبق فيهو داعش هو الكلام الإنت قلت ضربت بيهو الحيطة بتاعة سيرة ابن هشام دا ذاتو موجود يعني. هم بيشجبوا والمقررات قاعدة زي ما هي. يعني الحقيقة أنا جبت معاي الآيباد دا، كنت فاكر أنو زول قد يحتاج لأي شيء يعني تثبيت للحاجات دي. أنو نحن المادة الموجودة في المقررات الدينية، وبتدرَّس الآن في المساجد، وفي المدارس، هي مادة داعش، ولذلك أن تجي تطلع إنت تشجب، دا قصد سياسي عشان تتصالح بيهو مع وزارة الخارجية الأمريكية ويدعوك للاجتماعات وعندما يكون أوباما عامل ليهو فطور بجيبوهم هناك الجماعة بتاعيننا ديل ذاتهم، لكن الموضوع الباقي في مسجدهم وفي كتبهم وفي الـ Web Sites [مواقعهم في الشبكة] بتاعتهم هو الكلام الإنت رفضتو هسع دا. المسألة البتخلق ليك المصالحة هي بس أنو الموضوع دا تاريخ البشرية يعني. موش [حاجة تانية]. بتبقى المشكلة لو داير تجيبو ليوم الليلة. الأستاذ محمود بيقول إنو إذا كان إنت عندك طاقة بتاعة قماش وعندك طفل عمرو سبعة سنين، بتفصِّل ليهو على قدرو هو في السبعة سنين دي. يعني ما بتعمل ليهو جلابية كبيرة تقول عشان ينمو جوَّاها. ف لمن [عندما] يبقى عمرو تمانية وعشرة واتناعشر لحدي ما يبقى 21 مؤكد التفصيلة بتاعة عمرو سبعة سنين دا ما بتلبِّسو. ف إنت ما داير تخليهو بدون لباس، وما داير تكسر جسمو عشان تنزلو لعمر سبعة سنين، عشان يكون to fit [يناسب] العراقي داك. ف بترجع للقماش الطاقة دي بتخيط منها. أهو دا الكلام البيقولو الأستاذ عن القرآن المكي والقرآن المدني. لكن إذا كان ما يتم الفهم دا ما بيكون في [هناك] تصالح مع الإسلام. لأنو إنت بتقرأ كلام بني قريظة وبتقيسو مع حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين. لكن ما كدا. تاريخ البشرية دا كان عنيف جدا جدا، ودا السبب اللي بيهو الإسلام نزل من المستوى بتاع الإسماح والسلام للمستوى بتاع السيف. لأنو البشرية كانت في الوكت داك من.... دا مستواها ودي طاقتها ودي حاجتها. و"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". ولو إنت شفتا التوراة فيها العنف دا ذاتو اللي إنت بتلقاهو في الشريعة. فنحن بنفتكر لأنو الإسلام فيهو الجزء مما يلي التوراة اللي هي الشريعة، وفيهو الجزء اللي مما يلي الإنجيل اللي هو أصول القرآن. ويقول [القرآن]: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوارة.. " اللي هو دا العهد الأول. "ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار" دا المستوى بتاع الرسالة التانية من الإسلام البقولو الأستاذ محمود. إنت قلت أنحن ما دايرين نجيب الأجزخانة كلها؛ نحن ما دايرين نجيب الاجزخانة كلها. لكن في مسألة لو الزول عندو ضغط وعندو سكري وحبوب الضغط بتنزل ليهو الكالسيوم بتديهو الحبة التالتة دي يعني. ما في مشكلة يعني. نحن قلنا دايرين ديمقراطية واشتراكية ومساواة اجتماعية. ف ما دايرين نجيب الاجزخانة كلها. بعدين الكلام دا مطروح للاقناع، نحن مش قلنا [لم نقل] والله إنتو تاخدوهو لأنو الله والنبي و... ولا بد كدا، ولَّا [أو] لو ما عملتو بيهو بتمشوا النار. نحن قلنا إذا كنا تلاتين ندعو ونجلس نبقى 31 نبقى 40 نبقى 50 [يقصد في المائة] plus one [50 في المائة زايد واحد] نجي نطبق الفكرة دي. يعني بنعمل شنو؟ قلنا يا جماعة نحن دايرين نعمل ديمقراطية في السياسة واشتراكية في المال ومساواة اجتماعية بين الناس. يعني نحن ما طالبنا الناس بشيتن [شيء] كتير. لكن عندنا حاجة زايدة على الناس. أنو البشرية دي في تطورها من "ألست بربكم" من قبل "ألست"، "إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم قالوا بلى" من الوقت داك لو أخدناها البشرية دي في تطورها لمن جات بشر الليلة ما جات فجأة، جات بعد تطور طويل جدا جدا اكتسبت مشاكل كتيرة جدا جدا نفسية، وأعتقد أنك كطبيب، إذا أنا أخدت الموضوع دا صاح، بتعرف أنو نحن عندنا يعني مشاكل وارثنها في عقلنا الباطن لا حصر لها. المشاكل دي دايرة حل. الحقيقة الحاصل بره دا انعكاس للموضوع الداخلي؛ يعني أنا رأسمالي لا أبالي بالآخرين لأنو عندي شُح وحرص وبخل. ودي هسع بيعبر عنها ترامب يقول Greed [جشع] بقولها يعني في وضح النهار والمايكروفونات قدامو ما شايف فيها مشكلة. ال greed دا هو البخليني أنا أشيل، أكون أنا باخد قدرك 422 مرة، لو قلت لي أكون معاك 421 مرة أقول لأ. أرفدك إنت لأنك رئيس النقابة بتعمل شوشرة علينا. دا موضوع نفسي عايز علاج. دا الموضوع النفسي. هسع الجماعة البيدَّعو الديمقراطية ديل، البشير دا 27 سنة الليلة، ماشي على تلاتين، لا لقى زول وسط الناس ولا وسط أخوانو يمسك منو. تلاتين سنة؟؟ مساهر. أردوغان. أردوغان هسع ماشي على هداهو يعني. (أحد الحضور قال: لكن هذه ديمقراطية يعني). دالي يواصل: طبعا أردواغان لأي زول بيعرف ما ديمقراطية لأنو الديمقراطية مش في الورق!. هسي البيشتكوا منها هنا بيشتكي ساندرز لأنو كل الموضوع دا اللجنة بتاعة الحزب الديمقراطي كانت ساعية سعي جاد جدا جدا، الاتكشف أخيرا في الـ leak [التسريب] بتاع الـ eMails [الرسائل الإلكترونية] أنو ما يجي، لأنو المؤسسة ما دايراهو. الديمقراطية قيمة هنا [يشير إلى قلبه] لو ما كدا بيكون تسرق الأوراق وتلخبط الواطة [الأرض]، لأنك إنت ما مقتنع بيها، بتكتبها في الورق، وبعدين تمشي تلتوي عليها. هسع إنت لو بتعرف، الإنقلاب دا قام على أردوغان الليلة أصبح بلستة [قائمة] فيها 2900 قاضي، إيه دخَّل القضاة مع الانقلاب، رفدهم تاني يوم. كيف؟ 70000 من الناس الليلة بين السجون أو فاقدين وظائفهم. كيف إنت بتقول دي ديمقراطية. بتمشي قوات الأمن التركية اللي هم الأخوان المسلمين؛ إنتو شوفتو في برنامج شاهد على العصر [مع الترابي] أنو التنظيم كلو جواسيس. كلو جواسيس الحزب! بيمشوا لي أي زول يلقوا عندو Literature [كتب أو مواد مطبوعة بأي شكل] من غولن [المعارض فتح الله غولن]؛ كتاب كاتبو أو كدا أنت بتمشي السجن وبتفقد الـ Job [الوظيفة أو الموقع].. الديمقراطية هي الخلاف في الرأي السماح للخلاف في الرأي. تعرف أنو دا ضدك وما موافق عليك وياخد فرصة مساوية ليك. لكن لأ!! الليلة الشكل بتاع الأخو المسلم الحقيقي طلع لمن [عندما] هو أصبح تاني يوم عندو قوائم بتاعة 70000 عاوز يصفيهم. فلا يمكن إنت تسمي دي ديمقراطية. الشاهد في الموضوع أنو ديمقراطية واشتراكية إنت ممكن تكتبها. في روسيا لمن جوا في سنة 17 كانت عندهم أماني كبيرة جدا جدا في دولة شيوعية مش [بس] اشتراكية. لكن انتهت. انتهت الدولة كلها لأنو اكتشفوا في النهاية أنو ناس الحزب الشيوعي ياهم زي ناس الأخوان المسلمين دايرين البيوت الكبيرة والعربات الكبيرة. ف إنت في مشكلة نفسية. يعني نحن بنرفع ليها النموذج النبوي. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد". وكان يرقع ثوبه ويحلب شاته ويخصف نعله ويردف على دابته. وكان لمن العربي يجي تاخدو الهيبة يرتجف أمامو يقول ليهو: هوَّن عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. دي الروح الديمقراطية. ليه؟ لأنو هو الموضوع دا عالجو نفسيا. وإنت بتطرح المنهاج النبوي ليعالجك. لأنو ما يكفي الكتابة في الورق. الكتابة في الورق ممكن تكون جميلة جدا جدا، والفعل مخالف لأنو النفس شحيحة والنفس متكبرة، والنفس مريضة. عندها إلتواء. إذا إنت عندك ليها علاج بتجعل التحقيق دا ممكن. ودا اللي نحن بنرفع ليهو منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في علم النفس. لكن دا كلو بيتم بالإقناع، إذا ما تم إقناع ما حدَّش بيجي فيهو. إذا اقتنعوا بيهو الأغلبية تجي! وتلقى حقها بدون ما زول يوصفها ويقول ليها إنتِ ابتزاز الإيه إيه دا إلى الآخر.
    في كلام عن الكنيسة. أول حاجة نحن في الدين بنرفض، في الإسلام، أنو يكون في جهة مسئولة عن تفسير الدين. ودا العمل الهسع الأزهر والجماعات دي محاولة تحتكرو. كبار العلماء في السعودية أو رابطة العالم الإسلامي أو الأزهر، دايرين يحتكرو هم. في الدين دايرين يقولوا نحن رجال الدين؛ إنتو مدرسين وأطباء ونجارين وسباكين دا ما موضوعكم. دا في الدين مرفوض تماما. مصدر الدين إن شاء الله إنت أمي "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم". أمي تعمل بالمنهاج تكون عندك علم إنت رجل دين، المرأة تعمل بالمنهاج عندها؛ هي مرأة دين. ما فيش احتكار لتكون في مؤسسة عندها صلاحية لتعبِّر لينا هي عن الدين. بعدين الدين في المستوى اللي نحن بنتكلم عنو، أنو إنت إذا مقتنع بالفكرة دي في الموضوع الاقتصادي والموضوع السياسي والاجتماعي تطبقها، ولو ما مقتنع بيها إنت حر موفور الكرامة، ما حد بيديك أي صفة بتاعة زنديق أو كافر أو كدا ولا يترتب عليها أي عنف ولا عقاب ولا أي شيء. إذا اقتنعت كلنا بقينا أغلبية بيجي مننا ممثلينا لينفذوها، إذا ما اقتنعوا يقنبوا [يجلسوا] في الخارج.
                  

10-12-2016, 04:23 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    هل يمكن لإنسان منصف يستمع لما قاله الأخ النور أو يقرأه كاملا ثم يصف قائله بأنه "وصل إلى درجة من السوء ما عليها من مزيد"؟

    فقد كان كلامه تعقيبا على مداخلة البروفسور سكر المتميزة، والتي وافقه فيها الأخ دالي.

    في المداخلات القادمة سوف افصل
                  

10-15-2016, 06:11 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)




    سألتك يا سليل الذات

    كلمات: النور محمد حمد
    أداء كرومة
    عود: محمود مالك
    سألتك يا سلسيل الذات قيد الذات فى المبدأ
    ومجلي كنزها المخفي وجرم جميلها المسدى

    فيا قيوم قلبي لا تذرني فى الجوى فردا
    أورثني كمالك ثم زدني فى الهوى مدا

    أمنتك إذ تدبرني فيا سعدي ويا مرحى
    وإذ فضلاً تشيد لى بجنات الرضا صرحا
    فلا أطوى ولا أعرى ولا أظمى ولا أضحى
    فمالي رغم خفق النور أرنو راجياً صبحا

    سألتك سؤل مضطر فصن معناي صن حسي
    وسربلني بثوب العفة المطوي فى نفسي
    أجرني من جهالاتي وخذني من دجى رمسي
    فكم ضاعت حياتي بين ذاك غدي وذا أمسي

    متى فى مجمع البحرين أقرن سالفي بغدي
    ويصبح جوهر الأزمان حيث الآن ملء يدي
    وأحيا بي بلا كيف أضل به ولا عدد
    متى يا وقدة الميلاد من قلبي أرى مددي

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 10-22-2016, 02:21 PM)

                  

10-24-2016, 10:23 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    كتب الأخ النور محمد حمد هذه المشاركة في صالون الجمهوريين في ديسمبر 2003/ يناير 2004 وقد أذن لي مشكورا في نشرها في هذا البوست. هذه المداخلة الأولى كانت بتاريخ 31 ديسمبر 2003، وكل مداخلة سأضعها بتاريخ إرسالها إلى صالون الجمهوريين كما جاءت.
    رسالتي إلى طيب الذكر، طه أبو قرجة 2001

    كنت قد كتبت في مارس 2001 ردا على خطاب كان الأخ المرحوم طه أبو قرجة، تعليقا على رسالة أرسلها إلى الأخ عمر القراي. وقد أرسلت، وقتها، صورة من ردي على الأخ طه، إلى عدد محدود من الإخوان، من بينهم الأخ، الأستاذ، خالد الحاج، الذي لم أتلق منه تعليقا على ما كتبت، حتى هذه اللحظة. وأنا أنشر هذا الخطاب هنا لكل الإخوان، والإخوات، كمقدمة، لتعقيبي القادم، على الأخ خالد الحاج، والذي هو في طور الإعداد الآن. وسوف أقوم بتثبيته في الصالون، حال فراغي منه.


    الكويت - مارس ‏2001‏

    عزيزي طه أبوقرجة
    تحية طيبة مباركة، لك، وللأسرة الكريمة
    وبعد

    وصلتني نسخة من رسالتك التي بعثت بها إلى الأخ عمر القراي، قبل مدة. وأحب في البداية، أن أشكرك على تخصيص نسخة منها لي، ضمن من خصصتهم بنسخ منها، من الإخوان. كما أحب أن أنوه بكونك قد سننت سنة حميدة. وأعني بذلك، حصرك للأمر، في دائرة صغيرة من الإخوان ممن انتقيت. فتوسيع الحوار في الوقت الراهن، في تقديري، غير مفيد، هذا إن لم يكن ضارا. وقد وضح جليا، من التجربة العملية، أن الإخوان يتفاوتون تفاوتا كبيرا، فيما بينهم، من حيث الاستعداد، لإدارة حوار موضوعي. أعني، حوار موضوعيا، مبرأ من تأثيرات الآراء المسبقة عن الأفراد، ومبرأ من الاتهامات المضمرة، أو المعلنة، بسوء القصد، لدى من لا نتفق معهم في الرأي. ويبدو لي أن هناك مرحلة يجب أن تُقطع، قبل أن يصبح الحوار الموضوعي، ممكنا بشكل عام. وهو، على أية حال، لن يصبح ممكنا، قبل أن تصبح غالبيتنا قادرة على الاستماع، إلى وجهة النظر الأخرى، باهتمام، ثم باحترام، يشمل كلا من وجهة النظر، والشخص المدلي بها، مهما بعُد الرأي المخالف، عما نعتقد، ومهما جافى توجهاتنا.

    نعم، من الخير أن ينحصر الحوار، في الوقت الراهن، بين المجموعات الصغيرة، أو الأفراد الذين، يحسون تقاربا فكريا، مع بعضهم البعض. إذ لا بد من توفر المناخ الصحي أولا. فمن دونه، لن يكون حوارنا، حوارا، مثمرا . ليس من السهل التفكير، والتعبير عن الأفكار في مناخ متسم بالعنف اللفظي، الذي يمثل، دون شك، صورة من صور الإرهاب الفكري. في المرحلة الراهنة، نحن بحاجة إلى أن نفكر بصوت عال. كما أننا بحاجة إلى تدوين أفكارنا، ويشمل ذلك، حتى خواطر المرء مع نفسه. سمعت الأستاذ مرة يقول: اكتبوا فإن، الكتابة تضبط الأفكار. علينا أن نعمل جاهدين، على خلق رأي عام متسامح. وهو أمر لا أراه متوفرا الآن. ولذلك فمن الخير حصر تشميس الخواطر، وسط من يثقون ببعضهم البعض أولا. ثم دعونا نرى ما ستأتي به الأيام من تطورات. المكاشفة تحتاج إلى ثقة متبادلة بين المتكاشفين، وإلى تعاطف إنساني صادق. فأنت لا تخرج مكنون قلبك، لمن كان متربصا بك، ومتصيدا لعثراتك. الثقة، والتسامح ليستا متوفرتين بالقدر الكافي، في الظرف الراهن. ولذلك فإن منبرا مفتوحا كالصالون، لا يمثل في نظري المكان المناسب لحوار مثمر الآن.

    هذه الرسالة ليست ردا على رسالتك، وإن تعرضت إلى بعض جوانب رسالتك بتعليق، هنا وهناك. هي، في حقيقتها، تنويع على اللحن الذي عزفته أنت. أو قل، هي من وحي رسالتك. ولقد عن لي أن أتساءل، وأنا بصدد الشروع في كتابة هذه الرسالة: لماذا لا نبدأ تقليدا جديدا، نخرج به من دائرة الرد، والرد المضاد. لماذا لا نكتب لنشمس أفكارنا، ونعرض ما يدور برؤوسنا، على إخواننا، وأخواتنا، ونلاقح ما بين ما نراه، وما يراه الآخرون. لقد ظللنا، أو قل ظلت أكثريتنا، تفكر، كل على حده، لمدة جاوزت العقد والنصف. ألم يحن الوقت لنعرض على بعضنا البعض، ما تعلمناه طيلة هذه الفترة؟ أعتقد أن اتجاها كهذا سوف يكون أكثر فائدة. دعونا ننشر تأملاتنا في كل تجربتنا الماضية، وفيما استجد لنا من فهم في نصوص الفكرة، وفي حياة صاحبها، وما أبرزه الواقع المحلي والواقع الكوكبي، في العقد والنصف المنصرمين، من تحديات جديدة. لماذا لا نفعل شيئا كهذا، بدل التراشق الذي لم ألمح فيه فكرا، أو عمقا، أو أي شيء ذا قيمة، وقد ظلت رحاه دائرة لسنوات، الآن!

    ما من شك، أن الإخوان والأخوات، يتفاوتون تفاوتا كبيرا فيما بينهم، من حيث الاستنارة، وتفتح الذهن. لا أقول ذلك، حال من يزكي نفسه، وينظر إلى الآخرين من عل. كما لا أقصد أيضا، أن أخلق طبقة مميزة من "الانتلجنسيا"، وسط الإخوان والأخوات. غير أن تفاوت الإخوان في السعة، حقيقة واقعية، ولا يمكن التعامي، أو التغافل عنها. وهي في واقعيتها، تلك أيضا، انعكاس لحقيقة روحية. غير أن تقريرها ربما بدا وكأن فيه شيء من الرعونة. ولكني لا أبالي بذلك. فالمعرفة المتجسدة بين بني البشر هرمية الشكل. وكما هو معلوم فإن لكل لطيف سلطان على كل كثيف. كما أن التربية التي تجعل من الأقل معرفة، قادرا على التسليم لمن هو أكثر معرفة، هي التي يرجى لها أن تصحح مسار الديمقراطية الغربية الراهنة، في مقبل الأيام. هل يعني هذا فرض الرأي؟ لا، ثم ألف لا. إذ لابد أن يتوافى الناس، في مجموعهم، على مثل هذا الفهم الكبير، والعميق، طواعية. هذا هو طريق المجتمع المتمدين. الغربيون قطعوا شوطا في هذا الاتجاه. لديهم قدرة مثيرة للإعجاب، في احتمال الرأي الآخر. فهم لا تعلو أصواتهم في الحوار، ولا يقاطعون بعضهم البعض، ولا يندفعون في موجات خطابية مفاجئة. هم ببساطة، لا يحرصون على تحقيق انتصار على الآخر، بقدر ما يحرصون، في اقتصاد بيّن، على توضيح، أن وجهة نظرهم، هي الأصلح. وعندما أشاهد قناة الجزيرة، مثلا، فلا أرى في أغلب الأحيان، غير صدور ضيقة، وأصوات مرتفعة، وقلة لياقة، وحرص على السخرية من الآخر، والانتصار عليه، بل وسحقه. وللأسف، نفس هذه الخلال العربية، قد وسمت أداء الصالون أيضا. فنحن، كما وضح، وللأسف، لم نستطع أن نخرج من إطار هذا العالم العربي، الذي نضب فيه معين الفكر والرؤية، فعاش غارقا لقرون طويلة، في طنين الخطابة، وجلجلة العبارات المفخمة، وتخويف الآخر.

    مشكلتنا الآن هي، أن النواة، التي كان ينتظر لها أن تبشر بالفهم الجديد، والعميق، لمسالة الديمقراطية، قد فارقت الخط، أو كادت! أعنى، فارقت الفهم القائم على احترام الآخر، خاصة، من هو مظنة أن يكون أكثر معرفة. والطريف أن الصغير، يحتاج إلى رأسمال من المعرفة، وإلى نور، يمكنه من معرفة مقامه، من مقامات من هم أكثر دراية، وأكثر حكمة منه. وكما تفضلت أنت، فهناك بيننا، من أصبح لديهم، " كبير الجمل" وحده. حقق الغربيون مستويات رفيعة، فيما يتعلق بإدارة الحوار بينهم. غير أن رؤيتهم للوجود، ناقصة. نحن نقول بنقص رؤيتهم للوجود، ولكن، أصحاب البصائر منهم، أيضا، يقولون مثلما نقول. نحن ندعي أن رؤيتنا للكون، أصح، وأعمق، وأشمل. غير أننا لا نعرف كيف ندير حوارا صحيا. نضيق ذرعا بالرأي المخالف. نميل إلى سوق كثير من الحجج التي تقود إلى نهايات مغلقة. كما أن غالبيتنا تعبر عن أفكارها بطريقة مجملة، ومبتسرة، ومبهمة. حتى أنه ليصعب على السامع، أو القارئ، أن يتوكأ عليها، لإدراك المعنى، ومع هذا وذاك، لا نجد حرجا في المهاترة.

    سمعت الأستاذ مرة يقول، فكر العارف مثل "وابور الزلط"، وفهمت منه، أنه يعني الوابور ذات العجلة الحديدية الضخمة، الثقيلة، التي تضغط الإسفلت على الشارع، قال، إن وابور الزلط لا يترك وراءه فجوة. الشاهد، أن يكون المرء، مفتوح الذهن، ليس أمرا ميسورا، ولا أمرا، يمكن أن يدركه كل الناس. وهل كان تاريخ البشرية، إلا تاريخا للتعصب المذهبي؟ غير أن هناك مخرجا آخر، لمن كان قليل الفكر، وهو مخرج الأدب. وبدايته، الاتهام الصادق للنفس بالقصور. الناس لا يتعلمون بالحجج عادة، رغم أن الحجة تسوق إلى القناعة، وتهدي إليها. الناس يتعلمون بما وقر في قلوبهم. وهذا هو الإيمان. وأحب مرة ثانية، أن أحكي لك شيئا سمعته من الأستاذ، ذات مرة. وكنت قد جئت يومها إلى منزله، قادما من كلية الفنون. وكان ذلك في النصف الأول من السبعينات، أيام دراستي بالكلية. وكان الأستاذ، كثيرا ما يسألني، عن الأخ والصديق، محمد حامد شداد، الذي كان قد زار معي الأستاذ في مرات سابقات، كصديق للجمهوريين، وقتها. ومعروف أن شداد، قد أصبح جمهوريا فيما بعد. قلت للأستاذ، أنني أناقش محمد شداد كثيرا. وذكرت له بعضا مما كان يجري بيننا من نقاشات، في كلية الفنون، وقتها. ومن ضمن ما ذكرت للأستاذ، أن شدادا، قال لي ذات مرة، أن الأستاذ لا يناقش القضايا، وإنما يقرر فيها تقريرا. وظننت أن الأستاذ سوف يذهب في تفنيد ما قاله لي شداد. غير أن الأستاذ قال لي: "ما قال إلا الحق". نحن لا نناقش باستفاضة، وإنما نقرر. ثم صمت برهة، ثم قرأ الآية، وكانت تلك أول مرة أسمع فيها تلك الآية. قرأ الأستاذ بطريقته، المفسرة الواضحة قوله تعالى: "فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا، ولا تستفت فيهم منهم أحدا". ثم صمت برهة أخرى ثم قال، وكان يومئ بسبابته نحو صدره: "لأنك تعلم، وهم لا يعلمون". قال لي، ما فهمت منه، أننا نجادل الناس "فوق .. فوق"! الشاهد أن المعرفة تسرى من القلب العامر إلى القلب الآخر سريانا طبيعيا، ولا وصف لكيفيته. وهذا ما يميز التصوف عن الفلسفة. غير أن ذلك يقتضي أن يكون الشخصان اللذين تقع بينهما مثل تلك الصورة من سريان المعرفة، على تناغم قلبي. فالنفس، وامتداداتها في الأنا السفلى، هي المعوق الرئيسي لسريان المعرفة بين رفقاء الطريق، وغير رفقاء الطريق.


    يتواصل
                  

10-25-2016, 05:09 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مشاركة الأخ النور حمد الثانية جاءت في نفس يوم 31 ديسمبر 2003 "رسالتي إلى طيب الذكر، طه أبو قرجة 2001"

    ـــــــــــــــــــــــــ
    الاستنارة

    عنّ لي، أننا بحاجة إلى تعريف الاستنارة. وفي تقديري، أن الاستنارة مرتبطة بالإيمان. فإما أن يكون المرء مستنيرا بعلمه، وهذه واضحة. وإما أن يكون مستنيرا بإيمانه، وهذا تعني معرفة مقامه، من مقامات الآخرين. والتوكؤ على نور الآخرين، حين لا يسعفه نوره. ويقتضي ذلك نوعا من الأدب الموزون، الذي لا إفراط فيه، ولا تفريط. ومما يساعد هنا على إقامة الوزن بالقسط، القدرة على المجادلة بالحسنى. فالمستنير هو من يرى الوجوه المتعددة للقضية الواحدة. وهو أيضا من يؤمن بأن لكل مسألة عديد من الوجوه، الأمر الذي يباعد بينه وبين الاستخفاف بآراء الآخرين، أو اتهامهم في صدقهم، وإخلاصهم، حين لا يرى مثل ما يرون. ولربما كان من الضروري هنا، الإشارة، إلى أن الإيمان بأن الإسلام، برسالته الأولى، لا يصلح لإنسانية القرن العشرين، وأن الإسلام رسالتان، وأنه لابد من تطوير التشريع الإسلامي، كلها، لا تجعل من المرء شخصا مستنيرا، وإن جعلته شخصا مرجو الاستنارة. لا هذا، ولا حتى قيام الليل، وإظماء النهار، والتشمير في طريق القوم أيضا، تجعل من الشخص، بالضرورة، شخصا مستنيرا. الاستنارة ربما تكون، أولا وأخيرا أمرا أشبه بـ (القسمة والنصيب). ومثلما تفضلت أنت، فالجدل الجاري الآن، في أغلبه، جدل "سياسي"، وليس جدلا معرفيا. أغلب ما ظل يجري بين تيارات الإخوان، مما اطلعت عليه، والذي ساد طوال الفترة الأخيرة، في تقديري، محض تصارع مراكز قوى، ويبدو أن الأمر قد تلبس على كثير ممن مارسوا ذلك التراشق. فحسبوا ذلك الجدل العقيم، طلبا شريفا، ونظيفا، لوجه الحق. وهكذا كانت الأمور تسير عبر التاريخ. كلما ارتحل مرسل من المرسلين، يتحول الإيمان، ونفاذ البصيرة، وكل ما أتي به المرسل، و بسرعة شديدة، إلى ديماغوغية لفظية. الصراع غير النظيف، دائما "سياسة"، وليس دينا. الأمر عندي بسيط بهذه البساطة. المتدين الحقيقي، بطبيعته شخص مقتصد، وزاهد في الانتصار. هو يحاور ليدفع بقضيته، وليوسع دائرة الوعي. هو يجادل لينير أو يستنير. ولكنه لا يجادل، لمجرد الكسب. الرغبة في الكسب، تدفع للنيل من الآخرين وتجريحهم. وهذا مفارق لأصول الأخلاق، ومكارمها. وهذا أيضا يقع في باب طلب الغايات الصحائح، بالوسائل المراض. وهذا لا يقود إلى خير أبدا.

    الشاهد، أن الاستنارة بالمعنى الذي أشرت إليه، هبة إلهية. قوامها الارتباط الصادق للشخص، بقلب الوجود الحي. وهو ارتباط يجعل من المرتبط، مستغنيا عن الأعراض، وزاهدا في السيطرة، بكل أشكالها. وذاك أمر تصقله ممارسة السلوك، والتزام الطريق. لكنهما، لا تخلقانه من عدم. سمعت الأستاذ مرة يقول، ما فهمت منه: أننا نقول، أن على الناس الأخذ بالطريق، ليصبحوا سالكين مجوِّدين، وليصبحوا عارفين. قال، نحن دائما، نقول هذا للناس، ولا بد لنا من قوله، فهو حق. غير أن حقيقة الأمر هي، أن أمر الدين، وانتفاع الناس به، أشبه ما يكون ببرميل مليء بالماء. لو أدخلنا فيه طوبة حمراء، فإنها سرعان ما تبدأ في إحداث الفقاقيع، وتلك هي علامة تشبعها بالماء. وأما إذا أدخلنا فيه حجرا، "زلطة"، فإنها تخرج يابسة، كما كانت. فهمت من قوله، أن معدن الشخص، هو الذي يتحكم، في مردود درجة انتفاعه، من ممارسة المنهج. وهذا هو عين ما حدَّث به، النبي الكريم حين قال: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام). ولذلك فإن الإيمان، والأدب، ضروريان جدا. أعنى الإيمان بأن لله عبادا أغدق عليهم، ووهبهم، وفتح لهم. ولذلك، فعلينا، أن نتوقع، في كل وقت، أن نعثر على من هو أعلم منا. ولذلك يجب، على الأقل، معرفة خطل الاندفاع في الحكم على الأشياء. فأن نكون على غير واضحة، أمر ممكن دوما. ويجب ألا نغتر بعلم، أو بزعم، مهما كان. وهذا بعض، مما أشار إليه النابلسي حين قال: "والذي أنت فيه محض غرور وهو في مذهب الحقيقة عارُ" على المرء أن يؤمن بما لا تتسع له أوانيه. على المرء أن يتهم سعة إنائه، أولا. وعليه أن يسلم بما لا يقع له فهمه، حتى يُفتح له في الفهم. ومجرد الإيمان، والتسليم. لمن كان أرسخ قدما في المعرفة، فيهما خير كثير لمن لزمهما. ومثل هذا المسلك نفسه، يحتاج إلى موهبة. فهو يقتضي تواضعا فكريا، منذ البداية. وقليلٌ أولئك الذين مُنحوا مزية التواضع الفكري. وقد عرف الصوفية ذلك، فالتزموا عدم الإنكار، وحثوا غيرهم عليه. والتصديق عموما خير من الإنكار. فالمصدق لا يخسر شيئا. وربما كان هذا، بعضا من السر المندس وراء كثرة القول في القرآن الكريم، بـ "ويل للمكذبين". ولست أدعو هنا للتسليم، وعدم فحص ما نرى، وما نسمع ممن هم أكبر منا علما. وإنما أدعو إلى الصبر على الرأي المخالف، مهما كان. أعني أن تكون هناك نافذة مفتوحة في عقولنا على الدوام، بأن احتمال أن نكون على خطأ، والآخرين على صواب، أمر وارد دائما. ومن هذا أيضا، ألا يستصغر الكبير، شأن الصغير. أعني ألا يتوقع الكبير، أن يجري الله كلمة الحق على فم الصغير، "فرب أشعث أغبر ذي طمرين …… لو أقسم على الله لأبرَّه".

    لقد فارق مجتمعنا، فضيلة الأدب، بشكل كبير. والسبب، في تقديري، يكمن في الفهم الخاطئ لمسألة الطريق، ولمسالة الترقي الروحي والعرفاني. يضاف إلى ذلك، التعويل غير المتبصر، على مقولة "الطريق لمن صدق، وليس لمن سبق". هناك عجلة ظاهرة، وربما "كلفتة’" لدى بعض الأفراد. كثيرون منا، يسرفون في القراءة الانتقائية لأدب الفكرة. وأعني بذلك، التعويل على قراءة أحداث جرت في ماضي أيامنا، مثل خفض الأستاذ لدرجات بعض القياديين، وتقديم آخرين عليهم في ظرف بعينه. الانتقائيون، يفعلون مثل تلك القراءات الانتقائية، وغالبا ما يفعلون ذلك، لخدمة معركة آنية محدودة. أيضا ربما استخدم الانتقائيون، أيضا، الدعوة التي جرت من قبل، إلى الطاعة بفكر، أو المعصية بفكر، في مسارات ضيقة، وإخراج القضية كلها، من إطارها الصحيح. مثل هذا النوع من الاندفاعات التبسيطية، هي التي جعلت الأمور لدينا، تبلغ ما تفضلت أنت بتسميته، (ملاسنات)، وكل ما نراه جاريا الآن، من خروج كثير، على أدب الحوار. المؤسف، أن الحوار بيننا، حوار مفترض فيه أنه دائر، بين رفقاء طريق، مظنونٌ أن تكون رفقتهم، إلى "الحج الأكبر"، وليس إلى عرض زائل!
                  

10-25-2016, 06:02 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مشاركة الأخ النور حمد الثالثة جاءت في نفس يوم 31 ديسمبر 2003.. لقد كان الخلاف بين الجمهوريين يدور حول الحركة والتنظيم. الأخ النور في هذه المشاركة يتناولها بالتحليل.

    ـــــــــــــــــــــــــ
    إشكالية قيام تنظيم:


    هناك من الأمور ما لا يفيد معه، إلا الاعتقاد، والاعتقاد وحده. فالعلم فيها لا يسعف دائما. ومن تلك الأمور مسألة كبار القياديين. أعتقد أن الحل الوحيد المطروح، لمن لا يزالون يعتقدون في صحة الفكرة الجمهورية، ويودون الدعوة إليها، أن يبتدئوا عملهم، من غير أن ينتظروا إذنا، من أحد. وليترك كل من يريد أن يدعو للفكرة، القياديين، وغير القياديين، وشأنهم. افعل ما تراه واقعا في صميم مسؤوليتك الدينية، والخلقية، ولا تدخل في معارك جانبية مع من يعترض عليك. أو من رفض أن ينضم إليك. ولربما بدا هنا نوع من التناقض في ما قلته. إذ يمكن القول، كيف يمكن ألا نعترض على القياديين، من جهة، وكيف نمارس مسؤوليتنا الفردية في الجهة الأخرى؟ خاصة، وقد أوردت أنت في ورقتك، ما رُوي عن سعيد، أنه رفض حتى مجرد النظر في كتاب الأخ عمر القراي، وقال ما فُهم منه أن ذلك الكتاب، عمل غير مأذون. ولو صح ما رُوي عن سعيد، فإن ذلك يصبح موقفه الشخصي، وهو موقف غير ملزم لأحد، اللهم إلا لمن ألزموا به أنفسهم، من الإخوان، اختيارا، وهم أحرار في ذلك. غير أن التنظيم قد جرى حله، وكان سعيد من الموافقين على ذلك، بل والحاضين عليه، ولقد كنت، أنا أيضا، حاضا على حل التنظيم، مثل سعيد تماما، ولا أزال أقف مع قرار حل التنظيم. علينا أن نمارس إرادتنا الحرة، من غير أن يخسر بعضنا البعض. أنا شخصيا لا أربط بين حقي في أن أنشر ما علمته من الفكرة على الناس، أو أرهنه، بموافقة تجيئني من أحد. ولو اعترض على عملي أحد، فذاك من حقه. غير أن ذلك لا يغير في الأمر شيئا. سأمضي في طريقي، ولن أحس بمرارة، لكون أن زيدا، أو عمروا ليس براض عما أفعل. وسأحتفظ باحترامي لإخواني وأخواتي. ولن أدخل أبدا في مشادة كلامية، مع أحد.

    نعم، لربما نعود لتنظيم أنفسنا يوما ما، ولكن لا أرى أن ذلك اليوم سيكون يوما قريبا جدا. فالتنظيم الذي يمكن أن يكون تنظيما ديمقراطيا، ثم لا ينحرف عن جوهر الفكرة، لا يمكن، في نظري، أن يتحقق الآن. لأن ذلك يتطلب قامات كبيرة، من كل من القادة والمقودين. وربما قال قائل، إن ذلك لا يهبط من السماء فجأة، ولابد للناس أن يبتدئوا، وأن يتعثروا في الطريق، حتى نصل إلى ذلك المستوى المطلوب، عن طريق التجربة، والممارسة. غير أن مثل هذا القول يبدو منطقيا، ومتماسكا على المستوى النظري، غير أنه سوف لن ينجح في التطبيق العملي. خاصة في الظرف الراهن. انظروا إلى ما أوصلتنا إليه التجمعات الصغيرة، وفي صورتها هذه البسيطة، من شقاق، ومرارات. فكيف بنا، إذا عاد التنظيم، بكل حوله وقوته. أنا شخصيا، أمقت الجدل العقيم، مقتا شديدا. ولا استعداد عندي البتة، للجلوس لساعات طويلة، مستمعا، أو مشاركا، في مماحكات، مملة، لا طائل تحتها. أنا أؤمن بالحدس، وبما يحدثني به قلبي. أعتمد على ذلك، في كثير من الأحيان، أكثر مما أعتمد على الحجة والمنطق. وقلبي قد حدثني، يوم أن ذهب الأستاذ، أنه لن تقوم للتنظيم قائمة، وهو لا يزال يحدثني، نفس حديثه القديم.

    غني عن القول، أن الطاعة بفكر، والمعصية بفكر تحتاج إلى قامات، ولا يمكن أن تمارس اعتباطا. فمن كبر القامة، القدرة على أن تُسلم قيادك للآخرين، وهذه غير متوفرة، خاصة فيما نراه الآن. علينا أن نقرأ واقعنا، قراءة صحيحة. وهو واقع متخلف جدا، إذا ما قيس بعمق الفكرة، وآفاقها الرحيبة. ما جرى من شقاق، وانشقاق، دليل واحد فقط، على تخلف واقعنا، كجماعة، تدعي أنها تستقي من ينبوع واحد. هذا محض زعم، وحقيقة الأمر هي أن عمق إدراكنا لفكرتنا يتفاوت تفاوتا كبيرا، حتى ليجعلنا، وكأننا ننتمي إلى عقائد مختلفة. ولو نحن احتكمنا، الآن، إلى الأغلبية الميكانيكية، في مثل هذه الظرف، فلن يكون هناك شيء يميزنا على أي تنظيم علماني. أعني، أن نسمح للأغلبية أن تقرر ما هو حق. فذلك هو جوهر الخلل، في النسبية المطلقة، التي يقول بها الفكر العقلاني العلماني. فالقامات الراهنة ـ ولا أقول ذلك استعلاء ـ، لا تزال، أقل بكثير، من أن تنشئ ذلك النوع من التنظيم المنشود. باختصار شديد، يتعين علينا، أن نفكر في الحكمة، التي وفقها، ترك الأستاذ القياديين على رؤوسنا جميعا، حتى يوم التنفيذ. أما ما أراه الآن، فهو أن مرحلة من مراحل الدعوة قد انقضت، وانفتحت مرحلة أخرى. فالقياديون قد خدموا مرحلة أعانوا فيها الأستاذ، على إدارة المجتمع الجمهوري، وتسيير الحركة. وقد كان كل من القياديين، والمجتمع الجمهوري، في أطوار تخلّقهما الأولى، حينذاك. ولم تكن، تلك المرحلة، لتُخدم بغيرهم، على أية حال. فيجب أن نحفظ لهم مكانتهم. ثم إن هذا الأمر، في جملته، أمر روحي. وحذار، أن نندفع وراء الحجة، والمنطق، والبرهان، كما وصلتنا من العقل الغربي. هذا طريق عرف أهله أنفسهم، خطله. فإذا لم ندرك الحكمة، وراء احتفاظ الأستاذ بالقياديين، حتى يوم التنفيذ، بنفس ترتيبهم، فعلينا، على الأقل، أن نصبر، وألا ننقض غزله أنكاثا. على الأقل، ألا نجهر، ونقذف بالعبارة الجارحة، والاتهام بالكبائر في وجوههم. من الممكن أن نحتفظ باستقلالية آرائنا. أعني كل فرد منا، من غير أن نشن حربا على أحد. يجب ألا يفقدنا، اختلاف المواقف، احترامنا لبعضنا البعض. ويجب ألا يدفعنا ذلك، إلى التنكر للصحبة، وللرفقة الطويلة. علينا أن نحفظ للقياديين صنيعهم، بوصفهم أول من آمن، وأول من آثر الفكرة، على أهله، وماله، وحياته الخاصة. وأن نقدر التضحيات الجسيمة التي قاموا بها. ويكفيهم عزا، وفخرا، أنهم أول من آمن بالأستاذ، واتبعه، وآزره وعضده، في وقت لم يكن فيه إتِّباع فكرة، مثل الفكرة الجمهورية، في بلد مثل السودان، عملا سهلا.

    مرحلة النشر الموسع:

    في تقديري، أن المرحلة الراهنة، تمثل مرحلة النشر، والتعريف بالأستاذ والفكرة. وهذه لا تقتضي تنظيما بالصورة التي ألفناها. فهذا أوان الدعوة عن طريق النشر المكثف. في الصحف، وفي المجلات، وفي الدوريات الأكاديمية، أجنبية كانت، أم عربية. وفي "الإنترنت" وغيرها. إضافة إلى نشر الكتاب عن طريق دور النشر، خاصة، دور النشر العربية، في بلدان مثل لبنان، والمغرب، حيث الحجر أقل، على الكلمة المنشورة . وكتاب عمر القراي، الذي سبق ذكره، وكتاب خالد الحاج، الذي في طريقه إلى الصدور، وكل كتاب يصدر، إنما هو سير في الاتجاه الصحيح. فالمرحلة القادمة، هي مرحلة الحوار حول فكر الأستاذ، وحياته. وأعنى الحوار الذي يربط بين الفكرة، وبين الأفكار السائدة في الساحة، من أفكار غربية، ومن أفكار إسلامية. أعتقد أن فكرتنا، ظلت تسير في الغالب الأعم، في خط مواز لغيرها من الأفكار. غير أن حكم الوقت، هو الذي سيغير من حالة التوازي تلك. ومعروف أنه لا لقاء في حالة التوازي. تلك مرحلة، يجب أن نعبر منها، إلى مرحلة الملاقحة، والمحاورة. هذا ما كان الأستاذ يسميه، إنزال الفكرة إلى أرض الواقع. وما كان يسميه، أيضا، برفع الواقع إلى مستوى الفكرة. يفرق الغربيون، بين الديالوج، بمعنى الحوار مع الآخر، والمنولوج، بمعنى الحوار مع الذات. نحن لازلنا ننحو منحى منولوجيا، وليس ديالوجيا! نحن لازلنا نحاور ذواتنا. محاورة الآخر، تقتضي معرفة دقيقة بما يقوله الآخر بالضبط، وربط عقلك بعقل الآخر، حتى تجعل الآخر يرى ما ترى. بغير ذلك يصبح الحوار "حوار طرشان". هذا أمر يمثل عنصر الزمن فيه شيئا أساسيا.

    المرحلة الراهنة، في تقديري، هي مرحلة التعمق في معرفة تيارات الفكر المعاصر، ومتابعة ما يجري في ساحة الأفكار. من لا يتابع بدقة، ولا صبر له على المتابعة بدقة، ولا شغف له بالمتابعة بدقة، لن يصبح داعية كبيرا. نعم للدعوة مجالات عدة، غير أن لها حدا سنينا قاطعا. من أراد أن يكون في حدها السنين القاطع، فعليه أن يجهز حاله لذلك. وكون المرء لا يقوى بحكم موهبته، واستعداده الفطري، على أن يكون جزءا من الحد السنين القاطع، لا يطعن في جمهوريته، على أية حال. المرحلة الراهنة، هي مرحلة إدخال الفكرة، إلى محافل الفكر، المختلفة، وإلى مجاميع المثقفين، ومنتدياتهم، ودورياتهم العلمية. لقد كفانا الأستاذ هذه المهمة، حين كان بين ظهرانينا، فتفرغنا للعمل في العبادة، وفي السلوك. أما الآن فقد جاء الوقت لنربط ربطا وثيقا بين ما عندنا، وما عند الناس. وهذا لا يتم بغير علم بالتفاصيل الدقيقة، والمتابعة، والمثابرة اللتين لا تعرفان الوهن، ولا التقاعس، ولا الكسل الذهني. جاء الوقت لمرحلة جديدة، في التبشير بالإسلام. هذا الدور، هو ما قال الأستاذ من أجله:

    ((والتبشير بالإسلام يتطلب أن يكون المبشر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وكل دين، بصورة تقنع العقول الذكية .. وأن يكون من سعة الصدر بحيث لا ينكر على الآخرين حقهم في الرأي .. وأن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف، ويؤلف من الذين يخالفونه الرأي.)) [انتهى الاقتباس]

    أستغرب كثيرا، كيف ذهلنا عن حقيقة بسيطة. وهي أن الفكرة الجمهورية فكرة غير معروفة. لم يُنشر للأستاذ أي شيء يذكر، على مستوى العالم، أو مستوى العالم العربي. لم يسمع أكثر من 99% من المسلمين والعرب بالأستاذ، حتى سماعا! وحتى الكتب التي قمنا بتوزيعها في السودان، لم تكن كافية. علينا أن نطرق الوسائل الجديدة، ومنها الإنترنت. لا لنتراشق، وإنما لنرفع اسم الأستاذ، وفكر الأستاذ وسط الناس. أن نضع الفكرة، وشخص الأستاذ في دائرة الضوء. لماذا لا يكون الصالون، مثلا، مجلة للحوار الفكري العميق، حول الفكرة، بدلا عن الجدل العقيم، والمهاترات التي لا تخدم غرضا، غير الهدم، والهدم السريع جدا؟ فالإنترنت، على سبيل المثال، وسيلة خطيرة، وفعالة. هذه وسيلة ليس للأزهر، أو السعودية، أو متأسلمي السودان، عليها من سلطان، فهي تخترق الحدود السياسية، وتدخل على الناس في غرفهم. لماذا لا نؤسس لمجلة دورية تحمل اسم الأستاذ محمود محمد طه ـ تعرفت مؤخرا على مجلة دورية يصدرها متصوفون إنجليز، تحمل اسم "مجلة الشيخ محي الدين بن عربي" وهي مجلة في غاية الرفعة، وغاية الوعي، بقيمة البعد التصوفي للإسلام ـ .

    ما من شك، أن مرحلة النشر الموسع، بغير شكل تنظيمي صارم، كالذي كان في الماضي، سوف تجتذب للحديث، وللكتابة، كثيرا ممن لا يحسنون الحديث، ولا الكتابة. غير أن ذلك يجب ألا يسبب لنا أي إزعاج. فأمثال هؤلاء، سوف يتكفل سوق الفكر، بلفظهم، تماما مثلما تلفظ السوق العادية، البضائع قليلة الجودة. المهم أن يكتب، وان يتحدث، في هذه المرحلة، كل القادرين على إبراز تفوق الفكرة، كل من حيث يقيم، وحسب المنابر المتاحة أمامه. وأحب أن أبدي إعجابي الشديد، بالدور الذي نذر الأخ ياسر الشريف المليح، نفسه، للقيام به من ألمانيا. كما أحب أيضا، أن أشيد بموقع الفكرة الجمهورية الذي أقامه الأخ عمر هواري من أمريكا. ولا أنسى مبادرته بتأسيس الصالون. مشكلة الصالون ليست في إنشائه، أو وجوده كمنبر، بالعكس من ذلك تماما، فهو منبر مهم، وفعال جدا. المشكلة تكمن في الطريقة التي يستخدم بها، وليس للأخ، عمر هواري، في ذلك يد، بطبيعة الحال. في تقديري، لو فعلنا كل ما تقدم، فسوف نلتقي على واضحة. ولكن ليس قبل ذلك.

    الشاهد أنه، لم تعد هناك فرصة، من الناحية التنظيمية، للاعتراض على فعل أحد. فقد جرى حل التنظيم، وبدأت من ثم، حقبة المسؤولية الفردية، ولسوف تستمر حتى حين أيضا. ولربما عاد التنظيم من جديد، فيما هو مقبل من الزمن، ولكن لندع ذلك، حتى يأتي وقته وربما قومه أيضا. واجب الساعة، هو لفت النظر إلى حياة الأستاذ، وفكرته. والاحتفاظ بالجذوة حية. وكما ظل الأستاذ يقول: "أن تكون الفكرة في الجو". ومجال كل ذلك، النشر، والنشر المكثف، والاحتكاك بالمنشغلين بقضايا الفكر، لا الانكفاء على أنفسنا بزعم الانتظار. ولكن علينا ألا نشير بأصابع الاتهام، إلى من اختار الانتظار بلا تحرك. كما أن على من اختار الانتظار بلا عمل في الدعوة، ألا يذهب في تطفيف، أو التقليل من شأن من يريدون التحرك. علينا أن نكون ديمقراطيين، وأن نتحرر من الجنوح إلى الوصاية على الناس. علينا أن نقبل الاختلاف، وأن نعرف قيمة الاختلاف والتنوع. فالفكرة ليست ملكا لأحد، قياديا كان، أم غير قيادي. وعلى سبيل المثال فقط، فقد ظللت أفكر، ولوقت طويل جدا، في كتابة كتاب، عن الأستاذ، وعن الفكرة. غير أنني ما فكرت لحظة واحدة، في أن أسعى، إلى الحصول، على إذن من أحد، كائنا من كان. هذا أمر رأيت أنه من واجبي، ولا أعتقد أن من حق أي أحد، أن يملي شيئا، على أحد، أو يحدد له واجباته. خاصة، في مجال الإنتاج الفكري، والثقافي. ولو اعترض عليّ أحد القياديين، أو قال، على سبيل المثال، إن هذا العمل عمل غير مأذون، فلن يفت ذلك من عزمي شيئا. وسوف لن أشعر بأي مرارة تجاه من يقول ذلك. وسوف لن يقل احترامي ذرة لمن يقول ذلك. فجوهر الأمر هو، أن القضية قضية مسؤولية فردية، أولا، وأخيرا. فلينتدب نفسه من شاء، لأي عمل شاء.

    من الضروري أن نتحرر من عقابيل الفترة الماضية. وذلك بفهمها في إطارها التاريخي الذي حكمها. ومن الضروري جدا، أن نتأمل، ونتدبر، الحكمة التي شكلتها، على صورتها تلك. فلو كنا في الماضي، نضع أفراد مجتمعنا، وكل ما يأتون، وما يدعون، تحت مجهر المجتمع، فقد كان ذلك في وقته، وتقف وراءه حكمة، مفادها إعانة السالكين على السلوك. لقد تم السلوك، في شكله جماعي، في بيوت الإخوان المختلفة، وفي بيت الأخوات. لقد كان الأمر كله أشبه بـ "داخليات" للتسليك. والغرض منها تجنيب الناس خطر المزالق، حتى يقوى عودهم، وتقوى أنوارهم، ويستقلون بأنفسهم. فما كان لأحد، أن يمضي حياته، من المهد، إلى اللحد، في بيوت الإخوان، أو في بيت الأخوات. لقد كان ذلك وضعا مرحليا. كل شيء فيه يقول بمرحليته. أما اليوم، فعلينا أن ننتقل إلى تشجيع المبادرة الفردية. وأن نسمح للأفراد بمجالات أوسع، وأرحب للتحرك. وأن ندعم المسارات التي تقود إلى بروز الفرديات. ولو نحن بقينا على محاصرة الأفراد، وصبهم في قالب واحد، فما الذي يميزنا عن أي دولة دينية متخلفة، تريد أن تجعل من الناس قطيعا؟ كيف نقيم جمهورية، ونحن نرتعد فرقا، من المبادرات الفردية!؟ أيضا، أي مجتمع قابض مسيطر ذلك الذي نسعى إلى تأسيسه، ونحن نريد أن نضع الناس تحت مجهر، تحت مسمى "التسليك"؟ أنه لأمر مؤسف جدا، أن يرتعد المقود حين يواجه بسلوك طريق بكر، ويتقاعس من ثم عن الأخذ بزمام المبادرة، في كل شيء، ويصبح دوما في انتظار من يشير إليه. ما قيمة إنسان تلك حاله؟ كما أليس مؤسفا ومحزنا حقا، أن يرتعد القائد، خوفا على أراضيه، وسلطته، حين يأخذ الآخرون بزمام المبادرة؟! فأي شعب، وأي أمة نرجوها، تلك التي لا تتحرك، إلا بأمر أو توجيه من قيادتها!؟ كيف سيختلف نظام حكمنا، عن غيره من الديكتاتوريات، والأنظمة الشمولية، لو نحن جنحنا إلى السيطرة، والتحكم؟ وكيف سنتجنب كل سوءات الإعلام الموجه، لو ظلت كل حركة، وكل سكنة، بل وكل خاطرة، وفكرة، لدينا، لا تتم إلا بموافقة المتربعين على هرم القيادة؟ لا أظن أن هذا هو ما أرادته الفكرة الجمهورية بالمجتمعات البشرية المعاصرة!!


    يتواصل
                  

10-25-2016, 06:35 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مشاركة الأخ النور حمد الرابعة جاءت في نفس يوم 31 ديسمبر 2003..

    ـــــــــــــــــــــــــ
    لقد كنا عبئا على الفكرة الجمهورية:




    من حسن حظي، أن إقامتي في الكويت، في هذا المعسكر الصحراوي، أعطتني وقتا طيبا، أنفقته في قراءة كتب الأستاذ. ولقد تكونت لدي ملاحظة، مفادها، أن هناك روحا مختلفة في المقالات التي كان الأستاذ يبعث بها إلى الصحف السودانية في فترة الخمسينات، والستينات. عندما أقرأ تلك المقالات، وكثير منها في كتاب "رسائل، ومقالات" بجزأيه، الأول والثاني، أستغرب في طريقة كتابتها. أنها تحمل روحا خاصا بها. لقد قدمت تلك المقالات جوهر الإسلام من غير أن تعلن صراحة عن تحيز، أو انتماء صارخ. لقد كتب الأستاذ، في تلك الفترة، في كل شأن، من منظوره الجمهوري، دون أن يسميه. كتب في الأدب، والسياسة، والفن، وغيرها. لا تحس فيما كتب بتعصب مذهبي، أو دعاية رخيصة. تحس به يخاطب العقل، ويخاطب الفطرة الإنسانية. كانت الفكرة الجهورية متجلية، ومتجسدة، في كل ما كتب. غير أنه لم يكن يسميها، أو يشير إليها. وعندما يشير إليها، فقد كان يشير إلى الإسلام، كما يفهمه. نحن بحاجة إلى إحياء ذلك الروح. ولو نحن نضجنا بما يكفي، فسوف نعيد إحياء ذلك الروح مرة ثانية. ذلك الروح مطلوب أكثر اليوم. هذا، في تقديري، ما يجب أن تكون عليه روح المرحلة.

    عندما بدأنا حملات الدعوة الخاصة، في منتصف السبعينات، على ما أذكر، وقد كنا نذهب لملاقاة المثقفين، والأدباء، والفنانين، والسياسيين، ورجال الدين في بيوتهم، سمعت الأستاذ يقول، إن الإسلام هو دين الفطرة، وأن المحاجة فيه، يمكن ألا تكون بالنصوص، بل ينبغي ألا تكون بالاعتماد الكلي على النصوص، وإنما على الفكرة السديدة. وقال أنه يود، لو يرى اليوم، الذي نتحدث، ونكتب فيه، من غير الحاجة، لأن نبدأ بقول، أو كتابة، "باسم الله الرحمن الرحيم". لأن في ذلك ظلا، من إرهاب فكري للآخر! هذا ما تمناه الأستاذ يومها، وفي تقديري، أن كل ما يتمناه الأستاذ، لابد كائن، كان على ربك حتما مقضيا. هناك فقط مسافة زمنية، فيها تتجسد الأمنية. دعونا نستلهم الأماني الكبار، والتصورات الكبيرة. سمعت الأستاذ أيضا يقول ذات مرة، نحن نحلم الأحلام الكبيرة، ولكنها سوف تتحقق. دعونا نخرج الفكرة الجمهورية، من مجالات الدعوة "النَّصية" الضيقة، التي ما انحصرت الفكرة فيها، إلا بسبب من قصورنا نحن، وبسبب مما رزقنا به من مستمعين ومناقشين.

    من يدرس نشأة الفكرة الجمهورية، وتاريخها، لابد أن يلاحظ، أن الفكرة، لم تستقطب في بدايتها، كبار المتعلمين، والمثقفين والسياسيين، فقد كانوا مبهورين بلمع وظائف السودنة وقتها، وبريق المناصب الحكومية، التي سوف تخلو حينها، بخروج الإنجليز. حتى الجمهوريون، الذين لازموا الأستاذ في الأربعينات، على أيام نشأة الحزب الجمهوري، تركوه في الخمسينات، وذابوا مع طبقة الأفندية، الصاعدة وقتها. لم يؤمن بالفكرة، ولم يتبعها، سوى أواسط الناس، ويكفي أن نعرف أن كبار القياديين الذين لازموا الأستاذ، منذ مطلع الخمسينات، قد كانوا أحداثا وقتها. وقد قيّد ذلك انطلاق الفكرة، بطبيعة الحال. ولعل في ذلك حكمة ما. المهم، لم يكن أمام الأستاذ، إلا أن يعمل على خلق مثقفين وعلماء ممن اتبعوه. ما أريد الوصول إليه هنا، أن الظرف قد اختلف الآن. أبدل الله الأستاذ، أفندية الأربعينات، الذين تولوا عنه، بطلاب جامعات الستينات، والسبعينات، والثمانينات. وقد جاوز هؤلاء الآن، أربعينات العمر، وخمسيناته. ولم يكن في وسع هؤلاء، بحكم السن، وقد التحق معظمهم بالدعوة، في أوائل عشرينات أعمارهم، وأقل من ذلك أيضا، أن يتحملوا كل التبعات التي يمكن أن تلقيها دعوة ما، على كاهل الداعية. فبحكم حداثة السن، وقلة التجربة، لم يكن في وسعهم، تجسيد القامات المطلوبة. كما لم يكن أيضا، من الحكمة، أن يدفعوا في مسارات فردية. هذه الظروف، وكثير غيرها، حكمت مسار التجربة الماضية. ومع ذلك فقد كان الطلاب ـ وقد تفضلت أنت بنقل وصف الأستاذ لهم بالطبقة الوسطى ـ قطب رحى أركان النقاش، والصحافة الحائطية الجامعية. غير أن لعب ذلك الدور لم يجعل من قاماتهم تظهر على قامات القياديين. وأرجو ألا يكون بعضهم، قد اغتر بلعب ذلك الدور البسيط. فقد كان دورا محدودا. فالحوارات التي كانت تجري وقتها، كانت حوارات محدودة الأجندة، وذات مسارات واضحة. كما أن عمق الحوار فيها، كان محكوما بقامات المحاورين، وقد كانت قامات محاورينا، بالغة القصر. باختصار شديد، لقد انحصرت القضية في الماضي، في تربية الدعاة، إلا قليلا. ذلك الإعداد الطويل له ما بعده. غير أن ما بعده، ربما يكون الآن، وربما يكون في وقت لاحق.

    في تقديري أن اليوم هو وقت الدعوة، على مستوى جديد. هذا أوان الدعوة الكوكبية. وطلاب الجامعات الذين التحقوا بالدعوة في فترات الستينات، والسبعينات، والثمانينات، ومن أتوا بعدهم، هم المرجوون،عمليا، لتشكيل مادة دعاة الدعوة الآن. ولكن عليهم، أن يدركوا، أبعاد الدور المنوط بهم. إن للدعوة اليوم، وسائل، وطرق، ومداخل، وأساليب، أكثر، وأوسع، وأكفأ، بكثير، من كل تلك التي عرفناها في الماضي. وربما لا يستسيغ البعض عبارتي، التي قلت فيها أننا كنا عبئا على الفكرة الجمهورية. غير أن ذلك حق. فعندما كان صاحب الفكرة وحده في الخمسينات، والستينات، كان للفكرة حضور في أوساط الفكر والثقافة في السودان، بسبب ما كان ينتجه قلم صاحبها، وما يدلي به من آراء، في مختلف الشؤون. ثم تكاثر عليه المريدون، فأصبح واجبه المباشر ترسية المريدين، وتربيتهم. وكان ذلك هو ما اقتضاه حكم الوقت. المشكلة أننا اعتقدنا أن صورة الدعوة، التي لازمت مرحلة إعدادنا، هي صورة الدعوة التي سوف لن تتطور إلا في داخلها. أعني أن يكون لنا تنظيم بذلك الشكل، وأن تكون لنا جلسات "تسليك"، وجلسات إنشاد، وحملات كتاب، وأركان نقاش، وزيارات، وسمايات، إلى غير ذلك. هذه ليست أساليب دعوة كوكبية. هذه أساليب فرقة صوفية، وما أرى أن الفكرة قد استخدمتها، إلا لكونها الأنسب، في فترة الإعداد التربوي. ذاك نهج، لا يختلف كثيرا، عن نهج سائر الفرق الصوفية. وقد انتهت تلك الحقبة بذهاب الأستاذ عنا، وما أراها بعائدة، مرة ثانية. والحق أن الأستاذ قد نعاها قبل ذهابه مرات كثيرات. لقد تحدث كثيرا، عن نهاية الحملة. كما تساءل كثيرا: "إنتوا ما تعبتوا؟ إنتو ما عايزين ترتاحوا؟". الراحة المقصودة هنا، لا تعني ترك الدعوة، بطبيعة الحال، وإنما تعني تغير الأسلوب. أن يعيش الفرد، حياته الطبيعية، وأن يدعو. علينا أن نبحث عن سمات المرحلة الجديدة بدل أن نغرق في الحنين إلى مرحلة انقضت. ولا أظنها كانت مرحلة سعيدة. فقد رأينا فيها الكثير من العنت والمشقة، وشظف العيش. لسنا نادمين عليها فقد تعلمنا فيها الكثير، غير أنها خدمت غرضها حتى استنفدته. علينا الآن، أن نعمل بأساليب جديدة، لنشر الدعوة. وذلك يكون، بالتعريف بها وبصاحبها. وعلينا أن ندخل على الناس من جميع مداخل أنشطة الحياة، وميادين الفكر فيها. علينا أن نقرب الفكرة إلى الأذهان، عن طريق متابعة ما يجري في ساحات الأدب، والفن، والموسيقى، والمسرح، والسياسة، والاجتماع، والتعليم، وعلم النفس، وكل شيء. فليس هناك حقل معرفي، يقع خارج ضفاف الفكرة. علينا أن نقرأ، وأن نكتب. ومعلوم أنه لم يكن هناك تشجيع كبير على القراءة في فترة السلوك الماضية. وقد كان ذلك لحكمة، فيما أرى. وذلك لأن ملازمة المرشد، أهم من القراءة. غير أن وقت القراءة، والكتابة جاء الآن. فهما اليوم، من واجبات الساعة، المباشرة.

    صورة السلوك التي شهدناها منذ بداية السبعينات، وحتى منتصف الثمانينات، والتي اتسمت بالتشمير الشديد، سبقتها فترات، مختلفة تماما عنها. خاصة، قبل نشوء فكرة بيوت الإخوان. ذكر لي الأخ جمعة حسن، ذات مرة، أن الأستاذ كان يأخذهم إلى السينما. وكانوا أحيانا يغلقون دار الحزب الجمهوري، ويذهبون إلى الدور الثاني. أما في فترة السبعينات والثمانينات، فكاد دخول السينما، أن يصبح من الكبائر! وهذا طبيعي، فلو كان إخوانك، وأخواتك في حملة الكتب، في الشوارع، يتعرضون إلى مضايقات المعارضين، ومعاكساتهم، وعنفهم، أليس شاذا فعلا، أن يكون الجمهوري متربعا على كرسي في أحد دور السينما؟ وقد انسحب ذلك على الحفلات، وحتى على الاستماع إلى الموسيقى. سيكون من خطل الرأي، ومن سوء الفهم للفكرة الجمهورية، بل ومن الإساءة إليها، إن نحن ظننا أن تلك الحالة، هي الحالة التي يجب أن نسوق إليها كل المجتمع، في مقبل الأيام!

    علينا أن نقص آثار تجربة الأستاذ. فقد تنوعت أساليبه، ومداخله، عبر حقب الدعوة المختلفة. لقد عمل في مهنته، كمهندس، وظل يدعو وهو يعمل في مهنته. ثم عاد وأصبح متفرغا للدعوة. لبس الأفرنجي فترة، وتركه. لبس الجلباب والعمة والشال للمحافل العامة. أيام المحكمة ذهب مع المسيرة بالثوب. قاد السيارة فترة، وتركها. أرتاد المنتديات، واستمع إلى الآخرين وهم يحاضرون ويناقشون لفترة. كتب إلى الصحف مثل سائر المثقفين، وناقش كمثقف، لا كرجل دين. اخذ أبناءه وبناته إلى دور السينما. كما أخذ بعض الجمهوريين إلى السينما أيضا. قالت لي أسماء، إن الأستاذ فصل لها ولسعدية مختار، على ما أذكر، "شورتات" وأخذهن ليعلمهن السباحة في النيل. هذا غيض من فيض مما يحضرني من تنوع أساليب الأستاذ. بعضنا أخذ الصورة الأخيرة، التي سادت فترة السبعينات والثمانينات، وأراد أن يسحبها على المستقبل. لم تكن تلك حياة عادية. وليس في مثل ذلك الوضع الاستثنائي، مقام إقامة لمقيم. وسأعرض لذلك مرة أخرى فيما هو مقبل من فقرات هذا الخطاب.

    تجربة الشتات:

    لقد التحقت بالجامعات الأمريكية، وأنا في سن الرابعة والأربعين. وأستطيع أن أقول أنني ما انتفعت بشيء في حياتي، بعد ملازمتي للأستاذ، مثل انتفاعي من تجربة الدراسة الجامعية، والحياة في أمريكا. وأستطيع أن أقول، وأنا جد واثق مما أقول، أنه لولا أن فترة بقائي مع الأستاذ، قد سبقت دراستي العليا الجامعية في أمريكا، لما انتفعت منها، على النحو الذي اتفق لي الآن. هذا أمر أحس به في نفسي، وأعرف أبعاده، أكثر من أي شخص آخر. بحكم كونه تجربة شخصية. ولذلك، لا أحتاج لتعضيد من أحد، به أدرك مدى صحته. كما لا احتاج لكي أبرهن عليه لأحد. ثم هو أمر يعطيه قول السودانيين البسيط: (شَقَّة البلد تفتيحة). أو قول العرب، أن للأسفار خمس فوائد. ملخص الأمر، أن بعضنا يخلط بين مقتضيات فترة، وأخرى. فهناك خلل كبير، في سحب الماضي، على المستقبل. فملازمة الأستاذ كانت أولى، من كل شيء عداها، في حينها. وملازمة الأستاذ، كانت تعني وقتها، البقاء في السودان. ولكن ذلك وضع مرحلي. وقد أشار الأستاذ، فيما أعلم، إلى أن الدعاة سوف يتشتتون! هذا أمر طبيعي جدا. مرة أخرى، نحن نستعيض، عن فهم دورنا كدعاة، محكومين بمراعاة شريعتنا، بالتعويل على نصر مفاجئ، تأتي به الحقيقة! الشاهد، أنني علمت، أن بعض الإخوان، يرون في الخروج من السودان، مفارقة. بل، وربما، كبيرة من الكبائر. وهذا جزء من مشكلتنا، في فهم الظرف الذي تغير تغييرا كبيرا. بالعكس تماما، فالخروج من السودان، هو الذي سيفتح للدعوة آفاقا أرحب، وأوسع، ولسوف ينعكس ذلك على استجابة الداخل، إن نحن أحسنا استخدام تجربة الخروج.

    معركة في غير معترك:

    أود أن أخلص من كل ما تقدم، إلى أن وراءنا قضايا كثيرة تنتظر الحوار الجاد، والعميق. نحتاج أن نتبادل الآراء في كثير من القضايا. نريد أن ننفتح على بعضنا البعض بخواطرنا. ولذلك فإن المعركة التي دارت، وتدور رحاها الآن ضد القياديين، معركة في غير معترك. هذا انصراف مؤسف عن واجب المرحلة. ما أراه الآن يمثل ضربا من ضروب تصوير المجد في الأخلاد، صورا شائهة. الشاهد، أن هذا ليس بجديد! فمجتمعنا قد كان مفارقا لكثير من جوهر قيم الفكرة، عبر عدد من منعطفات تخلقاته. كان ذلك كذلك، حتى، عندما كان الأستاذ، بين ظهرانينا. فكيف به اليوم!؟ ولعل الكل يذكر، التحزبات، والشللية، وتنافس القياديين فيما بينهم، وتعاليهم على الأواسط، والصغار، من الإخوان والأخوات، والاستهانة بأمرهم، وتسخيرهم في خدمة الإمبراطوريات الصغيرة، التي كانوا ينشئونها، ويفتنون في توسيعها، وما إلى ذلك الكثير، مما يذكره المرء. تجربة العيش، في المجتمع الجمهوري، لم تكن تجربة سعيدة بالنسبة لي. وما صبرت عليها، إلا لوجود الأستاذ. ولذلك فإنه ليس في داخلي الآن، مثقال ذرة من الحنين إليها.

    ما أصبحت أخشاه الآن، هو أن تتفتت النواة التي أفنى الأستاذ حياته في تشكيلها، وأن تنمو في غير الوجهة التي أريد لها، أن تنمو فيها. وهي وجهة المسؤولية الفردية، والقدرة على تعليم الذات وتطويرها، بدوافع من الداخل، وليس بالحصار الخارجي. يقيني، أن الأمر محفوظ. وسوف يجد من ينهضون به، سواء قام على رأسه أناس من داخلنا، أو من خارجنا. ما أحس به الآن، ولا أستثني نفسي، أن كثيرين سوف يتخلفون عن الركب. وربما شمل ذلك التخلف، بعضا من الكبار، وكثيرا من الصغار. سيتخلف بعض الكبار، فيما هو مقبل من الزمن، بسبب من فقدان القدرة على تطوير الذات، والركون إلى الاقتيات على فتات ماض انطوت صفحته. وسيتخلف عن الركب أيضا، كثير من الصغار، بسبب من العجلة، وسوء الأدب. وسيؤتى الصغار، على وجه الخصوص، من حيث لا يحتسبون. أعنى أنهم سوف يؤتون من ثغرات العجلة، والجرأة بغير علم. وهي جرأة ظلت عبر التاريخ، تلبس لبوس الغيرة على الدين، والحرص على نصرة الحق. ولقد لمحت في مسلك بعض الصغار، تخندقا في مرابض أصولية جمهورية جديدة. تدعى سدانة على الشريعة، وغيرة على حرمات الله. وهل كان التخندق وراء حرفية الشرع، عبر التاريخ الإسلامي، إلا سلاح الفقهاء المفضل، في وجه المتصوفة ؟

    ربما لن يصمد، على المدى الطويل، في وسط المجرى، إلا من انتفع انتفاعا حقيقيا، من تجربة الحضانة الطويلة، التي أمضيناها، جميعا، في معية الأستاذ الحسية. لماذا لا نعمل على توسيع أوانينا، كبارا وصغارا؟ ما يضير الكبير، لو أن صغيرا لمع نجمه، واصبح قادرا على سد ثغرة، معينة، أكثر من الكبار؟ لماذا يظن بعض الأواسط، والصغار، أن إحسان، وإتقان العمل، في جوانب عديدة للدعوة، مرتبط، بالضرورة، بكبر القامة الروحية. ولماذا يظنون أن الناطقية، أو القدرة على الكتابة دليل على سموق القامة الروحية. لماذا نصر على تضييق الواسع، بضيق أخيلتنا، وعدم قدرتنا على سبر حقائق الأشياء؟ كان في وسع الذين هاجموا القياديين، أن ينطلقوا في التبشير بالدعوة، على النحو الذي يرونه، من غير إذن من أحد. على المرء أن يعمل، وأن يتحمل مسؤولية عمله. الأمر بسيط بهذه البساطة. الصحف السودانية، الآن، تنشر كثيرا، عن الجمهوريين. الصحف العربية التي تصدر من لندن، ربما سمحت بالنشر للجمهوريين. وهناك، كثير من المنابر. لماذا بدأنا بمعركة داخلية؟ و فيم المعركة أصلا. تنظيم جرى حله بموافقة أكثرية قيادييه، منذ أكثر من عقد، ونصف من الزمان. فلينشئ من شاء، أي تنظيم يشاء، وليغرس رايته، ولينتظر. فإن كان فيه وهج، ونور، فسوف يتوافى عليه الناس، عاجلا أم آجلا.


    يتواصل تنزيل رسالة الأخ النور إلى طيب الذكر طه أبو قرجة
                  

10-25-2016, 07:17 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    مشاركة الأخ النور حمد الخامسة بتلك الرسالة جاءت في نفس يوم 31 ديسمبر 2003..

    ـــــــــــــــــــــــــ
    تأملات في مسألة المجتمع الحر:


    في اعتقادي، أن القطار الذي سينطلق بالفكرة، إلى مرحلتها الجديدة، سيخلف على رصيف محطته الراهنة، كثيرا ممن انشغلوا عنه، ساعة انطلاقه، بالشجار، على الرصيف. والشاهد أن العلاقة بين منهج السلوك، كسبب، والترقي الروحي، كنتيجة، تحتاج إلى فحص، وإمعان نظر. فحقيقة الأمر، أنهما ليستا مرتبطتين، ارتباطا شرطيا، كما تبدوان. ترسيخ مثل هذا الفهم، وتعميقه، وإدراك مدلولاته اللطيفة الخفية، هو ما يجعل مجيء المجتمع الحر، الموصوف بأنه، المجتمع "الذي لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة"، أمرا ممكنا. الإسلام الكوكبي، لن يتحقق أبدا، ونحن نفكر بالقوالب التقليدية الضيقة، التي تربط ربطا ميكانيكيا، بين السبب والنتيجة. ظللت أفكر كثيرا، في عملية، وإمكانية صب الناس كلهم في قالب واحد. هل هو ممكن فعلا، وهل هو عملي. ثم هل هو مطلوب حقيقة. ثم ماذا نعني بالفردية، إن كنا سنرسم للأفراد قوالب جاهزة، نصبهم فيها صبا، كما المعدن المصهور؟ وما من شك، أن الفردية، أمر مركزي، ومحوري، في الفكرة الجمهورية. لا أقول ذلك، لأقلل من أهمية اتباع الطريق النبوي، وإنما لأدعو إلى التعمق، والتوسع، في فهم سعة الطريق النبوي. وأعني أهمية ألا ننصرف عن جواهر الأمور بمظاهرها. ومن ذلك، ألا نُصرف عن قيمة التفكير الحر، وقيمة الفردية، بالتركيز الأعمى، على الشعائر والطقوس. ولذلك موضوع "التسليك" الذي أصبح شبه محوري، في كثير من كتابات الإخوان، بحاجة إلى فحص.

    أعرف أن كثيرين ربما اعتقدوا، وربما يكونون صادقين في اعتقادهم، أن الأمور "واضحة". وأننا لسنا بحاجة سوى إلى أن نعود إلى "التسليك"، وإلى الدعوة، على نحو ما كنا نفعل في الماضي. هذا لعمر الحق، تبسيط شديد. ويكفي أن أذكر، أن بعض الإخوان والأخوات، كانوا يودون، في اليوم التالي للتنفيذ، أن يخرج الإخوان والأخوات في حملة للكتاب، مواصلة لمعارضة نميري وقوانينه! ولقد حدث ذلك في جلسة الدروشاب المشهورة، وقد كنت أحد حاضريها. وتكرر ذلك في مساء نفس ذاك اليوم، على ما أذكر، في منزل الأخ خيري، بالحارة الأولى بالمهدية، حين أبلغ القياديون بقية الإخوان، ما توصلوا إليه في اجتماع الدروشاب، فيما يختص بأنهم قد اختاروا حل التنظيم. رأى كثير من الإخوان، حل التنظيم منكرا، وقتها. ولا يزال البعض يراه كذلك. والذي أراه، أن حل التنظيم قد كان عملا، لا مناص منه. ولو قدر للتنظيم أن يعود، فهو لن يعود، في اعتقادي، على صورته تلك. تلك مرحلة خاصة جدا. ارتبطت بوجود الأستاذ بيننا. وقد انقضت، تلك المرحلة، وما أرى أنها بعائدة مرة ثانية.


    وهل كنا نملك غير حل التنظيم؟

    القول بأن الأمور "واضحة" يثير عجبي كثيرا، وحقيقة الأمر، أن المرء ربما لا يملك إزاء من ينحون مثل ذلك المنحى، الذي أرى فيه شيئا من التطرف، سوى الصمت. على العاقل أن يعرف مع من يتحاور، ومن هم المستعدين حقيقة، للتحاور بذهن مفتوح. مجادلة الناس من طرف، وبلا تمييز، لا تنطوي على أية حكمة. ومن الحكمة أيضا، ألا يفسد المرء حبل الود مع البعض، ممن لا تتسع مواعينهم للخلاف، بسبب رأي يتعسر توصيله. أو قل، على الأحرى، رأي يصعب جدا، أو يتعذر كلية، توصيله، على وجهه الصحيح. ولربما كان الزعم، بأن الأمور "واضحة"، عند بعضنا، وعدم الاستعداد للحيرة، عند البعض الآخر، بعض مما جعلني، لا أميل إلى المشاركة في حوارات الصالون. وعلى سبيل المثال فقط، فقد اتفق لي أن قلت لأحد الإخوان في أمريكا، أنني فوجئت بالتنفيذ، مفاجأة تامة. وأنه لم يكن في حسباني، أن شيئا مثل ذاك سوف يحدث. فقد كان احتمال ذهاب الأستاذ إلى حبل المشنقة، يقع وراء، أسوأ حالات الظن بالله لدي. وقد دهشت جدا، عندما ذكر لي ذلك الأخ، أنه كان يتوقع التنفيذ! أليس في هذا وحده، دلالة قوية على أننا، رغم كل الزمن الذي أمضيناه معا، نرى الأمور بشكل مختلف، ونفهم أدب الحركة الجمهورية المتواتر، فهما مختلفا؟ أقول ذلك، وفي ذهني مقارنة بين ما ذكره لي الأخ سابق الذكر، وما سمعته بأذني من سعيد، في اجتماع الدروشاب، عقب يوم التنفيذ. كان سعيد محتارا مثلنا، وقد عبر سعيد عن تلك الحيرة، بلغة جسده، وهو يدير ذلك الاجتماع، أكثر مما عبر عنها بلسانه. وقد كانت حالته تحكي حالتي، وحالة أكثرية من كانوا حوله في ذلك اليوم الكئيب. لا أذكر عبارات سعيد بالضبط، ولكنه قال، ما فهمت منه، أنه لم يعد يفهم ما يجري. وأن ما تم، يقع وراء مقدرته على الاستيعاب. ولعله قال شيئا شبيها بعبارة، (رأسي مشطوب). كانت تلك هي الحال لدى أكبر قياديي التنظيم. فمن أين جاء الآخرون بذلك التوقع، بأن الأستاذ سوف يُغتال ذات ضحى، على يدي جعفر نميري، وعلى رؤوس الأشهاد؟

    لقد بدأت الآن أشك في كثير مما كنت أسمعه طيلة سنوات الحركة. أعني، كوني قد سمعت بعض الأشياء التي كانت جزءا من العقائد الداخلية للمجتمع الجمهوري. أصبح ينتابني الشك أحيانا، رغم يقيني الراسخ في أنني قد سمعت تلك الأقوال، مرات ومرات. ويبدو لي أن كثيرا من التاريخ الإنساني، قد ضاع بسبب من مثل هذا النوع من الشك. أعنى، أن النزاعات التي تعقب الدعوات الروحية الكبيرة، تخلف وراءها جوا من الإرهاب الفكري، يجعل البعض يشك فيما كان يعتقد، لصعوبة التعبير عما كان يعتقد، في الظرف الذي استجد. لقد سمعت كثيرا من الأقوال التي تؤكد اعتقاد الإخوان، في أن الأستاذ لن يموت. ولقد تسربت تلك العقيدة، وهي عقيدة تقع ضمن نطاق ما هو متكتم عنه، من أدب الفكرة، إلى المجتمع الخارجي. وربما كان ذلك، بسبب الإخوان الذين خرجوا على الفكرة، في مختلف مراحلها مما نسميهم "المنقطعين". المهم وصلت تلك العقيدة، صحيحة كانت أم غير صحيحة، إلى بعض دوائر المعارضة. وأصبحنا نُواجه بها في الأركان. وكان المعارضون يضيقون بها علينا تضييقا شديدا. وكانت هناك إجابة "حكيمة" نموذجية، ظللنا نسمعها، وظللنا نرددها كلما ووجهنا بذلك السؤال، من معارضينا. ومفاد تلك الإجابة "الحكيمة"، أن الفكرة التي يموت عنها صاحبها، يجب أن تراجع. وأغلب ظني، أننا لم نكن حين كنا نردد ذلك، نظن أن الأمر سوف ينطبق علينا يوما ما. بالعكس تماما، كنا نقول ذلك، لنؤكد أن دعوات مثل دعوة حسن البنا، وغيرها من الدعوات الإسلامية، التي رحل أصحابها قبل انتصارها، بحاجة إلى المراجعة. وذلك بناء على القاعدة المتقدمة الذكر.

    ما أريد توكيده هنا، هو أنه من الصعب، بل ومن المتعذر، على من ظل يفهم، على مدى عقود طوال، أن صاحب الفكرة باق معها، حتى تظهر - صعب، بل ومتعذر، على من كانت هذه هي عقيدته - أن يتحرك في الدعوة للفكرة، بعد أن يفاجأ، ويصعق، برحيل صاحبها، وفي اليوم التالي لرحيله! نقطتي هي، أن الحيرة بعد رحيل الأستاذ مشروعة جدا، بل ومطلوبة، في نظري! ولا حجة لمحتج بالتأويلات التي نشأت بعد التنفيذ. أكثر من ذلك، الشك في الفكرة ذاتها، بناء على ما تقدم، مبرر أيضا. ولا يجب أن يجد استنكارا، أو تشنيعا من أحد منا. ذكرت كل ما تقدم، لأدلل على مبلغ اختلافنا، في رؤية الأمور. في ذلك اليوم الذي عبر فيه سعيد عن حيرته فيما تم، وما من شك أن ما تم قد صعقنا جميعا، ونسف كثيرا من عقائدنا، صالحة كانت أم فاسدة. رغم كل تلك الصدمة، رأى بعضنا أننا لسنا بحاجة للجلوس للتفاكر كثيرا. بل رأوا، أن علينا الخروج في اليوم التالي بالكتب على الناس! وكأن وجود الأستاذ بيننا، وعدم وجوده بيننا لا يغيران في الأمر شيئا! الشاهد الآن، أن ستة عشر عاما قد مرت على التنفيذ، ولا يزال كثير منا يحاول فهم ما تم، وما سيترتب عليه، ولا أظن أننا أصبنا نجاحا كبيرا في ذلك!

    اليقين الذي كان يملؤنا هو، أن الأستاذ باق معنا، حتى أوان انتصار الفكرة. على الأقل، كان ذلك يقيني الشخصي. ولا أحب أن يفهمني من يقرأ ما تقدم فهما خاطئا. فحتى هذه اللحظة ـ رغم أنني ظللت أنام وأصحو على إمعان التفكير، في أمرنا هذا لعقد ونصف ـ لم أر أن هناك ما يدعو إلى مراجعة أساسيات الفكرة. بل على العكس تماما، فقد ازداد يقيني بقوة الفكرة، وسموق حجتها، أكثر من قبل. كما أن إنسانيتها، وعالميتها، أوضح في ذهني، مما كان عليه الأمر في الماضي. يضاف إلى ذلك، أن تقديري لشخص الأستاذ، ولسيرته، قد أصبح أكثر عمقا، وتنورا، واتساعا، مما كان عليه في الماضي أيضا. ولكني أصبحت أرى المسالة كلها بشكل يختلف، عما قبل. إحساسي الشخصي هو أننا كنا منومين مغناطيسيا، طيلة الفترة التي أمضيناها مع الأستاذ. وقد كان ذلك التنويم، لخيرنا، وصالحنا. وقد صحونا يوم التنفيذ، واستمرت حالة الفوقان تطرد إلى يومنا هذا بيننا، على تفاوت، بين فرد وآخر. وقد أشار الأخ خالد الحاج إلى ما يشبه هذا، في كتاباته. الشاهد، أننا، ربما احتجنا إلى إعادة قراءة كل التجربة، و قراءة كل النصوص التي ظللنا نقرأها لعقود طوال، ولكن دون فتح مبين فيما هو مستغلق منها، على ضوء كثير من المعطيات الجديدة. وعلى ضوء الظرف التبشيري الجديد. وهو ظرف أراه قد اختلف. ولسوف يطرد، ويوغل في الاختلاف، والتباين عما ألفناه، وعما حلا لنا الركون إليه. كلما تباعد بيننا الزمن وبين معيتنا للأستاذ. سيقترب الواقع من الفكرة كل صبح جديد. فهل نحن، على طريق تقريب الفكرة من الواقع، بنفس القدر، أم أننا فقدنا القدرة على المواكبة، فيما يتعلق بقراءة الواقع، والتصرف وفق ما يقتضيه الظرف الجديد؟ هل نحن مفكرون حقيقيون، أم حفظة نصوص، وكُهّان عقيدة تجمدت، وتحجرت، وعميت عن رؤية شجرة الحياة الوريقة الخضراء النامية؟ علينا أن نمعن النظر في التجربة الماضية. وأنا لا أعنى إطلاقا بأننا بحاجة إلى مراجعة النسق المعرفي الذي جاءت به الفكرة. فذاك نسق عال. فالفكرة فكرة إنسانية عميقة، توشك أن تخرج عن إطار ما اصطلح الناس على تسميته بـ "الدين". ولكن علينا أن نطور قدرتنا على قراءة الفكرة، وقراءة الواقع معا. نصوص الفكرة عندي، "نصوص مقدسة" scripture)) ولذلك فإن معانيها تقع في طبقات، وتلتمس في التأويل، لا في حرفية النص. وحركة الواقع، وتغيراته، واحدة من العناصر المعينة على إفراد ما ظل مطويا منها.

    في تقليب أمرَيْ الشريعة والحقيقة:

    علينا أن نفكر في الكيفية التي سوف تظهر بها الفكرة الجمهورية. لقد كنت أحمل في ذهني صورة ضبابية للكيفية التي سوف تنتصر بها الفكرة طيلة فترة الحركة. ويبدو أن عامل الحقيقة، قد كان العامل المسيطر في ذلك التصور. أي أنها سوف تنتصر فجأة. وبالطبع هذا ما تعطيه كثير من النصوص القرآنية، وكثير من عبارات الأستاذ التي ظللنا نسمعها باستمرار. هذه هي الصورة التي لازمتني أيام الحركة. بعد التنفيذ، تغيرت الصورة، وانفتحت المسالة كلها على فضاء غامض، شاسع، ومهول. الآن بدأ تصوري يختلف. والآن، بعد عقد ونصف من التنفيذ، أصبحت أحس بأن الفكرة الجمهورية لن تنتصر في السودان، وفي المحيط الإسلامي، قبل أن يكون لها، على الأقل، حضور في دوائر الفكر الغربي، وآلياته المنتجة للمعرفة، في عالم اليوم. لن تنتصر الفكرة الجمهورية في جيب منعزل كالسودان، بظروفه الراهنة. ولو افترضنا جدلا أن كل الناس في السودان قد اعتنقوها، وانتصرت فيه بظروفه الراهنة، لما صنعت منه شيئا، أفضل مما صنعته المهدية بالسودان، في القرن قبل الماضي، مع فارق طفيف. أعني سودان القرن التاسع عشر، مقارنا، بغيره من مراكز التحضر الأخرى التي عاصرته.

    المسالة ليست وقفا على القطر السوداني وحده. والقطر السوداني قطر غير مؤثر، ليس في العالم فحسب، وإنما حتى في محيطه الإقليمي، العربي، والإفريقي. انتشار الفكر في عالم اليوم، مربوط بالقوة الاقتصادية، وبامتلاك آليات بعينها. ولو انتصرت الفكرة في السودان، وأسست فيه دولة لها، فمن يقبل بهذه الدولة في المجتمع الدولي. وهل سيتركها كبار التماسيح وشأنها، خاصة إذا رفعت شعارات الاشتراكية! إن العالم متخلف فكريا، وأخلاقيا تخلفا مزريا. تجربة العيش في أمريكا فتحت ذهني على حقائق مذهلة، فيما يتعلق بالتخلف الفكري، والأخلاقي الذي يوجه مسارات هذا العصر. لقد عرفت الآن، كيف أن النظام الرأسمالي الغربي، نظام موغل في الشمولية، خاصة في نسخته الأمريكية. هذه قوة غاشمة، لا عقل لها. ولا تتردد لحظة، في سحق أي جيب تشتم منه رائحة ما يهدد مصالحها. في تقديري المتواضع، أنه لا فرصة إطلاقا إلى قيام نظام بإزاء النظام الرأسمالي الحالي. نعم، لقد نشأ الإسلام في القرن السابع، بين الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الفارسية. انتصر الإسلام في شبه الجزيرة العربية أولا، ثم زحف على تلكما الإمبراطوريتين، وقوضهما في سنوات قليلة. ولقد انهارت الشيوعية في نهاية القرن الماضي، في ليلة واحدة، وهي تمثل إحدى القطبين، لكن انهيارها، قوى من القطب الآخر، وأعطاه الغلبة. الشاهد، وباختصار شديد، أن النظام الغربي الرأسمالي سوف ينهار من داخله. أعني أنه سوف يتغير عن طريق الإصلاح الوئيد، الذي ينتج عن اطراد الوعي الروحي بين ساكني نصف الكرة الشمالي. وهذا سوف يحدث في الزمن. لن تقوم أية قوة ذات بال، بإزاء قوة الرأسمالية المسيطرة الآن. قال الأستاذ أن اسم ثورة الإسلام الثانية هو "التطور". ومعلوم أن التطور يحدث في الزمن. ألم نقل، إن الله لم يخلق العالم فجأة؟ علينا أن نفكر في الكيفية التي سيلاقي بها العالم الفكرة الجمهورية. فهو لابد ملاقيها. ولكن ليس بالطريقة التي نتصورها، ولا بالتنظيم المسيطر، القابض، الذي نود إنشاءه!.

    ما أراه، أن علينا أن نفكر في كثير من المسائل، أكثر مما نفعل الآن. وأن نستمع إلى الآخر، وأن نتبادل الآراء، بعيدا عن إدعاء اليقين. أعني أن نستمع بإخلاص للآخر، شأن من يبحث حقيقة، لا شأن من يريد أن يؤكد لنفسه، أنه على صواب. ما يجري من حوارات وسط الإخوان الآن، حوارات مبتسرة، وتبسيطية، وهي أقرب لما تديره الفرق المتطرفة المنغلقة، (cults)في داخلها، منه إلى ما يديره المفكرون المستنيرون. لو أعطتنا يد الأقدار السودان، الآن على طبق من الكريستال، وجعلتنا حكاما عليه، فماذا نحن فاعلون به؟ ما الذي سوف يجعلنا مختلفين من غيرنا ممن حكموا السودان؟ فهل إعطاء المرأة حقوقها، وإلغاء التمييز ضد غير المسلمين، وخلق مجتمع صوّام قوّام، كافية وحدها لكي تجعل، من مواطنينا، مواطنين سعداء؟ أم أن في الأمر عوامل كثيرة، لابد أن تتضافر، وأن أهم هذه العوامل تقع خارج سيطرتنا؟ وأهمها كلها هو عامل الاقتصاد، والسياسة الخارجية التي تجعلك مقبولا، وقدرتك على أن تكون منفتحا على بقية العالم، ومقدرتك على جذب الاستثمارات العالمية، وأن تكون جزءا لا يتجزأ، من المجتمع الكوكبي الذي بدأ في التشكل الآن. لا تنسوا أننا نادينا بالاشتراكية، وما يتبع ذلك من إلغاء للملكية الخاصة، ولكل أشكال التأمين. كيف ستعيش دولة، هذه هي آيديولوجيتها، في عالم اليوم؟ دولة ترفع مثل هذه الشعارات في عالم اليوم، دولة تحفر قبرها بنفسها. وأرجو ألا يفهم مما قلت أنني غيرت رأيي في مسألة الاشتراكية. بالعكس إيماني بالاشتراكية ازداد قوة، خاصة، بعد أن خبرت بشاعة المجتمع الرأسمالي من الداخل. ما أريد أن ألفت إليه النظر، هو أن الأمر، في صورته الواقعية، أعقد بكثير من الصور التبسيطية التي نرسمها له. هذا أمر لابد أن يستغرق زمنا. كما أنه يقتضي حنكة وحكمة من المبشرين. هذا مشروع لن ننجزه وحدنا. إذ لا بد أن تتضافر لتحقيقه مجهودات عالمية، ويشارك فيه علماء راسخون في العلم، كل في مجال تخصصه. ومعجزة المسيح القادمة، هي جعله للعقول تتوافى طواعية على فكره. دعونا، مثلا، أن نفكر في هذا، ونقلبه، بدلا من مصارعة القياديين.

    لقد قلنا أننا سوف ننجح في تطبيق الاشتراكية، حين فشلت في تطبيقها الشيوعية، لأننا نأتي بالتربية، التي تحل محل حافز الإنتاج الرأسمالي، وهو الربح. فكيف نجيء بالتربية؟ هل سيكون ذلك عن طريق التطور الوئيد، حين يتوافى الناس على نهجنا، ويأخذون به طواعية، أم بنزول المسيح فجأة بيننا؟ ولو نزل المسيح فجأة بيننا، فعلام التعب؟ وقتها سوف يؤمن كل شخص، وسوف تخضع أعناق البشر، والشجر، والحجر، والمدر. فما حاجتنا وقتها إلى التخطيط أو التنفيذ؟. هل أقول لك شيئا، ربما تجده، أو ربما يجده غيرك، ممن سأبعث لهم بهذه الرسالة، غير ملائم بعض الشيء، وهو أنني أصبحت أحس أن الحياة بعد نزول المسيح، بالصورة التي ظللنا نرسمها لها، أو قل، على وجه الدقة، التي ظللت أرسمها لها أنا، حياة مملة جدا، بل وسخيفة. هي، في الحقيقة، أقرب ما تكون إلى حياة الجنة التي كنا نتصورها، ونحن في المدارس الابتدائية. أقوام راقدون على قفاهم، تحت ظلال الأشجار، وتتساقط الفواكه على أفواههم. لابد لنا من إعادة قراءة مسألة نزول المسيح، قراءة أكثر عصرية، وأكثر ملاءمة لروح الوقت الراهن. أجد هذا أليق بالعقل الكبير، وبالوجدان الكبير أيضا.

    قلت لك فيما تقدم، أن علينا أن نشمس خواطرنا مع بعضنا البعض، وها أنا الآن أفعل شيئا من ذاك القبيل. كثيرا ما أميل إلى الاعتقاد بان المسيح قد جاء. وقد بلغ رسالته، وذهب راضيا مرضيا. تجسيد رسالته سوف يحدث في الزمن عن طريق توافي العقول البشرية، على ما بشر به. فالمسيح، كما أراه الآن، أشبه ما يكون، بحقنة إلهية، جرى حقنها في شرايين الحياة المعاصرة، وهي حقنة بطيئة المفعول بقياسات عمر الفرد، ولكنها سريعة المفعول بقياسات عمر الحياة على الكوكب. أفهم "الانتظار" الآن على أنه مراقبة مفعول هذه الحقنة في البشر، وفي أساليب حياتهم. سقوط الشيوعية، شبه المفاجئ، واحد من تأثيرات هذه الحقنة. والمرحلة القادمة، هي مرحلة التحول في الرؤية الغربية للكون وللحياة، من علمانية، إلى روحانية. هذا التحول يسير الآن. وقد رأيته في كثير مما اطلعت عليه، أثناء دراستي بالجامعات الأمريكية، متجسدا في بعض كتابات مفكري ما بعد الحداثة، وكتاب لاهوت التحرر، ومنهم غارودي، ودعاة عودة الروحانية، وحتى ناشطي حماية البيئة، وغيرها ممن أيقنوا أن الحضارة الغربية الراهنة تغذ السير نحو طريق مسدود. حقبة الحداثة العلمانية القائمة على فيزياء نيوتن، وعقلانية إيمانويل كانط، تلفظ أنفاسها الأخيرة، بشهادة المبصرين من أهلها، وليس هذا مجال التوسع في هذه الناحية. المهم هذه واحدة من الإشارات.

    نزلت آية "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" في حجة الوداع. وقد عمد الأستاذ، فيما كتب، إلى الإشارة، إلى أن ذلك اليوم، كان يوم جمعة. وقد تم التنفيذ في يوم جمعة. وأرى أن تلك الآية قد نزلت فيه مرة ثانية. إذا لم نمتلك التصور المبدئي لما سوف تسير عليه الأمور بعد التنفيذ، فإن أي حركة، نقوم بها، سوف لن تعدو، أن تكون تخبطا، لا وجهة له. دعونا نتحاور حول التصور الذي نرجح أن الأمور سوف تسير عليه. هذا هو الذي سوف يحدد الكيفية التي سوف نسير عليها. لماذا نريد أن نجمع الناس على غير واضحة؟! هل نحن أصحاب تصور واضح، أم نحن نسعى فقط لحل أزماتنا النفسية الشخصية، عن طريق الاحتماء بقطيع، أي قطيع؟! لو سرنا مدفوعين، فقط بالعاطفة الدينية، فإن أخشى ما أخشاه، أن نصبح مثل أهل الاتجاه الإسلامي في السودان، الذين ظنوا أن إدارة الدولة، ليست سوى صورة مكبرة، قليلا، لإدارة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم. وأنّ بوسعهم مناطحة العالم، وإخضاعه لإرادتهم! فما هي أجندة من ينادون بالحركة عندنا، على المدى الطويل؟ ثم ما هو تصورهم للحركة أصلا. أهو السير في ذات المسار القديم؟ وهل الحركة مقصودة لذات الحركة، أم لأمر وراءها؟ هل يردوننا أن نصبح حزبا سياسيا سودانيا، متواليا كان أم معارضا، مثلا؟ ولو عملنا حتى وصلنا إلى السلطة، ماذا نحن فاعلون؟ مرة أخرى، أليس هذا ما كنا ننعيه على أهل ما سمي بالاتجاه الإسلامي في السودان، حين قلنا أنهم لا يحبون مناقشة أي برنامج، ولا يعرفون شكل الدولة التي يسعون إليها، بقدر ما يريدون إحراز السلطة؟

    أعتقد أن على الجمهوريين التبشير بدعوتهم فقط. والتبشير يسبق إدارة الأمور بزمن. هذه قصة كبيرة جدا، وتعمل من أجل تحقيقها عناصر مختلفة، وكثيرة، ومعقدة، من بينها قوى رهيبة، يحركها عقل الوجود الكامن في كل شيء. هذا، في تقديري، ما عناه الأستاذ، حين شبهها بمركبة سائرة، وأن السعيد، هو الذي يضع يده عليها فقط، فهي سائرة بذاتها. والتبشير هو الذي سيحفظ لنا شريعتنا. ولن يكون ما نقوم به أكثر من وضع لليد على مركبة سائرة أصلا. وحفظ الشريعة ليس غاية في ذاته، وإنما هو طريق إلى سعادتنا، وإشباع الوهم المشرج في كل ذات إنسانية، بأننا نفعل في الوجود، وأننا نغير الوجود، فذاك يعطينا إحساسا بالسعادة، وربما، بأننا متحكمين، وممسكين بزمام الأمور، وأننا مختارين. لقد ولد الأستاذ في السودان، وعاش كل حياته في السودان. وخلق تلاميذ من السودانيين. ولكن فكره، كان، وسيظل، فكرا كونيا. وأقصد بكلمة كوني، أنه، أكثر من كوكبي. رؤيته، في تقديري، رؤية غير مسبوقة، في تاريخ الفكر البشري. ولكن من يعرف عنه ذلك؟ أهذه القلة القليلة جدا من السودانيين، المسمون بالجمهوريين المنبوذين في غالب الحال؟. وحتى هذه القلة، فإنها تتفاوت تفاوتا كبيرا، في معرفة عمق ما آمنت به. يضاف إلى ذلك، أنها قلة، ليس لها وزن عددي، ولا اقتصادي، ولا فكري، حتى في السودان، على صغره، بازاء العالم، دع عنك بقية العالم العريض العويص. ألسنا في حاجة إلى إمعان النظر في الأمور قبل أن نخرج إلى الناس، فلا يروننا غير أقوام يهرفون بما لا يعرفون؟

    ربما كان هذا الغموض هو الذي جعل أكثريتنا تجنح نحو مرفأ الحقيقة. فالأمر كما يبدو بحاجة، إلى معجزة، من نوع ما. وانتظار المعجزة بغير عمل، ليس معه ترقٍ بطبيعة الحال. فليس لدى أحد منا عهد من الرب يجلي له به المعجزة في سني بقائه على وجه البسيطة. اعمل ما تستطيع، فإن أراك الله جزاء عملك هنا، فبها، وإن لم يركه هنا، فالطريق طويل، فسوف تراه في مرحلة أخرى، من مراحل ما بعد الموت. وما من شك، ليس بيننا من في وسعه، أن يصنع المعجزات! وبناء على ذلك، ربما رأى البعض أنه لا جدوى من أي عمل. كل ما علينا عمله، هو حفظ المجتمع، مثل أية طريقة صوفية، عن طريق جلسات السلوك، والإنشاد. فتحقيق النصر لفكرة كوكبية كهذه، كما هو واضح، خارج عن نطاق القدرات العادية، والمناهج العادية، والأساليب العادية. في الناحية الأخرى هناك دعاة مواصلة الدعوة، ومواصلة التسليك. ولكن إلى أين سيسير بنا هؤلاء. لنفرض أن السودانيين وافقونا على أن الإسلام رسالتين. وأنهم لزموا معنا الطريق. هل هذا كاف لخلق نموذج كوكبي؟ فمن يا ترى سيستمع إلى أهل قطر غارق في الفقر حتى أذنيه؟ قطر، نبض العصر، وإيقاعه، فيه خافتان، خفوت دبيب النمل. والسؤال الذي سيواجهنا هو، كيف سنتمكن من تنمية بلدنا، ونخرج بمواطنينا من ربقة فقر، بلغ درجة الفحش. وعالم اليوم، كما هو واضح جدا، لم يعد يسمح للفقراء بالخروج من دوائر الفقر، والتخلف. كيف نخلق اقتصادا قويا، به نملك آليات الانتشار، والتأثير؟ كيف سنتعامل مع عالم قام أساسه على الربا، وأفحش أنواع الربا، ونحن اشتراكيون، وأيضا مسلمون، كما أشرت سابقا!؟

    ما أراه، أن علينا أن نبشر فقط. وهذه لا تحتاج إلى تنظيم، وإنما إلى قامات فردية. وقد أشرت أنت إلى ذلك أيضا. وسوف تبدأ هذه القامات في البزوغ، كان على ربك حتما مقضيا. ستجيء هذه القامات منا، أو من خارجنا. ولن تعمل هذه القامات شيئا أكثر من أن تذكر الناس، وذلك بأن تجعل الأمر "في الجو". (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر). الناس أنفسهم، والمؤسسات القابضة، سوف يتوافون جميعا على المفاهيم الروحانية، ولكن بعد أن يصلوا إلى مرحلة العجز، وليس قبلها. والمعجزة الكبيرة هي ألا يأخذ هذا الأمر وقتا كالذي يبدو لنا، حين نفكر فيه، أو نحاول تصوره. سيكون أمرا شبيها بانهيار الشيوعية، بين عشية وضحاها.

    نعم، لقد اكتسحت ثورة الإسلام الأولي، الإمبراطوريتين، الرومانية، والفارسية. فعلت ذلك، رغم تخلفها الحضاري عن كليهما. غير أنها استخدمت السيف، وهو وسيلة لم تمتز، بها عليها، تلكما الإمبراطوريتان، رغم تفوقهما على أعراب جزيرة العرب، برغد العيش، حلاوة وطلاوة. انتصر الإسلام بالسيف، مضافا إليه العقيدة المحرضة على الجهاد. ولكن كيف بنا اليوم، ونحن لسنا دعاة عنف، كما لا نملك اقتصادا بين الأمم، ولا نملك إعلاما، ولا نملك شيئا يذكر. حقيقة الأمر، نحن عاجزون حتى عن إدارة أبسط المرافق، والحفاظ عليها. أكثر من ذلك، نحن عاجزون حتى عن توفير الأكل والشرب، في الحدود الدنيا، لأنفسنا، فأين نحن من الأخذ بالناس إلى سبل الرشاد! الأمر جد محير. وهذا أمر، لا يجدي معه التسييس، ولا الديماغوغية اللفظية، التي تحاول أن تدفع بنا في مسارات تبسيطية، فجة، ومتعجلة. نحن مواجهون بكثير من الأسئلة المحيرة. ولكن يبدو أن بيننا من لا تعرف الحيرة طريقا إلى عقولهم أبدا.


    يتواصل
                  

10-25-2016, 08:38 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    المشاركة السادسة من خطاب الأخ النور وضعها في يوم 31 ديسمبر 2003:

    ـــــــــــــــ

    هل نحن فعلا جسم واحد؟

    أعتقد أن علينا أن نفرق، بين كوننا، لا تزال تربطنا أواصر محبة، وألفة، أنتجتها قيم الفكرة، وفترة الحضانة الطويلة التي أمضيناها في التربية وفق منهجها، وبين الافتراض والتوقع ـ وهما افتراض وتوقع غير صحيحين ـ من أن علينا أن نفكر بطريقة متطابقة. ولربما لا أجانب الصواب إن قلت، أننا لم نكن على تطابق تام، في الرؤية، في يوم من الأيام. كل ما في الأمر، أن الأستاذ كان على رأسنا جميعا. ثم أننا كنا منشغلين بالحركة، وبالمعارك التي خضناها مع كل ألوان الطيف السلفي، في السودان، وخارجه. لقد كنا في خندق واحد، يتربص بنا الأعداء من كل صوب. كما كانت معركتنا محددة، ومحصورة. نحن لم نخض معارك فكرية حقيقية حتى الآن. وأعتقد أن الأستاذ قد المح إلى ذلك بعض المرات. حربنا كانت محصورة في الجدل مع السلفيين، حول ضرورة تطوير التشريع، وتلك حرب سهلة. وقد كسبنا كل جولة منها، في المحاضرات، والندوات، والأركان، والمنشورات. وقد حولت هزائمنا المتتالية، للسلفيين، تلك الحرب، إلى حرب سياسية. ولقد خسرنا المعركة السياسية، بإعدام الأستاذ، ثم باستتابتنا بواسطة قضاة نميري، ورهط السلفيين الواقفين من ورائه. أكثر من ذلك، خسرنا المعركة الأخلاقية، خسرانا مبينا، حين نكصنا عن حبل المشنقة. ولكن كيف يذهب إلى حبل المشنقة، من ظل معتقدا طول الوقت، أن مرشده، لن يذهب، ويتركه في مواجهة خيار صعب كهذا. لقد كان هو الذي يختار لنا، وقت الملمات، ووقت المواقف الخطيرة. وقد كان هو الذي يتقدمنا، إلى كل ملمة. وربما قال قائل، أنه قد اختار لنا الموت شنقا، وقد تقدمنا في ذلك فعلا، ولم يخلف عادته. غير أن ذلك جاء مفاجئا، ومخالفا لما هو راسخ عندنا من عقيدة. لقد جرى الأمر كله بسرعة غريبة. ألقى القبض على الأستاذ يوم 5 يناير. حوكم يومي 7 و 8 يناير. أصدرت محكمة الاستئناف حكمها يوم 15 يناير. أيد نميري الحكم يوم 17 يناير وتم التنفيذ يوم 18 يناير. كل الفترة، منذ الاعتقال وحتى التنفيذ، كانت 13 يوما فقط! المهم، أن ما جرى من أمر التنفيذ، وما تبعه من استتابة، ربما كانت له مسوغاته، ومبرراته الروحية. وليس هذا مجال الاستطراد في تلك الوجهة. الشاهد هو أن الارتجاج الذي أصابنا له ما يبرره أيضا. كانت تلك نهاية المعركة السياسية. أما المعركة الفكرية، فقد وضح الآن، أنها لم تبدأ بعد، ولكنها قادمة، ونحن عنها منصرفون، بسبب من عدم قدرتنا على التخلص من عقابيل المرحلة الماضية، والحنين للأيام الخوالي.

    ولا بد هنا من الإشارة أيضا، إلى أن وجود الأستاذ بيننا، ربما أراحنا وقتها، من عناء التفكير الموسع، من جهة، ومن عناء تحمل المسؤولية، من جهة أخرى، وقد لاحظت أنت ذلك في رسالتك. أما الآن، فقد اتسع ميدان المعركة. وإحساسي الشخصي، أن ميدان المعركة قد أصبح ميدانا كوكبيا. المعركة في تقديري، لم تعد محصورة في السودان، على النحو الذي انحصرت به فيه، في الماضي. وأرجو ألا أكون قد شطحت، إن قلت، إن الفكرة الجمهورية، ربما تمكنت من لفت نظر السودانيين، عن طريق لمعانها في الخارج أولا. وأظن أن للأستاذ إشارات في تلك الوجهة. وربما مر زمان، قبل أن يلتفت الناس للفكرة، ويصبح الانشغال بها، بصورة موسعة، أمرا واقعا. ولا يعني ذلك، أن السودان سوف يظل بمعزل عن رحى تلك المعركة الكوكبية، التي ربما تطول، وربما تقصر. في تقديري، سوف تتصاقب حركة التفات الناس للفكرة داخل السودان، مع شيء مشابه يجري خارج السودان. غير أن التنظيم، لن يعود، في نظري، بشكله القديم. ولن تستخدم الحركة في أطوارها الجديدة نفس النهج القديم. لقد مضت فترة الحضانة تلك، ولن تعود. أنا شخصيا، ليس في داخلي أي حنين لتلك المرحلة. لقد كان الوضع الماضي كله، وضعا استثنائيا، من جميع وجوهه. وما كان له أن يدوم على أية حال. وحقيقة الأمر أنني أعجب أشد العجب، ممن يحنون إلي تلك الحالة!

    المعركة الكوكبية، في تقديري، هي المعركة التي كان الأستاذ يعد الدعاة من أجلها. كل تجربتنا في السودان، كما أراها الآن، لم تكن سوى فترة إعداد. هذا التصور ربما سندته كثرة الأقوال التي كانت تتردد كثيرا، آنذاك، من أن المقصودين بالحركة، هم الدعاة أولا وأخيرا. ويقيني الراسخ الآن، وبعد كل هذه السنوات، أن دعاة الفكرة الجمهورية لم يجيئوا بعد. وفي ظني أن كثيرا منهم، سوف يخرجون، من أولئك الذين جرى إعدادهم في السودان، على أيدي الأستاذ. ولكن ذلك يقتضي، ممن يرون في أنفسهم كفاءة للعب الدور الجديد، وعيا بواجبات المرحلة الجديدة. وهي مرحلة فرديات، ولن يكون للتنظيم على النحو الذي عرفناه به في الماضي، دور كبير فيها. سنظل على اتصال، وربما تجمعنا في تجمع، أو تجمعات من شكل ما. ولكن على نحو أقرب إلى النحو الذي يتجمع به الناس في الجماعات الفكرية، أو المؤسسات المشابهة. التنظيم على النحو الذي عرفناه به في الماضي، لا يصلح لهذه المرحلة أبدا. بل إن التنظيم، بعد الأستاذ، معوق، وقاتل للمواهب، وللتفتح، في نظري. هذا ما من أجله قلت أننا لا نمثل جسدا واحدا حقيقة. وإن أحببنا أن نفهم الأمر خلاف ذلك. واقع الأمر غير ذلك، حقيقة. وغني عن القول أن التنظيمات القابضة، قد عرفت على الدوام، بالحجر على الفكر، وعلى المبادرة الفردية. فلا فكر حر، مع تنظيم قابض، ومسيطر أبدا.

    بين القضية العامة والخلاص الشخصي:

    لقد لمحت في رسالتك نبرة حزن، وأسى شديد على واقع الحال. ولا أُخفي عليك، أن الانطلاق من مثل ذلك الشعور الديني، المفعم بتبكيت الضمير، ربما يصرف عن رؤية الواقع، على نحو واقعي معتدل. مثل ذلك الشعور يدفع للغرق في فكرة الخلاص المسيحية، وبالتالي الغرق في مسألة خلاص الذات. وربما قاد مثل ذلك الشعور، في صوره الحادة، إلى اختزال قضية الخلق كلهم، وقضية العيش على الأرض كلها، في الأزمة الوجودية الشخصية. وهي أزمة نعاني منها جميعا. وخاصة من خرجوا مثلنا من تجربة دينية، سلوكية، طويلة، انتهت بفشل أخلاقي مذاع ومتلفز. ملاحظتي، أنك ركزت في رسالتك، على تقادم السن بأكثريتنا، وما يجتاحنا أحيانا، من حنين إلى الآخرة، والخروج من هذه المعاناة العجيبة. كما ركزت على العودة إلى السلوك، وإلى ترابط المجتمع، على نحو يشبه ما كان عليه الحال، قبل التنفيذ. وأرجو تصحيحي إن كنت قد فهمتك خطأ. في تقديري، العودة للتسليك، والترشيد، على النحو السابق، تخطاها الزمن. وهي في حكم الوقت الراهن، حسب ما أرى، عودة إلى الوراء. وأرجو أن أوفق في شرح ذلك، بصورة أوسع، لاحقا. أعتقد أن العودة للتسليك بشكله السابق لن تتم. بل ومن الخير ألا تتم! علينا أن نتصالح مع وقتنا الراهن. نعم انفتحت الأمور الآن على مختلف الاحتمالات، وهذا ما يزعجنا، ويقض مضاجعنا. فلربما متنا ونحن على هذه الحال. ولكن ما يضير؟ من منا اتخذ عند الرحمن عهدا، يجلو له وفقه، في فترة ما بين المهد واللحد، كل ما جرى، وما سيجري، بين المبتدأ والمنتهى؟ لقد تبدد ذلك اليقين الذي نمنا عليه سنينا، والأستاذ بين ظهرانينا. نحن بحاجة الآن أن نطور قدرتنا على العيش مع الغموض والإبهام. (tolerance for uncertainty and ambiguity) . هكذا يسمي الأمريكيون، هذه المزية في أدبياتهم. علينا أن نعيش لحظتنا الحاضرة، كما تفضلت أنت، وأن نملأها، جهد الطاقة، بما يفيد، وينفع. لقد بدأت أتذكر كثيرا من العبارات، التي كان يقولها الأستاذ في هذا الصدد، وأكثر ما أذكره منها ترديده الكثير لبيت عوض الكريم موسى القائل:

    سر الحقيقة في خفـا هي مقتضى فرط الجلا
    وأتى بها خبر السـما هي ما عليه العالمـون

    عيش السماء وعيش الأرض:

    حياة الأستاذ، كما أراها الآن، لم تكن سوى إلمامة سماوية بأهل الأرض. وهي الأخيرة في سلسلة تلك الإلمامات الكبيرة التي غيرت وجه التاريخ، في الماضي، على مكث وتلبث. مهمته كانت نشر كتبه، وتسليك جيل يمكن أن ينهض بالدعوة بعده. بالطبع لم يكن هذا تصوري قبل التنفيذ، وإنما هذا ما توصلت إليه عبر هذه السنوات الست عشرة، التي أعقبت التنفيذ. بقي المسيح بين حوارييه ثلاث سنوات. وبقي النبي بين أصحابه ثلاثا وعشرين سنة، وبقي الأستاذ في دعوته نحوا من أربعين سنة. كل هذه الفترات لم تكن فترات حياة طبيعية. جذبت تلك القامات الروحية السامقات، من آمن بها جذبا. أخذت تلك القامات المؤمنين بها إلى شاطئ الوادي الأيمن. أو قل، أخذتهم إلى السماء، كفترة إعداد. لقد كانت فترات معراج. الحياة الطبيعية لا تعاش كذلك، ولا ينبغي. ومرة أخرى أعيد عليك رؤيتي، أو قل قراءتي للتجربة الماضية. وأعني تجربة المجتمع الجمهوري لفترة ما قبل التنفيذ. ومفاد تلك القراءة، أن تجربة التسليك بوضعها ذاك، تجربة خاصة بالدعاة وحدهم، فيما أرى. كما أنها مربوطة ربطا عضويا بوجود المرشد. أو قل مربوطة بالمدد الروحي، المتجسد وقتها، في صاحب الدعوة. ذلك المدد المعبر عنه بالقولة المعروفة: "ما كدنا ننفض أيدينا من تراب قبر رسول الله حتى أنكرنا قلوبنا". الشاهد أن حالات إعداد الدعاة لدى السيد المسيح، ولدى النبي صلى الله عليه، وسلم، ولدى الأستاذ، حالات معراج، ولا مقام فيها لمقيم.

    لقد كانت تجربتنا مع الأستاذ، أشبه بـ "مدرسة داخلية للتسليك"، وهي لم تطابق الحياة العريضة، ولن تطابقها في يوم من الأيام. وليس من الخير أن تستمر حياة الناس، على ذلك الوضع. لقد كانت خلوة وخرجنا منها. والجلوة أكمل من الخلوة. ذلك وضع كان مقصودا لذاته، ولفترة محدودة جدا، وليخدم غرضا محددا. وهو إعداد صفوة، دللت بحكم إقبالها، والتزامها، أنها قادرة على عيش التجارب الاستثنائية. وقد وردت كثير من عبارات الأستاذ، في هذا الشأن. السلوك بتلك الطريقة، كان للدعاة وحدهم. ربح من ربح، وخسر من خسر. ولا أقول ذلك لتثبيط الهمم، أو قفلا لأبواب السماء. وإنما لتوكيد حقيقة بسيطة. وهي أن السير في تلك الحقبة المنصرمة، كان سيرا ممدودا بوجود المرشد. ولن تتوفر الظروف، ولا المناخ لإعادة مثل تلك التجربة، على الأقل في ظرفنا الراهن. كما ذكرت، فقد كانت خلوة. وهي خلوة كان لها نفعها، بفضل وجود مصممها ومرشدها. وسوف لن تتفق لأي منا، على ذلك النحو، مع غيره أبدا.

    دعونا فقط نفكر في المجتمع العادي الواسع الكبير. هل يظن دعاة السلوك والتسليك، على ذلك النحو، أن تلك التجربة يمكن أن تنسحب، بحذافيرها، على المجتمع الكبير؟ وهل هي عملية؟ فعلى سبيل المثال فقط، كنا نصحو لصلاة الليل قبل، أو بعد، الثالثة صباحا. ننام قليلا، ثم نصحو لصلاة الصبح. نقيم جلسات المنازل، حتى طلوع الشمس، ثم نذهب عقبها، إلى بيت الأستاذ لجلسة الإنشاد. حوالي الثامنة، نذهب إلى أعمالنا. نعود في حوالي الثالثة ظهرا. نتغدى، ونرتاح لمدة ساعة، أو يزيد قليلا، ثم نذهب للذكر، الذي نستمر فيه، وقوفا، قرابة الساعتين. نصلى المغرب، ونذهب للحملة. نظل وقوفا في الأسواق، نحاور الناس، نحتمل جهالاتهم، وسوء أدبهم، وإساءاتهم لساعات، نعود بعدها للجلسة المسائية حوالي الثامنة، أو التاسعة. تستمر الجلسة، وكلنا جالس على الأرض، في مساحة قدرها قدمين مربعين، حتى منتصف الليل. وكثيرا ما تمتد، إلى ما بعد منتصف الليل. نعود بعد ذلك للمنازل لننام، على "البروش" لسويعات قليلة، نعود بعدها لنفس البرنامج مرة أخرى، وهو برنامج يبدأ قبل الفجر، كما تقدم. يضاف إلى ذلك أننا كنا نأكل، قليلا جدا، وكان ما نأكله لا يحتوي، إلا على أقل القليل، مما يقيم الأود. انظروا إلى صورنا الفوتوغرافية، من تلك الحقبة. لقد كان كثير منا، مجرد جلود على عظام. هل هذا هو الوضع الطبيعي، والنهج الطبيعي، الذي لابد للناس كلهم، من السير عليه لتحصيل قيم السلوك، أم أن ذلك وضعا استثنائيا، قصد به تقوية النواة، التي يُنتظر لها، أن تنهض بشؤون الدعوة فيما بعد؟ تلك كانت مدرسة الدعاة، ولن تصلح مدرسة لكل المجتمع. ولابد من التنويه إلى أن، كل الذين التزموا بذلك النهج الصارم، وصبروا عليه، حتى غياب الأستاذ، هم من المصطفين الأخيار. وكون أن الدعوة لم تجلب سوى ألف من المؤمنين، والمؤمنات، على مدى أربعين عاما، لدليل آخر، على أن ذلك النهج، قد أعد لصفوة فقط، وتحت رعاية صاحب الدعوة، والمأذون بها شخصيا. المنهج الآن موجود في كتاب الطريق، وغيره من الكتب. ومن أراده فعليه به. وليس في طريق محمد، في شكله المطروح على عامة الناس، جلسات تسليك عقب صلاة الفجر، أو حملة كتاب، أو أركان نقاش، أو حتى جلسات إنشاد. السلوك في مقبل الزمن، هو عمل كل أسرة مع أطفالها. وهو عمل المدرسة مع طلابها، وهو عمل الأندية، والمحافل، وأجهزة الإعلام الراشدة. ولسوف يحدث ذلك دون إهمال لتجويد المهن، وتنمية المهارات اليدوية، والاستمتاع بالفنون، والآداب، والرياضة، والترفيه، والتسلية، والرحلات، وغيرها من وسائل التربية وإرهاف الحس، والسمو بالذوات الإنسانية.

