دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..!
|
مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه" إن الصلة بين حياة الأديب الفرنسي المعاصر (جان جينيه) 1910 ـ 1986 الذي نزع نحو الجنوح والشذوذ وإبداعه الأدبي هي صلة وثيقة تقع في إطار فهم الظاهرة الإبداعية لديه ويجب ألا نتحاشى ذكرها عند دراسة إبداع هذا الأديب المؤلف تحدياً للحقيقة وامتثالاً لمقولة إنه لاحياء في العلم وإن إماطة اللثام عن هذا الأديب الذي فضح نفسه ـ شأن الكثير من الأدباء العالميين ـ بصراحة شديدة واعترافات مذهلة تضع القارئ العربي أمام حقيقة أن الحرية التي يتمتع بها الكاتب الغربي تتضاءل أمامها تلك الحرية المزعومة التي يتمتع بها الكاتب العربي ، وفي هذا الإطار يعلق جان جينيه أهمية قصوى على حرية التعبير عن أفكاره مهما بدت غريبة في أعين الآخرين، وأنه ليس مولوداً بالشر والإنحراف كل ما هناك أنه يستسلم لنوازعه دون أن يحس فيها بأدنى عيب أو غضاضة، ويقول فيما يتعلق بالنوازع المثلية لديه: أنه لايعرف عنها شيئا بالمرة، ويتساءل: وماذا يعرف الناس عنها؟ ويجيب قائلاً: إن هذه النوازع المثلية فُرضت عليه كما فرضت على عينيه ألوانها. غير أن الكاتبة(سيمون دي بفوار) عشيقة صديقه الفيلسوف( جان بول سارتر) تقول إن مؤلفنا ـ تعني جينيه ـ كان منبوذاً من المجتمع منذ أن رأت عيناه النور، فلا غرو إن رأيناه لا يكن أي إحترام لهذا المجتمع، وأن يحاول الإنتقام منه عن طريق السلوك الشائن المعيب. ولكننا نجد أن نشأة وسيرة جان جينيه تلقي ضوءً أكثر من ذلك الذي قالت به سيمون، مما يجعله أكثر عرضة وإغراءً لقراءة أدبه قراءة نفسية. فقد تشكل فيه الإنحراف وتوثقت عرى العلاقة بين أدبه ونفسيته. فجان جينيه الذي إختارته في العام 1976 مؤسسة لاروس كواحد من أدباء فرنسا العظام، ولد لإمرأة غير متزوجة إسمها(كامبل جابراييل جينيه) التي عهدت به إلى ملجأ لرعاية اللقطاء في العاصمة الفرنسية باريس، وبما أنه مجهول الأب فقد نسب إلى أمه فأضحى اسمه جان جينيه، وقد نشأ نشأة تضافر فيها الجنوح والإضطراب، ورغم أن حياته تقلبت ما بين التشرد والترحال والإملاق والثراء العابر الذي كان يجنيه من نشر كتاباته إلا أنه في كل الأحوال لم يتورع من إرتكاب جرائم السرقة، مما قاده للسجن أكثر من إثني عشر مرة، ولا يفتأ أن يعترف بلصوصيته كما حدث وأخبرنا خلال سيرة حياته الروائية( يوميات لص ). وقد تأثر جينيه تأثراً عميقاً بالكاتب المنحرف( جوهاندو) الذي إلتقاه وتعرف إليه خلال سجنه عندما قال له: إن السجن ليس سجناً بل هو المهرب والحرية ففيه يستطيع الإنسان الهرب من تفاهات الحياة كي يعود إلى جوهرها. وعندما قال جان جينيه: إنه يتوق إلى الإقلاع عن السرقة وأن يكسب قوته عن طريق التأليف والكتابة. فإذا بجوهاندو يعترض على ذلك قائلاً: يا صديقي إنه من المؤكد إنك تمتلك نوعاً من الموهبة في الكتابة، ولكن لاتحاول إحترافها وإلا أفسدت كل شيئ، وإذا شئت أن تصدقني فينبغي عليك الإستمرار في السرقة. إن مناصرة جينيه للمضطهدين والسود والعرب والفقراء والمشردين والقضية الجزائرية والفلسطينية هي نتاج تحويل تجاربه في الحياة ــ كما يقول ــ إلى تجربة عامة يحس فيها بآلام الموجودين من البشر في كل مكان. على أننا نجد أن علاقاته مع أصدقائه كلاعب السيرك الجزائري( عبد الله بنتاجا ) والتي أثمرت عن بعض إبداعاته ككتابه( فنان الأسلاك العالية) ومسرحيته ذائعة الصيت ( السواتر) وهناك الكثير من الشواهد الدالة على أن شخصية سعيد المحورية في هذه المسرحية مستمدة من شخصية عبد الله الذي يعتبره جينيه من أهم عشاقه المقربين في حياته على الإطلاق، والثاني هو( ديكارتين) وهو يساري إنخرط في مقاومة الإحتلال النازي لفرنسا. كان جينيه في إعترافاته بهذه العلاقات المثلية الشاذة يتباهى في صفاقة لاتدانيها صفاقة إلا صفاقة ذلك الجندي الأمريكي الذي أفشل كميناً نصبه الفيتناميون وقتل منهم عشرة جنود فمنحوه وساماً وعندما قبضوا عليه متلبساً بممارسة الشذوذ مع أحدهم فصلوه من الجيش الأمريكي فأرسل رسالة لإحدى الصحف قال فيها: منحوني وساماً عندما قتلت عشرة رجال وفصلوني من الجيش عندما أحببت رجلاً واحداً..! لعلنا واجدون في قصيدة جينيه المعروفة(الرجل المحكوم عليه بالموت) إسقاطات بذيئة وإعترافات بجنوحه وشذوذه وقد أنشأها بين جدران السجن الذي يعتبره المكان الأمثل للكتابة والمهبط الذي يؤثره الوحي الشعري وهو نفس المكان الذي كتب فيه رائعته ( معجزة الوردة ) وهي رواية تزخر بالرموز المستمدة من حياة القرون الوسطى وتقع أحداثها في دير تابع لعائلة (البوربون) المالكة قبل أن تندلع الثورة وتحوله إلى سجن والمعجزة التي تناولتها الرواية تتلخص في أن الأغلال التي يرسف فيها السجين تتحول إلى أكاليل غار وورود والرواية تصور حياة السجين على أنها شيئ مقدس فهي أقرب ما تكون إلى حياة النساك والرهبان والقديسين وهي تخلو تماماً من متاع الدنيا. شق جينيه طريقه نحو الشهرة والمجد عند توزيع روايته (عذراء الزهور) فقد أراد جينيه من منطلق النتوءآت التي نمت في أعماقه بسبب الجنوح والشذوذ أن يبصق على وجه المجتمع الفرنسي البرجوازي المنافق وأن يفضح بصدق كل مظاهر الزيف والإدعاء من حوله فلم يجد وسيلة إلى هذا غير الإمعان في الفحش والبذاءة والكتابة عنهما. كان حريَّاً بجينيه أن ينضم إلى منظومة كتاب فرنسا العظماء كما رأت مؤسسة لاروس فقد كان كاتباً شاملاً ومبدعاً حقيقياً كتب الشعر والرواية والمسرحية وسيناريوهات الأفلام ومارس الإخراج السينمائي عندما أخرج فيلماً سينمائياً بعنوان (أغنية الحب) عن كتاب له وغير ذلك كثير من الأعمال الإبداعية في مجال الأدب مما لم نتعرض له بقدر إعراضناـ بسبب الإيجازـ عن تلك الجوانب الأكثر قتامةً في حياة هذا المؤلف الذي إستطاع أن يذيب النوازع الفتاكة القابعة في دواخله في بوتقة الخلق والإبداع الأدبي والفني الذي أخذت آثاره تنداح في العقول والمشاعر وتمكنه من تغيير نفسه على نحو مذهل عندما إسودت الدنيا في ناظريه وتكررت محاولاته للإنتحار واعتبر نفسه لعنة. في مرحلة متأخرة بعض الشيء من حياته إتخذ جينيه من المغربي (محمد القطراني) عشيقاً له وهو أصلاً مفتون بالشرق الذي جاب نهاده ووهاده وعندما أصيب بسرطان الحلق وشعر أن برودة الموت بدأت تسري في أوصاله أوصى أن يدفن في مدينة (لاراش) المغربية ولم ينس أن تشمل وصيته المالية في قسم كبير منها على عشيقه لاعب السيرك عبدالله بنتاجا ومحمد القطراني وإبنه الذي أطلق عليه جينيه إسم عزالدين تأثراً بأحد المناضلين الفلسطينيين. في باريس وعند حلول ليلة الرابع عشر من شهر إبريل العام 1986 رحل جينيه عن الدنيا فأصر محمد القطراني أن يأخذ جثمانه حسب ما أوصى ليدفن في مدينة لاراش المغربية واختار البقعة التي كان يلعب فيها مع ابنه عز الدين لتكون مثواه الأخير وهي قريبة من المنزل الذي إشتراه جينيه هدية لصديقة محمد القطراني الذي بكاه مر البكاء وفي يأسه استقل سيارته ـ كانت هي الأخرى هدية من جان جينيه لأبي عزالدين ـ ليرتطم بشجرة ويتوفى في هذه الكارثة التي كانت أقرب للإنتحار منها إلى الحادث. شعر المغاربة بالفخر لأن هذا الكاتب العظيم دفن في ثراهم وكانت الحكومة المغربية قد عرضت إيفاد فرقة موسيقية عسكرية لإستقبال الجثمان عند الطائرة حال وصوله بيد أن أصدقاء جينيه رفضوا هذا الجو الرسمي في تشييع الفقيد الذي آثر البساطة ونبذ الغنى والمظاهر الزائفة. وقد رأى الفيلسوف الفرنسي سارتر في جينيه شخصية القديس من خلال السفر الذي ألفه عنه متعرضاً من خلاله لحياته وأدبه ومن ضمن ما أوره في كتابه الذي جاء تحت عنوان "القديس جينيه ممثلاً وشهيداً " كتب سارتر: "إذا كان جينيه قد حددّ عالمين متعارضين ومتعاديين هماعالم الشر وعالم الخير، فإن كلا العالمين قددفعاه نحو الخلف!. وهذا ما ضاعف لديه الأحساس بالإثم.طرقه وأساليبه البرجوازية النكهة التي لم يفقدها بعد تماماً ولدّت لديه إحساساً بالإذلال في أن يكون عارياً يرتدي فقط مقدرات عقلية لا توصف!. وحين إختار ميدان الشر راحة له وإغاظة للآخرين كان عليه أن يعترف بحقيقة واحدة وهي أن هذا الميدان هو أكثر شروراًمنه..". لم يختر جينيه عالم الشر بمحض إرادته بل دُفع إليه بعنف وقوة من الخارج، أما السجن الذي نعثر عليه في جل أعماله الروائية والشعرية والمسرحية، والذي يبدو سجناًواقعياً حيناً ومجازياً حيناً آخر، فتسويغه أن الكاتب عاش منذ طفولته مشرداً ولصاً، لذاأصبح السجن ملجأه الوحيد، وهو حقاُ المكان الحر والمنزل الآمن لإنسان منبوذ من عائلته أولاً حيث تخلّت عنه والدته وهو في العاشرة من العمر ليعيش ذليلاً على موائد الآخرين، ولأنه مرفوض من المجتمع ذاته ثانياً، ذلك المجتمع الذي تعامل معه مثل كلب سائب وسارق صغير،وجملته الشهيرة " سوف أكون لصاً " ماهي إلا فعل ضخم وخطير لخيار وجودي. إن غربته القاسية يمكن أن تجد لها صدىً حزيناً في كلماته التي كتبها عام 1977 وهو يصف تلك الأنعطافة الحاسمة في موقفه من حياته، حيث يقول: " لقد تعلمت أن أكون غريباً بطريقة مضحكة وحمقاء جداً. ففي أحد الأيام طلب منا المدرس كتابة موضوع صغير يصف كل واحد منا بيته، وحين إنتهيت من كتابةالموضوع، قرأه المدرس بصوت عالٍ أمام التلاميذ، وما أن إنتهى من ذلك حتى ضج الجميع بالضحك والسخرية مني قائلين: " ولكن هذا ليس بيته.. إنه لقيط.". لقد كان جينيه زبوناً دائماً للسجون وقد كتب جل أعماله في سجونه الأنفرادية تلك، بل وحتى في خروجه منها ظلت تلك الزنازين الرطبة والمعتمة هاجسه الوحيد،وما خياره لفضاءات الشرور والجريمة تلك، إلا بمثابة نوع من الثأر وإغاظة الآخرين ممّن نبذوه. إلا أن التمرد الذي يكون مبعثه الغيظ لا يقود في الآخر إلا إلى خراب وهزيمة للتمرد الأكبر حتماً، ذلك أن الغضب هو إحدى العلامات الموحية بعقدة النقص والإحساس بالدونية. إن جل نتاجات جينيه تكشف عن معضلته الخاصة ، إلا أنه لم يكن مطلقاً بطلاً للجريمة أو مبّشراً بالشرور، فكل ما سعى إليه هو محاولته الغوص عميقاً عميقاً جداً نحو القعر، هناك حيث بالإمكان العثور على حالة أكثر نقاءً وإجلالاً من عالم يطفح في البؤس والشرور.إن قبوله برفض المجتمع له وغوصه في المناطق المحظورة والمحرّمة أخلاقياً قاده إلى قاع الرفض المطلق، ذلك القاع الذي أحالته مخيلة جينيه إلى ما يشبه المطهر، على الرغم من أن طقوسه تلك تجري ضمن دائرة الشر!. في الشرق الأوسط الذي أحبه جينيه واتخذ فيه علاقات أمتدت إلى الأدباء والسياسيين لمناصرته للقضية الجزائرية والقضية الفلسطينية وحبه للمغرب التي شاء أن يدفن فيها لاقى إحتفاءً في حياته وبعد مماته فالمغاربة والجزائريين يقيمون له المعارض ويحتفون بأدبه والفلسطينيون يقدرونه ويحترمونه خاصة بعد موقفه من مذبحة صبرا وشاتيلا وما كتبه عنها. كانت مصادفة كبيرة حقا في حياة جان جينية ومسيرته وتجربته ؛فهذا الكاتب ، الذي أحب الفلسطينيين وأيد القضية الفلسطينية ، شاء القدر أن يجعله شاهدا على تلك المجزرة التي حلت بهم ، وبدت نموذجا للقتل الجماعي الذي طالما تعرض له الشعب الفلسطيني كان جان جينيه مصابا بسرطان في الحنجرة ،وكان يعاني هجره الكتابة عندما وجد نفسه فجأة في بيروت ، بل في المخيمين ، هو الذي عاش سنوات مع الفلسطينيين بدءا من العام 1970 في مخيمات جرش وإربد في الأردن ، وأعجب ببسالة الفدائيين وكتب عنهم ،لم يصدق ما شاهده في صبرا وشاتيلا .
كان أكثر ما جذبه إلي الفلسطينيين تحولهم من منفيين ولا جئين إلي ثوريين مصممين على استرجاع هويتهم وأرضهم » كما يقول ف كتابه الشهير (أسير عاشق ) وكان معجبا جدا برمز الفدائي ذاك ، الذي يغامر بحياته من أجل قضيته ، فيذهب تحت جنح الظلام لإلقاء قنابل أو زراعة ألغام في إسرائيل . رحلة قد يعود منها ويكون كمن عاود الصعود من الجحيم ، أو قد لا يعود . وجان جينيه الذي كان يكره الغرب ويؤيد حركات التحرر في العالم أجمع ، كان يجد في إسرائيل صورة للغرب المزروع في العالم العربي . وهو يقول في هذا الصدد مخاطبا الفلسطينيين : إسرائيل هي الغرب مزروعا في بلادكم ، لذلك فإن عدالة القضية في حالة المقاومة الفلسطينية بديهية بالنسبة إلي ، ولم يتوان جينيه في وصف إسرائيل بـبؤرة الرأسمالية الغربية. غير أن علاقة جينيه بالفلسطينيين وانبهاره بالعمل الفدائي لا يرجعان إلي عدالة القضية الفلسطينية فقط . فالكاتب الذي كان يعتبر نفسه ابن العار لكونه نشأ بلا أم ولا أب ، أو مجهول الأب ، بعدما توفيت أمه وهو طفل ، وجد في القضية الفدائية وكذلك في قضية الفهود السود في أمريكا نوعا من « الكفارة » لا عن ذنوبه هو ، وإنما عن ذنوب أبيه المجهول وأمه التي رحلت مبكرا ، وعن ذنوب المجتمع الذي جعل منه ضحية بامتياز . ولذلك وجد جان جينيه في العمل الفدائي شيئا من الفعل الميتافيزيقي . فالفدائي الذي طرد من أرضه وفقد بيته وأهله غدا أشبه بالبطل التراجيدي الذي يتحدى القدر ويدفع من دمه وجسده ثمن ذلك التحدي. أما جان جينيه فيصف نصه الذي كتبه عن صبرا وشاتيلا بقوله : « إنه نوع من حكاية صغيرة كتبتها ، حكاية لم أكتبها انطلاقا من أفكاري ، حكاية كتبتها بكلمات هي كلماتي ولكن لأحكي عن حقيقة ليست حقيقتي » . ولعل هذا النص الذي كتبه جينيه أعاده إلي عالم الحياة بعد أن اجتاز الكابوس ، مثلما أعاده إلي عالم الكتابة بعد أن انقطع عنها سنوات . والنص هذا أعقبه كتاب جان جينيه الشهير « أسير عاشق » الذي كان آخر كتاب له قبل رحيله عام 1986 وقد أغمض عينية من غير أن يبصره مطبوعا".
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: Asaad Alabbasi)
|
. .
الأخ الزميل العباسي
تحية طيبة، وأشكر لك تعريفنا بهذا الكاتب العالمي .
كثيراً ما تساءلت عن علاقة الشذوذ بالإبداع، واستصحبت أمثلة عديدة حول هذه العلاقة:
سقراط/جالينوس/دافنشي/مايكل انجلو/أوسكار وايلد /والت ويتمان/الإسكندر الأكبر/جوته/أبو الحكم بن هشام/ابو نواس/يحي بن أكثم/ابو العيناء / اندريه جيد.
يوجد كتاب اسمه (ذم الهوى) لابن الجوزي يذكر أسماء مشاهير عرفوا بالشذوذ كالخليفة الأموي الوليد بن يزيد والعباسي الواثق وغيرهم الكثير.
أيضاً من الكتب التي تناولت هذا الموضوع كتاب رمسيس عوض (الشذوذ والإبداع) وهذه نبذة عنه من دار النشر التي نشرته(مؤسسة الإنتشار العربي)
Quote: يتناول فيه تحرج الأساتذة من ذكر بعض الحقائق أمام طلبتهم، ومن بين الأشياء التي يتجنب الأساتذة الخوض فيها لواط عدد من أعلام الأدب الإنكليزي مثل إي إم فورستر وأسكار وايلد ودابليو أودين رغم وجود صلة وثيقة بين أدبهم وشذوذهم الجنسي.ويرجع هذا الوضع العجيب بطبيعة الحال إلى أننا نتحاشى أن نذكر أمام الطلبة ما قد يخدش حياءهم، ولكن الأقدمين كانوا أكثر أمانة وموضوعية وتحدياً للحقيقة، عندما قرروا أن لا حياء في العلم. وهذا الكتاب يميط اللثام عن أدباء عالميين يفضحون أنفسهم بصراحة، حتى يدرك القارىء العربي حقيقة ما يدور في العالم من حوله، وأن الحرية المزعومة التي يتمتع بها الكاتب العربي لا تقاس على الإطلاق بالحرية التي يتمتع بها نظيره في الغرب. |
تحياتي وتقديري . .
. .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: Asaad Alabbasi)
|
. .
الأخ الكريم أسعد
ليس لدي الكثير لأضيفه حول هذا الموضوع ،وآمل أن نستفيد جميعاً من مداخلات الإخوة الزملاء .
وجدت هذا الإستعراض لأجزاء من كتاب الدكتور رمسيس لعلها تثري النقاش :
Quote: قراءة فى تاريخ الشذوذ الجنسى
GMT 11:00:00 2006 الثلائاء 17 أكتوبر خالد منتصر
الفصل الأول
معظم القراء سيتساءل وهل الشذوذ والشاذون يستحق أن نتحدث عنهم أصلاً؟ سيتحول السؤال إلى صراخ وإحتجاج إن مكانتهم ليست فصلاً فى كتاب أو مناقشة على موقع إنترنت، ولكن مكانهم زنزانة فى سجن، أو حجرات منفصلة فى مستعمرة كمرضى الجذام!!. بداية نقول أنه لا يوجد مجتمع أو شعب على هذه الكرة الأرضية مهما إدعى من فضيلة ينكر الشذوذ الجنسى أو يقول أنه برئ منه تماماً، وليس معنى أن ندين ألا ندرس، وليس معنى ألا نريد ألا نرى ونتعامى عن الموجود بالفعل، وليس معنى أنه غير مرغوب فيه أنه غير موجود أيضاً. حتى فى المجتمعات الغربية التى بها حرية جنسية تنتشر صفات ونعوت الإشمئزاز والمكروه والآثم والفاسق والداعر على الشذوذ ومن يمارسه، هذه الصفات جمعها الباحث "كنيستون" ونشرها فى مجلة الشذوذ الجنسى 1980 JOURNAL OF HOMOSEXUALITY وهو لم يجمعها من ألسنة العامة ولكنه جمعها من ساحات المحاكم ومن على ألسنة القضاة. تزايد حديثاً هذا الإشمئزاز وتعالت صيحات الهجوم والإدانة بعد إنتشار مرض الإيدز، والذى إكتشف العلماء أن من أهم أسباب إنتشاره الشذوذ الجنسى، وفسره البعض عندنا فى الشرق بانه عقاب السماء!. وبالرغم من هذا الموقف الهجومى والعدائى ضد الشذوذ الجنسى إلا أنه فى العشرين سنة الأخيرة شهدت أوروبا وأمريكا حركات إحتجاجية قوية، لكنها هذه المرة إحتجاج على إدانة الشذوذ ومطالبة الإعتراف به وتخفيف أو إلغاء كافة القيود القانونية والإجتماعية والأخلاقية الناتجة عن هذه الإدانة، وقد أدت هذه الحركات الإحتجاجية إلى إعتراف الجمعية الطبية الأمريكية النفسية بالشذوذ وإعلان أنه ليس مرضاً حتى يعالج . التعريف : حتى نستطيع أن نفهم ماهو الشذوذ وكيفية التعامل معه لابد أن نقترب أولاً من تعريفه ...علينا أن نعرف أولاً ماهو الشذوذ.....؟؟؟
الفصل الثاني
كلمة HOMOSEXUAL مستمدة من الأصل اليونانى HOMO أى مثل أى أنه الجنسية المثلية، لكن هذا التعبير لم يستخدم على نطاق واسع إلا فى أواخر القرن التاسع عشر وقصد به الرجال أو السيدات الذين أو اللاتى يفضلون أو يفضلن ممارسة الجنس مع شريك من نفس الجنس على مدى مدة معقولة من الزمن، وليس من شروط هذا التعريف كراهية الجنس الآخر بالضرورة. على النقيض تم صك تعبير جديد هو الـ BISEXUAL أو المزدوج إذا صح التعبير وهم الرجال أوالسيدات المنجذبين والمنجذبات جنسياً لنفس الجنس أو الجنس الآخر، وقد أشار الباحث "كولمان" 1987 إلى أن الـ BISEXUALITY لا بد أن يقاس بعدة أبعاد مختلفة، مدخلاً فى إعتباره السلوك الجنسى ومحتوى الفانتازيا الجنسية والإرتباط العاطفى وليس فقط المعاشرة الجنسية أو الجماع، ولذلك فهذه الإزدواجية الجنسية مصطلح معقد يشمل الحالة الذهنية والسلوك الفعلى، ومن هنا نستطيع أن نقول أننا نتعامل مع ثلاث مصطلحات بالنسبة للعلاقات الجنسية: · HETEROSEXUAL يفضل الجنس الآخر · HOMOSEXUAL يفضل نفس الجنس · BISEXUAL مع النوعين أو مزدوج
هذا التصنيف البسيط لم يحظى بإعجاب وموافقة علماء الصحة الجنسية فإضطروا إلى تقسيم جديد، أو تقسيم داخل التقسيم، صنفهم العالم كينزى إلى سبعة أصناف هى: · لايمارس الجنس إلا مع الجنس الآخر فقط EXCLUSIVELY HETEROSEXUAL. · يفضل الجنس الآخر (مارس مرة عارضة مع نفس الجنس). · يفضل الجنس الآخر (الممارسة مع نفس الجنس أكثر من عارضة). · الإثنان متساويان فى الأفضلية (ليس هناك فرق بين أن يمارس مع نفس الجنس أو الجنس الآخر). · يفضل نفس الجنس (مرات مع الجنس الآخر أكثر من عارضة). · يفضل نفس الجنس (الممارسة مع الجنس الآخر أكثر من عارضة). · لايمارس إلا مع نفس الجنس فقط EXCLUSIVELY HOMOSEXUAL.
على ضوء هذا التقسيم وجد كينزى أن 10% من الرجال الأمريكيين البيض كانت ممارساتهم الجنسية مقصورة على نفس الجنس لمدة ثلاث سنوات على الأقل فيما بين 16 و 55 سنة، و 4% منهم كانت الممارسة مقصورة على نفس الجنس مدى الحياة، و 73% من كل سكان أمريكا قد جربوا الشذوذ مرة واحدة على الأقل أثناء حياتهم، وفى هذه المرة كانت الممارسة قد أدت إلى الأورجازم. بالنسبة للسيدات وجدت الدراسة أن 19% من السيدات حتى سن الأربعين مارسن الشذوذ لفترة، وأن 3% منهن مارسن الشذوذ طيلة حياتهن. هرباً من لفظ HOMOSEXUAL الذى نبحث عن تعريفه لجأ الكثير فى الغرب إلى إستبداله بلفظ GAY وهو لفظ يعكس البهجة والمرح ويهرب من ثقل ووطأة وسوء سمعة التعبير الأول والذى بحثنا فى جذوره اللغوية وحان الوقت أن نبحث فى جذوره التاريخية.
الفصل الثالث
موقف الأديان والمجتمعات من المثلية الجنسية "لاتضاجع ذكراً مضاجعة إمرأة إنه رجس" ...سفر اللاويين
إدانة واضحة وصريحة من الكتاب المقدس، ولكن هل هذه الإدانة الصريحة وضعت حداً لهذا السلوك المركب المعقد الذى يطلقون عليه الشذوذ الجنسى أو الجنسية المثلية (اللفظ الذي يفضله علماء النفس لأنه لا يحمل إدانة مسبقة)؟؟؟؟؟. أعتقد أن الإجابة هى النفى، فبرغم ذلك التحذير المقدس ما زال الشذوذ الجنسى له تاريخ فى الماضى وحضور فى الحاضر ورغبة فى صياغة المستقبل. بلغ الشذوذ الجنسى قمة إزدهاره على أيدى الإغريق، يقول أفلاطون فى محاورته المناظرة "الجدير بالذكر أن الإغريق كانوا يعتبرون عشق الرجال الغلمان وساماً يضعه هؤلاء الرجال على صدورهم كما كانوا يحتقرون الرجل الذى يفشل فى إجتذاب الغلمان إليه". ذكرنا فى العرض السابق لتاريخ الجنس كيف كانت العلاقة بين هذا الرجل وذلك الغلام أكثر من علاقة جنسية بحتة بل كانت روحية وأخلاقية أيضاً!. هنا يتحقق قول الشاعر الألمانى جوته الذى قال "إن عشق الرجال للغلمان قديم قدم الإنسان"، ويؤيده فى ذلك د.رمسيس عوض فى كتابه "الشذوذ والإبداع" والذى يقول إن تاريخ أول سجل أدبى لظاهرة الشذوذ يرجع إلى أكثر من أربعة الآف وخمسمائة عام حين تناولته إحدى البرديات المصرية القديمة. بالعودة إلى الأساطير الإغريقية القديمة سنعرف أن جلال وقدسية أبطالهم لم تنتقص منه ممارساتهم الشاذة، فمثلاً يحدثنا الشاعر هوميروس فى الإياذة عن الحب الذى يحمله البطل أخيل للغلام "باتروكلوس"، وفى أساطير الإغريق أن رب الرباب "زيوس" هو الذى إغتصب الفتى الوسيم "جانيميد"، ويحدثنا أفلاطون عن عشق سقراط للغلام "اليسباديس"، ويذكر ديوجنيس أن سقراط عندما كان غلاماً كان معشوقاً لمعلمه. الجدير بالذكر أن الإغريق لم يعبروا عن عشقهم للغلمان فى إنتاجهم الشعرى والنثرى فقط بل فى الرسم والفنون التشكيلية كما يشير د.رمسيس عوض فى كتابه قائلاً "إن الرسام الإغريقى كان لا يرى فى الجمال الأنثوى أى جمال إلا إذا كان شبيهاً بجمال الغلمان". لا ينتهى الكلام عن الإغريق والشذوذ بدون أن نذكر كتاب "العشاق" الذى ينسب لأفلاطون وموضوعه المقارنة بين عشق الذكور للإناث وعشق الذكور للذكور، إن الكتاب عبارة عن مناظرة بين رجلين أحدهما يدافع عن حب الرجل للمرأة والآخر يدافع عن حب الرجال للغلمان، ويقوم "ليسنيوس" بدور الحكم بينهما وينتهى إلى رأى يلخص موقف الإغريق فى عبارة قصيرة فهو يقر بأن الزواج شئ لا غنى عنه فى حين أن عشق الغلمان هو دلالة الحكمة ولهذا نراه يحبذ قصر ممارسته على صفوة المجتمع وحكمائه، وبما أن الشئ بالشئ يذكر فإن هذه المحاورة تذكرنا بمحاورات أخرى حديثة نوعاً ما، وهى المحاورات التى كتبها "أندريه جيد" فى عام 1907 وأطلق عليها "كوريدون" ودعا فيها إلى إباحة "الشذوذ الجنسى" الذى كان يفضله شخصياً، و"كوريدون" هذا هو الشاذ جنسياً الذى يدافع عن رأيه ضد الراوى ويعدد العباقرة الذين كانوا يمارسون الشذوذ وفى مقدمتهم" أوسكار وايلد" و"والت ويتمان"، ونقتبس فى هذا المجال جملاً قصيرة من تلك المحاورات من مرافعة الدفاع التى قالها كوريدون: · البشر يحكمون وفقاً للتقاليد عندما يذهبون إلى أن العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى هى وحدها العلاقة الطبيعية. · الذكر ضرورى لتلقيح الأنثى، ولكن هذا لا يعنى أن الأنثى ضرورية لإشباع رغبات الذكر. · جسم الرجل يفوق جسم المرأة من الناحية الجمالية البحتة. · الطبيعة تسمح بالشذوذ ولكن القوانين الإجتماعية تتواطأ مع المرأة فى تحريمه. · الحب عند الذكور يمكنه أن يعرف الإيثار والتضحية بالنفس بل بالطهارة أيضاً. (ملاحظة: إعتمدنا على دراسة مطولة عن أندريه جيد قدمتها مجلة القاهرة 1996). إذا كان هذا هو وضع الشذوذ الجنسى عند الإغريق فما هى مكانته عند الرومان؟ كان الرومان يسمحون بزواج رجلين أو إمرأتين، وكان هذا مقبولاً ولكن فى الطبقات الأرستقراطية، ويؤكد بوزويل فى كتابه "المسيحية والتسامح الإجتماعى والشذوذ" على أن "نيرون" نفسه كان يتزوج الرجال. يؤكد الكتاب أيضاً على أن المسيحية فى بداياتها لم تكن تدين هذا السلوك بنفس الدرجة التى وصلت إليها بعد ذلك، وكانت قمة الهجوم المسيحى على الشذوذ على يد القديس "أوغسطين" و"توماس الأكوينى" اللذين أكدا على أن أى لقاء جنسى ليس غرضه الحمل فهو لقاء آثم، ووضعت الكنيسة الشاذ جنسياً بين شقى الرحى، إما أن يعلن توبته أو يعذب ويحرق بالخازوق!، وفى العصور الوسطى كانت إتهامات الشذوذ الجنسى بداية لإتهامات الهرطقة والزندقة، وبدأت الإعترافات تؤخذ كوثائق إدانة لإثبات هذه الهرطقة . أما الشذوذ الجنسى فى التاريخ الإسلامى فموضوع يطول شرحه .....
الفصل الرابع
موقف الإسلام من الشذوذ الجنسى
الشذوذ الجنسى أو اللواط كما نطلق عليه فى اللغة العربية مدان فى القرآن صراحة وقد جاء ذكره فى قصة قوم لوط فى سورتى الأعراف وهود لا، وقد روى إبن عباس عن رسول الله (ص) أنه قال "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فإقتلوا الفاعل والمفعول به"، ومع إجماع الفقهاء على حرمة هذه الجريمة إلا أنهم إختلفوا فى تقرير عقوبتها إلى مذاهب ثلاثة:
1- مذهب القائلين بالقتل مطلقاً إستناداً إلى الحديث السابق، وأما كيف يقتل فقد روى عن أبى بكر وعلى أنه يقتل بالسيف ثم يحرق لعظم المعصية، وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط وذهب بن عباس إلى أنه يلقى من أعلى بناء فى البلد. 2- مذهب القائلين بأن حده حد الزانى، فيجلد البكر ويرجم المحصن، ومن بين هؤلاء القائلين بهذا المذهب الشافعى وسعيد بن المسيب إعتماداً على حديث رسول الله (ص) "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان". 3- مذهب القائلين بالتعزير ومنهم أبو حنيفه.
ولكن السؤال المهم بعد كل هذه التخريجات الفقهية الكثيرة والمتناقضة أحياناً، هل منعت هذه التحريمات المستندة إلى القرآن والسنة المجتمع الإسلامى من أن يتعايش مع الشذوذ وأصحابه؟ الإجابة بالطبع هى النفى والدليل شاعرنا الكبير "أبو نواس" مثلاً فقد عاش عصره جنباً إلى جنب مع إبن حنبل، وهو يعلن بل يفاخر بشذوذه ويكفى ان نستمع إلى شعره الذى يقول فيه: وعاذلةٍ تلوم على إصطفائى غلاماً واضحاً مثل المهاة وقالت: قد حرمت ولم توفق لطيب هوى وصال الغانيات فقلت لها: جهلتُ! فليس مثلى يخادع نفسه بالترهات أأختار البحار على البرارى وأحياناً على ظبى الفلاة دعينى لا تلومينى فإنى على ما تكرهين إلى الممات بذا أوصى كتاب الله فينا بتفضيل البنين على البنات وقوله أيضاً: أحب الغلام إذا كرها وأبصرته أشعثاً أمرها وقد حذر الناسُ سكينه فكلهم يتقى شرها وإنى رأيت سراويله لها تكة أشتهى جرها
ولكن هل إنحصر الشذوذ فى دائرة الشعراء والفنانين على مدى التاريخ الإسلامى مما يمكن أن نعده جنون المبدعين؟ لا لم يقتصر عليهم، بل إمتد إلى بعض رؤوس الدولة وحكامها فمثلاً الوليد بن يزيد من عصر الأمويين كان مشهوراً باللواط، حتى أنه راود أخاه عن نفسه. أما من العصر العباسى فنعطى مثلاً بالخليفة الواثق والذى كان عاشقاً للغلمان وكان منهم غلام مصرى إسمه مهج، ملك مشاعره وملك وجدانه حتى قال فيه شعراً: مهج يملك المهج بسجى اللحظ والدعج حسن القد مخطف ذو دلال وذو غنج ليس للعين إن بدا عنه باللحظ منعرج
هذا كله وغيره موثق فى كتابي "مروج الذهب" و"تاريخ الخلفاء". ولكن ماذا نقصد بهذا العرض التاريخى الصادم للبعض والمستفز للبعض الآخر؟، القصد هو أن نقول أن الشذوذ أو ما نسميه شذوذاً جنسياً موجود منذ بدء الخليقة، والحكم عليه ليس بمثل هذه البساطة التى نتصورها. كل هذا العرض يطرح علينا سؤالاً هاماً وهو بالرغم من أنه لا يوجد سلوك بشرى أياً كان أدين بقسوة وعنف وترهيب مثل الشذوذ الجنسى إلا أن من يمارسونه فى زيادة سواء كانت هي الزيادة علنية كما فى المجتمعات الغربية، أو سرية كما فى المجتمعات الشرقية. السؤال هو لماذا هذه الزيادة ولماذا هذا الإصرار؟، وهل وقف الشاذون مكتوفى الأيدى أمام هذا الهجوم الدينى والإجتماعى والقانونى؟؟؟، هذا ما سنعرف إجابته من خلال تتبع ثورة الشذوذ.
الفصل الخامس
ثورة الشذوذ
ظلت النظرة السلبية تجاه الجنس المثلى منتشرة فى المجتمع الغربى حتى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، عندما بدأت العلوم الطبية والنفسية فى التطور والتقدم، فتغيرت النظرة وحذفت كلمة إثم أو ذنب من القاموس الطبى ووضع مكانها لفظ "مرض"، وكمثال ربط العالم "كرافت" الشذوذ الجنسى بالتغيرات الجينية والوراثية وبالضعف الحادث فى الجهاز العصبى، ومع بدايات القرن العشرين حدث شبه إجماع من علماء النفس على أن الشذوذ الجنسى هو مرض يولد به الإنسان. من هنا بدأت نظرة أكثر تسامحاً ولا أقول تعاطفاً مع الشذوذ حتى أن تقرير "ولفيندن" والذى نشر فى بريطانيا 1957 أوصى بإستبدال كل القوانين التى تجرم الشذوذ. كان عام 1969 هو بداية الشرارة الثورية لعالم الشذوذ الجنسى وبدأت الثورة حين هاجم البوليس حانة فندق Stonewall فى شارع كريستوفر بنيويورك التى يجتمع فيها الشاذون جنسياً فإندلعت أعمال الشغب وإستمرت المظاهرات لمدة ثلاثة أيام متواصلة تنادى بحق الشذوذ، وتهتف بسقوط الرجعية الجنسية!!، ثم كانت تلك التواريخ الفاصلة الآتية نقاط تحول فى تاريخ الشذوذ الجنسى: · 1970 الذكرى الأولى لثورة الSTONEWALL · 1973 ألغت الجمعية الأمريكية للطب النفسى الشذوذ الجنسى من قائمة الأمراض العقلية. · 1977 أصبح "هارفى ميلك" أول شاذ يعين مشرفاً على نشاطاتهم فى سان فرانسيسكو. · 1981 بداية ظهور الحالات الأولى من الإيدز والذى لم تكن طبيعته معروفة حينذاك، ولذلك لم تتم تسميته. · 1982 إنعقاد أول مؤتمر للشاذين جنسياً من الرجال والسيدات فى دالاس. · 1983 النائب "جيرى ستودز" يعلن بصراحة عن هويته الشاذة جنسياً، ويصبح بذلك أول نائب فى الكونجرس يعلن ذلك (ملاحظة: أعيد إنتخابه مرة أخرى). · فى العام السابق أيضاً تم إكتشاف 3000 حالة إيدز فى أمريكا وكان عدد الوفيات من هذا المرض 1283. · 1987 خروج مظاهرة من 300 ألف شخص فى واشنطن للمناداة بحق الشواذ. · 1989 إقرار زواج الشواذ جنسياً فى سان فرانسيسكو. ومع الزيادة الرهيبة فى حالات الإيدز والذى كما ذكرنا من قبل ظنه الناس الضربة القاصمة للمثلية الجنسية، إلا أن الردود والحجج كانت جاهزة عند المثليين، بأن الإيدز أيضاً منتشر بين من يمارسون الجنس مع شريك من جنس آخر، أى ليس مقصوراً عليهم، ومازال الجدل مستمراً، ومازالت الحكومات الغربية تبدى تسامحاً شديداً برغم فوبيا الإيدز، إلا أن أقصى ما يفعلونه هناك هو توفير الواقى الذكرى والتعريف بمخاطر الإيدز حفاظاً على تقاليد المجتمع الليبرالى وعدم المساس بالحريات الشخصية لأفراده من وجهة نظرهم.
الفصل السادس
أسباب الشذوذ الجنسى لماذا يصبح الناس شواذاً أو حسب التعبير العلمى الصحيح مثليين جنسياً؟
سؤال يفرض نفسه بقوة لأن الشاذ جنسياً حوله أسرة تنصح، ومدرسة تعلم، وواعظ يوبخ وينهر، ومجتمع يدين ويشجب، وبالرغم من ذلك فهو يصر، وإن لم يصر فهو (او هي) لا يستطيع أن يتخلى، وإن تخلى سرعان ما يعود إلى ممارساته السابقة. هل الشذوذ حالة يولد بها الإنسان ولا يستطيع أن يسيطر عليها، أى أنه لا حول له ولاقوة حيالها؟ هل هو حالة إرادية واعية يفعلها الشخص لمدة محددة من الزمن؟ أم هل الشذوذ نتيجة تربية خاطئة فى المنزل أو المدرسة؟؟؟ كل هذه الأسئلة وغيرها هامة لذاتها وهامة أيضاً فى تطبيقاتها لتحديد مدى سماحة الدين والأخلاق والمجتمع والقانون مع هؤلاء، وصعوبة هذه الأسئلة مصدرها سؤال أكثر صعوبة وهو: ماهى أسباب ما نطلق عليه الجنس الطبيعى وكيف ينشأ وينمو؟، وإذا عرفنا هذا نستطيع التأكد من ذلك.... فهل نوفق فى هذه الحالة أم أننا نطارد قطة سوداء فى الظلام الدامس ونحن نرتدى نظارة شمسية؟! سنرى ذلك من خلال إستعراض النظريات التى حاولت تفسير أسباب الشذوذ الجنسى. النظريات البيولوجية: أرجع الكثير من الباحثين الشذوذ إلى أسباب بيولوجية بحتة ليس للإنسان أى إختيار فيها فهو كأبطال التراجيديات اليونانية الذين يمارسون فعلاً واحداً فى حياتهم وهو إنتظار ضربات القدر! أولى هذه النظريات هى النظرية التى ترجع أسباب الشذوذ إلى أسباب وراثية فى الجينات، وأهم ما أيد هذه النظرية البحث الذى أجراه "كالمان" وأثبت فيه أن التوأم المتطابق تماماً IDENTICAL TWINS (ينتميان إلى بويضة واحدة)، إذا كان واحد منهما شاذ جنسياً فالآخر بالضرورة شاذ أيضاً، أما فى التوائم غير المتطابقة فالأمر لا يصبح بهذه الدرجة. كان الباحث "كالمان" قد أجرى بحثه 1952 ووجد أن 100% من التوائم المتطابقة التى ينتمى فيها النصف إلى عالم الشذوذ لا بد أن يتصف النصف الآخر أيضاً بنفس الصفات، أما فى النوع الثانى من التوائم فقد بلغت النسبة 12% وهذا ما يؤيد الخلفية الوراثية، ولكن للأسف لم تثبت الدراسات التالية لباحثين آخرين صحة هذه النظرية على طول الخط، وصارت نظرية "كالمان" هى بيضة الديك التى لم تتكرر. ثانى النظريات البيولوجية هى النظرية التى ترجع الشذوذ إلى أسباب تتعلق بالهورمونات، ومما أيد هذه النظرية أن بعض الباحثين وجدوا أن حقن أمهات الحيوانات ببعض الهورمونات يؤدى إلى ولادة حيوانات شاذة جنسياً، وأيدتها بعض الأبحاث التى أجريت على بعض السيدات اللاتى يعانين من مرض يسبب زيادة الهورمون الذكرى ADRENOGENITAL SYNDROME، ووجدت هذه الأبحاث أنهن أكثر عرضة أيضاً للشذوذ الجنسى، لكن هذه المشاهدات لم تؤيدها الأبحاث الأخرى التى تمت منذ بداية السبعينات، وخرجت إعتراضات عديدة عليها منها أن السلوك الجنسى فى الحيوانات لا يشابه السلوك الجنسى فى الإنسان، وثانياًً أن محاولة علاج الشاذين بالهورمونات باءت بالفشل. النظريات النفسية: ما دمنا نتكلم عن النظريات النفسية التى حاولت فهم الشذوذ الجنسى لا بد أن نبدأ اولاً برائد التحليل النفسى "سيجموند فرويد" الذى قال أننا نولد ولدينا هذه الإزدواجية الجنسية، وفى ظل الظروف الطبيعية والعادية يتطور النمو النفسى بنعومة تجاه تفضيل الجنس الآخر، وتحت وطأة ظروف أخرى مثل عدم حل عقدة "أوديب" عند الذكر يتوقف النمو الجنسى عند مرحلة أقل نضوجاً فيطفو على السطح تفضيل نفس الجنس أو ما نسميه بالشذوذ، وأكثر من ذلك يقول فرويد بأن كل الناس عندهم ميول جنسية مثلية مضمرة أو مختفية تظهر عند ظرف معين مثل قلق الإخصاء عند الذكور. كتب "فرويد" قليلاً عن هذا الموضوع لدرجة أننا من الصعب أن نخرج بنظرية واضحة الملامح عن الشذوذ من كتاباته، لأنه كان يكتب فى ظل مجتمع أو حتى وسط طبى يضع الشذوذ فى قائمة الأمراض العقلية، ولهذا لم يتناوله بإسهاب، لكننا نستطيع أن نخرج بإنطباع عن رأيه حين نقرأ هذا الإقتباس من أحد خطاباته لأم تشكو من شذوذ إبنها...يقول فرويد: "الشذوذ بالتأكيد ليس ميزة، ولكنه أيضاً شئ لا يوجب الخجل، إنه ليس رذيلة أو إنحطاطاً ولا يمكن حتى إعتباره مرضاً، لكننا نستطيع إعتباره نمطاً مختلفاً من أنماط النمو الجنسى، إن أناساً عظماء وعباقرة كثيرين من العصر القديم والحديث كانوا من ضمن الشاذين جنسياً (أفلاطون، مايكل أنجلو، ليوناردو دافنشى...)، إنه ظلم كبير أن نعتبر الشذوذ جريمة أو وحشية". لكننا لا نعرف هل كان هذا الخطاب مجرد رسالة لبث الطمأنينة فى قلب الأم أم أننا من الممكن أن نشكل منها نظرية، إن ما نعرفه بالفعل أن الكثيرين من تلاميذ مدرسة التحليل النفسى بعد ذلك إعترضوا على هذه النظرية مثل "كارلين" فى كتاب "الجنس والشذوذ" 1971، و"جرين" فى مجلة الطب النفسى 1974، و"تريب" فى كتابه"مادة الشذوذ" 1975. بسبب تلك الإعتراضات ظهرت نظرية أخرى إلى النور وهى نظرية العالم النفسى "إيرفنج بيبر" 1962 والتى إستمدها من أبحاثه على أكثر من مائة أسرة تضم بين أبنائها شواذاً، ووجد أن معظم هؤلاء الشواذ قد عاشوا فى أسر تضم أماً مسيطرة ومتسلطة وأباً ضعيفاً وسلبياً، وبذلك رفض نظرية "فرويد" وأكد على أن السبب الأساسى هو خوف هؤلاء من العلاقة الجنسية الطبيعية بين الرجل والمرأة. لكن هذه النظرية أيضاً واجهت إنتقادات عديدة من علماء كثيرين أمثال "بيل" و"وينبرج" و"هامر سميث"....وغيرهم. النظريات السلوكية: هذه النظريات ترجع الشذوذ إلى ممارسات سلوكية أى أنه ظاهرة متعلمة" بفتح اللام"، وهذا يفسر تحول بعض الناس من العلاقة الجنسية التى تفضل الجنس الآخر إلى الشذوذ لأنهم ببساطة لم يتم إشباعهم من خلال العلاقة الأولى أو صدموا فيها، مثل السيدات اللاتى يتم إغتصابهن فيتحولن تلقائياً إلى شاذات جنسياً LESBIANS. لكن هذه النظريات جميعاً من بيولوجية ونفسية وسلوكية لم تستطع أن تدعى بأنها تملك الحقيقة المؤكدة أو تقدم التفسير الجاهز، وبعض هذه النظريات ينفع حالات معينة والبعض لا ينطبق على حالات أخرى ولذلك فالموضوع مازال قابلاً للمناقشة والدراسة والتحليل. برغم إنتشار الشذوذ الواسع غرباً وشرقاً وحصول ممارسيه على حقوق كثيرة ومساعيهم المستمرة لإقامة مجتمعهم الخاص وعالمهم المستقل، فهم الآن لديهم منظماتهم الخاصة، فنادقهم، حاناتهم، حماماتهم، جرائدهم،حتى كنائسهم يريدونها خاصة!!، برغم كل هذا فالأمر لم يتم فك رموزه بعد واللغز ما زال مستعصياً على الحل. وحتى لفظ GAY الذى إستتر وراءه الشواذ لم يعد يعنى البهجة التى يحملها المعنى اللغوى، فمازالت المثلية الجنسية يطاردها القانون، ومازالت تعنى إدمان الكحول والمخدرات عند الكثيرين، وتعنى الإحساس بالذنب والخوف من إكتشاف الحقيقة، وأخيراً مازالت تعنى الإيدز ذلك الشبح الدراكيولى الذى ما أن غرس أنيابه فى الرقاب حتى تدق ساعة النهاية معلنة الرحيل، لكنه ليس الرحيل فى سلام إنما الرحيل الفاضح.
الفصل السابع
كيف يكتشف الإنسان مثليته الجنسية.. وكيف يخبر الآخرين بها؟
هل الشواذ أو المثليون جنسياً طائفة محددة الملامح واضحة القسمات بحيث ما إن ترى واحداً منهم حتى تقسم بأغلظ الأيمان أنه شاذ؟؟؟ أعتقد أنه من الخطأ الشديد إعتناق هذا المفهوم، وقد أجهد الناس أنفسهم لكشف الشواذ حتى أن الأمر وصل إلى حد المسابقة.... "تخمين من هو الشاذ والنجاح فيه هو دليل على فطنتى وذكائى"!!!. إذا كان الناس قد أجهدوا أنفسهم من باب النميمة فإن العلماء قد أجهدوا أنفسهم من باب العلم والبحث العلمى والتقصى الأكاديمى، فلم يجدى معهم طريقة المشى أو الكلام أو الملابس.... الخ، للتدليل ولتحديد الشواذ جنسياً، وملخص ما وصل إليه العلماء أنه لا يوجد ما نستطيع أن نطلق عليه نمط حياة الشواذ، فهم يتابينون فى طرق معيشتهم ويختلفون فى سلوكياتهم وردود أفعالهم، فالبعض يعلن عن نفسه بصراحة ويستريح لذلك والبعض يمارس الحياة بطريقة عادية تتفق مع مفاهيم المجتمع المحيط لدرجة أنه يتزوج أو يدخل فى علاقات نسائية إذا كان رجلاً، أو مع الرجال إذا كانت سيدة سحاقية وتظل علاقاتهم الشاذة فى طى الكتمان. أما متى يكتشف الشواذ شذوذهم؟ البعض قال أنه قد إكتشف ذلك فى سن السادسة، والبعض تيقن من شذوذه فى سن المراهقة، والعلماء يعترضون على حكاية سن السادسة تلك ويقولون أن ما يحسه الطفل فى تلك السن بأنه مختلف عن أقرانه إحساس طبيعى ومن الممكن تجاوزه بل فى الأغلب يمكن تجاوزه بل إن كثيراً من الكبار غير الشواذ يؤكدون على أنهم قد مروا بتجربة الإختلاف هذه دون أن تترك تأثيرها المستقبلى عليهم كشواذ جنسياً، إذن فالإحتمال الثانى هو الإحتمال الذى إتفق عليه العلماء. الإكتشاف يتم بطريقتين إما أن يمارس المراهق مناوشات جنسية مع مراهق آخر فيكتشف أن هذا هو المفضل لديه أو أنه هو الذى يبعث على الراحة والإستمتاع فيستمر فى تلك الممارسات، والطريقة الثانية التى أعلنها "وينبرج" فى أبحاثه عام 1978 هى أن يكتشف المراهق أو تكتشف المراهقة نفسها بأنه يفضل أو تفضل الممارسة مع نفس الجنس ثم تحدث بعدها الممارسة أى أن الشعور يتبع الممارسة فى الطريقة الأولى، ويسبق الممارسة فى الطريقة الثانية. بالطبع يوجد فرق شاسع ما بين إكتشاف الشذوذ الجنسى وتقبله، فإكتشاف الشذوذ مهمة فرد ومسئولية صاحبه، أما تقبله فهى مهمة مجتمع ومسئولية تقاليده، فالبعض من هؤلاء الشواذ يطرق أبواب الأطباء طالباً العلاج تارة لرفضه الشخصى وتارة أخرى لضغوط المجتمع عليه، ولكن هذه الفئة قليلة وقد أحصاها الباحث "وينبرج" فى أبحاثه السالفة الذكر بنسبة 1 إلى 20، وكانت ملاحظته التى تستحق الذكر وتلفت الإنتباه هى أن الرجال الشواذ يجدون صعوبة أكبر فى تقبل شذوذهم عن السيدات الشاذات، وأعتقد أن هذا يرجع إلى أن الرجال الرافضين يعتبرون شذوذهم فشلاً فى الوصول إلى كمال الرجولة، أما السيدات الرافضات لشذوذهن فهن يعتبرنه رفضاً حراً وصريحاً للممارسات الجنسية الطبيعية ولذلك فالصراع عند الرجال الشواذ أعنف منه عند السيدات. تأتى اللحظة الحاسمة وهى لحظة الإخبار أو إعلان النبأ أو ما يسمونه COMING OUT، وهى الطريقة التى يعلن بها أو يخبر بها الشاذ الآخرين عن شذوذه، وهذا الكشف يستغرق فترة طويلة فى معظم الأحيان وغالباً ما يحاول الشاذ أن يجس نبض المجتمع المحيط حوله من خلال صديقه الحميم، وتكون هذه هى بالونة الإختبار الأولى ثم تتسع الدائرة شيئاً فشيئاً حتى تشمل أصدقاء آخرين ثم زملاء العمل ثم فى النهاية غالباً ما يكون آخر من يستقبل الألغام هم أفراد الأسرة، والقرار فى الغالب يكون جاهزاً داخل الشخص أما إمضاء المجتمع على هذا القرار فهو الذى يستغرق كل هذه المدة لأنه أصعب إمضاء وتوقيع يواجهه هذا المجتمع. البعض يفضل أن يخبر مجتمعه أو محيطه الخاص من الشواذ وهذا يمنحه راحة أكثر ومرونة أكثر ولكنه يظل حتى هذه اللحظة لا يحظى بالقبول والرضا الإجتماعى مما يجعل البعض يفضل أن يعيش حياة جنسية مع الجنس الآخر حتى يحظى بهذا القبول وحتى لا يفقد إحترامه الإجتماعى أو ضمانه الإقتصادى كمستقبل وظيفى مثلاً، وهذا الحل التوفيقى أو التلفيقى يرضى الجميع ويقنع الكل إلا إنساناً واحداً فقط هو الشاذ نفسه، فالهاجس يظل يلح عليه أن يخبر الناس وأن يواجه عدوانيتهم تجاهه بمزيد من الصراحة، وهنا أيضاً يستلفت نظرنا بحث "وينبرج" السابق فى تأكيده على أن الشواذ من الطبقات الدنيا يصرحون بشذوذهم أسرع وأصرح من شواذ الطبقات الأرستقراطيه أو المتوسطة!. فى نفس البحث السابق لوينبرج الذى أجراه 1978 تمت دراسة 979 حالة شذوذ جنسى (رجال وسيدات) وقد تم تدعيم هذا البحث بأسئلة الأصدقاء والأقارب والإطلاع على الرسائل المتبادلة ودراسة حانات الشواذ وأماكنهم الخاصة.....الخ، وتعد هذه الدراسة من أهم الدراسات التى ساعدت على التصنيف النمطى لهم أو ما يسمى بال TYPOLOGY القائم على الإحصائيات والإستنتاجات وقد قسمهم هذا البحث وصنفهم إلى خمسة أنواع....وهذا هو حديث الحلقة القادم.....
الفصل الثامن والاخير
أنواع ومراحل الشذوذ الجنس · النوع الأول: CLOSE- COUPLED HOMOSEXUALS وهم الذين يعيشون علاقات شديدة الشبه بالعلاقات الزوجية فيما بين الرجل والمرأة وهؤلاء مشاكلهم الجنسية أقل وكل طرف يكتفى بالطرف الآخر فقط. · النوع الثانى: OPEN-COUPLED وهو الذى يمتلك علاقات خاصة جداً وأيضاً علاقات متعددة خارج هذا المحيط الخاص، وهذا النوع منتقد دائماً وآسف على شذوذه ويحاول التخلص منه. · النوع الثالث: FUNCTIONAL أو الوظيفى والذى لا يقيم فيه الشواذ علاقات زواج أو ما يشبه ذلك وهم يمتلكون علاقات متعددة حرة، وهم مثل النوع الأول لا يعانون متاعب جنسية شديدة. · النوع الرابع: DYSFUNCTIONAL الذين بقدر ما يمتلكون علاقات جنسية متعددة خارج إطار الزواج، هم يمتلكون أيضاً متاعب جنسية شديدة ومتعددة. · النوع الخامس والأخير: ASEXUAL أى الشواذ الذين ليست لديهم إهتمامات جنسية أو إهتماماتهم الجنسية قليلة ويميل هذا النوع إلى أن يكون أكثر سرية وغموضاً فى علاقاته الشاذة.
أكد البحث السابق على أن النوع الرابع هو الأكثر الأنواع إحباطاً وإحساساً بالوحشة والإضطراب، أما النوع الأخير فهو أكثر الأنواع عرضة للإنتحار. بالطبع ليس هذا تصنيفاً حاداً قاطعاً ولكنه يخضع لعدة عوامل نفسية وإجتماعية أخرى. بالنسبة للنشاط الجنسى بين الشواذ ومدته فقد أكدت معظم الأبحاث أن الشواذ من الرجال عموماً نشاطاتهم وممارساتهم الجنسية أكثر، ويميلون لأن يكون لهم أكثر من رفيق، والبعض يفضل أن تكون علاقاته عابرة، والبعض يفضل أن تكون طويلة ودائمة، وأهم الدراسات التى أجريت على علاقات الشذوذ التى ظلت لفترة طويلة، كانت الدراسة التى أجراها الباحثان ماكورينر وماتيسون 1984 على عينة من 156 علاقة بمتوسط مدة تقترب من التسع سنوات، وقد توصل الباحثان إلى نتيجة مؤداها أن أى علاقة طويلة من هذا النوع تمر بست مراحل:
المرحلة الأولى: أطلق عليها مرحلة "المزج" والتى تمثل عادة السنة الأولى من العلاقة وتتميز بنشاط جنسى فائق ومشاعر حب وجاذبية فياضة.
المرحلة الثانية: فهى مرحلة "العش" والتى تحدث عادة أثناء السنة الثانية أو الثالثة والتى يهتم فيها الإثنان بترتيب البيت أو العش الذى يضمهما وأيضاً البحث عن التوافق، وتبدأ مرحلة الغرق فى الحب فى الأفول رويداً رويداً وأيضاً يقل النشاط الجنسى عن المرحلة الأولى، ويبدأ تسرب الشكوك داخل جسم العلاقة فيحدث بعض الإضطراب.
المرحلة الثالثة: هى مرحلة "الحفاظ" والتى تكون عادة فى السنة الرابعة والخامسة من بداية العلاقة، وهى تتميز ببزوغ الإنفرادية بعض الشئ والتى يبحث فيها كل فرد عن هويته التى ذابت فى الآخر وفيها أيضاً تبدأ الصراعات مع المجتمع والنفس والتى تحتاج إلى طاقة وجهد وصبر لحلها.
المرحلة الرابعة: هى مرحلة "البناء" من السنة السادسة حتى العاشرة والتى تبدأ فيها بعض الإستقلالية مع وجود الإعتماد المتبادل بين الرفيقين والذى يأخذ فى الإزدياد والتماسك ثانية.
المرحلة الخامسة: فهى مرحلة "الراحة" والتى تتميز بثقة كل طرف فى الآخر ومنحه الأمان مع إنخفاض ملحوظ فى معدل النشاط الجنسى وهذه المرحلة تبدأ من 11 سنة وحتى العشرين.
المرحلة الأخيرة: فهى مرحلة "التجديد" وهى تبدأ بعد مرور عشرين سنة على العلاقة وتتميز بالأمان والهدوء الذى يتيح للطرفين أن يتذكرا خبراتهما المشتركة وذكرياتهما. لاحظ الباحثان أنه إذا تحرك أحد الطرفين بسرعة أكبر أو أقل من الطرف الآخر فى إحدى المراحل الست فإنه تحدث الإضطرابات والمشاكل والتى من الممكن أن تحدث فى رأى باحث آخر هو كولمان 1982 من جراء فوبيا المجتمع تجاه الشذوذ كما يطلق عليها.
وهكذا يعيش الشاذ كدودة القز داخل شرنقته الخاصة ومجتمعه الضيق من أقرانه الشواذ ولكنه لا يفرز مثلها حريراً وإنما يفرز إضطراباً وصداماً ومزيداً من التشرنق والعزلة |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: ALazhary2)
|
الأستاذ أسعد العباسي والأخوة المتداخلين.. لكم التحية على تناول مثل هذه المواضيع الجادة..
في الحقيقة مسألة الشذوذ ليس الجسدي فقط بل الشذوذ بصفة عامة بما فيه الفكري تكاد تكون سمة من سمات كثير من المبدعين.. يستحضرني في هذه اللحظة الروائي والشاعر والرسام الإنجليزي "John Ruskin" هذا الرجل كان مثالاً لمثل هذه القضية.. برغم نجاحه كمبدع إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في حياته الخاصة.. لدرجة أن المثالية في التفكير وصلت به للإشمئزاز من زوجته حين رآها على طبيعتها البشرية المجردة.. ذلك لأن شكل المرأة إرتبط في ذهنه بالتماثيل الإغريقية التي كان يعشقها ويقدس فيها جسد المرأة.
دمت بخير..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: Asaad Alabbasi)
|
Quote: الكاتبة(سيمون دي بفوار) عشيقة صديقه الفيلسوف( جان بول سارتر) تقول إن مؤلفنا ـ تعني جينيه ـ كان منبوذاً من المجتمع منذ أن رأت عيناه النور، فلا غرو إن رأيناه لا يكن أي إحترام لهذا المجتمع، وأن يحاول الإنتقام منه عن طريق السلوك الشائن المعيب.
|
أستاذ أسعد .. تحياتي على ذكر "سيمون دي بفوار".. فهي نفسها تعتبر أحد أبرز رموز الشذوذ الجنسي في الأدب الفرنسي.. وذلك من خلال كتابها"Le deuxième sexe" أو "The Second Sex" أهم مرجعيات الحركة النسوية "Feminism".. كما أنها عُرفت بعلاقات متعددة مع كثير من الفتيات في نفس الوقت الذي كانت تربطها علاقة بـ "Sartre".. مثل Elizabeth Le Coin أو Zaza كما كان يحلو لها تسميتها.. وهي تعتبرها أهم علاقاتها العاطفية.. وقد اشارت "سيمون" إلى العلاقة مع نفس الجنس في روايتها Le invitee "She Came to Stay التي تثير فيها قضية العلاقة الثلاثية بين رجل واحد وأمرأتين. وآخر علاقات "سيمون" النسوية كانت مع Sylvie le Bon إحدى تلميذاتها والتي إستمرت حتى وفاتها في 1986 حيث تبنتها ومنحتها إسمها قبل موتها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: مبارك السروجي)
|
الأخ مبارك السروجي تحياتي في الغرب نجد أن مسألة الشذوذ كما ذكرت في حالة سيمون دي بوفوار وغيرها من السهل الإعتراف بها ولكنني أتساءل عن ثنائية الإبداع والشذوذ في العالم العربي هل هي متواجدة أم أنها ظاهرة خفية ويقال كمثال لذلك أن المخرج المصري المبدع الراحل يوسف شاهين كان نموذجاً للإبداع والشذوذ وهو لا يخفي ذلك كما أن الأمثلة غيره كثيرة وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال في ظاهرة لا يخلو السودان منها فهل توافقني؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: Asaad Alabbasi)
|
Quote: وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال في ظاهرة لا يخلو السودان منها فهل توافقني؟! |
عزيزي أسعد العباسي..
أوافقك الرأي .. ظاهرة الشذوذ في السودان منتشرة بشكل لا يتصوره العقل.. ولعلها أكثر إنتشاراً في أوساط ناس عاديين.. هناك بيوت وقعدات يديرها رجال ونساء من الشواذ.. وهم أيضاً لا يخفونها.. لكن طبعاً نظرة المجتمع لهم نظرة سلبية فيها كثير من الإحتقار.. والله أنا صادفت رجال يتقمصون شخصيات نسوية بل ويتباهون بذلك.. إلا أن الغريب في الأمر بالنسبة لهذه الظاهرة في السودان.. هو إنتشارها برغم الوازع الديني والروابط الأسرية المتينة التي ترفض مثل هذه الظاهرة. أعرف قصة مشهورة عن مغني سوداني قتله أهله لأنهم كانوا يعتقدون أنه شاذ.. وقصص أخرى عن شباب رفضهم أهلهم بسبب ميولهم الشاذة. هذا يوضح أن المسألة بالنسبة للرجال أشد رفضاً مما هو الحال بالنسبة للنساء.. فهناك كثير من النساء الشاذات خصوصاً في مجتمعات الداخليات والمدارس الثانوية.. ولكن تبقى المرأة الشاذة بمنأى عن العيب كما هو الحال بالنسبة للرجال. طبعاً المسألة محتاجة لدراسة وتوثيق حتى لا يأتي الحديث جزافاً.. وهذه في حد ذاتها مهمة صعبة للغاية في ظل تحفظ الكثيرين.
مودتي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: Asaad Alabbasi)
|
العزيز أسعد أسعد الله صباحك والأخوه المتداخلون بدية دعنى أكتب خلاصة وجهة نظرى فى الموضوع إستباقا لما أورده من تعضيد لها,وهى أن المبدع لايحتاج إلى شذوذ(جنسى ,فكرى الخ).الإبداع يحتاج الى ثورة,ضد مظلمة إجتماعية,ثقافيه وما نحوهما.إضافة الى طموح وقوة شكيمة يدعمانها للوصول الى المنشود.وعامل آخر مهم وهو تصالح المبدع مع نفسه وتقبلها على علاته,وهى مرحلة يسبقها صراع طويل مع الذات حتى السكون النفسى.ومن ثم يتم تحديد موضع المظالم والأحساس بها حتى يتبلور وعيا ذاتيا بفكرة الثورة والإنطلاق بها للعلن ومرافئ الابداع.
سأعود قريبا متى ما توفر الوقت للكتابة,بشرح وافى كما أسلفت. الأخ العزيز مبارك أعطى رؤوس أقلام مهمة,له التحايا ولكم جميعا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: محمد مكى محمد)
|
Quote: العزيز أسعد أسعد الله صباحك والأخوه المتداخلون بدية دعنى أكتب خلاصة وجهة نظرى فى الموضوع إستباقا لما أورده من تعضيد لها,وهى أن المبدع لايحتاج إلى شذوذ(جنسى ,فكرى الخ).الإبداع يحتاج الى ثورة,ضد مظلمة إجتماعية,ثقافيه وما نحوهما.إضافة الى طموح وقوة شكيمة يدعمانها للوصول الى المنشود.وعامل آخر مهم وهو تصالح المبدع مع نفسه وتقبلها على علاته,وهى مرحلة يسبقها صراع طويل مع الذات حتى السكون النفسى.ومن ثم يتم تحديد موضع المظالم والأحساس بها حتى يتبلور وعيا ذاتيا بفكرة الثورة والإنطلاق بها للعلن ومرافئ الابداع.
سأعود قريبا متى ما توفر الوقت للكتابة,بشرح وافى كما أسلفت. الأخ العزيز مبارك أعطى رؤوس أقلام مهمة,له التحايا ولكم جميعا |
الأخ محمد مكي محمد تحياتي رؤياك ثاقبة يحفها العلم والأدب وإن كنا نحتاج المزيد. في إنتظار عودتك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: Asaad Alabbasi)
|
Quote: بدية دعنى أكتب خلاصة وجهة نظرى فى الموضوع إستباقا لما أورده من تعضيد لها,وهى أن المبدع لايحتاج إلى شذوذ(جنسى ,فكرى الخ).الإبداع يحتاج الى ثورة,ضد مظلمة إجتماعية,ثقافيه وما نحوهما.إضافة الى طموح وقوة شكيمة يدعمانها للوصول الى المنشود.وعامل آخر مهم وهو تصالح المبدع مع نفسه وتقبلها على علاته,وهى مرحلة يسبقها صراع طويل مع الذات حتى السكون النفسى.ومن ثم يتم تحديد موضع المظالم والأحساس بها حتى يتبلور وعيا ذاتيا بفكرة الثورة والإنطلاق بها للعلن ومرافئ الابداع. |
العزيز محمد مكي ..
أتفق معك إلى حد كبير في هذا الطرح.. ولكن هناك مسألة هامة هي أن الثورة الداخلية التي تنتاب المبدع تتلاشى وتموت داخله في كثير من الأحيان لأسباب منها على سبيل المثال الخوف .. الرياء.. والتملق.. ومن ناحية أخرى لكي يكون المرء متصالحاً مع ذاته.. قابلاً بها بكل علاتها.. فإنه يبقى نائياً بنفسه عن الآخرين منكراً لواقعهم وأعرافهم السائدة.. لانهم لن يرضوا به .. وهذا النأي والإنزواء في حد ذاته يولد نوع من الشذوذ والرفض لكثير من القيم.. عموماً هذا جدال طويل .. خليك معانا لتزودنا بنفحات طرحك الشيق..
لك وللأخ أسعد التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه"..! (Re: مبارك السروجي)
|
Quote: الرائع اسعد العباسي.. دارت في مصر ضجة كبيرة بسبب عودة الروائي المصري رءوف مسعد المولود في السودان عام 1937 والمقيم في أمستردام بهولندا منذ العام 1990، وهو صاحب رواية "إيثاكا" التي يدافع فيها عن المثليين الجنسيين. ولهذا الرجل آراء صريحة في هذا الأمر قائلاً بأنه من حق أي فئة في المجتمع أن تحدد هويتها الجنسية المناسبة. ويرى كثير من النقاد أن كتابات مسعد بأنها نموذج لما يسمى بـ "الأيروتيكية العربية"، وهو نمط جديد في الأدب العربي المعني بالجسد والجنس إلا أن مسعد يعمد فيها إلى كسر "تابو" الدين والجنس بجرأة بالغة.
مودتي.. |
الأديب مبارك إن رأي الروائي المصري رؤوف مسعد يشبه رأي مواطنه المخرج الراحل يوسف شاهين فقد أسر لي ممثل مصري صغير أسمه أيمن بخيت بختان بأن شيخهم شاهين قد طالبهم بالظهور علناً وعدم إخفاء مثليتهم كخطوة أولى ليتقبلهم المجتمع وقال له شاهين لا يمكن لنا أن نعيش في مجتمع صغير ومنزوي.
| |
|
|
|
|
|
|
|