|
|
 أين نحن من العالم الجديد
|
12:37 PM Oct, 28 2015
سودانيز اون لاين
عبدالدين سلامه-الامارات
مكتبتى فى سودانيزاونلاين
يتحدث المراقبون كثيراً عما يدور في المنطقة العربية باعتباره تمهيداً لتقسيم جديد أشبه بما فعلته اتفاقية (سايكس بيكو) التي منحتها الشكل الحالي بعد انهيار الدولة العثمانية التي خصمت من رصيدها الكثير وأقعدتها عن التطور وحوّلتها من الصدارة إلى ذيل القائمة، ومن عالم أول شهد قصر الحمراء ومدينة جنوة والبندقية وغيرها على قوة نفوذه وسطوته، إلى عالم ثالث أو أقل من ذلك بكثير.
ما ذهب إليه المراقبون ليس بعيداً عن الحقيقة، غير أن التقسيم لم يبدأ بالأحداث الدراماتيكية الأخيرة التي بدأت منذ ثلاثة عقود، لأن التقسيم الجديد شمل معظم أرجاء الكرة الأرضية وليس منطقة الشرق الأوسط أو المنطقة العربية فحسب، إلا أنه في المناطق الأخرى من العالم يختلف تماماً عما يحدث فيه.
الانشطارات التي حدثت في أوروبا من قبيل البوسنة والهرسك في صربيا، والتشيك والسلوفاك، سرعان ما قامت دول أوروبا باحتوائها واحتواء مرارات حروبها التي لم تدم طويلاً ولم تتمدد لدول الجوار، وعوضاً عن تلك الحروب والتقسيم الذي مكّن تلك الدول من التخلّص من قبضة الاشتراكية الشيوعية، فإن أوروبا تمكنت من إعادة إنتاج نفسها وبدأت التغيير الحتمي، فقد عادت ألمانيا الشرقية لأحضان شقيقتها الغربية فأضحتا دولة واحدة، وتمت لملمة الدول المتشظية في منظومة اتحاد أوروبي واحد لم يكن موجوداً من قبل، ورغم العديد من التباينات والتناقضات بين دول الاتحاد، إلا أنه تمكن من نسج وحدة ناجحة شكّلت الملامح الجديدة للتغيير.
في الشرق الأوسط حدثت تشظيات قديمة كالكوريتين والصين وهونج كونج، وشبه القارة الهندية التي انقسمت لعدة دول، وفي منطقتنا العربية لم تقو جامعة الدول العربية التي سبقت الاتحاد الأوروبي بالفكرة والتكوين، على لملمة الدول العربية رغم العديد من العوامل والثقافات المشتركة التي تفتقرها أوروبا، ولم يتمكن اتحاد الدول الإسلامية من صناعة واقع اندماجي رغم وحدة العقيدة، ورغم محاولات الدمج التي حدثت في بعض الدول كما في اليمن التي سارت على خطا ألمانيا بضم الجنوب إلى الشمال، إلا أن تلك الوحدة لم تخلق أية إضافة نوعية إيجابية، وبدأت حركات التّشظي تزداد، فإقليم كردستان في العراق أخذ شكل الدولة غير المعلنة، والسودان تم شطره لدولتين شمالية وجنوبية دون أن يؤثّر الانفصال على وقف الحروب الداخلية بين الدولتين وداخلهما، وأثيوبيا انشطرت عنها إريتريا، والصومال من قبل انقسم إلى الصومال وجيبوتي (الصومال الفرنسي)، والأمثلة كثيرة.
التقسيم إذاً لم يبدأ بدخول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الكويت في العقد الأخير من القرن الماضي ومحاولته ابتلاع الكويت الجارة، ولا بالجحيم العربي الذي تم استخدام الإخوان المتأسلمين وتوابعهم من الجماعات المتأسلمة كأدوات لتنفيذه، ولكنه بدأ مبكراً، وكل حدث فيه كان يمثّل مرحلة من المراحل، وما يحدث الآن في المنطقة ليس سوى واحدة من تلك المراحل.
المشكلة الحقيقية تكمن في أن أبناء المنطقة هم الأداة الحقيقية لتنفيذ تلك المخططات الجديدة، ولكنهم في ذات الوقت لا يعرفون خرائطها ولا كيفية تقسيماتها، فكل فصيل يتحرك حسب حاجة من يحركه لتلك الحركة، ومعرفته دائماً تكون على قدر الحاجة، وهو السبب الذي جعل مستقبل المنطقة غامضاً أمام أبنائها، وكل حديثهم عن مستقبلها لا يعدو كونه مجموعة تحليلات وتكهنات برغم أنهم يمثلون المنفّذ الفعلي للتحولات والتغيير، وهم في ذلك كالحمار وحمل الأسفار.
دخول الدول الكبرى كروسيا وأميركا في سوريا، والتسريبات التي تتهامس بتقسيم جديد، إضافة لدخول العديد من المكونات الجديدة كداعش والنصرة وبعض القوى الليبرالية، زائداً على إقحام إيران الصفوية هنا وهناك، كلها مؤشّرات يمكن من خلالها قراءة هذه المرحلة من مراحل رسم الواقع الجديد، فوزير الخارجية الأميركي صرّح بأن أميركا ملتزمة بحماية بعض الفصائل في سوريا ومنها الجيش الحر الذي يقاتل الأسد، وروسيا اصطحبت معها إيران إلى سوريا لحماية الأسد والإبقاء عليه، وتركيا الحالمة بإعادة إنتاج الإمبراطورية العثمانية تبحث عن منطقة عازلة، بينما الحوثيون في اليمن يحاولون استنساخ تجربة نصرالله في لبنان، وتختلط الأوراق دون أن يعرف أحد من أبناء المنطقة شكل خارطتها الحقيقية من خارطة العالم الجديد.
|
|
  
|
|
|
|
عبدالدين سلامه
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست