صورة هاشم العطا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 08:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-20-2015, 01:15 AM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صورة هاشم العطا

    00:15 AM Jul, 20 2015
    سودانيز اون لاين
    mustafa mudathir-Canada
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين



    (1)
    في كتابه القيم عن الثلاثة أيام الأخيرة في حياة القائد الشيوعي عبدالخالق محجوب أومأ الدكتور حسن الجزولي لأنشطة الرائد هاشم العطا قبل وأثناء تلك الايام بكيفية لا مناص معها للمهتم أو المغروض من أن يستعين بها لتغذية إهتمامه و(دوعلة) أغراضه. وقد
    يسألني سائل، نهتم بمَن ونترك من عند الحديث عن حركة 19 يوليو التصحيحية فلقد تعبأ مشهد البطولة بحضور كثيف لأهلها ودعاتها وتلمظت آفاق السودان كله لفجر ماجد ثم انهار هذا كله تماماَ كشرفة سقطت بكامل وردها*.
    وقرأت الكتاب مرة أخرى بتركيز على اليسير المثير مما أورد حسن الجزولي عن هذا البطل الذي لا زال دمه يغرغر** حاراً في الذاكرة. ولقد شجعني على هذا التجاوز للشخص موضوع الكتاب في القراءة الثانية شيئان. أولهما هو ولعي الغريب بالآخر، المجاور، التالي، الكان مع، الحاضر إلي آخر هذا النوع من الناس بما فيهم اولئك الذين يقفون في الصور وراء الملوك والرؤساء مزيفين كانوا أم أحسن من ذلك. وثانيهما شيئ جنيريك أو متواتر ولا يخلو من طرافة وقد عبر عنه القاص الدكتور بشرى الفاضل في واحدة من قصصه إذ حكى عن أن عزرائيل أتى ليقبض روح مريضة وكان بجانبها إبنها الذي هو أيضاَ مريض فاحتار عزرائيل لأيهما أرسلوه أو كما قال.
    ---------------------
    * العبارة بتصرف هي وصف الشاعر الفذ مريد البرغوثي لموت محمود درويش.
    ** التعبير مستعار من التقديم الرائع للشاعر كمال الجزولي للاستاذ محمد ابراهيم
    نقد في أول مخاطبة جماهيرية للثاني بالميدان الشرقي لجامعة الخرطوم 1985.

    (2)
    لماذا الكتابة عن هاشم العطا دون غيره؟
    سأشرح.
    فليعينني المتابعون في حدود ما سيأتي ذكره.
    تلك الايام التي فتح علينا الآخر* فيها طاقة ملتهبة نتسمع منها أساطير بلا ضفاف عن القيم السامية. ربما باستثناء قِرى الضيف!
    عشت تلك الأيام وكنت أسمع زخة رصاص والدنيا عصاري ثم يأتي من يقول لك: أعدموا ود الريح، أعدموا محجوب طلقة...إلخ. تلك أيام شكّلت نقطة تحوّل هامة في حياتي وربما في حياة آخرين كثر.**
    كانت جامعة الخرطوم، صيف 1971 الحار بشكل استثنائي، مغلقة (للاضطرابات) فكنا متسكعين نجوب أحياء الهاشماب والعباسية وغيرهما وكان يمر مخفوراَ في سيارة حكومية هاشم العطا فنصفق له من على عتبات دكان يماني أو من أمام منزل بلا أبواب.
    كنا نعلم أن هاشم (شالوه) من قيادة مايو وتعاطفنا معه من موقع احساس بغدر أو مثله ليس إلا! كنا منصرفين بجد.
    وجاء يوماً صدقي كبلو إلى منزلنا لأمر له مع شقيقي ثم انتحى بي جانباَ وسألني: وين انت؟ ما قاعد تجي الجامعة مالك؟ تعال النشاط. هناك شغل كويس! وكان صدقي قائداَ مرموقاَ لتنظيم الجبهة الديمقراطية هو والفقيد الخاتم عدلان.
    فذهبت النشاط ومن ديك وعيك! شغل شديد!
    رجعت لكتاب الجزولي بنية قراءة متأنية لأن هاشم العطا لفت نظري بكيفية مختلفة هذه المرة وفي ظني أن رواية حسن الجزولي، كما قد يتوقع صائباً القارئ، فيها دراما كافية لشخص أصلاً محتال على الموضوع. ومقاربتي للمحات هاشم العطا في الكتاب هي تلبية لرغبة قديمة في حساب كمية الطاقة to quantify في ما ماقام به هاشم مما أُطلق عليه تسرع واستعجال وكمان ذهب آخرون للقول باضطرابه وخوفه. ولكن شبه لهم!
    ليس وحده الذي أعنيه بهذا الخيط، هذا الرصد للركض، بل هنالك محاولة للبحث عن اسباب أخرى لركض هاشم العطا، أعلن للقارئ منذ الآن انها قد تبدو شاطحة. تبدو!
    -------------
    * قوى مايو واليمين وطغاة و قتلة.
    ** بلا احصاء، كسب الحزب عضوية جديدة رغم أنها ليست بالزخم الذي حدث بعد أكتوبر 1964.

    (3)
    كانت 19-22 يوليو ماراثون هاشم العطا الذي جراه.
    كان هاشم اسطوانة معبأة في صيف ذلك العام الملتهب تدحرجت على مدى الماراتون (42 كيلومتر) في 72 ساعة. فاحسب، بربك، فداحة أن يرتد خيالك في حمى انعطاب المآل. أن يرتد خيالك في فوضى الحصاد. هل كانت هي يوسانازيا الأمل؟ وإنهم، فقط، يقتلون الجياد؟
    كان هاشم يركض رافعاً شعلة في شوارع المدينة.
    ولم يصطف على جانبيّ الطريق من يمتد منهم ساعد ليمضي بالشعلة للامام.
    قالوا كان مضطرباً وخائفاً وأنكروا عليه الرهق والإعياء.
    ولو!
    فهو قد أذاع بيانه على أي حال وقال بالتصحيح. وهذي تسمية للحركة لا تتنكر للبدايات. لا تقول ببداية جديدة. هو أسدل الستار بضربة سريعة على اطار النظام فمن يبدأ الفصل الجديد؟
    ما هو راجح أن هاشم العطا لم ينم نوماً هانئاً منذ 16 11 1970 ولشهور سبقت بداية الماراثون. فقد أُقصي في ذلك التاريخ هو وإثنان من أعضاء قيادة مايو بتهمة التخابر مع عبد الخالق محجوب. وكان واضحاً أن من أقصوهم يبيتون النية للتخلص من شريك رئيس في صناعة سودان بتوجه تقدمي وهو الحزب الشيوعي السوداني. وسنرى أن عبدالخالق نفسه تم تغييبه عن واقع البلاد بنوايا يتعذر القول بحسن مقاصدها. وأن وضعه رهن السلاح كان بوجهٍ ما مساومة جبانة من أجل ضمان بقاء النظام.
    فهاشم شغله السؤال كيف يعود التيار الذي يمثله هو ورفاقه الى موقعه من السلطة؟ واختار هو الاجابة التي تأكدت فيما بعد صحتها ولو لثلاثة أيام.
    فلنبدأ إذاً بمسألة أهمية تهريب عبد الخالق من معتقله العسكري والتي أرى أنها كانت نقطة هامة بالنسبة لهاشم ولكن نظري يتقاصر عن رؤية سلامة مسوغاتها.
    لماذا كان هذا أمراً هاماً يستدعي تحقيقه مشاركة شخص في وزن هاشم العطا نفسه وبكيفية تنطوي على قدر هائل من الخطورة على الحركة برمتها؟ لماذا لا يأتي تحريره بعد نجاح الحركة؟ ما حاجتهم لعبد الخالق المدني في عملية عسكرية؟ واذا كان وارداً خطر أن يتعرض عبد الخالق في معتقله لخطر التصفية (من خالد حسن عباس أو غيره) أو يقضي تحت نيران مقاومة للحركة فهذا يعني أن الحركة نفسها لا مسوغ لقيامها لغلبة احتمالات فشلها!
    ماهي دوافع هاشم في تنفيذ خطة مخيفة كهذه. فهو لم يقم بتنفيذ تهريب عبدالخالق بقيادة سيارة التنفيذ بنفسه فحسب بل بإخفائه عبد الخالق في القصر الرئاسي!
    وستكون دهشتي أكبر لو تأكد لي أنه كان، أثناء ذلك، مرتدياً الزي العسكري .
    ----------------------------
    (4)
    قلت إن مقصد هذا الخيط هو رسم بورتريه وجداني لهاشم العطا من منطلق إحساس شخصي بالإعزاز لهذا الرجل والصحيح أو الأقرب هو رسم بورتريه وجودي لأني إزاء شخص حقيقي ولا تجريد فيما أنتوي. وقبل أن أعود لطرح الاسئلة المعمِّرة عن حركة هاشم العطا وفي صدارتها أسئلة متعلقة بنشاطه هو قبل وأثناء الحركة أرى أن من الممكن طرح قراءات جديدة لهذا الحدث الهام في تاريخ السودان. قراءات لا يثيرها النظر السياسي المحض لذلك الزلزال الذي عبَر طوبوغرافيا الوطن لتسكن بعده البلاد تحت جحيم الشمولية إلى يومنا هذا. أقول قراءات لا يثيرها النظر السياسي المحض لأن النظر السياسي تقاصر عن إستجلاء وإيفاء هذه الفترة من تاريخنا المعاصر حقها وذلك للطبيعة المزايدة "للسياسي" في مقابل "الانساني" أو "الإجتماعي".
    يقودني فحص مسوّغات تهريب عبدالخالق من معتقل سلاح الزخيرة لاستنتاج أن الدافع الوحيد ليس سوى إعزاز لعبد الخالق وحرص عليه كزعيم رغم أن أغلب الروايات تقول إن هاشماً بدا متهرباً فيما بعد من مقابلة لعبدالخالق واللجنة المركزية للحزب الشيوعي كان مضروباً لها موعداً يوم يوليو 19 نفسه كما إن عبد الخالق نفسه سخر وذم هاشم في ما بعد بقوله إستعجلتم أو بقوله إن الحركة عبارة عن جنازة بحر. ويضاف لهذه الاقوال غير المثبتة ذلك الحوار السيريالي الذي يشاع أنه تم بين الرجلين حيث سأل عبدالخالق هاشم في ساعات مغرب الحركة أين دباباتك فرد هاشم: وأين جماهيرك!
    في رسالة لصلاح مازري عضو اللجنة المركزية للحزب، حسب ما أورد حسن الجزولي في كتابه "عنف الباديىة" كتب هاشم العطا "....وانا لاستطيع التصرف لان ناس المخابرات مضايقني شديد وأنا خائف على عبدالخالق شديد واذا كنت موجوداً في مصنع الذخيرة لن يستطيع أحد أن يمسه بسوء. أرجو أن تتصرفوا لاخراجه قبل عودة خالد حسن عباس من الخارج". فماهو التصرف الذي كان ينتظره هاشم سوى إقتناع اللجنة المركزية بالموافقة
    على تهريب عبدالخالق. وكان هاشم، بصحبة آخرين، قد زار عبدالخالق ربما لأكثر من مرة في معتقله العسكري مما أغضب عبدالخالق.
    يزور هاشم عبدالخالق في معتقله وهو نفسه مراقب ومضايق من المخابرات. فإما أن رجال مأمون أبوزيد كانوا نائمين أو أن تنظيم الضباط الشيوعيين لم يستطع الحد من حركة هاشم أو أن هاشم أطلق العنان لجرأته الأمر الذي يبدو لي أقرب إلى الصحة لأن هاشم منذ إقالته من مجلس قيادة مايو كان كثير الحركة رغم أنه كان متابعاً متابعة لصيقة. وعلى الاقل رأيته أنا بعينيّ أكثر من مرة داخل عربية هنتر حكومية وبالزي العسكري!
    رب قائل إن المسألة أبعد من وفاء لزعيم وأن هاشم كانت له أهداف شخصية ترتكز على رغبة في الانتقام من رفاق الأمس الذين طردوه من الخدمة بسبب علاقته، المعروفة لهم سلفاً، بعبد الخالق وحزبه. لكنك لا يمكن أن تتوقع من شخص طامع في إستعادة موقعه في السلطة أن يعود لها بصفة الرجل الثاني. فهو قد أعلن بعد أن هزم صلف نميري وصحبه وأستلم السلطة أنه الرجل الثاني في مجلس قيادة حركة التصحيح. بل وأنه كان في وقت سابق للحركة قال لرفاقه بابكر النور وفاروق حمدالله أن يبقيا في لندن للعلاج وهو سيعمل كل شئ ويستدعيهما بعد ذلك!
    لماذا كان هاشم العطا واثقاً من نجاح فعل الإنقلاب لهذه الدرجة؟
    ---------------------
    (5)
    لفت نظري في تقصي ودراسة تلك الجوانب المتاحة من شخصية البطل الشهيد هاشم العطا أنه كان شخصاً عاطفياً يبذل الهم والنصب تجاه الآخرين من حوله. ودوننا حالة القلق الواضح من جانبه تجاه مصير عبد الخالق في معتقله العسكري. كما وأن مواقف أخرى تظهر تحليه بالشهامة والمروءة. وهناك صفات أخرى توفر على دراستها أحد مسئولي مكتب المصالح الامريكية بالخرطوم. فالسيد كيرتس موور وصف هاشم بأنه ذكي ولكنه غامض وزلق! ولعل هذه الصفات الأخيرة هي ما يفسر نجاح تحركاته من بعد وضعه في الاقامة الجبرية وحتى نجاح خطته في 19 يوليو. وعلينا أن نتأمل مقدار الضغط النفسي الذي أحدثته عليه مسارات الاحداث اللاحقة لإقالته ورفاقه من قيادة مايو وعلى رأس هذه الضعوط يبرز النقد الحاد الذي تعرض له من بعض قادة الحزب في أنهم، أي هاشم ورفاقه، لم يحركوا ساكناً بعد إقالتهم ولم يصدروا بياناً لتوضيح حقيقة إنقلاب 16 نوفمبر الذي أطاح بهم. مع إن ما تطلب التناول هو المشهد السياسي بأكمله قبل وبعد إقالة ضباط الجبهة الوطنية الديمقراطية.
    إن الصدور عن نفس جياشة مضافاً إليه الصفات الابجابية الأخرى توفر عند صاحبها ما يكفي من المقدامية والمضي لكي يقتحم الآفاق والمغالق متى ما توفرت محرضات من مثل ما أوردنا.
    يتضح على مستوى التخطيط للحركة أن هاشماً إستبق رفاقه بابكر وفاروق، على الأقل في جزئية ساعة الصفر، وكان قد إتفق معهما على أن لا يقوم بشئ في غيابهما. كما وأن عضواً آخر هاماً في تنظيم الضباط الشيوعيين في القوات المسلحة وهو المرحوم محمد محجوب عثمان ذكر في كتابه أن هاشماً قال له وهو يودعه قبل سفر الأول إلى المانيا: أرجو أن لا تضطرنا الظروف للتحرك في غيابكم.
    إذاً هاشم تخطى أهم أشخاص في تنظيمه من حيث الوزن السياسي! فلا بد أنه كان واثقاً من نجاح حركته.
    إن أسئلة الدوافع لا تني ترفرف عند كل منعطف لإنقلاب هاشم العطا. وإن هذه التسمية إنقلاب هاشم العطا تبدو لي الآن ولأول مرة منزهة من كل ذم وقدح. تبدو كفعل لصيق بفاعله!
    و......

    كان اليوم التاسع عشر ،
    دقات الساعة أنَت أربع مرات ..
    الزمن الأول ..
    الزمن الثانى ..
    الزمن الثالث..
    والزمن الرابع ..
    الزمن الوهج .. الزمن المازوت ..
    الزمن الغائر بعد الظهر
    الزمن النسر
    اندفع الى الأضلاع ، الى الأعراق ، الى الحدقات
    لمّا جلجل ساحُ القصر
    وانهمر الصحو يرش الفرح المجهد
    فى الطرقات ..
    هذا فجر العيد تدلى فى ..
    فى الآفاق مشانق ،
    الباشق حلق فى اثر الباشق ،
    وتهاوى النجم رواشق !

    كمال الجزولي
    -------------------------
    (6)
    بينما كان هاشم يبدّل ملابسه المدنية بتلك العسكرية في إحدى حجرات القصر الجمهوري الذي دخله هذه المرة في وضح النهار وليس كما فعل حين أحضر عبد الخالق تحت جنح الظلام قبل حوالي العشرين يوماً. بينما كان يبدل هو ملابسه كان المقدم عثمان أبو شيبة قائد الحرس الجمهوري يشرح للجنود مهماتهم في الانقلاب وذلك بعد أن بشرهم بأن قائد الإنقلاب هو الرائد هاشم العطا. ويقول بعض من عاشوا تلك الأيام أنهم اطمئنوا لنجاح العملية كون قائدها معدوداَ بين ضباط التكتيك المهرة.
    تحركوا بقوة قليلة العدد بسيطة التسليح والتفوا على صعاب توقيف الاسلحة العتيدة قي نواحي العاصمة المثلثة برشاقة وبثقة مصدرها قادة ميامين، أحبوا وأحبهم جنودهم. إعتمدوا على عنصر المباغتة والسرعة التي أخفت ضعف أساسهم العسكري فهم لم يكونوا أكثر من حرس للقصر الجمهوري استقوى بذكاء قائده الفذ العقيد عثمان أبو شيبة الذي استطاع أن يستجلب لحوزتهم عدداً من الدبابات وأن يلم تحت قيادته مهام حراسة اعضاء قيادة مايو!
    ولكن دعنا من ذكاء أبو شيبة الذي لا يخفى على متأمل لتلك الأحداث.
    دعنا نعود لمشهده هو نفسه وهو يعد جنوده للحركة ويعلن لهم أن قائد الحركة هو الرائد هاشم العطا. أي أن القائد برتبة أقل برتبتين من رتبته! هذا أمر لا يفهمه المدنيون لما عرفوه من صرامة العسكريين في مسائل الترتيب والرتب. ويمكن لهذا الاندهاش أن يتعاظم عندما نتذكر أن قادة آخرين برتبة العقيد والمقدم قد رضوا، بل وماتوا جراء هذا الرضا، أن يقودهم من هو أقل رتبة منهم. نذكر هنا بكثير إعزاز المقدم محمد أحمد الزين الذي قضى متمترساً خلف سلاحه دون أن يستسلم حين دارت الدوائر. هؤلاء الرجال ماذا كان يعني هاشم بالنسبة لهم؟ وإن لم يكن هاشم نفسه فأي إيمان هذا الذي قادهم نحو حتومهم بشجاعة وبهاء يعلق أبداً في الذواكر؟!
    عند دخوله القيادة العامة أمر هاشم جنوده أن يأخذوا رئيس هيئة الاركان، وكان في آخر ساعات دوامه العادي، إلى منزله لخوفه أن تعترض الرجل نقاط التفتيش التي نصبها هو ورجاله. وهنا مهلاً قارئي فالرجل الذي حرص هاشم على سلامة وصوله لمنزله هو رئيس هيئة أركان الجيش!
    ثم تابع هاشم ركضه في نفس تلك العصرية الملتهبة التي وصفها الشاعر كمال الجزولي أعلاه. ركض هاشم نفس ركضه القديم الذي تأنسه مهجة ُالمتأسي ويغدو مع تسارع الأحداث ضمانة الإثارة المكينة! ركضَ هاشمٌ يبحث عن من يقول في المقام الذي انشأه المقال الذي يليق ويترك له هو حرارة الفعل. وفي الحقيقة كل هؤلاء الضباط فعلوا ما عليهم بحنكة وجدارة ولم يكن لهم مقال في ما تلى من ساعات وحتى أفولهم.
    بدا ركض هاشم كأنه إيقاع تستخزي أمامه تكتكات الساعة.
    قال عبدالخالق: العسكريين ديل عملوها وعايزين يحملونا الباقي!
    وقال الشفيع لمن بعثه له هاشم: قول ليهو إنت لو ما عارف تكتب بيان عامل إنقلاب ليه؟!!
    إنتقل هاشم في تلك العصرية من 19 يوليو في عدة مواقع من العاصمة وبعث من يعينه في الحصول على ساسة الواقع الجديد! طال ركضه وشوهد في أكثر من مكان. دلف لدواخل بيوت يعرفها فهالهم زيه الرسمي لكنه أعلنها لهم بهدوء أنه استلم السلطة!
    كانت أحداث يوم 19 يوليو أكثر مما يمكن أن يحتمله جسد آدمي. فبجانب فعل الانقلاب كان على هاشم أن يمثل أمام اللجنة المركزية في إجتماع مضروب له نفس هذا اليوم والغرض منه أن يشرح هاشم خطته في تغيير السلطة. وهنا ينهض سؤال. اللجنة المركزية تريد أن تجتمع بهاشم وهاشم وحده. ألا يبدو أن هناك شيئاً غير عادي في هذا الأمر. هب أن ذلك الاجتماع كان ممكناً فكيف يبدو حجم التكليف المناط بهاشم كفرد؟
    فهو عضو في تنظيم كان أهم ثلاثة أشخاص فيه، كونهم حلّقوا في المشهد السياسي، خارج السودان. لم يحضروا أصلاً! بابكر وفاروق ومحمد محجوب! وكان هناك عقداء ومقدمون أعضاء في نفس تنظيم هاشم ولكن كان على هاشم وحده أن يشرح للجنة المركزية ما ينوي فعله. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن قيام الانقلاب في نفس اليوم الذي كانت ستُناقش فيه جدواه هو من ألغاز ذلك الحدث الجلل.
    لم يدر أحد من أين أتى هاشم ببيانه الذي تلاه على الملأ متأخراً جداً.
    قال الشفيع هناك تعابير تشبه تعابير عبد الخالق.الشفيع لم يكن يدري من كتب بيان الانقلاب ومع ذلك سيق إلى المشنقة. وعبدالخالق الذي سخر من العملية كلها وقال لهاشم لماذا استعجلتم سيق هو الآخر للمشنقة بعد محاكمة أبلى فيها بلاء الابطال أصحاب الرؤية والبصيرة.
    ومع سطوع حقيقة الذهول الذي أحدثه هاشم في نفس قادة حزبه كمعضد لبراءتهم مما اتهموا واعدموا بسببه تقف أفعاله هو أسطع من أن يتخطاها المرء عند إعادة قراءة تلك الاحداث. لكأنه كان يبحث عن من يتعرف على جهده ومنجزه.
    -------------------
    (7)
    ما أذكره عن اليوم الثاني للانقلاب يقع، حتماً، أسفل قائمة طويلة يتعين على رجل إستلم السلطة لتوه أن ينفذها. فلقد دلف هاشم على مكاتب جريدة القوات المسلحة يتفقد المواد التي ستنشرها الجريدة في أعدادها القادمة! فبحق السماء ما الذي يمكن أن يفعله قائد إنقلاب في مكاتب جريدة في اليوم الثاني لانقلابه؟ وطوافه الصحابي هذا
    بمكاتب الجريدة ذكرني بما حكاه عنه أحد الاصدقاء من أن هاشماً دخل عليهم يوماً في دار الحزب ببيت المال وكانوا ساعتها يخطون اللافتات لمناسبة ما فأثنى على جهدهم وتركهم فاغري الافواه. قال لي ذلك الصديق لم أتوقع أن يقترب مني عضو مجلس ثورة ويشيد بما أفعله! كان ذلك قبل تنحيته من قيادة مايو.
    الشئ الثاتي الذي إقتطع له هاشم عددا معتبراً من ساعاته الإثنتين وسبعين هو أنه طاف على أسر المعتقلين من خصومه العسكريين يطمئنهم أن لا مكروه سيحدث لهم. ويأتي، بعد ذلك، من يتهمه بأنه أصدر الأمر بقتل نفس هؤلاء المعتقلين بعد ساعات. فالزمن بين الحدثين لا يكفي لأن يفكر المرء في أن يفعل نقيض ما يعتقد ناهيك من أن ينفذ هذا التفكير.
    هكذا أعدد مآتر الرجل وهو يُزَفُ عريساً للتضحية والثبات. فلقد خطا هاشم وهو في آخر ساعاته ووقته سيف، وليس كالسيف، من مأثرة لأخرى.
    استفسره ضابط كان محالاً للمعاش ورغب في المشاركة في الانقلاب عن الرتبة التي يرتديها فسأله هاشم عن الرتبة التي أحيل بها للمعاش منذ سنوات فقال له ملازم فقال هاشم إلبس إذاً ملازم.
    عرض عليه بعض رفاقه أن يستخدموا الطائرات لوقف زحف الدبابات المضادة لهم فرفص هاشم وقال لهم الطيران سلاح منطقة لا يفرّق بين مدني وعسكري فلا مجال لاستخدامه وعلينا أن نتحمل مسئوليتنا.
    وقد كان.
    -----------------------------
    (8)
    بعد عقدين أو ثلاث من استشهاده قالت هند هاشم العطا عن تلك الايام التي كانت فيها طفلة صغيرة:
    " الحياة قطار يتحرك على نحو قدري بالأحداث الجسام في حياة الشعوب، فمن الحكمة والمنطق والعدالة العمل على تدوين وتصوير دوران ماكينة التاريخ في المسار الذي يخدم الحقائق ويصحح الملابسات."
    وكلي ثقة في أننا بكتابة المناقب وإقتفاء المآثر سنقع على أهم ملامح الشخصية السودانية ونقف بما تزوّدنا به المناقب في وجه إعصار يستهدف محو تلك الملامح.

    انتهى
    أول كتابة لهذا الخيط في 18 يوليو 2010.


                  

07-20-2015, 01:44 AM

Hamid Elsawi
<aHamid Elsawi
تاريخ التسجيل: 09-22-2005
مجموع المشاركات: 3450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صورة هاشم العطا (Re: mustafa mudathir)

    شكرا مصطفي
    حقيقة هناك كثير من الغموض
    و التزييف لتلك الحقبة.
    المجد و الخلود للشهيد هاشم و رفاقه الابطال
                  

07-20-2015, 09:02 AM

اسماعيل عبد الله محمد
<aاسماعيل عبد الله محمد
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 2816

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صورة هاشم العطا (Re: Hamid Elsawi)

    دائماً ذوي الملامح الإفريقية هم الصادقين في حمل لواء الثورة والانعتاق فلا يهابون الموت في سبيل تحقيق المباديء الثورية الحقة.
    علي عبداللطيف
    هاشم العطا
    جون قرنق
    بولاد
    خليل
                  

07-20-2015, 11:01 AM

محمد الكامل عبد الحليم
<aمحمد الكامل عبد الحليم
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صورة هاشم العطا (Re: اسماعيل عبد الله محمد)

    تحية


    لا لون للنضال ...هو جذوة بيد المناضلين في كل مكان ...منذ ازلية الفعل الناجز ضد الظلم والطغيان حتي عصر الثورات من احراش بوليفيا وما خطه جيفارا الي احراشنا الافريقية حيث مانديلا وتاريخ جديد...


    لن تنطفئ قناديل هاشم التي حملها بدمه مهرا.

    من قال لا يوم للثورة الوطنية واهم ..
                  

07-20-2015, 11:13 AM

خالد العبيد
<aخالد العبيد
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 21983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صورة هاشم العطا (Re: محمد الكامل عبد الحليم)

    لن تنطفئ قناديل هاشم التي حملها بدمه مهرا.
                  

07-20-2015, 02:28 PM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صورة هاشم العطا (Re: خالد العبيد)



    حامد الصاوي
    اسمعيل عبدالله
    محمد الكامل
    خالد العبيد
    تحية لكم على التفاعل
    بقدر ما يلف الغموض جوانب من حركة هاشم العطا التصحيحية هناك الكثير مما هو يكشف بعض أبعاد شخصية البطل السوداني، هنالك أكثر من
    الملامح الأفريقية وأكثر مما جاد به تحليل الحزب نفسه. وقد أتى وولى اليوم الذي ينبغي لكل شيئ أن ينكشف فيه. والأبطال ليس عندهم ما يخفونه.

                  

07-20-2015, 03:43 PM

usama Babiker
<ausama Babiker
تاريخ التسجيل: 01-07-2013
مجموع المشاركات: 2285

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صورة هاشم العطا (Re: mustafa mudathir)

    Quote: دائماً ذوي الملامح الإفريقية هم الصادقين في حمل لواء الثورة والانعتاق فلا يهابون الموت في سبيل تحقيق المباديء الثورية الحقة.


    هاشم العطا شايقي سوارابي جلابي من وادي بشارة ريفي ودحامد ..بعدين الشفيع احمد الشيخ ... وعبد الخالق محجوب .. والاستاذ محمود محمد طه ديل ماتو في ميدان عقرب ...

    (عدل بواسطة usama Babiker on 07-20-2015, 04:35 PM)

                  

07-20-2015, 05:44 PM

محمد الكامل عبد الحليم
<aمحمد الكامل عبد الحليم
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صورة هاشم العطا (Re: usama Babiker)

    jتحية

    لا مجال لأزقة ضيقة نحاصر فيها المساومين....نكون معا في فضاء الهم الانساني حين تتجاوب اهازيج الثورة مع شعرائها ...(.أي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها.)...قالها علي عبد القيوم في صحوة المشهد والأبطال يموتون والأبتسامة والنشيد شاراتهم نحو الخلود...يقف الثائر الحقيقي الي جوار رفقة البحث عن ضوء تكسونا فيه ملامح المجتمع الحر....علي.. صحن واحد تلتف اصابعنا ... حين قال هاشم قولته كان في شوقه نشيد المزارعين والعمال...يخرج من جرابهم حزنه ... تتماهي عزتهم مع خوفه عليهم... لذلك قفز من الحافلة قبل رفاقه الأخرين بقراءة الصدام لا التصميم....تصميم الجمع لا الطرح..فاصبح المشهد ناقصا الي حين..

    (عدل بواسطة محمد الكامل عبد الحليم on 07-20-2015, 05:45 PM)
    (عدل بواسطة محمد الكامل عبد الحليم on 07-20-2015, 05:56 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de