رغم أن قصة مأساة سميرة الجميلة نشرت وأعيد نشرها في صحيفة (حكايات) الغراء وتناولتها بعض المواقع إلا أن إصرار بعض زملائي على نشرها هنا يدفعني أن أفرد حلقاتها الستة عشر في هذا المنبر الجميل.
سميرة والكلاب الحلقة الأولى { لم تكن تلك الكلاب التي كانت تنهش جثة سميرة الجميلة بعد أن نبشتها من تحت الأرض وكشفت عن مكان اختفائها تعلم أن ما قادها لهذا المصير المأساوي هم أيضاً كلاب لعينة ولكن من بني البشر وما كان لهذه الكلاب أيضاً لتعلم أن سميرة ذات السبعة عشر ربيعاً كانت جميلة وكان شعرها الطويل ينساب خلفها كسنابل تركت بغير حصادِ وأن عينيها الخضراوين ولون جسدها المتفتح وشعرها الناعم تشي كلها بجمال أجنبي رائعٍ وأخَّاذ فمن ساق سميرة على دروب وعرة واغتصبها وهي بين الحياة والموت ومن قتلها وهال على جثتها التراب دون أن يترحم أو يصلي عليها حتى اهتزت الدولة وغضب الشعب؟ هذا ما سنكشف عنه في حكاية سميرة المغدورة والكلاب المسعورة التي سنعالجها معالجة درامية من خلال هذه الحلقات المتسلسلة}. (1) كانت سميرة فرحة وهي تتخطى بنجاح الإمتحان المؤهل لدخول المدرسة الثانوية ولم يكن النجاح مفاجأة لفتاة في مثل ذكائها وجمالها الذي يملؤها ثقة بنفسها وعندما أعدت سميرة زيها المدرسي الأزرق الخاص بطالبات الثانوي قبل ظهور نتيجة الإمتحان كان ذلك رداً عملياً لكل من يسألها عن أدائها في الإمتحان لقد كانت سميرة تنظر للحياة كحديقة غناء وارفة الظلال شهية الشذى فواحة العطر كانت تطير بخيالها فوق هذه الحديقة وتحط على أفنان أشجارها كالنورس غير أن الحياة لم تكن كما كانت تتخيل تلك الفتاة الصغيرة المغدورة، إنما كانت غابة تمرح فيها الوحوش والكلاب المسعورة. (2) طارت سميرة بجناحي الجمال والثقة على رياح النجاح وحطت على مدرستها الثانوية لتستأنف دورها الحالي في الحياة وهو تحصيل العلم والمضي قُدُماً في مدارجه وكانت سعيدة بهذا الدور وهكذا مضى الحال وفي ذات يوم خرجت من مدرستها ترافقها سلمى صديقتها وزميلتها كانتا تنتظران سيارة لتقلهما لمنزليهما وفي تلك اللحظات كانت تمر من أمامهما سيارة فارهة يجلس على مقعدها الخلفي ضابط عظيم يترصع كتفه وصدره بالنجوم وبأشياء أخرى وعلى وجهه نظارة شمسية تغطي جل وجهه لم يتخلَّ عنها حتى وهو داخل السيارة متمتعاً بالظلال وتكييف الهواء. (3) كعادته كان الضابط يراجع بعض أوراقه وهو يستقر في مقعده الخلفي من السيارة فقد كان يستثمر وقته إلى أقصى حد ممكن كان مشهود له بالكفاءة وبطموحاته التي تهجس له بكرسي الوزارة السيادية التي يعمل بها ولكنه أيضاً يحب الحياة وينهل من مباهجها ما استطاع كان يحب الجمال لا بل كان الجمال يهزه هزاً عنيفاً كان صابر هذا الضابط العظيم المهاب يسعى لتحقيق أهدافه ورغباته بكل ما يملك من سلطة وجرأة وكان زير نساء. (4) ليت سميرة لم تلتفت كما تتلفت الظبية إلى هذه السيارة أو إلى قدرها الأسود الذي يشبه لون هذه السيارة الفارهة فصادتها عين الذئب فسقطت من بين يديه الأوراق وبسرعة تخلى عن نظارته الشمسية وأخذ يتملى جمال سميرة التي فعلت في قلبه الأفاعيل فأمر سائقه(مُصدق) أن يتوقف وطلب منه أن يترجل وأن يأتي له بصندوق تبغ فقال مصدق: هناك الكثير منه هنا يا سيدي، على أن مُصدق إمتثل للأمر بعد أن حدجه سيده صابر بنظرة صارمة. (5) كان مُصدق جندياً وفياً للضابط العظيم صابر فقربه إليه وجعله سائقه الخاص وأودعه بعض أسراره السالكة في حياته الليلية والمظلمة عاد مصدق يحمل علبة التبغ والمرآة تعكس لصابر جمال الفتاة وتحيلها إلى لوحة ذهبية وعندما جلس مصدق على مقعد القيادة أمره قائدة بالنزول مرة أخرى وأن يتجه صوب الفتاتين ويعرض عليهما خدمته لتوصيلهما وأوصاه محذراً بأن يتعامل معهما بأدب وأسلوب رقيق ويضيف قائلاً واضح يا مصدق أنهما طالبتين ومن عائلتين محترمتين وليسا كمن تعرف فتوخى الحذر، ثم أعاد النظارة إلى وجهه وأخذ يراقب الموقف من خلال مرآة السيارة وقلبه يخفق وهو يرجو أن ينجح مصدق في مهمته. (6) كانت الشمس تضرب الأرجاء بعنف فطلبت سميرة الظل عن طريق وضع حقيبتها المدرسية فوق رأسها ثم أخذ هذا الشخص الغريب يقترب منها ومن رفيقتها وهو يتصنع الإبتسامتة التي لم تغير كثيراً من وجهه القبيح ولما أعادوا النظر إليه وإلى خطواته تبدل قلق الإنتظار إلى حذر وشيئ من الخوف فعادتا خطوتان إلى الخلف ومصدق يقترب ناحيتهما أكثر وتوقف ليعرض مساعدته فرفضتا ولكنه كان ملحاحاً فتركتا لأجله المكان ولكنه سار خلفهما وهناك في السيارة بدأ القلق يغزو وجه الضابط صابر وهو يتمتم في سره(غبي) أيقن مصدق أن رفض الفتاتين قاطع خاصة بعدما إحتميتا بمباني مدرستهما فعاد لقائده فوجده متجهم الوجه وإنطلقت السيارة مسرعة كالسهم الذي أصاب قلب الضابط وتغزو رأسه العنيد فكرة أخرى وجريئة عزم أن ينفذها بكل ما أوتي له من سلطة ومال وجاه. فسأل مصدق: هل عرفت المدرسة إسمها وموقعها؟ فرد عليه مصدق: نعم يا سيدي. ثم قال الضابط المغرور لنفسه: لم يخلق بعد ذلك الذي يهزمك يا صابر.
07-09-2009, 07:26 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة الثانية (1) توتر صابر في نومه قليلاً بعد أن رفض دعوة من الدعوات التي يحب أمثالها كانت تشقيه تلك الساعة التي لا تكون بجانبه أنثى جميلة وكانت له عين تعرف كيف تفحص الجمال ولكنه يكون متوتراً عندما لا يعرف شأنه مع الأنثى التي تختارها له نزوته الجامحة وفحولته الطاغية ولكنه كان صاحب عزيمة لا تلين ولا يوهنها هوىً يثور بين الأضلاعِ فعاود الكرة في نهار غده ولكن محاولته الجديدة لم تكن أفضل من محاولته السابقة مما ملأه حنقاً وشحذ عزيمته بالمزيد من الإصرار. (2) كان قلب وعقل الأنثى يحدثان سميرة بأن مصدق الذي عرض عليها خدماته ليومين متتاليين ما هو إلا مخلب لذلك القط صاحب النظارة السوداء وقدرت أنه سيئ النية ثم أحست بأن الأمر برمته بدأ يضايقها بل إعتبرته إهانة لبنت شريفة مثلها فهي ليست فتاة ليل أو فتاة شارع فعادت لمدرستها وبثت شكاتها لأستاذها (عوض) وهو أيضاً (أبو فصلها) فنصحها الأستاذ عوض أن تتوخى الحذر ولا تستقل سيارة أي شخص غريب مهما كانت الأسباب ومهما وصل بها القلق من طول الإنتظار وأضاف قائلاً: عليك بحسم أي شخص غريب يقترب منك ولا تتركي مكانك إن تمادى في مضايقتك بل هدديه بالإتصال بالشرطة أو بالصياح للمارة. (3) وهكذا استعصى الأمر على الضابط صابر ولابد له بعد ذلك أن يستعمل ما لديه من سلطة حتى يوقع بالفتاة فهاتف صديقه الضابط (نور الدين) الذي كان أقل رتبة منه وكان بطل تلك الليالي الحمراء التي ينظمها ويدعو إليها أصدقائه واستدعاه وقال له والضعف يعتري وجهه: يا نور الدين لقد أصابتني إحداهن في مقتل هي طالبة في إحدى المدارس الثانوية جمالها لا يصف ولكنها عنيدة عرفت ذلك عبر محاولتين صغيرتين قادهما ذلك الغبي المدعو مصدق وحقيقة يا صديقي لن يهدأ لي بال حتى أرى هذه الفتاة وهي تصرخ بين رجليَّ. قطعاً سيهدأ بالك يا سيدي يكفيني فقط أن تعطيني إسمها كاملاً وعنوان مدرستها. لا أعرف إسم لها ولكن بوسعك أن تستفسر مصدق عن عنوان وإسم مدرستها. إذن يا سيدي إستعد فستسمع منها عما قريب ذلك الصوت الذي تريد. (4) كانت سلمى تقول لسميرة: يا سميرة يبدو أنك غبية ومغرورة في الوقت نفسه (إنتي قايلة البنات ديل بعرسو كيفن) ربما كان ذلك الضابط يريد أن يتعرف عليك وعلى الطريق المؤدي لمنزلكم لكي يخطبك (إنتي ما شايفه الدبابير والحاجات التانية المعلقة في كتفو وفي سدرو ولا عربيتو السمحه‘ هو زاتو سمح، والله عربيتو دي مافي حاجة فيها شينة إلا سواقو !! ) ثم غرقتا في ضحكة بريئة وصافية كقلبيهما الصغيرين.فردت عليها سميرة وهي تغالب ضحكتها: (إنتي عرفتي كيف إنو قاصدني أنا إمكن قاصدك إنتي) فقالت سلمى: لكن الشين ده ما كان بجيك إنتي كان بجيني أنا؟ وكان كلامو ليك إنتي ما لي أنا. شُفتي يا سميرة حظي الكعب ده حتى الشينين ما شغالِن بي الشغلة!! ثم واصلا الضحك الذي إستحال بعد أيام قليل إلى بكاء وأسى. (5) وهناك في تلك الوزارة العتيقة والسيادية كان مُصدق يقف وقفته العسكرية أمام الضابط (نور الدين) وهو يجيب على الأسئلة الموجهة إليه: هل تعلم يا مصدق أننا نعمل هذه الأيام على الكشف عن قضية خطيرة تتعلق بحبوب مخدرة تدعى حبوب هلوسة توزعها بعض الفتيات في المدارس وقد كلفك من قبل جنابو صابر لإستدراج فتاتين لركوب سيارته وكان هذا من ضمن خطته المبدئية للتحري عن هذه القضية الخطيرة لأن ما لديه من معلومات وأوصاف تنطبق على تلك الفتاتين عليه أريد منك وصفاً دقيقاً للمدرسة التي يدرسان فيها كما عليك إعطائي وصفاً كاملاً لشكليهما وعليك بالذهاب الآن لتلك المدرسة وضع خطتك لتأتيني بإسم الفتاتين أمامك ساعة واحدة لتنفيذ الأمر إنصرف. حاضر سعادتك ثم ضرب الأرض برجله وهو يؤدي التحية العسكرية وانصرف. (6) ذهب مصدق للمدرسة ودخل مباشرة لمكتب المدير وهو يقول له: يا سيدي المدير أود الحديث منفرداً معك لأمر مهم ويتعلق بجريمة خطيرة ترتكب فهل تصرف من معك. أمر مدير المدرسة من كان معه بمغادرة مكتبه وأخذ يسمع قول (مصدق) وهو يقول له: نشك في بعض الطالبات بمدرستك يقمن بتوزيع حبوب مخدرة ولدينا بعض الشهود الذين أدلوا بأوصاف لعدد منهن عليه فإني أطلب ملفات جمع الطالبات حتى أتحرى من خلال الصور الموجودة فيها لتحديد المتهمات إن كن بالفعل يدرسن هنا وهذا أفضل من عمل طوابير شخصية والإساءة لسمعة المدرسة والتي أعرف أنها مدرسة محترمة. بعد دقائق كانت الملفات أمام مصدق ومن خلالها جمع كل البيانات التي تخص كل من سميرة وسلمى. وهناك كان نورالدين يعد خطة جهنمية.
07-09-2009, 07:28 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة الثالثة (1) قبل خروج مصدق من المدرسة لمحته سميرة فأسرعت نحو أستاذها حسن والخوف يملؤها وهي تقول له: لقد شاهدت الآن الشخص الذي كان يضايقنا وهو خارج من مكتب السيد المدير فلحق حسن بمصدق خارج أسوار المدرسة وسأله غاضباً: ألا يكفيك أن تضايق طالباتي خارج المدرسة ثم تأتي بعد ذلك بكل جرأة للمدرسة ماذا تريد أخبرني وإلا أخطرت الشرطة. رد عليه مصدق وهو يرسم على وجهه إبتسامة تهكمية بلهاء: إذهب لمديرك وستدرك ساعتئذ أي ورطة فيها أنتم الآن. ثم إرتفع فوق دراجته البخارية وتحرك تاركاً الغبار الذي أثاره إطار دراجته يعلو فوق الحيرة التي بدت على وجه الأستاذ حسن. فأسرع حسن نحو مكتب المدير ليستطلع الأمر، فأسر له المدير بما دار بينه وبين مصدق، فعقب الأستاذ حسن بقوله: ولكن يا سيدي المدير سبق واشتكت لي الطالبة سميرة أن زائرك كان يضايقها وزميلتها سلمى في الشارع العام‘ وأنا أشك كثيراً في الأمر، وعلينا أن نتوخى الحيطة والحذر وأن نحيط سميرة وسلمى بما جرى. فقال له المدير: لا بل أرى أن تذهب إلى رئاسة الرجل وتستجلي منهم حقيقة الأمر وعلى ضوء ذلك نتصرف. خرج الأستاذ حسن ليجد أمامه طالبته سميرة وهي في غاية القلق، فقال لها لا تهتمي للأمر يا سميرة فأنا ذاهب إليهم لأتقصى حقيقة الرجل ونواياه. ذهب الأستاذ حسن ولكنه لم يعد. (2) بموجب المعلومات التي تلقاها الضابط نورالدين من الجندي مصدق جمع كل صغيرة وكبيرة عن سميرة وبدأت خطته اللعينة في البروز، خطة مبنية على الإختلاق والإبتزاز وتهدف فقط للإيقاع بسميرة حتى تصرخ بين رجلي سيده الضابط العظيم صابر، ويا بئس الهدف. في حراسة قميئة كان يرقد الأستاذ حسن منفرداً بعدما أوسعوه ضرباً ليعترف بإدارته لنشاط توزيع حبوب مخدرة مستغلاً طالباته، وفيها أحس الأستاذ حسن أن هنالك شيئ عجيب وغامض يجري، وأصابه شيئ من الندم لتك الجرأة والإندفاع التي خاطب بها الضابط نور الدين وهو يدافع عن طالباته ويشكو مصدق الذي كان يلاحق طالباته في الشارع ويقف خلفه ضابط متحصن داخل سيارته وخلف نظارته السوداء، أزعج الأمر الضابط نور الدين وبدأ الإختلاق وقبض على الأستاذ حسن لكسر شوكته. كانت هذه بداية الخطة التي إنتهت إلى مآلات خطيرة. (3) ظل مدير المدرسة لثلاثة أيام ينتظر عودة الأستاذ حسن دون طائل. علمت سميرة بغياب أستاذها حسن فزادت مخاوفها وعادت لمنزلها ولم تبرحه ولم تعد تأت للمدرسة، ولكن كان هنالك رجلٌ قصير القامة يرقب من على البعد منزلها بعينين لا تنامان. ذهب مدير المدرسة ليستطلع أمر الأستاذ حسن في تلك الوزارة السيادية ولكن لا أخبار هناك، فذهب لمنزله لعله مريض، فعلم من أسرته بأنه أرسل رسولاً منذ ثلاثة أيام أخطرهم بأنه سيغيب لعدة أيام فقد تم الترتيب بشكل مفاجئ لرحلة مدرسية. وهنا إستشعر المدير الخطر وعزم أن يقدم بلاغاً بغياب الأستاذ حسن فليس هنالك رحلة مدرسية تم الترتيب لها وأن هنالك شيئ خطير يتوارى خلف هذه الأحداث. (4) وفي صبيحة اليوم التالي قدم المدير بلاغه ولكن كانت هنالك مفاجأة تنتظره عندما عاد لمدرسته إذ وجد الأستاذ حسن هناك ولكن ليس كما عهده من حُسن هندامه وقوة نفسه التي بدت واهية فسأله: ماذا بك يا أستاذ حسن؟ ولماذا غبت عن المدرسة؟ لقد بحثت عنك في كل الأمكنة التي ترتادها ولم أجدك. فرد عليه قائلاً: مجرد خلاف عائلي جعلني أطلب الهدوء لدى أحد الأصدقاء. وماذا فعلت مع رؤساء مصدق ذلك الزائر المريب؟ قالوا لي أننا لن نراه بعد الآن لا في المدرسة ولا بقربها فإطمأن قلبي. على فكرة يا أستاذ حسن لقد تقدمت ببلاغ في قسم الشرطة اليوم أفدت فيه بغيابك. هنا انتفض الأستاذ حسن وهو يقول لمديره لماذا فعلت هذا؟ أي قسم هذا؟ أرجوك عد لهم الآن وأخطرهم بعودتي سالماً. وترك حسن مكتب المدير ليتركه في دوامة من التفكير العميق وعاد إلى منزله كسير الفؤاد محطم النفس. (5) قرب منزل سميرة إنضم مصدق للرجل القصير وكانا يظنا أنهما يؤديان واجباً مقدساً للقبض على سميرة وهي متلبسة بحيازة حبوب مخدرة ولكن عدم خروج سميرة من منزلها لمدة أربعة أيام متتالية أصابهما باليأس فعادا ليرفعا تقريراً لإدارتهما بذلك فانتهرهما الضابط نور الدين وأمرهما بالعودة لموقع المراقبة على عربة أجرة(تاكسي) حتى لا يلفتا الأنظار وعليهما أن يقبضا على المتهمة سميرة دون ضوضاء بعيد خروجها من المنزل، قبضٌ كالخطف، وحذاري أن تفتشاها فستتولى أمر تفتيشها إمرأة. مفهوم؟ مفهوم سيادتك. وفي نفس الوقت كان هناك رسول يدق على باب منزل عائلة سميرة وهو يقول لهم إن الأستاذ حسن يطلب منها الحضور للمدرسة. وفي الصباح تنفست سميرة الصعداء بعد ما علمت أن أستاذها حسن عاد وزالت مخاوفها فتزيأت بملابسها المدرسية وخرجت نحو الخارج تطلب الشارع الاسفلتي لتستغل سيارة توصلها إلى مدرستها ومن خلفها كانت سيارة التاكسي التي تحمل مصدق والرجل القصير القامة تسير ببطء.
07-09-2009, 07:30 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة الرابعة (1) أخذت عربة التاكسي تقترب من سميرة وعندما أصبحت في محاذاتها تحدث إليها القصير قلائلاً: أركبي معنا لنوصلك إلى الطريق العام. لم تلتفت إليه سميرة واعتبرته كالكثيرين الذين يسمعونها مثل هذا الكلام في كل يوم. كان مصدق يراقب الطريق ومن خلوه من المارة وكان حريصاً ألا ترى سميرة وجهه ولما تأكد له أن الطريق يكاد يخلو من المارة دس في يد زمليه قطعة قماش صغيرة مليئة بمادة مخدرة وقال له هيا إتت بها بسرعة. وفي لحظة كان القصير يفتح باب السيارة ويضع القماشة على وجه سميرة التي تداعى جسدها على صدره فسحبها بسرعة ناحية السيارة التي إنطلقت تنهب الأرض نهبا. (2) على طرف قصي من مبنى الوزارة توفقت سيارة التاكسي فهبط منها مصدق وهو يقول للرجل القصير: يا (خميس) كن بجانب المتهمة ولا تفارقها ريثما أعود إليك بعد أن أقابل سيادتو نورالدين. وانطلق كمن يحمل البشارة على درجات السلم، بينما ترك خميس الذي بدا مأخوذاً بالجمال المسجى بجانبه كان ينظر إليها بشبق زائد دون أن يجروء على لمسها وهو يقول لنفسه:( معقول تكون دي مُتهمة) ثم يمسح اللعاب الذي أخذ يسيل على شفتيه قبل أن يسقط على صدره. وهناك في أعلى المبنى كان نور الدين يوبخ مصدق ويقول له: لم أر في حياتي شخصاً في مثل رعونتك ألم أقل لك أن تذهب بالهدف للموقع (ب) بعد أن تتخلص من (خميس) الآن نفذ الأمر. حاضر يافندم. بعد قليل رن هاتف الضابط صابر وفقال له محدثه الضابط نور الدين: الهدف ياسيادتك بالموقع(ب) فوضع الضابط صابر سماعة الهاتف بسرعة ودون أن يستأذن جالسيه غادر مكتبه واتجه نحوسيارته ليقودها بنفسه وحبيبات العرق تملأ وجهه مستهزأةً ومتحدية جهاز تكييف السيارة الفارهة. (3) عندما وصل مصدق للسيارة وجد سميرة لا تزال في غيبوبتها وخميس تتصل به الدهشة ويعذبه الجمال والكبت فطلب منه مغادرة السيارة والعودة إلى عمله ومن ثم انطلقت السيارة إلى إحدى ضواحي المدينة حيث الموقع (ب) كان منزلاً خالياً إلا من حارس وأنيقاً إتخذه صابر ونورالدين ومن لف لفهم من أصدقائهم وكراً لممارسة الرزيلة وإقامة الليالي الحمراء وفي داخل غرفة من غرفه أفاقت سميرة ولكن ذاكرتها لم تفق بشكل كامل ويكاد الصداع يفتك برأسها والإرهاق يضرب كل عضلة في جسمها ولم تدرِ أين هي فحملت نفسها بصعوبة نحو باب الغرفة حاولت فتحه فوجدته مغلقاً بإحكام وهنا إستعادت ذاكرتها وربطت الأحداث التي مرت عليها في الأيام السابقة وبكل ما أوتي لها من قوة أخذت تدق على الباب وتصرخ. (4) بعد قليل إنفتح الباب على مصدق فزاد رعب الفتاة أرادت أن تستعمل العنف للتخلص من هذا المكان وما فيه ولكنها كانت محاولة يائسة وفاشلة أرادت أن تجرب الإستعطاف ولكن مصدق قال لها: ستغادرين هذا المكان يا عزيزتي فقط عندما تخبرينا بذلك الشخص الذي يمدكم بالحبوب المخدرة أنت هنا متهمة مقبوض عليك ولست مختطفة كما تظنين. فردت عليه عن أي شيئ تتحدث أيها الأبله القبيح؟ لم يستطع مصدق أن يكمل مشروع صفعته ففي تلك اللحظة وقف خلفه الضابط صابر كأنما خرج من تحت الأرض وهو يقول له توقف يا مصدق، فهرولت سميرة نحو الضابط صابر لتحتمي به وهي تقول الحمد لله فضمها صابر إليه وهو يقول لها لن يمسك أحد بسوء طالما أنا موجود فرددت مرة أخرى قولها الحمد لله وعندما انسحب مصدق وأغلق الباب من خلفه شعرت بقلب الضابط صابر يخفق بعنف فتراخت يداها وتركت موضعها من قربه اللصيق فقد أنبأها ذلك القلب الخافق بكل شيئ وأن هنالك مصيبة قد تحل بها فاستدارت وأمسكت بقطعة خشيبة وقالت لصابر: إياك أن تقترب مني. (5) رفع صابر يده متصنعاً الإستسلام وقال لها: فقط جئت لأداء واجبي لأتحرى معك فأنت متهمة بتهمة خطيرة ولولا إيماني ببراءتك لما أمرت بإحضارك في هذا المكان النظيف ولأمرت بإيداعك في أقذر حراسة، لن أقترب منك ولكن عندما يأتي إليك بعد قليل مصدق ورفيقه ليتحريا معك ستعرفين الفرق ثم فتح الباب وخرج تاركاً سميرة تصرخ وتبكي وهي تقول أرجوكم إخرجوني من هذا المكان أنا لا أعلم شيئاً أنا لم أرتكب جرماً أنا مظلومة أقسم بالله إني مظلومة إخرجوني إخرجوني وتواصل بكاءها. بحذائه السميك ضرب مصدق باب الغرفة وفتحه مصطحباً معه الحارس وهو يشمر عن ساعده ويتجه نحو سميرة التي إحتمت متكومةً بركن الغرفة.
07-09-2009, 07:32 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة الخامسة (1) بعنفٍ زائد أخذ مصدق يأخذ بذراع سميرة بينما الحارس الذي معه أمسك بالذراع الأخرى ورميا بها في السرير الذي يتوسط الغرفة وبحركة مسرحية أخذا ينزعا ملا بسهما ويقولان لها بصوت واحد: أنزعي ملابسك ولكنها أخذت الملاءة وتدثرت بها وهي تصرخ أنجدني يا حضرة الضابط ولكن لا حياة لمن تنادي إقترب منها مصدق وهو شبه عارٍ وهو يقول لها: هل بلغت بك الجرأة أيتها المجرمة الصغيرة أن ترفعي العصا في وجه رئيسنا وتتحدثين إليه بمثل تلك اللغة؟ وسميرة تلعن حظها اللعين الذي أوقعها في هذا الموقف وتمنت لو أنها لم توهب هذاالجمال فقد بدا لها كل شيئ واضح وضوح الشمس وقررت أن تتعامل مع ورطتها بإستراتيجية مختلفة عندما أضاف مصدق قائلاً: سنضربك ونغتصبك إذا أسأت الأدب مع رئيسنا. فقالت بإنكسار ما أحبته: حاضر لن أسيئ الأدب معه بل سأعترف له بكل شيئ سأعترف له بالشخص الذي يمدنا بالحبوب المخدرة ولكن أين هو؟ منحها مصدق شيئاً من إبتسامته البلهاء وهو يقول لنفسه: أي حبوب تلك لقد أفهمني جنابو صابر بكل شيئ وغادر الغرفة يسحب زميله الحارس، وتنفست سميرة الصعداء ولكن إلى حين. (2) خارج الغرفة كان صابر ينتظر على أحر من الجمر وما أن رأى مصدق حتى قال له: ما ذا فعلتم وهل نفذتم ما أمرتكما به؟ نعم سيدي والفتاة لن تسيئ الأدب معك مرة أخرى تفضل بالدخول إليها يا سيدي. تلمظ صابر شفتيه ودفع باب الغرفة برفق وكم كانت دهشة سميرة عظيمة عندما رأته يجلس على الأرض قبالتها ويقول لها: سنتركك تعودين إلى منزلك وسأأمر بإطلاق سراح صديقتك سلمى وأستاذك عوض وأستاذك حسن وأشقائك ووالدك فهم جميعاً الآن في الحبس وللأسف يتعرضون لإستجواب عنيف ولكن عليك أن تكوني فتاة طائعة وإلا سيحدث ما لا يحمد عقباه. بلغت دموع سميرة بالضابط السادي صابر قمة الإثارة فقال: يا سميرة إني أحبك. فقالت له: إذن تزوجني. فقال لها: لا أستطيع فأنا متزوج وزواجي مرة أخرى سيضيف لي مشاكل لا قبل لي بها. إذن ماذا تريد مني. أنت تعلمين أرجوك تعالي إلى جانبي في الأرض. ثم ماذا بعد؟ سأدعك تذهبين وأطلق سراح أهلك وأساتذتك. هذا وعد؟ وهنا إنتفض قلب صابر حتى كاد أن يخرج من صدره وقال لها: والله وعد لن أخلفه لك أبدأ. هذا لا يكفي أريد منك أن تعطيني وعداً آخر. ما هو. تعلم أنني عذراء هل تعدني أن تراعي هذا الأمر. قال لها بعد تردد: نعم.
بقلب مقبوض وأنفاس تعلو وتنخفض كالرياح المزمجرة والسموم الضاربة وضعت سميرة قدمها على أرض الغرفة لتسير مرغمة على دروب وعرة. كانت تظن أن ما تفعله هو تضحية من أجل نفسها وصديقتها سلمى وأسرتها وأساتذتها ولم يخطر لها على بال أنها أمام كاذبٍ أشِر وكلب لعين، وما كانت تدري أيضاً أن إستجابتها هي إستجابة لقدرها الذي سيسلمها عما قريب للمأساة التي أبكت السودان ثم إلى الموت المقيت. أخذ صابر ينزع عنها ملابسها ويتمتع بالنور الذي ينبعث من تينك القمرين الموضوعين بعناية على صدرها وذلك اللون الأبيض البهي الذي يزين بشرتها الناعمة، أمرها أن تستلقي على ظهرها، فأذعنت كمن تقودها قوة ساحر عظيم، فبدت بين ساقيه كنهر عذب يجري تحت جسر ضخم، وضعت يديها على ساقيه العاريتين ورنت إليه مستسلمة ومستعطفة وهي تطلق رجاءها الأخير: لا تنسى وعدك، أرجوك لا تنسى وعدك. كان صابر يقف ولا يقوى على الكلام، ولكنه أدرك أن اللحظة التي كان يخطط لها منذ أمد قد أزفت. فبدأ الجسر يتداعى على النهر وتغوص قوائمه في أمواجه العذبة وإلى داخل أطمائه الخصبة والأمواج تزمجر وتنثال جياشة وتصرخ أين وعدك يا وغد لقد حطمتني . وصابر يخور كما يخور الثور. (4) على عجل إرتدى صابر ملابسه وعندما أراد مغادرة الغرفة قالت له سميرة المغدورة: خذني معك لأعود للمنزل واطلق سراح الجميع وتأكد أن ما فعلته بي لن يغفره لك الله أبداً الآن أخرجني من هذا المكان الكئيب والمرعب. فقال لها: سأعود لك بعد قليل ريثما أطمئن على إطلاق سراح البقية. قال هذا ويده على مقبض الباب وفتحه وأغلقه خلفه بهدوء ووجد أمامه مصدق فقال له: يا مصدق شدد الحراسة واعتني بالفتاة وعاملها برفق وإياك أن تمس جسدها ولكن لا تدعها تغادر هذا المكان أبداً. (5) أثار غياب سميرة حفيظة عائلتها المحافظة والشريفة وبدأ البحث عنها في كل مكان المدرسة وبعض منازل الأهل ومنزل صديقتها سلمى وهي كل الأماكن التي كانت ترتادها ولم يعثر على أثر لها بل لم يجدوا أي معلومة تقود إلى مكانها أو تكشف عن أي شيئ، فقط أنها خرجت من المنزل منفردة بلباسها المدرسي لتتجه إلى مدرستها. تم فتح بلاغ عن غيابها، وشمت الصحافة الخبر وبدأ الصحفي المعارض(خوجلابي) والمستقل (البيلي) في نشر أمر غياب سميرة الجميلة بصورتها والتقطت صحف أخرى تنشر الخبر وبدأت الأجواء غائمة فوق روؤس صابر ونورالدين ومصدق وخميس وحارس المنزل وبدأت خطة أخرى للحماية عمقت المأساة.
07-09-2009, 07:34 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة السادسة (1) عاد صابر إلى مكتبه فتوجه إليه نورالدين ــ إنهما ضابطان لا يستحقان شرف الجندية وما كان يجب أن ينتميا إلى هذه المؤسسة العظيمة التي تعنى بأمن المواطن وحمايته ــ مبتسماً وهو يقول له: هل إكتملت المهمة؟ فنظر إليه صابر نظرة تمتلئ بالحبور والإمتنان وقال له: لقد حققت لي يا صديقي أمنية غالية أشكرك على ذلك. فقال نور الدين: هل كانت الوجبة شهية؟ إنها كذلك أكلت وملأت بطني ولكني لم أشبع!! أكلت بنهم ولم أتوقف عن الأكل إلا عندما أحتجت إلى لعق أصابعي !! وضحكا. مرت الأيام وسميرة في محبسها مستسلمةً لقدرها يأتيها صابر في كل يوم ويحكي لها حججاً مختلفة ويكذب عليها مثل ما يتنفس ثم يواقعها و يغادر، والحارس ومصدق يمارسان دور قوادين محترفين. وعندما أتت السماء بغيومها والأرض بأعاصيرها والخوجلابي يثير فوقها الأتربة بعسير القول المنتظم والبيلي يدفع لها مزيداً من الرياح توقف صابر عن زيارة الموقع (ب). (2) بدت سميرة في محبسها تخطط للهروب وتنفيذاً لهذه الخطة لم تعد تصف مُصدق بما كانت تصفه به من القبح وبدأت تبتسم في وجهه كلما أتى لها بطعام أو شراب بل كانت تدعوه أحياناً لأن يتناول الطعام معها وتقول له: أنا لا أحمل عليك فالذنب ليس ذنبك ولا ذنب الحارس المسكين ولكنه ذنب صابر الذي أعلم تماماً أنه يأمركم وربما يخدعكم أليس كذلك؟ ولأول مرة تعود لمُصدق مشاعره الإنسانية ورد قائلاً: نعم كان يخدعنا ويأمرنا ولكننا يا سميرة لن نستطيع أن نعصى له أمراً وأسأل الله أن يفرج عنك هذه الكربة وما درى مصدق أنه في ذات يوم سيصير قاتلها في مكان موحش. (3) أضحى مصدق يعطف على الفتاة وفي ذات يوم أتى لها بإفطار فاخر فوجدها نائمة حاول إيقاظها ولكنها تصنعت الغرق في النوم وأسقطت عمداً الملاءة التي كانت تتدثر بها فكشفت عن مفاتن لا تقاوم فسافرت مقلتاه هناك لتحط وتتنقل في هذا الموضع البديع ونسي الأمر الصادر إليه وامتدت يده المرتجفة ولامست جسد الفتاة الذي لا يكاد أن يستره ما عليه من غطاء فمدت يدها ووضعت أناملها على ظهر يده ومررتها برفق فأضاءت الدنيا في وجه مصدق وبلغت به الإثارة مداها تظاهرت سميرة بالإفاقة والإرتباك ورفعت الملاءة وأعادتها دِثاراً لجسدها وهي تقول له: ماذا تفعل يامصدق لقد أفزعتني وقطعت حلمي الجميل. لا فقط كنت أوقظك فقد أتيت لك بإفطار فاخر. نظرت إليه سميرة وقالت: ياله من طعام شهي أشكرك يا مصدق وتعمدت أن تطبع قبلة على خده بعد ما نجحت في إخفاء إشمئزازها قبلة جعلته كالصريع وعندما أدركت سميرة أن مصدق أصبح نمر من ورق قالت له: ستأكل معي لابد أن تأكل معي ولكن قبل ذلك أريد دواءً للصداع. إستجاب مصدق للطلب بسرعة تفوق سرعة تلبيته لأي أمر يصدر إليه من رؤسائه، أراد أن يغلق الباب من خلفه فقالت له سميرة وهي تكشف متعمدة عن فخذها: لا يامصدق أرجوك أتركه مفتوحاً أود أن أذهب للحمام الخارجي فالحمام الداخلي لا ماء فيه فترك لها دون مقاومة الباب مفتوحاً وذهب ليأتي بالدواء وعاد مسرعاً ولكنه وجد المنزل خلواً من سميرة فجن جنونه. (4) بحث عن أثرها وتبعه وهو يصرخ في وجه الحارس النائم: تنام يا غبي وتترك المتهمة تهرب. فرد عليه: (ما خلاس فكونا من حاجه إسمها متهمة إنتو قايلني عوير) قاد أثر سميرة مصدق إلى الطريق الذي سلكته فاعتلى دراجته النارية ليبحث عنها فوجدها غير بعيدة من المكان تجلس على الأرض والإرهاق بادياً عليها وهي تتقيأ فقال لها بعنف: (عاوزه تضيعيني يا سميرة بعد معاملتي ليك) فقالت له: دعك من كل هذا فأنا حامل!! فاستحال عنفه إلى لين وهو يرى الصدق والمأساة على وجهها. عد بي يا مصدق إلى المحبس واغلقه عليَّ واذهب لسيدك صابر وقل له إن سميرة تطلبك فوراً لتدرأ عنها هذه المصيبة وأنها لا تستطيع أن تذهب لمنزلها حتى لو سمحت لها بذلك لن أذهب للمنزل يا مصدق وقد تأكد لي أنني أحمل حراماً في أحشائي. قل له أن يأتي فوراً وإلا قتلت نفسي. (5) إرتدف مصدق سميرة خلفه في دراجته النارية وعاد بها إلى محبسها ثم انطلق صوب الوزارة للضابط صابر وأخطره بما حدث وبحديث سميرة. ومثل رد صابر وأسئلة صابر مفاجأة لم يكن مصدق يتوقعها أبداً وشعر معها أن هنالك ورطة تشده نحوها شداً. حامل كيف؟ إنتو عملتو ليها شنو؟ على أي حال سنعالج الموضوع ولكن بمساعدتك يا مصدق لأنك المتهم الأول في تسبيب الحمل لسميرة. أراد مُصدق أن يدافع عن نفسه ولكن صابر قال له: لا أريد أن أسمع منك شيئاً فقد قلت لك سنعالج الأمر، عد الآن إلى الموقع(ب) ولا تغادره إلى حين صدور أوامر أخرى، مفهوم؟ مفهوم سعادتك. غادر مصدق وترك صابر لهواجسه وقلقه خاصة وأن الحملة الإعلامية تشتد في أمر غياب سميرة والخوجلابي الثائر والبيلي الغاضب يشعلان إوارها في صدر صحيفتيهما في كل يوم، ثم رنَّ هاتفه فإذا به الوزير يتحدث معه ويأمره بالحضور إليه فوراً وفي معيته الضابط نور الدين.