    تجربتنا السلوكية الماضية، تجربة متزمتة، بكل المقاييس. ولا أقول ذلك لكي أعيبها، فقد كانت أفضل ما يكون في ظرفها. أنا أقول ذلك، لأشير إلى كونها تجربة استثنائية. ولكم أن تشاهدوا ما يفعله التزمت اليوم، في أجهزة الإعلام السودانية. ولو نحن حاولنا سحب تلك التجربة على بقية حياتنا، وعلى حياة الناس، فسوف لن يختلف حال دولتنا عن حال دولة الإنقاذ من حيث الجفاف، والتصحر الوجداني. التعبئة والتوجيه، والحشد، والعسكرة، حتى في التصوف، باعثة على الملل فعلى سبيل المثال، فقد جعل التزمت، وضيق الأفق، ونقص المعرفة، بنبض العصر، وإيقاعه، وبطبيعة النفس البشرية، من تلفزيون السودان، أسوأ تلفزيونات العالم، ربما باستثناء أفغانستان. لقد صرنا دون السعودية من حيث تحويل جهاز التلفزيون من جهاز ترفيهي تعليمي، إلى أداة لغسيل الأدمغة. المهم أصبح تلفزيون السودان من أكثر تلفزيونات العالم، تنفيرا للمشاهد. لا لكونه يبث برامج، مثل ساحات الفداء، أو دكتور عبد الحي، أو المنتدى الفقهي، أو ذلك الفقيه الأفندي الذي يطرح أسئلة فقهية، على الشباب، ويدير برنامجه بطريقة بالغة السماجة. هو سيئ، لأنه يجعل من المادة الدينية، أساسا لبرامجه. هو تلفزيون وعظي، وتعبوي، وتوجيهي، وإرشادي، يريد أن يحمل الناس على الجادة، وأن "يذكرهم". ولو نحن كنا محل هؤلاء القوم، واستبدلنا المادة الراهنة، بأحاديث، وأناشيد لابن عربي، وابن الفارض، والنابلسي، وكل كرام مشايخ الصوفية، مثلا، فسوف لن يكون تلفزيوننا، أقل تنفيرا، من تلفزيون أهل الإنقاذ. كثرة الحديث عن الدين، تنفر عن الدين. تصوفا كان أم فقها. فالحقيقة البسيطة تقول، إن الناس يتعلمون ما يريدون تعلمه، في الوقت الذين يريدون، وبالطريقة التي يحبونها. كل محاولات لغسل دماغ البشر، بأي مادة كانت، ما هي إلا مضيعة للوقت. ومعلوم أن أساس دعوتنا، أن لا يدرس الدين تدريسا. وهذا يشمل التصوف بالطبع. يجب أن يمزج الدين بأنشطة الحياة العملية العادية، ومن غير أن نسميه دينا. الشاهد أن "التسليك" هو أن تحصر السالك في المادة الدينية، فتحيطه بها، وتحيطه بالسالكين، الذاكرين، والمذكرين. "السلوك" هو أن تخلق في السالك حالة استيحاش من الحياة العادية، ريثما يستجمع ذاته، وما تلك بحالة كمال. أنا شخصيا، عشت تجربة السلوك، وانتفعت منها، غير أنني لا أريد الرجوع إليها أبدا. لو أردت الحق، أنا لم أعد أطيقها. هل معنى هذا أنني تركت السلوك؟ لا وألف لا. فقط لم أعد بحاجة إلى تلك الرعاية المكثفة، وحضور الآخرين المكثف من حولي، لكي أسير إلى الله.

    وعلى سبيل المثال أيضا، قام السلوك في تلك الحقبة، على مجافاة الفنون، مجافاة تامة. كنا محصورين فيما نحن محصورين فيه. لم نكن نحضر حفلات الأعراس. حتى التي تقام في مناسبات ذوينا، وأهلنا، وأقاربنا. لم نكن نرتاد السينمات، ولا المسارح. الرسامون فينا، والموسيقيون تركوا الرسم والموسيقى، وتفرغوا للدعوة. الرياضيون منا، تركوا الرياضة. لقد اعتزلنا المجتمع بأسره، حتى أهلنا وذوينا. وحين خرجنا من عزلتنا، بعد ذهاب الأستاذ، كنا مثل أهل الكهف، الذين خرجوا يحملون وَرِقَهم القديم، يبغون به خبزا، في قرية غابوا عنها، مئات السنين. خرجنا ووجدنا أنفسنا، لا نعرف كثيرا من أمور المجتمع، الذي ظل يتقلب من حولنا عقودا من الزمان. ما برر تلك العزلة، والاعتزال، هو أن الوقت مع المرشد كان وقتا قصيرا، ووقتا نادرا، وعزيزا. ومن الخير لمن أراد أن يجمع حصيلة تنفعه، في مقبل أيامه، أن يمضي وقته مع المرشد، لا مع الوسائل الأخرى، على أهميتها، ورفعتها. كان المرشد يعرف أن إقامته قصيرة. لم يصرح بذلك، غير أنه كثيرا ما لمح. ولم أفهم أنا تلميحاته إلا بعد أن ذهب. ما أكثر ما قال: "ما في وقت" "الوقت قليل"! لقد كانت تجربتنا تلك، مثل أن يخير المرء بين أن يمضي سنوات في ممارسة حياته العادية، بما فيها من فنون وآداب وغيرها، وبين أن يذهب في زيارة إلى السماء. لقد اخترنا كلنا زيارة السماء، على تفاوت في خلوص النية. ولقد أقام كل منا، بالسماء ما شاء الله له أن يقيم. الشاهد أن زيارة السماء قد انتهت. لقد أعادنا دليل الرحلة إلى الأرض، يوم أن ذهب راضيا مرضيا. نحن الآن في الأرض. دعونا نخطط لعيش الأرض، مستصحبين تجربة زيارة السماء. فالعيش الدائم في السماء غير ممكن، وغير مطلوب أصلا. هذا بالإضافة، إلى أن السماء هي بيئة الملائكة، والأرض هي بيئة بني البشر.
                  

10-25-2016, 09:09 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    المشاركة السابعة والأخيرة من خطاب الأخ النور وضعها في يوم 31 ديسمبر 2003:

    ـــــــــــــــ

    على ومعاوية:


    سمعت الأستاذ مرة يقول: "موضوع علي ومعاوية، يحتاج إلى فكر، يغطّس الزانة، ويطفّح المسحانة". فلماذا قال ذلك؟ ولماذا يحتاج أمرهما إلى هذا النوع من الدقة في التمييز؟ أليس الأمر، في ظاهره بسيطا، وهو أن عليا، أحق بالخلافة، من معاوية. ألا يمثل علي الدين، وهو الحق، ومعاوية الدنيا، وهي الباطل؟ غير أن حقيقة الأمر ليست بتلك البساطة. أقول هذا مواصلة للفقرات السابقة، التي سبق أن ركزت فيها على ضرورة التفريق بين عيش السماء، وعيش الأرض. فالتفكير الديني يميل إلى التزمت. والتزمت يفرض على الناس أساليب عيش "تطهرية" puritan)). وهي أساليب غير واقعية. ولا هي تعني بالضرورة سموا في حياتيْ الفكر والشعور. وهي أساليب، حين يخرج بها الناس عن إطارها، وحكم وقتها، تقود إلى نفاق مؤسف. حدث ذلك للقساوسة بعد ذهاب المسيح، ولا يزال يحدث لهم كل صبح جديد. كما حدث للمتزمتين من المسلمين، وما أكثرهم. وتجربة أهل الجبهة في النفاق، بعد أن تسلموا مقاليد الأمور في السودان، لأكبر شاهد، على ما تفعله المفاهيم المتزمتة بأهلها.

    لقد نصر الناس معاوية على علي، لأن حكم الوقت، كان مع معاوية، وقد عنى ذلك أن يعود الناس ليعيشوا عيشا أرضيا طبيعيا. فسيدنا علي، رضي الله عنه، كان يمثل امتدادا لتجربة العيش مع النبي، وتلك تجربة سماوية، ما كان لها أن تستمر. ولا بد أن الناس قد تعبوا منها. ولم يفلح أبناء علي، كرم الله وجهه، بعده، في إعادة الأمور إلى نصابها، وقد جرى تقتيلهم، واحدا بعد الآخر. الشاهد، أن تجربة العيش في السماء، قد انتهت، يوم أن التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى. عرج معه الناس، ثلاثة وعشرين عاما، ثم عادوا إلى حياتهم العادية، بعد أن التحق بالرفيق الأعلى. هذه التجربة سوف تتكرر مرة أخرى أيضا. عشنا مع الأستاذ عيش السماء، وعدنا لعيش الأرض يوم أن ذهب. غير أن الوضع الآن أفضل من سابقه، وبما لا يقاس. فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. إذ لم تعد الدنيا والأخرى ضرتين. نعم هناك هبوط، أعقب ذهاب الأستاذ، ولكنه أرفع، في أقل حالاته، من حالة الهبوط، التي اعترت المؤمنين حين تركهم النبي. الناس اليوم أكثر رفاعة من قبل، وأقدر على التنقل بين الأرض والسماء، كل لحظة وأخرى. والقدرة على التنقل في العيش بين السماء والأرض كل لحظة وأخرى هو المطلوب. عيش السماء الصرف، إفراط في الروحانية، وعيش الأرض الصرف، تفريط في الروحانية، والكمال في القدرة على المزاوجة، وتلك قدرة تزيد كل يوم بفضل الله.

    حُكم معاوية، على مفارقته لظاهر الشرع، ولحالة التشمير التي ربما كان الإمام علي، سوف يحمل الناس عليها، مهد إلى خلق حضارة إسلامية مادية، استمرت لقرون طويلة، انتشر خلالها الإسلام انتشارا كميا، أكثر من كونه كيفيا. ولكن كان لذلك الانتشار الكمي ما بعده، وكانت له قيمته التي انسربت في شعاب التاريخ حتى وصلت كل من وصلت إليه، في وقتنا الحاضر. ولو صار الأمر لعلي وقتها، فربما كانت الصورة قد اختلفت تماما. فعلي سماوي، ولربما حمل الناس على عيش سماوي ما عادوا يطيقونه. الطريقة التي عاش عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسيدنا علي، لو قدر لها أن تستمر، لربما حالت دون أن تتحول النفحة الروحية التي جاء بها النبي الكريم، إلى حضارة ذات قاعدة متسعة. فمعاوية، ومن خلفوه كانوا القنطرة التي من فوقها تحولت الفكرة الإسلامية، إلي مملكة، ومن ثم إلى حضارة مادية، زحفت حتى وصلت أوروبا. وربما توجب علينا أن نشير أن عصر الترجمة عن اليونانية الذي بدأه العباسيون، هو الذي ربط الحضارة الإسلامية بالفكر اليوناني، وبالعلوم اليونانية. دفع العرب بتلك المعارف قدما، وتسلمتها منهم أوروبا، بعد أن شاخت إمبراطوريتهم، وتفتتت، واضمحلت، وتم إخراج المسلمين من الأندلس، وبدأت من ثم نهضة أوروبا في الصعود. وهذا كله، يقع ضمن ما أشار إليه الأستاذ من أن الحياة، إنما تسير على قدمين من روح، ومادة. الشاهد، أنه لا سبيل إلى عيش سماوي صرف على ظهر الأرض. وحتى العهد الألفي الموعود، على شرفه وعزته، ما هو إلا بداية النهاية لهذه الدورة الوجودية. فالرغد المادي سوف يفقد الناس القدرة تدريجيا على المزاوجة بين السماء والأرض. ولسوف يطرد ذلك، حتى يصبح العيش، عيشا أرضيا صرفا، وحينها تبدأ الحياة رويدا رويدا، في الرجوع إلى الغابة، حيث خرجت، ثم لن تلبث أن تتآكل حتى تقضي على نفسها. هذه مجرد إشارات، إلى ما من أجله قال الأستاذ: "موضوع علي ومعاوية يحتاج إلى فكر، يغطّس الزانة، ويطفّح المسحانة". ولي نية في الكتابة، بتوسع في هذه المسألة.

    عصر الفردية:

    ما أراه، هو أن نفكر أكثر، ونتعمق أكثر، في تصور عهد الفرديات، وقيمة الفردية. علينا أن نفعل ذلك، بعقول متحررة من بقايا التجربة الماضية. أعني تجربة مدرسة "التسليك". ويجب ألا يذهلنا عن ذلك، حسن النية، القائم وراء الدعوة إلى ترشيد الناس. ومعلوم دولة الشريعة، تقتل من لا يصلي، حتى وإن شهد ألا لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. كما تقوم بتعزير من لا يصوم. وتفعل أمورا أخرى كثيرة لتضع الناس على الجادة. وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يعلو الناس بدرته، (أي يضربهم بعصاه)، في قارعة الطريق، كما ورد في الأثر. وعموما، فطاعة الله في الشريعة، لها أشكال محددة، ويجب التزامها حرفيا. وهي أشكال يتم فرضها قهرا، كلما تمرد عليها الأفراد. قيام الدستور يعني وضع الوصاية على الناس، جانبا. أكثر من ذلك، يعني التعمق في التعرف على ما خفي من الوصاية، واستتر، ولَطُفَ، وما أكثره. ليس أمرا سهلا، التأسيس لعهد المسؤولية الفردية. هذا أمر يتطلب أفرادا أحرارا، حرية حقيقية. والناس في مجموعهم، قد تمردوا، منذ قرون خلت، على الدولة الدينية بكل أشكالها، وانتزعوا حقوقهم وحرياتهم بأنفسهم، منها عنوة. لم تستطع أي دولة دينية أن تطبق ما أرادت، على الناس، ولن تستطيع. نعم، في بلد مثل السعودية، مثلا، وهي تمثل آخر معاقل الدولة الدينية القابضة، يوجد بعض المتهوسين الذين يسمونهم بالمطوعين. وهم قوم تبارك الدولة مساعيهم، أو على الأقل، تغض الطرف عما يفعلون. يقوم هؤلاء، بحث الناس بالذهاب إلى المساجد، ساعة الصلاة. فيأمرون بإغلاق المحال التجارية. وربما قاموا، في بعض الأحيان، بتفقد من لم يحضر إلى صلاة الصبح، مع الجماعة في المسجد، مثلا. ويبدو أن مثل تلك الممارسات قد ضعفت عموما، حتى انحصرت في بعض القرى، والمدن الصغيرة النائية.

    ربما يقول قائل، ما أراد الكاتب بهذا مثلا؟ فلا أحد يريد أن يقتفي آثار السعودية، أو يطبق القهر، كما حدث في شريعة القرن السابع. الشاهد، أننا في فترة السلوك، كان لنا وضع مشابه، لأوضاع الشريعة، مع الفارق في الحكمة. لقد أبدلنا نحن سلطة الدولة، وسلطة الوالي، بسلطة مجتمع السالكين، الذين يحيطون بالسالك، إحاطة السوار بالمعصم. حيث يمثل الضغط النفسي، المتشكل، بحكم البرنامج المكثف، وبحكم الحوافز، قوة قهر خارجية، تجعل السالك يتحرك أحيانا كثيرة، بوحي من خارجه، أكثر مما يتحرك من داخله. هل نريد، حين ندعو إلى السلوك، وإلى الجلسات، أن نعيد ذلك الوضع القابض، مرة أخرى؟ وهل من الحكمة إعادة ذلك الوضع الآن؟ ما جعل ذلك الوضع محتملا، هو وجود الأستاذ بيننا. ولذلك فإن نقل تلك التجربة، بحذافيرها، إلى الظرف الجديد، أمر محفوف بمحاذير كثيرة. وعموما فقد قيل، أنه ليس هناك رجل هو من الكمال، بحيث يؤتمن علي حريات الآخرين. والحرية، تعني في المقام الأول، حرية أن تخطئ، وأن تتعلم من خطئك. وتعني حفظ خصوصية المرء، وحرية ضميره، بعيدا عن المراقبة، أو المحاصرة على أي شكل كانت. فالمجتمع من حيث هو كمجتمع، قوة قاهرة، وقوة متغولة على المساحة الفردية. كان ذلك كذلك على الدوام، ولا بد من الخروج عن ذلك، وبعلم كبير. لقد نبذ الغربيون سيطرة المجتمع نبذا فيه الكثير من التطرف. فالمجتمع كثيرا ما يحشر أنفه في شؤون الفرد. ما قام به الغربيون ليس باطلا، وإنما فقط تنقصه القيمة، في الظرف الراهن. قل ينقصه المنظور الكوني المتكامل. لكن ما يقوم به الغربيون من تقليص لسلطة المجتمع، وهي سلطة رزح الناس تحت نيرها بعمر الحياة كلها، سير في الوجهة الصحيحة. حالة الشطط الغربية الراهنة، مصيرها الاعتدال. فالثورة كما هو مقرر عندنا لا تملك أن تعتدل، بادئ أمرها. التطرف الغربي في الفردية، مؤشر، يجب أن نقرأه بعناية شديدة.

    أما الدستور، وهو من ندعو إلى إقامته من القرآن، فإنه يعاقب على الخطأ في حق الجماعة، ولكن لا يعاقب على الخطأ الذي يتضرر منه الشخص المخطئ وحده. بل هو لا يسعى، ولا يحض على السعي إلى تعقب عورات الأفراد. ومن ثم هو لا يحض على "خم" الناس ومحاصرتهم، حتى إن بغينا بهم الخير. أما الشريعة، فتعاقب في الحالين. ومن هذا كان حد شرب الخمر فيها منصبا على الشرب، وليس على السكر، كما مقرر في الدستور. وهذا هو الفرق الجوهري بين الشريعة والدستور. ما أود إيضاحه، باختصار، أن السلوك القائم على حصر السالك، في مناخ بعينه، فيه وصاية. وهي وصاية قد جعلها عملية، اختيار المرء لها. ثم اختياره ضمن ذلك الاختيار الأساسي، إحاطة نفسه بالسالكين. ولكنها، مع ذلك، غير عملية، خارج هذا الإطار. ولا أعتقد أن كثيرين من الناس سوف يسيرون في مثل ذلك الاتجاه في اختيار تقييد النفس على ذلك النحو. مرة أخرى، ذلك أمر تعلق بصفوة منتقاة في ظرف تاريخي بعينه. يضاف إلى ذلك، أن السعي إلى تسليك الناس يتضمن تزكية للنفس، من جانب المسلك، لا ريب في ذلك أبدا. فيه قول صريح مفاده، (أنا أقرب منك إلى الله، وأنا أعرف الطريق خيرا منك. سلمني عقلك، ولسوف تسلم، أو دعني أختار لك). التسليك، باختصار، يعني، اتبعني، وسوف أجنبك المزالق. والحرية تعني، دعني أجرب، وأخطئ ، وأتعلم من خطئي، من غير ضغوط. أخرج أنت منها، ودعني أجرب، وليرتطم رأسي بالحائط، ثم أفيق من آثار الارتطام، و أعود إلى الجادة وحدي. ولذلك، فإن المخرج في التبشير، وليس في "التسليك"، والتعبئة، والمحاصرة، ورقابة الجماعة. نعم، فليلتقٍ الأخوان، وليتفاكروا، وليذكروا بعضهم البعض. ليلتقوا مثلما يلتقي الناس المتقاربين فكريا، ووجدانيا، في كل المجتمعات البشرية. ليتبادلوا الآراء فيما بينهم، وليسعدوا ويستأنسوا بصحبة بعضهم البعض، وليستعينوا ببعضهم البعض، وليذكروا بعضهم البعض عن عمار أحوالهم، وقيمة ما ينطقون به، بدل أن يلتقوا ليعرضوا نياشينهم، ومواقعهم في الهرم التنظيمي. لو التقى الإخوان، بمثل هذه الصورة، فإن المحبة بينهم ستعود، وستبقى. فلو نحن التقينا كمفكرين، وكهائمين بعوالم الفكر، وكعشاق للحقيقة، فهذا هو ما أرادته الفكرة بالبشر. واجب المرحلة، هو الابتعاد عن الطقوس، ونسيان المقامات، التي أعطيت لنا فيما مضى، أو أعطيناها لأنفسنا. مرة ثانية، علينا أن نبتعد عن "التسليك" المؤسسي. هذا أمر ضار، في غياب مرشد مثل الأستاذ. وهو على أية حال، لن يعود. وكلما جنح الناس نحوه، كلما تفرقوا، وتقسموا. في ما أرى، أن التبشير باتباع الطريق النبوي، يختلف عن "التسليك". والمطروح للإنسانية، في عمومها، لتعمل به من غير "مُسلِّكين" هو الطريق النبوي، في شكله البسيط، المعروض في كتيب الطريق.

    علينا أن نفكر بروية، وبعمق، وبحذر في مسألتي التذكير و"التسليك". أخشى أن نكون في طريقنا إلى خلق مؤسسة دينية قابضة. لقد رفضت البشرية المعاصرة سلطة المؤسسة الدينية، وبحزم شديد. وعلينا أن نلاحظ، أن الكهنوت، يلطف هو الآخر، ويلبس لبوسا مختلفة. كثير من الناس اليوم، في الغرب، اتجهوا إلى التدين الفردي. فهم يعبدون بخليط من الأساليب المأخوذة من عديد من الديانات. وهناك كثير من الحديث عن الروحانية، بعيدا عن المؤسسات القابضة كالمؤسسات الكنسية، وما شابهها. وكثيرا ما تسمع من المقبلين على ممارسة نهج ما للتعبد، عبارات من شاكلة، أنا روحاني، ولكني لست متدينا. (I am a spiritual person, but I am not religious). حتى إن كثيرين منهم يشاركوننا فهمنا، أن أغلب المؤسسات الدينية، لا علاقة لها بالروحانية. فالمؤسسات الدينية غالبا ما تجنح إلى مصادرة، حق الناس في التجريب، وفي تعليم أنفسهم بأنفسهم. بإختصار، أنا لا أقول بأن السلوك غير ضروري، وإنما هو شأن فردي. أساس تطوير التشريع هو رفع سيف الشريعة المسلط عن رقاب الناس. وأيضا، رفع ظلاله الممتدة، في تجربة "التسليك" الصوفية، التي لا تصلح إلا في مجتمعات مغلقة، تعيش عيشا بسيطا، وفي محيط جغرافي محدود. هذا بعض مما من أجله قيل، إن الطرق لم تعد واسلة ولا موصلة، منذ اليوم. لقد ارتفع الأفراد، في مجموعهم، بفضل الله، ثم بفضل قفزة أساليب الحياة الحديثة، وعلومها. وجاء، من ثم، عهد النهج الفردي. يأخذ الناس الطريق أفرادا، ويعملون به أفرادا. يقعون ويقومون أفرادا. وسنظل نحن نبشر بالطريق، وندل عليه، ونأخذ ونرد مع من يريد أن يأخذ ويرد معنا. ولكنا لا نحاصر الناس، ولا نخلق لهم برنامجا "تسليكيا"، نسعى من وراءه إلى محاصرتهم، ووضعهم على الجادة. كما أننا يجب ألا نسعى إلى جعلهم يستوحشون من حياتهم العادية، ومن الناس المحيطين بهم، غافلين كانوا أم حاضرين. العمد إلى خلق حالة الاستيحاش في "السالك" واحدة من امتدادات التجربة الصوفية. وفي تقديري، أن الأستاذ حين استخدمها، إنما رفد بها الطريق رفدا حكيما، في إطار مدرسة "تسليكية" أنشأها بنفسه، وأشرف على تفاصيلها بنفسه، وحض الناس على الإقامة في "داخلياتها". ومع ذلك، لم تسلم التجربة من الهزات العنيفة. الشاهد، أن "التسليك" كما نفهمه، وضع مرحلي، خدم غرضه، حتى استنفده تماما. علينا ألا تنسينا تجربتنا في السلوك الروح الأصلي للفكرة الجمهورية، كفكرة عالمية.

    يجب ألا تكون هناك وصاية من أحد على أحد، مهما لطفت. كل ما سيبقى إنما هو المشاركة، والزمالة، ليس أكثر، ولا أقل. علينا أن نبتعد عن محاصرة الناس، والتضييق عليهم، بحجة "تسليكهم" وحفظهم في الحظيرة. خاصة، أن التفاوت بين القامات بين البشر المعاصرين، لن يكون كبيرا جدا. ولذلك فإن سوء استخدام المركز الديني، هو المتوقع وهو الأرجح، في تقديري. علينا أن نبتعد عن التجييش، والحشد، والتوجيه، والتعبئة. علينا أن نبشر، وأن نبشر فقط. فقد بعثنا مبشرين، ولم نبعث منفرين. وعلينا أن نتذكر دائما، أن الطرق إلى الله، بِعَدِّ أنفاس الخلائق، وينبغي ألا تخدعنا العقيدة القائمة على ضرورة اتباع المنهاج، فنخلق منها صنما يحجب عنا رؤية حقائق الأشياء. دعوا الناس يتوافون على المنهاج، طوعا، واختيارا، ومن غير أن نقف لهم بالعصي في الطرقات. غلُظت تلك العصي، أم رقّت. الوصاية، سواء كانت وصاية الشريعة، أو وصاية مجتمع السالكين الذي يمارس إرهابا نفسيا ملطفا، لا تمكنان المرء من أن يستمع إلى صوت نفسه، ولا أن يصبح نفسه. وإنما ستدفعان به، بطريقة أو بأخرى، إلى اتباع ما تمليه عليه القوى الخارجية، من غير قناعة داخلية. فإلى أين سيرتقي من كانت هذه حاله؟ وعلى أية حال، فالدعوة الكوكبية هي دعوة لمجتمعات خرافية، من حيث الضخامة. هذه دعوة لمدن مثل نيويورك، وشيكاغو، وطوكيو، وغيرها. حيث الفردية هي سمة العيش، التي لا فرصة لسواها، وحيث التنقل السريع، وسيطرة ضيق الوقت على كل شئ. علينا ألا نذهل، بحال مجتمعاتنا الشرقية الكسولة، وأقطارنا البور، التي يتثاءب فيها الزمن، ويتمطى، عن عالمية الدعوة. علينا أن نفحص ما هو مرحلي، وما يمكن أن يصلح لأن يكون أمرا دائما، وثابتا، وكوكبيا. ففقدان القدرة على قراءة الواقع، ومراقبة الكيفية التي تطور بها الحياة نفسها، وهي ترتقي من الأكثف نحو الألطف، يمكن أن يقود، وبسرعة شديدة، إلى تحويل الفكرة المستنيرة إلى عقيدة مغلقة، قابضة .(cult)

    أكتفي بهذا، وأرجو في مقبل الزمن من أن أتمكن من توسيع بعض النقاط. وأشكرك على ورقتك الحارة، الصادقة. فقد ألهمتني، واستحلبت وارداتي. نعم، دعونا نُكَمِّل بعضنا بعضا. ودعونا نرى جمال الفكر، فيما يخرج من كل منا. هذا هو طريق المحبة. أعني، أن يتعلق المرء، بالقيمة في الشخص الآخر، قيمة العقل الصافي، والقلب الكبير، والوجدان العامر. مثل هذا النوع من التحابب، هو ما ظلت البشرية تسعى إليه، وتنشده منذ عهد آدم.

    أخوك: النور حمد



    صورة إلى كل من الإخوان:-

    - مجذوب محمد مجذوب
    - خالد الحاج
    - عصام عبد الرحمن
    - بشير بكار
    - عمر القراي
                  

11-01-2016, 09:17 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50062

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    في يوم 25 أبريل 2005 أرسل الأخ الأستاذ عيسى إبراهيم (صحفي وإعلامي دراسة ومهنة) هذه الرسالة إلى صالون الجمهوريين الرسالة التالية وهي عبارة عن توثيق وشهادة لما دار في جلسة الدروشاب في اليوم التالي لتنفيذ حكم القتل على الأستاذ محمود.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    جلسة الدروشاب السبت 19 يناير 1985
    منزل الأخ عبد الله سيد أحمد الفاضل
    * صباح السبت 19 يناير 1985 بعد ليلة مؤلمة محفورة بعمق في الذاكرة ذهبت لمنزل أمنا آمنة بالثورة الحارة الرابعة التقيت أمنا آمنة وأسماء، طلبت مني الأخت أسماء أن أرافقهم إلى الدروشاب ولعل هذا الطلب هو الذي يفسِّر وجودي مع عدد الأخوان المذكورين لاحقاً في جلسة الدروشاب.
    * توافى الأخوان إلى جلسة الدروشاب بمنزل الأخ عبد الله سيد أحمد الفاضل حوالي الساعة التاسعة صباحاً واكتمل عددهم قبيل الحادية عشرة تقريبا صباح اليوم المذكور وقد جاءوا على دفعات والأخوان هم:
    1/ سعيد الطيب شايب
    2/ جلال الدين الهادي
    3/ خالد الحاج عبد المحمود
    4/ عصام عبد الرحمن البوشي
    5/ أحمد عبد الرحمن العجب
    6/ النور حسن أبية
    7/ عوض الكريم موسى عبد اللطيف
    8/ أحمد المصطفى دالي
    9/ النور محمد حمد
    10/ عمر أحمد القراي
    11/ عيسى إبراهيم
    ومن الأخوات:
    1/ أسماء محمود محمد طه
    2/ رشيدة محمد فضل
    * يلاحظ أن الأخ عبد الله سيد احمد بالرغم من انعقاد الجلسة في منزله ووجوده بالمنزل لم يحضر الجلسة ولعله انشغل بتجهيز الإكرام للأخوان.
    * اتضح في بداية الجلسة أن الأخوين سعيد شايب وجلال الدين الهادي قد حضرا إلى الجلسة بعد أن غشيا سجن كوبر والتقيا الأخ عبد اللطيف عمر حسب الله وقد اصطحبا معهما حاجيات الأستاذ ممثلة في شنطته التي تحوي ملابسه و"التبروقة" خاصته.
    * كان الأخ أحمد المصطفى دالي دائم البكاء أثناء انعقاد الجلسة ولم يشارك فيها إلا بحضوره الجسدي فحسب ولعلَّ منزل عبد الله مقر الجلسة المذكورة كان هو منزلته في فترة الأحداث.
    الأخ سعيد شايب كان في ركن الغرفة الشمالي الغربي ويضع على رأسه منديلاً أخضر اللون وقد جلله الحزن العميق.

    الجلسة بين مراجعة المواقف واستمرار المواجهة
    * لا أعتقد أن الجلسة قد افتتحت بسورة القدر وانما بدأها سعيد باعتذاره عن قيادة حركة الجمهوريين الأمر الذي أثار همهمة وسط الحاضرين وأحاديث خافتة تُراجع سعيداً في موقفه وتدعوه ليكون على رأس الأخوان ثم بادر بالحديث النور حسن حاثاً سعيد على الاستمرارية في قيادة الأخوان، قال سعيد إنه لا يعتقد لنفسه فضلاً يميزه على باقي الأخوان ووجوده على قمة الأخوان لخصوصية خصه بها الأستاذ، وأنه ما كان يفعل كبيرة ولا صغيرة في إدارة الحركة إلا بتوجيه مباشر من الأستاذ أو بعد تحريه الدقيق لمعرفة رأي الأستاذ.
    * بعد فترة صمت قصيرة سادت الجلسة واصل سعيد الحديث قائلاً إنهم حضروا من كوبر بعد أن تيسر لهم لقاء الأخ عبد اللطيف وقد لاقاهم وهو يبكي بشدة ولم ينقطع أبداً عن البكاء وقال سعيد إنهم نقلوا له رأيهم: أن لا يمضي الأخوان في طريق الأستاذ وعليهم أن يخبروا مدير سجن كوبر بأنهم يحتاجون إلى وقت يخلون فيه إلى أنفسهم ويراجعون أمرهم وأنهم الآن ليسوا على صمامتهم القديمة، وبشان لقائهم ما يسمى بـ "العلماء" الذي كانت الحكومة تعده لهم، كان رأي سعيد الذي نقله لعبد اللطيف هو ألا يقابلوهم مطلقاً وعليهم أن يتصلوا بمدير السجن لتبليغه أمر مراجعتهم لأمرهم ويبحثوا معه شأن إطلاق سراحهم.
    * ثم دلفت الجلسة ـ بعد انتهاء سعيد من سرده المذكور ـ لمناقشة أمر موقف الجمهوريين بعد الأحداث التي جابهها الجمهوريون صبيحة الجمعة 18 يناير 1985 وأمر التنفيذ خاصة وأن عدداً كبيراً من الجمهوريين والجمهوريات في معتقلات النظام.
    * رأي قيادة الحركة ممثلة في سعيد أن الأخوان لا يمكن أن يواجهوا مذبحة أعدت بعناية للإطاحة بهم وأن هذا الأمر قد حدث ونحن (في الحقيقة) خارج المعتقلات وأعداد كبيرة من الأخوان والأخوات داخل السجون ينتظرون مصيرهم ولا يمكن أن نتركهم يواجهون الموت!.
    * كان رأي سعيد هو الرأي المسيطر على الجلسة ولعله في تلك اللحظة هو رأي الأغلبية.
    * تحدثت أسماء محمود مبدية رأيها المحدد في ضرورة مواصلة الأخوان طريق المواجهة للمحاكم الذي افترعه الأستاذ ولا يمكن أن يتراجع الأخوان عن هذا الطريق وتحدثت بشدة في هذا الإتجاه ومشى في خطها الأخ عمر أحمد القراي معضداً لرأي أسماء ومؤازراً له وأنهم لا بد لهم من مواصلة مشوار المواجهة للمحاكم والحكومة.
    * مشيت في إتجاه أسماء والقراي وقلت: إن أي تنازل عن الخط الذي تركنا عليه الأستاذ سيجعل الطرف الآخر يتمادى في إذلالنا بلا نهاية وقرأت الآية الكريمة:
    "كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم....." إلى آخر الآية.

    نشرة الثالثة والمفاجأة
    * في هذه الأثناءة حلت نشرة الثالثة ولا أدري هل تناول الأخوان وجبة "الغداء" قبل النشرة أم بعدها ولكننا على أي حال تناولناها وجاءت النشرة تحمل في طياتها وفي مقدمتها بالطبع أمر تراجع الأخوان عن خط المواجهة ثم تفاصيل الاستتابة، بدأت النشرة بعناوين تكشف تراجع الجمهوريين عن خط الأستاذ ثم عقب النشرة جاءت تسجيلات صوتية بدأت بخالد ثم بعشر ثم تاج الدين وختمت بعبد اللطيف.
    * كان وقع الأمر على الأخوان الحاضرين عظيماً وكالصاعقة وكانوا مذهولين عما حولهم وبدأوا يبحثون أمر مغادرتهم منزل الدروشاب، لاحظت أن الأخ عوض الكريم رغم الموقف الحالك وروح الألم المسيطرة على الجميع لم يفقد روح الدعابة التي يتحلى بها دوماً.
    * إنصرف الأخوان بعد ذلك كلٌ في حال سبيله ولم يتناولوا ما أذيع بالتعليق، ولقد رافقت أسماء ورشيدة في العربة التي أقلتهم إلى أم درمان وكانت أسماء دائمة البكاء طوال طريق الرجعى.
    * لقد أرَّخت الجلسة إلى الخطين المشار إليهما سابقاً وهما خط التراجع وخط المواجهة وللحقيقة والتاريخ إنني ملت إلى الرأي الأول، رأي التراجع عن المواجهة بعد فترة من الزمن وبعد الجلوس مع النفس ومراجعة الأمر بتروٍ كافٍ، بالرغم من أنني كنت في الجلسة على خط المواجهة لاعتبارات ذكرتها في موضعها من الجلسة، ولعل أهم أمرٍ قادني إلى تعديل موقفي، هو أنني لا أواجه ما يواجهه الأخوان المعتقلون من مشانق وإعدامات ولعله ـ من جهة أخرى ـ ميل لرأي الأغلبية أو ـ في حده الأدنى ـ تفسير الأمر لصالح القيادي.
    * هذا الأمر مسجل من الذاكرة بعد مرور ثلاثة عشر عاماً أو يزيد، وعليه أرجو التصحيح من الأخوان الذين حضروا الجلسة، ولكن الذي أؤكده بلا أدنى شك أن هذه الجلسة كانت ومازالت محفورة في ذاكرتي حفراً.
    * لاحظت أن بعض الأخوان يرجعون أمر حل التنظيم أو ما يسمى بحل التنظيم إلى جلسة الدروشاب وكما يرى القارىء الكريم لم تناقش الجلسة هذا الأمر ولم تخض فيه إلا ما كان من أمر اعتذار الأخ سعيد عن قيادة الجمهوريين كما هو موضح بالجلسة.
    * ملاحظتي التي أختم بها هذا التسجيل هي أن الأخوان القياديين وحتى أسماء ابنة الأستاذ لم يكونوا جميعهم يملكون معلومات تزيد عن ما يملكه الأخوان الآخرون إذ تساووا كلهم في هذه اللحظة ووقفوا على خط معرفي واحد في مواجهة الحدث.
    عيسى إبراهيم

    أفادني الأخ الأستاذ عيسى ابراهيم أنه لم يحضر جلسة منزل الأستاذ محمد فضل ولا جلسة منزل الأخ الأستاذ خيري اللتين أعقبتا جلسة الدروشاب، وتم فيهما تأكيد حل تنظيم الأخوان الجمهوريين.
    ربما لم يتم الحديث مباشرة عن حل التنظيم في جلسة الدروشاب ولكن مجرد اعتذار الأخ الأستاذ سعيد الذي ذكره الأخ عيسى يعتبر حلا للتنظيم، خاصة أن غالبية المجتمعين كانوا موافقين على وقف الحركة والمواجهة. ولكن في نفس الوقت لم يتخلَّ الأستاذ سعيد عما يعتبره واجبه المباشر في الحفاظ على دماء جماعة الجمهوريين وذلك بمحاولة إقناع الجمهوريين والجمهوريات، خاصة داخل محابس الشرطة وسجون النظام، بعدم مواصلة السير في خط المواجهة لتفادي خطة محكمة وضعها خصوم الجمهوريين، من السلفيين والأخوان المسلمين وأدعياء التصوف، بدعم خارجي، للتخلص من الجمهوريين في مذبحة أو الضغط عليهم واستتابتهم بصورة قريبة مما حدث للأخوان الأربعة، الأستاذ عبد اللطيف وصحبه الكرام.
    ما حدث هو اقتناع غالبية الجمهوريين والجمهوريات في محابس النظام بالتوقيع، على مضض، على تعهدات بصيغة قريبة من الصيغة التي فرضت على الأخوان الأربعة في جلسة الاستتابة الشهيرة، ولكنها لم تكن متلفزة أو مذاعة على الملأ، فقد حمل ذلك عنهم الإخوان الأربعة، بما حدث لهم من إذلال متلفز. ربما يرى بعض الأخوان والأخوات الذين لم يضطروا لتوقيع تلك التعهدات أنهم لم يتم إذلالهم كما حدث لبقية إخوانهم وأخواتهم الجمهوريين الذين كانوا في المحابس، ولكن حقيقة ما حدث هو أن كل الجمهوريين تعرضوا للقمع والإذلال، شعر بذلك حتى الأطفال في المدارس من نظرة الآخرين نحوهم، وكان من هؤلاء الآخرين معلمون في تلك المدارس، للأسف.
    هذا ما كان من أمر تلك الأيام العصيبة التي مرت كئيبة إلى أن بدأ ظهور الطوفان الذي قاد إلى سقوط نظام مايو في أبريل 1985. وعندها بدأ تيار من الجمهوريين حاولوا مواصلة نشاط الجمهوريين، تم إخراج بعض الكتب وتوزيعها باسم "الأخوان الجمهوريون" أذكر منها ثلاثة كتيبات هي "الكيد السياسي والمحكمة المهزلة"، و "ماذا قال العالم عن الأستاذ محمود"، و "الوثائق تكشف التآمر الجنائي". في يوم 25 فبراير عام 1986 تقدمت الأستاذة أسماء محمود محمد طه والأستاذ عبد اللطيف عمر حسب الله بقضية طعن دستوري ضد حكومة جمهورية السودان مطالبين فيها بإعلان بطلان إجراءات محاكمة الأستاذ محمود. وقد حصلا على حكم بذلك في 18 نوفمبر من نفس عام 1986. في نفس ذلك الشهر ـــ نوفمبر 1986 ـــ خرج كتاب باسم "الأخوان الجمهوريون" عنوانه "حيثيات المحكمة العليا في قضية الأستاذ محمود محمد طه.. انتصار للحق ودحض للحكم المهزلة".
    ولكن هذه الانفراجة على الجمهوريين لم تدم طويلا فقد قام تنظيم الجبهة الإسلامية القومية، خصوم الجمهوريين الألد، بالاستيلاء على السلطة عن طريق العمل العسكري المسلح في 30 يونيو 1989، وقد استمر حكمهم حتى يوم الناس هذا. منذ ذلك الانقلاب ظل هناك حراك وسط بعض الجمهوريين للعودة إلى التنظيم والحركة فنشأ ما عرف ب"الخط العام" حصل على تعاطف نوعي وكمي مقدر من الجمهوريين، تمخض عنه منذ العام 1998 إنشاء تنظيم سمي "الأخوان الجمهوريون التنظيم الجديد" رئيسه هو الدكتور معتصم عبد الله محمود، ولكن التنظيم واجه عقبات من جانب السلطة مع عدم تشجيع من جانب كثير من الجمهوريين. سارت الأحداث إلى أن اضطر النظام إلى توقيع ما عرف باتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2005 تم بموجبها إقرار دستور سمي بدستور 2005 الانتقالي وبه تمت مشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان في السلطة والثروة في السودان، تبعتها انفراجة على العمل المعارض متمثلا في نشاط مختلف الأحزاب. في هذه الأجواء تمكنت الأخت الأستاذة أسماء محمود من العودة مع أمنا آمنة في فبراير 2006 إلى السودان. وقد سعت الأستاذة أسماء إلى تأسيس مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي في أمدرمان وتم افتتاحه في يناير 2010، وكان له دور كبير جدا في نشر الوعي، خاصة في مجال الحقوق الأساسية وحقوق النساء، ولكنه واجه كثيرا من العقبات خاصة بعد حدث انفصال جنوب السودان في العام 2011 إلى أن تم إغلاقه بصورة نهائية في يناير عام 2014 بأوامر من سلطات الأمن. قبل إغلاق المركز بسنة أو سنتين سعت الأستاذة أسماء إلى تأسيس حزب سياسي باسم الحزب الجمهوري ولكن تم رفض قيام ذلك الحزب حتى الآن وهناك قضية دستورية ضد هذا الرفض.
    كل هذا السرد أريد أن أصل به إلى أن الخلافات الحاصلة الآن بين الجمهوريين سببها الأكبر تباين وجهات النظر حول حدث الثامن عشر من يناير 1985 وتداعيات ذلك فيما يخص الحركة والتنظيم والمشاركة في تناول مشاكل السودان والسودانيين، ومقاومة الظلم والقتل والإذلال والإفقار والتشريد الواقع على السودانيين والسودانيات.

    ياسر
    ملحوظة: في المداخلات التالية سأضع نماذج من أنشطة مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de