|
لا أحد سيفتقد الثمرات الثلاث
|
01:15 PM Apr, 30 2015 سودانيز اون لاين ابو جهينة-السعودية _ الرياض مكتبتى فى سودانيزاونلاين
( إلى الثالوث الذي لا يفترق ، المواطن والوطن والولاء : ثمرات ثلاث تتدلى من على أغصان وفروع شجرة شاربة من سلسبيل النيل )
أيّهُم تقاعس ولو قيْد أنْمُلة، فإن إنفراط عقد هذا الثالوث لا محالة واقع ...
و إياكم أعني أيها الثالوث :
***
ذات عاصفة مباغتة .. و ظلامٌ دامس يحجب الرؤيا .. سقطت ثلاث ثمرات من على غصن الشجرة المتخم بالثمار ...
( الفجيعة المضاعفة .. تلجم ألْسِنة الحزانى .. و تجعل أفواه النواح خرساء ..فيذرفون دماً بدلاً عن الدموع )
***
إحدى الثمرات كانت قد غزتْها جحافل من أنواع النمل والعناكب.. فتركتْها خاوية من الداخل .. بينما خديها يحتفظان بشيء من توردهما .. خاوية إلا من ألياف تتمسك بأهداب نواة الثمرة ... كأنها تستجديها نفْخ الروح فيها من جديد . تراخت عنها أصابع الشجرة الأم .. فما احتملت قوة الرياح العاتية .. بينما راحت الشجرة تناشد الأوراق والأغصان أن تزود عن فلذاتها .. فهي بالكاد ينوء جسدها بكل هذا الحِمْل ..
حينها يقول التاريخ : (مَن يكون في الملمات ضعيفاً لا حول له و لا قوة .. ثم مضطراً يناشد مَن هو أضعف منه .. تتداعى إلى نفسه أمواج الإحباط في درجات متفاوتة وتتنازعه ومضات الأمل كبريق عيني وحش جريح في حلكة الظلام .. يروم يد المساعدة و في نفس الوقت يتحاشاها لعلمه بأن الطالب أضعف من المطلوب)
وبينما كانت الرياح تراوغ الأوراق وتمرق من بينها .. محدثة صفيراً متدرجاً.. استغاثت الثمرة بأخواتها ... و لكن الثمرات كن مشغولات عنها باجترار الرحيق الجاري في عروقها حتى الثمالة التي أفْقدتْها الإحساس بمن حولها .. ولاهيات بالعبق المستشري في المكان من قشورها... يتمايلن في لهو طفولي مع حركة الرياح .. يحْسِبْنه مرحٌ بريء. فسقطتْ الثمرة و هي تنادي أمها الشجرة ... و لكن صوت الريح كان أعلى .. فضاع النداء كصرخة في وادٍ.. أدركتْ الشجرة أن الثمرة قد هلكت و لا رجاء في عودتها ... فانصب اهتمامها على باقي الثمار ...
فيقول التاريخ : ( لا يعرف أحد إلى يومنا هذا كيف يكون شعور الإنسان يهوى إلى قدره المحتوم ... مواجهاً الموت والهلاك و هو ينادي مستغيثاً و كل مَن حوله لا يسمع و لا يحس أو يصطنع ذلك ..)
***
و الثمرة الأخرى .. منذ أن بدأتْ برعماً عند منحنى الغصن .. كانت تعاني من مشكلة في النمو و مجاراة أخواتها في الشَب عن الطوق والتشبع بمختوم عصارتها... ضعيفة .. و مهددة بالسقوط بين لحظة و أخرى. أفزعتْها قوة الرياح .. التصقت بثمرة قربها كانت في عنفوان أيام قطافها .. فأبعدتْها بلكزة ساعدتْها الرياح على زيادة قوتها .. فسقطت قرب الثمرة الأولى .. حاولتْ أن تزحف نحوها طلباً للحماية .. فتدافعت جموع النمل نحوها .. مختزلة جهد الطلوع إلى الأعلى .. وغطتْها بالكامل تمتص ما تبقى من حياتها.
يقول التاريخ : ( الضعاف من بني البشر .. الضعاف فقط هم الذين يراهنون على الإستقواء بالعشيرة .. فقد اختلط حابل الحق بنابل منطق القوة ).
***
الثمرة الثالثة ...
أصابتْها مخالب طائر ليلي لم يحسن الالتقاط ... فرفرف بجناحيه .. وأطلق صيحة الخيبة وأنطلق مارقاً من بين الأشجار ... يروم ثمرة أخرى تطالها مخالبه .. وبجرحٍ غائر على جنبها ... سقطتْ هي الأخرى .. تنزف رحيقاً اختزنته طوال الصيف ...تنتظر قدرها المحتوم
يقول التاريخ : ( وقوع المصيبة .. و لا انتظارها ...)
*** وانقسمت جحافل النمل بين متسلق ساق الشجرة .. و بين متحلق حول الثمرة المريضة .. و بين مهرول إلى هذه التي تلفظ عصارتها .. بينما جرحها يغري الجحافل بالولوج إلى لب الثمرة عبر هذا الرحيق المندلق. سقطت الثمرات .. بالقرب من ساق الشجرة الأم .. التي تقف كأن الأمر لا يعنيها في شيء ... استسلام لحزن أبدي .. وركون إلى القدر المحتوم .. و فجيعة تتكرر كل موسم .. حتى تحجَّر قلبها فصار أقسى من ساقها التي تغطيها طبقات لحاء خشنة .. فالثمار لا محالة مقطوفة عنها الواحدة تلو الأخرى .. تقف وسط هوج الرياح .. كجبل راسخ ... تنتظر انتهاء أغصانها من الثمار .. تترقب خسارتها لفلذاتها .. بهلع لا يجديها نفعاً حيث لا نصير ... لتبدأ مخاضاً جديداً .. برعماً برعماً .. بتْلة تلو البتْلة .. زنبقة بعد الأخرى .. ثمرة إثْر ثمرة ... تحس بها تُثْقِل كاهل أغصانها وفروعها .. تستقبل أرتال الفراشات و ممالك النحل و جيوش النمل ... يزورها زوار الليل أنواعاً من الوحش و الطير يحتك بها دون مَنٍ منها أو أذى .. فتفقد لحاء ساقها .. طبقة من بعد طبقة .. لا تعرف إلى أي حدٍ وصلتْ شرايين جذورها ... و لكنها على يقين بأن حدود جذورها آمنة .. فتبقى سعيدة بأن جسدها يتلقى منها العرفان فيمدها بأسباب بقائها ونضارتها .... تهدأ الريح .. و لكن إلى حين .. ثم تنجلي معركة الليل غير المتكافئة .. تنتشي الثمرات المتدلية مع أولى قطرات الندى المنزلقة على خدودها .. وتنثر الفراشات ظلالاً من الألوان من أجنحتها الزاهية .. و مع أهازيج العصافير.. وأصوات هرولة الأوراق الجافة بين سيقان الأشجار .. لا يفتقد أحد الثمرات الثلاث... و كأنها لم تكن ... فبعد حين .. ستتدلى ثمرات وثمرات .. لا تعرف مَن كان قبلها .. و مَن سيأتي بعدها .. ناموس الحياة الأزلي ...
*** إضاءة خارج الغابة :
النسيان ( نعمة كبيرة ) لا نعرف قيمته إلا حينما نجلس في وحدتنا نلوك خيوط الذكرى ..
***
حاشية : كل ثمرة من هذي الثمرات الثلاث تعادل واحدا من الثالوث : المواطن والوطن والولاء للوطن
|
|
|
|
|
|