07-09-2009, 07:44 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة السابعة (1) أثارت محادثة معالي الوزير مخاوف الضابط صابر خاصةً عندما قرن استدعاءه بإستدعاء الضابط نور الدين إضافة للخبر العاصف الذي نقله إليه جنديه وسائقه مُصدق فقرر الإتصال بصديقه نورالدين لينقل له خبر الإستدعاء ولما كان يثق في ذكائه وإخلاصه قرر أيضاً أن يستشيره في أمر حمل سميرة وكيف يستعدان إذا ما حامت حولهما شبهة خطف سميرة. فأرسل إليه رسولاً ولما جاءه وسمع منه قال له: يا سيادتك يجدر بنا أولاً أن ننفذ أمر الإستدعاء الصادر من معالي الوزير فتنفيذ الأمر هو السلاح الأول الذي يجب أن نستخدمه لدرء أي شبهة تدور حولك أو حولنا ولا نستبق الأحداث فلكل حدث حديث ولكل فعل ردة فعل. ولدي خطة في أمر حمل سميرة وإخفائها عن الأعين يجب أن نخفيها لأن ظهورها سيشكل خطورة كبيرة لكلينا. المهم الآن أن ننفذ الأمر هيا بنا إلى مكتب معالي الوزير. (2) عندما دخلا إلى مكتب الوزير كان مكتظاً بالضباط أصحاب الرتب الرفيعة، كانوا جميعاً جلوساً عدا معالي الوزير الذي كان يزرع مكتبه الوسيع جيئة وذهابا يضع على نفسه بذلة مدنية كاملة كعادته سوداء اللون ترافقها ربطة عنق حمراء بخيوط ودوائر زرقاء فقد كان أنيقاً يعتاد مثل هذا الزي منذ أن كان محامياً وولج المعترك السياسي وتبوأ الآن هذه الحقيبة السيادية الهامة، جلس الضابطان في المكان المخصص لهما، كان الصمت يسود المكان والأنظار تتجه صوب الوزير وهو في حركته الدائبة التي تنم عن القلق والغضب. كانت الأسئلة تجري بين الضباط همساً وكانت الإجابات تتأرجح بين احتمالين إما التعديل الوزاري المرتقب عن طريق حل الحكومة وإما القضية التي تملأ الساحة هذه الأيام وهي قضية إختفاء الطالبة سميرة. ثم توقف الوزير خلف كرسي مكتبه ووضع يسراه أعلاه بعد أن حل بها إزار بذلته وكشف عن قميصه الذي بدا تحتها ناصع البياض وكان الغضب والقلق يبدوان بوضوح على وجهه، وقال: دعوتكم اليوم بإعتباركم كبار ضباط هذه الوزارة ونحن كما تعلمون وزارة أوجب واجباتها حماية المواطن وحفظ الأمن ومنع الجريمة والقبض على مرتكبيها وحريٌّ بنا جميعاً أن نسلم الراية إلى غيرنا إذا ما فشلنا في أداء أهم واجبٌ مُناط بنا. (3) إلتفت الضابط نور الدين إلى صديقه الضابط صابر وهمس إليه قائلاً: ألم أقل لك ألا نستبق الأحداث فكما ترى هو مجرد إجتماع لا يختلف كثيراً من تلك الإجتماعات التي لا طائل من ورائها أرجوا أن تكون مخاوفك قد زالت. رد صابر بإيماءة فهو لا يزال منشغلاً بما يسفر عنه بقية حديث الوزير. وأخذ الوزير يواصل حديثه ويقول: لا أريد منكم أحداً أن يتحدث فأنا اليوم الشخص الوحيد المسموح له بالحديث وإن أراد أحدكم الحديث فلتتحدث أعماله فقط أعماله وانجازاته لقد إختفت طالبة في وضح النهار ومازالت مختفية وكلكم تعجزون عن حل هذا اللغز حتى جعلتم وزارتكم نهباً لأحاديث الصحافة والإعلام المحلي والخارجي الآن البرلمان يضغط ومجلس الوزراء يضغط وحزبي يضغط والشعب غاضب وينظم المظاهرات التي تندد بنا بسبب تقصيرنا وتطالبني بالإستقالة ولا تزال الفتاة مختفية أمنحكم إسبوعاً واحداً فقط لحل هذا اللغز والعثور على سميرة كونوا من بينكم لهذا الغرض لجنة تحقيق وتحري على أعلى مستوى وإذا ما فشلتم في الفترة المحددة سأقدم إستقالتي ولكن قبلها سأحيلكم جميعاً إلى التقاعد. إنتهى الإجتماع تفضلوا. (4) كان صابر ونور الدين أول ضابطين يغادران مكتب الوزير.ورغم أن نورالدين يرافق صابر إلا أن صابر قال له: نور الدين إلحق بي في مكتبي فوراً. فرد عليه نور الدين قائلاً: سأرافقك الآن يا سيدي. وفي المكتب إتفقا على أن تغادر سميرة الموقع (ب) إلى الموقع (ج) في أسرع وقت ممكن وأن يمنح حارس الموقع(ب) إجازة فورية ويغادر إلى إقليمه البعيد يستدعى خميس الرجل القصير ويتم تحذيره ونقله إلى فرع آخر ينفذ مُصدق الأمر الخاص بنقل سميرة من الموقع(ب) إلى الموقع (ج) ويلازمها هناك إلى أن تجرى لها عملية الإجهاض. (5) كان الموقع (ج) هو منزل (نعمات) وهي إمرأة خمسينة أرملة وعاقر عليها جمال غارب أخذت بعد وفاة زوجها تدير منزلها لأغراض شتى تنافي القيم والأخلاق ولكنها إمرأة ذكية ولماحة ولطيفة تضرب على أفعالها سياجاً قوياً من السرية والإدعاءات الكاذبة كعضويتها لجمعية خيرية كبيرةوبسبب هذه العضوية تدعي أن الأعضاء والعضوات وأصحاب الحاجة من النساء وغيرهن يجتمعون لديها في هذا المنزل الأنيق ولكن في الحقيقة لم يكن هنالك خلف أبوابه الموصدة غير الخمر والميسر والمجون وكانت نعمات تستعين على أداء أعمالها الا أخلاقية هذه بعلاقاتها الواسعة وعالية المستوى ومن ضمنهم كان صابر ونور الدين والآن هما في حاجة إليها حسب ما وضعاه من خطة وذلك أن يتم إجهاض سميرة داخل منزلها على أن تتم مداهمة المنزل بواسطة كمين ويتم تهديد سميرة بأنها إذا نطقت بأي حرف سيتم فضحها وإعلان وجودها في منزل دعارة وعليها أن تبرر غيابها عن المنزل بأي سبب تراه دون أن تزج بإسم أي واحد منهم وعندما حمل مصدق خلفه سميرة على دراجته النارية لمنزل نعمات جرت الأحداث بصورة لم يتوقعها أحد.
07-09-2009, 07:46 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة الثامنة (1) كان الأستاذ حسن يعيش أسوأ أيامه فبعد أن تم إطلاق سراحه بعد إرغامه لكتابة إقرار لعصابة الكلاب يقر فيه بأنه المسئول عن توزيع الحبوب المخدرة بعد أن ضغطوا عليه وهددوه واشترطوا عليه عدم تدخله في أي أمر يخص مصدق أو عملهم وإلا قدموه لمحاكمة عاجلة بما أقر به وأرسلوه إلى السجن ولكن غياب أو إختفاء سميرة بالخطف أو غيره آلمه جداً فسميرة ليست طالبة لديه فقط بل كانت تقع في قلبه في موطن الحب نعم كان يحبها بصمت وبعمق لم يتجرأ في يوم أن يبثها مشاعره أو أن يبوح بهذه المشاعر لكائن من كان فليس من الآئق أن يعرف بحبه لها وهي طالبته إن الأمر صعب كان يخطط أن يبوح بحبه لها ويخطبتها بعد اجتيازها للمرحلة الثانوية والتحاقها بالجامعة ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كان يوقن بأن إختفاء سميرة وثيق الصلة بمصدق ورؤسائه بناء على تلك المضايقات التي حكت له بها سميرة وزميلتها سلمى وبناء على زيارة مصدق المريبة للمدرسة وعبثه بملفات الطالبات وبناء على القبض غير المؤسس عليه وما ناله من وعيد وتهديد كانت كل هذه الأشياء جعلت لسانه خلف ضفة البوح ولكن الحب كان أقوى ورغبته في إنقاذ سميرة كانت عارمة لذا قرر أن يبوح بما لديه للجنة التحقيق عن طريق الصحفي خوجلابي. (2) كان كل هم سميرة أن تتخلص من ذلك الشيئ الذي بدأ يتحرك في أحشائها وعندما وصلت منزل نعمات كانت تطأطئ رأسها غير أن نعمات نجحت في أن تعيد لها شيئ من توازنها النفسي عندما مثلت لها دور الأم وهونت لها الأمر ووعدتها بأن تخلصها من حملها بأيسر طريقة بل وعدتها بأن تعيدها كما كانت وعندما جاء موعد العملية كانت نعمات تحتضن سميرة وتشجعها وتمسح دموعها وتغذيها بالأفكار التي يمكن أن تبرر بها غيابها عن الأهل حتى لا تتعرض لغضب صابر الذي وصفته بأنه نافذ وخطير غير أن صابر كان في الوقت نفسه يدبر كميناً للقبض على سميرة ونعمات وكل من في المنزل واستقر رأيه ونور الدين أن يعلنا عن العثور على سميرة في منزل دعارة فيضمنا رضاء الوزير وفي نفس الوقت يحافظا على رتبتيهما وربما يترقيا وذلك تبعاً لما استجد في خطتهما فهما الآن يضحيان حتى بصديقتهما نعمات. (3) تحرك الكمين نحو هدفه وتحرك الأستاذ حسن والصحافي خوجلابي نحو مكتب الوزير وهناك شعر صابر بأن حضور حسن في معية الصحفي خوجلابي للوزارة لا بد أن وراءه يكمن خطر شديد فأمر بوقف الكمين لحين إستجلاء الأمر فتبعتهما عيونه وعندما إستقرا في المكان المخصص للإنتظار جاءهما ضابط وطلب منهما الحضور إلى مكتب آخر لتسهيل مقابلتهما للسيد الوزير وقادهما إلى مكتب الضابط نورالدين وهناك طلب الضابط نورالدين منهما الإنصراف والحضور عند التاسعة من صبيحة الغد لمقابلة الوزير ولكنه استبقى الأستاذ حسن وقال له: ها أنت هنا لتعصف بالإتفاق الذي جرى بيننا ولكن لايهم لن نقدمك لمحاكمة بموجب إقرارك بل تعجبني شجاعتك والتي أرجو أن تسعفك عندما تسمع بعد قليل أن طالبتك سميرة تم القبض عليها في منزل دعارة، ففغر حسن فاه دهشة وحيرة وأسى وغادر مكتب الضابط حسن وهو لا يصدق ما سمعه خاصة وأن محدثه من الذين يعتقد أنهم وراء إختفاء سميرة. (4) خلف غرفة موصدة في منزل نعمات كانت سميرة تنزف نزيفاً حاداً وقد بدا عليها الإعياء الشديد فهرولت نعمات إلى مصدق الذي كان يراقب المنزل من الخارج وقالت له سميرة سوف تموت إن لم ترسل للمستشفى فذهب مصدق وهاتف صابر الذي قال له: تخلص منها وادفنها في أي مكان. كان الأمر كالصاعقة في رأس مصدق الذي عاد إلى داخل منزل نعمات وكانت الشمس تزحف نحو المغيب فرأى شحوبا في وجه سميرة وهي تقول له بصوت واه: أنا تعبانه يا مصدق. فقال لها وهو يكاد يبكي: سأريحك من آلامك يا سميرة إلى الأبد، بعد قليل سأذهب بك إلى مستشفى في ضاحية من ضواحي المدينة، ثم التفت لنعمات وقال لها: ساعديها في إرتداء ملابسها. وخرج يطلب الرجل القصير خميس وعندما وجده قال له: هل تذكر سميرة يا خميس فقال له: لايمكن أن أنسى مثل سمير. سأذهب بها في هذه الليلة إلى منطقة خلوية هل تود مشاركتي؟ إنها دعوة لا يمكن أن يقاومها خميس، فقال: إنت بتتكلم جد؟ نعم وما عليك إلا أن تسبقني إلى هناك. (5) أخرجوا سميرة من المنزل على ظهر الدراجة النارية التي يقودها مصدق. جلاد وضحية يسيران في الظلام نحو القبر كانت يدي سميرة تلتف على ظهر مصدق وتلتحمان فوق بطنه من الأمام كانت الرياح تحمل بعض الأتربة وبدت الرؤية غائمة فأحكم مصدق الخوذة على رأسه وأغمضت سميرة عينيها وهي تضع رأسها على ظهر مصدق غير آبهة بالرائحة الكرية التي تنبعث من إبطيه، تراخت يداها فجأة وسقطت من علوها على الأرض وسط ظلمة كالحة وغبار فاستدار مصدق بدراجته النارية المسرعة فانفلت من القياد وسقط هو الآخر وتدحرجت دراجته النارية بعيدة منه فهب مسرعاً نحو سميرة، بينما كان خميس القصير في ذلك المكان الموحش يحتسي من زجاجة خمرته ويمني نفسه بليلة ولا كل الليالي.
07-09-2009, 07:47 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة التاسعة (1) عندما وصل مصدق إلى سميرة التي تدحرج جسدها على الشارع الأسفلتي واستقر بعيداً عنه في الجانب الترابي وجدها مستسلمة إلى إغماءة فجلس إلى جانبها محاولاً إعادتها إلى وعيها وبعد جهد أفاقت سميرة ولكن لم تكن في كامل وعيها فقالت لمصدق: أنا مين ونحنا وين.. فأجهش مصدق بالبكاء .. ولكنه إستعاد حذره ولم يعد مبالياً بمشاعره وخشي أن يظهر المارة على الطريق فذهب مسرعاً وتأكد من سلامة دراجته النارية وعاد ليحمل سميرة على كتفه ووضعها أمامه كمن تنام على حضنه واستمرت رحلة الموت وعندما وصل بها إلى ذلك المكان الخلوي الموحش والمظلم تبادل مع خميس الإشارة المتفق عليها وهي إطلاق صافرة من الفم فجاء خميس مسرعاً ومترنحاً ومصدق يقول له خذها هناك فهي مخمورة مثلك. (2) حمل خميس غنيمته وهي تراوح بين الإغماءة والوعي كانت الدموع تسيل من عينيها لشدة ما كانت تعانيه من الألم وكان الليل يطبق بسواده على المكان والرياح تحدث أصواتاً عندما تتخلل تلك الأشجار الحزامية ومصدق يستلقي على ظهره قرب دراجته التي تنبعث منها روائح الوقود والدخان النفاذة والهواجس تنهبه وتدمره مشاعر لا يدري ما هي كان في الأصل قد إستعان بخميس لأنه كان يشعر بأنه أجبن من أن يتخلص من سميرة منفرداً أو بالأحرى أن ينفذ أمراً بدا له إستحالة مخالفته ثم سمع صوت خميس وهو يصرخ باللذة وتراءى له كشبح يواقع شبحة كانت سميرة لا تقوى على أية مقاومة وكان صوتها في تلك اللحظات يخرج كهمس خفيض وهي تقول لخميس وكانت تظنه مصدق ليه بتعمل كده يا مصدق؟ والدموع تجري مدراراً على خديها ثم عاد خميس والنشوى تضربه ومشاعر المنتصر تغزو كيانه وقال لمصدق: دورك. (3) كانت مشاعر القتل قد تملكت مصدق بصعوبة بالغة فنهض وقال لخميس: إذن راقب المكان. تحرك القاتل نحو الضحية فوجدها شبه عارية لا طاقة فيها كوردة ذابلة مصفرة كانت شفتاها تتحركان بغيرصوت وكان رأسها يتحرك ببطء ذات اليمين وذات اليسار فوق شعرها الطويل الذي عبثت به ذرات الرمال كانت كشمس تستعد للغروب أو كقمر يجتاحه الأفول وجد فخذاها مفتوحين كما تركهما خميس فضمهما وجسى بركبتيه ليضع جسدها المتهالك بينهما وامتدت يديه الآثمتين إلى عنقها وأخذ يضغط برفق أخذ يستحيل رويداً رويدا إلى عنف وسميرة لا تملك أي وسيلة للمقاومة سوى عينيها المفتوحتين والمتحركتين في جفنيها بسرعة كأنما تطلبان الرحمة والرأفة وسرعان ما سكنتا وهمدتا وعندما رفع مصدق يديه عن عنقها مال رأسها والتصق خدها بالرمال وسال من فاها خيط لُعاب كالدمعة فهرول مصدق إلى ناحية خميس وهو يقول له متصنعاً الخوف: البت دي الظاهر عليها ماتت. فسقطت الزجاجة من يد خميس وطارت نشوته. ما العمل إذن يا صديقي؟ فرد عليه مصدق: ندفنها هنا ونغادر هذا المكان بسرعة. (4) بدآ يحفران بيديهما وبما تسنى لهما من أعواد ذلك المكان الموحش قبراً لا يليق بسميرة الجميلة ولكنهما توقفا فجأة وامتلأ قلبيهما رعباً عندما تسللت أضواء كاشفة لسيارة عابرة من بعيد فلاذا بالرقود قرب الجثة وظن مصدق أنها سيارة لدورية شرطة فمصدق يعلم أن رجال الشرطة الشرفاء كانوا غاضبين لما حدث لسميرة وأنهم يبذلون جهوداً صادقة في البحث عنها وعندما عبرت السيارة وحملت أنوارها عادوا للعمل بسرعة وبغير إتقان فوضعوا سميرة في حفرة غير عميقة وهالوا عليها التراب واتجها مسرعين نحو الدراجة وغادروا المكان وعندما وصلا للطريق العام توقفت الدراجة البخارية وهبط منها خميس ليواصل مصدق سيره وقف خميس على قارعة الطريق وتنتابه مشاعر غريبة إنها ليست الليلة التي كان يمني نفسه بها لا شك أن أحلامه اليوم ستكون مزعجة. ولكن يا خميس لا وقت للأحلام فعندما أراد إجتياز الطريق ليتسنى له الإستعانة بالسيارات القادمة لتقله نحو منزله كانت هناك سيارة مسرعة لم ينتبه إليها فارتضمت به فسقط برأسه الذي تفجر على الأسفلت وهربت السيارة واضعة نهاية تتناسب وحياة هذا الشخص البائس. (5) أشرقت الشمس كسيفة وحزينة وهي تضيء بأشعتها الباهتة قبر سميرة الجميلة الذي إرتفع قليلاً في أرض ذلك المكان الموحش وأمواج الغضب الهادرة تملأ الشوارع تطالب بالبحث عن سميرة والعثور عليها والصحافة تواصل ضغطها وفكرة الإستقالة تداهم الوزير والأستاذ العاشق حسن تعصف به الحيرة ويقلقه الترقب ولا يدري ماذا يفعل حتى هداه تفكيره بكتابة خطاب للجنة التحقيق يودع فيه كل ما لديه من معلومات وأن يزيله بإسم مجهول فالكلاب تسد عليه المنافذ وحبه لسميرة يكبر في قلبه حتى ملأه وفاض وسكن الشغاف وهناك الخطط الخبيثة تجري ما بين صابر ونورالدين فبعد أن تأكدا من موت سميرة ودفنها قررا قتل مصدق.
07-09-2009, 07:49 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة العاشرة (1) وصل خطاب حسن للجنة التحقيق وقد مثلت المعلومات التي وردت فيه خيطاً هاماً في لُغز إختفاء سميرة إلا أن اللجنة تعاملت معه بحذر شديد حيث أن محرره مجهول بالنسبة لديهم فقام رئيس اللجنة بحمل الخطاب وطرق باب الوزير فوجده شارد الذهن وصامت فمد إليه الخطاب وهو يقول له: هذا الخطاب ورد إلينا من مجهول بخصوص قضية إختفاء الطالبة سميرة. فانتبه الوزير وتلقف الخطاب بلهفة وعندما قرأه قال لرئيس اللجنة: هذه معلومات قيمة قد تؤدي للقبض على الجناة والعثور على سميرة. ثم بدا متهلل الوجه وضغط على الجرس فجاءه مدير مكتبه الذي بدا حزيناً فقال له الوزير: إئتني بالخطاب الذي كلفتك بإيداعه لسكرتارية معالي السيد رئيس الوزاء. فبدا الفرح على وجه مدير مكتبه وخرج مسرعاً وعاد وفي يده الخطاب. أمره الوزير أن يمزقه وينصرف. ثم التفت لرئيس اللجنة وقال له: الخطاب الممزق كان خطاب إستقالتي التي عزمت أن أقدمها اليوم وما ثناني عنها الآن إلا الأمل الذي حملته لي في ثنايا خطاب الشخص المجهول وعليك أن تستثمر المعلومات التي يحملها والإسراع في التحقيق ومن ثم القبض على من تشير إليه أصابع الإتهام مهما علا شأنه ومساندتي للجنة ستكون بلا حدود. (2) خرج رئيس اللجنة من مكتب الوزير ليفاجأ بوجود الصحفي خوجلابي يندفع نحو باب مكتب الوزير رغم محاولات مدير المكتب ليمنعه من الدخول ولكن بسطة الجسد التي يتمتع بها خوجلابي ساعدته في التفلت والدخول عنوة لمكتب الوزير فاستدعى مدير مكتب الوزير الحرس إلا أن الوزير صدهم وسمح لخوجلابي بالدخول ومقابلته كان خوجلابي عضواً في الحزب المعارض وهو حزب أراد إستثمار قضية إختفاء سميرة للإطاحة بالحكومة كان الإختلاف بين الرجلين كالإختلاف بين زيهما وزير أنيق وخبير تعدى الخمسين ويبدو في بذلة كاملة وصحفي في منتصف العقد الرابع يحمل وجهاً وسيماً وجسداً ضخماً و يعتمر عمامة تبدو أكبر حجماً مما اعتاد عليه الناس. هل هذا معقول يا سيادة الوزير أحاول منذ الأمس أن أقابلك ولكن(صدوني حُراسك)!! جملة قالها خوجلابي الذي عرف بسحر كلماته وثقافته الغنائية وحسن إستخدامه للعبارات والإقتباسات أراد أن يُحَيِّد بها الوزير لينفذ إلى موضوعه وهو أمر لم يفت على خبرة الوزير، الذي رغب في إنهاء اللقاء فوراً فقال لخوجلابي: ما تفعلونه من تهويل إعلامي يضر بتحرياتنا دعونا نعمل، والآن لا أستطيع أن أبقيك معي أكثر أحتاج لوقتي. فقال خوجلابي: حسناً سيدي سأترك لك وقتك الثمين. وغادر المكتب وهو يصلح بغضب من عباءته الأنيقة التي تلتف على جسده الضخم. (3) خرج خوجلابي من الوزارة وصدره يختلج بخواطر لمقال فتاك بينما كانت الرائحة في ذلك المكان الموحش تنبئ الكلاب الضالة بوجود جثة فهجمت على قبر سميرة ونبشت الجثة وبدأت تنهشها وهي تمني نفسها بوجبة شهية راع الأمر أحد المارة فأسرع بإبلاغ الشرطة بوجود جثة في ذلك المكان فقامت الشرطة برفع الجثة والذهاب بها إلى المشرحة رغم أن الجثة كانت مشوهة ومتحللة إلا أن أحد الأطباء رجح أن الجثة لسميرة الطالبة المختفية سميرة وقال الطبيب بدا لي ذلك من أحد أضراسها المخلوعة وأضاف بأنه يعرفها وهو الذي أجرى لها من قبل عملية خلع هذا الضرس. (4) ومن ثم بدأت التحريات تشتد وتحول بلاغ الإختفاء الذي تقدمت به أسرة سميرة إلى بلاغ خطف وقتل وأفادت معلومة أدلى بها أحد الأشخاص الذين كانوا يرتادون منزل نعمات بأنه رأى ذات ليلة سميرة في منزل نعمات وقد تعرف عليها فيما بعد من خلال صورتها التي كانت تنشرها الصحف فتم القبض على نعمات وبالبحث في منزلها وجدوا متعلقات لسميرة وبمقارنة بقايا بعض الشعر الذي وجد على الأمشاط في منزل نعمات ومنزل المجني عليها بشعر الجثة تأكد تماماً أن الجثة لسميرة. فتم إستدعاء رجل المباحث الذي بعث إلى مصر على إثرمعلومات غير دقيقة بأن سميرة قد سافرت إليها بجواز سفر مزور. واشتدت الحملة الصحفية. و تحول غضب الناس إلى ثورة. (5) هذه الأحداث المتلاحقة أزعجت الضابطين صابر ونورالدين إزعاجاً كبيراً فأرسلا رسالة تحذيرية للمقبوض عليها نعمات بعدم الزج بإسميهما مقابل حمايتها ومساعدتها في القضية وإلا أغرقها في المزيد من القضايا وعليها أن تنحي بالآئمة فقط على مصدق. بعد التحري مع نعمات صدر أمر بالقبض على مصدق وملأت صوره الصحف فاختفى عن أنظار الجميع وبالتالي نجا من مؤامرة إغتياله وعندما إشتد البحث عنه وضاق عليه الخناق أرسل أحد أصدقائه ويدعى الياس إلى صابر يستشيره في أمره وبعد أن وثق صابر في الياس نصحه بتزوير جواز سفر لمصدق وتهريبه إلى مصر حتى تهدأ الأحوال، بناء على ذلك هرب مصدق إلى القاهرة بإسم صديق غير أن الصحفي خوجلابي تمكن عن طريق مصادره الخاصة أن يكتشف أمر هروب مصدق إلى مصر فجاء العنوان الرئيسي لصحيفته (في إختراق أمني جديد وخطير مصدق قاتل سميرة يهرب إلى مصر). ثم اتخذت القضية منحىً أكثر إثارة.
07-09-2009, 07:52 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
تلقفت لجنة التحقيق خبر هروب القاتل(مصدق) وتحركت بسرعة في إتجاه إستصدار مذكرة توقيف دولية ضده بصورته واحتياطياً تم وضع أمر قبض محلي ضده في كافة المواني والمطارات وأمر ترقب بالوصول مقرون بأمر ضبط وإحضار وتم إخطار البعثة الدبلماسية بالقاهرة لتسال العون من الأمن المصري للقبض على مصدق بينما وصل مصدق القاهرة بعد أن إفترقت خطاه عن خطى مودعه وصديقه (الياس) كان يرتدي جلباباً فضفاضاً فوق جسده الناحل والمعروق وقامته التي تميل نحو الطول وقد إعتمر عمامة كبيرة فوق رأسه الصغير وشعره الأجعد وقد وضع نظارة فوق عينيه الزائغتين التي لم تذق طعم النوم لساعات طوال خلت كان قلبه ينتفض كلما رأى ضابطاً أو شرطياً يحوم في صالة الإنتظار في المطار فدفعته رجلا الخوف إلى أحد مراحيض الصالة وبقي هناك إلى أن أعلن المذيع الداخلي عبر مكبر الصوت عن قيام الرحلة رقم 702 المتجهة للقاهرة ونوه أن على السادة المسافرين التوجه لبوابة الخروج رقم (3) إرتقي مصدق سلم الطائرة بخطىً مرتعشة وتفادى الجلوس على المقاعد المقابلة للنوافذ والقلق والخوف يسيطران عليه كانت أعز أمانيه في تلك اللحظات أن ترتفع الطائرة فبل أن يتمكنوا منه وعندما إرتفعت الطائرة في الهواء غاص في كرسيه ومدد رجليه وشعر أنه بحاجة ملحة للنوم كان جاره منزعجاً بشخيره وكان هو منزعجاً بأحلامه الكابوسية حتى حطت الطائرة بمطار القاهرة الدولي الذي أنبأت عنه ارتضام إطاراتها العنيف على أسفلت المدرج فهب مصدق من نومه مذعوراً وهو يتحسس رقبته. (2) كانت هذه هي المرة الأولى التي يستقل فيها مصدق طائرة بل كانت إحدى أمانيه العزيزة ولكنه لم يتمتع بالرحلة قط غادر مطار القاهرة بعد الإجراءات فوراً لم يكن لديه المال الكافي ليشتري من السوق الحر شيئاً حتى تلك الخمرة الأجنبية التي كان يحلم بها نظر إليها شذراً وتجاوز المكان لتبدأ رحلة أخرى فقد خطط له الياس أن يبقى في هدوء بمنطقة تدعى عزبة (أبوالعينين) تبعد نحو خمسة عشرة كيلو متراً إلى الشمال من حي شبرا لعل العاصفة تهدأ قليلاً من ذلك المال القليل دفع أجرة لغرفة بائسة في تلك العزبة الريفية ومن هناك أرسل خطاباً للياس يطمئنه على سلامة وصوله وذيله بإسم صديقك إلى الأبد صديق. (3) كانت التحريات تجري على قدم وساق بالخرطوم وأخذت لجنة التحقيق في فحص أسماء وصور كافة الذين غادروا السودان في التاريخ المحتمل لسفر مصدق وقبله وبعده بأيام وبعد بحث مضني تم العثور على الملف الخاص بإستخراج جنسية وآخر لجواز سفر يحملان صورة مصدق وإسم مغاير وتوصلت لجنة التحقيق لإسم الشاهد على الجنسية وعنوانه وكان هو (الياس) فتحركت قوة وتمكنت من القبض على الياس الذي حاول المراوغة والإنكار وعندما تمت مواجهته بتوقبعه كشاهد على أورنيك الجنسية إنهار وإعترف أنه بالفعل ساعد مصدق في إستخراج جنسية ولكنه لا يعرف أنه سيستخدمها لإستخراج جواز سفر ليهرب به، فنظر إليه المحقق نظرة تهكمية وقال له: ألم تكن تعلم أن مصدق متهم بجريمة قتل وأن صوره تملأ الصحف والتلفاز ومطلوب القبض عليه؟ صمت الياس وكان يفكر بعمق ليصل إلى قرار هل يخون صديقه ويعرض نفسه لبطش صابر أم يلزم الصمت وقرر أخيراً أن يلزم الصمت. فأمر رئيس اللجنة بإيداعه الحراسة القانونية وفتح بلاغ تستر ضده، وقد إختمرت في رأسه فكرة أخرى وهي تفتيش منزل الياس تفتيشاً جيداً. (4) تحرك رئيس لجنة التحقيق بنفسه مع بعض معاونيه وفي معيتهم المتهم الياس يرزح تحت قيوده بغرض تفتيس منزل المتهم بينما كان صابر يجهش ببكاءٍ مر بمنزل نورالدين وبعدما هدأ سأل شقيق نورالدين قائلاً: كيف حدث هذا؟ فرد عليه شقيق نورالدين قائلاً: أراد نورالدين أن يلبي دعوة عشاء وحفل في أحد الأندية بمناسبة زواج إبنة أحد أصدقائه والعروس صديقة لإبنته الوسطي فصحبته وفي طريق عودتهم لم يكن منتبهاً لشاحنة متعطلة تحمل شحنة من أسياخ الحديد فحدث ما جرى ومزق الحديد أخي نورالدين وابنته شر تمزيق وأسلما من فورهما الروح. عاد صابر من منزله وقد إجتاحه يقين بأن السماء بدأت تنتقم لسميرة ولابد أن الدور قادم إليه خميس إنفجرت رأسه ونورالدين تمزق جسده هو وابنته ذات السبعة عشر عام إنها تماثل سميرة في عمرها ثم أخذ يمسح العرق الذي بدأ يتصبب من جبينه. (5) وصلت لجنة التحقيق إلى منزل الياس وكان رئيس لجنة التحقيق حريص لإنفاذ الشكل القانوني للتفتيش وإجراءاته حتى لا يفسد جهدهم أحد المحامين النبهاء لذا ترك شاهدين من جيران المتهم الياس يوقعان على محضر التفتيش وحضور إجراءاته وتمخض التفتيش عن العثور على الخطاب الذي بعث به مصدق للياس وإن كان الخطاب لايفصح عن عنوان محدد لمصدق وإن أكد لهم إن التواصل بين مصدق والياس قائم وأن هناك معلومات يحتفظ بها الياس. عاد الفريق لمقر لجنة التحقيق وهناك إعترف الياس أنه كان يراسل مصدق على عنوان قهوة (جي جي) في وسط القاهرة، فأمره رئيس اللجنة أن يكتب خطاباً لنفس العنوان وأن يخبر مصدق بأن المباحث الجنائية تحتجز والدته وزوجته وابنته وعليه أن يعود ويعترف ليخلص أهله من العذاب.
07-09-2009, 07:53 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة الثانية عشر (1) كان مصدق في عزبة أبو العينين يعاني الأمرين قلة المال والهواجس كان لاينام كثيراً ويهنأ بالأكل ولا بالشراب لا مكان يذهب إليه سوى قهوة (جي جي) التي يؤمها كثير من السودانيين فكان يسترق السمع فقد كانت قضية إختفاء ومقتل سميرة مثار نقاشهم خيل إليه ذات مرة أن أحدهم يطيل النظر إليه فغادر المقهى ولم يعد كان يكتفي بالإتصال الهاتفي ليعرف إن تم تحويل مبلغ لصالحه أم لا وهل جاءته رسالة أم لا والنفي كان الرد الذي يتلقاه دائماً فبلغ به اليأس مداه غير أنه عندما عاود الإتصال في مرة اخرى علم أن هنالك رسالة وصلته فهرع إلى الطريق العام (الزراعي) واستقل عربة أجرة أوصلته إلى محطة (مترو الأنفاق) بشبرا الخيمة ليستقله إلى وسط مدينة القاهرة حيث قهوة (جيجي) ليتسلم الخطاب المرسل إليه. (2) إختارت لجنة التحقيق أحد رجالاتها ليحمل الخطاب بعد أن تم تدبير الأمر مع سلطات البريد مع التنسيق مع البريد المصري بواسطة أجهزتها الأمنية فتم وضع الطابع عليه والأختام البريدية للدولتين وسافر رجل الأمن السوداني بالخطاب وتم تكليف ساعي بريد مصري تسلم الخطاب من رجل الأمن السوداني وأودعه قهوة (جي جي) وتم إحكام كمين للقبض على مصدق فور وصوله للمقهى بينما كان مصدق يهتز به المترو وهو في طريقه إلى المقهى فأسلمه إلى غفوة لم تفارقه فيها أحلامه الكابوسية رأى في منامه ثعباناً ضخماً يحمل رأسين أحدهما رأس صابر والثاني رأس نورالدين يسعيان خلف حمامة بيضاء مهيضة الجناح رأسها لسميرة وريشها ناعم تحاول الطيران فتسقط ثم لدغها الثعبان بالناب الذي برز من رأس صابر فسقطت ترقص من شدة الألم فهرع نحوها وقطع رأسها ولكن ذيل الثعبان إلتف حول رقبته وارتفع به كأنما يشنقه فهب من نومه مذعورا، كان حلماً لا يقل رعباً من كل تلك الأحلام التي كانت تزوره في ساعات نومه القليلة منذ أن قتل سميرة في ذلك المكان الموحش في ليلة إختفى فيها القمر وعماها الظلام. (3) توقف المترو وهبط صابر ولكنه لم يتجه نحو المقهى فقد إنتابه إحساس بعد حلمه المزعج والحس الأمني الذي كان يتمتع به من أن وراء وصول هذا الخطاب شرك منصوب فانساق وراء أحاسيسه وعاد لمأواه أو قل مخبأه البائس وفكر أن يواصل هروبه إلى جنوب أوربا عن طريق هجرة غير شرعية فداعبت الفكرة رأسه واستبدت به كان يحلم أنه في متن سفينة صغيرة تمخر غباب البحر المتوسط ولكن الفزع كان يوقظه عندما تتلقف أمواج البحر سفينة أحلامه. (4) إنتظر الكمين طويلاً لأيام دون أن يظهر مصدق الذي كان بحاجة للمال ليحقق هروبه الأبدي وعاد رجل الأمن السوداني بحفي حُنين واستقر رأي مصدق أخيراً للذهاب إلى المقهى ليستطلع أمر الخطاب الذي وصله ولكن دون أن يتخلَّ عن كامل حذره واختار وقتاً متأخراً من الليل وذهب لذلك المقهى الذي لا ينام وسأل نادلاً صغيراً ليأتِ له بخطاب أرسل له، وبينما كان النادل في طريقه لذلك الصندوق العتيق الذي تحتفظ فيه إدارة القهوة بالخطابات التي ترسل إلى زبائنها قال له مصدق بصوت خفيض: الخطاب بإسم مصدق. ثم سار خلفه وعندما رفع النادل رأسه من الصندوق العتيق كان مصدق يقف خلفه تماماً فتلقف الخطاب من يده وغادر المكان مسرعاً. (5) فض مصدق الخطاب في غرفته النتنة بيدين مرتعشتين فهاله ما قرأه في الخطاب ماذا سيفعلون ببنتي ماذا سيجري لأمي وزوجتي يا إلهي لطفك ..!! إنتظر مصدق شروق الشمس وهو جالس لم يبدل ثيابه ولم يغمض له جفن وعندما أشرقت الشمس خرج يطلب هاتفاً لمهاتفة دولية إنه لا ينسى هاتف صابر أبداً ولأول مرة منذ أن عرف صابر يتجرأ ويتحدث معه بمثل هذه اللهجة الحادة فعندما سمع صابر صوت مصدق قال له: كيف تتصل بي يا حيوان؟! فرد عليه مصدق بحدة ويأس: عليك أن تحضر إلى مطار الخرطوم غداً وتسعى لتأمين خروج هذا الحيوان وإن لم تفعل شخصياً أو بواسطة أحد معاونيك وتم القبض علي فأعلم بأنني لن أذهب لحبل المشنقة وحدي. فقال له صابر: ولماذا تود أن تخوض مغامرة كهذه؟ فقال له مصدق إنهم يحتجزون زوجتي وأمي وابنتي ولابد أن أكون هناك لمتابعة الأمر من قرب وعليك أن تأمن دخولي ياصابر. فقال صابر: لاتصدق هذا الحديث يا مصدق لا أحد يحتجز فرداً من عائلتك ... ولكن مصدق لم يسمعه فقد نفذ مالديه من مال فوضع سماعة الهاتف واتجه لغرفته ومتاعه القليل ودون أن يدفع ما عليه من متبقي الأجرة وغادر إلى المطار.
07-09-2009, 07:55 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
(1) وقع صابر في حيرة كبرى ومادرى ما سيفعل في شأن عودة مصدق الخطيرة خاصة وأن الموت قد فرق بينه وبين معاونه وصديقه نورالدين وقفز فجأة إلى ذهنه قائده الرقيق (المرضي) والذي كان يشاركه في بعض لياليه الحمراء فقرر أن يذهب إليه ليلاً بخطة معينة فألفاه يجلس على كرسي على حديقة منزله ونسائم الليل تهب على المكان وتنقل شذى الرياحيين. أهلاً صابر كيف حالك سعيد بزيارتك؟ هكذا استقبل المرضي صابر الذي رد قائلاً: الحمد لله بخير غير أن حزني على نورالدين يشقيني. فقال يواسيه: كلنا لها ياصابر، ولكن قل لي ماذا وراءك فإني أعرف أن زياراتك الليلية تحمل خلفها السعادة هل أنهض وأتعطر يبدو أنك تريد أن تسعدني بصحبتك إلى نهر الفرح.. لا يا سيدي ليس بالضبط ولكني وددت أن تشاركني في إنتصار للعدالة لا أستحقه وحدي. رويدك يا صابر قبل ذلك كنت تأتي لي من مضبوطاتكم الجيدة من ذلك النبات فهل نسيت اليوم؟ لا يا سيدي إنه أمر لا يمكن نسيانه إنه داخل حقيبتي وهو هديتي المعتادة إليك قنب أصله هندي حُر. ضحك الرجلان وبدأ صابر يحكي ويكذب ولكنه كذب لا ينطلي أبداً على ذكاء المرضي وببساطة لأنه يعلم كل شيئ فقد كان نورالدين يخبره دائماً. (2) سيدي وردت لي معلومة هامة ومؤكدة تقبع في سري وأود أن نستثمرها لصالحنا وهي أن مصدق الهارب والمتهم بقتل سميرة سيعود هذه الليلةً من مهربه في مصر لمطار الخرطوم وهو منزعج لأخبار كاذبة وصلته تفيد أن أهله في الحبس وقد راجعت الطائرات التي ستصل في هذا الليل لمطار الخرطوم فوجدتها طائرة تتبع للخطوط المصرية وأرى يا سيدي أن نحول هذا الكسب لمصلحتنا وليس لمصلحة لجنة التحقيق عليه أرجو تدبير أمر خروجه من المطار وسأكون أنا على رأس قوة خارج المطار ونقبض عليه. فقال له: الأمر في منتهى البساطة يا صابر ولكن لا تنساني من الهندي..!!
(3) خرج صابر وقد إستعاد شيئ من توازنه وخف قلقه وكانت خطته أن يحمل صابر معه في سيارته ويقضي عليه رمياً بالرصاص في طرف المدينة بعد أن يقنعه بأنه قد دبر له مخبئاً آمناً وأنه سيساعد لإطلاق سراح أهله فقد كان صابر حريصاً لتدمير أي بينة تجر قدمه للقضية بأي وسيلة بما في ذلك القتل عند الثانية صباحاً تحرك صابر بملابس مدنية وبعربة أخرى خبأ فيها سلاحه الناري وأنتظر خارج المطار يترقب خروج مصدق وعندما حطت الطائرة المصرية في مطار الخرطوم إلتف رجال المرضي على رئيس الوردية العريف شعبان عوض الله وكلفوه بشيئ ثانوي يدور في المكان المخصص لأمتعة الركاب حيث ادعوا أن هنالك شجار يجب حسمه عن طريق الحكمة وهم في الأصل من افتعل الشجار خوفاً من أن يتعرف شعبان على مصدق لأنه كان المسئول عن سجل العائدين فجاء مصدق ومد جواز سفره لبديل شعبان ثم زال توتره عندما تم ختم جوازه بسرعة فقر في ذهنه أن مكالمته مع صابر قد أتت أكلها فذهب لإستلام متاعه وقد هدأت نفسه كثيراً ولم يكن متاعه الذي أخذ ينتظره بالقرب من المحمل (سير العفش) سوى حقيبة وحيدة وكان هناك العريف شعبان يفض المشاجرة المفتعلة. (4) إنحنى مصدق عندما وصلت حقيبته ليلتقطها فاستضدم بكتف العريف شعبان الذي إلتفت إليه إلتفاتة لا شعورية بينما مصدق يقول له (سوري) أراد شعبان أن يعود إلى عمله في (كاونتر الجوازات) وعندما خطى خطوتين برزت في ذهنه تلك الصورة التي كونها لمصدق الهارب وهو في الأصل فرد مباحث وكان مهيئاً نفسياً مع حمى البحث عن سميرة المغدورة ثم عن قاتلها مصدق وقد كانت بحق حمى بحث كبيرة طافت كل ولايات السودان عدا الولايات الجنوبية وعندما قارن شعبان تلك الصورة الذهنية مع الشخص الذي إستضدم معه أخذ يراوده شك قوي أنه مصدق فقام سريعاً بتكليف أحد أفراده لمراقبة الرجل ريثما يستوثق من أوراق وصوله ويتأكد من شخصيته. (5) أخذ مصدق حقيبته وبدأ يخطو خطوات بطيئة نحو بوابة الخروج ويفكر بعمق في هذه المرحلة من كابوسه الذي إمتد لعدة أشهر، كان يرتدي قميصاً بني اللون وبنطالاً أزرق ويضع على وجهه نظارة كانت كفيلة بتغطية عينه اليسرى ذات الجفن المرتخي بينما كان مراقبه رجل شعبان يسير خلفه ببطء بينما كان شعبان يبحث في الأوراق بعين فاحصة وعندما تأكد له أن هذا العائد هو مصدق بعينه تحسس مسدسه وأسرعت خطاه خلف الرجلين ثم أخد يهرول هرولة إستحالت لعدو فتعثر وسقط ونهض سريعاً وتجاوز رجله ومصدق أمامه فصرخ بأعلى صوته شاهراً مسدسه وهو يقول: مصدق مكانك ثابت لا تتحرك وإلا ضربت في المليان.
07-09-2009, 07:57 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
(الحلقة الرابعة عشر) (1) إستدار مصدق ببطء نحو مصدر الصوت فرأى شعبان يشهر السلاح نحوه وأخذ يتلفت يمنة ويسرة لعله يرى صابر أو أحد معاونيه ولكنه رأى حركة دائبة قوامها رجال المرضي ينسحبون من المكان على أثر تجمع المسافرين الذين بدأت أعناقهم تشرأب نحو شعبان ومصدق وهمهماتهم تتحول تدريجياً إلى صيحات فرح خاصة بعدما علموا أن المقبوض عليه هو المتهم بقتل سميرة الجميلة ونظراتهم تتجه نحو شعبان بإمتنان لا يحده حدود وعادت إلى نفوسهم تلك الثقة التي فقدوها في أجهزتهم الأمنية ثم صاح شعبان للمرة الثانية في وجه مصدق الذي بدأ الذهول يغزوه ولكنه بدا ثابتاً: ضع الحقيبة وارفع يديك، ففعل، إنبطح أرضاً ففعل بكل هدوء واضعاً يديه خلف ظهره فخطا نحوه بكل شجاعة شعبان ووضع القيود على يديه واقتاده إلى مكتب الأمن الملحق بالمطار. وسط صيحات وتصفيف الحاضرين الهادرة رغم قلتهم. (2) وصل خبر القبض على مصدق لصابر بعد وقت وجيز فأطلق العنان لعجلات سيارته وقلبه يمتلئ بالقلق والخوف وعاد لمنزله ينتظر الفجر دون نوم، بينما وصل رئيس لجنة التحقيق للمطار بعد ما أخطروه بالقبض على مصدق وبدأ التحقيق معه بالمطار كان مصدق يلوذ بالصمت حيناً وبالإنكار أحياناً فأمر رئيس لجنة التحقيق أن يتم إيداعه بحراسة المباحث المركزية واتصل هاتفياً بمعالي وزير الداخلية الذي أمر بإحضار المتهم إليه صباحاً بمكتبه. (3) الصباح أنبأ بأخباره كل السودان وكان خبر القبض على مصدق يتردد على كل الصحف والإذاعات والتلفزيون كما انتقل الخبر إلى الإعلام الخارجي بينما كانت سلمى والأستاذ حسن في طريقهما إلى ولاية بعيدة وهما في صحبة والدة سميرة المكلومة والتي لم تصدق أن ابنتها ماتت مقتولة ولم تتعرف على جثتها المتحللة لذا طلبت من سلمى وأستاذها حسن أن تذهب معها إلى أحد الشيوخ الذين ذاع صيتهم في ذلك الإقليم البعيد ولم يكن هذا الشيخ سوى ذلك الحارس الذي كان مناط به حراسة الموقع (ب) الذي كانت تحتجز فيه سميرة الجميلة ويالها من صدفة غريبة حدثهم الشيخ وهو يستغل ما لديه من معلومات وكأنه يكشف الأستار بأحاديث أذهلتهم ولكن حسن الذي كان يجامل والدة سميرة وصديقتها سلمى لم يكن على قناعة بما كان يقوله هذا الشيخ لأنه لا يؤمن بمثل هذا الدجل فانتحى به جانباً وطلب منه مصدر معلوماته وهو يستخرج من جيبه رزمة مال ويقول له: أخبرني وسأجزل لك العطاء. فقال له الشيخ دون أن ترتفع عيناه عن ذلك المال: سأخبرك وفقاً لشرطين الأول أن لا تخبر المرأتين بما سأقوله لك وثانياً ألا تزج بإسمي في التحقيق فقد أفقد حياتي إن فعلت. فقال له المعلم حسن: أعدك بذلك. ثم خرج حسن وهو يحمل أسرار الموقع (ب) وقد عزم على نقلها للجنة التحقيق. ثم قال لوالدة سميرة وصديقتها سلمى: هيا بنا وقد علمتم من هذا الشيخ أن سميرة قد ماتت أطلبي لها الرحمة. فسالت دمعة حرى على خد والدة سميرة. (4) وصل ركب حسن ومن معه للخرطوم وقد علموا بالقبض على مصدق فأخد يواسي الوالدة الحزينة ويقول لها: الحمد لله فقد تم القبض على القاتل وسينال جزاءه شنقاً حتى الموت. وهي تقول: ماذا سيفيدني إعدامه يا إبني حسن بعد الفضائح وفقداني لسميرة والله كانت طاهرة وعفيفة. وحسن يقول: والله كنت أعلم بطهارتها وعفتها فأنا أستاذها وأعلم جيداً سلوكها بل كنت أحبها وأود الزواج بها ولكن القدر لم يمهلني. فنظرت إليه والدة سميرة وهي تقول له: إنشاء الله تتزوجها في الجنة. وعندما وصلوا إلى البيت وجدوا جمهوراً كبيراً حول المنزل وما أن هبطت والدة سميرة حتى إندفع نحوها جمع المهنئون بعضهم يبكي والبعض يهلل ويكبر والبعض يتوعد. (5) لم يود حسن العاشق المكلوم أن يبدد مزيداً من الوقت فاتجه بخطاه نحو مكتب لجنة التحقيق والحزن يعصره عصراً وهو يردد مقاطع مؤثرة من قصيدة لنزار تحكي حاله ومشاعره: سَأَقُولُ في التحقيقِ .. إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ .. والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ .. وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي .. ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ .. وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ .. وتَقْوَانَا قَذَارَةْ .. وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ وأنْ لا فَرْقَ .. ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !! سَأقُولُ في التحقيق : كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا وخاتَمَ عُرْسِهَا .. وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي يجري كأنهارِ الذَّهَبْ .. سَأَقُولُ في التحقيق : كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ .. سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا .. وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا .. فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ
07-09-2009, 07:59 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الحلقة الخامسة عشر (1) أمام مكتب الوزير كان مصدق يقف مخفوراً ومقيداً فقد طلب الوزير بُعيدَ القبض عليه أن يأتوا به إليه صباحاً فقد هزه النصر الذي حققه جهازه الأمني وكان يأمل بعد هذا أن تقف تلك الحملة الإعلامية التي هزت كرسيه هزاً عنيفاً بل كادت أن تطيح بالحكومة وتغتال شخصيته (Character assassination ) وعندما تم إدخال مصدق إلى مكتب الوزير الذي كان يعاقر النشوى أخفى إبتسامته وقال لمصدق: لاتوجد جريمة كاملة وأرجو أن تتعاون مع لجنة التحقيق فربما سيكون لك في ذلك مصلحة وتأكد أنك ستحاكم محاكمة عادلة تتوفر لك فيها كافة وسائل الدفاع القانونية. كان مصدق كالأخرس وظل صامتاً ومُطرِقاً إلى أن أمر الوزير بإخراجه من مكتبه. ثم أمر لجنة التحقيق بالإسراع في تكملة التحقيقات وتقديم المتهم مع بقية المتهمين وهما نعمات والياس إلى محاكمة عادلة وعاجلة عن طريق النيابة، ثم تحدث عبر الهاتف مع رئيس حزبه يطمئنه على مجريات القضية وغاص في كرسيه مخدراً بنشوة النصر. (2) أودع مصدق الذي لم يعترف بشيئ منفرداً في زنزانة داخل سجن عتيق لايرى عبرها سوى المهندس مصطفى المتهم بقتل زوجته التي أطلق عليها عشر طلقات قتلتها في الحال وفي نفس الوقت كانت مباني لجنة التحقيق تستقبل الأستاذ حسن الذي أدلى بشهادته منذ أن أخبرته سميرة وسلمى بشأن المضايقات التي تسبب فيها والضابط الذي كان يقود له سيارته وقصة إعتقاله وتهديده ثم أفشى بالأسرار التي علم بها من الشيخ الدجال حارس الموقع (ب) الذي كانت تحتجز فيه المجني عليها سميرة وبعد إنتهاء شهادته أمرت لجنة التحقيق بالقبض على الشيخ الدجال وإستدعاء سلمى للشهادة. (3) عندما وصلت قوة إلى المنزل الذي يسكن فيه الشيخ الدجال بغرض القبض عليه وجدوه خالياً وبالبحث والتحري عنه وضح لهم أن أحد الرجال جاء بزوجته العاقر لهذا الشيخ يطلبون منه تعاويذ أوغيرها ليرزقا أبناء فطلب الشيخ إدخال الزوجة إلى خلوته وهنالك حاول أن يضاجعها فأحس الزوج بضوضاء وصوت زوجته فشعر بخطورة الأمر فدفع باب الخلوة ورأى الشيخ يحاول إغتصاب زوجته الجميلة فاستلَّ من ذراعه مدية وهجم على الشيخ وغرزها في عنقه فترنح الشيخ وسقط مضرجاً بدمائه وسرعان ما أسلم الروح. (4) أما سلمى فقد وصلت إلى مبنى لجنة التحقيق بصحبة والدها وتم أخذ إفادتها التي قالت فيها بعد الكثير من الأسئلة : إن مصدق عندما ضايقهم مرتين في الشارع كان يهبط من سيارة سوداء فيها ضابط كبير. فسألها المحقق قائلاً: تقولين ضابط كبير كيف عرفت أنه ضابط كبير؟ كتفو كان مليان دبابير. فسألها: الدبابير دي معاها حاجة تانية ولا براها؟ فردت قائلة: أيوه معاها صقر، وكمان عندو حاجات زي الأعلام الصغيرة خاتيها في سدرو. هذا الضابط الكبير لو رأيت صورته هل ستتعرفي عليه؟ فقالت نعم. إذن يا سلمى إنتظري مع والدك بالخارج قليلاً. أمر رئيس لجنة التحقيق بإحضار كل ملفات الضباط من رتبة مقدم حتى عميد بسرعة. وبعد عرض الصور على سلمى إستطاعت بعد أكثر من ساعة أن تشير إلى صورة صابر. فكتب رئيس اللجنة خطاباً لوزير الداخلية يستأذنه بالقبض على صابر. (5) كان صابر يحيك في ذلك الوقت مؤامرة أخرى مع (جعفر) أحد النافذين في ذلك السجن العتيق لقتل مصدق داخل زنزانته فقد كان يخشى أن يعترف صابر بتفاصيل القضية مما سيشكل ضده خطورة كبيرة قد تقوده إلى حبل المشنقة بإعتباره المحرض على القتل فأحكم إتفاقه مع جعفر لقتل مصدق بطريقة تبدو كالإنتحار. كان المهندس مصطفى قاتل زوجته مستسلماً لإكتئابه الذي دفعه من قبل لقتل زوجته مستلقياً على ظهره دون نوم تلك كانت ليلة قتل مصدق، إنتبه مصطفى فجأة لشخصين كالشبحين يقفان أمام باب زنزانة مصدق وطلبا منه رداءه الذي يرتديه وتحدثا معه قليلاً وقد بدا مصدق فرحاً بحديثهم وغابا قليلاً وعادا واعطياه رداءه من خلال سياج الزنزانة وبعد أن إرتداه إمتدت يد أحد الرجلين وقبضت على عنق مصدق وأخذا يخنقاه بقماش فتلاه من رداء مصدق الذي بدأ في رحلته الأبدية نحو الموت، حدث ذلك ومصطفى ينظر للحادث بعين الذهول، وعندما أدلى بأقواله لاحقاً لم يصدقه أحد واعتبروه مجنوناً واعتبروا الحادث إنتحاراً. بعد مقتل مصدق والأخبار التي تواترت تحمل قتل الحارس تنفس صابر الصعداء واطمأن على موقفه القانوني واستطاع أن ينام نوماً عميقاً، وفي صباح اليوم التالي كان صابر في كامل زيه الرسمي تزين وجهه نظارته السوداء وعندما أراد أن يستقل سيارته وقفت بجانبه سيارة أخرى هبط منها ضابط وقال له: نحن آسفين فقد صدر لنا أمر من لجنة التحقيق معزز بأمر من وزير الداخلية يقضي بتوقيفك على ذمة قضية سميرة ومقتل مصدق. إنهار صابر وسقط على الأرض بالمقربة من سيارته.
الحلقة السادسة عشر والأخيرة (1) تم اقتياد صابر وحبسه وأوقف عن العمل وبدأ التحقيق معه في مقتل سميرة وفي شبة قتل مصدق وبدأت بينه وبين رئيس لجنة التحقيق معركة قانونية رفيعة المستوى إستعصم خلالها صابر بالإنكار التام والنفي الدائم ومناهضة البينات الظرفية وقد تمت الإستعانة في هذا التحقيق بأقوال مصور المعامل الجنائية وأقوال الطبيب الشرعي الذي شرح جثة مصدق فقد كان رئيس لجنة التحقيق يؤمن إيماناً يكاد أن يصل إلى مرحلة اليقين بأن صابر كان وراء إختفاء سميرة ومقتلها وأنه ومعاونوه كانوا وراء مقتل مصدق الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الإعتراف بتفاصيل الحادث مما شكل دافعاً قوياً لإغتياله وقد ورد في أقوال مصور المعامل الجنائية الذي أنتدب لتصوير جثة مصدق داخل زنزانته بأنه قد وجد الجثة مسجاة على ظهرها وهو أمر غريب ومخالف لأسس التحقيق الجنائي إذ أن التصوير كان يجب أن يتم والجثة على حالها معلقة وليس مسجاة وأن إنزال الجثة إلى أرض الزنزانة فيه مخالفة واضحة تثير الشك كما أن القماش المفتول من رداء المجني عليه (مصدق) لا يمكن أن يتحمل ثقل الجثة. وقال الطبيب الشرعي أن مصدق قد مات بإسفسكينيا الخنق وهناك إحتمال أن يكون مات مقتولاً بفعل فاعل أو إنتحاراً والإنتحار هو الإحتمال الأضعف غير أن هذه البينات وشهادة سلمى وشهادة حسن لم ترق إلى مستوى توجيه التهمة لصابر وقال رئيس لجنة التحقيق إنه عندما كان يكتب أمر إطلاق سراح صابر لعدم وجود بينة كافية ضده كأنه كان يتجرع كأساً من السم. (2) إستقبل جعفر الذي شارك في إغتيال مصدق داخل زنزانته قرار الإفراج عن صابر بفرحة عارمة فقد أزال هذا القرار توترهما وقلقهما وأذن بإنتهاء القضية في مواجهتهما كما تلقى المرضي ذلك القائد الذي كان يسبغ حمايته وعونه لهؤلاء المجرمين قرار الإفراج بإرتياح كبير ولكن عدالة السماء إقتصت لسميرة عندما وضعت نهايات قاسية لهؤلاء الثلاثة فجعفر غرق في النيل بعد وقت وجيز وهو يمارس هوايته في السباحة فقد جذبه النيل إلى أعماقه عندما شلت حركته سمكة من نوع (بردة) بإفراغ شحنتها الكهربائية فيه أما صابر فقد أصيب بداء عضال عذبه لسنين عديدة ولم يتركه حتى قاده لقبره والمرضي فاجأته أزمة قلبية أودت بحياته عندما كان في مقعده بحديقة منزله يستلذ بالقنب الهندي ونسائم الليل. (3) قدمت نعمات والياس للمحاكمة بعد أن أسقطت النيابة التهمة عن مصدق بسبب الوفاة وعن صابر بسبب توصية لجنة التحقيق كانت المحاكمة باهتة وهي تخلو من المتهمين الرئيسيين وإن أمها جمع غفير في بدايتها وبدأت أعداد الحضور تتقلص ولكن المعلم العاشق المكلوم حسن ووالد المجني عليها سميرة كانا حضوراً حتى تاريخ النطق بالحكم الذي إنتهى بإدانة نعمات بالتستر والحكم عليها بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ والسجن لمدة عام على الياس الذي أدين بالتستر أيضاً فخرج حسن من المحكمة وقلبه ينوء بحزن عظيم وأتجه صوب المدرسة وفي أثناء إلقاء درسه نظر لمقعد سميرة الخالي فأخذ يردد في همس خفيض: خلاس في غفلة فارقتك وفُتي الدنيا بالفيها كأنك أصلو ما كُنتي ربيعا وضي أماسيها زهورا وازدهار نورا عطورا وكل غناويها ولسه ضحكتك بينا شقاوتك ماني ناسيها شَنِطِكْ والكراريس ديك جداولك كيف تفوتيها ثم نزلت على خده دمعة أحزنت طلابه وأدهشتهم في آن واحد. (4) أخذ الناس يرددون فيما بعد أحداث هذه القضية العجيبة والتي تجلت فيها القدرة الإلهية حينما أنزلت بكل من كان له صلة بتلك الوحشية التي قادت سميرة الجميلة إلى مصير لا تستحقه عقاباً صارماً وظل الناس لا ينسون أبداً إدانة السماء للجناة ومعاقبتهم في الدنيا قبل الآخرة فخميس الذي إغتصب سميرة وهي ما بين الحياة والموت تفجرت رأسه على الأسفلت ونورالدين وابنته قضيا في حادث سير بشع والحارس تم إغتياله بمدية غابت في عنقه وصابر عذبه مرض عضال وقاده إلى القبر وجعفر إبتلعه النيل والمرضي توقف قلبه بأزمة مفاجأة ولانقول إلا سبحان الله العادل المنتقم. (5) لم يعد الأستاذ حسن يرغب في الزواج من بعد وكان يتأسى بالذكريات حلوها ومرها وكانت سميرة تغزو أحلامه في كل يوم بأطياف ملائكية وكان يزورقبرها الجديد كلما أحس بالأشواق تعذبه والذكرى تؤلمه يترحم عليها ويرثيها ويعود إلى مرقده الذي يوعده في كل يوم بطيف من أطيافها وفي يوم إشتد حزنه فاتجه للقبر في مساء غائم والسماء تنذر بالمطر وقف هناك فرأى خُضرة وأزهار تنبت فوق قبر سميرة فاسترجع الأحداث و أحداث يوم الأثنين الأسود الذي غابت فيه سميرة وقال وهو دامي القلب باكيا: كان داك صباح إتنين وكان العمر في العشرين واظن ما كمل العشرين أناقة ورقة واشراقات وخِفة روح بتملا العين وفجأة تروحي ما توادعي أودي عيوني بعدك وين وراك صِبِح الحزن حزنين ما بتاكلك كلاب الله لو وضعوكِ عِريانه برا القبرِ أو جوه عليكِ الأمة حزنانه فِى ناس أخلاقا منحلَّه عفنه نفوسا مرضانه أميره وذوق وحنيه سميره جميله فنانه وداعاً أمشي يا عِفه سكونك جنه مزدانه وابتعدت خطاه وهي تحمله وأحزانه الثقيلة والعميقة وقطرات المطر تغسل من وجهه دموعاً سالت علي مدرارا.
07-09-2009, 04:45 PM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
Quote: كان داك صباح إتنين وكان العمر في العشرين واظن ما كمل العشرين أناقة ورقة واشراقات وخِفة روح بتملا العين وفجأة تروحي ما توادعي أودي عيوني بعدك وين وراك صِبِح الحزن حزنين
الحقوق محفوظة للشاعر تاج السر عباس
07-10-2009, 04:17 AM
Asaad Alabbasi
Asaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة