في صحبة أديب عارف بالله الإمام أبي حفص وأبي قاسم عمر بن الحسن بن المرشد بن علي الحمـــويّ الأصل ، المصري المولد والدار والوفاة ، المعروف بابن الفارض لأن كان يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكام فلقب بالفارض. ، ولد في القاهرة في الرابع من القعدة سنة 572 هجرية .اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر".
نعت بالشرف ، وعرف بالشعر اللطيف الفائق والأسلوب الظريف الرائق ، وقد أبدع وأجاد بالمعاني الدقيقة والعبارات الرشيقة الرقيقة ، فشاع ذكره في الآفاق ، عرف عنه التجرد والصلاح وحسن المعشر والصحبة ، جاور مكة زماناً ، وكان يقول - رحمه الله : عملت في النوم بيتين هما :-
وحياة أشواقي إليك ++++ وتربة الصبر الجميل ما استحسنت عيني سوا++++ ك ولا صبوتُ إلى خليل ظهر فيه منذ أوائل شبابه ميل إلى التديّن والتلذذ بالتجرد الروحي على طريقة المتصوفين. فكان يستأذن والده في الانفراد للعبادة والتأمل. ويظهر أنه كان في جبل المقطم مكان خاص يعرف بوادي المستضعفين يختلف إليه المتجردون، فحبب إلى ابن الفارض الخلاء فيه، فتزهد وتجرد. وكان يأوي إلى ذلك المكان أحيانا. ثم انقطع عنه ولزم أباه. فلما توفي الوالد عاد الولد إلى التجرّد والسياحة الروحية. ثم قُيّض له رجل من الأتقياء أشار عليه أن يقصد مكة. فقصدها وأقام فيها مجاورا نحو 15 سنة. وهناك بين المناسك المقدسة نضجت شاعريته وكملت مواهبه الروحية. ثم عاد إلى مصر، وكانت يومئذ تحت سيادة الأيوبيين، وقد عنوا كل العناية بفتح المدارس والمعاهد فيها، فتجددت في أيامهم الروح الدينية والتعاليم السّنية. حدث ذلك على أثر انتصاراتهم على الصليبيين، تلك الانتصارات التي وطّدت مركزهم في مصر والشام والحجاز، وتركت لهم في تاريخ الشرق الإسلامي ذكرى خالدة.
يجمع مؤرخو ابن الفارض على أنه كان ورعاً وقوراً طيب الأقوال والأفعال. كان شديد التأثر بالجمال إلى درجة الانفعال العصبي يسحره جمال الشكل حتى في الجمادات. وقد يسحره جمال الألحان. فإذا سمع إنشاداً جميلاً استخفه الطرب فتواجد ورقص ولو على مشهد من الناس. ونقل عن ولده أن الشيخ كان ماشياً في السوق بالقاهرة، فمرّ على جماعة يضربون بالناقوس ويغنون. فلما سمعهم صرخ صرخة عظيمة ورقص رقصاً كثيراً في وسط السوق، ورقصت جماعة كثيرة من المارّين. وتواجد الناس إلى أن سقط أكثرهم إلى الأرض. ثم خلع الشيخ ثيابه ورمى بها إليهم وحُمِل بين الناس إلى الجامع الأزهر وهو عريان مكشوف الرأس وفي وسطه لباسه. وأقام في هذه النوبة العصبية ملقى على ظهره مسجى كالميت.
أشهر ما في ديوانه التائية الكبرى التي عرفت "بنظم السلوك" عرض فيها مذهبه الصوفي، ثم الميمية في المعرفة الإلهية ومطلعها:
شربنا على ذكر الحبيب مَدامة سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، المعروف بابن الفارض، المنعوت بالشرف؛ له ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق ظريف ينحو منحى طريقة الفقراء؛ وله قصيدة مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنهجهم، وما ألطف قوله في جملة قصيدة طويلة:
أهلاً بما لم أكن أهلاً لموقـعـه
قول المبشر بعد اليأس بالفـرج
لك البشارة فاخلع ما عليك فقـد
ذكرت ثم على ما فيك من عوج
وقوله من قصيدة أخرى:
لم أخل من حسدٍ عليك فلا تـضـع
سهري بتشنيع الخيال المـرجـف
واسأل نجوم الليل هل زار الكـرى
جفني؟ وكيف يزور من لم يعرف؟
ومنها:
وعلى تفنن واصفيه بحـسـنـه
يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
وله دوبيت ومواليا وألغاز.
وسمعت أنه كان رجلاً صالحاً كثير الخير، على قدم التجرد، جاور بمكة، زادها الله تعالى شرفاً، زماناً. وكان حسن الصحبة محمود العشرة، أخبرني عنه بعض أصحابه أنه ترنم يوماً وهو في خلوة ببيت الحريري، صاحب " المقامات " وهو:
من ذا الذي ما ساء قط
ومن له الحسنى فقط
قال: فسمع قائلاً ولم ير شخصه وقد أنشد:
محمد الهادي الذي
عليه جبريل هبط
وأنشدني له جماعة من أصحابه مواليا في غلام صنعته الجزارة، وهو كيس، ولم أره في ديوانه:
قلتو لجزر عشقتو كم تشرخني
قتلتني قال ذا شغلي توبخنـي
ومل إلي وبس رجلي يربخني
يريد ذبحي فينفخني ليسلخني
وقد كتبته على اصطلاحهم فإنهم لا يراعون فيه الإعراب والضبط بل يجوزون فيه اللحن، بل غالبه ملحون، فلا يؤاخذ من يقف عليه.
وكان يقول: عملت في النوم بيتين، وهما:
وحـياة أشـواقـي إلـي
ك وحرمة الصبر الجميل
لا أبصرت عينـي سـوا
ك ولا صبوت إلى خليل
وجاء في "سير أعلام النبلاء": شاعر الوقت شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي ثم المصري صاحب الاتحاد الذي قد ملأ به التائية.
توفي بالقاهــرة في يوم الثلاثاء من جمادى الأولى سنة 632هـــ ، ودفن بالقرافة في سفح جبل المقطم تحت المسجد المعروف بالعارض ، وفي هذا يقول علي ابن بنته :- جُـــز بالقرافة تحت سيل العارض .......وقل السلام عليك يا ابن الفارض أبرزت في نظم السلوك عجائباً ......وكشفت عن سر مصون غامض وشربت من بحر المحبة والولا....فرويت من بحر محيط فائض
01-14-2010, 05:01 AM
عبدالرحمن الحلاوي
عبدالرحمن الحلاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 5714
ابن الفارض شاعر القصيدة الصوفية والحب الإلهي ليلى الدردوري لا تزال أشعار الشاعر العباسي عمر بن الفارض وضع اختلاف في تفسير ماهية الحب الذي قصده، فمن قراء ديوان شعره من فهموا معانيه على ظاهر لفظه، وادعوا أن حب ابن الفارض أرضي مادي، وأن غزله كغزل أبي نواس وغيره، ومنهم من تفهموا معاني غزله الحقيقية، ووقفوا على أسرار نفس صاحبه المتجردة، ففسروه، تفسيراً صوفياً. حتى دعي ابن الفارض “سلطان العاشقين”، إلا أن حبه هو ذلك الحب الرفيع الذي يسمو على المادة وينفلت من قيودها للحاق بمبدع الجمال، وينبوع كل بهاء، ولابن الفارض مذهب خاص في الحب كما له فيه انصراف شديد الوطأة على نفسه، وهو أن يستسلم الإنسان للحب الإلهي استسلاماً كاملاً، وأن يتلاشى فيه، فإن الموت فيه حياة، والتلاشي نعيم وسعادة: فإن شئت أن تحيا سعيدا فمت به شهيدا وإلا فالغرام له أهل وابن الفارض يريد أيضا أن يخلع المرء الحياة في اتباع ذلك الحب السامي، فهو لا يخفي أنه قتال وأن “أوله سقم وآخره قتل”. هذا القتل هو أن تحلل إرادة المحب في إرادة المحبوب، وأن ينوب المحب في حقيقة المحبوب. وأما تصرف الشاعر فكان انطلاقا شديدا في طريق حب أسقمه وقتله:
وقد علموا أني قتيل لحاظها فإن لها في كل جارحة نصل
وحبه ليس له مثل، كما أنه ليس لمحبوب مثل، وليس له بعد، ولا قبل، وهو حب سخي، مندفع يجود حتى بالروح:
ما لي سوى روحي وباذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف
وقد استولى على كل جوارح روح صاحبه، فأسعده من حيث أشقاه وعذبه:
وتعذيبكم عذب لدي وجوركم علي بما يقضي الهوى لكم عدل
وفي ديوان ابن الفارض مقطوعات كثيرة تصلح للغناء، قد يكون الشاعر نظمها للتغني بها وأشهر شعره الصوفي قصيدتان: الخمرية ومطلعها:
شربنا على ذكر الحبيب مدامة سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
وقد تغنى فيها الشاعر بخمرة الوحدة الإلهية، وبالسكر الروحي، وبين صفات تلك الخمرة:
صفاء ولا ماء، ولطف ولا هوا ونور لا نار، وروح لا جسم
ثم هناك التائية الكبرى: وهي قصيدة تقع في 760 بيتاً وتسمى “نظم السلوك” لأنها تشبه طريقا روحيا للارتقاء إلى الله. وقد سميت ب”التائية الكبرى” تمييزا لها من قصيدة تائية أخرى، أما مطلعها فهو:
سقتني حميا الحب راحة مقلتي وكأسي محيا من عن الحسن جلت
وقد ضمنها الشاعر تجاربه الصوفية فكانت نشيدا من أناشيد الوجد الصوفي، وتمثيلا للعراك المستمر بين الثنائية الضدية الصلاح والشر، والفوز النهائي بمشاهدة الجمال المطلق، جمال الخالق الذي يتجلى في كل ما هو جميل في الطبيعة وكذا في الإنسان. وقد اهتم المتصوفون والعلماء لهذه التائية اهتماما كبيرا فأكثروا من تفسيرها والتعليق عليها. ومن شارحيها الفرغاني(1876م/ 1293ه) والكاشاني (1892م/ 1310ه). أما الذي شرح ديوان ابن الفارض على ظاهر معناه فهو الشيخ حسن البوريني سنة (1615/1024ه)، واشهر شروح الصوفية شرح الشيخ عبد الغني النابلسي سنة (1730م/ 1143ه). والمعروف عن ابن الفارض أنه حموي الأصل، ولد في القاهرة سنة (1181م/ 576ه)، نشأ في كنف والديه في عفاف وصيانة وتزهد، واشتغل بالفقه الشافعي، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم انحاز إلى التصوف، فاعتزل الناس عدة سنوات، وانفرد للعبادة والتأمل والتجرد، وأوى أولاً إلى مكان خاص في جبل المقطم يعرف بوادي المستضعفين، كان المتجردون يختلفون إليه، ثم انقطع عنه ولزم أباه، ولما توفي والده عاد ابن الفارض إلى التجريد والسياحة الروحية، أو سلوك طريق الحقيقة، فلم يفتح عليه بشيء، ولم يبلغ الكشف، فقصد مكة، وأقام فيها مجاورا نحوا من خمس عشرة سنة، فنضجت شاعريته وكملت مواهب الروحية. ولما عاد إلى مصر استقبل كرجل بار، وكان الأيوبيون هناك شديدي العناية بفتح المدارس وبعث الروح الدينية، كما كان للصوفية مكانة فريدة بسبب عنايتها الكبرى برياضة الروح. فاحتفل الناس بابن الفارض احتفالا عظيما، وأكرموه على اختلاف طبقاتهم إكراما جزيلا، حتى روي أن الملك الكامل نفسه كان ينزل لزيارته بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر.وقد توفي في القاهرة سنة 1237م/ 632ه، ودفن في حضيض جبل المقطم. وفن ابن الفارض في الحب فن الشاعر الذي اضطرم فيه الحب اضطراما حتى أذهله أحيانا، وقد أراد التعبير عن ذلك الحب والإفصاح عما يجول في نفسه منه، فكان كلامه شعرا تضيق بحوره، وقوافيه عن اندفاع الحب وثورته، وتقصر الألفاظ عن تصوير حقيقته، لذا يحس القارئ أن الشاعر في ضيقة فيبطل القصائد، ويعمد إلى التكرار اللفظي والمعنوي، ويحاول أن يحمل اللفظ مثل ما يحمل المعنى، فيحشر فيه وجوه البديع من جناس وطباق، ويغالي في ذلك مغالاة قلما وصل إليها شاعر، ويعمد إلى التصغير فيكثر منه كما يعمد إلى أساليب الوجدان من مناجاة ومناداة: ابن الفارض لا يغفل عن الموسيقا الشعرية إلا نادرا، فهو يتغنى بشعره تغنيا، وينظمه موقعا على أوتار نفسه، فتتصاعد أنغام عذبة من الصور اللينة، وتآلف الألفاظ والحروف، وتتكرر بعضها تكرارا موسيقيا، ومن القوافي التي تردد صدى ألحان الحب الداخلية:
خفف السير واتئد يا حادي إنما أنت سائق بفؤادي قف بالديار وحي الأربع الدرسا ونادها فعساها أن تجيب عسى
قصارى القول إذن ان ابن الفارض شاعرسامي الروح، صادق العاطفة،متدفق المعاني، جمع من الموسيقا الشعرية، وعذوبة الكلام الشيء الكثير، وإن لم يخل شعره من ثقل وغموض بسبب الصنعة التي انتشرت في عصره انتشارا شديدا فتسربت إلى الشعر بنزعة من التقليد. وفي هذا الجو المضطرب سياسيا واجتماعيا،والذي دوت فيه أصوات الثائرين،والخارجين وأصحاب النحل، وفي هذه البيئة التي كان السلطان فيها للظاهرين من القواد والكبراء، وكانت “الدنيا لمن غلب” والدين وسيلة إلى الغايات، في هذا الجو الذي دعا كل ذي طموح إلى التشبه بالقادة، ودعاة البدع الجديدة، وفي هذا العهد الذي شهد معايب وقبائح لم تكن مألوفة في المجتمع العربي الصافي، وإنما هي صدى لجانب منحرف من الخلق الفارسي، إذ انتشرت الزندقة والشعوبية والإسراف في كراهية العرب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة