الشورى ليست ديموقراطية. دكتور عمر القراي تعقيب على الأستاذ كمال الجزولي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 05:27 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-21-2015, 05:41 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48739

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الشورى ليست ديموقراطية. دكتور عمر القراي تعقيب على الأستاذ كمال الجزولي

    04:41 PM Oct, 21 2015
    سودانيز اون لاين
    Yasir Elsharif-Germany
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين



    تعقيب على الأستاذ كمال الجزولي
    الشورى .. ليست ديمقراطية!!(1-2)

    لابد من الإشادة بالمنحى العام، الذي إنتهجه الأستاذ كمال الجزولي منذ فترة، بالكتابة في قضايا فكرية، إتفقنا أو إختلفنا مع طرحه فيها.. ذلك أن المثقفين السودانيين، قد درجوا على الكتابة في القضايا السياسية الملحة، وأهملوا الجوانب الفكرية، مما جعل الساحة العامة مجدبة في مجال الفكر، مع أنه المعول عليه في النهاية، في إحداث كل نهضة في مختلف المجالات.
    لقد بدأ الأستاذ كمال مقاله، الذي صاغه تحت عنوان (حول قيمة الإجماع بين الشورى والديمقراطية)، بالتعريف بكلمة "الديمقراطية"، ونشأتها، وتطورها منذ عهد الأغريق، مروراً بفلاسفة العقد الإجتماعي، وازدهار مفهومها في النظام الرأسمالي، بعد الثورة الصناعية، وعلاقتها بمفهوم الليبرالية. وهو سرد، في جملته، مقبول .. غير أن الأستاذ كمال إنتهى إلى قوله: (ليس ثقة من هم أكثر سوء ظن بالديمقراطية والشورى معاً من أولئك الذين يصطنعون هوة تباعد بين المفهومين فينظرون من جهة إلى الديمقراطية كموؤسسة أجنبية على الإسلام ومن جهة أخرى يبذرون اليأس في نفوس عامة المسلمين من أية إمكانية لتصور الشورى بمعايير العصر غافلين عن قيمة "الإجماع البشري" كأصل في المؤسستين لكن بتدقيق المفهومين ما تلبث هذه الفروقات المصطنعة أن تتراجع)(حريات 13/10/2015م).
    أول ما تجدر الإشارة إليه، هو أن الشورى ليست نظام حكم، حتى تقارن بالديمقراطية، أو غيرها من نظم الحكم .. وإنما هي "آلية" لتلطف من غلواء نظام الحكم، الذي أقرته الشريعة الإسلامية، وهو نظام الخلافة. ونظام الخلافة، نظام حكم فرد، هو خليفة المسلمين، أو أمير المؤمنين.. وهو رجل بيده كل السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية. ثم هو لا يغير من منصبه إلا بالوفاة .. ولا شك أن الأستاذ كمال كقانوني، يعلم أن أي نظام لا يتم الفصل فيه بين السلطات، ولا يتم فيه التداول السلمي للسلطة، لا يمكن أن يكون نظاماً ديمقراطياً.
    قال تعالى عن الشورى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) .. وجاء في تفسير هذه الآية (يعني فتجاوز يا محمد عن أتباعك واصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي ما نالك من اذاهم ومكروه في نفسك واستغفر لهم وادع ربك لهم بالمغفرة ... وقوله "وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله" أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء لأنه أطيب لأنفس القوم ... حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن اسحق " وشاورهم في الأمر" أي لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت عنهم غنياً تؤلفهم بذلك على دينهم ... وأما قوله "فإذا عزمت فتوكل على الله" فإنه يعني إذا صح عزمك تثبيتنا إياك وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به وافق ذلك آراء اصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاور أو تزاول على ربك فثق به في كل ذلك وأرضى بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم ...)(ابن جرير الطبري: تفسير الطبري –لمجلد الثالث الجزء الرابع صفحة 100-101 . بيروت: دار الفكر).
    ولقد كان النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يشاور أصحابه، وينزل عند رأيهم. وكان في ذلك يربيهم تربية الأحرار، يشعرهم بقيمتهم، وكرامتهم، ويؤهلهم بتلك التربية الفريدة، ليمارسوا الديمقراطية، حين يحين حينها، إذ لم يكن ذلك ممكناً في القرن السابع الميلادي .. ولقد حاول الأصحاب، رضوان الله عليهم، جهدهم، ليسيروا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقامت الخلافة الراشدة، كحكم فرد، تدعمه سلطة دينية، وهو ما يعرف اليوم بالنظام "الثيوقراطي".
    ولم يحدث أن تم في الدولة الإسلامية، إنتخاب لخليفة أو أمير مؤمنين. فحين إجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة، ليختاروا الخليفة، بعد إلتحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وأحتدم الخلاف بين المهاجرين والأنصار، خطبهم أبوبكر الصديق، رضي الله عنه، بأن الخلافة لابد أن تكون في المهاجرين، لسبقهم بالإسلام، ولقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولعل هذه المميزات، التي نال بها أبوبكر الخلافة كأحد المهاجرين، تناسب المجتمع القبلي، في ذلك الوقت، ولكن لا مكان لها في المجتمع الحديث، الذي يمارس الديمقراطية. إذ لا يمكن أن يكون سبب إختيار الرئيس الجديد، هو قرابته من الرئيس السابق!! ولقد قُبل أبوبكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان قد قدمه في مرضه، فصلى بالناس .. فقالوا: "رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا" ؟! ولم يشارك كل أهل المدينة في اختيار أبي بكر، ولم تشارك فيه الأمصار، ومع ذلك بايعه الناس بعد أن أصبح خليفة.
    ولقد استعان أبوبكر ب"آلية" الشورى، تقليداً للنبي صلى الله عليه وسلم، فشاور أصحابه في قتال مانعي الزكاة، فأشاروا عليه بعدم قتالهم، فخالفهم وقال: "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه"!! ولو كانت الشورى تعني نفاذ رأي الأمة، لما قامت حروب الردّة . ولم يعط أبوبكر رضي الله عنه الناس، الفرصة التي اعطاهم لها النبي صلى الله عليه وسلم، بل جعل عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال "وليت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا " ..
    ولقد سار عمر رضي الله عنه، سيرة صاحبه، فكان يشاور كثيراً، ويخالف كثيراً، وحين طعن، وشعر بدنو أجله، حصر فرصة الخلافة في ستة من الأصحاب هم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف. وقال: "لو كان أبو عبيدة موجوداً لوليته ولو كان سالم مولى حذيفة موجوداً لوليته"!! وهكذا بقرار من الحاكم صودر حق الأمة كلها وحرمت جميعها ما عدا ستة أشخاص من الترشيح للرئاسة!! ولم يطعن أحد في خلافة عمر أو وصيته لأنها كانت متسقة تماماً مع نظام حكم الفرد ولكنها بعيدة عن الديمقراطية . ولقد إختار عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وعقدت له البيعة، من المسلمين الموجودين في المدينة، فأصبح خليفة المسلمين، على جميع الأرض التي كانت تحت سلطانهم.. ولقد خالف كثير من الأصحاب والتابعين وعامة أهل المدينة عثماناً، وخرجوا عليه يطالبونه بالتنحي عن الحكم، فرفض التنحي، وقال: "والله لا أخلع ثوباً ألبسنيه الله"!! فهو يعلم أن الجماهير لم تنتخبه، فلا حق لها في مطالبته بالتنحي، ولما اشتد السخط العام عليه، قام معارضوه بإغتياله. (راجع تاريخ الطبري – سيرة عثمان)
    ومما جاء عن عيوب نظام الشورى، في عهد عمر (وما من شك في أن النظام الذي وضعه للشورى قد كان نظاماً لا يخلو من نقص، ولعله لا يخلو من نقص شديد ، وأول ما نلاحظه على هذا النظام ضيق مجلس الشورى... ولم يكد المشيرون يجتمعون حتى تبينوا الآفة الخطيرة التي كانت توشك أن تذهب بمجلسهم غير مذهب، وهي أن ستة منهم كانوا مشيرين، وكانوا جميعاً مرشحين للخلافة، فلم يكن لهم بد من أن يحملوا أنفسهم على ما لم تتعود النفوس أن تحمل عليه، لا لأنهم كانوا يؤثرون أنفسهم بالسلطان حباً للسلطان وحده، بل لأنهم كانوا يؤثرون أنفسهم بالسلطان نصحاً للإسلام والمسلمين ... ولو قد وسع عمر مجلس الشورى، وأكثر فيه من أمثال عبد الله بن عمر من أولئك الذين يحضرون الشورى، ولا يشاركون فيها، ولا يكون لهم من الأمر شئ لكان من الممكن ألا يتعرض مجلس الشورى لما تعرض له من الشك والإختلاف... ولم يخطر لعمر رحمه الله ولم يخطر للمسلمين من بعده أن الأـنصار كانوا خليقين أن يشهدوا الشورى، وأن يكون لهم أن يقولوا رأيهم ويشاركوا في الإختيار بين المرشحين ... و آفة أخرى نراها في تنظيم الشورى على هذا النحو، وهي أن سلطان المشيرين كان سلطاناً موقوتاً، حدد له عمر ثلاثة أيام، وقبل المسلمون منه هذا التحديد، وكان من الطبيعي أن يختاروا من بينهم رجلاً وأن يستخلفوه، وأن يبايعه من حضر من المسلمين، وأن يكتب ببيعته إلى الأمصار، أو بعبارة أدق، أن يكتب هو ببيعته الى الأمصار ويتفذ فيها أمره ونهيه بحق الخلافة التي استمدها من هؤلاء الذين بايعوه. ومعنى هذا كله، أن أهل المدينة كانوا وحدهم، بمقتضى هذا التنظيم، هم الذين إذا بايعوا وألزموا المسلمين في جميع أقطار الأرض، وعلة ذلك أن المدينة كانت مستقر أصحاب النبي، من المهاجرين والأنصار، وموطن أهل الحل والعقد .. ولو قد وسع مجلس الشورى أولاً ، وجعل نظاماً دائماً بعد ذلك، بحيث يصبح مجلس مراقبة للإمام في عمله من جهة ، ومجلس إختيار للأئمة كلما إحتاج المسلمون الى اختيار الإمام من جهة أخرى، لكان المسلمون قد سبقوا إلى النظام البرلماني)( طه حسين: الفتنة الكبرى : 1-عثمان. الطبعة 11 ص 60-63). وحتى لو كان مجلس الشورى موسعاً، كما إقترح د. طه حسين فيما ذكر أعلاه، فإنه لا يقرب من النظام البرلماني، ما دام الخليفة، وهو الرأس التنفيذي، لم ينتخب، ومجلس الشورى نفسه لم ينتخب، من كافة مواطني الدولة المؤهلين والراغبين في الإقتراع.
    ومن البديهي أن نرى في واقع الحياة العملية، أن المستشار سواء أن كان فرداً، أو لجنة، فإن رأيه لا يلزم متخذ القرار . ولقد كان عندنا، في السودان على عهد الإستعمار البريطاني "المجلس الإستشاري لشمال السودان"، الذي كونه الحاكم العام، ليشاوره في أمور البلاد .. فهل يمكن لعاقل، أن يقول أن السلطة، كانت في وقت الإستعمار، في يد السودانيين، لأن مجموعة منهم عينها الحاكم العام في "المجلس الإستشاري لشمال السودان" ؟!
    فإذا وضح كل ذلك، يتبين للقارئ أن عبارة الأستاذ كمال (غافلين عن قيمة "الإجماع البشري" كأصل في المؤسستين لكن بتدقيق المفهومين، ما تلبث هذه الفروقات المصطنعة أن تتراجع) بالغة الخطأ، وذلك لأن الشورى ليس فيها إجماع، وإنما تقوم بها جماعة قليلة حول الحاكم، سميت عند الفقهاء الأوائل بـ"أهل الحل والعقد" .. وهؤلاء أنفسهم ليسوا منتخبين، والحاكم هو الذي يعينهم، مما يجعلهم فاقدي الأهلية من حيث متطلبات النظام الديمقراطي، لأن الحاكم كما عينهم يستطيع أن يعزلهم!!
    لكل ما تقدم، فإن الفروق بين الشورى والديمقراطية فروق جوهرية، لأن الشورى آلية في نظام وصاية، والديمقراطية نظام مسؤولية .. وهذه الفروق واقعية، دل عليها تطبيق الشورى، على عهد النبي صلى الله عليه، وسلم والخلفاء الراشدين .. ولذلك فهي ليست فروق مصطنعة، وإنما المصطنع هو محاولة التوفيق بين الشورى والديمقراطية، وهذه المحاولة التوفيقية إصطنعها الإخوان المسلمون، ولهذا حين إعتمد عليها الأستاذ كمال الجزولي، لم يجد ما يتوكأ عليه، غير راشد الغنوشي، و د. الطيب زين العابدين!!

    د. عمر القراي

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 10-21-2015, 05:43 PM)

                  

10-21-2015, 05:44 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48739

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الشورى ليست ديموقراطية. دكتور عمر القراي � (Re: Yasir Elsharif)

    الشورى .. ليست ديمقراطية!! (2-2)

    جاء في استشهاد الأستاذ كمال الجزولي، برأي الأستاذ راشد الغنوشي، قوله (فضمن محاضرة حديثة له بتونس في 20 مايو 2015م في إطار "ندوة المنتدى العالمي للديمقراطية الحديثة المباشرة" والتي خصصت دورتها لبحث "علاقة الإسلام بالديمقراطية المباشرة" وصف راشد الغنوشي مفهوم "الديمقراطية المباشرة" بأنه التطبيق الأعلى لمبدأ "الشورى" معتبراً مفهوم "الإجماع" مفهوم إسلامي وأن "الشورى" تعني المشاركة العامة في السلطة "كعبادة" “والذين أقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" حيث "وردت قيمة الشورى بين ركنين من أركان الإسلام بين الصلاة والزكاة للتأكيد على أنها عبادة" ثم طرح الغنوشي سؤالاً مركزياً كالآتي: "مقابل الشورى ماذا في الإسلام؟" ليجيب قاطعاً بأن ذلك هو "النظام الفرعوني" الذي يقول "ما أريكم إلا ما أرى" )(المصدر السابق)
    هذا ما قاله الأستاذ راشد الغنوشي، ونقله لنا الأستاذ كمال الجزولي.. أما نحن، فقد أوضحنا أن الشورى لا تعني "المشاركة العامة في السلطة"، كما قال الغنوشي. وأن السلطة كما حددتها الشريعة الإسلامية، يعبر عنها نظام الخلافة الإسلامية. وهو نظام يقوم على حكم فرد، لا يشاركه أحد في سلطته. ووصف الغنوشي للديمقراطية المباشرة بأنها "التطبيق الأعلى لمبدأ الشورى"، يطرح سؤالاً هو : ما هو إذن التطبيق الأدنى لمبدأ الشورى؟! وهو ما لم يحدثنا عنه الأستاذ الغنوشي، أو الأستاذ كمال الجزولي. والآية التي أوردها الغنوشي، جاءت تصف حال المؤمنين في مكة، قبل قيام نظام الحكم الإسلامي في المدينة، ولهذا لا يمكن أن تكون هي الآية التي شرّعت "آلية" الشورى. ولقد جاءت بين الآيات هكذا (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُون). فهي تصف حال أولئك المؤمنين في صلاتهم، وزكاتهم، واجتنابهم للفواحش، ومشاورتهم لبعضهم في أمورهم. أما الآية التي أمرت بالشورى، بعد قيام الدولة الإسلامية، وفرضتها على النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، ك"آلية"، لتخفف من الوصاية، التي تقوم عليها الخلافة، فهي قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ويلاحظ هنا، أنه قال "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله"، ولم يقل فإذا عزمتم، مما يدل على أن الأمر في النهاية، بيد فرد واحد، وليس بيد الجماعة.
    والحق أن الأستاذ راشد الغنوشي ليس حريصاً على الديمقراطية، لأنه لا يزال تلميذاً لمنظري الإخوان المسلمين، أمثال حسن البنا، وسيد قطب، والمودودي، رحمهم الله .. فقد جاء (كان المؤتمر العام الخامس يناير 1939م الأهم والأضخم في تاريخ الجماعة ... والذي طرح فكرة "الخلافة الإسلامية" واعتبرها في رأس منهاج الجماعة ... ويتوجه حسن البنا إلى الملك فاروق والزعيم مصطفى النحاس وإلى ملوك وأمراء وحكام بلدان العالم الإسلامي، وعدد عظيم من كبار البارزين في هذه البلدان ويطالب في ندائه بالقضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في جهة واحدة وصف واحد)(الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى مهدي عاكف: عبد الرحيم علي ص 38 و 75.القاهرة: المركز العربي للبحوث والدراسات).
    ولقد كان الغنوشي، ولا يزال، معجباً بالدكتور حسن الترابي. وحين يتحدث عنه يقول (أستاذنا و شيخي)!! والترابي هو أول من خطط، ونظّر، ودبّر، لأكبر تآمر على الديمقراطية، حدث في هذه البلاد .. حيث كان وراء حل الحزب الشيوعي السوداني، وطرد نوابه المنتخبين من الجمعية التأسيسية .. فإذا تحدث هو اليوم، أو أحد تلاميذه، مشيداً بالديمقراطية، ومعبراً عن أنها هي المفهوم الإسلامي الصحيح، وأنها أعلى مراحل الشورى، فمن الغفلة أن نصدقهم!!
    ولم نسمع للغنوشي، أي إدانة للانقلاب العسكري الذي قادته الحركة الإسلامية السودانية ضد الديمقراطية، تحت قيادة الترابي في عام 1989م. ولم نقرأ له أي إدانة، لما تم بعد الانقلاب من الحرب الدينية في الجنوب، وفي جبال النوبة .. بل إن الغنوشي وغيره، من قيادات الحركات الإسلامية، أشادوا بحكومة "الإنقاذ"، وهي أسوأ حكومات السودان، وأبعدها عن الإسلام وعن الديمقراطية.
    يقول الأستاذ كمال الجزولي (أما الطيب زين العابدين فيرى في كتيبه "الديمقراطية التوافقية: الطريق للاستقرار السياسي" أن هذه الديمقراطية "تنسجم مع تعاليم الإسلام الذي يجعل الإجماع المصدر الثالث للتشريع، بعد القرآن الكريم والسنة المطهرة، ويدعو للشورى الملزمة في الشأن العام" ويستشهد على رجاحة هذه الديمقراطية بنموذج "الصحيفة" أو "دستور المدينة" الذي سعى الرسول "صلعم" للتوفيق عبره بين كل السكان من أنصار، ومهاجرين، ويهود، ومشركين، ومنافقين على أساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات، حتى يضمن قدراً من "وحدة الجبهة الداخلية" بما يكفل مشاركة الجميع في الدفاع عن يثرب)(المصدر السابق)
    إن عبارة د. الطيب زين العابدين، مليئة بالتضليل .. فالإسلام لم يجعل "الإجماع" المصدر الثالث للتشريع، ولكن الفقهاء اجتهدوا فحددوا ذلك. فقالوا إن مصادر التشريع هي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وأما الكتاب والسنة، كمصدرين للتشريع، فقد نص عليهما القرآن، ولكنه لم ينص على الإجماع والقياس. ولعل الفقهاء، قد أخذوا موضوع الإجماع، من الحديث النبوي المشهور (لا تجتمع أمتي على ضلالة). ولكن الإشكال هنا، هو عدم المقدرة، على تحديد من يعتبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، من أمته التي تلزم الحق دائماً، ولا تجتمع مطلقاً على باطل. فالإخوان المسلمون وحلفاؤهم، يجتمعون اليوم في مؤتمر الحوار الوطني، ويجمعون على باطل، وعلى غير مصلحة شعبهم، رغم أنهم في الظاهر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم !! وجماعة "داعش" تجمع كل عضويتها، على ما يرتكبون من فظائع، فهل يجمعون على حق أم على باطل ؟! فإذا كان المسلمون يمكن أن يجمعوا على غير الحق، فإن إجماعهم لا يمكن أن يكون مصدراً من مصادر التشريع في الإسلام.
    أما وثيقة المدينة، التي عاهد النبي صلى الله عليه وسلم على أساسها المشركين واليهود، فإن التضليل في الاستدلال بها، إنما يجئ من أنها قد نسخت بآيات سورة التوبة !! قال تعالى (بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَأَنَّ الله مُخْزِي الْكَافِرِينَ* وَأَذَانٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
    جاء في التفسير (قوله "براءة" تقول برئت من الشيء أبرأ براءة فأنا برئ إذا أزلته عن نفسك وقطعت سبب ما بينك وبينه ... قوله تعالى "إلى الذين عاهدتم من المشركين" يعني إلى الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان المتولي للعقود وأصحابه بذلك راضون فكأنهم عاقدوا وعاهدوا فنسب العقد إليهم .. قوله "فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين" ... قوله "فسيحوا" رجع من الخبر إلى الخطاب أي قل لهم سيحوا أي سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين آمنين غير خائفين أحداً من المسلمين بحرب ولا سبي ولا قتل ولا أسر. وأختلف العلماء في كيفية هذا التأجيل وفي هؤلاء الذين برئ الله منهم ورسوله. فقال محمد بن اسحق وغيره: هما صنفان من المشركين أحدهما كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر فأمهلهم تمام أربعة أشهر والآخر كانت مدة عهده لغير أجل محدود فقصر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه، ثم هو حرب بعد ذلك لله ورسوله وللمؤمنين، يقُتل حيث أُدرك ويؤسر إلا أن يتوب. وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من شهر ربيع الآخر. وأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم)(تفسير القرطبي-الجزء الثامن ص 65-66. القاهرة: دار الحديث). وهكذا فإن العهود قد أجلت أربعة أشهر، ثم أحكم السيف في رقاب المشركين، واليهود، والنصارى، ونسخ بذلك الإسماح، كما نسخت المواثيق والعهود. ولقد قامت الشريعة على القرآن الناسخ، ولهذا حين يحتج دعاتها بالقرآن المنسوخ، يكون هذا ضرباً من التضليل.
    ومن التضليل أيضاً، ما زعمه د. الطيب، من أن وثيقة المدينة كانت (أساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات) بين المسلمين وغيرهم من اليهود والمشركين والمنافقين. والحقيقة أن مثل هذه المساواة، لم تحدث قط على مستوى الشريعة. فلم يولَ أي من المشركين، أو اليهود، أو النصارى، منصباً في الدولة الإسلامية، ولذلك لم تكن حقوق المواطنة مكفولة لهم. وحين وصف الله وضع المؤمنين، بقوله (وَلِلَّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، فإن هذا يعني ضمنياً، أن غير المسلمين نصيبهم الذلة والمهانة.
    صحيح أن د. الطيب زين العابدين، قد كتب مؤخراً، في نقد حكومة الإخوان المسلمين الحاضرة. ولكنه فعل ذلك، بعد المفاصلة، والخلاف، وظهور الوطني والشعبي، وما بينهما من الجماعات الخارجة عليهما. وكل ذلك لم يكن خلافاً حول فكرة، أو مبدأ.. وإنما كان صراع مصالح، ومناصب، وغنائم. وحين التقت المصالح اليوم، جلسوا جميعاً إلى مائدة الحوار الوطني!!
    ولكن ألم يؤيد د. الطيب حكومة "الإنقاذ" في بداية التسعينات، وما بعدها، حين صادرت الصحف، وحلت الأحزاب، ووضعت الشرفاء في المعتقلات، دون محاكمات، ومن بين هؤلاء الأستاذ كمال الجزولي نفسه؟! ألم يكن د. الطيب يعرف "وثيقة" المدينة في ذلك الوقت ؟! لماذا لم يطالب حكومته، بتطبيقها على المخالفين لهم، من أبناء الشعب السوداني، بدلاً طردهم من وظائفهم، بحجة الصالح العام، وتشريدهم، وتعذيبهم في "بيوت الاشباح" ؟!
    يقول الأستاذ كمال الجزولي (ولئن كانت الديمقراطية مفهوماً دنيوياً بامتياز فإن الشورى بلا أدنى شك مفهوم قرآني)(المصدر السابق). والذي أريده للأستاذ كمال الجزولي، ولغيره من المثقفين السودانيين، هو أن يعلموا أن مفهوم الديمقراطية مفهوم قرآني، وإن لم ترد الكلمة نفسها في القرآن!! فالقرآن قد نزل على مستويين، قال تعالى في ذلك (الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد) ومن هذه المثاني، أن أصول القرآن قد نزلت في أول العهد بمكة، وأن فروعه قد نزلت في آخر العهد بالمدينة. وفي مستوى القرآن الاصل – القرآن المكي، قال تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)، وهذه هي الآية التي نهت النبي صلى الله عليه وسلم، على كمال أخلاقه، من السيطرة على عبدة الأوثان من الجاهليين!! وهي حين نهت النبي الكريم، من السيطرة، دلت على أنه ليس هناك رجل هو من الكمال، بحيث يعطى الحق في السيطرة على الآخرين .. ولا يمكن رفع السيطرة عن كل الناس، إلا إذا أشركوا جميعاً في حكم أنفسهم، وهذا لا يتأتى إلا بالنظام الديمقراطي. ومن هنا، فإن في هاتين الآيتين يتضمن مفهوم الديمقراطية. ومن أسس الديمقراطية، حرية الاعتقاد، وقد جاءت أيضاً في القرآن المكي، في قوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). ولكن أصول القرآن قد نسخت بفروعه، لأنها كانت أكبر من طاقة المجتمع في القرن السابع الميلادي. ومن قرآن الفروع، آية السيف التي نسخت الإسماح، فصادرت حرية الاعتقاد .. وآية الشورى التي دعمت الوصاية، التي تقوم عليها الخلافة، فصادرت رفع السيطرة، الذي تقوم عليه الديمقراطية.
    وليس هنالك سبيل لعودة الإسلام، في مستوى العصر، إلا ببعث قرآن الأصول، وتحكيمه في حياة الناس .. وهذا ما أسماه الأستاذ محمود محمد طه، تطوير التشريع الإسلامي. وكل دعوة للإسلام لا تعتبر أمر التطوير، لن تبلغ منه طائلاً. وكل مثقف، يخوض في أمر الإسلام، ثم ينصرف عما قدمه الأستاذ محمود، فسيقع في براثن فهم الاخوان المسلمين .. أقرأوا إن شئتم (فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)
    د. عمر القراي
                  

10-22-2015, 01:55 AM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10821

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الشورى ليست ديموقراطية. دكتور عمر القراي � (Re: Yasir Elsharif)

    أهو دا الحوار الراقي والكنا حارنه
    أتمني أن أري قريبا الرد من كمال
    والمساهمة من المشاركين في البورد
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de