لا يفلس المبدع أبدا، لأن روافده ثرية ثراء الشمس والأرض، فهناك على المستوى الداخلي، ذات المبدع، وهي عالم هائل يكفي المبدع حتى اللحظة الأخيرة، لأن عملية اكتشاف الذات، أو معرفة النفس تبقى لانهائية، فنحن نكتشف كثيرا لكننا لا نصل إلى الختام أبدا، ولا يوجد من قال أنه عرف نفسه تماما، الذات نبع لا يعرف النضوب. على المستوى الخارجي هنالك العالم المحيط والمتجدد، والذي لا يقل عمقا وثراء عن أي بحر متى وجدتْ العين التي ترصد واليد التي تصطاد. الإبداع مثل الزراعة، لا ينبغي اختزالها في موسم الحصاد، بل لا بد من النظر إليها في إطار مراحل متكاملة تبدأ من استصلاح الأرض، وحرثها، ووضع البذور، ورعايتها حتى تكبر، وتثمر. لحظة الإبداع هي موسم الحصاد، ولا ينبغي للمبدع أن يقيَّم نفسه بتلك اللحظة فقط، بل بجذورها التي تبدأ بحرث الأرض، و سقاية البذور، ورعايتها حتى تثمر، وكل تلك العمليات، تأتي من خلال عمل متواصل، يبدأ من طبيعة نظرتنا للإبداع وإيماننا به. توقف المبدع مؤقتا وإن طالت الفترة، قد يكون طبيعيا أثناء نمو النبات. لا يمكن أن نطلب ثمرة من بذرة تفتحت منذ لحظات ولم تتحول إلى ساق وأغصان. كما يكون طبيعيا عندما نحصد محصولا صغيرا يناسب المساحة التي زرعناها، لا يعقل أن نطلب محصولا بلا نهاية من قيراط أو فدان. المبدع لا يفلس أبدا، لكنه يصاب بالشلل حين يفقد المجرى الذي يصله بجذور وأغصان الإبداع، وذلك لأسباب كثيرة، منها الكسل، وعدم بذل الجهد الضروري، ومنها التشتت بسبب ضغوط الحياة ومتطلباتها، ومنها فتور الرغبة في الإبداع نتيجة إحباط، وما أكثر دواعي الإحباط في عالمنا العربي، أو نتيجة قصور في بناء المبدع يجعله يشبع سريعا ويغتر بما أنجزه وبالتالي تخمد رغبته في اكتشاف ذاته واكتشاف العالم ، الرغبة التي تنبع منها كل حياة سليمة. عندما أنقطع عن الكتابة، أنظر إلى جذور الكتابة، فإن كانت حية نابضة، أدرك أن أوقاتي ثرية وأن الكتابة آتية لا محالة. فهي تتخلق في الرحم الغامض وعليَّ تغذيتها باستمرار. جذور الكتابة هي القراءة والرصد والتأمل والسعي نحو اكتشاف الداخل والخارج، والعيش لأطول وقت ممكن بكينونتي كلها، عقلي ومشاعري وأحاسيسي وحدسي. ولا تهم تفاصيل ذلك العيش، فكل التفاصيل ثرية بمقدار ما نمنحها من روحنا وحرارتنا الداخلية، كل ذلك استعداد للكتابة التي لا تأتي من فراغ أبدا، وتفر سريعا إن لم تجد يدا تمسكها. وفي تقديري أن كل محاولات توقفي، أو ضعف إنتاجي كمَّا أو كيفا كانت بسبب ضعف استعدادي، أو انعدامه أحيانا. جريدة العرب اللندنية ـ العدد 10548 ـ الأحد 19 فبراير 2017
تحياتي بلة موضوع جميل بس كنت عاوز اعرف رايك انت فيه شنو!
من اكثر الاشياء غرابة ان المجتمع الغربي وبكثافة نقاده ، لم يتم تناول موضوع Writer's Block بنسبة توازي حجم النقد المتاح. يحكى ان اس تي كوليردج الشاعر العظيم والذي بجانب الشاعر المبدع الاخر وليام ورلدورث اسسا ووضعا اسس الحركة الرومانسية الشعرية ف الجزيرة البريطانية، يحكى ان كولريدج عندما بلغ الثانية والثلاثين كتب في مفكرته: امس كان عيد ميلادي . وهكذا مضى العام من غير ثمرة واحدة في اي شهر . لم افعل اي شيئ. يا للخيبة والاسى! كوليردج كتب معظم اعماله الرائعة عندما كان في منتصف العشرينات ، بعدها و كلما بدأ مشروعا ادبيا جديدا كان يطلق عليه "رعب لا نهائي لا يمكن وصفه". كوليردج من اشهر الذين عانوا من نضب معين الكاتب وقلة حيلته تجاه مشاريع جديدة في مشواره الابداعي. هذه الظاهرة ،إن صحت التسمية، لم تكن حكرا على الادباء من الرجال فقط بل هناك كاتبات كثر (على المحيط الغربي) اللا تي عانين من تلكم المعضلة. فالكاتبة الامريكية هاربر لي "بالمناسبة هي كانت صديقة لكاتب يدعى ترومان كابوتي ايضا عانى من تلكم الحالة". هاربر لي هي كاتبة "أن تقتل طائرا بريئا "- وذلك على حسب ترجمة داليا الشال لكتاب To Kill a Mockingbird - وهو الكتاب الذي اثار ضجة حوله لتناوله لمواضيع حساسة في ذلك الوقت مثل العنصرية والطبقات الاجتماعية والشجاعة ودور المراءة ف المجتمع. عانت هاربر لي من تلك المشكلة ولم تصدر كتابا اخر بعد "أن تقتل طائرا بريئاً- صدر 1960" الا ف العام 2015 وهو جزء اخر للكتاب الاول وبالمنسبة هي توفيت قبل عام بالضبط 19/02/2016. رغم تلك الشواهد وغيرها كثير ، الا ان الكتابة في هذا الموضوع وتحليله تحليلا علميا هي امنية فقط لكثير من النقاد . اذ لم يتم تناول هذا الموضوع بكثافة . هناك دراسات نقدية عرضت عن ادباء يتناولون هذه المعضلة ولكن بطريقة اخبارية لا نقدية . ساحاول ان اجدها واترجم بعض المقاطع لو توفر لي زمن.
لك التحايا
02-21-2017, 08:25 AM
بله محمد الفاضل
بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة