|
|
 أبطلوا مفعول هذه القنابل
|
12:42 PM Oct, 28 2015
سودانيز اون لاين
عبدالدين سلامه-الامارات
مكتبتى فى سودانيزاونلاين
حالة غريبة من هستريا الجنون تجتاح منطقتنا في هذه الفترة، والقراءات تتضارب وتختلف حتى ما عدنا نصدّق من ونكذّب من؟ غير أن هناك قنابل موقوتة كثيرة إذا لم تتم معالجتها فسيجتاح الإرهاب ما تبقى من دول المنطقة طبقاً للمخطط الاستهدافي الواضح الذي تربّص بها منذ فترة طويلة.
كثيرون هم أولئك الذين يرفضون قراءة الأحداث وفق نظرية المؤامرة، غير أن هذه النظرية حتى لو حاولنا الابتعاد عنها، وبدأنا قراءة الأحداث من جانب الوقائع، فسنجد أنفسنا دون أن ندري، غرقى في قراءتها، أي أن الاثنان يؤدّيان لبعضهما، وأن المؤامرة لا يختلف اثنان على وجودها وأدلّتها لا تحصى، ولكن الأهم في هذه المؤامرة هم أبناء المنطقة الذين يستخدمهم الآخرون في التنفيذ، تغيير العقول أهم من تغيير معادلات القوى في ميادين القتال، فالمعالجات العسكرية ضرورية لوقف نزيف الاستقرار، أو تنامي الوضع القائم ومنعه من الازياد والتمدد، ولكن العامل الأهم هو وقاية من لم يصبه الفيروس حتى لا يباغت المجتمع بما هو غير متوقع كما حدث مع دول كثيرة فوجئت بشبابها وفتياتها وقاصريها يحملون السلاح ويتباهون به في كل المواقع الإسفيرية، ويدعون أندادهم للحاق بهم بعدما تمكنوا من الهرب من أهاليهم، فبجانب معالجة من جرفهم التيار سواء بالسياسة أو البندقية، فإن القنابل الموقوتة التي يجب تجنبها لازالت قائمة في مختلف مجتمعات المنطقة.
المناهج التربوية ونوعية المعلمين الذين يستأمنهم المجتمع على أبنائه، أخطر قنبلة موقوتة، ففي الكثير من مناهجنا يكمن التّطرف، وليس الجانب الديني الذي ركّزت معظم الدول على مراجعة كيفية طرحه وتفسيره، وحده المسؤول عن إنتاج أجيال لا تحمل مناعة ضد فيروس الإرهاب، فكل ما يتلقاه الطالب يجب مراجعته، والمعلم الذي يربّي الطالب وتكون معلومته بالنسبة له موثوقة أكثر من معلومة يتلقاها من أبيه، هو من يجب تربيته، وكما قال أحد الفلاسفة بأن تربية الطفل تبدأ قبل عشرين عاماً من مولده بتربية أمه، فإن تربية المناعة الإرهابية تبدأ بتربية المعلّم الذي يجب أن يحقن الجيل بلقاح تلك المناعة لا جرثومتها، ويجب ضمان أنه لن يكون شبيهاً بالممرضات الأجنبيات اللاتي كنّ يحقنّ الأطفال الليبيين بفيروس الإيدز.
وسائل الإعلام تعتبر قنبلة أخرى موقوتة يجب التنبّه لمخاطرها، فالأطفال والأسر والشباب كلهم يتعاطون مع التلفزيون أو الصحافة وتوابعها، ويتابعون الأخبار وبرامج المسابقات والمسلسلات والرسوم والأفلام ومختلف البرامج، وكلها تسهم في تربيتهم، فالطفل يعرف (سبايدر مان) أكثر من معرفته بأبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ويتربى على عنف الأفلام الكرتونية والبرامج الموجهة التي تتعهده مرحلة بعد مرحلة، بينما وسائل إعلامنا المحلية لا تحمل نظراً أبعد من الصيغ التي تحاول النقل والتقليد لا الابتكار، ولا يوجهها موجه تربوي موحد، فالقنوات الغربية على سبيل المثال، تتقيد بقيود مجتمعية وتتناغم مع الاستراتيجيات الوطنية والقومية العليا لمجتمعاتها، ووسائل إعلامنا لا يجمعها جامع واحد بسبب عدم اتفاق دول المنطقة على استراتيجية عليا موحدة، فدول أوروبا تختلف في العديد من التوجهات، وشرقها يتباين فكرياً عن غربها، ولكن الاتجاهين مع ذلك لم يخرجا برغم صراعاتهما الفكرية، عن الخطوط القومية والمجتمعية الجامعة.
لا توجد في العالم كله جهة إعلامية لا تحمل توجهاً معينا، الإعلام كله موجه، وباسم الرسالة الإعلامية تتوجه الرؤى، والمخابرات العالمية المختلفة تتسابق للوصول إلى مآربها عبر الإعلام، وهو أمر لا يخفيه الإعلام ولا المخابرات، فهو وسيلة خطيرة، ولو عدنا للإعلام غير المحلي المنقول إلينا بلغتنا ومختلف لهجاتنا، لوجدناه يحظى بالمتابعة والثقة من قبل شعوبنا أكثر من المنتج المحلي، وهو إعلام يحمل الرسوم المتحركة التي تبدأ في تربية الطفل بالعنف وتثير في غرائزه تبنّي تفريغ طاقته عن طريق القوة وتقليد أبطال الحكايات الرسومية المتقنة، وتتدرج معه حسب تدرجه العمري لتقدم له أفلام الرعب والأفلام الحربية والقتالية، ومسلسلات تسهم في تفكيك النسيج الجماعي لحساب التكتلات الأصغر، بينما الإعلام المحلي ولعدم توفيره الاستراتيجية البنائية الواضحة، أو الاستراتيجية الدفاعية الوقائية، فإنه لم يتمكن من نيل الثقة والتأثير بما فيه الكفاية.
وسائل التواصل الاجتماعي غدت من أكثر القنابل الموقوتة خطراً على مجتمعاتنا، فهي قد وصلت حتى إلى الهاتف الذي أصبح ملازماً لكل فرد تقريباً، وهي الأكثر قدرة على الوصول إلى الشخص الذي يعيش في واشنطن أو برلين ولندن وموسكو وباريس، بذات كفاءة الوصول للراعي الذي يفترش الرمل ولا يملك غير الصحراء وأغنامه وهاتفه في الصحارى البعيدة المعزولة عن ضجيج العالم، ونسبة الأطفال والمراهقين الذين يحملون الهواتف أكبر من غيرهم بكثير، وقد أسهمت وسائل التواصل في شغل الأسرة عن بعضها البعض وفي تعميق روح العزلة بنسب مختلفة بين مختلف أفراد المجتمع للانفراد بهم عبر شرائحهم المختلفة، وقد التحق العديد من الشباب بالتنظيمات الإرهابية عبر تلقيهم جرعات الإرهاب عبر الإنترنت، ولا توجد في وسائل الإعلام لدول منطقتنا سوى الاستراتيجيات الوقتية المضطربة المتغيرة التي لم تستقر حتى الآن على قانون إلكتروني موحّد ولا قانون أخلاقي واستراتيجي موحد، ولم تحاول معظم دول المنطقة التي نجت بجلدها حتى الآن من فوضى الإرهاب، أن تجتمع على استراتيجية واحدة حيال مواجهة هذه القنبلة البليغة الأضرار والتي لازالت آخذة في الانفجار التدريجي البطيء المتزايد يوماً بعد يوم.
خطباء المساجد وشيوخ الدين هم قنابل خطيرة جداً، فاختلاف الرؤى والمفاهيم، والتضارب الواضح في التفاسير، وارتباط العديدين بالمصالح الذاتية التي تسهم في لي عنق التفاسير، زائداً على طريق تناول الخطابة، كلها أشياء يجب دراستها ووضع استراتيجيات عليا لها لمواجهة التطرف، وإنقاذ ما تبقّى إنقاذه من الأجيال، فالمنطقة الآن لا تريد خلافاً ولا صراعاً أو تعصباً في الدين، ولكنها تحتاج تسابقاً نحو النهضة وتوفير لقمة العيش الكريمة والأمن والاستقرار لمواطنيها حتى يتمكنوا من أداء عباداتهم دون خوف أو تعصّب، وإنتاج أجيال قادرة على مواصلة الرحلة، فالمجتمع لو لم يعش في سلام وأمن واستقرار، لن يتمكن من أداء واجباته الدينية والمجتمعية على الوجه الأسلم، وقديماً قال الكاتب الروسي دوستفسكي أن الرجل إذا احتاج سرق، والمرأة إذا احتاجت باعت.
|
|
  
|
|
|
|
عبدالدين سلامه
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست