أين نصر حامد أبو زيد؟في الجنة بالطبع!خطر لي هذا السؤال وأنا أشاهد للدكتور نصر حامد أبو زيد محاضرة على اليوتيوب عن تفسير القرآن عند المعتزلة (أنا فخورة بعنوان المحاضرة فهو يجعلك تتخيل أنني إنسانة مثقفة متبحرة، بينما في الحقيقة المحاضرة ممتعة كالمسلسلات السورية التي أُدمنها). وكنت مع كل خاطرة المعية له، أتنهَّد محبةً وإعجاباً (أنا كدا: يشتغل العقل ثم القلب). وبما أنه من أولئك الناس الذين يولِّدون الأسئلة لا الأجوبة؛ فقد أرجأتُ أسئلتي له لحين يجمعنا الله في الحياة الأخرى، وهذا مؤكدٌ، فالمرء يُحشر مع من يحب. ومن هنا جاء سؤال هذه المقالة. أين نصر حامد أبو زيد؟ لكن إجابتي بالجنَّة، إنما هي إحالة لمسرحية برنارد شو (مان وسوبرمان)، تحديداً الفصل الرابع منها والتي يحاول فيها دون جوان الخروج من النار، والتي هي مجمع الملذات والمتع الحسية، بينما الجنة هي مكان بارد للتناظر الفكري والإنساني. وله حجة طريفة في الأمر، فالجنة في الخطاب التقليدي موصوفة بما يُرضي المؤمن المُمتنع عن الملذات الحسية والجسدية المباشرة، بينما الجحيم حتى في وصفها القاسي فهي محل تذكير واعتبار وحلقة درس (عنيف شوية)، لمن أشبعوا شهواتهم في الدنيا. فمن هنا رسم برناردشو أن الجنة بمعناها التقليدي كملهى هي الجحيم للمُفكِّر، والحجيم حيث السؤال والمحاولة على الإجابة هي جنته. (في انتظار أبو زيد)، فيلم وثائقي لصاحبه محمد علي الأتاسي، والذي يصف نفسه بصانعِ أفلامٍ هاوٍ وهو كاتب سوري وابن رئيس الوزراء الأسبق الذي أطاح به حافظ الأسد – وزير دفاعه. (كنت حاقول كاتب وباحث سوري، لكني تورعت عن ذلك بعد رؤية الفيلم). لاحظتم في الآونة الأخيرة أن كلمة باحث أصبحت تُوزَّعُ يميناً وشمالاً من قبل أجهزتنا الإعلامية! خاصة عندما تحتار في وصف من تستضيفه عبر وسيطها (ياخ أقول ليك حاجة؟ سميهو باحث). ولذلك مرة قناة النيل الأزرق قرَّرت أن تسمي (غناية) (باحثة في الفلكلور). قلت: تورعت عن تسميته بالباحث لأن الدكتور نصر حامد أبو زيد أعاد لوظيفة البحث العلمي بهاءها وألقَها المفقود، وهو القائل: البحث مغامرة. يقولها رافضاً تعريفه كمُفكِّر، إذ يرى أنه ليس صاحب دعوة لها أهداف واستراتيجيات، وليس مثقفاً بالمعنى الاحتفائي بالكلمة. نصر حامد أبو زيد باحث مدقق و(ميتيكيولس كما يقول الفرنجة، تعجبني لأنها تعطي إحساس التدقيق) ومُجِدٌّ ومُجتهد.الفيلم ربما نقول إن فيه ملامح الهاوي من حيث أن اللقطات والنقلات من لقطة إلى لقطة مُملَّة، القطع غير محترف، زوايا التصوير جامدة. لكن المعالجة متميزة حقاً. لعلَّ ها هنا إجابة على ما كان يرد في قروب سودان فيلم فاكتوري على الفيسبوك، وهي مجموعة أنصح كل من له تراوده نفسه بصناعة فيلم أن ينضم إليها، فالفائدة فيها كبيرةٌ جداً. المهم كان المبتدئون يتقدمون بسيناريوهات تحمل أفكاراً عظيمة ونبيلة: المعتقل السياسي، الديمقراطية، حرية المرأة؛ ظانين أن الفيلم إذا حمل فكرة سامية فهذا سيسمو تلقائياً بالفيلم. وكان المجربون من صناع الأفلام الأكثر حنكة يجادلونهم بهدوء أن ليست هذه مهمة صانع الأفلام. ليس صانع الأفلام الجيِّد هو الذي يستعرض أمامك إجابة بل يستعرض لك سؤالاً. أذكر أن الطيب صالح في حوار مع صحفي مغربي قال إنه كتب موسم الهجرة إلى الشمال ليُجيب على سؤال كان يَزِنُّ على أذنه حول إمكانية الحوار بين الشرق والغرب، فكتب رواية أملاً في أن تجيب له عن السؤال. أما ما سوى ذلك فهو بروباقاندا، والبروباقاندا لا تقتصر على نشر الأفكار الشريرة وحسب.لذلك ربما لم يتطلَّبُ الأمرُ من مُخرج الفيلم سوى محبة وشغف واضح بموضوع الفيلم، وكاميرا مفتوحة لا تكذب ولا تحاول أن تُقنع. فكانت النتيجة فيلماً متميزاً بحق، يستأهل نيله الجائزة في مهرجان قناة الجزيرة للأفلام الوثائقية.عنوان الفيلم: في انتظار أبو زيد، يا لَدلالة الاسم! فهو انتظار أبو زيد – الهلالي من جهة، المنقذ المحارب الصنديد كما يستعرض لنا الفيلم قوة الرجل وشكيمته ومعركته ضد قوى الجهالة (الكسل المعرفي والإعلام العربي وسلطة المشيخة). ثم هو – في انتظار قودو، ونستبين ذلك في عتاب الأتاسي الرقيق والموجع واليائس لأبو زيد لغيابه عن الساحة بعد سفره إلى هولندا.الفيلم يبدأ بمنصة خالية في قاعة محاضرات، ثم في اللقطة التالية للمنصة يكون عليها نصر حامد أبو زيد مفتتحاً محاضرته. ثم لقاءات مع زوجته ابتهال يونس، وتلميذه محمد حاكم ونصر حامد نفسه يتحدثون عن أزمة التكفير والتفريق بينه وبين زوجه. (أفتكر زوجتو دي طريقتها في الكلام)، وفيها يظهر جانب لطيف من نصر حامد، عندما يعلق أن ما آلمَه في الأمر كله، هو تعقيب عبد الصبور شاهين، عندما رفضت زوجته أمر المحكمة بالتفريق بينهما؛ فكان أن عقَّب بأنه على استعداد أن يزوجها غير زوجها على نفقته. والجرح الذي أحدثه ذلك الكلام في نفسَيْهما يجعلك تسائل عبد الصبور شاهين: “أين أدب النبوة؟ أين لطفها؟”.ودكتور نصر حامد أبو زيد هو نقيض الكفر تماماً، بحسب تعريفه هو حين عرف التكفير، أنه الحكم على النتائج دون النظر إلى عملية البحث والتحليل التي أدت إلى الوصول إلى النتيجة. والرجل مُنَقِّبٌ في تراث الفكر الإسلامي بدءاً من تحليل مفهوم القرآن عند الفرق الإسلامية (اللي على أساسو فسر وأُوّل القرآن). ولعلَّ الأحاديث التي تمنع التكفير لا تأتي من سماحة الدين، وهي تحفز المرء على التبصر في الـ(99) وجهاً التي لا تكفِّر، فهي دفع ناحية التنقيب والتدقيق.ثم تُشير ابتهال يونس زوج أبو زيد في الفيلم، إلى أنه تم تكفير زوجها ليس لأنه كافر، ولكن لأن بحثه يهدد – كما هو حال علماء المسلمين في كل العصور – سلطة المشايخ ومشايخ السلطة: هذه الطبقة التي تستمد سلطانها من ظنها باحتكار المعرفة والسبيل إلى الخلاص (أنا كنت مبسوطة جداً لما هيثم كابو في التلفزيون رأى أن فتاوي المجمع العلمي لا يُعتد بها)، وأنه لو كان نصر حامد أبو زيد مُلحداً لكانوا أكثر تسامحاً معه. فخلاصة عمل الدكتور – كما هو عند الأستاذ محمود محمد طه – هو ضبط المصطلحات الدينية من جهة، وضبط آلية الاستنباط والاستدلال من القرآن، وهي بحق تحتاج إلى ضبط. خاصة في الآونة الأخيرة، نجد علماء الفضائيات يتعاملون مع الدين وكأنه صحن كوكتيل، تختار منه ما تشاء دون مراعاة للأمانة العلمية التي تسأل: قبل أن تختار من القرآن وجهاً لِمَ أقصيت غيره؟ فما يفعله نصر حامد أبو زيد هو شرح ميكانيزمات التعامل مع القرآن لدى الفرق الإسلامية السابقة، وما هي الميكانيزمات اللازمة للتعامل مع القرآن في عصرنا الحالي، مع انفتاحنا على العلوم (لا أقصد برامج العلم والإيمان التي تقول إن نظرية الانفجار الكوني مذكورة في القرآن، مرة أخرى هذا انتقاء دون شرح)، أعني علوم البحث العلمي ومنها (تطبيقات علم اللغة الحديثة، الأنثروبولوجي، التأريخ.. إلخ) والتي تخوِّلُك للاستنباط لتفسير وتأويل القرآن.ثم في الفيلم يتابع الأتاسي استضافة الدكتور نصر حامد أبو زيد على عدد من الفضائيات العربية، رغم اعتراض الأتاسي المتكرر بأنه في استضافته تعمد اختزال أفكاره وإخراجها عن مقصدها (وقد تحدَّثَ عن هذا الأمر نعوم تشومسكي مراراً حول تشويه الفضائيات المتعمَّد للفكر الجاد، عبر قطع التسلسل الفكري للمتحدث بفواصل الإعلانات، أو إدخاله في مناظرات مُبتذلة لا قدرة لخيال الباحث والمفكر الجاد الانحطاط إليها، عبر تصوير الجدل الفكري وكأنه مناطحة فكرة تلاكم فكرة أخرى، عبر الأسئلة التي تريد إجابات حاسمة الآن وفوراً، إجابات من شاكلة: خير أم شر، كويس أم كعب، كافر أم مؤمن). ولكن نصر حامد أبو زيد ببراءة شديدة محصَّنٌ بحسن الظن والنوايا، يدخل إلى محرقة الأفكار، ليجلس أمام مذيعة تقاطع وتماطل وتأخذ اتصالاً من أبو مسعد وأم فواز.ثم ينتقل الفيلم إلى حياة نصر حامد أبو زيد في الجامعة الأمريكية ببيروت، وهو يرد على عتاب الأتاسي (الراجل دا لوَّام خلاص)، بأنه لم توجه له دعوة من أية جامعة عربية أخرى، وإلا لكان ملبياً الدعوة. هنا تجد الرجل سعيداً خفيفاً وكأن قاعات الدرس ومحادثة الطلبة بحره الذي يعوم فيه. وتكتشف أنه ربما الرياضة الوحيدة التي يمارسها هذا الرجل هي الرياضة الفكرية. ويتحدث في حوار مؤثر عن إعجابه البالغ بطه حسين، واصفاً جنازته المهيبة التي خرج فيها الأساتذة والطلاب ورجل الشارع البسيط والأمي، قائلاً إن هذا ما كان يصبو إليه عميد اللغة العربية، أن يخرج العلم من أسوار الجامعة المنيعة إلى رجل الشارع. ثم تراه يستمع إلى أغاني الشيخ إمام، وتدمع عيناه ويجيب بأنها ليست دموع الحنين والبكاء، لكنها التأثر بروح الشباب الوقادة التي تجدها في أغاني الشيخ إمام والتي كانت ولا زالت تجمع حولها الشباب الطامح لبناء عوالم جديدة وخلق فضاءات تسع الجميع.خاتمة الفيلم تجد نصر حامد أبو زيد في المنفى سعيداً خفيفاً، وهو يعوم مرة أخرى في بحر البحث العلمي الجاد، والوقت المتاح له للتفاكر والتدقيق في التراث الإسلامي والرياضة الفكرية. لكنَّ شيئاً ما يُعكِّرُ صفوه. يسأل الأتاسي عن سبب تغيره عنه؟ مُخرج الفيلم الأتاسي يُؤْخَذُ بالسؤال ولا يُحسن الإجابة، يذكر أشياء عدة، أظن أن ما غيَّره أنه توقّع أن يرى كليشيه المثقف في المنفى، عذاب وغربة، (وهو ما حاول إدوارد سعيد ومحمود درويش التأكيد عليه أن المنفى قد يكون مأوى المفكر وبيته الرحيب). يلومه الأتاسي على تركه الآخرين هناك في محرقة الوطن ولعله يُعرِّض له بتلميذه محمد حاكم الذي تُوفِّيَ أثناء تصوير الفيلم، وهو ما زال شاباً في مقتبل العمر. ترى شيئاً كتأنيب الضمير يتصاعد في عيني أبو زيد. وينتهي الفيلم ونصر حامد أبو زيد يجلس على كرسي يشاهد تسجيلاً لتلميذه يتحدث عن أستاذه، وشيء ثقيلٌ ومظلمٌ يُخيِّم على فضاء الغرفة.المصدر:http://www.albaeed.com/%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D9%86%D8%B5%D8%B1-%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D8%9F/http://www.albaeed.com/%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D9%86%D8%B5%D8%B1-%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D8%9F/
11-25-2015, 05:00 PM
محمد حيدر المشرف محمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20359
التحية لك استاذي بله محمد الفاضل والتحية ايضا للاستاذة ميسون النجومي بس استوقفتني عبارة وردت في هذا المقال او النص وهي ( ولذلك مرة قناة النيل الأزرق قرَّرت أن تسمي (غناية) (باحثة في الفلكلور) . ) لا عارف هل الكاتبة مستغربة ام مستنكرة من اعطاء لقب او درجة باحث لهذه الغناية كما ذكرت هي ،، وبالمرة استاذي اعطينا نبذه قصيرة عن الاستاذه ميسون النجومي اذا تكرمت ... ولك خالص شكري وتقديري .. تحياتي : ياسر العيلفون ...
12-01-2015, 07:51 AM
بله محمد الفاضل بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
مرحباً صديقي ياسر السرربما لأنها تابعت اللقاء ووجدت أنها غير جديرة بلقب باحثةواستغربت كون أن القنوات تخلع الألقاب على الناس دون أن يكونوا على صلة قربى بتلك الألقابوهذا أمر حقيقي ووارد الحدوثوإليك صفحة الكاتبة ميسون النجومي على الفيسhttps://www.facebook.com/ميسون-النجومي-332500713444165/؟fref=tshttps://www.facebook.com/ميسون-النجومي-332500713444165/؟fref=tsوصفحتها الشخصية كذلكhttps://www.facebook.com/maysoon.elnigoumi.7https://www.facebook.com/maysoon.elnigoumi.7وهي كاتبة جديرة بالمتابعة وللعلم هي أحد أعضاء المنبر العامالتحية والمحبة لك
11-28-2015, 10:00 AM
بله محمد الفاضل بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
يا لثراء المقارنة يا صديقيطريقة ميسون تشبه طريقة كتابة نفسي في داخلك أعاينمبالغة لكن ههههههههههالمهم يا قول تبارك الذي بيده ولا شيء هههههميسون على درجة عالية من النباهة حين تمشي في مقالٍتناولك بطريقتها العجيبة جملة من التفاصيل المدهشةوهي، أي كتابتها، دالة كل الدلالة على مدى وعيها وإدراكهاوتوصلك من يدك إلى ما تود قوله جملة واحدةوتنصرفالمحبة لك
11-28-2015, 08:48 PM
osama elkhawad osama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20485
بهذا الإحضار لميسون النجومي،وفي "انتظار أبوزيد"، تنتمي ياابن أمي إلى سلالة "الجلّابة" الاسفيريين المبدعين هههههههههههههأعلاه، كان العبد الفقير لله تعالى، يحاول "تفريغ" علامة لغوية سيئة الصيت، وملئها بما يمكث في الأرض.
12-03-2015, 01:05 AM
osama elkhawad osama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20485
جلابة إسفيرين يا ابن أمي ههههههههههههههبلى إني منهم -من بعدك طبعاً- فقد خبرتك تغذي هذا المكان بالمفيد الجيد بين آن وآنكلما وجدت مادة تستحق أن يطلع عليها لا أتردد في إفرادها للصديقات والأصدقاء هناعسى أن يكون ذلك نافعاً لهموغاية الامتنان لك على هذه الفيديوهات المميزة والمثمرةمتعت بها أيما متعةسلمتالمحبة لك
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
بله محمد الفاضل
محمد حيدر المشرف
ياسر السر
osama elkhawad
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست