عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 09:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-05-2015, 09:18 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر..

    02:18 م Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    قالها الشاعر جبران خليّل جبران واصفا بها رسول الحب السيد: جدو كريشنامورتي.
    ننتهز هذه السانحه المباركه (مرور 29 سنه علي وفاة كريشنامورتي) لنلقي بعض الأضواء علي
    أفكاره،.
    السيد كريشنامورتي وصي - قبيل وفاته - بأن لايتكلم أي إنسان بإسمه وأن تقدم أعماله كما هي للناس.

    سأحاول جاهداً .. علي أن أقدم أفكاره للناس كما قالها بالإنجليزيّه أو بترجمتها باللغه العربيّه.
    أكثر إنسان ترجم أعمال هذا الرجل هو السيّد: الإنسان ديمتري أفييرينوس ..

    قبل أن أبدأ تنزيّل أفكاره نلفت نظر الإخوه الأعضاء و القراء الكرام علي أنني مستعد كل
    الإستعداد لأسئلتهم وإستفساراتهم بقدر ماتمكني منه تجربتي البسيطه عند تطبيق أفكار هذا الرجل
    مُشاركاً ، متقصيّاً معه حقائق الوعيّ ومحتوياته..

    للإتصال من خارج سودانيزأونلاين :

    mailto:[email protected]@yahoo.com


    سأبدأ بعون الله تنزيّل معظم أفكاره بهذا البوست لتعم الفائده علي الجميّع ولكن علينا أن نعرف من
    هو جدو كريشنامورتي وفقاً لتعريف مؤسسته بامريكا :




    (عدل بواسطة Mohamed Adam on 02-11-2015, 05:05 AM)

                  

02-05-2015, 09:28 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48781

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    02:28 م Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Yasir Elsharif - Germany
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    سلامات يا عزيزي محمد آدم


    شكرا لك. التعديل لحذف سؤال وجدت إجابته.

    ياسر

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 02-05-2015, 10:13 AM)

                  

02-05-2015, 09:31 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    02:31 م Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ج. كريشنامورتي
    ومؤسَّسة كريشنامورتي في أمريكا
    مارك لي
    رَوَتْ وقائعَ سيرة كريشنامورتي (1895-1986) كتبٌ ومقالاتٌ لا عدَّ لها، مع أن كريشنامورتي نفسه لم يُوْلِ أهميةً تُذكَر لأصوله، بل حضَّ الناسَ على الإصغاء إلى ما كان يقوله ويكتب عنه. وعدم اكتراثه هذا بقصة حياته وبأهميَّته
    العالمية كان على اتساق مع تعاليمه التي شدَّد فيها على أننا يجب أن نهتم بالوقت الحاضر لأن الماضي تاريخ، ميت، ولا يقدِّم مساعدة تُذكَر في الفعل الآني الفطين.
    ومع ذلك، فإن حياة كريشنامورتي الشاب مفيدة لأولئك الذين يفتشون عن تبصُّر لفهم هذا المعلِّم الخارق الذي صَرَفَ 65 عامًا يجوب العالم، مخاطبًا الملايين من الناس، والذي تُرجِمَتْ كتبُه إلى حوالى خمسين لغة.
    ولد كريشنامورتي في أيار 1895 في بلدة صغيرة في جنوب الهند، على مقربة من مدراس. وبوصفه الولد الثامن – الذَّكَر – في أسرة برهمنية، فقد سُمِّيَ كريشنامورتي عملاً بالتقليد، تكريمًا لشري كرشنا، الإله الهندوسي الذي كان الثامن
    بين أشقائه. وقد انتقل والده، موظف الدولة المتقاعد، إلى مدراس، مصطحِبًا معه أبناءه الأربعة الناجين.
    كريشنامورتي فتى، حوالى 1911.
    وفي العام 1911، جيء بكريشنامورتي البالغ من العمر السادسة عشرة، وبشقيقه الأصغر، إلى إنكلترا، حيث تلقَّى تعليمًا خصوصيًّا. ثم ما لبث أن بدأ يتكلَّم وفقًا لمنطلقات، أعرضتْ، اعتبارًا من العام 1929، عن المنقول، حين طلَّق جميع
    ارتباطاته مع الأديان والإيديولوجيات المنظَّمة. ومنذ ذلك الوقت، شَرَعَ كريشنامورتي يجوب العالم، كاتبًا ومتكلِّمًا ومناقشًا.
    كريشنامورتي في قرية برجيني، 1924.
    وحالما بلغ سنَّ الرشد، لم يعد أبدًا يبقى في أيِّ مكان أكثر من بضعة أشهر؛ إذ لم يعتبر نفسه منتميًا إلى أيِّ بلد أو جنسية أو ثقافة. كذلك، لم يكن يقبل أية أتعاب عن محاضراته ولا أية حصص عن كتبه وتسجيلاته.
    كان كريشنامورتي في محاضراته يطالِب بنوع خاص من المشاركة من جانب الحاضرين. لم يكن يلقي محاضرة محضَّرًا لها مسبقًا، فيستمع إليها الحاضرون موافقين أو مخالفين؛ إذ لم يكن يقدِّم وجهة نظر، أو يروِّج لفكرة أو معتقد أو مذهب،
    أو يقود الحاضرين إلى نتيجة معيَّنة سلفًا. بدلاً من ذلك كلِّه، كان المتكلِّم والمستمعون يستكشفون معًا المشكلات البشرية. وهذا فنٌّ يُتعلَّم في فعل إيلاء الاهتمام نفسه لما يقوله كريشنامورتي. فأنت لا تستطيع أن تسمع إذا كنت، في الوقت نفسه،
    تقارن ما يقال بما سبق لك أن قرأت؛ فهذا يحول دون السَّماع. وبالمثل، إذا كنتَ تترجم ما يقال بحسب معرفتك أو رأيك المسبق، فأنت لا تستطيع أن تسمع. فالاستماع ينطوي على انتباه الكيان ككل. وهذا الانتباه ليس جهدًا للتركيز؛ إذ هو يتم في
    صورة طبيعية إذا كنت مهتمًا اهتمامًا عميقًا بمشكلات الوجود العديدة.
    كريشنامورتي في الخمسينات.
    في المحور من تعليم كريشنامورتي أن الإنسان، إذ شاء أن يتحرر حقًّا، يجب أن يعي أولاً الإشراط النفسي الذي يحول بينه وبين رؤية الأشياء على حقيقتها فعلاً. وخاصية الانتباه هذه إلى "الموجود" – لا إلى ما يستحبُّ المرء أو يستكره، ولا إلى
    ما تقول عنه مرجعيةٌ ما إنه صحيح، بل إلى الشيء الفعلي نفسه – هي في اللبِّ نفسه من فكره. ففي هذا الانتباه إلى "الموجود" يتوقف الذهن عن الثرثرة ويستكنُّ، وبذلك لا يعود منفصلاً عن الشيء الذي يرصده. وفي هذا الصمت، ليس ثمة "أنا"
    أو مركز يربط إليه المرءُ كلَّ ما يُرى أو يُسمَع. وبذلك، لا يبقى ثمة إلا "الموجود"، وهذا يتصف بخواص المحبة والجمال والنظام.
    إبان السنين التي سبقت وفاته، دَرَجَ كريشنامورتي على سؤال أعضاء مجلس إدارة المؤسَّسة عن كيفية تصرفهم حين يغيب عنهم. قال: "ها أنا ذا ميت. فماذا أنتم فاعلون الآن؟" لقد كان يريد أن يتأكد من أن المؤسَّسة التي أنشأها وأن أولئك الأصدقاء
    المشترِكين معه لن يسمحوا لتعليمه بأن يتحوَّل إلى مذهب أو إلى تنظيم روحي أو إلى دين. ففي أثناء حياته، اختار أن يناقش مقاصد المؤسَّسة وعملها المستقبلي، بحيث لا يؤدي موتُه إلى إحداث أيِّ تغيير في الأسُس التي وضعها لنشر تعليمه. لقد كان
    يعلم – وقد قال مرارًا – أن مأسَسَة تعاليم كريشنامورتي ستصيب منها مقتلاً.
    في العام 1973، أدلى كريشنامورتي بالتصريح التالي في اجتماع لأمناء مؤسَّسات كريشنامورتي:
    بعد هذه السنوات كلِّها، مازلت أقول بهذه الحقيقة الجوهرية: التبعية العمياء، أو بحسب المتعة أو المزاج، لا توصل الإنسان إلى الحرية؛ ومن دون الحرية لا توجد حقيقة. طوال هذه السنين العديدة من المحاضرات والمحاورات جميعًا، كان هذا هو الهمَّ الرئيسي.
    هناك اليوم أربع مؤسَّسات كريشنامورتي: هناك أمانة مؤسَّسة كريشنامورتي المحدودة في إنكلترا، مؤسسَّة كريشنامورتي في أمريكا[1]، مؤسَّسة كريشنامورتي الهند، ومؤسَّسة كريشنامورتي الإسبانية–الأمريكية... وهي، مادمتُ حيًّا، ترتِّب للمحاضرات
    والمناقشات الجماعية وحلقات البحث والتجمعات. إنها مسؤولة عن... تحرير الكتب وترجمتها ونشرها. وهي مسؤولة عن العناية بالأرشيف. وهي تنتج الأفلام والتسجيلات المسموعة والمرئية، وتسهر على توزيعها...
    هناك خمس مدارس في الهند، ومركز تربوي مع المدرسة الملحقة به في بروكوود بارك في إنكلترا، وسوف يكون هناك مركز تربوي ومدرسة في الولايات المتحدة في أوجاي. وهذه المدارس جميعًا تعمل تحت إشراف مؤسَّسات كريشنامورتي. وإنه لمن
    مسؤوليات المؤسَّسات أن تسهر على استمرار هذه المدارس، إنْ أمكن، بعد موتي. وإنه لمن المنوي قطعًا في هذه المدارس، التي ليست طائفية من أيِّ وجه... أن يعيش [التعاليم] كلا المعلِّم والطالب... والمدارس ذات أهمية لأن من شأنها أن تولِّد ذهنًا بشريًّا مختلفًا بالكلِّية.
    ليست للمؤسَّسات مرجعية بخصوص التعاليم. فالحقيقة تكمن في التعاليم نفسها. والمؤسَّسات سوف تسهر على أن يُحافَظ على هذه التعاليم سليمة غير محرَّفة، غير معرَّضة للفساد. ليس للمؤسَّسات سلطة أن تبعث بمروِّجين أو مفسِّرين للتعاليم. فلقد قضت الضرورةُ
    أن أشير مرارًا إلى أنه لا يوجد مندوب عنِّي سوف يواصل هذه التعاليم باسمي، الآن، أو في أيِّ وقت في المستقبل.
    والمؤسَّسات لن تجيز لأية روح مذهبية أن تتسلَّل إلى نشاطاتها. والمؤسَّسات لن توجِد أيَّ نوع أو مكان عبادة حول التعاليم أو الشخص.
    في هذا العالم الشواشي والمتحلِّل، من الأهمية بمكان كيفية حياة كلِّ شخص لهذه التعاليم في الحياة اليومية... وإنه لمن مسؤولية كلِّ كائن إنساني أن ينهض لتحوله الشخصي، الذي لا يتوقف على المعرفة أو الزمن.[2]
    فكيف، إذن، أراد كريشنامورتي لتعاليمه أن تُبلَّغ وتُنشَر فيما يتعدَّى توزيع الكتب والأشرطة عبر المدارس؟ – مع أنه تكلَّم بهذه القوة ضدَّ أية شَرْعَنة أو تنظيم أو ترويج لتعاليمه. في العام 1947، صاغ الأمر على هذا النحو:
    ... الترويج كذبة لأن مجرَّد التكرار ليس الحقيقة. ما يمكن لك أن تكرِّره هو كذبة. فالحقيقة لا تتكرَّر، لأن الحقيقة لا يمكن لها أن تُختبَر إلا اختبارًا مباشرًا: مجرَّد التكرار كذبة، لأن التكرار ينطوي على التقليد... ففي نظركَ، أمسى العالم أهم من الحقيقة. لذا فأنت واقع
    في شِراك المستوى اللفظي، وما تريد نَشْره هو الكلمة. وهذا يعني أنك سوف تلتقط ما أقوله في شبكة من الكلمات، وبهذا تتسبب في الفَصْل بين إنسان وآخر. ثم سوف تبتدع منظومة جديدة قائمة على كلمات كريشنامورتي التي سوف تنشرها – أنت المروِّج – بين
    مروِّجين آخرين، هم أيضًا عالقون في شِباك الكلمات – وبذلك ماذا تكون فعلت؟ مَن تكون قد ساعدت؟ لا، أيها السادة، ليست هذه هي الطريقة لنشر التعليم!
    إذن، فأنت تستطيع أن تنشر جزءًا ضئيلاً مما تكلَّمتُ عليه، لكنْ بأن تحياه وحسب. فعِبْر حياتك يمكن لك أن تبلِّغ تبليغًا عميقًا، وليس عِبْر الكلمات. الكلمات، أيها السادة، في نظر امرئ جِدِّي حصيف، ليس لها إلا القليل القليل من المعنى.
    لا تنطوي المصطلحات إلا على القليل القليل من المغزى حين تفتش عن الحقيقة فعلاً – الحقيقة في علاقة، وليس حقيقة مجرَّدة تتعلق بتقييم الأشياء أو الأفكار. إذا أردت أن تجد حقيقة تلك الأشياء لفظيًّا، فهذا ليس له إلا القليل القليل من الأهمية. لكن الكلمات
    تصير عظيمة الأهمية حين لا تفتش عن الحقيقة؛ إذ ذاك فإن الكلمة تحل محلَّ الشيء، والشيء، بالتالي، يوقِع بك... لذا، إذا كنت تريد أن تنشر هذه التعاليم عِشْها – وبحياتك سوف تنشرها، سوف تبلِّغها. وهذا أكثر حقيقية وجدوى من التكرار اللفظي؛ إذ إن
    التكرار محاكاة، والمحاكاة ليست إبداعًا. وعليك أنت كفرد أن تصحو على إشراطك، وتحرِّر نفسك بذلك، وبهذا تمنح المحبة للآخر.[3]
    كريشنامورتي في السنين الأخيرة من حياته.
    بعد وفاة كريشنامورتي بثلاث سنين[4]، مازال العمل، كما رَسَمَ له، يتواصل بخطى حثيثة، مع أن على المؤسَّسة أن تبذل المزيد من الجهد لاستقطاب الهِبَات لتمويل العمل. وهذا العمل يتضمَّن الحفاظ على التعاليم ونشرها ودعم مدرسة أوك غروف
    [أوجاي، كاليفورنيا]. ومؤسَّستا كريشنامورتي في إنكلترا وأمريكا سوف تواصلان إصدار المحاضرات والمحاورات غير المنشورة سابقًا في كُتُب. وفي حين لن تكون هناك أشرطة فيديو إضافية، فإن فيلمًا جديدًا بعنوان كريشنامورتي: بذهن صامت قد
    صَدَرَ لتوِّه، متضمنًا مادة مصوَّرة جديدة، مستمَدة من الأفلام والأشرطة المسجَّلة في السنوات الأخيرة من حياة كريشنامورتي.[5].

    المصدر:
    http://maaber-new.com/krishnamurti/krishna_5a.htmhttp://maaber-new.com/krishnamurti/krishna_5a.htm

    معابر.
    .
                  

02-05-2015, 09:49 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    02:49 م Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    الحبيب د.ياسر الشريف مرحبتين حبابك
    خليك قريب متابع ، سوف تضح الرؤيّه.

    نواصل من معابر:

    حقيقة بلا دروب
    أضواءٌ على فكر كريشنامورتي
    ديمتري أفييرينوس
    عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر...
    جبران خليل جبران

    إن الطريقة الوحيدة لبلوغ الحقيقة هي أن يكون المرء، من دون أيِّ وسيط، تلميذ الحقيقة نفسها.
    ج. كريشنامورتي
    كريشنامورتي... ماذا يسعنا أن نكتب عنه؟! ماذا يسعنا أن نكتب عن "رسول" لا يحمل أية رسالة، و"معلِّم" لا يبشر بأيِّ تعليم، و"فيلسوف" لا يقدِّم أيَّ منهج فكري بالمعنى المتعارف عليه؟! ثم – وهذا هو أهم ما في الأمر – لِمَ الكتابة عن كريشنامورتي أصلاً؟!
    عندما نرنو إلى الجمال في شجرة مزهرة، أو حين نشعر بمحبة إنسان، أفلا يغرينا هذا بالحديث عما رأيناه أو شعرنا به؟! – مع كلِّ ما فيه من محدودية. لكن التناقض هنا ليس قائمًا في الحديث عن إنسان مثل كريشنامورتي وحسب، بل وفي طبيعة اللغة التي نستعملها أيضًا. ومع ذلك كلِّه، فإن "الواجب" يدعونا إلى الحديث عن كريشنامورتي، مثلما يدعونا إلى الحديث عن كلِّ إنسان يحمل فكرًا نبيلاً، محرِّرًا، في العالم الصعب الذي نحيا فيه.
    يجب الحديث عن كريشنامورتي أيضًا لأنه إنسان مثلنا، لئلا نقع في معضلة التناقض التقليدي بين المثال والواقع التي تجعل تحقيق المثال أمرًا متعذرًا – خصوصًا وأن كريشنامورتي، بشهادة غالبية مَن عرفوه عن كثب، لم يكن عنده فَصْل بين الفكرة والإنسان، بين التنظير والتطبيق، بين الكلام المنطوق والحياة المعيشة.
    لقد كان يجيب على الأسئلة التي تُطرَح عليه بعمق سرَّاني كثيرًا ما يتَّسم بقوة لا تخلو من قسوة تزعزع جهل مستمعيه ومحاوريه وضيق أفقهم. ومع ذلك، فقد كان يتوجَّه إليهم، في الوقت نفسه، بحنان وبرقَّة لا يليقان إلا بالأطفال. لقد كان يطالب المستمعين بنوع خاص من المشاركة؛ فهو لم يكن يلقي "محاضرة" سبق له أن أعدَّ لها وعلى المستمع أن يوافقه على مضمونها أو يخالفه؛ لم يكن كريشنامورتي يطرح "وجهة نظر" أو يدعو إلى معتقَد أو فكرة أو يسعى إلى إقناع المستمع برأيه، بل كان يدعو هذا الأخير إلى رحلة لتقصِّي المشكلات الإنسانية المختلفة، يسيران فيها يدًا بيد، إن صحَّ التعبير.
      اللقاءات التي كان يعقدها تبقى ماثلة في الذاكرة، مثل هواء مهيمن، سرِّي، يمتد عبر فضاء شاسع غارق في الضباب، لكنه ضباب تخترقه الشمس
        .[1]
        من جملة ما يصفع لديه موقفُه من الموت. إنه يلطِّف الموت، أو، بدقة أكبر، يوحِّده مع الحياة بحيث لا يعود إلا تجليًا من تجلِّياتها اللانهائية. فحسبُ المرء أن يحيا لكي يعاين الموت في كلِّ لحظة:
        - ولكن... ما الموت يا كريشناجي[2]؟
        - أفلا تشعر بالحياة؟ الموت في مثل بساطة الحياة.
        - وهل ثمة حياة بعد الموت؟
        - ألستَ حيًّا؟ لِمَ، إذن، تتساءل عما إذا كان الموت موجودًا أم لا؟ حتى تفهم الموت، عليك أن تتحرر من كلِّ خوف. لكن الإنسان الذي يرغب في الاستمرارية يهلع أمام الموت، والمهارب التي أوجدتْها المدنيةُ خدَّرتْه لدرجة تحول دون استشفافه المغزى من الموت. الموت، مع ذلك، رائع كالحقيقة؛ فكلاهما مجهول. لكن ذهنًا لا يعمل إلا في حدود المعلوم لا يستطيع أن يفهم المجهول.
        إن عبارات كهذه، وعبارات كثيرة سواها تشبهها في باطنيَّتها القصوى، لا تقدِّم اليقين الذي ينتظره "الباحثون" عن الحقيقة؛ إذ لا "يقين" بحسب كريشنامورتي، بل سعيٌ غير منتهٍ، وجهاد متواصل، لا هوادة فيه، لإزاحة نقاب الوهم الذي يحوكه المرء برغباته وبنظرته الأنانية إلى الحياة.
        حقل التجربة الإنسانية غير محدود، وفي وسع الوعي الإنساني أن يتسامى حتى الألوهة، أو بالأصح، أن يحقِّق جوهره الإلهي وينعتق من كلِّ القيود التي تكبِّله. إن إمكانية تحقيق تجربة الانعتاق هذه كامنة في كلِّ إنسان تنتظر التحقيق؛ لكن موهبة تحقيقها الكامل وإيصالها إلى الآخرين معطاة للقلَّة المباركة من بني البشر وحدها.
        لقد كان كريشنامورتي من أصحاب هذه الموهبة في أجلى معانيها؛ وقد استطاع، بسبره العميق لطبيعة "الإشراطات" التي تحول دون الإنسان وتحقيق تجربة الانعتاق، أن يكشف لنا في عمق الكائن البشري عن ينبوع من المحبة والفطنة والإبداع لا ينضب. وتُعتبَر تعاليمُه اليوم واحةً حقيقية وسط صحراء المادية (بالمعنى الأخلاقي، وليس الفلسفي) المتفاقمة، من جهة، والمثالية العاجزة عن تحقيق ذاتها، من جهة أخرى، الأمر الذي يجعلها تستحق بحق تبوأ منزلة رفيعة في التراث الروحي للإنسانية قاطبة.
        فمن هو كريشنامورتي؟ وهل لنا، في مقام ضيق كهذا، أن نسلِّط، بقدر ما أُعطينا من فهم، حزمة ضوء على بعض معالم "فكره" وتعاليمه؟
        نبذة عن حياة كريشنامورتي[3]
        ولد جِدُّو كريشنامورتي في العام 1895 في بلدة مَدَنَبلِّي الصغيرة في جنوب الهند من أبوين براهمنيين. وقد سُمِّي بهذا الاسم، الذي يعني حرفيًّا "صورة كريشنا"، جريًا على تقليد متَّبع عند الهندوس يقضي بتسمية الابن الثامن بهذا الاسم تيمُّنًا بالإله كريشنا الذي يمثل في المنقول الهندوسي الأفاتارا avatara (التنزُّل الإلهي) الثامن للإله فشنو، واهب الحياة وداعم الكون في الثالوث المقدس. ماتت أمه وهو ما يزال في العاشرة، وأحيل أبوه جِدُّو ناريانياه إلى التقاعد من وظيفته في البيروقراطية الاستعمارية. ولقد كان كريشنامورتي، وسط الفقر والفاقة، طفلاً خجولاً انطوائيًّا، وجد صعوبة في حياة المدرسة. لكن أباه لحظ عنده قدرة غير عادية على الانتباه؛ وقد وصلنا وصفٌ للأب يتحدث فيه عن ابنه يقف الساعات الطوال يرصد الغيوم تتشكَّل في السماء، ويحدِّق في النباتات، أو يجلس متربعًا يدرس سلوك النمل.
        وفي العام 1905، انتقلتْ الأسرة بعيد وفاة الأم إلى ناحية أدِيار، قرب مدينة مَدراس (تشيناي الحالية)، حيث المقر العالمي للجمعية الثيوصوفية – المنظمة الفلسفية–الروحية التي أسَّستْها في نيويورك في العام 1875 السيدة الروسية هـ.ب. بلافاتسكي والكولونيل الأمريكي المتقاعد هـ. س. أولكوت، الداعية إلى الأخوَّة الإنسانية الشاملة، إلى القيام بدراسات مقارنة بين العلوم والفلسفات والأديان لتبيان وحدتها في الجوهر، وإلى تنمية الطاقات الكامنة في الإنسان.[4]
        السيدة بلافاتسكي والكولونيل أولكوت، لندن 1888.
        وهناك لفت كريشنامورتي وأخوه الأصغر نيتيانندا، بروحانيَّتهما المبكرة ونقائهما الفريد، أنظار القائمين على الجمعية الذين شعروا بالمواهب وبالقدرات الروحية الكامنة في الشقيقين، وقدَّروا أنها قابلة – في حال نُمِّيت – لجعل كريشنامورتي معلِّمًا روحيًّا عالميًّا يتصف بنضج روحي عظيم. على هذا الأساس، نال الفتى كريشنامورتي تدريبًا خاصًّا يستهدف الاضطلاع بهذا الدور المرسوم له.

        نواصل:
                  

02-05-2015, 09:54 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    02:54 ص Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    كريشنامورتي في العام 1910، بعد المسارَرة الأولى.
    وفي العام 1911، قامت د. آني بيزانت (رئيسة الجمعية الثيوصوفية آنذاك) ومعاونوها بتأسيس أخوية "النجمة في الشرق"، ونصَّبوا كريشنامورتي زعيمها الروحي ونيتيانندا تلميذه الأول ومعاونه.
    كريشنامورتي والسيدة بيزانت لدى افتتاح مخيم أومِّن، 1926.
    ولما بلغ كريشنامورتي عامه السادس عشر، غادر الشقيقان الهند إلى أوروبا حيث أقاما مدة في ضواحي باريس، ثم انتقلا إلى إنكلترا، حيث حاولت آني بيزانت أن تحصل له على قبول في إحدى كلِّيات جامعة أكسفورد. وتقول إحدى الروايات إن جواب العميد كان: "هذه الكلِّية، يا آني، غير مؤهَّلة لتعليم المُسَحاء [جمع مسيح]!"
    ترعرع كريشنامورتي في أوروبا وسط إطراء الحشود – الأمر الذي جلب عليه زراية الناس وتعليقاتهم الساخرة – شابًّا رقيقًا، حساسًا، قليل الكلام. وفي الوقت نفسه كانت "الكنائس" والشعائر تُشاد من حوله، والتلامذة "المختارون" يطوِّقونه.
    كريشنامورتي في منتصف العشرينات.
    وفي العام 1922، انطلق الشقيقان إلى كاليفورنيا حيث كان كريشنامورتي يأمل أن يناسب مناخُها صحة أخيه المتدهورة. وهناك عاش كريشنامورتي أولى خبراته الروحية الحاسمة التي وَسَمَتْ حياته إلى الأبد. بيد أنه في العام 1925، فُجِعَ بوفاة نيتيانندا. وقد أحدثتْ هذه الوفاة ألمًا عظيمًا في قلب كريشنامورتي وتحولاً روحيًّا جوهريًّا هيَّأه لتوجيه فكره إلى العالم بأسره. ولقد كتب في وقت لاحق:
    مات أخي، وذرفتُ الدموع في وحدتي. وفي كلِّ مكان أقصده كنت أسمع صوته وأرى ابتسامته السعيدة. كنت أحاول أن أشاهد محيَّاه وطلعته في العابرين
      ، لكني لم أجد العزاء لدى أيِّ واحد منهم. صليت، وتعبَّدتُ، لكن الآلهة لزمت الصمت.[5]
      ثم كتب أيضًا:
      لقد مات حلم قديم، وها حلم جديد يولد. إن رؤيا جديدة تبزغ ووعي جديد يتفتَّح – لقد بكيت، لكني لا أريد للآخرين أن يبكوا؛ لكنهم إذا بكوا فإني بتُّ أعرف معنى ذلك. أعرف الآن أننا لن نفترق أبدًا. هو وأنا سنعمل معًا؛ فأنا وأخي واحد.[6]
      اجتاز كريشنامورتي مرحلة الشك بعد أن تنكَّر للتعاليم "الروحية" التي لقَّنه إياها الثيوصوفيون. ولم تكن هذه المرحلة فترة يأس وقنوط زَرَعَ فيه نزوعًا إلى الإشفاق على مصيره، إنما كانت فترة خيبة أمل وَأَدَها إلى الأبد. لقد عاش امتلاء الحاضر بكلِّ غناه، وقادتْه الصعوبة التي تخطَّاها إلى عتبة الانعتاق الروحي أو اليقظة الداخلية. وقد كتب الفيلسوف الفرنسي رونيه فويريه في ذلك:
      حالما بلغ [كريشنامورتي] ذروة الانسلاب والشدَّة فإن ألمـ[ـه] الهائل، ألمه اليائس، انحلَّ من تلقاء ذاته، مفسحًا المجال للوجْد الأسمى. ومن أعمق أغوار الظلمات التي تخبَّط فيها كريشنامورتي انبعث نورٌ ساطع أنار على الفور وإلى الأبد كيانه الداخلي
        .[7]
        وابتداءً من العام 1927، بدأ كريشنامورتي يتبرَّم من القيود التنظيمية الخارجية المفروضة عليه، فأعلن، رافضًا كلَّ ما كان متوقَّعًا منه، انفصاله عن الجمعية الثيوصوفية، وحلَّ أخوية "النجمة"، التي كانت تضم آنذاك خمسين ألفًا من المريدين، مصرِّحًا في 3 آب 1929، في مخيِّم أومِّن في هولندا، ببلاغه الهام إلى الإنسانية:
          الحقيقة أرض بلا دروب، ولا يمكن بلوغها بأيِّ طريق، أيًّا كان: لا بدين ولا بمذهب. تلكم وجهة نظري، وإني لمتمسِّك بها تمسكًا مطلقًا غير مشروط.

            أريد ممَّن يسعون إلى فهمي أن يكونوا أحرارًا، لا أن يتبعوني ويجعلوا مني قفصًا قد يصير دينًا أو مذهبًا. عليهم بالحري أن ينعتقوا من المخاوف كلِّها: من الخوف من الأديان، من الخوف من الخلاص، من الخوف من الروحانية، من الخوف من الحب، من الخوف من الموت، وحتى من الخوف من الحياة. فكما الفنان الذي يرسم لوحة لأنها فنُّه الذي يفرح به، لأنها الإفصاح عن ذاته، لأنها مجده وتفتُّحه، هكذا أفعل ما أفعل، لا لأحصل على شيء ما من أيٍّ كان.

              أريد إذن تحرير الإنسان؛ وليفرح كالعصفور في السماء الصافية، بلا وزر، مستقلاً منتشيًا وسط هذه الحرية
                .[8]
                كريشنامورتي والسيدة بيزانت، مخيم أومِّن، 1929.
                كريشنامورتي يلقي خطبة حلِّ "أخوية النجمة"، آب 1929.
                وهكذا بدأ كريشنامورتي يعقد المؤتمرات المنتظمة ويلقي المحاضرات في إنكلترا وهولندة وإيطالية والنرويج والأمريكتين وأستراليا.
                كريشنامورتي في ريو دي جانيرو، 1935.
                بيد أنه في الفترة التي نشبت فيها الحرب العالمية الثانية أُرغِمَ على البقاء في كاليفورنيا. وهناك، ظلَّ معظم سنوات الحرب بمفرده، يزرع الورد ويحلب البقر ويأكل من جَنى يديه، كأيِّ مزارع عادي. لكنه، من الداخل، كان حيًّا، ينصت، يرصد، يسائل العالم من حوله وفي داخله. وفي صمت النزهات التي كان يقوم بها بدأ التعليم، كما عُرِفَ فيما بعد، يتفتح. وقام كريشنامورتي بصوغ لغة مطواعة تجسِّد "فكره" وتفصح عن مقاصده على نحو موضوعي مستقلٍّ عن شخصه.
                كريشنامورتي في الثلاثينات.
                هناك أيضًا في تلك الفترة أقام ألدوس هكسلي. وبينما كان هكسلي – وهو واحد من أوفر كتَّاب عصره ثقافة وألمعية – يتكلَّم كان كريشنامورتي ينصت؛ وبدوره كان هكسلي يتعلَّم الصمت وهو يصغي إلى كريشنامورتي يتحدَّث عن البصيرة وعن الزمن وعن الانتباه.
                وفي العام 1946، كتب هكسلي مقدمةً رائعة لكتاب كريشنامورتي الحرية الأولى والأخيرة أسهمت في إشعاع فكر كريشنامورتي في العالم أجمع. ولقد صرَّح الكاتب الكبير بعد الاستماع إلى إحدى محاضراته: "
                  في سطوة هذا الألق لاح لي أني كنت أصغي إلى موعظة من مواعظ البوذا."[9]
                  بين العامين 1951 و1955، ألقى كريشنامورتي محاضرات عديدة في الهند وأمريكا وهولندا، وعقد لقاءات كثيرة في إيطالية وإنكلترا وفرنسة.
                  كريشنامورتي في الخمسينات.
                  وبين العامين 1961 و1981، عقد لقاءات يومية في ناحية سانِن قرب غشتاد في سويسرا. وحوالى العام 1969، ابتاعت "مؤسَّسة كريشنامورتي" (مؤسَّسة ينحصر دورها في نشر فكره ومؤلَّفاته) منطقة رائعة في بروكوود قرب ساوثمبتون في إنكلترا، أقيمت فيها أول مدرسة تستلهم تعاليم الحكيم الكبير وتؤهِّل تلامذتها لدخول الجامعة، يعيش فيها المدرِّسون والتلامذة والعمال على قدم المساواة في جوٍّ من الحرية الفكرية والنفسية والبساطة والحياة المشتركة، في محاولة لتطبيق نظرات كريشنامورتي الثورية في التربية (جدير بالذكر أن مدارس مماثلة تأسَّست في الهند وكاليفورنيا).
                  وفي العام 1965، التقى كريشنامورتي بالفيزيائي والفيلسوف الكبير ديفيد بوهم. وقد أثمر هذا اللقاء عن صداقة متينة وعن فكرة تنظيم لقاءات فكرية دورية أسهمت إسهامًا مباشرًا في نشر فكر كريشنامورتي في الأوساط العلمية. وقد علَّق بوهم: "إن فكر كريشنامورتي يتخلَّله ما يمكن له أن يُسمَّى جوهر المقترَب العلمي، منظورًا إليه في صورته الأرقى والأنقى."
                  انطلاقًا من العام 1974، انعقدتْ بإشراف بوهم وكريشنامورتي، في بروكوود وفي أمريكا، حوارات ومناقشات شاركتْ فيها نخبةٌ من العلماء الأفذاذ ينتمون إلى شتى فروع المعرفة،[10] وتمخضت عن نتائج وأبحاث هامة للغاية كانت تُنشَر دوريًّا.
                  كريشنامورتي في الثمانينات.
                  ولقد ظل كريشنامورتي، حتى وفاته في كاليفورنيا في العام 1986، يواصل اللقاءات والمحاضرات والندوات في العالم بأسره، بصفاء ذهني نادر ووعي يقظ.
                  أضواء على "فكر" كريشنامورتي[11]
                  ليس كريشنامورتي "فيلسوفًا" بالمعنى المألوف للكلمة. فغالبية الفلاسفة يقومون، انطلاقًا من مسلَّمات يأخذون بها وتشكِّل نواة فلسفاتهم، ببناء صرح نظري يبحثون له عن تطبيقات في النشاطات البشرية المختلفة وفي العالم. أما "فكر" كريشنامورتي فهو يقوم على أسُس نفسانية يمكن التحقق منها "تجريبيًّا" – شريطة أن يتحلَّى المرء بالجرأة والشجاعة الكافيتين للإقدام على مثل هذه المغامرة – في وسعها أن تحثَّ فيه، من دون أدنى عنف أو لجوء إلى سلطة فكرية خارجية، تحولاً غير متوقَّع يشمل كلَّ جانب من جوانب حياته.
                  وإن التعمق في دراسة تعاليم كريشنامورتي ليتكشَّف عن آفاق جديدة توطِّد دعائم فكر حرٍّ، نقيٍّ، متجدد، يتخطى كلَّ الحدود والمقولات التي تفرضها علينا غالبيةُ المناهج والفلسفات والمذاهب التي لا تتسبَّب، في الأعم الأغلب، إلا في التجزئة والصراع والفوضى – الأمر الذي يمنح هذا الفكر توجُّهًا عالميًّا شاملاً بالغ الأهمية، وخاصة في عصرنا.
                  إن معضلة الإنسان الأساسية تعود، في نظر كريشنامورتي، إلى "سيرورة الأنا" the I-process، المتمثلة في الرغبة المنغرسة في الأنا إلى الاستزادة من الوقود الذي يكفل لها استمرارها بالتقوقع على نفسها – هذا التقوقع الذي لا يتجلَّى في الأنانية الفردية والشواهد الاجتماعية والتاريخية على عنجهية الإنسان وقسوته وحسب، بل وفي المفاهيم الأخلاقية الاجتماعية السائدة، المشبعة بالإحساس بالتفوق وبالرضا الذاتي وبالغرور المقنَّع.

                  نواصل:

                  ***
                  

02-05-2015, 09:57 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    02:57 ص Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    إن كريشنامورتي، كما يصرِّح روبير لنسن، صديقُه المقرَّب وأحد الدارسين المتعمِّقين في تعاليمه، ينبغي أن يُعَدَّ "عالِم نفس الفكر الحر الروحي"[12]. ولا بدَّ هنا من التشديد على عبارة "الفكر الحر الروحي" لأن أصالة كريشنامورتي تمنعنا قطعًا من تصنيفه ضمن أطُر مراجعنا المعتادة. ففكره المستقل، اللامذهبي و"اللاتقريري"، المتحرِّر من التقاليد والأعراف، والجرأة التي يدين بها مخاطر السلطة الدينية واستغلالها لمشاعر الناس، يجعلان منه هدفًا لسهام الأوساط المتديِّنة و"الروحانية"، على تعدد ميولها ومشاربها، التي تَسِمُه بالمادية تارة، وبالفوضوية Anarchism طورًا.
    ومن جهة أخرى، يمتعض الماديون والوضعيون التقليديون عندما يأتي كريشنامورتي، في أحاديثه ومؤلَّفاته، على ذكر حقيقة لازمنية، غير مقيَّدة، تتخطَّى الذهن، ويشكِّل اختبارُها الحي وتحققها في الإنسان غاية وجوده الأساسية، فيرمونه بـ"الغيبية" تارة وبـ"التصوف" طورًا.
    إن هذا الفيلسوف الكبير يدعونا إلى تحقيق رؤية عميقة – يصفها بالبراءة والحرية والمحبة والفطنة – يخترق سيفُها الماضي قلبَ الحقيقة، عبر غابة المعلومات والمفاهيم والتمثُّلات الذهنية الكثيفة، وعبر جميع برامج الفكر، حتى الوصال الحق مع الذات – حتى المعرفة التامة للنفس. فروح الدين، كما يفهمه، ينبغي أن تتجاوز برحابتها حدود العقائد الجامدة والطقوس الشالَّة للنفس؛ والدين، في نظره، لا يمكن له أن يكون إلا اختبارًا حيًّا، مباشرًا، يتجدَّد من لحظة إلى أخرى، ويندرج، عبر ما هو بشري ومحدود فينا، في لامحدودية حقيقة لا يمكن التفكير فيها أو وصفها. إن موقفه شديد الوضوح، لا يساوم عليه: ليس لأحد أن "يتوسَّط" بين الإنسان والحقيقة: لا كهنة، ولا معابد، ولا شعائر، ولا معتقدات، ولا عبادات، ولا حتى الإنسان نفسه بما هو أنا! لذا نجده يقول: "إن الطريقة الوحيدة لبلوغ الحقيقة هي أن نصير، بلا أي وسيط، تلامذة الحقيقة نفسها."
    ثَمَّ موقف يصرُّ عليه كريشنامورتي إصرارًا غير مشروط: إن فهمنا العميق لطبيعتنا الحق يستوجب منا تحقيق صفاء يتجرَّد فيه الفكر من القيم الزائفة كافة، وينفض عنه كلَّ ما ترسَّب فيه إبان قرون طوال من الجهل والعطالة والخنوع. إذ ليس لنا إلا أن نكتشف الحقيقة المقيمة فينا، كما في الأشياء كلِّها، في كامل بساطتها وألقها. نحن "هيكل الله الحي"، على حدِّ تعبير القديس بولس – وكذلك العصفور والزهرة والحصاة – لكن لنا عيونًا لا تبصر وآذانًا لا تسمع!
    إن مجرد قراءة سطحية لأيِّ مؤلَّف من مؤلَّفات كريشنامورتي – وهي قراءة لا ننصح بها مطلقًا! – ترينا إلى أيِّ حدٍّ تنسف لغتُه البسيطة الواضحة التي لا تعرف المواربة صرح عقائدنا المظلمة الرهيبة، القائمة على وعود بالثواب وبمكافآت مستقبلية تدغدغ غرور الحشود وكسلها وجهلها وجشعها.
    أمام الإنسان، إذن، يَمْثُل خيارٌ صريح: إما أن يستسلم للـ"مخدرات المعنوية" (التعبير للأديب ميخائيل نعيمه) والدينية الخارجية التي توجِّه اهتمامها كلَّه إلى تلك "السجون البديعة التزيين"، على حدِّ تعبير كريشنامورتي، وإما أن يتنبَّه إلى الخطر النفسي الذي ينطوي عليه سياق كهذا، فيقف "بمفرده، ورأسه متلع إلى العلاء، بلا معتقدات ولا تَعازٍ زائفة".
    يمثِّل موقف كريشنامورتي تقاطُع طريقَي الروحانية والمادية. فالتطور الحديث لكلٍّ من الفيزياء وعلم النفس، والمتوازيات بينهما التي تمَّ اكتشافُها على أيدي كبار المفكرين والعلماء المعاصرين، يقوداننا إلى تخطِّي المواقف التقليدية الجامدة لكلٍّ من المادية والمثالية. فالمادة والروح، كما يمكن أن نستشف من تعاليم الحكيم، هما الوجهان المتقابلان، لكنْ المتكاملان، للحقيقة الواحدة في الجوهر التي نقوم بتجزئتها بحسب رغباتنا.[13] إن المنظور "الاختزالي" reductionist (أو "التقليصي")، الذي يختزل الكلَّ إلى جزء أو ظاهرة، مقيَّد حتمًا بسلَّم الرصد الخاص بكلِّ فرد[14]؛ وهذا ينبغي تخطِّيه من أجل رؤية كلِّية لاذهنية. ففي حين تقوم المعرفة العلمية والتكنولوجية على "تشريح" أو تحليل يندرج في إطار المقولات المعلومة، فإن اختبار الحقيقة في كلِّيتها يتطلب منا تبنِّي رؤية مختلفة تمامًا.
    الحقيقة، في جوهرها، فيضٌ خالص وتجدُّد مستمر، آنة بعد آنة.[15] إنها "مجهول" غير قابل مطلقًا للتفكير فيه، وغير خاضع للمقارنة وللتصنيف، بل حتى غير قابل للمعرفة (في المفهوم العلمي الوضعي) أصلاً، لأن مثل هذه المعرفة (الاختزالية) تقتضي ثنائية الذات العارفة والموضوع المعروف، وتخضع للزمن وللصيرورة، كما تفترض سلوك "طريق" يقود إليها تنتظمه أشواطٌ ومراحل. يقول كريشنامورتي بهذا الصدد:
    ليس للحقيقة درب، وفي ذلك جمالها: إنها حية. وحده الشيء الميت يمكن أن يكون له درب يقود إليه لأنه ساكن. أما عندما ترون أن الحقيقة شيء حي، متحرك، لا يستقر في مكان
      ، وليس في مقدور أيِّ شيء أن يقودكم إليه – سترون عندئذٍ أن هذا الشيء الحي هو ما أنتم عليه في الواقع
        .[16]
        الحقيقة، كما يقول كريشنامورتي، غير مقيَّدة؛ وإذا أراد الفكر أن يقاربها يجب عليه أن يحرر من قيوده ويخلع عنه جميع الأقنعة والهويات والأسماء التي يتستَّر بها. وهذه الحقيقة ليست خارجنا، بل هي فينا، هي "نحن"، هي جوهرنا العميق وطبيعتنا الحق، لكن منظورنا الذاتي المغلوط يجعلنا عاجزين عن تركها تفصح لنا عن نفسها – أو بالأصح، ترك نفسنا تفصح لنفسنا عن نفسنا، أي عن جوهرنا وجوهر الكون.
        إن الخطأ الذي وقعتْ ضحيتَه غالبيةُ المؤسَّسات الدينية، والذي عليها أن تتداركه إن هي شاءت أن تحمل لواء الروح من جديد (وإنْ كنَّا نستبعد ذلك!)، هو أنها تفرض على أتباعها حشدًا من "الكليشيهات" الذهنية الجاهزة التي لا تمتُّ إلى الحقيقة بصلة، الأمر الذي يُخضِعهم لعبودية المعادلات والتعريفات والأفكار المسبقة التي تجعلهم، رغمًا عنهم، يفكرون ويتعاملون مع الآخرين بوصفهم منتمين إلى هذا الدين أو ذاك، أو إلى هذه الأمَّة أو تلك، باسم "الحفاظ على تراث السلف الصالح" أو "صيانة الشخصية القومية"، ويصنِّفون الناس بحسب انتماءاتهم إلى "أصدقاء" أو "أعداء". والمقصود هنا ليس الانتقاص من أهمية خصوصية شعب أو منهاج ديني معيَّن ودور هذه الخصوصية في إغناء الخبرة الإنسانية الشاملة، بل التأكيد أن البحث عن الحقيقة والعثور عليها يتم في النفس، والأهم من ذلك بالنفس، بالاستسلام لها كما يُستسلَم للحياة وللموت – في سكينة ومحبة وانفتاح تام. وحدها الحقيقة تحرِّر!
        تقودنا عبادة "الكليشيهات" الذهنية السابقة إلى نُوام ذاتي autohypnosis لا نبصر فيه – للأسف – إلا إسقاطات رغباتنا الخاصة، الواعية منها وغير الواعية. أما الحقيقة فهي أقسى وأصعب، ومقاربتها تستوجب تجاوُز التصورات التأنيسية anthropomorphic عن الألوهة التي ألِفناها منذ الصغر. ذلك أن كلَّ تصوُّر نقيمه عن الألوهة ليس بينه وبين الألوهة صلة تُذكَر؛ ومهما كان مبلغ التناقض الظاهري الذي ينطوي عليه كلام كهذا فإن "التفكير في الله" يكافئ "إنكار الله"! – ذلك لأن الله، أو الحقيقة، عصيَّة على كلِّ مَن يحاول الدنوَّ منها بفكر مقيَّد.
        إن رسالة كريشنامورتي – إن صحَّ أن نسمي تعاليمه "رسالة" – تتلخص في تبيان إواليات عمل الفكر وإشراطاته، لأن معرفة هذه الإواليات وسَبْر تينك الإشراطات، في رأيه، هو الانعتاق أو الفطنة. وقد يدهشنا، للوهلة الأولى، ألا نجد بينها العقائد الجامدة والمعتقدات الضيقة والأفكار المسبقة وحسب، بل والذاكرات أيضًا. فنحن، والحق يقال، نحمل في ثنايا أدمغتنا آثار تجاربنا وتجارب أسلافنا برمتها مدوَّنة؛ وهو أمر تزداد البيولوجيا الحديثة استيقانًا منه يومًا بعد يوم.[17]
        وعلى الصعيد النفسي، بات عدد كبير من علماء النفس بعد ظهور المدرسة التحليلية (= اليونغية) في التحليل النفسي يقرُّون بوجود "خافية جمعية" (= لاوعي جمعي) Collective Unconscious تؤلِّف طبقة تحتانية كلِّية الحضور، تؤثر مضامينها الذاكرتية في الخافيات الفردية وتتأثر بها.[18] فهل من الممكن تحرير الفكر من هذه الإشراطات الذاكرتية، بحيث يتمكن من "لقاء الجديد في كلِّ لحظة حاضرة" لقاءً متجددًا وموضوعيًّا، منعتقًا من الإواليات العقيمة للذاكرة؟[19] لعل قليلاً من التبسُّط في الشرح قد يساعد على بَلْوَرَة الفكرة أكثر.
        نحن نعيش تحت نير آلاف المخاوف الخافيَّة، كالخوف من الألم، والخوف من الموت، والخوف من الحقيقة، والخوف من المجهول، إلخ. أما الأبدية فهي "لا تقيم إلا في حيوية عدم الأمان"، على حدِّ تعبير كريشنامورتي. وتدفعنا مخاوفُنا إلى البحث عن "أمان" مفترَض زائف، فنتبع تبعيةً عمياء المستغلِّين "الروحيين"، أصحاب النوايا الحسنة والسيئة، الذين يزيِّنون لنا نعيمًا على الأرض أو فردوسًا في السماء. نحن نتبع، بحماس منقطع النظير، من يقولون لنا إنهم "يعرفون"، وندير ظهورنا للحكماء الحقيقيين الذين يقولون مع سقراط العظيم: "كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئًا." فالحقيقة، كما رأينا، ليست "شيئًا" قابلاً للمعرفة؛ إنها "المجهول الأسمى"، كما عبَّر طاغور في إحدى قصائده.
        لقد كان سقراط يدعو محاوريه إلى الشكِّ في أنفسهم ونبذ أوهامهم ومعتقداتهم الكاذبة قبل أية محاولة لمعرفة طبيعة المفاهيم التي يتصدُّون لها. وهكذا لا ينفصل الشك المعرفي والنقد الذاتي في المنهج السقراطي عن التحول الروحي الداخلي. فأصحاب المذاهب والعقائد جميعًا يقولون إنهم يعرفون الحقيقة ويتشبثون بمواقفهم. لكن هذه المعرفة الوهمية – وهاهنا نقطة يلتقي فيها كريشنامورتي مع سقراط تمامًا – تقف حجر عثرة في سبيل فهم حقيقة الأشياء وحقيقة العالم. أما الإقرار العميق بالجهل فهو، في حدِّ ذاته، الخطوة الأولى على طريق الحكمة... والأخيرة! فالإنسان الذي يقرُّ بجهله يعيه، وبذا يفتح الطريق أمامه للبحث عن الحقيقة بحثًا أصيلاً. وهكذا تنبثق الحقيقة من المحاورة السقراطية – والكريشنامورتية –، بعد طرح الأوهام والآراء المبهمة والإشراطات كلِّها، بريئة، نقية، تمامًا كما يخرج الوليد من رحم أمِّه بريئًا، نقيًّا. ذلكم هو منهج "التوليد" السقراطي maïeutikê.[20]

        نواصل:
                  

02-05-2015, 10:02 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    03:02 ص Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    كريشنامورتي من القلَّة النادرة من الفلاسفة التي عملت على إقامة صلة وثيقة مباشرة بين التعقيد الحاذق واللامنطقي للنفس البشرية، بكلِّ إحباطاتها، من جهة، وبين شعلة المحبة المتِّقدة في الكيان الإنساني، من جهة ثانية. فهو، بإزالته المسافة الوهمية الفاصلة بين أنا الإنسان وبين ما هو حقيقي فيه، أي بين الإنسان كعَرَض والإنسان كجوهر، يحرِّر النفس البشرية من فصام لازَمَها طويلاً. كل ما ليس حقيقيًّا وآنيًّا ومباشرًا خاضع للزمن، أي للصيرورة، أي لإشراطات الذاكرات النفسانية، ولا يقع، بالتالي، في حقل "الإبداع" الخالص، وهو "انسلاب ذاتي" auto-alienation، بمعنى قريب من مفهوم إريش فروم للانسلاب. إن كريشنامورتي يضع إصبعه مباشرة على موضع العلَّة التي لا يستطيع أيُّ تحليل نفسي "اختزالي" أو أية تجربة "صوفية" عابرة أن تشفيها – ألا وهي اعتيادنا القاتل محاكمة نفسنا ومقارنتها بالآخرين وإدانتها، ووضع سلَّم للقيم من ابتداعنا نحن ومن صنع إسقاطاتنا الخافيَّة (= اللاواعية)، بدلاً من أن نلزم الصمت، ونبقى فاعلين في العالم، حاضرين فيه، نحيا حياة هي فينا، بأن نكون، لا كما نرغب في أن نكون، بل "كما نحن" فعلاً.
    لذا يقترح علينا كريشنامورتي – نحن الذين نلتقي المجهول في كلِّ لحظة، مزوَّدين بالذهن (وهو أفكارنا وذاكراتنا ومعلوماتنا المتراكمة) درعًا يدرأ عنَّا "خطر" ما نجهل – تجربة جريئة، قوامها تأمل نقدي عميق في النفس، مصحوب بشكٍّ وانتباه يقظ يتملَّص من قبضة الذاكرات والتلقائية الآلية المترسبة فينا عبر الماضي كلِّه، وتتفتح فيه زهرةُ كلِّ لحظة جديدة بذبول زهرة اللحظة التي سبقتْها، وتتوِّجه يقظةٌ نهائية شافية على مستويات النفس البشرية كافة.
    تلكم ثورة كلِّية جذرية، "نفنى فيها عن نفسنا"، بالتعبير الصوفي، وعن ذاكراتنا الماضية، ونحقق شرطًا من "الكشف" الجَّوَّاني أو الشعور العلوي المقدس، وحده قادر على الإفصاح لنا عن الحقيقة، حقيقة "ما هو موجود" what is – الآن. أما مقاربة الحقيقة بالذهن وحده – وهو الماضي كلُّه – فهي "أشبه بضخِّ الدم في جثة ميت"، بحسب تعبير أحد المفكرين.
    يميِّز كريشنامورتي تمييزًا دقيقًا بين "ذاكرات الوقائع" (وهي الذاكرات الطبيعية التي لا غنى لنا عنها) وبين "الذاكرات النفسانية" التي تنجم عن مواحدة identification "أنا" الفرد مع ذاكرات الوقائع. فهذه المواحدة الذاتية التي تقوم بها "الأنيَّة" ego (= الأنا، le moi-je بالفرنسية) الخاضعة لشهوة الديمومة، خوفًا من التلاشي والاضمحلال، هي المسؤولة عن استنزاف حياتنا الداخلية وعن إحباط كافة مساعينا إلى المعرفة الحق للنفس وللعالم.[21]
    لا يركن كريشنامورتي إلى كلِّ فعل آلي وإلى كلِّ تكرار وإلى كلِّ رتابة واعتياد في حياتنا النفسية. ففي الفهم أيضًا، كما في المادة، نزوع طبيعي إلى الاعتياد وإلى التكرار وإلى العطالة؛ وهو نزوع ما لم نتداركه في الوقت المناسب ونفهم سياقه بالكامل، لكفيل بأن يستفحل ويتحول إلى هاجس يستحوذ على حياتنا النفسية برمَّتها.
    والذهن، في مسيرته المتواصلة من معلوم إلى آخر، يحتمي بإيقاعات الاعتياد الذاكرتي، وبذلك
    يظل الذكاء أو الوعي مختفيًا في ثنايا العدم. وتؤدي الظلمة التي نحملها عبر لحظات سابقة إلى انعدام وضوح إرادة الإلهام المتصل بكلِّ دقيقة جديدة وقدرتها. ويستغرق كلُّ ظرف جديد وكلُّ موضوع جديد في الآليات الدماغية للتعرف والتذكر التي تتَّجه إلى ترتيبها في مستودع الذاكرات القديمة والقيم المعروفة
      .[22]
      وبذلك تصير الكلمة الدالَّة على الشيء، في نظر الذهن، هي الشيء نفسه، والتسمية تصير المسمَّى: كلمة "حقيقة" تصير الحقيقة، وكلمة "محبة" تصير المحبة، إلخ. إن السحر الأسود الرهيب – والمعذرة لهذا التعبير – الذي تمارسه الصور اللفظية المدوَّنة في الذاكرة يسيء إلى الانتباه إلى الحياة وإلى الأشياء كما هي في الواقع، فنراها وفقًا لرغباتنا الخاصة أو نزواتنا الآنية. وهذا الانتباه يتخطَّى عالم الكلمات والآليات الذهنية التي تحرِّكها هذه الكلمات عن طريق الخيط الذي يشد حلقات الذاكرة بعضها إلى بعض؛ لكنما حين تترسَّخ إيقاعات الاعتياد الذاكرتي في الذهن تفقد الحياةُ الذهنية خصائصها الخلاقة، وتتخلَّى عن ديناميَّتها المبدعة، فيغرق الذهن في الشرود. إن هذا الانتباه أو الفطنة
      غريب عن نطاق التكرار والاعتياد، ولا يأتلف معهما. فهو يقف خارج السيرورات الآلية التي تسوس المعالم السطحية للكون. إذن فالفطنة لاسببية، ولازمنية، وتنجو من إشراطات الزمان والدوام والاستمرارية.[23]
      ينبع الفكر الخلاق المبدع، بحسب كريشنامورتي، من احترام قوانين الحياة في النفس الإنسانية. ومع أنه لم يتمكن أحد إلى الآن من إيجاد تعريف لجوهر الحياة، فهناك بيولوجيون روَّاد يعتبرون أن الحياة تتجلَّى في أثناء تطور المورِّثات (= الجينات) بانعتاق متدرِّج من ضغوط الوسط المحيط. أوليس تاريخ الكون برمَّته مسيرة متعاظمة نحو الحركة الحرة والإبداع؟ الحجر، في سقوطه، خاضع لثقالة الجاذبية. أما النباتات فتنزع باندفاعها الشاقولي نحو الأعلى إلى التحرر من هذه القوة، لكنها تبقى مع ذلك لصيقة بالأرض عبر جذورها. ومن جهة أخرى، يتمتع الحيوان بمجال للحركة أوسع. أما الإنسان، فالتطور الحالي على مستواه محسوسٌ على الصعيد النفسي أكثر منه على الصعيد البدني المادي؛ لذا يجب التحري عن إمكانية الحركة في الملكات الذهنية (من دون نفي إمكانية التطور البدني مستقبلاً). من هنا يجدر بنا قبلئذٍ أن نبدأ بمحاولة التبصر بتعقيد الهندسة الخلوية البشرية ودقتها اللامتناهيين، وأن نعاين في الخلِّية، ولاسيما في الخلية العصبية، حركة الحياة في انتعاشها وتجددها المتواصلين.
      إن مخَّنا على ما يبدو – وكما يصرِّح العلماء – ليس إلا في بدايات تطوره، وهو حديث السنِّ جدًّا بالقياس إلى عمر الطبيعة، وليس ثمة إلا قسم ضئيل منه يعمل. والسؤال المشروع الذي يمكن لنا طرحه في هذا الصدد يتناول إمكانية وجود أبعاد جديدة للوعي، وأنماط حديثة من المعرفة "الكشفية" والفهم المباشر تنتظر التنقيب عنها واكتشافها. وأغلب الظن أن هذه الأبعاد الجديدة للوعي – كما تخبرنا الحكمة القديمة – وهذه المناطق غير المكتشَفة بعد في المخ البشري يتعذَّر تطويرها أو تفتيحها اصطناعيًّا أو إراديًّا بمناهج من حياكة الذهن القديم. فالمحبة الحقيقية لا يمكن تنميتها أو اكتسابها، بل الشعور بها من خلال "تعديل" (المصطلح للفيلسوف ندره اليازجي) دائم، يستهلك تمامًا مواقفنا البالية ويستهدف سبرًا متواصلاً لأعماقنا ولشبكة الأنا "العنكبوتية" الرهيبة، سبرًا لا يتحقق من دون الانعتاق الكامل من ذاكرات الماضي والتحرر من إشراطاتها. يقول كريشنامورتي:
      متى تأكَّد المخ القديم من عجزه عن إدراك ماهية الحرية، ومن قصوره عن اكتشاف شيء جديد، يكون هذا الإدراك، في حدِّ ذاته، بذرة الفطنة
        . الفطنة ليست شخصية، وليست نتاجًا للمجادلة أو للمعتقد أو للرأي أو للمنطق. تنوجد الفطنةُ حينما يكتشف المخ عجزه، حينما يكتشف ما هو قادر عليه وما هو ليس بقادر عليه
          .[24]
          وإذا شئنا أيضًا أن تفصح الحياة عن ذاتها على مستوى الذهن لوَجَبَ علينا أن نحرِّره من الضغوط النفسية القاهرة للوسط المحيط ومن الإشراطات الشالَّة لبرامج خلايا المخ. وتتضح كيفية ذلك في الحوارين بين كريشنامورتي وصديقه ديفيد بوهم اللذين يشكلان مادة كتاب مستقبل الإنسانية. في هذا الكتاب يتساءل المتحاوران عن إمكانية تجديد خلايا المخ والتحرر من كلِّ برمجة فيها؛ ويجيبان بأن الحلَّ يكمن في إدراك صافٍ للواقع كما هو. ومن خلال هذا النوع من الإدراك أو الانتباه الحاذق يؤثر الذهن في مادة المخ ويُحدِث تبدلاً في خلاياه، واضعًا حدًّا لبرمجتها المدمِّرة.[25] في مقدمة الكتاب المذكور يحاول ديفيد بوهم توضيح ذلك بقوله:
          لو كان الذهن مقيدًا بإحدى حالات المخِّ لكان مستقبل الإنسانية قاتمًا. لكن الذهن حرٌّ من التشويهات الناجمة عن إشراطات المخ. ويمكن من خلال البصيرة المتولِّدة عن انتباه غير موجَّه، لا مركز له، إحداث تبدل في خلايا المخ ووضع حدٍّ للإشراط المدمِّر.

          نواصل:
                  

02-05-2015, 10:06 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    03:06 م Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ثم يضيف:
    إن كان هذا صحيحًا فمن الجوهري أن يكون لهذا الانتباه حضور، وأن يُبذَل من أجل هذه المسألة المجهودُ نفسه الذي نخصِّصه عادة للنشاطات الحيوية الأخرى في الحياة.
    ويقول أخيرًا:
    توفِّر الأبحاثُ الحديثة عن المخ وعن الجملة العصبية سندًا متينًا للقول بأن البصيرة تُحدِث تبدلاً في خلايا المخ. فمن المعروف، على سبيل المثال، أن البدن يحوي موادَ هامة، كالهرمونات والنواقل العصبية، التي تؤثر تأثيرًا رئيسيًّا على وظائف المخ والجملة العصبية كافة. وتستجيب هذه المواد في كلِّ لحظة لما يعرفه الفرد ولتفكيره ولما يعني هذا كلُّه في نظره. ومن المعلوم بوضوح أن خلايا المخ ووظائفها تتأثر تأثرًا عميقًا بالمعرفة وبالمشاعر. ويصير من الممكن على هذا النحو للبصيرة، التي يجب أن تأتي في حالة ذهنية ذات سوية طاقة مرتفعة، أن تغير خلايا المخ تغييرًا عميقًا.[26]
    مع أن كريشنامورتي يعارض، من حيث المبدأ، كلَّ منهجية فكرية مغلقة وكلَّ تصنيف مقيدِّ، لا نجد مانعًا من أن نستعير من المرحوم الفيلسوف روبير لنسن[27] تصنيفه الدقيق للأنماط النفسانية البشرية إلى ثلاثة:[28]
    1. يحدد النمط الأول طور مولد الأنا؛ وهو مرحلة سابقة للفردية، يتمركز فيها الكائن البشري حول شخصيَّته، أو يتواحد مع المجموعة التي ينتمي إليها، حيث تسود "روح القطيع"، وتقوم حياته على الخضوع والمحاكاة وتخلو من الإبداع وتسود عليها الحتمية.
    2. ويحدد النمط الثاني طور نضج الأنا؛ وهو مرحلة بناء فرد أكثر تماسكًا وأفضل تكوينًا من سابقه، حيث تبدأ فرديَّتُه في التكوُّن، ويستيقظ لديه الحسُّ النقدي، وتتعمق الأنا في استيعاء ذاتها، وتأبى الانصياع بسهولة للمنظومات القائمة، فتنزع بذلك إلى الانتقال من طور المحاكاة إلى طور الخلق والإبداع. وتتصف هذه المرحلة بـالعقلانية.
    3. ويحدد النمط الثالث طور تجاوز الأنا؛ وهو مرحلة بلوغ الكمال الإنساني، حيث يعي الإنسان موقعه في الكون ودوره فيه، وينأى عن جعل نفسه مركزًا، ويحدس وحدة الحياة فيما يتعدى تعددية الأشكال. وتلكم هي مرحلة الروحانية التي يحقق فيها الإنسان الوعي الكوني.
    ويعبِّر الفيلسوف ندره اليازجي عن أفكار متساوقة مع أفكار روبير لنسن، إذ يقول، متبنِّيًا ذلك التصنيف الثلاثي عينه:
    في المرحلة الأولى [مرحلة الحتمية]، يوجد الإنسان الذي لا يعرف غاية حياته، فيكون عبدًا لمادَّته وأنا-ه. وعندئذٍ، يعيش الإنسان في تلقائية خالية من الوعي، وتدفع به الدوافع الحيوية دون ارتباط بعالم العقل، فتكون أعمالُه مجرَّد انعكاسات لاواعية. وتتمثل هذه المرحلة بالإنسان الحيواني.
    وفي المرحلة الثانية [مرحلة العقلانية]، يوجد الإنسان العاقل الذي يدرك، من خلال دراسته للكون وللطبيعة والوجود، مغزى لمعنى حياته. فيفعل في مجال عقلي يُتَوِّجه الفكر ويدفع به إلى مزيد من المعرفة والوعي. وتتمثل هذه المرحلة بالإنسان العاقل، العالِم، وتتصف بالسعي الحثيث إلى الحرية والوعي للتماثل مع الطبيعة.
    وفي المرحلة الثالثة [مرحلة الروحانية]، يوجد الإنسان الحر، الإلهي، الذي يتحرَّر من "أنا"ه كليًّا، وينطلق في رحاب الكل.[29]
    إن الأزمة التي نعيشها اليوم، على مستويات وجودنا كلِّها، تُعتبَر نقطة التحول أو الجسر الواصل بين عصرين – بين نهاية عصر "الحوت" وبداية عصر "الدلو"، إذا جاز لنا استعمال اصطلاح علم النجوم القديم – أو قل بين الذرِّيتين البشريتين الخامسة والسادسة، بحسب المصطلح الثيوصوفي. وليس بمستبعَد أن هذه الأزمة الرهيبة ناجمة عن تصادُم تيارين متناوئين: التيار الميَّال إلى "نضج الأنا"، في استقلال عن القومية والجنس والعقيدة، وإلى الأصالة والإبداع والتسامح، من جهة، وتيار المحافظة الذي يخاف التجديد ويهلع أمام الإبداع، فيتشبث بالمنظومات الفكرية القائمة وبالتشريعات البالية، ولا يتورَّع لحمايتها عن اللجوء إلى البطولة الزائفة التي تنطوي على الكثير من عناصر الاستبداد، من جهة أخرى – نقول، ليس بمستبعد أن تكون هذه الأزمة الحادة فاتحة لعهد هامٍّ وخصب على صعيد الوعي واختبار حياة حرَّة غير مقيَّدة: إن كلَّ شيء لفي حركة دؤوب، والإبداع هو تناغم القوى المتعارضة – قوَّتي الجذب والنبذ. وعندما تمدُّ هاتان القوَّتان أيديهما فإن نار القتال تتبدل إلى ابتسامة الأزهار وإلى أغاني العصافير. أما عندما تنتصر إحداهما فقط فهو الموت البارد القاسي والانفجار القاتل.[30]
    وإن إصرارنا اليوم على الإيمان بالقيمة الإنسانية الشاملة التي لا تحدُّ الإنسانَ بعصر أو ببلد ما، أو تشدُّه إلى عقيدة ضيقة أو جنس أو عرق، ليدعونا إلى الاعتقاد بأنه بعد مئة أو مائتي عام سوف تكون "عقلية الدلو"، إذا جاز التعبير، قد أشرطت الأفرادَ بمناهجها، كما جرى لنا، في خصوصية مختلفة، نحن أبناء عصر الحوت. لكن إصرارنا هذا نفسه يدعونا أيضًا إلى أن نرى في الأمور أكثر من ظاهرها.
    إن كلَّ شيء اليوم لفي مخاض، وثمة حركة تأليفية لا يستهان بها، تسعى في قوة وفي إصرار إلى الحيلولة دون تدمير البشرية لنفسها بفعل رجحان كفة قوى المحافظة العمياء المذعورة. ومن جانبها، تستلهم رسالةُ كريشنامورتي وعيًا تأليفيًّا وتكامليًّا بين عالمي الداخل والخارج، بين الفكر والحدس، في محبة ملتهبة، محرِّرة، شاملة، ورأفة حقيقية شافية بريئة من كلِّ رياء.
    إن هذه "الطفرة" في المخ التي تكلَّم عليها بوهم، هذه "البصيرة"، تفصح، على ما يبدو، عن منظور جديد كلَّ الجدة، وعن وظائف جديدة للمخ لم تكن ظاهرة سابقًا، الأمر الذي يفسر لنا عجزنا عن التعبير عن هذه البصيرة الجديدة بلغتنا المحدودة بالصور الذهنية البالية من نتاج المخ القديم. وترى بوبول جاياكار، صديقة كريشنامورتي وكاتبة سيرته، أن تعليم الحكيم مرَّ بأطوار ثلاثة متميزة. تقول:
    في الأيام الأولى كان كريشناجي يتحدث عن معرفة النفس، عن وحدة المفكِّر والأفكار، عن التحرر من الحكم والإدانة. وفي الستينات، انتقل إلى إنكار الفرد ككيان منفصل عن تيار الإنسانية؛ ومن مقترب الخطوة–خطوة انتقل إلى الإلحاح على ثورة في التيار البشري. لقد توقف عن التحدث عن أية مشكلة محددة، كالجشع أو الكراهية. ففي الماضي كان يستخدم كلمات من نحو المخ والذهن والفكر والوعي بلا تمييز، قاصدًا بها الماضي أو الذاكرة. أما في السبعينات فقد صار طاقمُ مصطلحاته أدق، وبدأ يسبر طبيعة الرصد والوهم الذي ينطوي عليه الفصلُ بين الراصد والمرصود. ومع العام 1978، بدا أنه أصبح مهتمًّا بالكلِّيات، وبالإدراك الكلِّي.[31]
    تنسجم هذه الأطوار الثلاثة التي مرَّ بها تعليم كريشنامورتي، في رأينا، مع الأطوار الثلاثة لسيرورة الأنا نحو تجاوُز ذاتها التي جئنا على ذكرها لتوِّنا. ولعل من أهم ما أسهم به كريشنامورتي في السنوات الأخيرة من حياته محاولاتِه للتأليف بين منجزات العلم الحديث، من جهة، وحالة اليقظة والبصيرة والانتباه التي دعا إلى تحقيقها، من جهة ثانية؛ وبهذا يُعتبَر، في الطور الثالث من تعليمه، من روَّاد العبور إلى مرحلة "تجاوز الأنا" (أو الروحانية) التي حَدَسَها الفيلسوفان ندره اليازجي وروبير لنسن وسواهما.
    والواقع أن الربع الأخير من القرن العشرين شهد ارتسامَ حركة متميزة في السياق التطوري للأوساط العلمية ولفلسفة العلوم، ما يزال زخمُها محسوسًا إلى الآن. ويشير هذا الواقع إلى أننا نقف حيال طفرة حقيقية، أو ثورة على المفهوم التقليدي البالي للقيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية إلخ، ثورة تشير، بدورها، إلى تحقيق معرفة عميقة للنفس، وانعتاق متوازن من كلِّ الإشراطات الشالَّة، وتفتُّح داخلي متناغم مع الكون في توازن بين الفكر والقلب والجسم.
    وتُعتبَر اللقاءات التاريخية التي جَرَتْ في بروكوود بإشراف كريشنامورتي وضمت نخبة من المفكرين والعلماء، بالإضافة إلى جماعة برنستون ومؤتمري قرطبة والبندقية وغيرهما، من أهم الأحداث العلمية والفكرية التي شهدها الربع الأخير الدرامي من القرن العشرين.[32]
    ربما وَقَعَ الباحثُ المنقِّب على نقاط تشابُه بين "فكر" كريشنامورتي وبين تعاليم حكماء وفلاسفة هنود عديدين، أمثال شنكرا، غوتاما البوذا، شري أوروبندو، رامانا مهارشي، في بحث هؤلاء عن المبدأ المطلق أو الأسمى أو في تعبيرهم عنه. وقد يجد تشابهًا بين الانتباه الذي تكلَّم عليه كريشنامورتي وبين "الحدس" عند برغسون. إن كريشنامورتي يلتقي حقًّا مع برغسون في إصراره على ما هو خلاق وفي تنديده بكلِّ ما هو آلي غير تلقائي ولا ينسجم مع "التطور المبدع". وهو حين يحيل "الأنا" إلى القضاء، وحين يرينا ببساطة كلَّ التناقضات التي تعيث فيها فسادًا ويجعلنا نعترف بفراغها من كلِّ معنى أصيل، وحين يشدِّد على الحرية والمسؤولية الفرديتين، فإنه يقترب من سارتر، على الرغم من جميع الاختلافات العميقة بين الرجلين في القصد والمنهج. على أنه يتخطَّى ببراعة، عبر التحول الداخلي الحاسم، المعضلة التي عجز مؤلِّف الوجود والعدم عن تخطِّيها.
    رامانا مهارشي، الفيدنتي الكبير.
    قال كريشنامورتي ذات مناسبة: "هل قلت يومًا إنني [ورامانا] مختلفان؟"
    وقد يعثر الباحث على نقاط التقاء عديدة بين كريشنامورتي وفلاسفة ومفكرين كُثُر يصعب حصرها في هذا المقام، من أمثال ك.غ. يونغ، مؤسِّس علم النفس التحليلي، والأديب هرمن هِسِّه (ولاسيما في كتابه سيدهرتا)، وغيرهما. بيد أن فكر كريشنامورتي ليس اختصاصيًّا، وهو لا يندرج ضمن أيِّ منظور تاريخي. إنه يعارض ذوبان الفرد في الجماعة؛ ومع ذلك فهو يقرُّ مع ماركس بأن الأنا هي ثمرة الوسط الاجتماعي. لكن الأنا عنده ليست جوهر الإنسان، وهاهنا أساس الفرق بين المفكِّرين.
    إن خصوصية كريشنامورتي، كما مرَّ بنا، تتأتى من كونه يدعو، من دون انتهاج منهج معيَّن، إلى التخلص من كلِّ أشكال الندم حيال الماضي، والقلق والخوف حيال المستقبل، في امتلاء نورانيٍّ لـ"آنٍ دائم" متجدِّد أبدًا، يتجاوز كافة الحدود التي تقيمها الإيديولوجيات السياسية والنظريات التحليلية النفسية التي تؤلِّب البشر بعضهم ضد بعض وتلقي بالإنسان في غياهب اللاوعي – امتلاء يتلاشى فيه كلُّ وعي لذات منفصلة عن العالم وعن الإنسان، ويفتح الباب على مصراعيه لتفتح حرية كاملة، ومعرفة واثقة، ورأفة حقيقية.
    قبل أن تتجاوز الأنا نفسها يجب عليها أن تعرف نفسها. فالمحدود، إذ يفهم محدوديَّته ويتنبَّه إلى عبوديته للأنا، يكتشف "اللانهائي" في ومضة كومضة البرق! و"الجزء"، إذ يدرك موضعه ومنزلته الحقيقيين في سلَّم الوجود، فيكف عن مَحْوَرة العالم حول نفسه، ينفتح على "الكل"، ويصير الكل!
    هي قفزة تقتضي انعتاقًا كاملاً من كافة المفاهيم المألوفة لكلٍّ من الزمان والمكان والسببية، ومن كافة القيم النفسية المرتبطة بها عمومًا.
    هي وثبة في المجهول، يتم فيها، بدلاً من مقاومة حركة الحياة، تحقيق حالة من التوازن، ليست توازُن المرء نفسه، إنما توازُن الحياة نفسها، في دفقها المبدع وانبعاثها المتجدد.
    إن هذه الحالة موت وقيامة في كلِّ لحظة، على حدِّ تعبير الغنوصيين، وهي "خلع الإنسان القديم" و"التجدد بالروح والذهن"، كما يعلن الرسول بولس.
    وفي هذا التناغم الداخلي والتوازن الجَّوَّاني يتجلَّى شعورٌ طاغٍ بسعادة غامرة، جديدة في كلِّ لحظة، سعادة لا تطالها أعاصيرُ "الخارج" وفوضاه الرهيبة، سعادة لا مجال لمقارنتها بأيٍّ من تسالينا وملذاتنا الحمقاء الوقتية الزائلة التي تنقلب حتمًا إلى ألم.
    أن نكون حاضرين في العالم، قادرين، في كلِّ لحظة، على إبداع حياة جديدة في ذاتها، حياة ملتهبة، ثرَّة، ممتلئة، جاهلة للماضي، غير آبهة بالمستقبل، تقدِّم إمكانية تحقيق أسمى درجات المحبة والفطنة وتفتُّح الكيان الإنساني – تلكم هي "الثورة الوحيدة"[33] التي يدعونا كريشنامورتي إلى إيقاد نارها فينا!
                  

02-05-2015, 10:20 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)
                  

02-05-2015, 10:20 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)
                  

02-05-2015, 10:25 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    03:25 ص Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    (1)

    (1895-1986)

    أصرَّ كريشنامورتي طوال عمره على أنه لا يريد أتباعاً وقال: "أياً كان هذا الشخص فإن اتباع الآخر أساساً أمر سيئ." ولذلك لم يؤسَّس أية منظمة أو يُحِط نفسه بجماعة من المؤمنين به أو الأتباع، ولم يصرِّح لأحد بعينه بأن يخلفه أو يفسِّر تعاليمه أو يشرحها، إنما اكتفى بأن يطلب من الذين يشاركونه اهتماماته أن يحافظوا، بعد موته، على سجلٍّ أصلي لأحاديثه وكتاباته للأجيال القادمة، بما يجعلها متوفرة للجمهور على نطاق واسع.
    ما انفك جِدُّو كريشنامورتي مسافراً حول العالم لأكثر من ستين عاماً، ملقياً العديد من الأحاديث والمطارحات العامة ومجرياً لقاءات وحوارات خاصة مع ملايين الناس من كل الأعمار والخلفيات – قائلاً دائماً إنه فقط "من خلال تغيير كامل في قلوب الأفراد وعقولهم يمكن أن يحدث تغيُّر في المجتمع وسلام في العالم".
    ولد كريشنامورتي في جنوب الهند في 12 مايو/أيار 1895، وتوفي في 17 فبراير/شباط 1986 في أوجاي، كاليفورنيا، عن تسعين سنة. أحاديثه وحواراته ورسائله ويومياته محفوظة في سبعين كتاباً وفي مئات التسجيلات الصوتية والمرئية.
    شهد القرن الذي عاش فيه كريشنامورتي حربين عالميتين، وعنفاً عرقياً وطائفياً وسياسياً مستمراً، ومجازر جماعية لم يسبق لها مثيل، وتطوراً وتكاثراً في أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة للتضخم السكاني، لانهيار البيئة الطبيعية، ولتفتت المؤسَّسات الاجتماعية. كل هذه الكوارث زرع الخوف في قلوب البشر واليأس في مقدرة الإنسان على حلِّ مشكلاته.
    خصَّ كريشنامورتي هذه الأزمة العالمية باهتمام كبير في أحاديثه كلِّها، داعياً المستمعين إليه إلى أن يولوا انتباههم الجدِّي للبنى والاستعدادات النفسية التي تولد العنف والألم في حياتهم.
    يوسف أباجي
    ...............................................................

    جوهر تعاليم كريشنامورتي
    يتلخص في النص التالي الذي كتبه في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1980
    الحقيقة أرض بلا دروب. ليس بمقدور الإنسان أن يدنو منها عبر أي تنظيم، عبر أي معتقد، عبر أية عقيدة أو كاهن أو طقس، ولا عبر أية معرفة فلسفية أو رياضة نفسانية. عليه أن يجدها عبر مرآة العلاقة، عبر فهم محتويات ذهنه هو، عبر الرصد، وليس عبر التحليل الفكري أو العقلاني أو التشريح الاستبطاني.
    لقد بنى الإنسان تصورات عديدة في خياله سياجَ أمان طوَّق به نفسه – من صور دينية، وشخصية، وسياسية. تظهر هذه الصور على هيئة رموز وأفكار ومعتقدات، ويسيطر عبؤها على تفكير الإنسان وعلاقاته وحياته اليومية. وهذه الصور هي سبب مشكلاتنا حيث تفرق بين إنسان وآخر. إدراك المرء للحياة مقولب على المفاهيم التي رسخت مسبقاً في ذهنه. ومحتوى وعيه هو كل وجوده، وهو يشترك في هذا المحتوى مع البشرية جمعاء. الفردية هي مجرد الاسم والشكل والثقافة السطحية المكتسبة من التقاليد والبيئة التي نشأ فيها. إن فرادة الإنسان ليست في السطحية، بل في التحرر التام من محتوى وعيه الذي هو الشيء المشترك بينه وبين سائر البشرية. لذا فهو ليس فردياً.
    الحرية ليست ردَّة فعل، ولا هي الاختيار. إنه لمن زعم الإنسان وحسب أن حرية الاختيار هي الحرية حقاً. الحرية هي الرصد الصافي بدون جهة، بدون خوف من العقاب والثواب. الحرية مجردة من أي حافز. الحرية ليست عند نهاية تطور الإنسان، بل هي تكمن في الخطوة الأولى من وجوده. بالرصد نبدأ اكتشاف انعدام حريتنا. توجد الحرية في إدراكنا المتواصل، المتحرر من الاختيار، لوجودنا ونشاطنا اليوميين.
    الفكر هو الزمن. الفكر وليد التجربة والمعرفة الملازمين للزمن والماضي. الزمن هو العدو النفسي للإنسان. فأفعالنا كلها متكئة إلى المعرفة، وبالتالي على الزمن؛ لذا فإن الإنسان دائماً عبد للماضي. الفكر – أياً كان – محدود دائماً، ولذلك نعيش في صراع ومكابدة دائمين. ليس هناك تطور نفسي.
    عندما يصبح الإنسان واعياً لحركة أفكاره يرى ويكتشف أن هذا الانقسام بين المفكر والفكر، بين الراصد والمرصود، بين المختبر والخبرة، ما هو إلا وهم، عندئذٍ فقط يوجد الرصد الصافي الذي هو بصيرة بدون أي ظل أو شوائب من الماضي أو الزمن. تجلب هذه البصيرة اللازمنية تحولاً جذرياً وعميقاً في الذهن.
    النفي المطلق هو جوهر الإيجاب. عندما يكون هناك إنكار ونفي تام لكل تلك الأشياء التي أتى بها الفكر على نحو نفسي، عندئذٍ تكون هناك محبة، هي رحمة وفطنة.


    تابع:
                  

02-05-2015, 03:07 PM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    08:07 ص Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    Quote: سلامات يا عزيزي محمد آدم

    شكرا لك. التعديل لحذف سؤال وجدت إجابته.

    ياسر
    يا د.كتور ياسر سلامً عليّك مباركا من الله .. نعتز بتواجدك هنا ، لكي نتقصي الحقيّقه معا.
    Quote:
    مفيد جدا 
    لك التحية
    سنتابع
    أخونا ود قاسم شكراً ليك علي المُتابعه .. ربنا يديك العافيّه وخليك قريب.

    ...............
    لأن كريشنامورتي لم يعتنق ولم يبشر بأي معتقد ولكنه يعتمد علي آلية الفكر لرصد حركته لتبان له من خلالها الحقيقه..
    وسنأتي بمقال من مذكراته يشرح موقفه الفكري من هذه الموروثات وخطورتها علي الفرد والجماعه:



    .
                  

02-05-2015, 03:39 PM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    08:39 م Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 2 )
    ابْـقَ بـعـيـدًا
    من مفكرة كريشنامورتي*

    ج. كريشنامورتي

    لا يجوز لك أبدًا أن تظل هنا أكثر مما ينبغي؛ كن من البعد بحيث لا يكون بمستطاعهم أن يجدوك، أن يمسكوا بك ليشكِّلوك، ليُقَوْلبوك.
    كن بعيدًا جدًّا، كالجبال، كالهواء غير الملوث؛ كن من البعد بحيث لا يكون لك أهل، ولا علاقات، ولا أسرة، ولا وطن؛ كن من البعد بحيث لا تعرف حتى أين أنت.
    إياك أن تدعهم يعثرون عليك؛ إياك أن تحتك بهم احتكاكًا ألصق مما ينبغي.
    ابْقَ بعيدًا جدًّا حيث حتى أنت لا تقدر أن تجد نفسك؛ حافظْ على مسافة لا يُستطاع اجتيازُها أبدًا؛ حافظْ على ممر مفتوح دومًا لا يستطيع أحد أن يأتي عبره.
    إياك أن تغلق الباب؛ إذ لا باب أصلاً، بل ممرٌّ مفتوح وحسب، لا نهاية له؛ إذا أغلقت أي باب، سيكونون قريبين جدًّا منك، وإذ ذاك فأنت هالِك.
    ابْقَ بعيدًا جدًّا حيث لا تبلُغك أنفاسُهم – وأنفاسهم تسافر بعيدًا جدًّا وعميقًا جدًّا؛ إياك أن تدع عدواهم تصيبك، عدوى كلامهم، إيماءاتهم، معرفتهم العظيمة؛ عندهم معرفة عظيمة، لكنْ كن بعيدًا جدًّا عنهم حيث حتى أنت لا تقدر أن تجد نفسك.
    إذ إنهم ينتظرونك، عند كل زاوية، في كل بيت، ليشكِّلوك، ليُقَوْلبوك، ليقطِّعوك إربًا، ثم يعيدوا تجميعك على صورتهم.
    آلهتهم، الصغيرة والكبيرة، هي صور عن أنفسهم، نحتَها ذهنُهم أو نحتتْها أيديهم.
    إنهما بانتظارك، رجل الدين والشيوعي، المؤمن والملحد، وكلاهما سيان: إنهما يظنان أنهما مختلفان، لكنهما ليسا كذلك؛ فكلاهما يغسل دماغك، حتى تصير منهم، حتى تكرِّر كلماتهم، حتى تتعبد لقديسيهم، القدماء منهم والمُحدَثين؛ عندهم جيوش تذود عن آلهتهم وعن أوطانهم، وهم خبراء في القتل.
    ابْقَ بعيدًا جدًّا؛ لكنهما بانتظارك، المربي ورجل الأعمال: أحدهما يروِّضك من أجل الآخر لتنصاع لمتطلبات مجتمعهما، وهو شيء مميت؛ – عندهما شيء اسمه المجتمع والأسرة: هذان هما إلهاهما الحقيقيان، الشبكة التي ستعلق فيها.
    سيجعلان منك عالِمًا، مهندسًا، خبيرًا في كلِّ شيء تقريبًا، من الطبخ إلى العَمار إلى الفلسفة.
    ابْقَ بعيدًا، بعيدًا جدًّا؛ إنهما بانتظارك، السياسي والمصلح: الأول يجرُّك إلى القاع حتى البالوعة، وعندئذٍ يُصلِحك الثاني؛ إنهما يتلاعبان بالكلمات، ولسوف تتوه في قَفْرهما.
    ابْقَ بعيدًا جدًّا؛ إنهما بانتظارك، الخبير في الله ورامي القنابل: أحدهما سيَهديك والآخر [يدلُّك] كيف تقتل – وما أكثر الطرق للاهتداء إلى الله، وما أكثر طرق القتل، ما أكثرها!
    ولكن إلى جانب هؤلاء جميعًا، هناك جحافل من الآخرين لتلقينك ما تفعل وما لا تفعل؛ ابْقَ بعيدًا عنهم جميعًا، بعيدًا إلى حدِّ أنْ لا تقدر أن تجد نفسك ولا أي أحد سواك.
    أنت أيضًا تود أن تلعب مع جميع هؤلاء الذين ينتظرونك، لكن اللعبة تغدو عندئذٍ من التعقيد والتسلية بحيث تضيِّعك.
    لا يجوز لك أبدًا أن تظل هنا أكثر مما ينبغي؛ كن من البعد بحيث حتى أنت لا تقدر أن تجد نفسك.

    المصدر:
    سماوات جديّده
    http://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/far_away/http://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/far_away/
    .
                  

02-06-2015, 02:23 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)
                  

02-06-2015, 10:56 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    03:56 م Feb 6,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 3 )
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    وعيك هو وعي البشرية – ج. كريشنامورتي
    2013/11/18نصوص له
    وعيك هو وعي البشريَّة*
    كريشنامورتي متكلمًا في كاليفورنيا في عيد ميلاده الخامس والثمانين
    ج. كريشنامورتي
    الأزمة ليست اقتصادية – الحرب، القنبلة، رجال السياسة، العلماء –، الأزمة فينا، الأزمة في وعينا. فإلى أن نفهم فهمًا عميقًا جدًّا طبيعة ذاك الوعي، فنشكِّك ونغوص عميقًا فيه ونكتشف بأنفسنا إنْ كان بالمستطاع إحداث طفرة كلِّية في ذاك الوعي، سيواصل العالم اختلاق المزيد من البؤس، المزيد من البلبلة، المزيد من الرعب. ومنه، ليست مسؤوليتنا نوعًا ما من العمل الغيري، السياسي أو الاقتصادي، بل الإحاطة بطبيعة كياننا: لماذا صرنا هكذا، نحن البشر الذين مافتئنا نعيش على هذه الأرض الجميلة البديعة.
    فإذا كنتم مستعدِّين، إذا كانت المسؤولية مسؤوليتكم، بوسعنا أن ندرك، معًا، طبيعة وعينا، طبيعة كياننا. هذه ليست محاضرة، لكننا نحاول – أنتم والمتكلِّم معًا، غير منفصلين – أن نرصد حركة هذا الوعي وعلاقته بالعالم، سواء كان ذاك الوعي فرديًّا، منفصلاً، أو كان ذاك الوعي وعي النوع البشري بأسره. منذ الطفولة، نُربَّى على أن نكون أفرادًا، ذوي نفوس منفصلة – إذا اتفق لكم أن تؤمنوا بمثل هذا النوع من الأفكار. لقد دُرِّبتَ، رُبِّيتَ، أُشرِطتَّ على التفكير كفرد. فلأنَّ لنا أسماء منفصلة، هيئات منفصلة – سُمْر، شُقْر، طوال، قِصار، بيض، سود، إلى آخره –، ولأننا نختص بميول وخبرات بعينها، ترانا نظن أننا أفراد منفصلون. لكننا الآن سنشكِّك في هذه الفكرة بالذات: هل نحن أفراد؟
    هذا لا يعني أننا نوع من الكائنات الهلامية، ولكنْ، فعليًّا، هل نحن أفراد؟ يقول العالم أجمع، دينيًّا وبطُرُق أخرى على حدٍّ سواء، بأننا أفراد منفصلون. واعتبارًا من ذلك المفهوم، وربما من ذلك الوهم، إذ يحاول كلُّ واحد منَّا أن ينجز، أن يصير شيئًا، فإنه ينافس الآخر، يقاتله. ومنه، إذا بقينا على أسلوب الحياة ذاك لا بدَّ لنا حتمًا من التشبُّث بالقوميات، بالقَبَلية، بالحرب. فلماذا نتمسك بالقومية وبالهوى الذي يحرِّضها، وهو ما يحدث الآن؟ لماذا نضفي كلَّ هذه الأهمية الخارقة على القومية، وهي قَبَلية أساسًا؟ لماذا؟ ألأنَّ في تمسُّكنا بالقبيلة، بالجماعة، نوعًا من الأمان؟ – لا الأمان المادي، بل الأمان النفسي، الإحساس الباطن بالاكتفاء، بالامتلاء. إذا كان الأمر على هذا النحو فإن القبيلة الأخرى أيضًا تحسُّ إحساسًا مماثلاً؛ ومنه ينجم الانقسام، تنجم الحرب، النزاع.
    إذا رأى المرءُ حقيقةَ هذا فعليًّا، لا نظريًّا، وإذا شاء أن يعيش على هذه الأرض – وهي أرضنا جميعًا، لا أرضك أنت أو أرضي أنا، لا الأرض الأميركية أو الروسية أو الهندوسية –، إذ ذاك ليس هناك من قومية على الإطلاق، بل الوجود الإنساني فحسب. إنها حياة واحدة – ليست حياتك أنت أو حياتي أنا، بل الحياة في كلِّيتها. لكن هذه الفردية الموروثة ما انفكت الأديان تُديمُها، في الشرق وفي الغرب على حدٍّ سواء.
    والآن، هل الأمر على هذا النحو؟ إنه لأمرٌ جيدٌ جدًّا، كما تعلمون، أن نشك، أمرٌ جيدٌ جدًّا أن نتصف بذهن يشكِّك، لا يقبل، ذهن يقول: لم يعد بإمكاننا أن نواصل الحياة هكذا، على هذا النحو الوحشي، العنيف. ومنه، فإن للشك، للتشكيك أهمية خارقة، لا الاكتفاء بتقبُّل أسلوب الحياة الذي اتَّبعناه ربما طوال ثلاثين عامًا، أو أسلوب الحياة الذي اتَّبعه الإنسانُ طوال مليون سنة. وإذن، فنحن نشكِّك في واقعية الفردية.
    الوعي يعني التيقُّظ، المعرفة، الإدراك، الرصد. ومحتوى الوعي هو معتقدك، لذَّتك، خبرتك، المعرفة المعيَّنة التي جمعتَها، سواء من خلال الخبرة الخارجية أو من خلال مخاوفك، تعلُّقاتك، ألمك، عذاب الوحشة، الأسى، البحث عن شيء أكثر من مجرَّد الوجود الجسماني – ذاك كلُّه هو وعي المرء وما يحتويه. قوام الوعي هو محتواه. من غير محتوى، ينعدم الوعي كما نعرفه. ذاك الوعي – وهو معقَّد للغاية، متناقض، يتصف بحيوية خارقة –، هل هو وعيك أنت؟ هل الفكر فكرك؟ أم أنه لا يوجد سوى التفكير، وهو ليس من الشرق ولا من الغرب؟ يوجد التفكير وحسب، تشترك فيه البشريةُ جمعاء، أغنياؤها وفقراؤها على حدٍّ سواء. فالتقنيون، بمقدرتهم الخارقة، أو الرهبان الذين ينسحبون من العالم ويكرِّسون أنفسهم لفكرة ما، مازالوا يفكرون.
    فهل تشترك البشرية جمعاء في هذا الوعي؟ أينما ذهب المرء، تراه يشهد الشقاء، الألم، القلق، الوحشة، الجنون، الخوف، إلحاح الرغبة. هذا كلُّه مشترك بين الجميع؛ إنه الأرضية التي يقف عليها كلُّ إنسان. وعيك أنت هو وعي البشرية، بقية البشر. إذا فهم المرءُ طبيعةَ هذا الأمر – أنك بقية النوع البشري، مع أن أسماءنا مختلفة، نعيش في أجزاء مختلفة من العالم، نُربَّى بطُرُق شتى، نكون ميسوري الحال أو مدقعي الفقر –، حين تنظر خلف القناع تجدك مثل باقي البشر: عصابيًّا، موجوعًا، تعاني الوحشة والقنوط، تؤمن بوهم ما، إلى آخر ما هنالك. وسواء ذهبتَ إلى الشرق أو إلى الغرب وجدتَ الأمر على هذا النحو. قد لا تستحبُّه، بل قد تستحبُّ التفكير بأنك كلِّي الاستقلالية، حرٌّ، فرد. لكنك حين ترصد رصدًا عميقًا للغاية تجد أنك بقية البشرية.

    أوهَيْ، 1 أيار 1982
                  

02-06-2015, 11:15 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    04:15 م Feb 6,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    موقع من مواقع تعاليمه.
    Jiddu Krishnamurti Online Logo
    The official repository of the authentic teachings of J. Krishnamur

    وهذا هو رابط الموقع:
    http://www.jkrishnamurti.org/index.php[/red][/B][/I][/greenhttp://www.jkrishnamurti.org/index.php[/red][/B][/I][/green]


    بالإضافه إلي موقعي معابر:
    http://maaber-new.com/krishnamurti/index.htmhttp://maaber-new.com/krishnamurti/index.htm
    وسماوات جديده
    لاتثق بأي أي جواب... كن سؤالك.
    للسيد ديمتري إفييلاينوس.
    http://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/our_consciousness_is_the_consciousness_of_humanity/#more-2085http://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/our_consc..._humanity/#more-2085

    .
                  

02-06-2015, 11:20 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    04:20 م Feb 6,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 4 )
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    التربية والطبيعة – ج. كريشنامورتي
    2013/11/17نصوص له
    التربية والطبيعة
    من رسائل إلى المدارس*
    ج. كريشنامورتي مع أطفال من مدرسة أوك گروand#1700;، أوهَيْ، كاليفورنيا
    ج. كريشنامورتي
    1 تشرين الثاني 1983
    من المؤكد تمامًا أن المربِّين واعون بما يحدث فعليًّا في العالم. الناس منقسمون عرقيًّا، دينيًّا، سياسيًّا، اقتصاديًّا، وفي هذا الانقسام تفتيت؛ إنه يسبِّب فوضى هائلة في العالم: الحروب، وشتى أنواع التضليل السياسي، إلى آخر ما هنالك. هناك تفشٍّ للعنف، الإنسان ضد الإنسان – هذه هي الحال الفعلية للبلبلة في العالم، في المجتمع الذي نعيش فيه. هذا المجتمع يخلقه البشر أجمعون بثقافاتهم، بانقساماتهم اللغوية، بانفصالهم الإقليمي. وهذا كلُّه لا يولِّد البلبلة وحسب، بل الكراهية، كمٌّ هائل من العداء، والمزيد من التباينات اللغوية. هذا ما يحدث، ومسؤولية المربِّي عظيمة للغاية حقًّا.
    ماذا تفعل هذه التربية فعليًّا؟ أتراها حقًّا تساعد الإنسان أو أبناءه أن يصبحوا أكثر مبالاة أو ألطف أو أكرم؟ أتراها تساعده ألا يرتدَّ إلى النموذج القديم، إلى بشاعة هذا العالم وخُبثه الماضيين؟ إذا كان [المربِّي] مباليًا حقًّا، كما ينبغي له أن يكون، عليه عندئذٍ أن يساعد الطالب على اكتشاف علاقته بالعالم، لا بعالم الخيال أو العاطفة الرومانسية، بل بالعالم الواقعي الذي تجري فيه الأشياء كلُّها؛ وكذلك بعالم الطبيعة، بالصحراء، بالغاب، أو بالأشجار القليلة التي تحيط به، وبحيوانات العالم. الحيوانات – لحسن الحظ – ليست قومية: إنها لا تصطاد إلا للبقاء حية. فإذا فقد المربِّي والطالب علاقتهما بالطبيعة، بالأشجار، بالبحر المائج، فإن كلاًّ منهما سيفقد قطعًا علاقته مع الإنسان.
    ما هي الطبيعة؟ هناك كمٌّ كبير من الكلام على الطبيعة والسعي في حمايتها، الحيوانات، الطيور، الحيتان والدلافين، في تنظيف الأنهار الملوَّثة، البحيرات، الحقول الخضراء، إلى ما هنالك. الطبيعة ليست من تجميع الفكر، كما هو شأن الدِّين، كما هو شأن المعتقَد. الطبيعة هي النمر، ذلك الحيوان الخارق بطاقته، بحسِّه العظيم بالقوة. الطبيعة هي الشجرة المتوحِّدة في الحقل، هي المروج والبساتين؛ إنها ذلك السنجاب المختبئ على خَفَر وراء غصن. الطبيعة هي النملة والنحلة وسائر أشياء الأرض الحية. الطبيعة هي النهر، لا نهر بعينه، سواء كان الغانج أو التامس أو الميسيسيپي. الطبيعة هي تلك الجبال كلُّها، المكلَّلة بالثلج، مع الوديان الداكنة الزرقة وسلسلة التلال التي تُلاقي البحر. … على المرء أن يعطف على هذا كلِّه، فلا يدمِّره، ولا يقتل من أجل لذَّته.
    الطبيعة جزء من حياتنا. لقد نشأنا من البذرة، من الأرض، ونحن جزء من ذلك كلِّه؛ لكننا مابرحنا نفقد الإحساس بأننا حيوانات كسائر الحيوانات الأخرى. هل بوسعك أن تعطف على تلك الشجرة؟ انظرْ إليها، عايِنْ جمالَها، أصغِ إلى الصوت الصادر منها؛ كُنْ حساسًا بالنبتة الصغيرة، بالعشبة البرِّية الضئيلة، بتلك الدويبة التي تتسلق الجدار، بالضوء على أوراق الشجر وبالظلال الكثيفة. عليك أن تعي هذا كلَّه وتتصف بذلك الإحساس بالوصال مع الطبيعة من حولك. قد تعيش في بلدة، لكن عندك أشجار متناثرة هنا وهناك. قد تعاني زهرةٌ في الحديقة المجاورة سوءَ العناية، فتختنق وسط الأعشاب البرِّية، لكنْ انظرْ إليها، اشعرْ أنك جزء من ذاك كلِّه، جزء من الأشياء الحية كلِّها. إذا آذيتَ الطبيعة فأنت تؤذي نفسك.
    هذا كلُّه، كما تعلمون، قيل من قبلُ بأساليب مختلفة، لكنْ لا يبدو علينا أننا نولي الكثير من الانتباه. فهل إننا عالقون في شبكة مشكلاتنا نحن، رغباتنا نحن، دوافعنا نحن إلى اللذة والألم، إلى حدِّ أننا لا ننظر حولنا أبدًا، لا نراقب القمر أبدًا؟ راقبْه. راقبْ بعينيك وأذنيك جميعًا، بحاسة الشمِّ لديك. راقبْ. انظرْ كما لو أنك تنظر للمرة الأولى. إذا استطعتَ أن تفعل ذلك فأنت ترى تلك الشجرة، ذاك الدغل، نصل العشب ذلك، للمرة الأولى. إذ ذاك تستطيع أن ترى مدرِّسك، أمَّك وأباك، شقيقك وشقيقتك، للمرة الأولى. هناك عند ذاك شعور خارق: العَجَب، الغرابة، معجزة صباح نَضِر لم يكن من قبلُ قط، ولن يكون أبدًا. كُنْ حقًّا على وصال مع الطبيعة، غير عالق لفظيًّا في وصفها، بل كُنْ جزءًا منها، كُنْ واعيًا، اشعرْ بأنك تنتمي إلى ذاك كلِّه، كُنْ قادرًا أن تُكِنَّ محبةً لذاك كلِّه، أن تعجب لمرأى غزال، لمرأى الضبِّ على الجدار، لمرأى ذلك الغصن المكسور المرتمي على الأرض. انظرْ إلى نجمة المساء أو القمر الوليد، من غير الكلمة، من غير أن تكتفي بمجرد قولك: “ما أجمله!”، ثم تُدبِرَ عنه وقد جَذَبَك شيءٌ آخر، بل راقبْ تلك النجمة المتوحِّدة والقمر الوليد الرقيق كما لو للمرة الأولى. إذا كان ثمة وصال كهذا بينك وبين الطبيعة يمكن لك عندئذٍ أن تتواصل مع الإنسان، مع الصبي الجالس إلى جانبك، مع مربِّيك، أو مع والديك. ترانا لم نفقد فقط كلَّ حسٍّ بالعلاقة خالٍ من التصريح اللَّفظي بالمودة والمبالاة، بل وهذا الإحساس بالوصال الذي ليس لفظيًّا. إنه إحساس بأننا جميعًا معًا، بأننا جميعًا بشر، غير منقسمين، غير مفتَّتين، غير منتمين إلى أيِّ جماعة بعينها أو عرق بعينه، أو إلى تصورات مثالية ما، بل بأننا جميعًا بشر، نحيا جميعًا على هذه الأرض الخارقة، البديعة.
    على المربِّي أن يتكلَّم على هذه الأشياء كلِّها، ليس لفظيًّا فقط، بل يجب عليه أن يشعر به بنفسه – العالم، عالم الطبيعة وعالم الإنسان. فهما مترابطان. ليس بمستطاع الإنسان أن يتهرَّب من ذلك. عندما يدمِّر الطبيعة فهو يدمِّر نفسه. عندما يقتل سواه فهو يقتل نفسه. العدو ليس الآخر، بل هو أنت. الحياة على مثل هذا التناغم مع الطبيعة، مع العالم، تجلب، بطبيعة الحال، عالمًا مختلفًا.
    15 تشرين الثاني 1983
    إنك لَتتعلَّم الكثير من المراقبة – مراقبة الأشياء من حولك، مراقبة العصافير، الأشجار، مراقبة السماوات، النجوم، كوكبة الجبار، الدب، نجمة المساء. إنك لَتتعلَّم من محض المراقبة، لا من مراقبة الأشياء من حولك وحسب، بل ومن مراقبة الناس أيضًا: كيف يمشون، كيف يومِئون، أي كلمات يستعملون، ماذا يلبسون من ثياب. وأنت لا تراقب ما هو في الخارج وحسب، بل وتراقب نفسك أيضًا، لماذا تفكر في هذا أو ذاك، كيف تتصرف، كيف تسلك في حياتك اليومية، لماذا يريدك الوالدان أن تفعل هذا أو ذاك. أنت تراقب، ولا تقاوم. إذا قاومتَ لن تتعلَّم. أو تراك إذا توصَّلتَ إلى نوع من الاستنتاج النهائي، إلى رأيٍ ما تظنُّه صائبًا، وتشبَّثتَ به، إذ ذاك، بطبيعة الحال، لن تتعلَّم أبدًا. الحرية ضرورية للتعلُّم، وكذلك حبُّ الاستطلاع، الإحساسُ بأنك تريد أن تعرف لماذا تتصرف أنت أو الآخرون على نحوٍ بعينه، لماذا يغضب الناس، لماذا يعتريك انزعاج.
    والداك – خصوصًا في الشرق – يأمرانك بِمَنْ يجب أن تتزوج ويرتِّبون لك أمر الزيجة؛ يأمرانك بما يجب أن تكون عليه سيرتك المهنية. وهكذا فإن المخ يقبل بالطريق السهل، والطريق السهل ليس الطريق الصائب دومًا. أتساءل إنْ كنتَ قد لحظتَ بأنه لم يعد أحدٌ يحبُّ عمله، ماعدا، ربما، ثلَّة من العلماء والفنانين والآثاريين. لكن الإنسان العادي، المتوسط، قلما يحب ما يفعل؛ إنه عبد مأمور للمجتمع، لوالديه، أو للدافع إلى كسب مزيد من المال. وإذن، تعلَّمْ أن تراقب العالم الظاهري مراقبةً دقيقةً للغاية، العالمَ خارجك، والعالمَ الباطني – أيْ عالمَ نفسك.
    .
                  

02-06-2015, 11:29 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    04:29 م Feb 6,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 5 )
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    معرفة النفس – ج. كريشنامورتي
    2013/11/17نصوص له
    في معرفة النفس*
    ج. كريشنامورتي
    حسبنا أن ننظر إلى العالم من حولنا حتى نرى البلبلة والبؤس والرغبات المتنازعة. وأغلب الناس المبالين والجدِّيين، – لا الناس الذين يلعبون لعبة التظاهُر، بل الناس المهتمُّون حقًّا، – إذ يدركون هذا العماء العالمي، سوف يرون بطبيعة الحال أهمية التفكر في مشكلة العمل. هناك العمل الجماهيري والعمل الفردي؛ و”العمل الجماهيري” صار مفهومًا مجردًا، مَهْربًا ملائمًا للفرد. فالفرد، إذ يظن أن هذا العماء، – هذا البؤس، هذه النكبة التي لا تنفك تتصاعد، – يمكن للعمل الجماهيري أن يحوِّله أو أن يُحِلَّ فيه النظام، تراه يصير غير مسؤول. “الجماهير” قطعًا كيان متخيَّل؛ فالجماهير هي أنت وأنا. ففقط حين لا نفهم – أنت وأنا – علاقة العمل الصحيح، ترانا نلوذ بالمفهوم المجرَّد المسمَّى “الجماهير” – وبذا نصير غير مسؤولين في عملنا. ومن أجل الإصلاح في العمل نبحث إما عن قائد وإما عن العمل المنظَّم الجماعي، وهو عمل “جماهيري” هو الآخر. وعندما نلوذ بقائد طلبًا للتوجيه في العمل، ترانا لا محالة نختار شخصًا نظن أنه سوف يعيننا على تجاوز مشكلاتنا نحن، بؤسنا نحن. لكن القائد نفسه – لأننا نختار قائدنا اعتبارًا من بلبلتنا – قائد مبلبل هو الآخر. فنحن لا نختار قائدًا إلا ويشبه أنفسنا؛ إذ لا نستطيع… لا نستطيع إلا أن نختار قائدًا مبلبلاً مثلنا؛ لذا فإن أمثال هؤلاء القادة، أمثال هؤلاء المرشدين والـگورو [المعلِّمين] الروحيين المزعومين، يقودوننا لا محالة إلى مزيد من البلبلة، إلى مزيد من البؤس. وبما أن ما نختار لا بدَّ وأن نختاره اعتبارًا من بلبلتنا فإننا حين نتبع قائدًا ترانا لا نتبع إلا إسقاطنا الذاتي المبلبل. لذا فإن مثل هذا العمل، مع أنه قد يثمر عن نتيجة فورية، يقود لا محالة إلى مزيد من النكبات.
    ومنه، نرى أن العمل الجماهيري – مع أنه قد يكون ذا قيمة في بعض الحالات – يقود حتمًا إلى النكبة، إلى البلبلة، ويجلب انعدام المسؤولية من جانب الفرد، وأن التبعية لقائد لا بدَّ أن تزيد من البلبلة هي الأخرى. ومع ذلك، علينا أن نحيا. الحياة هي العمل؛ الوجود هو العلاقة. لا عمل ثمة من دون علاقة، ولا يمكن لنا أن نحيا معزولين. ليس هناك شيء اسمه العزلة. فالحياة هي أن نعمل وأن نكون على علاقة. ومنه، حتى نفهم العمل الذي لا يفتعل المزيد من البؤس، المزيد من البلبلة، علينا أن نفهم أنفسنا، بكلِّ تناقضاتنا، بعناصرنا المتضادة، بأوجُهنا العديدة التي لا ينفك بعضها يتصارع مع بعضها الآخر. فإلى أن نفهم أنفسنا، لا بدَّ للعمل من أن يقود حتمًا إلى مزيد من النزاع، إلى مزيد من البؤس.
    مشكلتنا، إذن، هي العمل المصحوب بالفهم؛ وذاك الفهم لا يمكن له أن يحصل إلا عبر معرفة النفس. فالعالم، في النهاية، هو إسقاط لنفسي: ما أنا إيَّاه يكونه العالم؛ العالم ليس مختلفًا عني، العالم ليس مضادًّا لي. العالم وأنا لسنا كيانين اثنين منفصلين. المجتمع هو نفسي؛ ليس هناك سيرورتان مختلفتان. العالم امتداد لنفسي، ولفهم العالم، عليَّ أن أفهم نفسي. الفرد ليس متعارضًا مع الجماهير، مع المجتمع، لأن المجتمع هو الفرد بالذات. المجتمع هو العلاقة بينك وبيني وبين الآخر. لا يوجد تضادٌّ بين الفرد والمجتمع إلا حين يصير الفرد غير مسؤول. مشكلتنا، إذن، لا يُستهان بها. هناك أزمة مهولة تواجه كلَّ بلد، كلَّ شخص، كلَّ جماعة. فما هي طبيعة علاقتنا – أنت وأنا – بتلك الأزمة، وكيف سنعمل؟ من أين نبدأ من أجل أن نُحدِثَ تحوُّلاً؟ كما قلت، إذا لذنا بالجماهير لن نجد مخرجًا، لأن الجماهير تقتضي وجود قائد، والجماهير يستغلُّها دومًا السياسي والكاهن والخبير. وبما أنك وأني نصنع الجماهير، لا مناص لنا من تحمُّل المسؤولية عن عملنا؛ أي أن علينا أن نفهم طبيعتنا نحن، علينا أن نفهم أنفسنا. وفهم أنفسنا لا يتم بالانسحاب من العالم، لأن الانسحاب يقتضي العزلة، ولا نستطيع أن نعيش معزولين. ومنه، علينا أن نفهم العمل في العلاقة، وذاك الفهم يتوقف على وعينا طبيعتَنا نحن، المتنازعة والمتناقضة. أعتقد أن من الحمق أن نتصور حالاً يسودها السلام بوسعنا أن نتطلَّع إليها. لا يمكن أن يوجد سلام وطمأنينة إلا حين نفهم طبيعة أنفسنا ولا نفترض سلفًا حالاً لا نعرفها. قد تكون هناك حال سلام، لكن مجرد التكهُّن حولها لا جدوى منه.
    من أجل العمل السليم، لا بدَّ من التفكير السليم؛ ومن أجل التفكير السليم، لا بدَّ من معرفة النفس؛ ومعرفة النفس لا تحصل إلا عبر العلاقة، لا عبر العزلة. لا يمكن للتفكير السليم أن يأتي إلا بفهم أنفسنا الذي ينبجس منه العمل السليم. العمل السليم هو العمل الذي ينبع من فهم أنفسنا: لا فهم جزء واحد من أنفسنا، بل فهم محتوى أنفسنا برمَّته، طبائعنا المتناقضة، كل ما نحن إيَّاه. ونحن، حين نفهم أنفسنا، يتمُّ العمل السليم؛ ومن ذلك العمل توجد السعادة. وفي الحاصل، فإن السعادة هي ما نريد، هي التي يطلبها أغلبنا عبر أشكال متنوعة، عبر مختلف المهارب – مهارب النشاط الاجتماعي، مهارب العالم البيروقراطي، التسلية، العبادة وتكرار العبارات، الجنس، ومهارب أخرى لا تُحصى. لكننا نرى أن هذه المهارب لا تجلب سعادة مستديمة، بل تجلب تسكينًا مؤقتًا وحسب. فما من شيء حقيقي فيها، ما من بهجة مستديمة أساسًا. أعتقد أننا سنجد تلك البهجة، تلك النشوة، فرح الوجود المبدع الحقيقي ذاك، فقط حين نفهم أنفسنا. لكن فهم أنفسنا هذا ليس سهلاً، بل يتطلب تيقظًا، وعيًا معيَّنًا. وذاك التيقظ، ذاك الوعي، يمكن له أن يأتي فقط حين لا ندين، حين لا نبرِّر، لأنه لحظة ندين أو نبرِّر نضع حدًّا لسيرورة الفهم. حين ندين أحدهم نكفُّ عن فهم ذلك الشخص، وحين نتماهى مع ذلك الشخص نكفُّ عن فهمه أيضًا. والأمر مماثل مع أنفسنا. رَصْدُ نفسك، وعيُ ما أنت إيَّاه وعيًا سالبًا، من أصعب ما يكون، ولكن من ذاك الوعي السالب يأتي فهمٌ، يأتي تحوُّلٌ للـموجود، ووحده ذاك التحوُّل يفتح الباب للحق.
    مشكلتنا، إذن، هي العمل والفهم والسعادة. ولا أساس للتفكير الصحيح ما لم نعرف أنفسنا. من غير أن أعرف نفسي لا أساس عندي للتفكير – بوسعي فقط أن أعيش في حال تناقُض، كما يفعل معظمنا. حتى أُحدِثَ تحولاً في العالم – وهو عالم علاقتي – لا بدَّ لي من أن أبدأ بنفسي. رُبَّ قائل يقول: “إحداث تحوُّل في العالم بتلك الطريقة يستغرق وقتًا طويلاً لا ينتهي.” إذا كنَّا نطلب نتائج فورية فبطبيعة الحال سنظن أن الأمر يستغرق وقتًا أطول مما ينبغي. النتائج الفورية يَعِدُ بها السَّاسةُ، أما الإنسان الذي يطلب الحقيقة فأخشى ألا توجد عنده نتيجة فورية. الحقيقة هي التي تحوِّل، لا العمل الفوري؛ ووحده اكتشاف كلِّ واحد للحقيقة سيجلب السعادة والسلام إلى العالم. الحياة في العالم، لكنْ من غير أن نكون من العالم، هي مشكلتنا؛ وإنها لمشكلة سعي مخلص، لأننا لا نستطيع أن ننسحب، لا نستطيع أن نزهد، بل علينا أن نفهم أنفسنا. فهم المرء نفسَه هو بداية الحكمة. وفهم المرء نفسَه هو فهمُه علاقتَه مع الأشياء والناس والأفكار. فإلى أن نفهم مغزى علاقتنا كاملاً مع الأشياء والناس والأفكار ومعناها التام فإن العمل – وهو العلاقة – سيجلب حتمًا النزاع والصراع. لذا لا بدَّ للإنسان المخلص حقًّا من أن يبدأ بنفسه؛ عليه أن يكون واعيًا وعيًا سالبًا بأفكاره ومشاعره وأفعاله كلِّها. للمرة الثانية، هذه ليست قضية زمن. فمعرفة النفس لا نهاية لها. معرفة النفس هي فقط من لحظة للحظة، وبالتالي، هناك سعادة خلاقة من لحظة للحظة.
    حين أتعامل مع أسئلتكم، رجاءً لا تنتظروا جوابًا؛ لأني وإيَّاكم سنتفكَّر في المسألة معًا ونجد الجواب في المسألة. إذا انتظرتم جوابًا وحسب أخشى ما أخشاه أن أملكم سوف يخيب. فالحياة ليس عندها “نعم” أو “لا” قاطعتان، مع أن هذا ما نتمنى. الحياة أعقد من ذلك وأرهف. ومنه، حتى نجد الجواب، علينا أن نتدارس المسألة؛ ما يعني أننا يجب أن نتحلَّى بالصبر والفطنة للتعمق فيها.
    سؤال: ما هي مكانة الدِّين المنظَّم في المجتمع الحديث؟
    كريشنامورتي: دعنا نتحرى عما نعنيه بـ”الدين” وما نعنيه بـ”المجتمع الحديث”. ماذا نعني بالدِّين؟ ماذا يعني الدِّين بنظرك؟ إنه يعني – ألا يعني؟ – جملة معتقدات، شعائر، عقائد، خرافات عديدة، پوجا [عبادة]، تكرار كلمات، آمالاً مبهمة، غير مستجابة، محبَطة، قراءة كتب بعينها، تبعية للـگورو، الذهاب إلى المعبد في بعض المناسبات، إلى ما هنالك. ذاك كلُّه، قطعًا، هو الدِّين بنظر أكثر الناس عندنا. ولكن هل ذاك هو الدِّين؟ هل الدِّين عرف، عادة، تقليد؟ الدِّين، قطعًا، شيء أبعد من هذا كلِّه بكثير، أليس كذلك؟ الدِّين يقتضي البحث عن الحق، وهو لا يمتُّ بأيِّ صلة إلى الاعتقاد المنظَّم، المعابد، العقائد، أو الشعائر؛ ومع ذلك، فإن تفكيرنا، قوام وجودنا بالذات، عالِقٌ، واقعٌ في شَرَك المعتقدات والخرافات إلى ما هنالك. من الواضح أن الإنسان الحديث ليس ديِّنًا؛ لذا فإن مجتمعه ليس مجتمعًا صحيحًا، متوازنًا. قد نتبع مذاهب بعينها، أو نتعبَّد لصور بعينها، أو نبتكر دين دولة جديد، لكن من الواضح أن هذه الأشياء كلَّها ليست من الدِّين في شيء. قلت إن الدِّين هو البحث عن الحق، لكن ذاك الحق غير معلوم؛ إنه ليس الحق القابع في الكتب، ليس خبرة الآخرين. وللعثور على ذاك الحق، للكشف عنه، لدعوته، لا بدَّ للمعلوم من أن يتوقف؛ كما يجب إمعان النظر في المغزى من جميع التقاليد والمعتقدات، فهمها، ونبذها. ولفعل هذا، لا معنى لتكرار الشعائر. لذا من الواضح أن الإنسان الديِّن حقًّا لا ينتمي إلى أيِّ دين، إلى أيِّ تنظيم؛ إنه ليس هندوسيًّا ولا مسلمًا؛ إنه لا ينتمي إلى أيِّ طبقة.
    والآن، ما هو العالم الحديث؟ العالم الحديث قوامه التقنية وفعالية التنظيمات الجماهيرية. هناك تقدُّم هائل في التكنولوجيا، مع سوء توزيع لحاجات الجماهير؛ وسائل الإنتاج حكر على أيدي ثلَّة صغيرة. هناك قوميات متنازعة، حروب متكررة على الدوام تفتعلها حكومات “ذات سيادة”، إلى ما هنالك. ذاك هو العالم الحديث، أليس كذلك؟ هناك تقدُّم تقني من غير تقدُّم نفساني مساوٍ له في الحيوية، وإذن، فهناك حالة اختلال توازن؛ هناك إنجازات علمية خارقة، وفي الوقت نفسه، بؤس بشري، قلوب خاوية، وأذهان فارغة. والعديد من التقنيات التي تعلَّمناها يتصل ببناء الطائرات، بقتل بعضنا بعضًا، إلى ما هنالك. وإذن، فذاك هو العالم الحديث، الذي هو أنت نفسك. العالم ليس مختلفًا عنك. عالمك – الذي هو أنت نفسك – هو عالم العقل النامي والقلب الخاوي. إذا أمعنتم النظر في أنفسكم سترون أنكم بالذات نتاج المدنية الحديثة: أنتم تعرفون كيف تؤدون بضع حيل، – حيل تقنية، مادية، – لكنكم لستم كائنات إنسانية مبدعة. أنتم تنجبون أطفالاً، لكن هذا ليس من الإبداع في شيء! فحتى يستطيع المرء أن يبدع يحتاج إلى غنى داخلي خارق، وذاك الغنى لا يمكن له أن يحصل إلا حين نفهم الحقيقة، حين نكون قادرين على استقبال الحقيقة.
    وإذن، فالدِّين والعالم الحديث متلازمان، كلاهما ينمِّي القلب الخاوي – وذاك هو الجانب المؤسف من حياتنا. نحن سطحيون، لامعون عقليًّا، قادرون على اختراعات عظيمة وعلى إنتاج أكثر الوسائل تدميرًا لتصفية بعضنا بعضًا، وعلى إيجاد مزيد ومزيد من الانقسام بين بعضنا بعضًا، لكننا لا نعرف ما معنى أن نحب، ليست هناك أغنية في قلوبنا. ترانا نعزف الموسيقى، نستمع إلى الراديو، ولكن لا غناء ثمة، لأن قلوبنا خاوية. لقد خلقنا عالمًا مبلبلاً تمامًا، بائسًا، وعلاقاتنا مهلهلة، سطحية. أجل، الدِّين المنظَّم والعالم الحديث صنوان، لأن كلاهما يقود إلى البلبلة، وبلبلة الدِّين المنظَّم والعالم الحديث هذه هي جنى أيدينا. إنهما التعبيران المسقَطان ذاتيًّا عن أنفسنا. ومنه، لا مجال لأيِّ تحوُّل في العالم الخارجي ما لم يحدث تحوُّل في صميم كلِّ واحد منَّا؛ وإحداث ذاك التحوُّل ليس مشكلة الخبير أو الاختصاصي أو القائد أو الكاهن، بل مشكلة كلِّ واحد منَّا. إذا تركناها للآخرين، بتنا غير مسؤولين، وبالتالي فإن قلوبنا تصير خاوية. والقلب الخاوي مع عقل تقني ليس كائنًا إنسانيًّا مبدعًا؛ ولأننا أضعنا حالة الإبداع تلك، ترانا أنتجنا عالمًا بائسًا، مبلبلاً تمامًا، تحطِّمه الحروب، تمزِّقه التمييزات الطبقية والعرقية. وإنها لمسؤوليتنا أن نُحدِث تحولاً جذريًّا في أنفسنا.

    نيودلهي، 14 تشرين الثاني 1948




    .إستراحه
    ونواصل.


    .

    .
                  

02-08-2015, 00:13 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    17:13 م Feb 7,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    Quote: أما "فكر" كريشنامورتي فهو يقوم على أسُس نفسانية يمكن التحقق منها "تجريبيًّا" – شريطة أن يتحلَّى المرء بالجرأة والشجاعة الكافيتين للإقدام على مثل هذه المغامرة – في وسعها أن تحثَّ فيه، من دون أدنى عنف أو لجوء إلى سلطة فكرية خارجية، تحولاً غير متوقَّع يشمل كلَّ جانب من جوانب حياته.
    وإن التعمق في دراسة تعاليم كريشنامورتي ليتكشَّف عن آفاق جديدة توطِّد دعائم فكر حرٍّ، نقيٍّ، متجدد، يتخطى كلَّ الحدود والمقولات التي تفرضها علينا غالبيةُ المناهج والفلسفات والمذاهب التي لا تتسبَّب، في الأعم الأغلب، إلا في التجزئة والصراع والفوضى – الأمر الذي يمنح هذا الفكر توجُّهًا عالميًّا شاملاً بالغ الأهمية، وخاصة في عصرنا.
    .
                  

02-08-2015, 00:18 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    17:18 م Feb 7,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 6 )

    الحياة من غير أذى*
    السائل: كيف يمكن للواحد منَّا أن يعيش على هذه الأرض من غير أذى أو تدمير لجمالها، من غير جلب الشقاء والموت على الآخرين.
    كريشنامورتي: هل سبق لك أن طرحت هذا السؤال يومًا؟ فعليًّا؟ ليس نظريًّا، بل فعليًّا – هل تراك طرحت ذاك السؤال، واجهتَه؟ لا تتهرَّبْ منه، لا تفسِّرْه بأن الشقاء ضروري، وما إلى ذلك، بل انظرْ إليه، جابِهْه. هل سبق لك أن طرحت مثل هذا السؤال يومًا؟ ليس جماهيريًّا، ليس للقيام بمظاهرة ضد سياسيٍّ بعينه يريد أن يدمِّر حديقة وطنية، أو هذا أو ذاك. طرحُك مثل هذا السؤال يعني أنك تحترق به، أنه شيء هائل الواقعية، لا مجرَّد سؤال تخيُّلي تصرف به وقت النهار. [المسألة هي] الحياة على هذه الأرض، بجمالها الخارق، وعدم تدميرها، [هي] إنهاء الأسى، وعدم قتل إنسان آخر، عدم قتل أيِّ شيء حي. هناك طائفة معيَّنة في الهند وسيلة النقل عندهم هي المشي؛ إنهم لا يستقلُّون قطارات، ولا طائرات، ولا عربات، ويضعون قناعًا لكيلا يقتلوا حشرة بالتنفس. بعض تلك الجماعة أتوا لرؤية المتكلِّم وساروا ثمانمئة ميل! وهم يأبون القتل.
    وهناك مَن يقتلون: يقتلون على سبيل الرياضة، يقتلون على سبيل التسلية، يقتلون للانتفاع – صناعة اللحم برمَّتها. هناك مَن يدمِّرون الأرض، يبثُّون الغازات السامة، يلوثون الهواء والمياه، ويلوثون بعضهم بعضًا. هذا ما بتنا نفعله بالأرض وبأنفسنا.
    فهل بوسعنا أن نحيا على هذه الأرض، بجمالها العظيم، ولا نجلب الشقاء أو الموت على الآخرين؟ إنه سؤال جِدِّي للغاية. أن نحيا حياتنا من غير أن نتسبَّب بالشقاء أو الموت للآخرين – ذاك يعني عدم قتل إنسان، كما يعني عدم قتل أيِّ حيوان على سبيل الرياضة، أو من أجل طعامك. فهل تفهم هذا كلَّه؟ هذه هي المسألة.
    كانت هناك طبقة معيَّنة من الناس في الهند لم يأكلوا لحمًا قط، إذ يعتقدون أن القتل خطيئة؛ وكانوا يسمَّون آنذاك بالبراهمة. والمدنية الغربية لم تستفسر قط إنْ كان القتل صوابًا، إنْ كان قتل أيِّ شيء حي مبرَّرًا. لقد دمَّر العالم الغربي عروقًا برمَّتها من الناس. صحيح؟ دمَّرت أميركا الهنود، اكتسحتْهم لأنهم يريدون أرضهم، إلى آخر القصة. فهل بوسعنا أن نحيا على هذه الأرض من دون قتل، من دون حرب؟ بوسعي أن أجيب عن هذا السؤال، ولكن ما قيمة الجواب بنظرك عندئذٍ إنْ كنت تقتل؟ لا أقول هذا تأييدًا للمذهب النباتي. (كتب أحد الكتَّاب منذ مدة: “بات المذهب النباتي يسري سريان الوباء في بلادنا”!) لكنك تقتل الملفوفة؛ ومنه، أين ترسم الخطَّ الفاصل؟ وهل تراك تجعل الأمر مشكلة؟ أتفهم سؤالي؟
    إذا كنت تعارض الحرب – مثلما يعارضها بعض البشر، والمتكلِّم منهم، يعارضون قتل بشر سواهم مهما يكن السبب – لا يجوز لك أن ترسل رسالة بالبريد! إذ إن جزءًا من ثمن الطابع البريدي الذي تشتريه، من ثمن الطعام الذي تحصل عليه، يذهب للدفاع، للتسلُّح. إذا اشتريت بنزينًا (گازولين [كما يقال] في هذا البلد) فإن جزءًا من ثمنه يموِّل ذلك، إلخ، إلخ. فماذا ستفعل إذن؟ إذا امتنعتَ عن دفع الضرائب فمصيرك أن تغرَّم أو تودَع السجن. إذا لم تشترِ طوابع أو گازًا، تراك لا تقدر أن تكتب رسائل ولا أن تسافر، وبذلك تحشر نفسك في زاوية؛ والعيش محشورًا في زاوية يبدو نوعًا ما بلا طائل. فماذا ستفعل إذن؟ هل تراك تقول: “لن أسافر، لن أكتب رسالة”؟ فهذا كلُّه يساعد على الإنفاق على الجيش والأسطول والتسلُّح – أتتابع؟ – عملية الابتزاز كلها. أم تراك تقارب المسألة مقاربة مختلفة؟
    لماذا نقتل؟ قتلت الأديان، ولاسيما المسيحية، عددًا غفيرًا من الناس؛ لقد عذَّبوا الناس، رَمَوْهُم بالزندقة، أحرقوهم. تعرفون تاريخ الأمر كلَّه. المسلمون كذلك فعلوا ذلك. لعل الهندوس والبوذيين هم وحدهم القوم الذين لم يقتلوا – فدينهم يحرِّم القتل.
    كيف يمكن للواحد منَّا أن يحيا على هذه الأرض من غير أن يقتل سواه ويتسبَّب في شقائه؟ التوغل في هذه المسألة توغلاً عميقًا حقًّا عملية جدية للغاية. فهل توجد صفة المحبة تلك التي تجيب عن هذا السؤال؟ إذا أحببتَ إنسانًا آخر أتطاوعك نفسُك على قتل ذلك الشخص؟ أتراك عند ذاك تقتل أيَّ شيء؟ – إلا عندما تحتاج إلى طعام بعينه، خضارًا وبقولاً إلخ، ولكن، ماعدا ذلك، أتراك تقتل أيَّ شيء؟ توغلْ في هذه المسائل كلِّها، وعِشِ الأمرَ، بحق الله، ولا تكتفِ بمجرَّد الحديث عنه!
    إن ما يقسِّم العالم هي المُثُل، إيديولوجيا جماعة بعينها ضد أخرى، هذا التقسيم المستمر على ما يبدو بين الرجل والمرأة، إلى آخر ما هنالك. لقد حاولوا ردم هذه الهوة عبر المنطق، عبر العقل، عبر مختلف الهيئات والمؤسسات والمنظمات، ولم يفلحوا في ذلك من أيِّ سبيل. هذا واقع. والمعرفة هي الأخرى لم تحلَّ هذه المشكلة – المعرفة بمعنى الخبرة المتراكمة، إلى آخر ما هنالك. والفكر قطعًا لم يحلَّ هذه المشكلة.
    هنالك إذن مخرج واحد منها: اكتشاف ماهية الحب. الحب ليس الرغبة، الحب ليس الاستئثار، الحب ليس النشاط الأناني المتمركز على الذات: أنا أولاً وأنت ثانيًا. ولكن تلك المحبة، على ما يبدو، لا معنى لها بنظر أغلب الناس؛ قد يكتبون فيها الكتب، لكن لا معنى لها [بنظرهم]. لذا يحاولون أن يخترعوا تلك الصفة، ذاك العطر، تلك النار، تلك الرحمة. وللرحمة فطنتها، أي الفطنة العليا. وحين تسود تلك الفطنة، المولودة من الرحمة، من المحبة، إذ ذاك تنحلُّ هذه المشكلات كلُّها حلاً بسيطًا، هادئًا. لكننا لا نتابع السؤال حتى أقصاه؛ قد نتابعه فكريًّا، لفظيًّا فقط. أما إذا فعلت ذلك بقلبك، بذهنك، يؤيِّدهما شغفُك، إذ ذاك فإن الأرض ستبقى جميلة. عند ذاك، يسود شعور عظيم بالجمال في النفس.
    أوهَيْ، 24 أيار 1984
    .
                  

02-08-2015, 00:19 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)
                  

02-08-2015, 03:02 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: مصطفى الجيلي)

    20:02 م Feb 7,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    أخونا مصطفي مرحب حبابك
    Quote: الأح محمد آدم..
    لقد تابعت وأيضا قرأت على الإنترنت..
    وأوافقك أن التراث البشري فيه الكثير الجميل...
    وبالأخص مايتعلق بجانب الديانات .. لأنها ورغم قلة عددها وإختلافها إلا أنها تمثل بعض من الدروب المؤديه للحقيقه والتي هي "بلادروب"..

    إعتبر نفسك في نهار - السماء فيه صافيه جداً - وأنت داخل غرفه.. مغلقة الأبواب والنوافذ .. ومن علي سقفها يوجد ثقب صغير ومن خلاله شاهدت
    ضوء الشمس يدخل عليّك كشعاع مركز! حتحلف بالله أنك شاهدت ضيئ النهار وأنت - فعلاً - صادق!
    ثم إذا وسّعنا ذلك الثقب في الغرفه الثانيّه الفيها زيّد مؤكد حتبان له حقيقة الضيئ أكثر منك !وإذا وسعنا الثقب أكثر لعمر والذي هو بالغرفه الثانيه
    من المؤكد سيشاهد حقيقة الضوء بصوره أوضح وأدق مما شاهدها زيّد ! ولو فتحنا كل سقف الغرفه الثالثه والتي بداخلها عبيد أكيّد سيشاهد الحقيقه
    أكثر وضوحاً مما شاهدها عمر ولو كل الجماعه البداخل هذه الغرف حاولوا هداية زميلهم معاويه - الأصلاً هو في الخارج - لحقيقة
    هذا الضوء ، لتعجب من زندقتهم وإنحرافهم عن صراط هذه الحقيقه! لأن معاويه شاهد حقيقة هذا الضوء بصوره تشارف إلي اللانهايّه فلايُمكن
    يقبل خرافات الناس البداخل تلك الغرف!! ولو علم بتجربة معاويه - السابقه - زول أخر إسمه صالح والذي هو بكوكب آخر لقال عنه ضال
    ولابقدر الحقيقه حق قدرها وهو زول منحرف عن الصراط المستقيم! لأن صالح رصدها من موقع أسمي وأرفع من رصد معاويه !.
    وهكذا ، ستبان الحقيقه من حيث درجة وضوحها وغموضها علي حسب موقع الراصد منها..

    أي صاحب معرفه مما ذكرنا أعلاه مستعد يقتُل أو يُقتلْ (بالسيف ، بالمغسله ، بالكلمه..إلخ) من أجلها !! وقطعاً هو صادق (في نطاق تمظهرها
    إليّه ) لأنها مُفريّه جداً !! وفي ذات الوقت يكون غير صادق إذا حجمها وقيدها بدروب!!

    هكذا كانت وستكون الأديّان أكبر عائق لتدفق حقيقة هذا النور علي الإنسان .. مالم تتفهم الإنسانيّه حقيقه مفادها :
    أن الحقيقه هي ( بلادروب )، وإلا ستظل في هذا التخبط إلي حيث يشاء.!
    .
                  

02-08-2015, 03:21 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    20:21 م Feb 7,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 7 )
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    وصال – ج. كريشنامورتي
    2013/11/15نصوص له
    وصـال*
    ج. كريشنامورتي
    إذا لم تكن في وصال مع أيِّ شيء فأنت إنسان ميت. عليك أن تكون في وصال مع النهر، مع العصافير، مع الأشجار، مع الضوء المسائي الخارق، مع ضوء الصباح على صفحة الماء؛ عليك أن تكون في وصال مع جارك، مع زوجتك، مع أولادك، مع زوجك. وأعني بالـوصال عدم تدخُّل الماضي، بحيث تنظر إلى كلِّ شيء نظرة نَضِرة، جديدة، – وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصال مع شيء ما، بحيث تموت عن كلِّ شيء من الأمس. وهل هذا ممكن؟ على المرء أن يكتشفه، لا أن يسأل: “كيف لي أن أفعله؟” – فما أحمق هذا السؤال! الناس يسألون دومًا: “كيف لي أن أفعل هذا؟” وهذا يفضح ذهنيَّتهم: تراهم لم يفهموا، لكنهم يريدون أن يتوصلوا إلى نتيجة وحسب.
    وإذن، فأنا أسألك إنْ كنت على صلة أصلاً مع أيِّ شيء، وإنْ كنت على صلة أصلاً مع ذاتك – لا مع “ذاتك العليا” و”ذاتك الدنيا” وسائر التقسيمات التي لا عدَّ لها والتي اختلقها الإنسان للتهرب من الواقع. وعليك أن تكتشف – لا أن تلقَّن كيف تتوصل إلى هذا الفعل الكلِّي. إذ ليس هناك “كيف”، ليس هناك منهج، ليس هناك مذهب؛ لا يمكن تلقينك. عليك أن تعمل في سبيله. آسف، لا أقصد تلك الكلمة: عمل؛ فالناس يعشقون العمل – وذاك واحد من هواجسنا: أننا يجب أن نعمل للتوصل إلى شيء. إنك لا تستطيع أن تعمل؛ فحين تكون في حال وصال ليس هناك عمل: الأمر حاضر؛ العطر حاضر، وليس عليك أن تعمل.
    اسألْ نفسك إذن – إذا أجزت لي أن أطلب منك – لتكتشف بنفسك إنْ كنت في وصال مع أيِّ شيء، إنْ كنت في وصال مع شجرة. هل اتفق لك يومًا أن تكون في وصال مع شجرة؟ هل تعرف ما معنى أن تنظر إلى شجرة، خالي البال من أيِّ فكرة، من أيِّ ذاكرة تتدخل في رصدك، – بشعورك، بحساسيتك، بحال انتباهك المرهفة، – بحيث لا توجد إلا الشجرة فقط، لا أنت الناظر إلى تلك الشجرة؟ أغلب الظن أنك لم تفعل هذا قط لأن الشجرة بنظرك لا معنى لها. جمال الشجرة لا مدلول له عندك بتاتًا لأن الجمال بنظرك يعني الجنس فقط. لذا فقد أغلقت بابك دون الشجرة، دون الطبيعة، النهر، الناس. وأنت لست على صلة مع أيِّ شيء، ولا حتى مع نفسك. أنت على صلة مع أفكارك أنت، مع كلماتك أنت، شأنك شأن إنسان على صلة مع الرماد. أتراك تعلم ما يحدث حين تكون على صلة مع مجرَّد رماد؟ تكون ميتًا، تكون محترقًا عن آخرك.
    وإذن فإن أول شيء لا بدَّ لك من إدراكه هو أن عليك أن تكتشف ما هو الفعل الكلِّي الذي لن يفتعل تناقضًا على أيِّ مستوى من مستويات وجودك، ما هو أن تكون في وصال، وصال مع ذاتك، – لا مع الذات العليا، لا مع الآتمن [الذات الكلِّية]، أو مع إله، إلى ما هنالك، – بل أن تكون فعليًّا على صلة مع نفسك، – مع طمعك، حسدك، طموحك، وحشيتك، مخادعتك؛ – ومن ثَمَّ من هناك تنطلق. عندئذٍ ستكتشف بنفسك – تكتشف، ولا تلقَّن، فذلك لا معنى له – أن هناك فعلاً كلِّيًّا فقط حين يكون صمتٌ ذهنيٌّ تامٌّ ينطلق منه الفعل.
    في حالة غالبيتنا، كما تعلم، الذهن صاخب، لا ينفك أبدًا يثرثر مع نفسه، يناجي نفسه أو يلغو حول شيء ما، أو يحاول أن يكلِّم نفسه، أن يقنع نفسه بشيء ما؛ إنه دومًا متحرك، صاخب. ومن ذلك الصخب، نفعل. أيُّ فعل وليد الصخب يُنتِج المزيد من الصخب، المزيد من البلبلة. لكنك إذا رصدت وتعلَّمت ما هو معنى التواصل، صعوبة التواصل، عدم حشو الذهن بالألفاظ، – أن ذاك [الذهن] هو ما يتصل ويتلقَّى الاتصال، – إذ ذاك، بما أن الحياة حركة، سَتَراك، في فعلك، تتحرك قُدُمًا حركة طبيعية، حرَّة، سهلة، من غير أيِّ جهد، نحو حال الوصال تلك. وفي حال الوصال تلك – إذا تقصَّيتَ تقصيًا أعمق – ستجد أنك لست في وصال مع الطبيعة، مع العالم، مع كلِّ شيء من حولك وحسب، بل في وصال مع ذاتك أيضًا.
    الوصال مع ذاتك يعني الصمت التام، بحيث إن الذهن يمكن له أن يكون في وصال صامت مع نفسه حول كلِّ شيء. ومن هناك، يوجد فعل كلِّي. فمن الفراغ وحده ينبع الفعل الذي هو كلِّي وخلاق.

    and#1700;ارنسي، 22 تشرين الثاني 1964
    ....................................


    نواصل.
                  

02-08-2015, 04:04 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    21:04 ص Feb 7,2015
    سودانيز أون لاين
    مصطفى الجيلي - مونتري كاليفورنيا
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ولماذا الحقيقة بلا دروب؟؟
    ولماذا تغلقها الأديان؟؟
    لم توضح لي هذه الجزئية...

    (عدل بواسطة مصطفى الجيلي on 02-08-2015, 08:06 AM)

                  

02-08-2015, 10:03 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: مصطفى الجيلي)

    03:03 ص Feb 8,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    Quote: ولماذا الحقيقة بلا دروب؟؟
    ولماذا تغلقها الأديان؟؟
    أخونا مصطفي هذا سؤال ذكي وعميق...قبل أن "نحاول" الإجابه عليه دعني أذكرك بشئ تعلمه:
    * الحقيقه من حيث "هي" دائماً واحده ومتجدِده!.
    لماذا هي بلادروب؟
    1- ناهيك من كون الحقيقه واحده ومتجدده ، لكن دعنا نمسك ومن طرف أي مجسم علي بعدنا هذا المحدود( طول، عرض، إرتفاع، وزمن) وليكن
    ذلك المجسم هو قطعة التفاحه هذه! هل ممكن نزعم علي أن الطريق الموصل لكنها هو طريق واحد؟ إذا قلنا بذلك نكون قد إحتكرنا حقيقتها.
    2- لأن الحقيقه واحده وكل يوم هي في شأن أي متجدده ولامتناهيه، واللامتناهي بلادروب لأن الدروب نفسها داخله فيه (مافي درب خارج
    اللامتناهي ولاينبغي أن يكون ذلك)!
    ولماذا تغلق الأديان الدروب الأخري المؤديّه للمتناهي؟
    بالرجوع لقصة الناس القاعدين بالغرف ..إلخ نجد أن الرجل الأول المؤسس لأي دين هو الذي سلك درب أوصله للحقيقه والحقيقه عندما تصلها
    لأنها غير مقيده تتجلي لك وكأنها (هي) منك ولك وحدك لأنها تتمظهرأمامك متسربله بثوب إستعدادك ولون وعائك الجهزته أنت لإستقبالها لأنها
    لاتظهر لك بذاتيتها لأن ذاتيتها عريّانه وفي تجدد مستمر..
    جمالها وجلالها وهي متجليّه في ماعونك يجعلك مطمئن إطمئنان تام بأن الدرب الذي أوصلك إليها هو الطريق ولاسواه!! وهذا يجعلك تقفل اي
    باب آخر قد يدخل به غيرك إليها (حتي لو وضعوا الشمس علي يمينك والقمر علي يسارك) ما حتقبل أي طريق آخر مؤدي إليها غير طريقك هذا
    لأنك بتحب الخير للبشر وبموجب هذا تود أي بشر يُمارس هذه التجربه من خلال هذا الصراط المستقيم وممكن تفني كُل عمرك في أن يسود هذا
    الأمر لتنعم به الإنسانيّه أو لتهلك دونه(لأن الحقيقه من الجِدّةِ بمكان)!.
    3- أفعال الخير والشر تتوقفان علي الزاويه التي ينطلق منها راصد الحقيقه كما أنها تتلبس الراصد عندما تُصقل أو تعتم مرأته حتي تصير هي
    يده وبصره الذي يبطش بهما!

    كل التقدير.
                  

02-08-2015, 10:27 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    03:27 م Feb 8,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 8 )
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    الطبيعة، الأكثرية والأقلية، المسؤولية – ج. كريشنامورتي
    2013/11/14نصوص له
    الطبيعة، الأكثرية والأقلية، المسؤولية*
    ج. كريشنامورتي
    سؤال: لماذا اتفق في ميزان الطبيعة أن يكون هناك دومًا موت وشقاء؟
    كريشنامورتي: لماذا اتفق للإنسان أن يقتل خمسين مليون حوت؟ خمسين مليونًا – أتفهم؟! ومع ذلك، لا نزال نُعمِلُ في الأنواع كلِّها تقتيلاً: النمور المخططة آيلة إلى الانقراض، وكذلك الفهود الصيادة والنمور والفيلة، من أجل جلودها، من أجل أنيابها – تعرفون ذلك كلَّه. أليس الإنسان حيوانًا أخطر بكثير من سائر الحيوانات؟ وتراك تريد أن تعرف لماذا يوجد في الطبيعة موت وشقاء! ترى نمرًا يفترس بقرة أو غزالة: ذلك هو أسلوبهم الطبيعي في الحياة؛ لكننا ما إنْ نتدخل فيه حتى يصير الأمر وحشية حقيقية. لقد رأيتم صغار الفقمة وهي تُضرَب على رؤوسها، وحين يتعالى الاحتجاج على ذلك تقول النقابات: “نحن مضطرون إلى الارتزاق على ذاك النحو” – أنتم تعرفون هذا كلَّه.
    وإذن، فمن أين نبدأ في فهم العالم من حولنا والعالم داخلنا؟ العالم داخلنا من هول التعقيد بحيث إننا نريد أن نفهم عالم الطبيعة أولاً. … لعلنا لو استطعنا أن نبدأ بأنفسنا، فلا نؤذي، لا نكون عنيفين، لا نكون قوميين، بل نتعاطف مع الإنسانية ككل، لربما غدت علاقتنا عندئذٍ صحيحة فيما بيننا وبين الطبيعة. نحن الآن نمعن في تدمير الأرض، الهواء، البحر، كائنات البحر، لأننا نحن أعظم خطر يهدِّد العالم، بقنابلنا الذرية – جميع صنوف هذه الأمور، كما تعلمون.
    سؤال: تقول إننا نحن العالم، لكن أكثرية العالم، على ما يبدو، متجهة رأسًا نحو الدمار الشامل. فهل يمكن لأقلية من الناس الأسوياء أن ترجَح كفَّتُها على الأكثرية؟
    كريشنامورتي: هل أنتم “الأقلية”؟ لا، أنا لا أمزح! إنه ليس سؤالاً قاسيًا. هل نحن الأقلية؟ أم هل بيننا واحد خالٍ كليًّا من هذا كلِّه؟ أم ترانا نساهم جزئيًّا في كراهية بعضنا بعضًا؟ – نفسانيًّا. قد لا نكون قادرين على منع روسيا أو أميركا، إنكلترا أو اليابان، من مهاجمة بلد آخر ما، لكنْ هل نحن – نفسانيًّا – متحرِّرون من إرثنا المشترك، وهو قوميتنا القَبَلية الممجَّدة؟ هل نحن خالون من العنف تمامًا؟ يوجد العنف حيثما نطوِّق أنفسنا بجدار. رجاءً، افهموا هذا كلَّه. فنحن قد بنينا لأنفسنا جدرانًا تبلغ عشر أقدام ارتفاعًا أو خمس عشرة قدمًا سَماكة! نحن جميعًا مطوَّقون بجدران. ومن ذلك ينشأ العنف، هذا الإحساس الهائل بالوحشة. ومنه، فإن الأقلية والأكثرية هي أنت. إذا استطاعت ثلَّة منَّا أن تتحول نفسانيًّا من الأساس فإنك لن تطرح هذا السؤال أبدًا لأننا نكون عند ذاك شيئًا مختلفًا كلَّ الاختلاف.
    سؤال: إذا كانت هناك حقيقة أسمى ونظام فلماذا تسمح للبشرية أن تتصرف في الأرض بهذه الطريقة الفظيعة؟
    كريشنامورتي: لو وُجِدَ مثلُ هذا الكيان الأسمى فلا بدَّ أنه غريب الأطوار للغاية، لأنه لو كان هو الذي خلقنا فنحن إذن جزء منه – صحيح؟ ولو كان منظمًا، عاقلاً، عقلانيًّا، رحيمًا، لما كنَّا على هذه الشاكلة! بوسعك أن تقبل سيرورة تطور الإنسان، أو تؤمن بأن الإنسان ظهر إلى الوجود فجأةً من خلق إله؛ والإله – ذلك الكيان الأسمى – هو النظام، الطيبة، الرحمة، إلى آخر ما هنالك من صفات نخلعها عليه. وإذن، فلديك هذان الخياران: إما أن هناك كيانًا أسمى جعل الإنسان على صورته، وإما أن هناك سيرورة تطور الإنسان الذي جاءت به الحياة منذ البدء من جزيئات ضئيلة وهكذا، إلى أن صار إلى ما هو عليه الآن.
    إذا قبلتَ فكرة الإله، الشخص الأسمى الذي يوجد فيه نظامٌ كلِّي، وكنتَ جزءًا من ذلك الكيان، إذ ذاك لا بدَّ أن ذلك الشخص خارق القسوة – صحيح؟ – خارق التعصُّب، حتى يجعلنا نتصرف كما نفعل، مدمِّرين بعضنا بعضًا.
    أو… هناك الاحتمال الآخر، وهو أن الإنسان هو الذي جعل العالم على ما هو عليه: البشر هم الذين صنعوا هذا العالم، – العالم الاجتماعي، عالم العلاقة، العالم التكنولوجي، عالم المجتمع، – علاقة بعضنا ببعض. نحن الذين صنعناه، وليس إله أو كيان أسمى ما. وحدنا مسؤولون عن هذه الفظاعة التي مافتئنا نديمها. والاتكال على قوة خارجية ما لتحويل هذا كلِّه، تلك اللعبة لُعِبَتْ طوال ألوف السنين ولا تزالون على حالكم! لعلكم تغيَّرتم تغيرًا طفيفًا، أصبحتم ألطف قليلاً، أكثر تسامحًا بقليل – لكن التسامح شيء بشع.

    بروكوود پارك، 4 أيلول 1980

    * From the transcript of the tape recording of the second public question and answer meeting at Brockwood Park, 4 September 1980, copyright ©1991 Krishnamurti Foundation Trust, Ltd


    نواصل:
    .
                  

02-08-2015, 10:42 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    03:42 ص Feb 8,2015
    سودانيز أون لاين
    Mohamed Adam -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    ( 9 )
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    مقاومة الفساد – ج. كريشنامورتي
    2013/11/14نصوص له
    الوقوف في وجه الفساد*
    ج. كريشنامورتي
    السائل: لقد تكلَّمتَ على الوقوف في وجه المجتمع الفاسد والفاسق. المزيد من التوضيح هامٌّ للغاية بنظري.
    كريشنامورتي: هل نحن، قبل كلِّ شيء، متأكدان مما تتضمَّنه كلمة فساد؟ هناك الفساد الفيزيائي المتعلق بتلويث الهواء، في المدن، في البلدات الصناعية. ترانا ندمِّر البحار، نقتل ملايين الحيتان وصغار الفقمة. هناك التلوث المادي في العالم، وهناك الانفجار السكاني. ثم هنالك الفساد السياسي، الفساد الديني، إلى آخر ما هنالك من فساد. فعلى أيِّ عمق يوجد هذا الفساد في المخ البشري، في النشاط البشري؟ عندما نتكلم على “الفساد” علينا أن نكون متأكدين تمامًا مما نعني بتلك الكلمة، ومن على أيِّ مستوى نتكلم عليه.
    هناك فساد عبر العالم أجمع، وبالأكثر، لسوء الحظ، في هذا الجزء من العالم – تمرير المال من تحت الطاولة، اضطرارك إلى الرشوة إذا أردت شراء تذكرة… تعرفون الألاعيب الدائرة في هذا البلد كلَّها! فعل أفسد يعني “خرَّب”، ليس مختلف الأجزاء فقط ضد الطوائف والدول الأخرى، بل يعني أساسًا تخريب المخ والقلب. لذا يجب علينا أن نتأكد من على أيِّ مستوى نتكلم على هذا الفساد: أهو على المستوى المالي، على المستوى البيروقراطي، المستوى السياسي، أو المستوى الديني – الذي باتت تستحوذ عليه أنواع الخرافة كافة، بلا أيِّ مغزى بتاتًا: مجرد كلمات كثيرة فقدتْ كلَّ معنى، وهذا في كلا العالمين المسيحي والشرقي؛ تكرار الطقوس، تعرفون كلَّ ما يجري. أليس ذلك فسادًا؟ دعونا، أرجوكم، نناقش الأمر.
    أليست المُثُل شكلاً من أشكال الفساد؟ قد تكون عندنا مُثُل؛ ولنقل، على سبيل المثال، اللاعنف: عندما تكون عندك مُثُل للاَّعنف تتَّبعها، تراك تظل في أثناء ذلك عنيفًا. صحيح؟ أليس ذلك، إذن، فساد مخٍّ لا يبالي فعلاً بالعمل على إنهاء العنف؟ يبدو ذلك واضحًا للغاية.
    ثم ألا يوجد فساد عندما لا يوجد الحب بتاتًا، بل اللذة فقط، بكلِّ عذابها؟ كلمة “حب” هذه، عبر العالم كلِّه، باتت محمَّلة بثقل باهظ، وعندما تُقرَن بالجنس، باللذة، بالقلق، بالغيرة، بالتعلق، أليس ذلك فسادًا يا ترى؟ أليس التعلق بحدِّ ذاته فسادًا؟ عندما يتعلق المرء بمثال أو ببيت أو بشخص فإن العواقب هي الغيرة والقلق والاستئثار والسيطرة.
    وإذن، فإن المسألة تتعلق أساسًا بالمجتمع الذي نعيش فيه، القائم أصلاً على علاقة بعضنا ببعض. إذا خَلَتْ هذه العلاقةُ من المحبة، ولم يكن ثمة إلا مجرَّد استغلال متبادل، مجرد تبادُل للمواساة بين الواحد والآخر، جنسيًّا وبوسائل أخرى متنوعة، فإنها تكون مجلبةً للفساد حتمًا. فماذا ستفعل حيال هذا كلِّه؟ تلك هي المسألة حقًّا: ماذا ستفعل، كإنسان يعيش في هذا العالم، وهو عالم رائع؟ جمال الأرض، الإحساس بالخاصية الخارقة للشجرة – نحن ندمِّر الأرض، مثلما ندمِّر أنفسنا! أنت، كإنسان يعيش هنا، ماذا ستفعل؟ هل نحرص، كلُّ واحد منَّا، على أنْ لا نكون فاسدين؟ نحن الذين نخلق ذاك المفهوم المجرَّد الذي نسمِّيه “المجتمع”. إذا كانت علاقة بعضنا ببعض مدمِّرة – الاقتتال الدائم، الصراع، الألم، اليأس – فلا بدَّ أن نخلق حتمًا بيئة تمثِّل ما نحن إيَّاه. فماذا سنفعل حيال الأمر، ماذا سيفعل كلُّ واحد منَّا؟ هذا الفساد – فقدان حسِّ الأمانة هذا – هل هو مجرَّد مفهوم؟ هل ما نريد أن نغيِّره هو مجرَّد فكرة أم أنه أمر فعلي؟ الأمر متوقف عليك أنت.
    السائل: هل يوجد حقًّا شيء اسمه “تحوُّل”؟ وما هو الشيء الذي يجب “تحويله”؟
    كريشنامورتي: حين ترصد، حين ترى من حولك القذارة على الطريق، سياسييك وكيف يتصرفون، سلوكك حيال زوجتك وأبنائك، إلى ما هنالك، فالتحول حاضر. أتفهم؟ إحلال نوع معيَّن من النظام في الحياة اليومية – ذاك هو التحول، وليس شيئًا خارقًا، خارج العالم. أي أن المرء، حين لا يفكر تفكيرًا واضحًا، موضوعيًّا، سليمًا، عقلانيًّا، يجب عليه أن يعي ذلك كلَّه ويغيِّره، يكسره. ذاك هو التحول. أنا غيور، فعليَّ أن أرصد ذلك، لا أن أتيح له الوقت للتفاقم، أن أغيِّره فورًا. ذاك هو التحول. حين تكون جشعًا، عنيفًا، طَموحًا، – سواء كنت تحاول أن تصير نوعًا من الإله أو القديس، أم في مهنتك، – انظرْ إلى آلية الطموح برمَّتها، كيف تخلق عالمًا مهولاً في خلوِّه من الرأفة. لا أدري إنْ كنت بصيرًا بهذا كلِّه. التنافس يدمِّر العالم، الذي يصير أكثر فأكثر عدوانية. إنْ كنت بصيرًا، غيِّرْه على الفور. ذاك هو التحول.
    السائل: تقول بأن الفرد الواحد، إنْ تغيَّر، يستطيع أن يحوِّل العالم. مع ذلك، على الرغم من إخلاصك، محبَّتك، وضوحك، ومن تلك القدرة التي لا توصف [فيك]، ما انفك العالم يمضي من سيء إلى أسوأ. فهل هناك شيء ما اسمه “القَدَر”؟
    كريشنامورتي: ما هو العالم؟ ما هو الفرد؟ ماذا فعل الأفراد وأثَّر في العالم؟ هتلر أثَّر في العالم. صحيح؟ ماو تسِه-تونگ وستالين ولينين ولنكولن أثَّروا فيه؛ وكذلك البوذا أثَّر فيه، وإنْ يكن تأثيره مختلفًا تمامًا. شخص واحد تسبَّب في مقتل الملايين والملايين من الناس؛ جميع أمراء الحرب، الجنرالات، ما انفكوا يقتلون، يقتلون، يقتلون. وقد أثَّر ذلك في العالم. في غضون الخمسة آلاف سنة التاريخية الأخيرة، منذ أن بُدئ بتدوين التاريخ، نشبتْ حربٌ كلَّ سنة، مؤثِّرةً في الملايين من الناس. ثم عندكم البوذا: هو الآخر أثَّر في الذهن البشري، في المخ البشري، عبر الشرق كلِّه؛ ثم جاء كذلك الذين حرَّفوا [تعاليمه]. ومن ثَمَّ عندما نسأل إنْ كان التغير “الفردي” يجلب أيَّ تحوُّل في المجتمع أعتقد أن طرح السؤال على هذا النحو طرح مغلوط.هل نحن مهتمون حقًّا بتحوُّل المجتمع يا ترى؟ إذا توغلتَ في الأمر توغلاً جديًّا، هل ترانا مهتمِّين حقًّا؟ المجتمع الفاسد، الفاسق، القائم على التنافس وانعدام الرأفة – ذلك المجتمع الذي نعيش فيه –، هل أنت مهتمٌّ عمقيًّا بتغييره، كفرد إنساني واحد حتى؟ إنْ كنت مهتمًّا حقًّا عليك عندئذٍ أن تستفسر عن ماهية المجتمع. هل “المجتمع” كلمة؟ هل هو واقع، أم أنه مجرَّد مفهوم؟ – أتفهم؟ – مفهوم مجرَّد عن العلاقة الإنسانية. إن العلاقة الإنسانية هي المجتمع. تلك العلاقة، بكل تعقيداتها وتناقضاتها وألوان الكراهية فيها – هل تستطيع أن تبدِّل ذلك كلَّه يا ترى؟ تستطيع. تستطيع أن تكفَّ عن القسوة، كما تعلم، إلى آخر ما هنالك. كما تكون علاقتك كذلك تكون بيئتك: إذا كانت علاقتك علاقة استئثار، متمركزة على الذات، فأنت تخلق من حولك شيئًا يكون مدمِّرًا بالمقدار نفسه. فالفرد هو أنت؛ أنت سائر النوع البشري. لا أدري إنْ كنت تدرك هذا الأمر. نفسيًّا، داخليًّا، تراك تتعذب: أنت قلق، أنت مستوحش، أنت تنافُسي؛ تراك تحاول أن تصير ذا شأن، وهذا هو العامل المشترك الساري عبر العالم أجمع. كلُّ إنسان عبر العالم كلِّه يفعل هذا، وإذن فأنت فعليًّا سائر النوع البشري. إذا أدركتَ ذلك، وإذا أحدثتَ في نفسك طريقةَ حياةٍ جديدةً، فأنت تؤثر في وعي النوع البشري ككل – على أن تكون جديًّا حقًّا، فتتوغل في الأمر توغلاً عميقًا. أما إذا لم تفعل، فلا بأس! الأمر متوقف عليك أنت.

    مدراس، 6 كانون الثاني 1981
    * From the transcript of the tape recording of the first public question and answer meeting in Chennai (Madras), 6 January 1981, copyright ©1981/1991 Krishnamurti Foundation Trust, Ltd.
    ................................ز




    إستراحه من أجل القراءه
    وسنواصل:
                  

02-08-2015, 08:51 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    Quote:
    Quote: ولماذا الحقيقة بلا دروب؟؟
    ولماذا تغلقها الأديان؟؟

    أخونا مصطفي هذا سؤال ذكي وعميق...قبل أن "نحاول" الإجابه عليه دعني أذكرك بشئ تعلمه:
    * الحقيقه من حيث "هي" دائماً واحده ومتجدِده!.
    لماذا هي بلادروب؟
    1- ناهيك من كون الحقيقه واحده ومتجدده ، لكن دعنا نمسك ومن طرف أي مجسم علي بعدنا هذا المحدود( طول، عرض، إرتفاع، وزمن) وليكن
    ذلك المجسم هو قطعة التفاحه هذه! هل ممكن نزعم علي أن الطريق الموصل لكنها هو طريق واحد؟ إذا قلنا بذلك نكون قد إحتكرنا حقيقتها.
    2- لأن الحقيقه واحده وكل يوم هي في شأن أي متجدده ولامتناهيه، واللامتناهي بلادروب لأن الدروب نفسها داخله فيه (مافي درب خارج
    اللامتناهي ولاينبغي أن يكون ذلك)!
    ولماذا تغلق الأديان الدروب الأخري المؤديّه للمتناهي؟
    بالرجوع لقصة الناس القاعدين بالغرف ..إلخ نجد أن الرجل الأول المؤسس لأي دين هو الذي سلك درب أوصله للحقيقه والحقيقه عندما تصلها
    لأنها غير مقيده تتجلي لك وكأنها (هي) منك ولك وحدك لأنها تتمظهرأمامك متسربله بثوب إستعدادك ولون وعائك الجهزته أنت لإستقبالها لأنها
    لاتظهر لك بذاتيتها لأن ذاتيتها عريّانه وفي تجدد مستمر..
    جمالها وجلالها وهي متجليّه في ماعونك يجعلك مطمئن إطمئنان تام بأن الدرب الذي أوصلك إليها هو الطريق ولاسواه!! وهذا يجعلك تقفل اي
    باب آخر قد يدخل به غيرك إليها (حتي لو وضعوا الشمس علي يمينك والقمر علي يسارك) ما حتقبل أي طريق آخر مؤدي إليها غير طريقك هذا
    لأنك بتحب الخير للبشر وبموجب هذا تود أي بشر يُمارس هذه التجربه من خلال هذا الصراط المستقيم وممكن تفني كُل عمرك في أن يسود هذا
    الأمر لتنعم به الإنسانيّه أو لتهلك دونه(لأن الحقيقه من الجِدّةِ بمكان)!.
    3- أفعال الخير والشر تتوقفان علي الزاويه التي ينطلق منها راصد الحقيقه كما أنها تتلبس الراصد عندما تُصقل أو تعتم مرأته حتي تصير هي
    يده وبصره الذي يبطش بهما!

    كل التقدير.


    لكن يا اخي محمد آدم، كلامك نفسه يعني أن الحقيقة دروبها كثيرة، وليس بلا دروب.. في الحقيقة دروبها لا حصر لها لأنها بعدد أفكار الناس واختلافاتهم، حسب قولك أنت.. ولكن قل أن هناك دروب طويلة ومعقدة ومجهدة، وهناك في نفس الوقت دروب قصيرة وسهلة... هذا هو ما يعطيه كلامك...
                  

02-11-2015, 00:01 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: مصطفى الجيلي)

    ( 10 )
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    البيئة والنزاع – ج. كريشنامورتي
    2013/11/12نصوص له
    البيئة والنزاع*
    ج. كريشنامورتي
    يبدو لي هامًّا فهمُ أن النزاع، من أيِّ نوع كان، لا يثمر تفكيرًا مبدعًا. فإلى أن نفهم النزاع وطبيعة النزاع، وما هو الشيء الذي يتنازع المرءُ معه، فإن مجرَّد التصارع مع مشكلة، أو مع خلفية أو بيئة بعينها، لا جدوى منه إطلاقًا. فكما أن جميع الحروب تسبِّب التدهور وتثمر حتمًا مزيدًا من الحروب، مزيدًا من البؤس، كذلك تقود مصارعة النزاع هي الأخرى إلى مزيد من البلبلة. بذا فإن النزاع ضمن النفس، مُسقَطًا على الخارج، يسبب البلبلة في العالم. لذا من الضروري – أليس كذلك؟ – فهمُ النزاع ورؤيةُ أن النزاع، من أيِّ نوع كان، ليس مثمرًا لتفكير مبدع، لكائنات إنسانية سليمة. ومع ذلك، فإن حياتنا برمَّتها مهدورة في الصراع، وترانا نظن أن الصراع جزء ضروري من الوجود. هناك نزاع ضمن النفس ومع البيئة – البيئة بوصفها المجتمع، الذي بدوره هو علاقتنا مع الناس ومع الأشياء ومع الأفكار. هذا الصراع يُعتبَر حتميًّا، وترانا نظن أن الصراع لا غنى عنه لسيرورة الوجود. والآن، هل الأمر كذلك فعلاً؟ وهل ثمة طريقة حياة تستغني عن الصراع وتوجد فيها إمكانية الفهم من دون النزاع المعتاد؟ لا أدري إنْ كنت لحظت أنك كلما أمعنت في مصارعة مشكلة نفسانية، تراك تزداد بلبلة وتَعْلَق فيها أكثر، وأن الفهم لا يأتي إلا حين يكفُّ الصراع، حين تتوقف سيرورة الفكر برمَّتها. وإذن، فعلينا أن نتحرَّى عما إذا كان النزاع لا غنى عنه، وعما إذا كان النزاع مثمرًا.
    والآن، نحن نتكلم على النزاع في أنفسنا ومع البيئة. البيئة هي ما هو المرء إيَّاه في نفسه. أنت والبيئة لستما سيرورتين اثنتين مختلفتين؛ أنت البيئة، والبيئة أنت – وهذا واقع واضح. أنت مولود ضمن جماعة من الناس بعينها، سواء في الهند أو أميركا أو روسيا أو إنكلترا، وتلك البيئة بالذات، بمؤثراتها الناجمة عن المناخ والتقاليد والأعراف الاجتماعية والدينية، هي التي تخلقك – وأنت تلك البيئة. وللتحرِّي عن وجود شيء أكثر من مجرَّد نتاج البيئة، عليك أن تتحرَّر من البيئة، أن تتحرَّر من إشراطها. ذلك واضح، أليس كذلك؟ إذا نظرت في نفسك متأنيًا سترى أن ولادتك في هذا البلد جعلت منك – مناخيًّا، اجتماعيًّا، دينيًّا، واقتصاديًّا – ثمرتَه أو نتاجَه. أي أنك مشروط. وللتحرِّي عن وجود شيء أكثر، شيء أعظم من مجرَّد نتاج شرط، عليك أن تتحرَّر من ذلك الشرط. أما وأنك مشروط فإن الاستفسار عن وجود شيء أكثر، شيء أعظم من مجرَّد ثمرة البيئة، لا معنى له. من الواضح أننا يجب أن نتحرَّر من الشرط، من البيئة، وعندئذٍ فقط يمكن لنا أن نكتشف إذا كان هناك شيء أكثر. والجزم بوجود شيء أكثر أو بعدم وجوده هو قطعًا طريقة مغلوطة في التفكير. على المرء أن يكتشف بنفسه، وليكتشفَ، عليه أن يختبر.
    إذن، ونحن نتمعَّن في هذه المسائل، فلنضعْ – رجاءً – نصب أعيننا أننا ننهض لرحلة معًا لاكتشاف الأشياء معًا؛ لذا لا خطر هنا من علاقة التلميذ والمعلِّم. أنت لست هنا بصفتك المُشاهِد لتراني أمثِّل دورًا؛ كلانا يمثِّل، وبالتالي، ما من أحد منَّا يستغلُّ الآخر.
    نيودلهي، 28 تشرين الثاني 1948.

    * From the Verbatim Report of the second public talk in New Delhi, 28 November 1948, in Collected Works of J. Krishnamurti, copyright ©1991 Krishnamurti Foundation of America.
                  

02-11-2015, 00:57 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    كيف الحال أخونا د.مصطفي الجيّليّ
    Quote: لكن يا اخي محمد آدم، كلامك نفسه يعني أن الحقيقة دروبها كثيرة، وليس بلا دروب..
    في الحقيقة دروبها لا حصر لها لأنها بعدد أفكار الناس واختلافاتهم، حسب قولك أنت..
    ولكن قل أن هناك دروب طويلة ومعقدة ومجهدة، وهناك في نفس الوقت دروب قصيرة وسهلة...
    هذا هو ما يعطيه كلامك...
    أنا قلت في الحقيقه(المطلقه) الآتي:
    Quote: 2- لأن الحقيقه واحده وكل يوم هي في شأن أي متجدده ولامتناهيه، واللامتناهي بلادروب لأن الدروب
    نفسها داخله فيه (مافي درب خارج اللامتناهي ولاينبغي أن يكون ذلك)!
    الدروب للحقيقه (المقيّده) بحواسنا أما الحقيقه (المُطلقه) فهي بلادروب!!
    تعدد أفكار الناس وتعدد إختلافاتهم يكونان في منطقة الحقيقه المحسوسه(بعدنا هذا)
    أما في منطقة المطلق فلا يوجد فكر ولا يوجد إختلاف ، بل هنالك وحده كامله في الواحد.

    ليس هنالك طريق قصير أو طويل يؤدي إليها هنالك رحمة الله ورحمة الله وسعت كُل شيئ.
    لذا أي طريق، أي فكر يحاول تأطيرها من خلال تجربته الخاصه لينقلها لغيره سوف يضيعها
    ويضيع معها الغير!

    حتي ، الحقيقه المحسوسه لاتحتاج هي الأخري لدرب .. رغم كثرة الدروب المؤديّه إليها
    بل كلما تحتاجه هو الــ Ego annihilation وهذا ، يُعتبر مسئوليه فرديّه بحته.
    .

    كل التقدير.
    .
                  

02-11-2015, 01:16 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (11)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    المشكلات والزمن – ج. كريشنامورتي
    2013/11/12نصوص له
    المشكلات والزمن*
    ج. كريشنامورتي
    بحسب أحدث مكتشفات الأنثروپولوجيين، عاش الإنسان على هذه الأرض، على ما يبدو، طوال حوالى مليونين من السنين. وقد ترك الإنسان في الكهوف، طوال حوالى سبعة عشر ألف سنة، سجلات عن الكفاح، عن الصراع، عن أسى الوجود الذي لا ينتهي – الصراع بين الخير والشر، بين الوحشية والشيء الذي ما انفك يطلبه أبدًا: الحب. وعلى ما يبدو، لم يستطع الإنسان حلَّ مشكلاته – لا مشكلات الرياضيات، لا المشكلات العلمية أو الهندسية، بل المشكلات البشرية للعلاقة: كيف يحيا في هذا العالم حياة مُسالِمة، كيف يكون على صلة حميمة مع الطبيعة ويرى جمال طائر على غصن أجرد.
    وإذا ما انحدرنا إلى الأزمنة الحديثة لَوجدنا أن مشكلاتنا – مشكلات الإنسان – ما انفكت تتفاقم أكثر فأكثر؛ وترانا نحاول أن نحلَّ هذه المشكلات بحسب أنماط بعينها من الأخلاقيات أو السلوك، وبحسب مختلف الالتزامات التي وَهَبْنا أذهانَنا لها. بحسب التزاماتنا، أنماط سلوكنا، وَصْفاتنا ومرجعياتنا الدينية، ترانا نحاول أن نحلَّ مشكلاتنا، عذاباتنا، يأسنا، تقلُّباتنا، وتناقضات حياتنا. ترانا نأخذ بموقف معيَّن بوصفنا شيوعيين، اشتراكيين، هذا أو ذاك؛ ومن ذلك الموقف، من تلك “المنصة”، إذا جاز التعبير، نحاول أن نحلَّ مشكلاتنا متفرِّقةً، واحدة بعد الأخرى – هذا ما نفعله في حياتنا.
    قد يكون أحدهم عالِمًا عظيمًا، لكن ذلك العالِم بالذات، في مختبره، مختلف كليًّا عن العالِم في منزله، القومي، المرير، الغضوب، الغيور، الحسود، المتنافس مع أترابه العلماء على اسم أعظم، على شعبية أعظم، وعلى المزيد من المال. إنه غير معنيٍّ بالمشكلات البشرية بتاتًا، بل معنيٌّ فقط باكتشاف مختلف أشكال المادة وبحقيقة ذلك كلِّه.
    ونحن كذلك – بما نحن بشر عاديون ولسنا خبراء ولا اختصاصيين في أيِّ مجال بعينه – ملتزمون نمطًا معينًا من السلوك، مفاهيم دينية معينة، أو سُمًّا قوميًّا ما، ومن التزامنا ذاك نكدح لحلِّ المشكلات المتكاثرة، المتفاقمة أبدًا.
    الكلام، كما تعلمون، لا نهاية له، القراءة لا نهاية لها. بالوسع تكديس الكلمات على الكلمات، والأسلوب البليغ، جمال اللغة، عقلانية ما يقال أو لامنطقيَّته، إما أن تقنعك وإما أن تثنيك. لكن المهم ليس تكديس الكلمات، ليس الاستماع إلى الأحاديث والخُطَب والقراءة، بل بالحري حلُّ المشكلة – مشكلة الإنسان، مشكلتك أنت – لا مجزَّأةً، لا عندما تظهر، لا بحسب الظروف، لا بحسب ضغوط الحياة الحديثة وتوتراتها، لكنْ انطلاقًا من فاعلية مختلفة كليًّا. هناك المشكلات البشرية: الطمع، الحسد، بلادة روح الذهن، القلب الموجوع، الانعدام المروِّع لحساسية الإنسان، الوحشية، العنف، اليأس والعذاب العميقان. وطوال مليونين من السنين عشناها، ونحن نحاول أن نحلَّ هذه المشكلات بحسب وصفات مختلفة، مذاهب مختلفة، مناهج مختلفة، گورو [معلِّمين روحيين] مختلفين، طرائق للنظر مختلفة، مستفسرين، متقصِّين. ومع ذلك، فها نحن حيث نحن، عالقون في هذه السيرورة التي لا تنتهي من العذاب والبلبلة واليأس المستديم.
    فهل هناك وسيلة لحلِّ المشكلات حلاً جذريًّا، تامًّا، بحيث لا تظهر أصلاً، وإذا حدث وظهرتْ، نستطيع أن نواجهها آنيًّا ونحلَّها، نبدِّدها، نتخلص منها؟ هل هناك وسيلة حياة كلِّية لا تربة فيها لنبات المشكلات أصلاً؟ هل هناك سبيل للعيش – لا نمط طريقة أو منهج أو مذهب، بل سبيل كلِّي للعيش – بحيث لا تنبت أيُّ مشكلة في أيِّ وقت، وإذا حدث ونبتتْ، يُستطاع حلُّها آنيًّا؟ إن ذهنًا مثقلاً بعبء المشكلات يصير ذهنًا بليدًا، ثقيلاً، غبيًّا. لا أدري إذا اتفق لكم أن تراقبوا ذهنكم وأذهان زوجاتكم وأزواجكم وجيرانكم. عندما يعاني الذهن مشكلات من أيِّ نوع فإن تلك المشكلات بعينها – حتى مشكلات الرياضيات، مهما تكن معقدة، مهما تكن مؤلمة، مهما تكن مستعصية، عقلية – تبلِّد الذهن. وبكلمة مشكلة أعني مسألة صعبة، علاقة صعبة، قضية صعبة تبقى غير محلولة وتُحمَل من يوم إلى يوم. وإذن فنحن نسأل إنْ كان ثمة سبيل عيش، إنْ كانت هناك حالٌ ذهنيةٌ، لأنها تتفهم كلِّية الوجود، خاليةٌ من المشكلات، وكذلك، حين يحدث وتظهر مشكلة، تستطيع أن تحلَّها فورًا. فما إن تُحمَل مشكلةٌ مؤجلةٌ – يومًا واحدًا حتى، دقيقة واحدة حتى – حتى تجعل الذهن ثقيلاً، بليدًا، والذهن يَعدَم كلَّ حساسية للنظر، للرصد.
    هل يوجد فعلٌ كلِّي، حالٌ ذهنيةٌ تحلُّ كلَّ مشكلة عند ظهورها، وخالية في ذاتها من المشكلات، على أيِّ عمق كان، واعيةً كانت أم خافية؟ لا أدري إذا اتفق لك يومًا أن تسأل نفسك هذا السؤال. أغلب الظن أنك لم تفعل، لأن غالبيتنا غارقون، عالقون في مشكلات العيش اليومي، – طلب الرزق وتلبية متطلَّبات مجتمع يبني نفسانيًّا بنيةً قائمةً على الطموح، الجشع، الاستئثار، – إلى حدِّ أنه ليس عندنا وقت للتقصِّي. هذا الصباح، سنتقصَّى هذا الأمر، وعليك أنت يتوقف مدى عمق تقصِّيك، مدى جدية طلبك، مقدار وضوح رصدك وشدَّته.
    لقد عشنا، على ما يبدو، طوال مليونين من السنين – وإنها لفكرة رهيبة! ولعلنا سوف نعيش، كما يفعل البشر، مليونين آخرين من السنين، عالقين في الألم المستديم للوجود. فهل توجد وسيلة، هل يوجد شيء يحرِّر الإنسان من هذا، يحرِّره تمامًا، بحيث لا يعيش ثانية واحدة حتى في العذاب، لا يخترع فلسفة ترضيه في عذابه، لا يضع وصفة يطبِّقها على جميع المشكلات التي تظهر، فيزيد بذلك من تلك المشكلات؟ يوجد! توجد حالٌ ذهنيةٌ تستطيع أن تحلَّ المشكلات فورًا؛ وبالتالي، فإن الذهن، بحدِّ ذاته، يخلو من المشكلات، واعيةً كانت أم خافية.
    سنتقصَّى هذا الأمر. ومع أن المتكلم سيستعمل كلمات وينفذ إلى أبعد ما يمكن عبر ما تبلِّغه الكلمات، يتعيَّن عليك أنت أن تصغي وتفهم. أنت إنسان، ولست فردًا، لأنك مازلت العالم، الجمهور؛ أنت جزء من بنية هذا المجتمع الرهيبة. لا فردية هناك إلا حين توجد حالٌ ذهنيةٌ يخلو الذهن حينها من المشكلات، حين يستخلص ذاته تمامًا من البنية الاجتماعية للاستئثار، للجشع، للطموح.
    نقول إن هناك حالاً ذهنيةً بوسعها أن تحيا من دون أيِّ مشكلة، وبوسعها أن تحلَّ آنيًّا أيَّ مشكلة تظهر. عليك أن ترى مدى أهمية عدم حملك مشكلة مؤجلة، ولا حتى يومًا واحدًا أو ثانية واحدة، لأنك كلما كانت عندك مشكلة غير محلولة، زوَّدتَها بتربة يمكن لها أن تتجذَّر فيها، فتخرِّب الذهن والقلب والحساسية العصبية. لذا فمن اللازم أن تُحَلَّ المشكلةُ على الفور.
    هل من الممكن، بعد أن عشنا طوال مليونين من السنين مع النزاعات، مع البؤس، مع تذكار الآماس الكثيرة – هل من الممكن للذهن أن يتحرَّر من ذلك، بحيث يكون تامًّا، سليمًا، غير مفتَّت؟ ومن أجل اكتشاف ذلك، لا بدَّ للمرء من أن يتقصَّى الزمن، لأن الصلة وثيقة بين المشكلات والزمن.
    وإذن، فسنتقصَّى الزمن. أي أننا، بعد أن عشنا طوال مليونين من السنين، هل يتعيَّن علينا أن نواصل العيش مليونين آخرين من السنين في الأسى، الألم، الكرب، الصراع المستديم، الموت؟ هل هذا محتوم؟ المجتمع يتقدم، يتطور على ذلك النحو – يتطور عبر الحرب، عبر الضغط، عبر هذا الصراع بين الشرق والغرب، عبر سائر خلافات القوميات، السوق المشتركة، كتل هذه القوة وتلك القوة. المجتمع يتحرك، يتحرك، يتحرك – بطيئًا، غافيًا بمعنى ما، لكنه يتحرك. طيب، لعل المجتمع، بعد مليونين من السنين، سوف يصل إلى نوع من الحال يعيش فيها [الإنسان] مع إنسان آخر من دون تنافس، بمحبة، في رفق، في طمأنينة، بحسٍّ جمالي رفيع. ولكنْ هل يتعيَّن على المرء أن ينتظر مليونين من السنين حتى يتوصل إلى ذلك؟ ألا يجب على المرء أن يكون نافد الصبر؟ أنا أستعمل عبارة نفاد الصبر بالمعنى السليم: نفاد الصبر بمعنى عدم الصبر على الزمن. أقصد: ألا نستطيع أن نحلَّ كلَّ شيء، لا عبر الزمن، بل فورًا؟
    تفكَّرْ في هذا الأمر فعلاً. لا تقلْ إنه غير ممكن أو إنه ممكن. ما هو الزمن؟ هناك الزمن الميقاتي، الزمن بتوقيت الساعة – وذلك واضح، ذلك ضروري: حين يكون عليك أن تبني جسرًا، تراك تحتاج إلى زمن. لكن أيَّ شكل آخر من الزمن – أي: “سوف أكون…”، “سوف أفعل…”، “يجب عليَّ ألا…” – ليس حقيقيًّا؛ إنه مجرد اختراع ذهن يقول: “سوف أفعله.” أما إذا لم يكن هناك غدٌ – وليس هناك غدٌ – فإن موقفك برمَّته إذ ذاك يختلف. وفعليًّا لا يوجد مثل هذا الزمن – فحين تكون جائعًا أو شبقًا أو شهوانيًّا، لا زمن عندك: تراك تريد ذاك الشيء على الفور! ومنه، فإن فهم الزمن هو حلُّ المشكلات.
    عاينْ، أرجوك، العلاقة الوثيقة بين المشكلة والزمن. على سبيل المثال، هناك أسى. أنت تعرف ما هو الأسى – لا الأسى المطلق، بل أسى الوحشة، أسى عدم حصولك على شيء تريده، أسى عدم رؤيتك رؤية واضحة، أسى الإحباط، أسى فقدانك شخصًا تظنُّ أنك تحبه، أسى رؤيتك شيئًا رؤية واضحة للغاية عقليًّا، مع عجزك عن فعله. وفيما يتعدى هذا الأسى، هناك أسى أعظم أيضًا: أسى الزمن. إذ إن الزمن هو الذي يولِّد الأسى. أصغوا إلى هذا، أرجوكم. لقد قبلنا الزمن، وهو سيرورة الحياة المتدرِّجة، الطريقة المتدرِّجة في التطور، التغير المتدرِّج من هذا إلى ذاك، من الغضب إلى حال من عدم الغضب، بالتدريج. لقد قبلنا سيرورة التطور المتدرِّجة، وترانا نقول إنها جزء من الوجود، إنها جزء من الحياة، إنها خطة الله، أو الخطة الشيوعية، أو خطة أخرى ما. لقد قبلناها، وترانا نتعايش مع ذلك، لا تخيليًّا، بل فعليًّا.
    والآن، ذاك، بنظري، هو الأسى الأعظم: السماح للزمن بأن يُملي التغيير أو التحوُّل. أعليَّ أن أنتظر عشرة آلاف سنة وأكثر، أعليَّ أن أتكبد هذا البؤس، هذا النزاع، عشرة آلاف سنة أخرى، وببطء، أتغير بالتدريج، شيئًا قليلاً فشيئًا قليلاً، فآخذ وقتي، أتحرك ببطء؟ قبول ذلك والعيش على تلك الحال هو الأسى الأعظم.
    هل من الممكن إنهاء ذاك الأسى فورًا؟ – ذلك هو لبُّ المسألة. إذ إنني بمجرد أن أحلَّ الأسى – الأسى بالمعنى الأعمق لتلك الكلمة – ينتهي كلُّ شيء. ذلك أن ذهنًا يعاني الأسى ليس بوسعه أبدًا أن يعرف ما يعنيه الحب.
    وإذن، فعليَّ أن أتعلَّم عن الأسى فورًا، وفعل التعلُّم بعينه هو القطع التام للزمن. رؤية شيء على الفور، رؤية الزائف على الفور، – رؤية الزائف تلك هي بعينها فعل الحقيقة الذي يحرِّرك من الزمن.
    سأتوغل بعض الشيء في مسألة الرؤية هذه. بينما كنَّا داخلين لتوِّنا كان هناك ببغاء: أخضر، لامع، بمنقاره الأحمر، جاثم على غصن ميت على خلفية السماء الزرقاء. نحن لا نراه بتاتًا؛ فنحن أكثر انشغالاً، أكثر تركيزًا من أن نراه، نحن من الاضطراب بحيث لا نرى أبدًا جمال ذلك الطائر على الغصن الميت على خلفية السماء الزرقاء. فعلُ الرؤية فوريٌّ – لا “سوف أتعلَّم كيف أرى”. إذا قلت: “سوف أتعلَّم” فقد أقحمتَ الزمن سلفًا. وإذن، لا رؤية ذلك الطائر وحسب، بل وسماع ذلك القطار أيضًا، سماع السعال، هذا السعال العصبي المتواصل كلَّ الوقت هنا، – سماع ذلك الضجيج، الإنصات إليه، هو فعل فوري. وإنه لَفعلٌ فوريٌّ أن ترى رؤية واضحة للغاية، من دون المفكِّر – رؤية ذلك الطائر، رؤية المرء ما هو إيَّاه، فعليًّا، لا النظريات حول الآتمن [الذات العليا] الفائق إلى ما هنالك من نظريات، بل رؤية فعلية لما هو المرء إيَّاه.
    تتضمن الرؤية ذهنًا خاليًا من الآراء، خاليًا من الوصفات. إذا كانت عندك وصفة في ذهنك فلن ترى أبدًا ذلك الطائر، – ذاك الببغاء الجاثم على ذلك الغصن الميت على خلفية السماء الزرقاء، – لن ترى جماله الكلِّي. ستقول: “نعم، ذاك ببغاء من النوع الفلاني، والغصن الميت غصن شجرة من النوع الفلاني، وزرقة السماء زرقاء بسبب الضوء المنتثر عبر هباء الغبار”، لكنك لن ترى أبدًا كلِّية ذلك الشيء الخارق. ولإدراك كلِّية ذاك الجمال، لا زمن ثمة. بالطريقة عينها، لرؤية كلِّية الأسى، يجب عدم إقحام الزمن بتاتًا.
    انظرْ إلى الأمر، رجاءً، بطريقة أخرى. كما تعلم، فعليًّا، ليس عندنا حب – ذاك شيء رهيب إدراكه. فعليًّا، ليس عندنا حب؛ عندنا العاطفة؛ عندنا الانفعالية، الحسِّية، الجنس؛ عندنا ذكريات عن شيء ظننَّاه حبًّا. لكننا فعليًّا، بصراحة فظَّة، ليس عندنا حب. لأن وجود الحب يعني عدم العنف، عدم الخوف، عدم التنافس، عدم الطموح. لو كان عندك حبٌّ لما قلت أبدًا: “هذه أسرتي.” قد تكون عندك أسرة وتوفِّر لها أفضل ما تستطيع، لكنها لن تكون “أسرتك” أنت، في مقابل العالم. إذا أحببتَ، إذا وُجِدَ الحب، يوجد سلام. لو أنك أحببتَ، لَربَّيتَ ولدك على أنْ لا يكون قوميًّا، على أنْ لا يكون فقط صاحب مهنة تقنية، فيرعى شؤونه الصغيرة التافهة، ولَما كانت لك قومية. ما كانت الانقسامات الدينية لتوجد لو أنك أحببت. ولكنْ بما أن هذه الأمور موجودة فعليًّا – ليس نظريًّا، بل بواقعية موجعة – في هذا العالم البشع، فهذا يبيِّن أنه لا حب عندك. حتى حب أمٍّ لولدها ليس حبًّا. لو أن الأم أحبَّتْ ولدها حقًّا هل كان العالم على هذه الصورة يا ترى؟! [لو أحبَّتْه] لَحرصتْ على أن يحصل على الطعام السليم، على التربية الصحيحة، لَربَّتْه على أن يكون حساسًا، على أن يقدِّر الجمال، على أنْ لا يكون طَموحًا، طامعًا، حاسدًا. فالأم، إذن، مهما ظنَّت أنها تحب ولدها، لا تحب الولد حقًّا.
    وإذن، فليس عندنا ذاك الحب.
    فماذا ستفعل إذن؟ إذا قلت: “قلْ لي أرجوك ماذا أفعل” فأنت تفوِّت عليك القطار بالمرة! لكنْ عليك أن ترى أهمية تلك المسألة، رحابتها، إلحاحها، – ليس غدًا، ليس في اليوم التالي أو في الساعة التالية، بل أن تراها الآن. ولرؤية ذاك، يجب أن تكون عندك طاقة. إذن، عاينْ فورًا فحسب – فالحفَّاز الذي يجمِّد السائل أو يبخِّره على الفور لا يفعل فعله إذا أقحمتَ الزمن مجرد ثانية واحدة حتى. وجودنا كلُّه، كتبنا كلُّها، أملنا كلُّه، مؤجل – غدًا، غدًا، غدًا. إباحة حياتنا للزمن هي الأسى الأعظم.
    وإذن فالقضية عندك، لا عند المتكلم الذي تتوقع منه الحصول على جواب. إذ لا جواب هناك – وذاك جمال الأمر. بوسعك أن تجلس متربعًا، أن تتنفس التنفس الصحيح، أو أن تقف على رأسك طوال العشرة آلاف سنة القادمة. لكنك ما لم تطرح هذا السؤال على نفسك – ليس سطحيًّا، ليس لفظيًّا، ليس عقليًّا، بل بكيانك كلِّه – سوف تعيش على ذلك طوال مليونين من السنين. تلك السنون المليونان قد تكون غدًا فحسب. وإذن، فالصلة وثيقة بين المشكلات والزمن – فهل ترى الأمر الآن؟
    إن ذهنًا يطلب جوابًا عن هذا السؤال ليس عليه أن يفهم أنه نتاج الزمن وحسب، بل وأن ينفي ذاته أيضًا، بحيث يستطيع أن يكون خارج بنية الزمن، خارج المجتمع. لو أنك استمعت، استمعتَ حقًّا بإلحاح، بشدة، لَتوصَّلتَ إلى هذا – ليس لفظيًّا وحسب، بل فعليًّا –: إنك لم تعد عالقًا في براثن الزمن. فالذهن، مع أنه نتاج مليونين أو أكثر من السنين، يكون قد أفلت، لأنه رأى السيرورة برمَّتها وفَهِمَها على الفور. بوسع المرء أن يتوصل إلى هذا – ذاك واضح تمامًا. حين يرى المرء هذا الشيء يكون الأمر أشبه بلَعِب الأطفال. فمع أنكم جميعًا أناس راشدون، لحظة ترى الأمر تقول: “ماذا كنت أفعل بحياتي طوال هذه المدة؟!” عندئذٍ فإن الذهن يخلو من المخادعة، يخلو من الضغوط.
    عندما يخلو الذهن من المشكلات، من التوترات، ويكون بلا اتجاه، إذ ذاك فإن لذهنٍ كهذا فضاءً، فضاءً لانهائيًّا في الذهن وفي القلب كليهما؛ وفقط في ذاك الفضاء اللانهائي يمكن للخلق أن يكون. ولأن الأسى والحب والموت والخلق هي جوهر هذا الذهن، يكون هذا الذهن حرًّا من الأسى، حرًّا من الزمن. وإذن، يكون هذا الذهن في حال محبة، وحين يوجد الحب، يوجد الجمال. في حسِّ الجمال ذاك، في الشعور بذاك الفضاء الرحب، اللانهائي، يوجد خلق. وأبعد من ذلك أيضًا – “أبعد” لا بمعنى الزمن – يوجد شعور بحركة شاسعة.
    والآن، أنتم جميعًا تستمعون إلى الأمر، آملين أن تمسكوا به لفظيًّا، لكنكم لن تستطيعوا – مثلما لا تستطيعون أن تمسكوا بالحب بمجرد الاستماع إلى خطبة عن الحب. حتى تفهم المحبة، يجب عليك أن تبدأ من الأقرب إليك، وهو نفسك. ومن ثَمَّ حين تفهم، حين تخطو الخطوة الأولى – وتلك الخطوة الأولى بعينها هي الخطوة الأخيرة أيضًا –، بوسعك إذ ذاك أن تمضي بعيدًا للغاية، أبعد بكثير من الصواريخ المنطلقة إلى القمر أو الزهرة أو المريخ. وهذا، في كلِّيته، هو الذهن الديِّن.
    and#1700;ارنسي، 28 تشرين الثاني 1964

    * From the Verbatim Report of the fifth public talk in Varanasi, 28 November 1964, in Collected Works of J. Krishnamurti, copyright ©1991 Krishnamurti Foundation of America.
    .
                  

02-11-2015, 04:57 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (12)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    أساس العلاقة – ج. كريشنامورتي
    2013/11/11نصوص له
    أساس العلاقة
    ج. كريشنامورتي
    يمكن للعلاقة أن توجد فقط حين يكون هناك نزول كلِّي عن الذات، عن الـ”أنا”. فحين تنعدم الأنا، إذ ذاك تكون على علاقة؛ وفي ذاك لا يوجد فصل من أي نوع. أغلب الظن أن المرء لم يشعر بذاك قط: النفي التام – لا عقليًّا، بل فعليًّا –، الزوال التام للأنا. ولعل ذلك ما يسعى إليه أغلبنا، جنسيًّا أو عبر التماهي مع شيء ما أعظم. لكن ذلك – أكرِّر –، أي سيرورة التماهي تلك مع شيء أعظم، هو نتاج الفكر؛ والفكر قديم: إنه – مثل الأنا، الأنيَّة، الإنِّي – نتيجة الأمس؛ إنه دومًا قديم. ومن ثَم يبرز السؤال: كيف يمكن التخلِّي تخلِّيًا تامًّا عن هذه السيرورة العازلة، هذه السيرورة المتمركزة على الأنا؟ كيف يمكن لهذا أن يتم؟ أتفهم السؤال؟ كيف يمكن لي – أنا الذي ينبع كلُّ نشاط من نشاطات حياتي اليومية من الخوف والكرب واليأس والأسى والبلبلة والأمل –، كيف يمكن للأنا التي تفصل نفسها عن الآخر – عبر التماهي مع الإله، مع إشراطها، مع مجتمعها، مع نشاطها الاجتماعي والخُلُقي، مع الدولة، إلى ما هنالك –، كيف يمكن لذلك أن يموت، أن يتلاشى، بحيث يستطيع الكائن الإنساني أن يكون على علاقة؟ إذ إننا، إذا لم نكن على علاقة، سنعيش عندئذٍ متحاربين بعضنا مع بعض. قد لا يقع قتلٌ لبعضنا بعضًا لأن ذلك، إلا في البلدان النائية، بات أخطر من أن نجرؤ عليه! فكيف يمكن لنا أن نحيا بحيث لا يكون هناك فصل، بحيث يمكن لنا أن نتعاون حقًّا؟
    ما أكثر ما يجب القيام به في العالم: القضاء على الفقر؛ الحياة في سعادة؛ الحياة في بهجة بدلاً من العيش في عذاب وخوف؛ بناء نوع مختلف كليًّا من المجتمع، أخلاق تعلو على كلِّ أخلاق. لكن هذا ليس بمستطاع أن يكون إلا حين تُنكَر أخلاقُ المجتمع الراهن برمَّتها إنكارًا كليًّا. ما أكثر ما يجب القيام به؛ وليس بالمستطاع القيام به مادامت هذه السيرورة العازلة مستمرة. ترانا نتكلم على الـ”أنا” والـ”لي” والـ”آخر”: الآخر موجود فيما وراء الجدار، الأنا واللي في هذه الناحية من الجدار. وإذن، كيف يمكن لأساس المقاومة ذاك – وهو الأنا –، كيف يمكن لذاك أن يُتخلَّى عنه تمامًا؟ لأن تلك المسألة هي الأساس الحق من كلِّ علاقة؛ إذ يرى المرء أن العلاقة بين صور ليست علاقة على الإطلاق[1]، وأنه حينما يوجد ذلك النوع من العلاقة هناك نزاع حتمًا ونكون لا محالة ممسكين بخناق بعضنا بعضًا!
    عندما تطرح على نفسك ذلك السؤال، تراك ستقول حتمًا: “أمحتَّمٌ عليَّ أن أعيش في خواء، في حال من الفراغ؟” أتساءل إنْ كنتَ اختبرتَ يومًا ماهية أن يكون لك ذهن فارغ تمامًا. لقد عشتَ في حيِّز أوجدتْه الـ”أنا”، وهو حيِّز صغير جدًّا. والحيِّز الذي بناه الـ”إنِّي” – السيرورة العازلة للذات – بين شخص وآخر هو كلُّ ما نعرف من حيِّز – الحيِّز الواقع بينه وبين المحيط، الحدُّ الفاصل الذي بناه الذهن. في هذا الحيِّز نعيش، وفي هذا الحيِّز هناك انقسام. تراك تقول: “إذا تخلَّيت عن ذاتي، أو إذا نزلت عن مركز أناي، سأعيش في خواء.” ولكن هل تراك يومًا تخلَّيت عن الأنا حقًّا، فعليًّا، بحيث لا تكون هناك أنا بتاتًا؟ هل تراك عشت يومًا في هذا العالم، ذهبت إلى المكتب، عشت مع زوجتك أو مع زوجك بتلك الروح؟ إذا كنت قد عشت على هذا النحو ستعرف أن هناك حالاً من العلاقة تنعدم فيها الأنا؛ وهي ليست يوطوپيا، ليست شيئًا يُحلَم به أو خبرة صوفية تافهة، بل شيء يمكن القيام به فعليًّا: الحياة على بُعْدٍ توجد فيه علاقة مع البشر كافة.
    لكن ذاك يمكن له أن يوجد فقط حين نفهم ماهية المحبة. ولكي يكون المرء في تلك الحال، لكي يحيا فيها، عليه أن يتفهَّم لذة الفكر وآليَّته برمَّتها. إذ ذاك فإن كلَّ آليَّة معقَّدة ابتناها المرءُ لنفسه، حول نفسه، تُستطاع رؤيتُها بلمح البصر. ليس المرء مضطرًّا أن يخوض هذه السيرورة التحليلية كلَّها نقطة بعد نقطة. كلُّ تحليل فهو مجزَّأ، وبالتالي ليس هناك من جواب يأتي عبر ذلك الباب.
    هناك مشكلة الوجود المعقَّدة الهائلة هذه، بكل مخاوفها وأتراحها وآمالها وسعادتها الزائلة وأفراحها، لكن التحليل لن يحلَّها. ما سيحلُّها هي الإحاطة بها إحاطة خاطفة، ككلٍّ. تراك تعرف أنك تفهم أمرًا ما فقط حين تنظر – لا بنظرة مطوَّلة مدرَّبة، النظرة المدرَّبة للفنان أو العالِم أو المرء الذي تمرَّس بـ”كيفية النظر”. تراه، إنْ نظرتَ إليه بانتباه تام؛ ترى الأمر ككلٍّ في لمحة واحدة. وسترى عند ذاك أنك خارجه. وعند ذاك تكون خارج الزمن؛ الزمن يتوقف والأسى، بالتالي، ينتهي. امرؤ يعاني أسى أو خوفًا امرؤ ليس على علاقة. كيف يمكن لرجل يطلب النفوذ أن يكون على علاقة؟! قد يكون صاحب أسرة، قد ينام مع زوجته، لكنه ليس على علاقة. رجل يتنافس مع غيره رجل لا علاقة له البتة. وبنيان مجتمعنا كلُّه، بلاأخلاقيته، يقوم على هذا. العلاقة الأساسية، الجوهرية، إنما تعني إنهاء الأنا التي تولِّد الفصل والأسى.
    باريس، 25 نيسان 1968



    * From Talks in Europe 1968, 25 April 1968, copyright ©1969 The Krishnamurti Foundation London.

    [1] راجع: ج. كريشنامورتي، “الصورة”، سماوات جديدة: http://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/self-imagehttp://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/self-image. (المحرِّر)
                  

02-11-2015, 05:17 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)


    للإتصال :


    sudmleat@yahoo. com


    .
                  

02-11-2015, 05:22 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (13)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    كيف يتغير المجتمع؟ – ج. كريشنامورتي
    2013/11/11نصوص له
    المراقبة وتغيير المجتمع
    من كريشنامورتي لنفسه*
    6 أيار [1983]
    وأنت جالس على الشاطئ تراقب الناس عابرين – ثنائيين اثنين أو ثلاثة وامرأة بمفردها – يبدو لك أن الطبيعة بأسرها، كلَّ شيء حواليك، من البحر ذي الزرقة الداكنة إلى تلك الجبال الصخرية الشامخة، يراقب هو الآخر. ترانا نراقب، لا ننتظر، لا نتوقع حدوث أي شيء، بل نراقب بلا نهاية. وفي تلك المراقبة تعلُّم، ليس مراكمة المعرفة عبر تعلُّم يكاد أن يكون آليًّا، إنما المراقبة عن كثب، لا سطحيًّا أبدًا، بل عمقيًّا، في خفة ولطف – إذ ذاك ينعدم المراقِب. عندما يوجد مراقِب فالمراقبة تكون محض الماضي يراقب؛ وتلك ليست مراقبة، بل تذكُّر وحسب، وهو شيء ميت نوعًا ما. المراقبة نابضة بالحياة، وكل لحظة تَخْلِية. تلك السرطانات الصغيرة وتلك النوارس وجميع تلك الطيور الطائرة قريبًا تراقب. إنها تراقب طلبًا للفريسة، للسمك، تراقب طلبًا لشيء تأكله؛ إنها تراقب هي الأخرى. يمرُّ أحدهم على مقربة منك ويتساءل عما تراقب. أنت لا تراقب شيئًا، وفي تلك اللاشيئية يوجد كل شيء.
    منذ بضعة أيام، أتى رجل سافر كثيرًا، رأى الكثير، كتب أشياء وأشياء – رجل أمْيَل إلى الشيخوخة، ذو لحية حسنة التشذيب، محتشم الهندام من غير غلوٍّ مبتذل، معتنيًا بحذائه، بثيابه. كان يتقن الإنكليزية، مع أنه أجنبي. وقد قال للرجل الجالس على الشاطئ يراقب إنه قد تحدث إلى عدد كبير من الناس، تناقش مع بعض الأساتذة والمثقفين، وحين كان في الهند، تحدث إلى عدد من الـپندت [الأساتذة]. وأغلبهم، على ما يبدو، ليسوا مبالين بالمجتمع، على حدِّ قوله، ليسوا ملتزمين التزامًا عميقًا أيَّ إصلاح اجتماعي ولا أزمة الحرب الحالية. كان عميق الاهتمام حيال المجتمع الذي نحيا فيه، مع أنه ليس مصلحًا اجتماعيًّا. لم يكن واثقًا تمام الثقة إنْ كان تغيير المجتمع أمرًا ممكنًا، إنْ كان بالإمكان فعل شيء بهذا الخصوص. لكنه كان يرى ماهيَّته: الفساد المستشري، عبثية رجال السياسة، الحقارة والتفاهة والوحشية المتفشية في العالم.
    قال: “ماذا بوسعنا أن نفعل حيال هذا المجتمع؟ – ليس إصلاحات صغيرة تافهة هنا وهناك، استبدال رئيس آخر بالرئيس الحالي، أو برئيس الوزراء الحالي سواه – فجميعهم من الصنف نفسه بدرجة أو بأخرى؛ ليس بوسعهم أن يفعلوا الكثير لأنهم يمثِّلون الوضاعة، أو حتى أقل من ذلك: الابتذال؛ إنهم يريدون المظاهر، ولن يفعلوا شيئًا أبدًا. سوف يُحدِثون إصلاحات صغيرة وضيعة هنا وهناك، لكن المجتمع سوف يستمر على حاله على الرغم منهم.” كان قد راقب مختلف المجتمعات والثقافات، ووجدها لا يختلف بعضها عن بعض كثيرًا من حيث الأساس. بدا رجلاً جديًّا للغاية وصاحب ابتسامة، وتكلم على جمال هذه البلاد [أميركا]، اتساعها، تنوُّعها، من الصحارى الحارة إلى جبال الروكي العالية البهية. كان المرء يصغي إليه كمَن يصغي إلى البحر ويراقبه.
    لا يتغير ما بالمجتمع حتى يتغير ما بالإنسان. البشر – أنت وسواك – هم الذين أوجدوا هذه المجتمعات أجيالاً بعد أجيال؛ نحن جميعًا الذين جعلنا هذه المجتمعات من تفاهتنا وضيقنا، من محدوديَّتنا، من جشعنا وحسدنا ووحشيتنا وعنفنا وتنافسنا، إلى آخر ما هنالك. نحن المسؤولون عن الصَّغار، الغباء، الابتذال، عن جميع السخافات القَبَلية وعن الطائفية الدينية. فما لم يتغير كلٌّ منَّا تغيرًا جذريًّا لن يتغير المجتمع أبدًا. إنه موجود، ونحن الذين صنعناه، ومن ثم فهو الذي يصنعنا. إنه يشكِّلنا مثلما شكَّلناه؛ إنه يضعنا في قالب، والقالب يوضع في إطار، وهو المجتمع.
    ومنه، فإن هذا الفعل يتواصل إلى ما لا نهاية، مثل البحر، جَزْرًا ومدًّا، ينحسر بعيدًا ثم يعود فيمتد، أحيانًا في بطء شديد، وأحيانًا أخرى سريعًا، خطيرًا. مدٌّ وجَزْر؛ فعل، ردُّ فعل، فعل. يبدو هذا وكأنه من طبيعة هذه الحركة – ما لم يكن هناك نظامٌ عميقٌ في الذات. وذاك النظام هو الذي سيولِّد النظام في المجتمع، ليس عبر التشريع والحكومات وذلك الهرج كلِّه – مع أنه مادامت هناك فوضى، بلبلة، فإن القانون، السلطة التي توجِدها فوضانا، سوف يستمر. القانون من صنع الإنسان، شأنه شأن المجتمع – ثمرة الإنسان هو القانون.
    ومنه، فإن الباطن، النفس، يجعل الظاهر بحسب محدوديَّته؛ ثم يعود الظاهر فيسيطر على الباطن ويُقَوْلِبُه. لقد ظنَّ الشيوعيون – ولعلهم مازالوا يظنون – أن بوسعهم، بالسيطرة على الظاهر، بسنِّ بعض القوانين والأنظمة وإنشاء بعض المؤسسات، أشكال بعينها من الاستبداد، أن يغيروا ما بالإنسان. لكنهم لم ينجحوا حتى الآن، ولن ينجحوا أبدًا. وهذا هو دأب الاشتراكيين أيضًا. الرأسماليون يفعلون ذلك بطريقة مختلفة، لكن الأمر يبقى هو هو. الباطن يتغلب على الظاهر دومًا؛ إذ إن الباطن أقوى بكثير، أكثر حيوية بكثير من الظاهر.
    فهل يمكن لهذه الحركة أن تتوقف يومًا؟ – الباطنُ خالقًا البيئة الظاهرة نفسانيًّا؛ والظاهرُ، القانون، المؤسسات، التنظيمات، محاوِلةً تشكيل الإنسان، المخ، بحيث يعمل بطريقة معينة؛ والمخُّ، الباطن، النفس، مغيِّرةً إذ ذاك الظاهر، محتالةً عليه. هذه الحركة مافتئت مستمرة ما ظلَّ الإنسان على هذه الأرض، استمرارًا فجًّا، سطحيًّا، لامعًا أحيانًا – ما انفك الباطن يتغلب على الظاهر، كالبحر بجَزْره ومدِّه، ينحسر ويمتد. على المرء أن يسأل حقًّا إنْ كان مقيَّضًا لهذه الحركة أن تتوقف يومًا – فعل وردُّ فعل، كره ومزيد من الكره، عنف ومزيد من العنف. إنها تنتهي حين تكون هناك مراقبة فحسب، من غير باعث، من غير استجابة، من غير اتجاه.
    ينشأ الاتجاه عندما يوجد تراكُم. أما المراقبة – وفيها انتباه ووعي وشعور عظيم بالرحمة – فهي ذات فطنة تختص بها. هذه المراقبة والفطنة تفعلان؛ وذاك الفعل ليس فعل الجَزْر والمد. لكن هذا يستلزم تيقظًا عظيمًا، لرؤية الأشياء من دون الكلمة، من دون الاسم، من دون أي ردِّ فعل – وفي تلك المراقبة حيوية، شغف عظيم.

    * From Krishnamurti to Himself, 6 May 1983, copyright ©1987 Krishnamurti Foundation Trust, Ltd.
                  

02-11-2015, 05:25 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (14)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    أنت العالم – ج. كريشنامورتي
    2013/11/10نصوص له
    أنـت العـالـم*
    سائل: كيف يمكن لفكرة “أنت العالم وأنت مسؤول كليًّا عن النوع البشري بأسره” أن تُبرَّر على أساس عقلاني، موضوعي، عاقل؟
    كريشنامورتي: لست واثقًا من إمكان عَقْلَنَتها على أساس عاقل، موضوعي. لكننا سنتفحَّصها أولاً قبل أن نقرِّر عدم إمكان ذلك!
    بادئ ذي بدء، الأرض التي نعيش عليها هي أرضنا – صحيح؟ إنها ليست الأرض البريطانية، ولا الأرض الفرنسية، أو الألمانية، الروسية، الهندية، الصينية، بل هي أرضنا التي نحيا عليها جميعًا. هذا واقع. لكن الفكر جزَّأها عرقيًّا، جغرافيًّا، ثقافيًّا، اقتصاديًّا. وتلك التجزئة تسبِّب الخراب في العالم – بكل وضوح. ذاك أمر لا سبيل إلى إنكاره؛ ذاك التصريح تصريح عقلاني، موضوعي، عاقل. إنها أرضنا التي نحيا عليها جميعًا، لكننا جزَّأناها – لأسباب أمنية، لأسباب وهمية مختلفة، وطنية، سياسية – الأمر الذي يسبِّب اندلاع الحرب لا محالة.
    قلنا أيضًا بأن الوعي البشري كله متشابه. ترانا جميعًا، مهما كان جزء الأرض الذي نعيش عليه، نكابد الكثير من العذاب، الألم، القلق، الريبة، الخوف؛ وترانا في بعض الأحيان، أو ربما أحيانًا كثيرة، نعرف اللذة. هذه هي الأرضية المشتركة التي يقف عليها البشر أجمعون – صحيح؟ هذا واقع لا سبيل إلى دحضه. قد نحاول أن نتفاداه، قد نحاول أن نتجاهله بقولنا إنه غير موجود، [كأنْ أقول] إنني “فرد”، إلى ما هنالك؛ لكنك حين تنظر إليه نظرة موضوعية، غير شخصية، ستجد أن وعينا يماثل – نفسيًّا – وعي البشر أجمعين. قد تكون طويل القامة، قد تكون أشقر البشرة، قد تكون بني الشعر؛ وقد أكون أسود البشرة، أو أبيض، أو قرنفلي اللون، أو ما شاكل – لكننا، داخليًّا، نعاني جميعًا معاناة فظيعة. ترانا جميعًا نعاني شعورًا بوحشة قانطة. قد يكون عندك أبناء، زوج، أسرة، لكنك عندما تكون وحدك يستبدُّ بك الشعور بأن لا علاقة لك بأي شيء؛ تراك تشعر بأنك معزول كليًّا. أغلبنا عنده ذلك الشعور. هذه هي الأرضية المشتركة بين البشر أجمعين. ومهما يحدث في حقل هذا الوعي فنحن مسؤولون. أي أنني، إنْ كنت عنيفًا، فأنا أضيف مزيدًا من العنف إلى ذلك الوعي المشترك بيننا جميعًا؛ أما إذا لم أكن عنيفًا فلا أضيف إليه، بل أجلب عاملاً كلِّيَّ الجدة إلى ذلك الوعي.
    ومنه، فأنا مسؤول مسؤولية عميقة: إما أساهم في ذلك العنف، في تلك البلبلة، في تلك التجزئة الرهيبة، وإما – إذ أُقرُّ عميقًا في قلبي، في دمي، في أعماق كياني، أنني سائر العالم، أنني النوع البشري، أنني العالم، أن العالم ليس منفصلاً عني – أصبح، إذ ذاك، كلِّي المسؤولية. هذا واضح كل الوضوح! هذا عقلاني، موضوعي، عاقل. [الموقف] الآخر هو الجنون بعينه: أن يسمِّي المرءُ نفسَه هندوسيًّا، بوذيًّا، مسيحيًّا، إلى آخر ما هنالك من تسميات – فهذه مجرد لُصاقات!
    حين يختبر المرء ذاك الشعور، ذاك الواقع، حقيقةَ أن كلَّ إنسان يعيش على هذه الأرض ليس مسؤولاً عن نفسه وحسب، بل وعن كل ما يحدث، ترى كيف يترجم ذلك في الحياة اليومية؟ هل تشعر ذاك الشعور، لا كاستنتاج عقلي، لا كمثال، إلى آخره؟ – وإلا فليس له من الواقع نصيب. لكنْ إذا كانت الحقيقة هي أنك تقف على الأرضية المشتركة بين النوع البشري بأسره، وكنت تشعر بأنك كلِّي المسؤولية، ما هو عندئذٍ عملك حيال المجتمع، حيال العالم الذي تعيش فعليًّا فيه؟
    العالم كما هو الآن مليء بالعنف. هَبْ أنني أدركت بأني كلِّي المسؤولية. ما هو عملي؟ هل سأنضم إلى جماعة من الإرهابيين؟ بالطبع لا. من الواضح أن التنافس بين الأمم بات يدمِّر العالم. حين أشعر بأني مسؤول عن هذا تراني بطبيعة الحال أكفُّ عن المنافسة. وكلا العالم الديني والعالم الاقتصادي والاجتماعي، على حدٍّ سواء، يقوم على مبدأ التراتُب. فهل سآخذ أنا الآخر بهذا المفهوم عن النظرة التراتُبية؟ بالطبع لا، لأن مَن يقول: “أعرف” يتخذ موقعًا مستعليًا، فيكون صاحب مرتبة. فإذا كنت تريد تلك المرتبة اسْعَ في نيلها، لكنك بذلك تساهم في بلبلة العالم.
    وإذن، فهناك أعمال فعلية، موضوعية، عاقلة، حين تدرك، حين تتحقَّق في أعماق قلبك، أنك سائر النوع البشري، وأننا جميعًا نقف على الأرضية نفسها.

    زانن، 29 تموز 1981
    * From the transcript of the tape recording of the first public question and answer meeting at Saanen, 29 July 1981, copyright ©1991 Krishnamurti Foundation Trust, Ltd.
                  

02-11-2015, 05:29 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (15)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    أن نكون لاشيء – ج. كريشنامورتي
    2013/11/09نصوص له
    أن نكون لاشيء*
    كريشنامورتي متكلمًا في كاليفورنيا
    في عيد ميلاده الخامس والثمانين.

    كُنْ متيقِّظًا لجمال كلِّ يوم، كلِّ صباح جديد، لأعجوبة العالم. إنه لَعالمٌ رائع، ونحن مابرحنا ندمِّره، في علاقة بعضنا مع بعضنا الآخر وفي علاقتنا بالطبيعة، بأشياء هذه الأرض الحية كافة.
    هلا تقصَّينا ماهية مخٍّ صامت؟ تراك لا تتعلَّم، لا ترصد، إلا عبر صمت عظيم، لا وأنت تُحدِث الكثير من الضجيج. فحتى ترصد تلك التلال، وهذه الأشجار الجميلة، حتى ترصد أسرتك وأصدقاءك، لا بدَّ لك من فضاء ولا بدَّ من وجود صمت. أما إذا كنت تهذر، تثرثر، فلا فضاء لديك ولا صمت. ونحن بحاجة إلى فضاء، ليس فيزيائيًّا وحسب، بل نفسانيًّا أكثر بكثير. وذاك الفضاء ينتفي عندما نفكر في أنفسنا. الأمر شديد البساطة. إذ إنه حين يوجد فضاءٌ – فضاءٌ شاسعٌ نفسانيًّا – توجد حيوية عظيمة. ولكنْ عندما يحدُّ المرءُ ذاك الفضاء بذاته الصغيرة فإن تلك الطاقة الهائلة تُحتجَز كليًّا ضمن حدودها. ولهذا السبب فإن التأمل هو إنهاء الذاتية.
    يمكن للمرء أن يستمع إلى هذا كلِّه إلى ما لا نهاية، لكنك إنْ لم تفعل هذا، فما الجدوى من استماعك؟ إنْ لم تكن فعليًّا واعيًا بنفسك، بكلماتك، بحركاتك، بمشيتك، بطريقة أكلك، بأسباب شربك وتدخينك، وبسائر الأشياء كلِّها التي يفعلها البشر – إنْ لم تكن واعيًا بالأمور المادية كلِّها كيف يمكن لك أن تعي ما يجري عميقًا؟ إنْ لم يكن المرء واعيًا فإنه عندئذٍ يصير مدَّعيًا، من طبقة وسطى، متوسط الجودة [mediocre]. إن المعنى الأصلي لكلمة mediocre تلك هو “صعود طريق التلَّة حتى منتصفه”، صعود طريق الجبل حتى منتصفه، عدم بلوغ قمَّته أبدًا. تلك هي الجودة المتوسطة [mediocrity]: أي عدم تطلُّبنا من أنفسنا الامتياز أبدًا، عدم تطلُّبنا من أنفسنا أبدًا الجودة الكاملة أو الحرية التامة – لا حرية أن نفعل ما يحلو لنا (فتلك ليست حرية، تلك تفاهة)، بل التحرر من ألم صنوف الجزع والوحشة واليأس، إلى سائر ما هنالك.
    وإذن، لكي نكتشف ذاك، أو لكي نقع عليه، أو من أجل يوجد ذاك، لا بدَّ من فضاء وصمت عظيمين – لا الصمت المفتعَل، ليس قول الفكر: “يجب أن أصمت”. الصمت شيء خارق؛ إنه ليس الصمت بين ضجَّتين. سلامٌ بين حربين ليس سلامًا. الصمت شيء يحلُّ حلولاً طبيعيًّا عندما تراقب: عندما تراقب من غير دافع، من دون أيِّ نوع من الطلب، بل محض المراقبة، ورؤية جمال نجمة متوحِّدة في السماء، أو مراقبة شجرة بعينها في حقل، أو مراقبة زوجتك أو زوجك، أو أي شيء تراقبه. المراقبة في صمتٍ وفضاءٍ عظيمين. إذ ذاك، في تلك المراقبة، في ذاك الانتباه، ثمة شيء يتعدَّى الكلمات، يفوق كلَّ قياس.
    نحن نستعمل كلمات لنقيس اللامقيس. لذا يجب على المرء أن يعي شبكة الكلمات أيضًا، كيف تغشُّنا الكلمات، كيف تعني الكلماتُ كلَّ ما تعنيه: [كلمة] شيوعية، عند رأسمالي، تعني شيئًا رهيبًا! تصير الكلمات خارقة الأهمية. أما وعي تلك الكلمات والحياة مع كلمة صمت، مع العلم بأن الكلمة ليست هي الصمت، إنما الحياة مع تلك الكلمة ورؤية وَزْن تلك الكلمة، مضمون تلك الكلمة، جمال تلك الكلمة!… بذا يبدأ المرء يدرك، حين يكون الفكر هادئًا، مراقِبًا، أن هناك شيئًا يفوق كلَّ خيال وشكٍّ وبحث. ويوجد شيء كهذا – على الأقل بنظر المتكلِّم. لكن ما يقوله المتكلِّم لا يصلح لسواه. إذا أصغيتَ، تعلَّمتَ، راقبتَ، كنتَ حرًّا كلَّ الحرية من صنوف جزع الحياة كلِّها، إذ ذاك فقط يكون ثمة دِيْن من شأنه أن يولِّد ثقافة جديدة، مختلفة كليًّا. نحن لسنا أناسًا مثقَّفين بتاتًا. قد يتفق لك أن تكون بارعًا جدًّا في الأعمال، قد تكون خارق البراعة تكنولوجيًّا، قد تكون طبيبًا أو أستاذًا جامعيًّا؛ لكننا نبقى مع ذلك محدودين للغاية.
    إنهاء الذات، “الأنا”: أن تكون لاشيء. كلمة لاشيء تعني “لا شيء”: لا شيء من خلق الفكر. أن تكون لاشيء، فتعدم كلَّ صورة عن نفسك. لكن عندنا صورًا عديدة جدًّا عن أنفسنا. أن تعدم كلَّ صورة من أيِّ نوع، كلَّ وهم، أن تكون لاشيء على الإطلاق. الشجرة ليست شيئًا بنظر نفسها: إنها موجودة. وهي، في وجودها بحدِّ ذاته، أجمل شيء، مثل تلك التلال: إنها موجودة؛ إنها لا تصير شيئًا [آخر] لأنها لا تستطيع. مثل بذرة شجرة تفاح: إنها تفاح؛ تراها لا تحاول أن تصير أجاصًا أو فاكهة أخرى – إنها كائنة. أتفهم؟ هذا هو التأمل. هذا هو إنهاء البحث، والحقيقة تكون.

    أوهَيْ، 22 أيار 1983


    * From the transcript of the tape recording of the fourth public talk at Ojai, 22 May 1983, copyright ©1991 Krishnamurti Foundation Trust, Ltd.
                  

02-11-2015, 10:29 PM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (16)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    ما هي الحُرْمَة؟ – ج. كريشنامورتي
    2013/11/09نصوص له
    عن الموروث والقُدْسيَّة*
    ج. كريشنامورتي
    […] وأنتم تعلمون أن الماضي هو اللاوعي. أتدري ما هو اللاوعي؟ لا ترجعْ إلى فرويد أو يونگ أو سائر أولئك القوم، بل انظرْ إليه بنفسك واكتشفْ، ليس عبر المذهب التجريبي، بل ارصدْه فعليًّا. الماضي يكمن في موروثك، في الكتب التي قرأتَها، في ميراثك العِرْقي بصفتك هندوسيًّا، بوذيًّا، مسلمًا، مسيحيًّا، إلى آخر ما هنالك، وفي الثقافة التي عشتَ فيها، المعابد، المعتقدات التي انتقلت من جيل إلى جيل. وهذا كله يشكِّل الپروپاگاندا [الدعاية] التي نشأتم عليها وخضعتم لها. أنتم مستعبَدون لپروپاگاندا دامت خمسة آلاف سنة؛ والمسيحي مستعبَد لپروپاگاندا دامت ألفي سنة: هو يؤمن بيسوع المسيح وأنتم تؤمنون بكرشنا، أو أيًّا ما كان الذي تؤمنون به، مثلما يؤمن الشيوعي بشيء آخر. نحن حصيلة الپروپاگاندا. هل تدركون ما يعنيه هذا؟ – [مجرد] كلمات، تأثير الآخرين؛ ومن ثَمَّ ليس هناك من شيء أصيل بتاتًا. ولكي نكتشف أصل أي شيء، يجب أن يكون فينا نظام – نظام لا يمكن له أن يحضر إلا عندما تكفُّ الفوضى التي تعيث في النفس. إذ إننا جميعًا، على الأقل أولئك الذين يتَّصفون حتى بالقليل من الجدية والاهتمام والإخلاص، قد تساءلنا حتمًا إنْ كان ثمة ما هو حَرام أصلاً، ما هو قُدْسي[1]. الجواب، بالطبع، هو أن المعبد أو الكنيسة أو المسجد ليس مقدسًا، ليس حَرَمًا، ولا الصور التي فيه.
    لا أدري إنْ كنتَ قد أجريتَ الاختبار على نفسك. خُذْ عصا، ضَعْها على رفِّ المُصْطَلى، ثم واظبْ كل يوم على وضع زهرة أمامها – قدِّمْ لها زهرة، ضَعْ أمامها زهرة وردِّدْ بعض الكلمات – “كوكاكولا”، “آمين”، “أوم”، لا يهمُّ أي كلمة – أي كلمة تريد – اسمعوا، لا تتهربوا من الأمر بالضحك! – افعلْ وستتبيَّن الأمر. فإذا فعلتَ، سترى بعد شهر إلى أي حدٍّ صارت العصا مقدَّسة! لقد تماهيتَ مع تلك العصا، أو مع تلك القطعة من الحجر، أو مع تلك القطعة من الفكر، فجعلتَ منها شيئًا حَرامًا، مقدَّسًا. لكنها ليست كذلك. لقد أضفيتَ عليها صفةً قدسيةً من جراء خوفك، من جراء العادة المستحكمة في موروثك هذا: وَهْبُ نفسك لشيء تعتبره مقدَّسًا وتسليمُ أمرك له. الصورة في المعبد ليست أكثر قدسية من قطعة صخر ملقاة على جانب الطريق. لذا فمن الأهمية بمكان أن تكتشف ما هو قُدْسي حقًّا، ما هو حَرام حقًّا – إنْ كان ثمة شيء كهذا أصلاً.
    لقد تكلم الإنسان على هذا طوال القرون، كما تعلمون، طالبًا شيئًا لا يفنى، شيئًا ليس من اختلاق الذهن، شيئًا قُدْسيًّا بحدِّ ذاته، شيئًا لا يمسُّه الماضي أبدًا. ما انفك الإنسان يطلب ذاك. والإنسان، إذ طلب ذاك ولم يجده، بادر إلى اختلاق الدين، وهو المعتقد المنظَّم. على الإنسان الجدي أن يكتشف – ليس عبر حجر أو معبد أو فكرة –، عليه أن يجد ما هو – حقًّا وصدقًا وأبديًّا – حَرام. فإذا لم تتمكن من إيجاده ستبقى دومًا على ما أنت عليه من قسوة، ستبقى دومًا في نزاع. فإنْ شئت، هذا المساء، أصغِ، لعلك أن تقع عليه – لا عبر المتكلم، لا عبر كلماته، لا عبر تصريحاته، بل لعلك أن تحظى به حين يكون ثمة انضباط عبر فهم الفوضى. عندما ترصد، انظرْ ما هي الفوضى؛ رؤية الفوضى بعينها تتطلب انتباهًا. تابعوا هذا، رجاءً. الانضباط عند غالبيتنا، كما تعلمون، مجرد تدريب، كما هو عند الجندي: تدريب، نظام منضم، من الصباح إلى الليل، بحيث لا يكون ثمة إلا العبودية للعادة. وذلك ما نسمِّيه “انضباطًا”: القمع، السيطرة – هذا مميت، وليس انضباطًا على الإطلاق. الانضباط شيء حي، يتصف بجماله الخاص، بحريته الخاصة. وهذا الانضباط يستتبُّ طبيعيًّا حين تعرف كيف تنظر إلى شجرة، كيف تنظر إلى وجه زوجتك، أو تنظرين إلى وجه زوجك، حين يكون بوسعك أن ترى جمال الشجرة أو مغيب الشمس. أن ترى، أن تنظر إلى تلك السماء، إلى ألَقِها، إلى جمال الأوراق على خلفية ذاك الألق، إلى اللون البرتقالي، إلى عمق ذاك اللون، إلى رشاقة ذاك اللون – شاهدْه! فلكي تراه عليك أن توليه انتباهَك كلَّه. ولإيلاء انتباهك كلِّه انضباطُه الخاص، بحيث لا تعود بحاجة إلى أي انضباط آخر. ذاك الشيء، إذن، ذاك الانتباه هو شيء حي، شيء متحرك وحيوي.
    هذا الانتباه بعينه هو الفضيلة. لست بحاجة إلى أي معيار أخلاقي آخر ولا إلى أي أخلاقية أخرى. (بكل الأحوال، لا أخلاقية لديك، ماعدا، من ناحية، الأخلاقية التي لقَّنك إيَّاها المجتمعُ الذي أنشأتَه، ومن ناحية أخرى، ما تريد أن تفعله – وكلاهما لا يمتُّ بأي صلة إلى الفضيلة بتاتًا.) الفضيلة هي الجمال، والجمال هو الحب – ومن دون حب، لا فضيلة عندك، وبالتالي، لا نظام.
    إذًا أكرر: إذا فعلتَ ذلك الآن، بينما يتحدث المتكلم عنه، ناظرًا إلى تلك السماء بكيانك كله، فإن لفعل النظر ذاك بعينه انضباطه الخاص، وبالتالي، فضيلته الخاصة، نظامه الخاص. إذ ذاك يبلغ الذهن ذروة النظام المطلق؛ وبالتالي، لأنه مطلق النظام، فإنه هو، بحدِّ ذاته، يصبح الحَرام. لا أدري إنْ كنتم تفهمون هذا. اعلمْ أنك حين تحب الشجرة، العصفور، الضوء على صفحة الماء، حين تحب جارك، زوجتك، حين تحبين زوجك، دون غيرة، ذاك الحب الذي لم يمْسَسْه كرهٌ قط – حين يوجد ذاك الحب فإن ذاك الحب بعينه حَرام، وليس ثمة أي شيء آخر يمكن له أن يكون أكثر حُرْمَة منه.
    وإذن، هناك ذاك الشيء الحَرام، ليس في الأشياء التي قام الإنسان بتجميعها، بل الحَرام الذي يوجد حين يجتثُّ المرءُ نفسَه اجتثاثًا تامًّا من الماضي، وهو الذاكرة. وهذا لا يعني أن المرء يصير غافل الذهن – إذ إن عليه أن يستعمل الذاكرة في اتجاه معين –، بل سيتبيَّن له أن الذاكرة جزء من هذه الحالة بأسرها التي لا علاقة لها مع الماضي. وهذا الكفُّ للماضي لا يكون إلا حين ترى الأشياء كما هي وتغدو على تماسٍ مباشر معها – كما هي الحال مع مغيب الشمس البديع ذاك. عندئذٍ، من قلب هذا النظام، هذا الانضباط، من قلب هذه الفضيلة، يوجد الحب. الحب هائل الشغف وهو، بالتالي، يفعل على الفور؛ ليس فيه فاصل زمني بين الرؤية والفعل. وعندما تتصف بذاك الحب، تستطيع أن تنحِّي كتبك المقدسة كلَّها، آلهتك كلَّها – ولا مناص لك من تنحية كتبك المقدسة وآلهتك ومطامحك اليومية كي تحظى بذاك الحب. ذاك وحده هو الشيء الحَرام الموجود. ولكي تحظى به، لا بدَّ من إزهار الطيبة. الطيبة – أتفهمون، أيها السادة؟ – لا يمكن للطيبة أن تزهر إلا في الحرية، لا في الموروث.
    العالم بحاجة إلى التغيير، وأنت بحاجة إلى ثورة هائلة في نفسك؛ العالم بحاجة إلى هذه الثورة الهائلة (لا إلى الثورة الاقتصادية، الشيوعية، الدموية، التي جرَّبها الإنسان طوال التاريخ؛ فتلك لم تقدْه إلا إلى المزيد من البؤس). بل نحن بحاجة إلى ثورة جذرية، نفسانية، وهذه الثورة هي نظام. والنظام هو السلام؛ وهذا النظام، الذي هو فضيلة وسلام، لا يحلُّ إلا عندما تكون على تماسٍ مع الفوضى في حياتك اليومية. عندئذٍ، من قلب ذاك تزهر الطيبة، وعندئذٍ لا يعود ثمة بحث – إذ إن الموجود… حَرام.
    مدراس، 14 كانون الثاني 1968

    * From J. Krishnamurti, The Awakening of Intelligence, Victor Gollancz Ltd., London, 1973, pp. 214-217.

    [1] “الحَرام” the sacred: ما يتصف بحُرْمَة لا تُنتهَك؛ “القُدْسي” the holy: الطاهر الذي لا يشوبه فساد. يقصد كريشنامورتي بهذين المصطلحين ما لا تطاله عدوى مقولات الفكر والذاكرة المخزونة من الماضي الميت، ما لا يقع في نطاق الزمن. (المحرِّر)
    .
                  

02-11-2015, 10:43 PM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (17)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    الصورة – ج. كريشنامورتي
    2013/11/03نصوص له

    الصُّـورة
    ج. كريشنامورتي
    كنَّا بصدد استقصاء طبيعة الحب[1]، وقد توصَّلنا إلى نقطة تستلزم، على ما أعتقد، المزيد المزيد من نفاذ النظر، المزيد المزيد من وعي المسألة. ولقد اكتشفنا أن الحب، بنظر أغلب الناس، يعني الراحة، الأمان، ضمانةً طوال بقية العمر للإشباع العاطفي المستمر. ثم يأتي واحد مثلي ويسأل: “هل ذاك حبٌّ حقًّا؟”، ويسألك أن تنظر إلى دخيلة نفسك. فتحاول ألا تنظر لأن الأمر مزعج جدًّا – تراك تفضل مناقشة الروح أو الوضع السياسي أو الاقتصادي الراهن –؛ لكنك، حين تُحشَر في زاوية لتنظر، تدرك أن ما خُيِّل إليك دومًا أنه حبٌّ ليس حبًّا على الإطلاق، بل هو ترضية متبادلة، استغلال متبادل.
    حين أقول: “ليس للحبِّ غدٌ ولا أمس” أو: “عندما لا يوجد مركز، عندئذٍ يوجد الحب”، فلهذا القول واقعية بنظري، لكنْ ليس بنظرك. قد تستشهد به وتحوِّله إلى وصفة، لكن ذلك لا يصح؛ إذ عليك أن تتحقق من الأمر بنفسك. لكنك حتى تفعل لا بدَّ من وجود حرية للنظر، تحرُّر من كل إدانة، من كل حُكْم، من كل موافقة أو مخالفة.
    والآن، النظر – أو السمع – واحد من أصعب الأمور في الحياة؛ النظر والسمع هما الأمر نفسه. إذا كانت عيناك معميَّتين بمخاوفك تراك لا تستطيع أن ترى جمال مغيب الشمس. أغلبنا فقدوا صلتهم بالطبيعة، والحضارة تتَّجه أكثر فأكثر صوب المدن الكبرى. لقد صرنا أناسًا مدنيين أكثر فأكثر، نعيش في شقق مزدحمة وليس عندنا حتى غير حيِّز ضيق جدًّا للنظر إلى السماء المسائية والصباحية، ولهذا ترانا نفقد الصلة بقدر كبير من الجمال. لا أدري إنْ كنتم لاحظتم كم تضاءل عدد الذين ينظرون منَّا إلى شروق الشمس أو غروبها، أو إلى ضوء القمر، أو إلى انعكاس الضوء على صفحة الماء.
    أما وقد فقدنا الصلة مع الطبيعة ترانا بطبيعة الحال ننزع إلى تنمية قدراتنا العقلية. ترانا نقرأ عددًا كبيرًا من الكتب، نذهب إلى الكثير جدًّا من المتاحف والحفلات الموسيقية، نشاهد التلفزيون، ونتسلَّى بطرق أخرى شتى؛ ترانا نقتبس إلى ما لا نهاية من أفكار غيرنا من الناس ونغالي في التفكير في الفن وفي الحديث عنه. فما الذي يجعلنا نتكل على الفن كلَّ هذا الاتكال؟ أهو شكل من أشكال الهروب أو الإثارة؟ إذا كنت على صلة مباشرة بالطبيعة، إذا راقبت حركة طائر يحلِّق، ورأيت جمال كل حركة في السماء، وشاهدت الظلال على التلال أو جمال وجه إنسان آخر، أتظنك سترغب بعدُ في الذهاب إلى أيِّ متحف لتشاهد لوحة ما؟ ربما لأنك لا تعرف كيف تنظر إلى الأشياء كلِّها حواليك تراك تلوذ بنوع من أنواع المخدر لتنبيهك إلى الرؤية رؤية أفضل.
    هناك قصة عن معلِّم ديني تروي أنه كان من عادته أن يعظ تلاميذه كل صباح. وذات صباح، اعتلى المنصة وكان على وشك أن يبدأ عندما جاء عصفور صغير وحطَّ على حافة النافذة وبدأ يغرد، وراح يغرد بكل قوته. ثم توقف وطار مبتعدًا، فقال المعلِّم: “موعظة هذا الصباح انتهت!”
    يبدو لي أن واحدة من أشد صعوباتنا هي أن نرى بأنفسنا رؤية واضحة حقًّا، لا الأشياء الخارجية فقط، بل الحياة الداخلية. حين نقول إننا نرى شجرة أو زهرة أو شخصًا هل ترانا نراهم فعليًّا؟ أم ترانا لا نرى إلا مجرد الصورة التي أوجدتْها الكلمة؟ أي أنك، حين تنظر إلى شجرة أو إلى غيمة ذات مساء مليء بالبهجة والضياء، هل تراها فعليًّا، لا بعينيك رؤيةً عقلية، بل رؤية كلِّية، تامة؟
    هل اتفق لك يومًا أن تختبر النظر إلى شيء موضوعي كالشجرة من دون أيٍّ من التداعيات، أيٍّ من المعلومات التي اكتسبتها عنها، من دون أيِّ هوى، أيِّ حُكْم، أيِّ كلمات تشكِّل شاشة بينك وبين الشجرة وتحُول بينك وبين رؤيتها كما هي فعليًّا؟ جرِّبْ ذلك وانظرْ ما الذي يحصل فعليًّا عندما ترصد الشجرة بكيانك كلِّه، بكلِّية طاقتك. في ذاك الاستغراق، ستجد أنه لا يوجد راصد بتاتًا، بل يوجد انتباه وحسب. لا يوجد الراصد والمرصود إلا عندما ينعدم الانتباه. أما حين تنظر إلى شيء في انتباه تام فلا يوجد حيِّز لأيِّ تصور، لأيِّ صيغة، لأيِّ ذاكرة. إن فهم هذا من الأهمية بمكان لأننا نتباحث في شيء يستلزم تقصِّيًا شديد الدقة.
    وحده ذهنٌ ينظر إلى شجرة أو إلى النجوم أو إلى مياه نهر متلألئة في ذهول تام عن النفس ذهنٌ يعرف ماهية الجمال؛ وحين نرى فعليًّا نكون في حال محبة. نحن نعرف الجمال عمومًا من خلال المقارنة أو عبر ما قام الإنسان بتجميعه، ما يعني أننا نعزو الجمال إلى غرض ما. أرى ما أعتبره مبنى جميلاً، وتراني أقدِّر ذلك الجمال بسبب معرفتي بالمعمار وبمقارنته بمبانٍ أخرى سبق لي أن رأيتها. لكني الآن أسأل نفسي: “هل هناك جمال من غير غرض؟” حين يوجد راصد هو الرقيب، المختبِر، المفكِّر، لا جمال هناك، لأن الجمال شيء خارجي، شيء ينظر إليه الراصد ويحكم عليه. ولكن حين ينعدم الراصد – وهذا يستلزم قدرًا كبيرًا من التأمل، من التقصِّي – إذ ذاك يوجد الجمال من غير الغرض.
    يكمن الجمال في التخلِّي التام عن الراصد والمرصود؛ ولا يمكن للذهول عن النفس أن يكون إلا حين يوجد تقشف تام – لا تقشف رجل الدين، بخشونته وروادعه وقواعده وطاعته، لا التقشف في الملبس والفكر والطعام والسلوك – إنما تقشف البساطة الكلِّية الذي هو التواضع التام. إذ ذاك لا إنجاز هناك، لا سلَّم يجب تسلُّقه؛ هناك الخطوة الأولى فقط، والخطوة الأولى هي الخطوة الأبدية.
    هَبْ أنك تسير بمفردك أو مع أحدهم وتوقفت عن الكلام. أنت محاط بالطبيعة، ولا كلب ينبح، ولا ضجيج سيارة عابرة، ولا رفرفة طائر حتى. أنت صامت تمامًا، والطبيعة حواليك صامتة كلها هي الأخرى. في تلك الحال من الصمت المستتب في الراصد والمرصود كليهما – حين لا يترجم الراصد ما يرصده إلى فكر – يتصف ذاك الصمت بخاصية جمال مختلفة. ليس هناك الطبيعة ولا الراصد. هناك حالُ ذهنٍ وحده كليًّا، تمامًا؛ إنه وحده، لا في عزلة، بل في سكون، وذاك السكون جمال. حين تحب، هل يوجد راصد؟ يوجد راصد فقط حين يكون الحب رغبة ولذة. أما حين لا تقترن الرغبة واللذة بالحب، إذ ذاك يكون الحب شديدًا. إنه، كالجمال، شيء جديد كليًّا كل يوم. وكما قلت، ليس له اليوم ولا الغد.
    فقط حين نرى من دون أيِّ تصوُّر مسبق، من دون أيِّ صورة، نستطيع أن نكون على صلة مباشرة مع أيِّ شيء في الحياة. جميع علاقاتنا في الواقع علاقات “صورية” – بمعنى أنها قائمة على صورة من تشكيل الفكر. إذا كانت عندي صورة عنك وكانت عندك صورة عني، فنحن بطبيعة الحال لا يرى كلٌّ منا الآخر بتاتًا كما نحن فعليًّا. فما نراه هي الصور التي شكَّلها كلٌّ منا عن الآخر والتي تمنعنا من التواصل؛ ولهذا فإن علاقاتنا تنتهي إلى الإخفاق.
    عندما أقول إنني أعرفك إنما أعني أني كنت أعرفك بالأمس. فأنا لا أعرفك فعليًّا الآن. كل ما أعرفه هو صورتي عنك. وتلك الصورة تجميع لما سبق لك أن قلتَ في مدحي أو في ذمِّي، لما سبق أن فعلتَه بي؛ إنها تجميع لمجموع الذكريات التي في حوزتي عنك. وصورتك عني تجميع بالطريقة ذاتها؛ وهاتان الصورتان هما اللتان تعقدان العلاقة وتحُولان بيننا وبين التواصل الحقيقي معًا.
    لدى كلٍّ من شخصين تعايشا مدة طويلة صورةٌ عن الآخر تحُول بينهما وبين أن يكونا على علاقة حقيقية. إذا فهمنا العلاقة بوسعنا أن نتعاون، لكن التعاون لا يمكن له أن يوجد أصلاً عبر صور، عبر رموز، عبر تصورات إيديولوجية. بينما فقط حين نفهم العلاقة السوية بين بعضنا بعضًا توجد إمكانية الحب، والحب يمتنع عندما تكون عندنا صور. لذا من المهم أن تفهم – لا عقليًّا، بل فعليًّا في حياتك اليومية – كيف بنيت صورًا عن زوجتك، عن زوجك، عن جارك، عن ولدك، عن وطنك، عن قادتك، عن سياسييك، عن آلهتك – ليس عندك شيء غير صور!
    هذه الصور توجِد الحيِّز بينك وبين ما ترصد، وفي ذلك الحيِّز يوجد نزاع. وإذن، فما سنعمل على اكتشافه الآن سوية هو إنْ كان من الممكن لنا أن نتحرر من الحيِّز الذي نوجِده، ليس خارج أنفسنا وحسب، بل في أنفسنا، الحيِّز الذي يجزِّئ البشر في جميع علاقاتهم.
    والآن، فإن الانتباه بالذات الذي توليه لمشكلة ما هو الطاقة التي تحلُّ تلك المشكلة. فحين تولي انتباهك كاملاً – وأعني: بكل شيء فيك – لا يوجد راصد بتاتًا. هناك فقط حال الانتباه التي هي طاقة كلِّية، وتلك الطاقة الكلِّية هي أعلى أشكال الفطنة. وبطبيعة الحال، تلك الحال الذهنية يجب أن تكون صامتة صمتًا تامًّا؛ وذاك الصمت، ذاك السكون، يأتي حين يستتبُّ انتباه كلِّي، لا سكون منضبط. ذاك الصمت الكلِّي الذي ليس فيه راصد ولا الشيء المرصود هو أسمى أشكال الذهن الديِّن. لكن ما يحصل في تلك الحال لا يعبَّر عنه بكلمات لأن ما يقال بكلمات ليس الواقعة. فحتى تكتشفه بنفسك عليك أن تكابده.
    كل مشكلة فهي مرتبطة بكل مشكلة أخرى، بحيث إنك إذا استطعت أن تحلَّ مشكلة واحدة حلاًّ تامًّا – ولا يهم أيُّها من المشكلات – لرأيت أن بوسعك أن تواجه سائر المشكلات الأخرى جميعًا في سهولة وتحلَّها. نحن نتكلم، بالطبع، على المشكلات النفسانية. لقد سبق لنا أن رأينا أن المشكلة توجد في الزمن فحسب، أي عندما نواجه القضية مواجهة ناقصة[2]. وإذن فيجب علينا، لا أن نعي طبيعة المشكلة وبنيتها فقط، فنراها رؤيةً تامة، بل وأن نواجهها عند ظهورها ونحلَّها على الفور بحيث لا تتجذَّر في الذهن. إذا أجاز المرء لمشكلة أن تدوم شهرًا أو يومًا، أو حتى بضع دقائق فحسب، فإنها تشوِّه الذهن. وإذن، فهل من الممكن للمرء أن يواجه المشكلة على الفور، من غير أي تحريف، ويتحرر منها على الفور تحررًا تامًّا، فلا يجيز لذكرى، لخدش طفيف في الذهن، أن يبقى؟ هذه الذكريات هي الصور التي نحملها معنا، وهذه الصور هي التي تواجه هذا الشيء الخارق المسمَّى بالحياة، وبالتالي يوجد تناقض، ومنه ينشأ النزاع. الحياة حقيقية للغاية – فالحياة ليست تجريدًا – وحين تواجهها بالصور تنشأ مشكلات.
    فهل من الممكن للمرء أن يواجه كل قضية من دون هذا الفاصل الزمكاني، من دون الفجوة بينه وبين الشيء الذي يخشاه؟ إنه ممكن فقط حين لا تكون للراصد استمرارية – الراصد بوصفه باني الصورة، الراصد الذي هو كوكبة من الذكريات والأفكار، الذي هو حزمة من التجريدات.
    حين تنظر إلى النجوم، هناك أنت الناظر إلى النجوم في السماء؛ السماء مترعة بنجوم ساطعة، هناك هواء منعش، وهناك أنت، الراصد، المختبِر، المفكِّر، بقلبك الموجوع، أنت، المركز، موجِد الحيِّز. تراك لن تفهم أبدًا حقيقة الحيِّز بينك وبين النجوم، بينك وبين زوجتك أو زوجك أو صديقك، لأنك لم تنظر قط من دون الصورة، ولهذا تراك لا تعرف ماهية الجمال أو ماهية الحب. تراك تتكلم فيه، تكتب عنه، لكنك لم تعرفه قط، ماعدا ربما عند فواصل نادرة من الذهول التام عن نفسك. فمادام هناك مركز يوجِد حيِّزًا من حوله لا يوجد حبٌّ ولا جمال. أما حين ينعدم المركز والمحيط فإذ ذاك يوجد الحب. وحين تحب تكون أنت الجمال.
    حين تنظر إلى وجهٍ قبالتك فأنت تنظر انطلاقًا من مركز، والمركز يوجِد الحيِّز بين الشخص والشخص؛ ولهذا فإن حياتنا بهذا الخواء والقسوة. ليس بمقدورك أن تنمِّي الحب أو الجمال، ولا بمقدورك أن تخترع الحقيقة؛ أما إذا كنت واعيًا طوال الوقت بما أنت فاعل فبمقدورك أن تنمِّي الوعي. واعتبارًا من ذاك الوعي ستبدأ برؤية طبيعة اللذة والرغبة والأسى، ووحشة الإنسان وسأمه المرعبين، وعندئذٍ ستبدأ بمباغتة ذاك الشيء المسمَّى “حيِّزًا”.
    عندما توجِد حيِّزًا بينك وبين الغرض الذي ترصده ستعرف أن الحب يغيب؛ ومن دون الحب، مهما اجتهدت في إصلاح العالم أو في إحداث نظام اجتماعي جديد، أو مهما أسهبت في الكلام على تحسينات، لن تتسبَّب إلا في العذاب. فالأمر منوط بك. ليس هناك من قائد، ليس من معلِّم، ليس من أحد يخبرك بما أنت فاعل. أنت وحدك في هذا العالم المتوحش المجنون.

    * From Freedom from the Known, chapter 11, copyright ©1969 Krishnamurti Foundation.

    [1] See: J. Krishnamurti, Freedom from the Known, chapter 10, Harper and Row, New York, 1969.

    [2] راجع: ج. كريشنامورتي، “المشكلات والزمن”، سماوات جديدة: http://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/problems_and_timehttp://www.samawat-jadidah.org/j_krishnamurti/by_k/problems_and_time. (المحرِّر)
                  

02-11-2015, 11:27 PM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (18)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    الراصد والمرصود… – ج. كريشنامورتي
    2013/11/03نصوص له
    الراصد والمرصود، الرقيب، الإشراط
    ج. كريشنامورتي
    ترانا ندرك وجود انقسام في الحياة، فيَّ، فيك. الـ”أنت” والـ”أنا” عبارة عن أجزاء عديدة. الذات مركَّبة من العديد من الأجزاء. أحد الأجزاء هو الراصد وبقية الأجزاء هي المرصود. الراصد يصير واعيًا بالأجزاء، لكن الراصد أيضًا واحد من الأجزاء؛ إنه ليس مختلفًا عن بقية الأجزاء. لذا يجب عليك أن تكتشف ما هو الراصد، المختبِر، المفكِّر: ممَّ هو مكوَّن؟ وكيف يحدث هذا الانقسام بين الراصد والمرصود؟ الراصد، نقول، هو واحد من الأجزاء. فلماذا فصل نفسه، فتولَّى صفةَ المحلِّل الذي يعي، القادر أن يسيطر، يغيِّر، يكبت، إلى آخر ما هنالك. الراصد هو الرقيب… حاصل الإشراطات الاجتماعية والبيئية والدينية والثقافية. أي أن الانقسامات الثقافية قررت أنك مختلف عن الشيء الذي ترصده… أنت “الذات العليا” وتلك هي “الذات الدنيا”، أنت المستنير وتلك هي غير المستنيرة. فما الذي خوَّلَه سلطةَ أن يدعو نفسه “مستنيرًا”؟ ألأنه صار الرقيب؟ والرقيب يقول: “هذا صواب، هذا خطأ، هذا جيد، هذا سيء، يجب أن أفعل هذا، يجب ألا أفعل ذاك” – وهي حصيلة هذا الإشراط، إشراط المجتمع، إشراط الثقافة والدِّين والأسرة، إشراط العِرْق بأسره، إلى آخر ما هنالك.
    الراصد، إذن، هو الرقيب، مشروطًا تبعًا لبيئته، وقد تولَّى سلطةَ المحلِّل. وكلٌّ من باقي الأجزاء يتولَّى هو الآخر سلطتَه؛ لكلِّ جزء سلطتُه، وبالتالي، هنالك صراع. ومنه، يوجد نزاع بين الراصد والمرصود. فحتى تتحرر من هذا النزاع، عليك أن تكتشف إنْ كان بوسعك أن تنظر من غير عينَي الرقيب؛ أي أن تكون واعيًا، أن تعي بأن عينَي الرقيب هما حصيلة إشراطه. فهل يمكن لتلك العينين أن تنظرا في حرية، أن تنظرا نظرًا بريئًا، حرًّا؟
    هل يقوى الذهن على التحرر من هذا الإشراط كله؟… أنا مشروط بثقافة ما برحتْ موجودةً منذ آلاف السنين… فهل يمكن لخلايا المخ بالذات أن تتحرر من الإشراط كلِّه، بوصفه الراصد، بوصفه كيانًا ينصاع، بوصفه كيانًا مشروطًا بالبيئة، بالثقافة، بالأسرة، بالعِرْق؟ إذا لم يتحرر الذهن من الإشراط فهو لا يستطيع أبدًا أن يتحرر من النزاع، وبالتالي، من العُصابية… ما لم نتحرر تحررًا تامًّا فنحن أناس غير متوازنين؛ ومن جراء عدم توازننا ترانا نتسبب في مختلف صنوف الأذى.
    ومنه، فإن النضج هو التحرر من الإشراط. وتلك الحرية ليست قطعًا حصيلة الراصد، الذي هو بالذات مصدر كل ذاكرة، كل فكر. هل بوسعي أن أنظر بعينين لم يمسَسْهما الماضي قط؟ – فتلك هي خاصية العقل السليم. هل بوسعك أن تنظر إلى الغيمة، إلى الشجرة، إلى زوجتك، زوجك، صديقك، من دون صورة؟ وعيُك أن عندك صورة[1] هو أول شيء، أليس كذلك؟ أن تعي أنك تنظر إلى الحياة من خلال وصفة جاهزة، من خلال صورة، من خلال مفاهيم – وهي جميعًا عوامل تحريف – وأن تعي ذلك من دون أي اختيار. فمادام الراصد يعي هذه [العوامل] هناك عندئذٍ تحريف. لذا، هل بوسعك أن تنظر، هل بوسع الذهن أن يرصد من دون الرقيب؟ هل بوسعك أن تصغي بلا أي تأويل، بلا أي مقارنة أو حُكْم أو تقييم، أن تصغي إلى ذاك النسيم، إلى تلك الريح، بلا أي تدخُّل من الماضي؟
    بركوود پارك، 10 أيلول 1970
    * From the transcript of the tape recording of the second public dialogue at Brockwood Park, 10 September 1970, copyright ©1991 Krishnamurti Foundation Trust, Ltd.

    [1] راجع: ج. كريشنامورتي، “الصورة”، سماوات جديدة: http://www.samawathttp://www.samawat-
                  

02-12-2015, 03:32 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (19)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    أرضنا الرائعة! – ج. كريشنامورتي
    2013/10/30نصوص له
    رائعة هذه الأرض!
    من كريشنامورتي لنفسه
    26 نيسان [1983]
    رأى المرء طائرًا يموت، وقد أطلق رجلٌ عليه النار. كان يطير طيرانًا جميلاً، يضرب بجناحيه ضرباتٍ موقَّعةً، بكل حرية وعدم خوف، حتى اخترقه رصاصُ البندقية، فسقط على الأرض وقد فارقته الحياة. ثم جلبه كلب، وراح الرجل يجمع طيورًا ميتة أخرى. كان يهذر مع صديقه، وبدا أنه عديم الاكتراث تمامًا؛ كل ما يشغل باله كان إسقاط أكبر عدد ممكن من الطيور، والأمر فيما يخصُّه ينتهي عند هذا الحد. إنهم يقتلون في أنحاء العالم كلِّها: تلك الحيوانات البحرية العظيمة الرائعة – الحيتان – تُقتَل بالملايين، والنمر وغيره كثير من الحيوانات باتت الآن أنواعًا مهددة بالانقراض. الإنسان وحده هو الحيوان الذي لا يؤمَن له جانب!
    منذ مدة، حين كان نازلاً في ضيافة صديق في موضع مرتفع على التلال، جاء رجل وأخبر المضيف أن نمرًا قتل بقرة في الليلة الفائتة وسأل إنْ كنا نودُّ رؤية النمر ذلك المساء. كان بمقدوره ترتيب الأمر ببناء منصة على شجرة وربط معزاة؛ وبذا يمكن لثغاء المعزاة – الحيوان الصغير – أن يجتذب النمر فنستطيع أن نراه. رفض كلانا إشباع فضوله بهذه القسوة. لكنْ في وقت لاحق من ذلك اليوم، اقترح المضيف أن نأخذ السيارة وندخل الغابة لرؤية النمر إنْ أمكن. وهكذا، بحلول المساء، ركبنا سيارة مكشوفة يقودها سائق وتوغلنا عدة أميال في الغابة. بالطبع لم نبصر شيئًا. كانت الظلمة قد حلَّت دامسةً، ومصابيح السيارة الأمامية مضاءة؛ وبينما نحن ندور عائدين، أبصرناه جاثمًا عند وسط الطريق منتظرًا لاستقبالنا. كان حيوانًا ضخمًا جدًّا، بديع الخطوط، عيناه، ومصابيحُ السيارة مسلَّطةٌ عليهما، تلمعان متلألئتين. ثم أقبل هادرًا صوب السيارة، وبينما كان مارًّا على بعد بضعة أصابع فقط من اليد الممدودة خارجًا، قال المضيف: “إياك أن تلمسه، فهو شديد الخطورة؛ حذارِ لأنه أسرع من يدك!” لكنك كنت تستطيع أن تشعر بطاقة ذلك الحيوان، بحيويته؛ كان دينامو ضخمًا للطاقة! وبينما هو مارٌّ عن كثب، شعر المرء بانجذاب هائل نحوه. ثم ما لبث أن توارى في الأدغال[1].
    كان الصديق، على ما يبدو، قد رأى العديد من النمور وساعد في شبابه، منذ أمد بعيد، على قتل أحدها، وظل منذ ذاك الحين نادمًا على الفعلة النكراء. القسوة بكل أشكالها تتفشَّى في العالم الآن، ولعل الإنسان لم يكن يومًا على هذا القدر من القسوة، من العنف، كما هو الآن. كنائس العالم وكهنته ما برحوا يتكلمون على السلام على الأرض؛ من أعلى درجات الهرمية المسيحية نزولاً حتى كاهن أفقر القرى، ما برح الحديث يدور حول عيش حياة طيبة، من غير أذيَّة شيء أو قتله. البوذيون والهندوس بالأخص قالوا من قديم الزمان: “لا تقتل الذبابة، لا تقتل أي شيء، لأنك في الحياة المقبلة سوف تدفع ثمن فعلتك.” لقد صيغت تلك العبارة صياغة فجَّة بعض الشيء، لكن بعضهم حافظ على هذه الروح، على هذه النيَّة بعدم القتل وبعدم أذيَّة إنسان آخر. لكن القتل في الحروب ما زال متواصلاً. الكلب سرعان ما يقتل الأرنب؛ أو يطلق الإنسان النار على سواه بآلاته المرعبة، وربما هو الآخر يرديه سواه قتيلاً. وهذا القتل ما برح متواصلاً آلافًا مؤلفة من السنين. بعضهم يتخذه رياضةً، بينما يقتل بعضهم الآخر عن نقمة أو غضب أو غيرة، ناهيك عن استمرار الجرائم المنظمة التي تقترفها مختلف الأمم بأسلحتها. يتساءل المرء إنْ كان الإنسان سوف يعيش يومًا على هذه الأرض الجميلة حياة مسالمة، فلا يقتل أبدًا شيئًا حيًّا، أو يُقتَل، أو يقتل سواه، بل يحيا في سلام وفي قلبه شيء من الألوهية والمحبة.
    في هذا الجزء من العالم الذي ندعوه الغرب، ربما قتل المسيحيون أكثر من سواهم قاطبة. إنهم ما برحوا يتكلمون على السلام على هذه الأرض! لكن إحلال السلام يقتضي أن يحيا المرء مُسالِمًا، وذاك يبدو من المحال إطلاقًا. هناك حجج مؤيدة للحرب وأخرى معارِضة لها، حجج من قبيل أن الإنسان ما انفك يقتل وسيظل كذلك دومًا، وحجج القائلين بأنه يستطيع أن يُحدِث تغييرًا في نفسه فلا يقتل. هذه حكاية قديمة للغاية. لكن النَّحْر المتواصل أضحى عادةً، معادلةً مقبولة، على الرغم من الأديان جميعًا.
    منذ بضعة أيام، كان المرء يراقب صقرًا أحمر الذيل، يحلق عاليًا في السماوات، يرسم دوائر من غير جهد، من غير ضربة من جناح، من أجل متعة الطيران فحسب، فقط من أجل أن تحمله تيارات الهواء. ثم ما لبث صقر آخر أن انضم إليه، فراحا يطيران معًا مدة طويلة. كانا مخلوقين بديعين في تلك السماء الزرقاء، وأذيَّتهما بأي شكل جريمة بحق السماء. بالطبع ما من “سماء” ثمة؛ فقد اخترع الإنسان السماء بدافع الأمل؛ إذ إن حياته صارت جحيمًا، نزاعًا لا ينتهي من الولادة إلى الموت – جيئةً وذهابًا، جنيًا للمال، عملاً من دون توقف. هذه الحياة صارت دوامة، عذاب كدح لا ينتهي. يتساءل المرء إنْ كان ثمة إنسان – كائن بشري – سوف يحيا على هذه الأرض يومًا في سلام. ما برح النزاع أسلوبه في الحياة – داخل الجلد وخارج الجلد، في منطقة النفس وفي المجتمع الذي أوجدتْه تلك النفس.
    أغلب الظن أن المحبة قد اختفت كليًّا من هذا العالم. المحبة تتضمن الكرم والرعاية، عدم جَرْح الآخر، عدم إشعار الآخر أنه آثم، بل الكرم والدماثة والسلوك بحيث تولد كلماتك وأفكارك من الرحمة. بالطبع لا تقدر أن تكون رحيمًا إذا انتميت إلى مؤسسات دينية منظَّمة – ضخمة، قديرة، تقليدية، عقائدية – تصرُّ على الإيمان. فالحب يقتضي الحرية. وذاك الحب ليس لذة أو رغبة، ليس استذكارًا للأشياء الماضية. الحب ليس نقيض الغيرة والكراهية والغضب.
    قد يبدو هذا كله، نوعًا ما، من قبيل اليوطوپيا والمثالية، شيئًا لا يستطيع الإنسان إلا أن يتوق إليه وحسب. لكنك إذا كنت تصدِّق ذلك، تراك عندئذٍ سوف تستمر في القتل. الحب واقعي وقوي واقعيةَ الموت وقوَّته. إنه لا يمتُّ بصلة إلى الخيال أو العاطفة أو الرومانسية، وبطبيعة الحال، لا يمتُّ بصلة إلى السلطان والمنصب والنفوذ. إنه ساكن سكون مياه البحر، قوي قوة البحر؛ إنه مثل المياه الجارية لنهرٍ غنيٍّ يتدفق تدفقًا متواصلاً، من غير بداية ولا نهاية. لكن الرجل الذي يقتل صغار الفقمة، أو الحيتان العظيمة، لا يشغل باله غير أسباب عيشه. تراه يقول: “أنا أرتزق من ذلك، تلك تجارتي.” إنه لا يشغل باله مطلقًا بذاك الشيء الذي ندعوه “محبة”. لعله يحب أسرته – أو يظن أنه يحب أسرته – ولا تشغل باله كثيرًا وسيلة ارتزاقه. ولعل هذا أحد الأسباب التي تجعل الإنسان يعيش حياة مجزَّأة؛ لا يبدو عليه أبدًا أنه يحب عمله – وإنْ تكن ثلة من الناس ربما تفعل. لو كان المرء يرتزق من عملٍ يحبُّه لاختلف الأمر اختلافًا كبيرًا – لكان المرء تفهَّم كلِّية الحياة. لقد قسَّمنا الحياة إلى أجزاء: عالم الأعمال، عالم الفن، عالم العلم، عالم السياسة، عالم الدِّين. كأننا نظن أنها جميعًا منفصلة بعضها عن بعض ويجب أن تبقى منفصلة. وبذا نصير منافقين: نفعل في عالم الأعمال شيئًا بشعًا، فاسدًا، ثم نعود إلى البيت لنعيش في سلام مع أسرتنا – وهذا يولِّد النفاق، حياة نكيل فيها بمكيالين.
    إنها لأرض رائعة حقًّا! دأبُ ذلك الطائر الجاثم على أعلى شجرة أن يجثم هناك كل صباح، راصدًا العالم، مرتقبًا ظهور طائر أكبر، طائر قد يقتله، مراقبًا الغيوم، والظل العابر، والمدى العظيم لهذه الأرض الغنية، لهذه الأنهار والغابات، وجميع الرجال الكادحين من الصباح حتى هبوط الليل. إذا اتفق للمرء أن يتفكر أصلاً في العالم النفساني لَوَجَدَهُ مليئًا بالأسى. ويتساءل المرء أيضًا إنْ كان الإنسان سوف يتغير يومًا، أم أن ذاك يقتصر على القلة، على القلة القليلة وحدها. إذ ذاك ما هي علاقة القلة بالكثرة؟ أو ما هي علاقة الكثرة بالقلة؟ الكثرة لا علاقة لها بالقلة؛ أما القلة فلها علاقة قطعًا.
    وأنت جالس على تلك الصخرة، ناظرًا إلى الوادي تحت، وإلى جانبك ضبٌّ، تراك لا تجرؤ على تحريك ساكن لئلا ينزعج الضبُّ أو يفزع. والضبُّ أيضًا يراقب. وهكذا يستمر العالم: مخترعًا الآلهة، تابعًا لهرميَّة مندوبي الآلهة. وزيفُ الأوهام وعارُها كلُّه سوف يستمر على الأغلب، فتصير آلاف المشكلات أكثر فأكثر تعقيدًا وتشابكًا. وحدها فطنة المحبة والرحمة بمقدورها أن تحلَّ مشكلات الحياة جميعًا. فتلك الفطنة هي الأداة الوحيدة التي لا يمكن لها أبدًا أن تصير بليدة، عديمة الجدوى.

    * From Krishnamurti to Himself, 26 April 1983, copyright ©1987 Krishnamurti Foundation Trust, Ltd.

    [1] يسهب ك في سرد هذا اللقاء مع نمر في يوميات كريشنامورتي، ص 40. (المحرِّر
                  

02-12-2015, 05:44 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (20)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    الخروج على بنية المجتمع – ج. كريشنامورتي
    2013/10/28نصوص له
    الخروج على بنية المجتمع
    ج. كريشنامورتي
    حينما يرصد المرء ما يحدث في العالم، الشواش والبلبلة وتوحُّش الإنسان بالإنسان الذي لم يقوَ أي دين أو نظام اجتماعي – أو ربما فوضى اجتماعية! – على الحيلولة دونه، حينما يرصد نشاطات رجال السياسة والاقتصاد والمصلحين الاجتماعيين في العالم أجمع، يرى بأنهم جلبوا المزيد المزيد من البلبلة، المزيد المزيد من البؤس. الأديان، أي المعتقدات المنظَّمة، قطعًا لم تساعد من أي وجه على جلب النظام والسعادة العميقة المقيمة للإنسان. ولا اليوطوپيات، سواء الشيوعية أو تلك المجموعات الأقلية التي شكلت جماعات، أفلحت في جلب أي وضوح عميق دائم للإنسان. ويحتاج المرء إلى ثورة هائلة في العالم أجمع؛ فحصول تغيير عظيم أمر ضروري. ونحن لا نعني بذلك ثورة خارجية، بل ثورة داخلية على المستوى النفسي، أضحت بوضوح الأمل الأوحد، الخلاص الأوحد – إذا جاز لنا أن نستعمل هذه الكلمة – للإنسان.
    لقد جلبت الإيديولوجيات الوحشية، جلبت مختلف صنوف القتل والحروب؛ فالإيديولوجيات، مهما بدت نبيلة، هي في الواقع وبيلة للغاية. لا بدَّ من طفرة كلِّية في بنية خلايا مخِّنا نفسها، في بنية الفكر نفسها. ولإحداث مثل هذه الطفرة أو الثورة أو التغيير العميق الدائم، يحتاج المرء إلى مقدار كبير من الطاقة. يحتاج المرء إلى دافع، إلى عزيمة متواصلة ثابتة، لا إلى الاهتمام العارض أو الحماس الزائل الذي يولِّد نوعًا من الطاقة، لكنها لا تلبث أن تتبدَّد… وتلك الطاقة ما برح الإنسان يأمل أن يحصل عليها عبر المقاومة، عبر الانضباط، المحاكاة، الانصياع الدائم… ومع ذلك، فإن تلك المقاومة، ذلك الانصياع أو الانضباط، مجرد التكيف مع فكرة، لم يمنح الإنسان تلك الطاقة والقوة الضروريتين. لذا على المرء أن يجد عملاً مختلفًا من شأنه أن يجلب هذه الطاقة الضرورية.
    في بنية المجتمع الراهنة هذه، في علاقتنا بين إنسان وإنسان، كلما زاد عملنا، تناقَص مقدار الطاقة لدينا. إذ إن في ذلك العمل تناقضًا، تجزئة؛ وبهذا يكون العمل جالبًا للنزاع، وبالتالي، يهدر الطاقة. على المرء أن يجد الطاقة المستديمة، الثابتة، التي لا تنضب. وأعتقد أن مثل هذا العمل الذي يولِّد هذه الخاصية الحيوية الضرورية لإحداث ثورة جذرية في الذهن متاحٌ.
    العمل – أي “الفعل”، النشاط –، عند غالبيتنا، يحدث تبعًا لفكرة، لوصفة جاهزة أو مفهوم. إذا رصدت نشاطاتك، حركتك اليومية فاعلةً، لرأيت أنك صغت فكرة أو إيديولوجيا، فتراك تعمل تبعًا لها. ومنه، هنالك انقسام بين فكرتك عما يجب عليك أن تفعل، أو عما يجب عليك أن تكون، أو كيف يجب عليك أن تعمل، وبين العمل الفعلي؛ بوسعكم أن تروا ذلك في أنفسكم رؤية واضحة للغاية. فالعمل، إذن، هو دومًا تقريب من الوصفة، من المفهوم، من المثال. وهناك انقسام، فصل، بين ما يجب أن يكون وبين الموجود، مما يسبب الثنائية، وبالتالي هناك نزاع.
    رجاءً، لا تكتفِ بمجرد الاستماع إلى سلسلة من الكلمات – فالكلمات لا معنى لها بحدِّ ذاتها، الكلمات لم تُحدِث قط أي تغيير جذري في الإنسان؛ بمقدورك أن تكدِّس الكلمات، أن تضفر منها إكليلاً، كما تفعل غالبيتنا، فتقتات بالكلمات، لكنها مجرد رماد، وهي لا تجلب الجمال إلى الحياة. الكلمات لا تجلب المحبة، وإذا اكتفيت بمجرد الاستماع إلى سلسلة من الأفكار أو الكلمات، إذ ذاك، أخشى ما أخشاه هو أنك ستذهب خالي الوفاض. أما إذا أصغيت، لا إلى المتكلم وحسب، بل إلى خواطرك أنت، أصغيت إلى طريقتك في الحياة، أصغيت إلى ما يقال، لا كشيء خارجك، بل كشيء يحدث فعليًّا في باطنك، لرأيت عند ذاك حقيقة – أو زيف – ما يقال. على المرء أن يرى ما هو صادق وما هو كاذب بنفسه، لا عبر سواه. ولكي تكتشف ذلك، عليك أن تصغي، عليك أن تولي عنايتك، مودَّتك، انتباهك، ما يعني أن تكون جديًّا للغاية. والحياة تتطلب أن نكون جديين، لأن الذهن الجدي للغاية وحده ينال الحياة – ينال فيضًا من الحياة؛ أما الفضولي، المفكر، الانفعالي، العاطفي، فليس له من الحياة نصيب.
    نحن بحاجة إلى طاقة هائلة لإحداث تغيير نفساني في أنفسنا كبشر، لأننا طالما عشنا في عالم من التظاهُر، في عالم من الوحشية، العنف، اليأس، القلق. فلكي يحيا المرء حياة إنسانية، صحيحة، عليه أن يتغير. ولكي يُحدِث تغييرًا في باطن نفسه، وبالتالي ضمن المجتمع، فهو بحاجة إلى هذه الطاقة الجذرية؛ إذ إن الفرد لا يختلف عن المجتمع: المجتمع هو الفرد والفرد هو المجتمع. ولإحداث التغيير الجذري، الجوهري، الضروري في بنية المجتمع – وهو فاسد، فاجر – لا بدَّ من تغيير في قلب الإنسان وذهنه. ولإحداث ذاك التغيير، تراك تحتاج إلى طاقة عظيمة؛ وتلك الطاقة تنتفي أو تحرَّف أو يُتلاعَب بها حين تعمل وفقًا لمفهوم، وهو ما نفعله في حياتنا اليومية. فالمفهوم يقوم على التاريخ الماضي، أو على استنتاج ما، وهو، بالتالي، ليس عملاً على الإطلاق، بل تقريب من وصفة جاهزة.
    ومنه، يتساءل المرء إنْ كان هناك عمل لا يقوم على فكرة، على استنتاج تشكِّله أشياء الماضي الميتة.
    أجل، يوجد مثل هذا العمل. وإقرار هذا ليس خلق فكرة جديدة. على المرء أن يكتشف ذاك العمل بنفسه؛ ولكي يكتشف، عليه أن يبدأ بالضبط من بداية سلوكنا البشري، من خاصية ذهننا البشري نفسها. أي أننا لسنا وحدنا أبدًا: قد نتمشى في غابة بمفردنا، لكننا لسنا وحدنا أبدًا. قد تكون مع أسرتك، في المجتمع، لكن الذهن البشري من الإشراط بالخبرة والمعرفة والذاكرة الماضية بحيث إنه لا يعرف ماهية أن يكون المرء وحده. والمرء يخشى أن يكون وحده لأن الوحدة تقتضي – ألا تقتضي؟ – أن يكون المرء خارج المجتمع. قد يعيش المرء في المجتمع، لكن عليه أن يكون خارجًا على المجتمع. وحتى يكون خارجًا على المجتمع، عليه أن يكون حرًّا من المجتمع. المجتمع يتطلب منك أن تعمل تبعًا لفكرة؛ فهذا كل ما يعرفه المجتمع، هذا كل ما يعرفه البشر: الانصياع، المحاكاة، القبول، الطاعة. وعندما يتقبَّل المرء ما يمليه الموروث، تراه ينصاع للنموذج الذي وضعه المجتمع (ما يعني أن البشر هم الذين وضعوه)، فيكون جزءًا من كل هذا الوجود البشري المشروط الذي يهدر طاقته عبر الجهد الدائم، عبر النزاع والبلبلة والبؤس الدائم. فهل من الممكن للبشر أن يكونوا أحرارًا من هذه البلبلة، من هذا النزاع؟
    هذا النزاع، أساسًا، هو بين العمل وبين ما يجب أن يكونه ذلك العمل. والمرء يرصد داخل نفسه، كما يجدر به أن يفعل، كيف لا ينفك النزاع يستنزف الطاقة. إن البنية الاجتماعية بكاملها – التي يجب أن تكون تنافسية، عدوانية، [تتضمن] مقارنة المرء نفسَه بغيره، قبول إيديولوجيا، معتقد، وهكذا – تقوم على النزاع، ليس داخل المرء وحسب، بل في الخارج أيضًا. ثم نقول: “إذا انعدم النزاع ضمن النفس، إذا انعدم الصراع والقتال، سنصير كالحيوانات، سنصير كسالى” – وهو ليس الواقع الفعلي. ترانا لا نعرف أي نوع آخر من الحياة غير الحياة التي نعيشها، وهي الصراع الدائم من اللحظة التي نولد فيها حتى نموت؛ هكذا كل ما نعرفه.
    حينما يرصد المرء ذلك، يمكن له أن يرى أيَّ هدر للطاقة هو. لذا على المرء أن يستخلص نفسه من هذه الفوضى الاجتماعية، من هذا الفجور الاجتماعي – ما يعني أن على المرء أن يكون وحده. مع أنك قد تعيش في المجتمع، فأنت لم تعد تتقبَّل بنيته وقيمه – الوحشية، الحسد، الغيرة، روح التنافس –؛ وبالتالي، أنت وحدك، وحين تكون وحدك فأنت ناضج. النضج لا يمتُّ إلى العمر بصلة.
    في العالم أجمع، هنالك تمرُّد، لكن ذلك التمرد لا يتم عبر فهم بنية المجتمع برمَّتها، وهي ذاتك أنت. ذلك التمرد مجزَّأ؛ أي أن المرء قد يتمرد على حرب بعينها، أو يقاتل سواه ويقتله في حربه المفضلة، أو يكون مؤمنًا دينيًّا ينتمي إلى ثقافة أو جماعة بعينها – كاثوليكية، پروتستانتية، هندوسية، أو ما شئتم. لكن التمرد يعني التمرد على البنية برمَّتها، لا على جزء بعينه من تلك الثقافة. وحتى يفهم المرء هذه البنية برمَّتها، عليه أن يكون واعيًا بها أولاً، عليه أولاً أن ينظر إليها، أن يعيها – أي أن يكون واعيًا بها من غير اختيار. لا يجوز لك أن تختار جزءًا بعينه من المجتمع وتقول: “أستحب هذا، لا أستحب ذاك، هذا يسرُّني وذاك لا يسرُّني”؛ فأنت عندئذٍ تنصاع لنموذج بعينه وحسب وتقاوم النموذج الآخر، وبالتالي، لا تزال عالقًا بالصراع. لذا فإن المهمَّ هو أولاً رؤية صورة هذا الوجود الإنساني برمَّتها، وجود حياتنا اليومي؛ رؤيتها – لا كفكرة، لا كمفهوم، بل وعيها فعليًّا كما يعي المرء أنه جائع. الجوع ليس فكرة، ليس مفهومًا، بل هو واقع. بالمثل، عند رؤية هذه البلبلة، هذا البؤس، الصراع الدائم الذي لا ينتهي، عندما يكون المرء واعيًا من غير اختيار بهذا الأمر كله، إذ ذاك، ينعدم النزاع تمامًا؛ إذ ذاك يكون المرء خارجًا على البنية الاجتماعية لأن الذهن قد استخلص نفسه من عبثية المجتمع.
    الإنسان – أي كل واحد منا، أينما كنا نعيش – يريد، كما تعلمون، أن يجد حالاً ذهنية، حالاً من العيش ليست كدحًا، ليست معركة. أنا واثق من أننا جميعًا، مهما نكن متواضعين أو مهما نكن مثقفين، نريد أن نجد طريقة حياة يكتنفها النظام، مليئة بالجمال والحب العظيم. فهذه كانت مدار بحث الإنسان طوال آلاف السنين، وبدلاً من أن يجدها، تراه استظهرها، وضعها في الخارج هناك، خلق آلهة، مخلِّصين، الكهنة بأفكارهم، وبذلك فوَّت على نفسه المسألة برمَّتها. على المرء أن يتنكر لذلك كله، أن يتنكر كليًّا للقبول بوجود السماء عبر سواه، أو عبر اتِّباع سواه. ما من أحد في العالم ولا في السماء بوسعه أن يهبك تلك الحياة. على المرء أن يشتغل في سبيلها – إلى ما لا نهاية.
    أتساءل عما نعنيه بالموقف. لماذا نريد اتخاذ موقف؟ وماذا يعني الموقف؟ اتخاذ موقع، التوصل إلى استنتاج. عندي موقف من شيء ما، ما يعني أنني توصلت إلى استنتاج بعد دراسة المسألة، بعد التدقيق فيها، بعد التخطيط لها، بعد سبرها. لقد توصلت إلى هذه النقطة، إلى هذا الموقف، ما يعني أن مجرد اتخاذ موقف هو مقاومة؛ لذا فإن ذاك بحدِّ ذاته عنف. لا نقدر أن نتخذ موقفًا من العنف أو العداوة. فذاك يعني أنك تؤوِّلها تبعًا لاستنتاجك الشخصي، لهواك، لخيالك، لفهمك. ما نسأله هو التالي: هل من الممكن للمرء أن ينظر إلى هذه العداوة في نفسه، هذا الخلق للعدوانية في نفسه، هذا العنف، هذه الوحشية في نفسه، من دون أي موقف، أن يرى الواقع كما هو؟ فأنت ما إن تتخذ موقفًا حتى تحكم سلفًا، حتى تكون منحازًا لجهة ما، وبالتالي، لا تنظر، لا تتفهم ذاك الواقع داخل نفسك.
    النظر إلى النفس من دون موقف، من غير أي رأي أو حكم أو تقييم، هو واحد من أشقِّ الأمور. ففي هذا النظر هناك وضوح؛ وذاك الوضوح الذي ليس استنتاجًا، ليس موقفًا، هو الذي يبدِّد بنية الوحشية والعداوة هذه برمَّتها.

    أمستردام، 22 أيار 1968
    * From Talks in Europe 1968, 22 May 1968, copyright ©1969 The Krishnamurti Foundation London.
                  

02-12-2015, 05:57 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (21)
    ديمتري أand#1700;ييرينوس
    البحث عن:
    القتل – ج. كريشنامورتي
    2013/10/27نصوص له

    القـتـل

    ج. كريشنامورتي
    كانت الطائرة مزدحمة، تطير على ارتفاع نيِّف وعشرين ألف قدم فوق الأطلسي، وسجادةٌ كثيفةٌ من السحب تحتها. السماء من فوق شديدة الزرقة، والشمس خلفنا، ونحن نطير باتجاه الغرب رأسًا. كان الأطفال قد لعبوا، متراكضين جيئةً وذهابًا على طول الممشى، والآن، بعد أن نفدت قواهم، كانوا نائمين. بعد الليلة الطويلة، كان جميع الآخرين أيقاظًا، يدخنون ويشربون. أمامنا رجل يحدِّث آخر عن مهنته، وعلى المقعد خلفنا امرأة تصف مشترياتها بصوت مسرور وتخمِّن مبلغ الرسم الذي يجب عليها دفعه. على ذلك الارتفاع، كان الطيران سلسًا، من غير مطبَّات، مع أن رياحًا عاتية تهبُّ تحتنا. كان جناحا الطائرة يلتمعان في ضياء الشمس الصافي، والمَراوح تدور دورانًا سلسًا، قاضمةً الهواء في سرعة خيالية؛ الريح كانت خلفنا، وسرعتنا تزيد على الثلاثمئة ميل في الساعة.
    رجلان على الطرف الآخر بالضبط من الممشى الضيق يتكلمان بصوت مرتفع نوعًا ما، فكان من الصعب عدم استراق السمع لما يقولان. كانا رجلين ضخمين، وجه أحدهما أحمر، لفحتْه ونفحتْه تقلُّبات الجو. كان يشرح مهنة قتل الحيتان، مقدار المخاطر فيها، حجم المكاسب منها، وكم هو مهول ثوران البحار. بعض الحيتان يزن مئات الأطنان. الأمَّهات ذوات العجول لم يكن يُفترَض قتلهن، كما ليس مباحًا لهم قتلُ أكثر من عدد محدَّد من الحيتان في أثناء فترة معيَّنة. ويبدو أن قتل هذه الوحوش العظيمة مبرمَج برمجة علمية فائقة، بحيث تُكلَّف كلُّ مجموعة أداءَ وظيفة خاصة تدرَّبتْ عليها تدريبًا فنيًّا. رائحة السفينة-المصنع تكاد لا تطاق، لكن المرء لا يلبث أن يتعوَّدها، مثلما يقدر أن يتعوَّد أيَّ شيء. بيد أن الأرباح العائدة [من قتل الحيتان] أرباح ضخمة إذا سار كل شيء على ما يرام. ثم راح يشرح الافتتان العجيب بالقتل، لكنْ في تلك اللحظة جيء بالشراب، فتغير موضوع الحديث.
    البشر مولعون بالقتل، سواء كان قتل بعضهم بعضًا، أو قتل غزال بريء لامع العينين في أعماق الغابة، أو قتل نمر افترس الماشية. ثعبان يُدهَس عمدًا على قارعة الطريق؛ فخٌّ يُنصَب فيعلق فيه ذئب أو قيوط. رجال متأنِّقون، متضاحكون، يخرجون ببنادقهم الثمينة ويقتلون طيورًا كانت لتوِّها يناجي بعضها بعضًا. صبيٌّ يقتل أبا زريق ثرثارًا ببندقيته الهوائية، والراشدون من حوله لا يفوهون أبدًا بكلمة شفقة، ولا يوبِّخونه، بل على العكس، يهنِّئونه على مهارته في الصيد. القتل على سبيل الرياضة المزعومة، من أجل الطعام، في سبيل الوطن، من أجل السلام – لا فارق يُذكَر بين هذه كلِّها. التبرير ليس الجواب. هناك فقط: لا تقتلْ.
    في الغرب، ترانا نظن أن الحيوانات مسخَّرة من أجل بطوننا، من أجل لذة القتل، أو من أجل فرائها؛ أما في الشرق، فكل والد مافتئ يعلِّم، طوال قرون، مكرِّرًا: لا تقتلْ، كن شفيقًا، كن رحيمًا. هنا، الحيوانات لا نفوس لها، وبالتالي يجوز قتلها من غير عقاب؛ أما هناك، فللحيوانات نفوس، فَرَاعِها ودَعْ قلبك يعرف المحبة. أكْلُ الحيوانات والطيور يُعَدُّ هنا أمرًا سويًّا، طبيعيًّا، تقرُّه الكنيسة وتروِّج له الدعاية؛ أما هناك، فليس كذلك، والمبالون، الديِّنون، عن تمسُّك بالموروث والثقافة، لا يأكلونها أبدًا. لكن هذا [الموقف] هو الآخر في طريقه إلى الزوال السريع. هنا، لم ننفك قط نقتل باسم الإله والوطن، وهذا بات ساريًا في كل مكان. القتل يتفشَّى؛ وبين ليلة وضحاها تقريبًا، ترى الثقافات القديمة تُكتسَح جانبًا، والفعالية وتحجُّر القلب ووسائل التدمير بات يُحرَص على تعزيزها وتقويتها.
    ليس السلام بحوزة السياسي أو رجل الدين، ولا هو بحوزة المحامي أو رجل الشرطة. السلامُ حالٌ ذهنيةٌ توجد حينها المحبة.


    * From Commentaries on Living, Second Series, copyright ©1958 Krishnamurti Writings, Inc.

    (عدل بواسطة Mohamed Adam on 02-12-2015, 05:58 AM)

                  

02-16-2015, 11:43 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    http://http://www.youtube.com/watch?v=XVQTjLmj-N4[/B][/redwww.youtube.com/watch?v=XVQTjLmj-N4[/B][/red]
                  

02-18-2015, 06:49 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    سوف آتي بمقتطفات من هذه المدونه:
    الرائي كريشنمورتي:
    http://http://www.jdukrishnamurti.blogspotwww.jdukrishnamurti.blogspot. ca

    .
                  

02-18-2015, 06:56 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (1)
    عن الحب

    On Love
    J.Krishnamurti
    ---------------------------------------
    إن المَطلَب لتحصيل الأمان في العلاقة لا بد له وبشكل حتمي من أن يخلق الأسى والخوف. إن هذا السعي إلى الأمان بحد ذاته يقوم باستحضار اللا أمان. هل وجدت الأمان يوماً في أيٍّ من علاقاتك؟. يطلب معظمنا الأمان حين يحب وحين يرغب بأن يُحَبَّ، ولكن هل هناك من حب عندما يسعى كل واحد منا إلى أمانه الخاص، يسعى إلى دربه الخاص؟. نحن لا نُحَبُّ لأننا لا نعرف كيف نحب.
    ما هو الحب؟
    جدو كريشنامورتي
    إن الكلمة مثقلةٌ جداً ومُفسَدَة إلى الدرجة التي تجعلني لا أرغب حتى باستخدامها. يتكلم الجميع عن الحب – كل مجلة وجريدة وكل مُبشّر يتكلم إلى ما لا نهاية عن الحب. أحب بلدي، أحب مليكي، أحب كتاباً ما، أحب ذاك الجبل، أحب اللذة، أحب زوجتي، أحب الله. هل الحب فكرة؟. إذا كان كذلك، فيمكن حينها صقله وتغذيته وتثمينه والسيطرة عليه وحرفِهِ بأي طريقة ترغب بها. عندما تقول إنك تحب الله، فما الذي يعنيه ذلك؟. إن ذلك يعني أنك تحب إسقاطاً من تصورك الخاص، إسقاطاً لذاتك مُغطى بشكل معين من الاحترام تبعاً لما تعتبره نبيل ومقدس؛ وبالتالي حين تقول: "أحب الله" فهو شيء سخيف بالمطلق. عندما تعبد الله فإنك تعبد ذاتك – وهذا ليس حباً.
    ولأننا لا نستطيع أن نحلّ ماهية هذا الشيء الإنساني المُسمّى حباً فإننا نهرب إلى التجريد. قد يكون الحب هو الحل المطلق لكل مصاعب ومشكلات ومتاعب الإنسان، ولذا كيف سنتمكن من اكتشاف ما هو الحب؟، أبتعريفه فقط؟ لقد عرفته الكنيسة بطريقة ما، والمجتمع بطريقة أخرى، ويوجد الكثير من الانحرافات والشذوذ. أن تعشق أحدهم، أن تمارس الجنس، التبادل العاطفي، الرفقة، هل هذا هو ما نعنيه بالحب؟. لقد كان هذا هو المألوف والنمطي. لقد أصبح شخصياً إلى درجة كبيرة جداً، حسياً ومحدوداً حتى أعلنت الأديان أن الحب شيء أعظم من هذا. لقد شاهدوا فيما يدعونه حباً بشرياً اللذة والتنافس والغيرة والرغبة بالتملك والتقييد والتحكم والتطفل على أفكار الآخر، وبرؤيتهم لكل هذه الأمور وتعقيداتها فإنهم اعتقدوا أن هناك نوعاً آخر من الحب، حبٌّ إلهي، جميل، غير فاسد ونظيف.
    إن الذين يُعتَبَرونَ رجالاً مقدسين في أرجاء العالم قد ادّعوا أن النظر إلى المرأة شيءٌ خاطئ بالكامل: قالوا إنه ليس باستطاعة الإنسان أن يقترب من الله إذا كان منغمساً بالجنس، ولذلك فقد تجاهلوه بالرغم من أنهم مُستهلَكون به في دواخلهم. ولكنهم بإنكارهم الرغبة الجنسية قد اقتلعوا عيونهم وقطعوا ألسنتهم لأنهم أنكروا كامل جمال الأرض. لقد جوّعوا قلوبهم وأذهانهم؛ إنهم كائناتٌ مجفّفة؛ لقد عاقبوا الجمال لأنه الجمال مرتبط بالمرأة.
    هل يمكن تقسيم الحب إلى مقدس ودنيوي، إلى بشري وإلهي، أو أنه لا يوجد إلا الحب فقط؟. هل الحب يكون للواحد ولا يكون للكل؟. إذا قلت إنني أحبك، هل يستثني هذا القول محبة الآخرين؟. هل الحب شخصي أو غير شخصي؟. أخلاقي أو غير أخلاقي؟. عائلي أو غير عائلي؟. إذا أحببت البشرية هل يمكنك أن تحب الفرد؟. هل الحب عاطفي؟. هل هو شعور؟. هل هو رغبة ولذة؟. كل هذه الأسئلة تشير فعلياً إلى أنه لدينا أفكار عن الحب، أفكار وتصورات عما ينبغي أن يكون أو لا يكون عليه، نمط أو شيفرة تتطور بحسب الثقافة التي نعيش فيها.
    ولذا فإننا لكي نفهم ما هو الحب نقوم أولاً بتحويل الحب إلى أفكار، عملية فكرية لما ينبغي أن يكون أو أن لا يكون عليه. أن نقسم أي شيء بهذا الشكل، إلى ما ينبغي أن يكون وما هو عليه، لهو من أكثر الطرق المُضلِّلة للتعامل مع الحياة.
    والآن كيف سأكتشف ما هي هذه الشعلة التي نسميها الحب – ليس أن أعبر عنها إلى أحد ما وإنما ما تعنيه بحد ذاتها؟. سوف أرفض أولاً ما قالته الكنيسة والمجتمع، ما قاله أهلي وأصدقائي، ما عبر عنه كل شخص وكل كتاب لأنني أريد أن أكتشف بنفسي ما هو. تكمن هنا مشكلة هائلة تشمل كل البشرية، لقد وُجِدت آلاف الطرق لتعريفه وأنا عالق ببعض الأنماط حسب الحالة المزاجية والنفسية لي في تلك اللحظة – ولذا ألا ينبغي علي لأفهمه أن أحرر نفسي من أي تحيزات أو اتجاهات؟. إنني حائرٌ، ممزّق برغباتي ولذا أقول لنفسي: "أولاً أَنْهِ حيرتكَ لعلك تكون قادراً على اكتشاف ما هو الحب عبر ما ليس هو".
    تطلب منك الحكومة أن تذهب وتقتل في سبيل محبتك لبلدك. هل هذا حب. الدين يطلب منك التخلي عن الجنس لأجل الحب الإلهي. هل هذا حب؟. هل الحب رغبة؟. لا تقل: لا. لأنه كذلك بالنسبة إلى معظمنا – رغبة مع اللذة، اللذة المتولدة عن الحواس، عبر الارتباط والإشباع الجنسي. أنا لست ضد الجنس، ولكن انظر ما هو مُتضمّن فيه. ما يمنحه لك الجنس بشكل آني هو هجران للذات، ومن ثم تعود مجدداً إلى اضطرابك السابق ولذا فإنك تريد تكرار الأمر إلى ما لا نهاية، حيث تعيش تلك الحالة مجدداً، لا قلق، لا مشاكل ولا ذات. تقول إنك تحب زوجتك. هل في هذا الحب لذة جنسية، أو لذة نابعة من أن هناك شخص في المنزل يرعى أطفالك، يقوم بتجهيز الطعام. أنت تتكل عليها؛ إنها تمنحك جسدها، عواطفها، تشد أزرك، تمنحك شعوراً بالأمان وحسن الحال. ثمَّ قد يأتي يوم وتهجرك، تشعر بالملل أو تذهب مع رجل آخر وبالتالي فإن توازنك العاطفي يتخلخل كله، وهذا الاضطراب الذي لا يعجبك هو ما يدعى بالغيرة. يوجد ألم به، كراهية وعنف. إذاً ما تقوله هو: "طالما كنتِ لي فإنني سأحبك وفي اللحظة التي لا تكونين لي سأكرهك. طالما كان باستطاعتي الاعتماد عليك لإرضاء مطالبي الجنسية وغيرها، أحبكِ، وعندما تتوقفين عن منحي ما أريد أبدأ بكراهيتك". إذاً هناك عداوة بينكما، انفصال، وعندما تشعر بالانفصال عن الآخر فلا يمكن للحب أن يوجد. ولكن لو كنت تستطيع أن تعيش مع زوجتك بدون أن يخلق الفكر كل هذه المتناقضات، كل هذه النزاعات التي لا تنتهي داخلك، فربما حينها – ربما – ستعرف ما هو الحب. عندها ستكون حراً بالكامل وكذلك هي، بينما إذا اتكلت عليها لأجل لذّاتك فإنك ستكون عبداً لها. إذاً عندما يحب المرء لا بد من الحرية، ليس فقط الحرية من الآخر وإنما من ذاته أيضاً.
    هذا الانتماء للآخر، أن يتغذى المرء نفسياً على الآخر، أن يتكل عليه – لا بد من أن يوجد القلق والخوف والغيرة والذنب في كل هذا، وطالما كان الخوف موجوداً فليس هنالك من مكان للحب؛ إن ذهناً ممتلئاً بالأسى لن يعرف الحب أبداً؛ الحسية والعاطفية لا علاقة لهما أبداً بالحب. وكذلك الحب لا علاقة له باللذة والرغبة.
    ليس الحب نتاجاً للفكر، الفكر على أنه الماضي. لا يمكن للفكر أبداً أن ينمّي الحب. لا يمكن للحب أن يكون مسيجاً وعالقاً في الغيرة، لأن الغيرة من الماضي. الحب دائماً هو الحاضر الفعّال. إنه ليس "سوف أحبك" أو "لقد أحببتك". إذا كنت تعرف الحب فإن لن تتبع أي أحد. الحب لا يذعن. عندما تحب لا يوجد اهتمام ولا ازدراء.
    ألا تعرف حقاً ما الذي يعنيه أن تحب أحدهم – أن تحب بدون كراهية، بدون غيرة، بدون غضب، بدون الرغبة في التدخل فيما يفعل أو يفكر به الطرف الثاني، بدون نقد، بدون مقارنة – ألا تعرف ما يعني هذا؟. عندما يوجد الحب هل توجد المقارنة؟. عندما تحب أحدهم بكل جوارحك، بكليتك كلها، ذهنك وجسمك، بكامل وجودك، هل هناك مقارنة؟. عندما تهجر ذاتك بالكامل كرمةً لذلك الحب فلن يوجد ما هو ليس حباً.
    هل هناك مسؤولية وواجب في الحب، وهل سيستخدم الحب هذه الكلمات؟. عندما تفعل شيئاً انطلاقاً من الواجب هل هناك أي شيء من الحب فيه؟. لا يوجد الحب في الواجب. إن بنية الواجب والتي علِق بها الإنسان تدمره. فطالما كان المرء مدفوعاً للقيام بأمر ما لأنه واجب فهو لا يحب ما يفعله. عندما يوجد الحب لا يوجد الواجب ولا المسؤولية.
    إن أغلب الأهالي ولسوء الحظ يظنون أنهم مسؤولون عن أطفالهم وإحساسهم بالمسؤولية يأخذ شكل الإملاء على الأولاد ما يجب وما لا يجب عليهم فعله، ما ينبغي أن يصبحوا وما لا ينبغي أن يصبحوا. يرغب الأهل في أن يحصّل أطفالهم مكانة آمنة في المجتمع. إن ما يسمونه بالمسؤولية هو جزء من الاحترام الذي يقدسونه؛ ويبدو لي أنه حينما يوجد هذا الاحترام فليس هنالك من نظام؛ إن همهم الأكبر فقط هو أن يصيروا برجوازيين مثاليين. عندما يُعدّون أطفالهم لكي يتلاءموا مع المجتمع فإنهم فعلياً يخلّدون الحرب، الصراع والوحشية. هل تسمّون ذلك رعاية وحباً؟.
    أن تهتم حقاً يعني أن تهتم كما تفعل لشجرة أو نبتة، تسقيها، تدرس احتياجاتها، أفضل تربة لها، تعتني بها بلطف وحنان – ولكن عندما تُعدّون أطفالكم لكي ينسجموا مع المجتمع فإنكم تُعدونهم لكي يُقتَلوا. لو كنتم تحبون أطفالكم لما كان هنالك من حروب.
    عندما تفقد أحد ما تحبه تذرف الدمع عليه – هل بكاؤك على نفسك أم على ذاك الذي مات؟ هل بكيت حقاً على آخر؟ هل بكيت حقاً على ابنك الذي قتل في أرض المعركة؟ لقد بكيت، ولكن هل هذه الدموع سُكبَت من الشفقة على الذات أم أنها سُكبَت لأن إنساناً قد قُتل؟. إذا كان البكاء نابعاً من الإشفاق على الذات فليس لتلك الدموع أي معنى لأنك معنيٌّ بنفسك فقط. إذا كنت تبكي لأنك فُجعتَ بامرئٍ استثمرت فيها الكثير من المشاعر والعواطف، إنها ليست حقاً مشاعر وعواطف. عندما تبكي على أخيك الذي مات، ابكي عليه فعلاً. من السهل جداً أن تبكي على نفسك لأنه مات. من المؤكد أنك تبكي لأن قلبكَ تأثر، ولكنه لم يتأثر لأجله، أنه أثر الإشفاق على الذات، وهذه الشفقة على الذات تجعلك غليظ القلب، قاسٍ، مُغلق، تجعلك بليداً وغبياً.
    عندما تبكي على ذاتك، هل هذا حقاً حب – تبكي لأنك وحيد، لأنك هُجِرتَ، تُرِكتَ، لأنك لم تعد قوياً بعد الآن – تشكو حظك، بيئتك – دائماً تنهمر الدموع لأجلك؟ إذا فهمت هذا، الأمر الذي يعني أن تكون على تواصل مباشر معه كما لو أنك تلمس شجرة أو يداً، فأنك سترى أنك ذاك الأسى هو من صنع الذات، الفكر هو من خلق الأسى، الأسى هو حصيلة الزمن. توفي أخي، الآن أنا وحيد، متألم، لم يعد موجوداً ذاك الذي كنت أجد عنده الراحة والرفقة، وهذا يبعث الدموع في عيني.
    باستطاعتك أن ترى كل هذا يحدث داخلك إذا راقبته. يمكنك رؤيته كاملاً، تاماً، بنظرة واحدة، بدون أن تأخذ وقتاً لتحليله. يمكنك أن ترى بلحظة كامل بنية وطبيعة هذا الشيء الرث والصغير الذي نسميه "الأنا"، دموعـــ"ــي"، عائلتــــ"ــي"، أمتــ"ــي"، معتقداتـــ"ــي"، دينـــ"ـــي" – كل هذه القباحة موجودة داخلك. عندما تبصر الأمر بقلبك وليس بذهنك، من أعمق أعماق روحك حينها تمتلك ما يمكنك من إنهاء الأسى. لا يمكن للأسى والحب أن يكونا معاً، ولكنهم في العالم المسيحي قاموا بتحويل المعاناة إلى مثال، أمرٍ مثالي، وضعوها على صليب وقدسوها، الأمر الذي يتضمن أنك لن تستطيع أبداً التخلص من المعاناة والعذاب إلا عن طريق هذا الباب المعين، وهذه هي كلية المجتمع الديني المُستغِل.
    ولذا عندما تسأل ما هو الحب قد تكون خائفاً من معرفة الجواب؛ فقد يكون هو الثورة الكاملة؛ قد يحطم العائلة؛ قد تكتشف أنك لا تحب زوجتك، أو أنكِ لا تحبين زوجك، أو أنك لا تحب أطفالك، هل تحبهم حقاً؟، قد تضطر إلى تحطيم المنزل الذي بنيته، وقد لا تعود أبداً إلى المعبد.
    ولكن إذا كنت ما تزال تريد أن تكتشف سوف ترى أن الخوف ليس حباً، الإتكال ليس حباً، وكذلك الغيرة والتملك والهيمنة أيضاً ليست حباً، المسؤولية والواجب ليسا حباً، الإشفاق على الذات ليس حباً، الألم المبرح لأنك بدون حبيب ولأنك لست موضوع محبةٍ بعد هو أيضاً ليس حباً، ليس الحب النقيض للكراهية كما أن التواضع ليس النقيض للغرور. وبالتالي إذا استطعت التخلص من كل هذه القضايا، ليس بالإكراه ولكن بغسلها كما يغسل المطر غبار أيامٍ كثيرة عن أوراق الشجر، فحينها قد تصل إلى اكتشاف هذه الزهرة الغريبة التي كان الإنسان هائماً دائماً وراءها.
    إذا لم تمتلئ بالحب – ليس قطرات منه وإنما بغزارة – إذا لم تفض به فإن العالم متجه نحو الدمار. تعلم فكرياً أن وحدة البشرية أمر جوهري وأن الحب هو الطريق الوحيد إليها ولكن من هو الذي سيعلمك كيف تحب؟. هل باستطاعة أية سلطة أو منهج أو نظام أن يملي عليك كيف تحب؟. إذا أملاه عليك أي أحد فهذا ليس حباً. هل باستطاعتك القول "سوف أتدرب على المحبة. سوف أجلس هنا يوماً بعد يوم وأفكر به. سوف أتمرن على أن أكون لطيفاً وطيباً وأجبر نفسي على الانتباه للآخرين"؟. هل تقصد بقولك هذا أن باستطاعتك ضبط نفسك لكي تحب، أن تروض الإرادة للحب؟. عندما تتمرس على الانضباط والإرادة لكي تحب فإن الحب يهرب من النافذة. لربما تصير عبر التمرن بإحدى المناهج أو الأنظمة فائق الدهاء أو أكثر لطفاً أو أن تصل إلى حالة من اللا عنف ولكن ليس لهذا أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد مع الحب.
    لا يوجد الحب في هذا العالم المقحل والممزق لأن الرغبة واللذة يلعبان الدور الأعظم فيه، ورغم هذا فإن حياتك اليومية بدون الحب لا معنى لها على الإطلاق. ولن تعرف الحب إذا لم يكن هنالك جمال. ليس الجمال شيئاً تراه – ليس شجرة جميلة أو لوحة جميلة أو بناء جميل أو امرأة جميلة. يكون الجمال فقط عندما يعرف قلبك وذهنك ما هو الحب. بدون الحب وذلك الاحساس بالجمال لا توجد الفضيلة، وأنتم تعرفون هذا جيداً، افعلوا ما تشاؤون، طوروا المجتمع واطعموا الفقراء ولكنكم ستخلقون المزيد والمزيد من الأذى والضرر فقط، لأن الأمر واضح: بدون الحب لا يوجد إلا القباحة والفقر قي قلوبكم وأذهانكم ذاتها. ولكن عندما يوجد الحب والجمال فكل ما تفعله صائب، كل ما تفعله يكون منتظماً. إذا عرفت كيف تحب فحينها باستطاعتك فعل كل ما ترغب به لأنه سيحل جميع المشكلات.
    إذاً لقد وصلنا إلى الهدف: هل باستطاعة الذهن أن يكتشف ما هو الحب بدون الانضباط، بدون الفكر، بدون الإكراه، بدون أية كتب، بدون أي معلمين أو قادة، هل باستطاعتك رؤيته كما لو أن المرء يرى غروب الشمس الفتّان؟.
    من وجهة نظري أرى أن هنالك أمراً ضروري بالمطلق ألا وهو الشغف بدون الدافع – الشغف الذي ليس نتيجة لالتزام أو ارتباط، الشفع الذي ليس شهوة. إن الإنسان الذي لا يعرف ما هو الشغف لن يعرف الحب أبداً لأن الحب ممكن أن يأتي عندما يوجد هجران كامل للنفس.
    إن الذهن الذي يسعى وراء شيء ما ليس ذهناً شغوفاً وأن تكتشف الحب بدون السعي وراءه هو الطريق الوحيد لإيجاده – أن تكتشفه بدون معرفة وليس كنتيجة لمجهود ما أو خبرة ماضية. ستكتشف أن هذا الحب ليس تابعاً للزمن؛ هذا الحب شخصي وغير شخصي، هو للواحد وللكثرة على السواء. تماماً كما الزهرة الفواحة تستطيع أن تشمّ عبيرها أو أن تتجاهله. تلك الزهرة للجميع وأيضاً لذاك الذي يحب أن يشمها عميقاً وأن ينظر إليها ببهجة. سواء أكان المرء قريباً جداً أو بعيداً جداً فإن الأمر سواء بالنسبة لها لأنها مليئة بالعطر ولذا فهي تشاركه مع الجميع.
    الحب شيءٌ جديدٌ، حي، غض. ليس له من أمس ولا من غد. إنه أبعد بكثير من صخب الفكر. فقط الذهن البريء هو الذي يعرف ما هو الحب، ويستطيع هذا الذهن البريء أن يعيش في هذا العالم غير البريء. لكي تجد هذا الأمر المذهل الذي سعى إليه الإنسان ومازال منذ الأبد عبر التضحية والتقديس والعلاقة والجنس وعبر كل أشكال اللذة والألم، فإن هذا ممكن عندما يصل الفكر إلى المرحلة التي يفهم فيها ذاته، ويصل بشكل طبيعي إلى نهايته. حينها لا يكون للحب نقيض، لا يكون في الحب صراع.
    قد تسأل: "إذا وجدت مثل هذا الحب، ما الذي سيحصل لزوجتي وأطفالي وعائلتي؟ لا بد لهم من العيش بأمان". عندما تطرح مثل هذا السؤال فأنت لم تخرج أبداً من حقل الفكر، حقل الوعي الحسي. عندما تخرج لمرة واحدة من ذاك الحقل فإنك لن تسأل هذا السؤال أبداً لأنك ستعلم عندها ما هي حالة الحب التي لا مكان فيها لا للفكر ولا للزمن. قد تقرأ كل هذا بافتتان وانجذاب ولكن أن تتجاوز فعلياً الفكر والزمن – ما يعني تجاوز الأسى – يعني أن تكون متيقظاً وواعياً إلى أن هناك بعداً آخراً مختلفاً هو الحب.
    ولكنك لا تعرف كيف تصل إلى ذلك النبع المذهل – فما الذي تفعله؟ إذا لم تكن تعرف ما الذي عليك فعله، فلا تفعل أي شيء، أليس كذلك؟ لا شيء بالمطلق. ومن ثم داخلياً تكون صامتاً بالمطلق. هل تفهم ما الذي يعنيه هذا؟ إنه ببساطة يعني أنك لا تسعى وراء شيء، لا تريد أي شيء، لا تتجه إلى أي شيء؛ ليس هنالك من مركز على الإطلاق. وعندها يوجد الحب.



    نواصل:
    .
                  

02-18-2015, 07:01 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    نواصل ..
    صاحب المدونه قال:


    أعزائي ترجمتُ منذ مدة نصاً لكريشنامورتي عن الحب أيضاً وارتأيت أن أضيفه إلى هذا النص لأنه قد يمنح بعداً إضافياً لفهم ما يرمي إليه كريشنامورتي في حديثه
    النص من كتاب لكريشنامورتي بعنوان "حوار مع الذات":
    جدو كريشنامورتي
    أدركُ أن الحب لا يمكن أن يوجد حين تكون الغيرة؛ لا يمكن له أن يكون عندما يكون هناك تعلُّق. والآن، هل من الممكن لي أن أتحرر من الغيرة والتعلّق؟. أدرك أنني لا أحب. هذه حقيقة، لن أُقدم على خداع نفسي؛ لن أدعي أمام زوجتي أنني أحبها. أنا لا أعرف ما هو الحب. ولكنني أعلم أنني غيور وأعلم أنني متعلق بها كثيراً، وفي هذا التعلق يوجد خوف، غيرة، قلق؛ هناك حس من الاتكالية. لا أحب الإتكال على أحد إلا أنني أفعل لأنني وحيد؛ مضغوط في العمل، في المكتب وأعود إلى المنزل راغباً بالارتياح والرفقة الطيبة لكي أهرب من ذاتي.
    والآن أسألُ نفسي: كيف يمكن لي أن أتحرر من هذا التعلق؟، لقد طرحت هذا الموضوع كمثال فقط.
    بدايةً، أريد أن أهرب من السؤال. لا أعلم كيف سينتهي الأمر مع زوجتي آخر المطاف. عندما لا أكون متعلقاً بها فإن علاقتي بها قد تتغير. لربما تكون هي متعلقة بي وأنا لست متعلقاً بها أو بأي امرأة أخرى. ولكنني سأتقصّى، ولن أهرب مما قد أتخيله سيكون عاقبة لكوني حراً بالمطلق من كل التعلّقات. لا أعرف ما هو الحب ولكنني أرى بكل وضوح، بدون أي شك، أن تعلقي بزوجتي يعني الغيرة، الامتلاك، الخوف، القلق وأريد أن أتحرر من كل هذا. لذا أبدأ بالتحقق؛ أبحث عن طريقة ما ومن ثم أقع فريسة المنهج. أحد "الغورو" – مرشد روحي – يقول لي: "سوف أساعدك للتخلص من تعلقك، أفعل هذا وذاك، تمرن على هذا وذاك". أقبل ما يقوله لأنني أرى أهمية الحرية ولأنه وعدني إذا فعلت ما يقول فإنني سأُكافأ. إلا أنني أرى أنني أبحث عن مكافأة. أرى كم أنا سخيف؛ أريد أن أكون حراً وأرتبط بمكافأة ما.
    لا أريد أن أكون متعلقاً بشيء ورغم ذلك أجد نفسي قد تعلقت بفكرة أن أحد ما أو كتاب ما أو طريقة ما ستكافئني بالحرية من التعلق. إذاً، المكافأة تصير تعلقاً هي الأخرى. فأقول: "انظر ما الذي فعلته؛ كن حذراً، لا تقع في ذاك الفخ". سواء أكان امرأة أو طريقة أو فكرة، فأنه سيان، وبنهاية الأمر هو تعلق. أنا يقظ جداً الآن لأنني تعلمت شيئاً جديداً؛ أن لا أبادل التعلق بشيء آخر هو أيضاً تعلق.
    أسأل نفسي: " ما الذي علي فعله لأتحرر من التعلق؟، ما هو الدافع الذي يدفعني للتحرر من التعلق؟، أليس الأمر أنني أريد الوصول إلى حالة لا يوجد فيها تعلق، لا خوف وغيره؟" إلا أنني أكتشف فجأة أن الدافع يشير إلى اتجاه ما وأن هذا الاتجاه سوف يسيطر على حريتي. لماذا ينبغي أن يكون هناك دافع؟، ما هو الدافع؟. الدافع هو أمل، رغبة لتحقيق شيء ما. أرى مجدداً أنني متعلق بدافع ما. أصبح الدافع هو تعلقي وليس فقط زوجتي أو فكرتي أو الطريقة. يبدو أنني طوال الوقت أتحرك في حقل التعلق – الزوجة، الطريقة والدافع لتحقيق شيء ما في المستقبل. إنني متعلق بكل هذه الأمور. أرى أنه أمر معقد جداً؛ لم أعتقد أن التحرر من التعلق يتضمن كل هذا. والآن، أرى كل هذا الأمر بوضوح شديد كما لو أنني أرى الطرق الرئيسية والفرعية والقرى على خريطة أمامي؛ أرى كل ذلك بوضوح عظيم. فأقول لنفسي: "هل من الممكن لي أن أتحرر من التعلق الكبير لزوجتي وأيضاً من الجائزة التي أعتقد أنني سأحصل عليها وأيضاً من الدافع"؟ بكل هذا أنا متعلق. لماذا؟ هل لأنني غير مكتفٍ بذاتي؟ هل لأنني وحيدٌ جداً جداً ولذا أبحث عن مهرب من شعور العزلة بالعيش مع امرأة، أو امتلاك فكرة أو دافع؛ كما لو أنه ينبغي علي أن أتشبث بشيء ما؟ أرى أن الأمر كذلك، أنا وحيد وأهرب عبر التعلق بأحدهم من ذاك الشعور الرهيب بالعزلة.
    إذاً أنا مهتم بأن أفهم لماذا أنا وحيد، لأنني أرى أن هذه الوحدة هي التي تجعلني أتعلق. تلك الوحدة أرغمتني على الهروب عبر التعلق إلى ذلك الشيء أو ذاك وأفهم الآن أنني طالما بقيت وحيداً فإن العاقبة ستكون دوماً على هذا النحو. ما الذي يعنيه أن أكون وحيداً؟ كيف تحدث تلك الوحدة؟ هل هي غريزية أو موروثة أو أنها نتاج نشاطاتي الاعتيادية اليومية؟ إذا كانت غريزية أو موروثة أو قدر فأنا لست المُلام. ولكن بما أنني لا أقبل هذا التفسير فإنني أتقصى وأبقى مع السؤال. أراقب ولا أحاول أن أجد جواباً فكرياً. لا أحاول أن أُملي عليها ما تفعل أو ما هي، بل أنا أراقب لكي تخبرني هي. هناك يقظة، مراقبة للوحدة لكي تكشف عن ذاتها. لن تكشف ذاتها إذا هربت؛ إذا كنت خائفاً؛ إذا قاومتها. لذا فإنني أراقب. أراقبها بحيث لا تتمكن ولا فكرة من التطفل. إن المراقبة أكثر أهمية من دخول الفكر. ولأن طاقتي كلها موجهة لرصد تلك الوحدة فإن الفكر لا يتدخل مطلقاً. إن الذهن الآن أمام تحدٍّ ولا بد من الجواب. أن تكون أمام تحدٍّ ما فهذا يعني أن هناك مأزق. عندما تكون في مأزق فإنك تمتلك طاقة عظيمة وتلك الطاقة تبقى صافية بدون أن يعيقها الفكر. هذا تحد ينبغي أن يُجاب.
    أبدأ بحوار مع نفسي. أسأل نفسي ما هو هذا الشيء الغريب الذي يسمونه الحب؛ يتحدث الجميع عنه، يكتبون عنه – كل القصائد الرومانسية، اللوحات، الجنس ومختلف الأرجاء الأخرى له؟. أسأل: هل هنالك من شيء كالحب؟. أرى أنه غير موجود عندما توجد الغيرة، الكراهية، الخوف. لذا فأنا غير مهتم بالحب بعد الآن؛ ما يهمني الآن "ما هو موجود| What Is"، بخوفي، بتعلقي. لماذا أنا مُتعلّق؟. أرى أن أحد الأسباب – ولا أقول إنه السبب بحد ذاته – هو أنني وحيد جداً، معزول. كلما كبرت في العمر ازددت عزلةً. ولذا أراقب الأمر. هذا تحدٍّ كي أكتشف، ولأنه تحدٍّ فإن كل طاقتي موجهة للاستجابة له. الأمر بسيط. إذا كان هناك كارثة ما، حادثة ما أو أي أمر آخر، فهو تحد وحينها يكون عندي طاقة لمجابهته. ليس علي أن أسأل: "كيف أحصل على هذه الطاقة"؟ عندما يحترق منزلي تخلق عندي طاقة كافية لأتحرك، لأفعل، طاقة مذهلة. لا أجلس وأقول: "حسناً، يجب أن أحصل على هذه الطاقة" ومن ثم أنتظر؛ كل المنزل سيصير رماداً إلى حينها.
    إذاً، هناك طاقة عظيمة للإجابة على هذا السؤال: لماذا هنالك هذه الوحدة؟. لقد رفضت الأفكار، الافتراضات والنظريات التي تقول إنها موروثة أو غريزية. كل هذا الكلام لا يعني شيئاً بالنسبة لي. الوحدة هي "ما هو موجود". لماذا توجد هذه الوحدة التي يعاني كل إنسان منها بشكل سطحي أو بشكل عميق، إذا كان المرء واعياً بها؟ لماذا تأتي إلى الوجود؟ هل الأمر أن الذهن يقوم بشيء ما يستدعي وجودها؟ لقد رفضت النظريات بأنها موروثة أو غريزية وأسأل الآن: هل هو الذهن، الدماغ بحد ذاته، هو ما يخلقها، هذه العزلة المطلقة؟ هل حركة الفكر هي ما يفعل هذا؟ هل عملية الفكر في حياتي اليومية هي ما يخلق هذا الإحساس بالعزلة؟ أُقصي نفسي في المكتب لأنني أريد أن أكون المتنفذ الأعلى ولذلك فإن الفكر يعمل طوال الوقت عازلاً نفسه. أرى أن الفكر يعمل طوال الوقت محاولاً جعل ذاته متفوقاً، يعمل الذهن باتجاه هذه العزلة.
    لذا فإن المشكلة حينها هي: لماذا يفعل الفكر ذلك؟ هل طبيعة الفكر هي أن يعمل لذاته؟ هل طبيعة الفكر هي ما يخلق هذه العزلة؟ التعليم يخلق هذه العزلة؛ إنه يمنحني مهنة معينة، تخصص معين وبالتالي عزلة.
    الفكر، بما أنه تجزيئي، محدود ومقيد بالزمن، يخلق هذه العزلة. لقد وجد في تلك المحدودية الأمان ليقول: "لدي مهنة مميزة في حياتي؛ أنا بروفيسور؛ أنا بأمان تام". ولذا فإن اهتمامي الآن هو: لماذا يقوم الفكر بذلك؟ هل يقوم بذلك بسبب طبيعته ذاتها؟ أي شيء يفعله الفكر لا بد أن يكون محدوداً. والآن فإن المشكلة هي: هل بإمكان الفكر أن يدرك مهما كان الشيء الذي يفعله فإنه سيكون محدوداً، مُجزّءاً ولذا فإنه انعزالي وبالتالي فإن أي شيء يقوم به سيكون بهذا الشكل؟ هذه نقطة مهمة جداً: هل بإمكان الفكر بذاته أن يدرك محدوديته ذاتها؟ أو هل أُملي عليه أنا أنه محدود؟ هذا برأيي شديد الأهمية ليُفهَم؛ هذا هو الجوهر الحقيقي للأمر. إذا أدرك الفكر بذاته أنه محدود فلن يكون هناك مقاومة ولا نزاع؛ سيقول: أنا هذا. ولكن إذا أمليت عليه الأمر فحينها سأكون مفصولاً عن تلك المحدودية. وعندها سأكافح للتغلب على هذه المحدودية، وبالتالي يوجد نزاع وعنف وليس حباً.
    والآن هل يدرك الفكر بذاته أنه محدود؟ علي أن أكتشف بنفسي. أنا أمام تحد. ولأنني في مواجهة التحدي فإنني أملك طاقة عظيمة. لنصغ الأمر بطريقة مختلفة: هل يدرك الوعي الحسي Consciousness أنه هو محتواه؟ أو أنني سمعت أحدهم يقول إن الوعي هو محتواه، إن محتوياته هي التي تصنعه؟ ولذا تراني أقول: نعم، إنه كذلك. هل ترى الفرق بين الاثنين؟ الأخير هو نتاج فكري، إنه مفروض من الأنا. إذا فرضت شيئاً ما على الفكر فحينها سيكون الصراع. إن الأمر يشبه حكومة استبدادية تستبد بأحدهم، وهنا الحكومة هي ما خلقته أنا.
    لذا فأنني أسأل نفسي: هل أدرك الفكر محدودتيه الخاصة؟ أو أنه يدعي أنه شيئاً مميزاً، نبيلاً ومقدساً؟ وهذا هراء لأن الفكر قائم على الذاكرة. أرى أنه لا بد من وضوح هذه النقطة: أنه لا يوجد مؤثر خارجي يفرض على الفكر ويقول له إنه محدود. عندها وبما أنه لا يوجد فرض فإنه ما من نزاع؛ إنه فقط يدرك محدوتيه؛ يدرك أن أي شيء يفعله – عبادته لإله ما وغيرها الكثير – محدود، تافه، قديم بالرغم من أنه أنشأ كل تلك الكاتدرائيات الرائعة المنتشرة في أنحاء أوروبا.
    لذا فإن حديثي مع نفسي نتج عنه الاكتشاف أن الوحدة من صنيعة الفكر. الفكر الآن يدرك بنفسه أنه محدود وبالتالي لا يستطيع حل مشكلة الوحدة. وبما أنه لا يستطيع حل مشكلة الوحدة، هل الوحدة موجودة؟ لقد خلق الفكر هذا الإحساس بالوحدة، ذلك الفراغ، لأنه محدود، تجزيئي، منقسم وعندما يدرك ذلك فإن الوحدة لا تكون وبالتالي توجد الحرية من التعلق. لم أقم بفعل أي شيء؛ لقد راقبت التعلق، ما هو مُتضمَّن فيه، الطمع، الخوف، الوحدة، كل هذا عبر ملاحقته، رصده، وليس تحليله، فقط بالنظر، النظر والنظر، يوجد الاكتشاف أن الفكر قام بكل هذا. الفكر بما أنه تجزيئي قد خلق ذلك التعلق. وعندما يدرك ذلك ينتهي التعلق. لا يوجد أي جهد على الإطلاق. لأنه في اللحظة التي يوجد فيها جهد فإن النزاع يعود مجدداً.
    لا يوجد في الحب تعلق؛ إذا كان هناك تعلق فليس هناك من حب. لقد زال العامل الرئيسي عبر نفي ما هو ليس هو، عبر نفي التعلق. أعلم ما الذي يعنيه ذلك في حياتي اليومية: ليس هنالك من تذكر لأي شيء قامت به زوجتي أو صديقتي أو جاري بقصد أذيتي؛ ليس هنالك من تعلق بأي صورة قام الفكر بخلقها لزوجتي؛ كيف قامت بإزعاجي، أو كيف قدمت لي الراحة، كيف حصَّلت معها لذةً جنسية، كل الأشياء المختلفة التي خلقت لها حركة الفكر صوراً؛ إن التعلق بهذه الصور قد اختفى.
    وهناك عوامل أخرى: هل علي أن أقوم بهذه العملية خطوة بخطوة، أمراً وراء أمر؟ أم أن كل شيء انتهى؟ هل علي أن أتحقق– كما تحققت من التعلق – من الخوف، اللذة والرغبة في سبيل الراحة؟ أرى أنه ليس علي أن أقوم بالتحقق من كل هذه العوامل المختلفة؛ أرى الأمر بنظرة واحدة، وأفهمه.
    إذاً، عبر نفي ما ليس هو الحب، يكون الحب. ليس علي أن أسأل ما هو الحب. ليس علي أن أجري وراءه. إذا لاحقته فإنه ليس حباً، إنه مكافأة. لذا فإنني نفيت وأنهيت في ذلك التقصي وببطء وحذر وبدون تشويش وتوهم كل ما هو ليس هو - فيكون الآخر حينها.
    .....
                  

02-18-2015, 07:05 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (2)
    Identification
    Com####ries On Living
    تعليقاتٌ على العيش
    السلسلة الأولى
    الفصل الثاني
    المطابقة (التعريف)
    لماذا تعرف نفسك بآخر، بجماعة، ببلد؟
    لماذا تدعو نفسك مسيحياً، هندوسياً، بوذياً، أو لماذا تنتمي إلى طائفة من الطوائف التي لا تحصى؟.
    يطابق المرء ذاته سياسياً ودينياً، بهذه أو بتلك الجماعة عبر التقاليد أو العادة، عبر الدافع والتحيّز والتقليد والكسل. هذه المطابقة[1] هي السبب في القضاء على أي فهم خلاق، ومن ثم يصير المرء مجرد أداة في أيدي قادة الأحزاب أو الكهنة أو القادة المُفضلين.
    منذ فترة قال شخص ما أنه صار كريشنامورتيّاً مع أنه كان ينتمي إلى جماعة أخرى. وعندما كان يقول ذلك لم يكن واعياً فعلياً بما تتضمنه هذه المطابقة. لم يكن شخصاً أحمقاً؛ بالعكس، كان قارئاً جيداً، مثقفاً..إلخ. ولم يكن كذلك عاطفياً أو حساساً تجاه الموضع، لا، كان واضحاً ومحدداً.
    لماذا أصبح كذلك، "كريشنامورتيّاً"؟. لقد تبع آخرين، انتمى إلى العديد من الجماعات والمنظمات المُضجرة، وأخيراً وجد ذاته مُعرَّفاً بهذا الإنسان تحديداً. يبدو مما قاله إن الرحلة انتهت. لقد أخذ موقفاً وكانت نهاية القضية؛ لقد اختارَ وليس هنالك من شيء يستطيع زحزحته عن ذلك. سوف يستقر الآن بهدوء ويتبع بحماس كل ما قيل وما سوف يُقال.
    عندما نطابق أنفسنا بأحد آخر، هل هذا مؤشر على الحب؟ هل تتضمن المطابقة الاختبار[2]؟ ألا تُنهي المطابقة الحب والاختبار؟ إن المطابقة بالتأكيد هي امتلاك، التأكيد على الملكية؛ والملكية تنفي الحب، ألا تفعل؟ أن تملك يعني أن تكون آمناً؛ الامتلاك هو دفاع، أن يحصّن المرء ذاته. يوجد في المطابقة مقاومة، سواءً كانت سافرة أو ماكرة؛ وهل الحب شكل من أشكال المقاومة لحماية الذات؟ وهل هنالك من حب عندما يوجد دفاع؟.
    الحبُّ هشٌّ، مرنٌ، مُتقبِّل؛ إنه أعلى شكل من أشكال الحساسية، والمطابقة تخلق اللاحساسية. الحب والمطابقة لا يلتقيان، لأنهما يدمران بعضهما البعض. المطابقة بالتأكيد هي عملية فكرية يحمي الذهن من خلالها ذاته ويوسّعها؛ وعندما يصير شيئاً ما يجب أن يقاوم ويدافع، يجب أن يتملّكَ وينبذ. في سيرورة التصيُّر هذه يصبح الذهن أو الذات أقسى وأقدر؛ ولكن هذا ليس حباً. المطابقة تدمر الحرية، وفقط في الحرية يمكن أن يوجد أسمى شكل من الحساسية.
    هل يحتاج المرء المطابقة لكي يختبر شيئاً ما؟ أليست المطابقة بحد ذاتها هي النفي للتقصي والاكتشاف؟ لا يمكن للسعادة التي تجلبها الحقيقة أن توجد إذا لم يكن هناك اختبار لاكتشاف الذات. المطابقة تمنع الاكتشاف؛ إنها شكلٌ آخر من البلادة. المطابقة هي خبرات غير مباشرة وبالتالي زائفة.
    يجب أن تنتهي كل المطابقات إذا أردت أن تختبر. لا ينبغي أن يوجد الخوف مع الاختبار. الخوف هو الذي يخلق المطابقة، المطابقة مع الآخر، الجماعة، الإيديولوجيا.. إلخ. على الخوف أن يَقمَع ويقاوم؛ وفي حالة الدفاع عن النفس كيف يمكن لك أن تغامر في البحر المجهول؟. لا يمكن أن تحقق السعادة أو تعرف الحقيقة بدون أن تباشر الرحلة في أقاصي النفس. لا يمكنك أن تبتعد إذا كنتَ مقيداً. المطابقة هي ملجأ. يحتاج الملجأ إلى الحماية، وما هو محمي يتدمر سريعاً. المطابقة تجلب الدمار إلى ذاتها وبالتالي الصراع الدائم بين مطابقات مختلفة.
    كلما كافحنا ضد المطابقة أو إليها، زادت الممانعة لكي نفهم. إذا كان المرء واعياً بكامل سيرورة المطابقة، باطنياً وخارجياً، إذا فهم المرء أن تعبيراته الخارجية مُسقطة عن المتطلبات الباطنية، فإن هنالك إمكانية للاكتشاف والسعادة. إن ذلك الذي يطابق نفسه لا يمكن له أبداً أن يعرف الحرية، الحرية التي بها وحدها تظهر كل الحقائق إلى الوجود.
                  

02-18-2015, 07:09 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (3)
    الشعائر والتحويل
    Com####ries On Living
    تعليقاتٌ على العيش
    السلسلة الأولى
    CEREMONIES AND CONVERSION
    الشعائر والتحويل
    كانت الكنيسة في حوشٍ كبير، بين العديد من الأشجار، يدخل إليها مجموعة من الناس، بيض وسمر. الضوء في داخلها أكثر حدة من الكنائس الأوروبية ولكن الاستعدادات كانت ذاتها. بدأ الاحتفال وكان هناك شيءٌ من الجمال. عندما انتهت الاحتفالات؛ قليلٌ من السمر تحدثوا إلى البيض أو البيض إلى السمر ثم افترقنا جميعاً كلّ في اتجاه.
    غناءٌ يصدر من معبد في مكان آخر، ترنيمة سنسكريتية؛ الــ "بوجا"، كان احتفالاً هندوسياً. التجمع هنا ينتمي إلى نمط ثقافي آخر. نغمات الكلمات السنسكريتية شديدة الاختراق والقوة؛ كان لها عمقاً وثقلاً غريبين.
    يمكن أن تتحول من معتقد إلى آخر، من عقيدة إلى أخرى، لكن لا يمكنك أن تتحول إلى فهم الواقعي. المعتقد ليس الواقعي. يمكنك أن تغير ذهنك، آرائك، لكن الحقيقة أو الله ليست اعتقاداً: إنها تجربة غير قائمة على اعتقاد أو دوغما (معتقد)، أو على أي تجربة سابقة. إذا اختبرت شيئاً انطلاقاً من معتقد، فإن تجربتك هي استجابة مشروطة بذلك المعتقد. إذا اختبرت شيئاً ما فجأة، بعفوية ومن ثم قمت بتجارب أخرى بالانطلاق من هذه التجربة، فإن التجربة الجديدة ستكون مجرد استمرار للذاكرة التي تستجيب للحاضر. الذاكرة ميتة دوماً، تأتي إلى الحياة فقط بالاتصال مع الحاضر الحي.
    التحويل هو التغيير من معتقد إلى آخر، من دوغما إلى أخرى، من شعيرة إلى أخرى أكثر إشباعاً، ولكن كل هذا لا يفتح الباب أمام الواقعي. بل بالعكس من ذلك يكون الإشباع أو الرضا عقبةً كأداء أمام الواقعي. وهذا ما تقوم به الأديان المنظمة والجماعات الدينية: تحويلك إلى عقيدة أو خرافة أو أمل آخر أكثر أو أقل عقلانية. إنهم يعرضون عليك قفصاً أفضل. قد يكون الأمر مريحاً أكثر أو لا يكون، يعتمد ذلك على حالتك المزاجية، ولكنه في كل الأحوال ليس إلا سجناً.
    هذا التحويل مستمر دائماً، دينياً وسياسياً، وفي مستويات ثقافية مختلفة. المنظمات وقادتها يحافظون على إبقاء الإنسان ضمن الأنماط الإيديولوجية التي يقدمونها، سواءً دينية أو اقتصادية؛ في هذه السيرورة يكمن استغلال متبادل. الحقيقة خارج كل الأنماط والمخاوف والآمال. إذا أردت أن تكتشف السعادة الأسمى للحقيقة، عليك أن تتحرر من كل الأنماط الشعائرية والإيديولوجية.
    يجد الذهن الأمان والقوة في نمط سياسي وديني ما، وهذا بالذات ما يمنح المقاومة للمنظمات. هناك دائماً أولئك المناضلين والمجندين الجدد وهذا ما يبقي المنظمة واستثماراتها وممتلكاتها مستمرة، بالإضافة إلى أن قوة المنظمات ومكانتها تغري أولئك الذين يقدسون النجاح والخبرات الدنيوية. عندما يجد الذهن أن النمط القديم لم يعد كافياً وفاقداً للحياة فإنه يتحول إلى معتقدات أخرى أكثر أريحية وقوة. لذا فإن الذهن هو نتاج بيئة تعيد إنتاج وتعزيز ذاتها بالحسية والمطابقة؛ ولهذا يتعلق الذهن برموز لأنماط سلوكية للفكر. طالما بقي الذهن حصيلة للماضي لن يكتشف الحقيقة أبداً أو لن يسمح للحقيقة بالوجود. التعلق بالمنظمات يقصي أي بحث عن الحقيقة.
    من البديهي أن الطقوس تؤمن للمشاركين جواً يمنحهم شعوراً جيداً. الطقوس الفردية والجماعية تمنح الذهن سكوناً معيناً؛ تعطي تبايناً حيوياً للحياة اليومية، للرتابة. هناك شيء من الجمال والانتظام في الشعائر ولكنها بالدرجة الأساسية محفزات؛ وكما كل المحفزات فإنها عاجلاً أم آجلاً تبلِّد الذهن والقلب. تصبح الطقوس عادات؛ تصبح ضرورة ولا يعود باستطاعة المرء أن يفعل بدونها. هذه الضرورة تعتبر تجديداً روحياً، تجميعاً للقوة لمواجهة الحياة، تأمل يومي أو أسبوعي... إلخ؛ ولكن إذا تعمق المرء في هذه العملية فإنه سيرى إن الطقوس هي لغو تكراري يمنح مهرباً محترماً ورائعاً من معرفة النفس. بدون معرفة النفس يكون للفعل مغزى ضئيل جداً.
    إن تكرار الترانيم، الكلمات والجمل ينوّم الذهن بحيث يكون متحفزاً كفاية للوقت الحالي. في هذه الحالة تحدث الاختبارات إلا أنها إسقاطات ذاتية. ومهما كانت مشبعة فإن هذه التجارب وهم. إن اختبار الواقعي لا يأتي من التكرار ولا من التمرن. ليست الحقيقة غايةً، هدفاً أو نتيجة؛ لا يمكن استحضارها لأنها ليست من أشياء الذهن.
                  

02-18-2015, 07:17 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (4)
    المعرفة
    Com####ries On Living
    تعليقاتٌ على العيش
    السلسلة الأولى
    Knowledge
    كنا بانتظار القطار المتأخر عن موعده، الرصيفُ قذرٌ والضجيج يملأ المكان والهواء شديد الحموضة. كان هناك الكثير من الناس الذين ينتظرون القطار أيضاً. بكاءُ أطفالٍ، أمّ ترضع مولودها، الباعة المتجولون ينادون على بضاعتهم، أمكنةٌ لبيع الشاي والقهوة، كان المكانُ بالمجمل كثير الضجيج والازدحام. كنا نطرق الرصيف جيئة وذهاباً، نراقب خطواتنا وحركة الحياة من حولنا. شخص ما قَدِم إلينا وبدأ الكلام بإنكليزية مكسرة. قال إنه كان يراقبنا، وحسَّ أنه مدفوع ليقول شيئاً لنا. قال بإحساس كبير إنه سيعيش بطريقة صحية، وإنه من هذه اللحظة سوف يتوقف عن التدخين. قال إنه لم يكن متعلماً، كان سائق ريكاشة[1]. كان لديه عيون قوية وابتسامة مريحة.
    كنا في العربة، أحد الأشخاص عرف عن نفسه، كان علمانياً معروفاً؛ يعرف العديد من اللغات ويقتبس بأريحية منها جميعاً. كان ممتلئاً بالسنين والمعرفة، صاحب إرادة وطموح. تكلم عن التأمل، ولكنه أعطى انطباعاً بأنه لا يتكلم انطلاقاً من تجربته الخاصة. كانت الكتب آلهته. نظرته إلى الحياة كانت تقليدية وانصياعية؛ كان يؤمن بالزواج المبكر والمدبر، يعتقد بقوانين صارمة للحياة. كان واعياً بطبقته الاجتماعية وبالفروقات في القدرات الفكرية للطبقات، شديد الغرور بمعرفته ومكانته.
    تغرب الشمس والقطار يشق طريقه بين القرى الجميلة، المواشي راجعة إلى حظائرها بينما الغبار الذهبي يملأ الأجواء. غيمةٌ سوداء كبيرة تحجب الأفق وصوت الرعد يأتي من بعيد. يا لها من بهجة تلك التي تبعثها الحقول الخضراء وكم كانت جميلة تلك القرية الوادعة في انفراج الجبل المنحني!. حل الظلام، وغزالٌ كبير يقتات في الحقول لم يرفع نظره إلى القطار حين مرّ به.
    المعرفة هي وميض بين عتمتين؛ إلا أنها لا تستطيع أن تتجاوز العتمة؛ المعرفة شيء جوهري للتقنية، كما الفحم بالنسبة للمحرك؛ لكنها لا تستطيع أبداً أن تلامس المجهول. لا يمكن للمعلوم أن يلتقط المجهول بشباكه. ولكي يكونَ المجهول لا بد من تنحية المعرفة؛ ولكن كم هو صعبٌ هذا!...
    يكمن وجودنا في الماضي، فكرنا قائم على الماضي والماضي هو المعلوم، والاستجابة النابعة من الماضي هي المسيطرة على الحاضر، المجهول. المجهول هو ليس المستقبل وإنما الحاضر. ليس المستقبل إلا الماضي شاقّاً طريقة عبر الحاضر الغامض. يُملأُ هذا الفاصل والفجوة بالضياء المتقطع للمعرفة، محاولاً إخفاء فراغ الحاضر؛ إلا أن هذا الفراغ ذاته هو الذي يحمل معجزة الحياة.
    إدمان المعرفة مثله مثل أي إدمانٍ آخر؛ إنه يؤمن مهرباً من ذعر الفراغ، من العزلة والإحباط، الخوف من أن نكون نكرات. إن ضوء المعرفة هو غطاء رقيق يخفي الظلام الذي لا يمكن للذهن الخوض فيه؛ فالذهن خائف من هذا المجهول ولذا فهو يهرب إلى المعرفة، إلى النظريات والآمال والتصورات؛ وهذه المعرفة ذاتها هي عائق أمام فهم المجهول. إن تنحية المعرفة تفرض استدعاء الخوف؛ كما إن إنكار الذهن وهو أداة الإدراك الوحيدة للإنسان يجعل المرء هشاً أمام الأسى والبهجة. لكن إقصاء المعرفة ليس بهذه السهولة. ليس الجهل التحرر من المعرفة بل هو النقص في وعي الذات؛ تكون المعرفة جهلاً عندما لا يوجد فهم لطرق الذات. إن فهم النفس هو الحرية من المعرفة.
    يمكن التحرر من المعرفة فقط عندما تُفهم سيرورة التجميع، الدافع للمراكمة. الرغبة في التخزين هي الرغبة في الأمان، في اليقين. هذه الرغبة في اليقين عبر المطابقة والنقد والتبرير هي علة الخوف الذي يدمر كل سبيل إلى المشاركة.
    عندما توجد المشاركة لن يكون هناك حاجة للمراكمة. المراكمة هي مقاومة ناتجة عن انغلاق الذات والمعرفة تعزز هذه المقاومة. إن تقديس المعرفة هو نوع من عبادة الأصنام وهي بكل حال لن تحل النزاع والبؤس في حياتنا. إن عباءة المعرفة تحجب ولكنها لن تحررنا أبداً من الأسى والحيرة المتعاظمتين أبداً. إن طرق الذهن لا تقود أبداً إلى الحقيقة وسعادتها. أن تعرف يعني أن تنكر المجهول.
                  

02-18-2015, 07:22 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (5)
    العلاقة
    Relationship
    جدو كريشنامورتي، كريشنامورتي
    أليست العلاقة هي الفعل؟. يكون للفعل معنىً في العلاقة فقط؛ وبدون فهم العلاقة فإن الفعل على أي مستوى لن يولد إلا الصراع. إن فهم العلاقة حتماً هو أكثر أهمية من البحث عن أي فعل مُخطّط[1]. إن الإيديولوجيا وهي نموذج للفعل، تعيقُ الفعل. إن الفعل القائم أو المنطلق من إيديولوجيا يعيق فهم العلاقة بين الإنسان والإنسان. ربما تكون الإيديولوجيا يمنيةً أو يساريةً، دينية أو علمانية ولكنها مدمرة للعلاقة بشكل دائم. إن فهم العلاقة هو الفعل الحقيقي. إن الحرب والعداوة، الحيرة والنزاع هي أشياء حتمية بدون فهم العلاقة.
    العلاقة تعني التواصل والمشاركة. لا يمكن أن يوجد تعايش بين أُناسٍ تفرقهم الأفكار. ربما يوحِّد معتقدٌ ما مجموعة من البشر؛ هذه الجماعة ستولِّد نقيضها حتماً وهذا النقيض سيشكل جماعةً أخرى بمعتقد مغاير.
    تُرجِئُ المثاليات العلاقةَ المباشرة مع المشكلة. يكون الفعل فقط عندما توجد علاقة مباشرة مع المشكلة. ولكن لسوء الحظ، يقارب معظمنا المشكلة باستنتاجات وتفسيرات، ما ندعوه بالمثاليات. إنها وسائل لتأجيل الفعل. إن الفكرة هي فكر ملفوظ. لا وجود للفكر بدون الكلمة والرمز والصورة. إن الفكر هو الاستجابة للذاكرة، للخبرة، اللذان ليسا إلا مؤثرات تشرط الإنسان. ليست هذه المؤثرات من الماضي فقط وإنما من الماضي المُقترِن مع الحاضر. لذا فإن الماضي يُرخي ظلاله على الحاضر دائماً. إن الفكرة هي الاستجابة للحاضر من الماضي؛ إن الفكرة محدودة دائماً مهما كانت شاملة، ولذلك تفرق الفكرة الناس بشكل دائم.
    إن العالم قريب دوماً من كارثة ما، ولكنه يبدو الآن أقرب. وعندما نرى هذه الكارثة، يتخذ معظمنا الفكر ملجأً. نعتقد أن هذه الكارثة أو الأزمة يمكن حلها بإيديولوجيا ما. تكون الإيديولوجيا بشكل دائم عائقاً في طريق العلاقة المباشرة وهي بالتالي تمنع الفعل (Action). نريد السلام فقط كفكرة، وليس كأمر واقع. نبتغي السلام على المستوى اللفظي وهو ذاته مستوى التفكير، والذي ندعوه بفخر المستوى الفكري. ولكن، الكلمة "سلام" ليست سلام. يكون السلام في حالة واحدة فقط وذلك عندما تنتهي الحيرة التي تنتجها أنت والآخرون. نحن متعلقون بعالم الأفكار وليس بالسلام. نحن نبحث عن أنماط اجتماعية وسياسية جديدة ولسنا نبحث عن السلام؛ نحن مهتمون بتسوية المؤثرات وليس في تنحية سبب الحرب. هذا البحث لن يجلب إلا أجوبة مشروطة بالماضي. هذا الإشراط هو ما ندعوه بالمعرفة والخبرة؛ ويتم تأويل وتفسير الوقائع الجديدة المتغيرة وفقاً لهذه المعرفة. إذن، يوجد صراع بين ما هو موجود والخبرة التي اُكتسِبَت. الماضي وهو المعرفة لا بد أن يكون في صراع مع الواقعة والتي لا تكون إلا في الحاضر. إذن، هذا لن يحل المشكلة ولكنه سيؤبد الإشراطات التي أنتجت المشكلة.
    نواجه المشكلة بأفكار عنها، باستنتاجات وأجوبة وفقاً لتحيزاتنا. نقحم الإيديولوجيا بين أنفسنا والمشكلة. من الطبيعي عندها أن تكون الإجابة نابعة من الإيديولوجيا التي تقوم بخلق مشكلة جديدة بدون أن تحل ما ابتدأنا به.
    إن العلاقة هي مشكلتنا، وليست الفكرة عن العلاقة وليست في جانب معين فقط وإنما في جوانب وجودنا كلها. هذه هي المشكلة الوحيدة التي تواجهنا. لكي نفهم العلاقة علينا أن نكون متحررين من كل إيديولوجيا، من كل تحيز، وليس فقط من تحيز غير المثقفين وإنما من التحيز المعرفي أيضاً. لا يوجد شيء من قبيل فهم المشكلة من خبرة ماضية. كل مشكلة تكون جديدة. لا يوجد شيء من قبيل مشكلة قديمة. عندما نقارب مشكلة ما والتي تكون جديدة دائماً، بالفكر، وهو حصيلة الماضي بشكل دائم، فإن استجابتنا ستكون من الماضي أيضاً وهو ما يعيق فهم المشكلة.
    البحث عن جواب للمشكلة يزيد من شدتها، فالجواب ليس بعيداً عنها ولكنه في قلب المشكلة. علينا أن ننظر إلى المشكلة بشكل جديد وليس من خلال الماضي. إن الاستجابة غير المناسبة لتحدّ ما هي التي تخلق المشكلة. نتوق لرؤية الجديد ولكننا لا نراه، بحكم أن صورة الماضي تمنع الإدراك الصافي والصحيح له. نستجيب للتحدي انطلاقاً من انتماءاتنا كبوذيين، يمينيين أو يساريين وغير ذلك؛ وهذا ما يخلق الصراع بشكل دائم. إذن، ما هو مهم ليس رؤية الجديد بل التخلص من القديم. فقط عندما تكون الاستجابة ملائمة للتحدي لا يوجد صراع، لا توجد مشكلة. لا بد من رؤية هذا في حياتنا اليومية وليس في قضايا الصحافة. إن العلاقة هي التحدي في حياتنا كل يوم. إذا لم نعرف أنت وأنا والآخر كيف نلتقي ببعضنا، سنخلق الشروط التي تولّد الحروب. إذن، مشكلة العالم هي مشكلتك. أنت لا تختلف عن العالم. إن العالم هو أنت. ما تكونه أنت، يكونه العالم. تستطيع أن تنقذ العالم والذي هو أنت، فقط من خلال فهمك العلاقة في حياتك اليومية وليس من خلال المعتقد أو الدين أو اليسار أو اليمين أو من خلال أي إصلاح مهما كان كبيراً. إن الأمل غير معقود على الخبراء أو الإيديولوجيا أو القادة الجدد؛ إن الأمل يكمن فيك.
    لربما تسأل، كيف باستطاعتك أنت الذي يعيش حياة عادية في دائرة محدودة، أن تؤثر في الأزمة الحالية للعالم. لا أعتقد أنك ستكون قادراً على ذلك. إن الصراع الحالي هو حصيلة الماضي الذي خلقته أنت والآخر. سيزداد بؤسك وتعاستك بشكل أكبر حتى تحوّل أنت والآخر العلاقة الحالية بشكل جذري. هذا ليس تبسيطاً مبالغاً به. إذا تعمقت بالأمر وفهمته بشكل كامل سترى كيف أن علاقتك مع الآخر عندما نبحث، تُحدِث الصراع والعداوة في العالم.
    إن العالم هو أنت. لن تحدث ثورة جذرية في العالم بدون أن يتحول الفرد، الذي هو أنت. إن الثورة على الصعيد الاجتماعي بدون تحوّل الفرد لن تقود إلا إلى المزيد من الصراع والكوارث... لأن المجتمع هو العلاقة بينك أنت وأنا والآخر، وبدون ثورة جذرية في هذه العلاقة، كل الجهود لإحلال السلام لن تكون إلا إصلاحاً، ومهما كان ثورياً، فهو ليس إلا تقهقراً.
    إن العلاقة القائمة على الحاجة المتبادلة لا تجلب إلا الصراع فقط. مهما كنا نعتمد على بعضنا البعض فإننا نستغل بعضنا بعضاً لهدف ما ولغاية. لا توجد العلاقة مع غاية منتظرة. ربما تستغلني وربما أستغلك، في هذا الاستغلال، نفقد الاتصال. إن المجتمع القائم على الاستغلال المتبادل هو أساس العنف. عندما نستغل الآخر، لا يكون لدينا إلا الغاية النهائية التي نريد الحصول عليه. المنالُ والغاية يمنعان العلاقة والمشاركة. يوجد الخوف دائماً في استغلال الآخر، مهما كان هذا الاستغلال مريحاً ومرضياً. لكي نتجنب هذا الخوف علينا أن نمتلك. ومن هذه الملكية ينبع الحسد والشك والصراع الدائم. مثل هذه العلاقة لا يمكن أن تجلب السعادة أبداً.
    إن المجتمع الذي تقوم بنيته على الحاجة المجردة، سواء كانت نفسية أو جسدية، لا بد أن يولد الصراع والحيرة والبؤس. إن المجتمع هو نفسك المسقطة من خلال العلاقة مع الآخر، التي تهيمن عليها الحاجة والاستغلال. عندما تستغل الآخر لأجل حاجتك، النفسية أو الجسدية - في الواقع لا توجد علاقة معه على الإطلاق - فأنت لست على تواصل معه في الحقيقة، لا مشاركة. كيف يمكن أن تشارك الآخر عندما يكون هذا الآخر مُستخدَماً كقطعة الأثاث، لأجل راحتك ومتعتك؟ إذن، من الجوهري أن تفهم مدلول العلاقة في الحياة اليومية.
    نحن لا نفهم العلاقة؛ إن السيرورة الكلية لوجودنا وفكرنا ونشاطاتنا تسبب العزلة – التي تمنع العلاقة. إن الطَمُوحَ، الماكرَ، المؤمن لا يمكن له أن يكون على علاقة مع الآخر. يستطيع فقط أن يستغل الآخر الأمر الذي يسبب الحيرة والعداوة. توجد الحيرة والعداوة في التركيبة الاجتماعية الحالية؛ وسيكونان موجودان في أي إصلاح اجتماعي طالما لا توجد ثورة جذرية في مواقفنا تجاه الناس الآخرين. ما دمنا نستغل الآخر كوسيلة للوصول إلى غاية ما، ومهما كانت نبيلة هذه الغاية فإن العنف والفوضى سيكونان أمران حتميان.
    إذا قمنا أنت وأنا بثورة جذرية في أنفسنا، غير قائمة على الحاجات المتبادلة – نفسية أو جسدية – حينها، ألن تخضع علاقتنا بالآخر لتبدّل جذري؟. إن الصعوبة التي تواجهنا هي أننا نمتلك صورة لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المنظم الجديد، وفي محاولتنا أن نلائم أنفسنا في هذا النموذج. إن النموذج[2] بكل وضوح هو شيءٌ مُتخيَّل. إن الحقيقي هو ما نحن عليه في الواقع، في فهم ما أنت عليه، والذي يُرى بوضوح في مرآة العلاقة اليومية؛ إن اتباع النموذج لا يجلب إلا المزيد من الصراع والحيرة.
    إن التعاسة والفوضى الاجتماعية الحالية لا بد أن تجد طريقها للحل. ولكن، أنا وأنت والآخر نستطيع ويجب علينا أن نرى حقيقة العلاقة ومن ثم أن نبدأ فعلاً جديداً لا يقوم على الحاجة والرضى المتبادلين. إن الإصلاح المجرد للتركيبة الاجتماعية الحالية بدون تحويل علاقتنا بشكل جذري هو تقهقر. إن الثورة التي تبتغي استغلال الإنسان في سبيل غايةٍ ما مهما كانت واعدة، لن تنتج إلا المزيد من الحروب والأسى المخبوء. إن الغاية بشكل دائم هي الاسقاط لإشراطنا نحن. ومهما كانت هذه الغاية واعدة وطوباوية (مثالية)، فإنها لن تكن إلا وسيلة إلى المزيد من الألم والحيرة. إن ما هو مهم في كل هذا ليس الأنماط والنماذج الجديدة، التغييرات السطحية الجديدة، وإنما فهم السيرورة الكلية للإنسان، والتي هي أنت.
    سوف تكتشف في سيرورة فهم نفسك، ليس في الانعزال وإنما في العلاقة، أن هناك تحولاً عميقاً ودائماً، بحيث ينتهي استغلالك الآخر كوسيلة لرضاك النفسي. ما هو مهم ليس كيف تتصرف، أو أي نموذج تتبع أو أية إيديولوجيا هي الأفضل، ولكن فهم علاقتك مع الآخر. إن هذا الفهم هو الثورة الوحيدة، وليست الثورة القائمة على الفكرة. أي ثورة تقوم على إيديولوجيا ما، تبقي الإنسان كوسيلة فقط.
    بما أن الداخلي يغلب الخارجي دائماً، فإنك بدون أن تفهم السيرورة النفسية الكلية، أي أنت، لن يوجد لديك أساس للتفكير. لن تقود أيةُ فكرة والتي تنتج نمطاً للفعل، إلا إلى المزيد من الجهل والحيرة.
    يوجد ثورة أساسية واحدة فقط. هذه الثورة ليست تبعاً للفكر، وليست قائمة على أي نمطٍ للفعل. تأتي هذه الثورة إلى الوجود عندما تتوقف الحاجة إلى استغلال الآخر. هذا التحول ليس شيئاً تجريدياً، شيئاً يُبتغى، ولكن حقيقة واقعة يمكن اختبارها عندما نبدأ بفهم كيف تسير علاقاتنا. هذه الثورة الجذرية يمكن أن تُدعى الحب؛ إنه العامل الخلاق الوحيد القادر على إحداث التحول في أنفسنا وكذلك في المجتمع.
                  

02-18-2015, 07:25 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (6)
    الفعل
    Action
    كريشنامورتي، تعاليم كريشنامورتي، من هو كريشنامورتي
    لا يمكن للسياسيين أو الاختصاصيين أن يحلوا المشكلات التي تواجه كل فرد منا وكذلك العالم بأكمله. إن هذه المشكلات ليست ناتجة عن مسببات سطحية ولا يمكن أن يُنظر إليها على هذا الشكل. لا يمكن حل أي مشكلة في مستوى معين واحد، وبالأخص المشكلات الإنسانية. إن مشكلاتنا معقدة؛ يمكن أن تُحل هذه المشكلات فقط إذا نظرنا إليها كعملية كلية لاستجابة الإنسان للحياة. ربما يصمم الخبراء برامج عمل مستقبلية ولكن هذه البرامج لن تستطيع أن تحمينا وإنما فهم السيرورة الكلية للإنسان، الذي هو أنت. يستطيع الخبراء أن يتعاملوا مع المشكلات على مستوى واحد فقط وهم بالتالي يزيدون نزاعاتنا وحيرتنا.
    إنه لأمر كارثي التعامل مع المشكلة الإنسانية في مستوى واحد معين والسماح للاختصاصيين أن يهيمنوا على حياتنا. إن حياتنا سيرورة [عملية] معقدة تتطلب فهماً عميقاً لأنفسنا كفكر وشعور. ليس بالإمكان فهمُ أي مشكلة مهما كانت سطحية أو معقدة ما لم نفهم أنفسنا بالدرجة الأولى. لا بد لعلاقاتنا من أن تقود إلى النزاع والحيرة. لا يمكن أن يوجد نظام اجتماعي جديد بدون فهم أنفسنا. إن الثورة بدون معرفة النفس ليست إلا استمراراً مُعدَّلاً [مُكيَّفاً] للحالة الراهنة.
    إن معرفة النفس لا يمكن تحصيلها من كتاب وكذلك ليست نتيجة لانضباطٍ وتمرينٍ مؤلمين، على مدىً طويل؛ إنها الوعي [Awareness]، لحظة بلحظة بكل فكرة وشعور كما يظهران في العلاقة. ليست العلاقة على مستوى العقيدة الفكرية المجردة وإنما العلاقة الواقعية الحقيقية، مع الممتلكات والناس والأفكار. إن الوجود مُتضمَّنٌ في العلاقة؛ أن تكون موجوداً يعني أن تكون مُتعالِقاً[1]، لأنه لا يمكن لأي شيء أن يحيا في عزلة. إن نزاعاتنا، في كل مستويات وجودنا تكمن في العلاقة؛ وإن فهم هذه العلاقة بشكل كامل وعلى نحو أوسع هو المشكلة الحقيقية الوحيدة التي تواجه كلاً منا. لا يمكن تأجيل هذه المشكلة أو التملصُ منها. إن تجنبها لا يجلب إلا المزيد من البؤسِ والصراع، والهروب منها لا يُحدِث إلا الطيش الذي يستغله الخادعون وذوو الطموح.
    آنذاك لا يكون الدين إيماناً ولا عقيدة[2] وإنما فهم الحقيقة التي يجب اكتشافها في العلاقة لحظة بلحظة. الدين الذي يكون إيماناً [Belief] وعقيدة [Dogma] ما هو إلا هروب من حقيقة العلاقة. إن الإنسان الذي يبحث عن الله - أو ما تحب أن تدعوه - عبر الإيمان الذي يسميه ديناً، لا يمكنه إلا أن يخلق التناقض، وأن يجلب الانفصال الذي ليس إلا التفتت والتفسخ. أي شكل من أشكال الإيديولوجيا سواء أكانت يمينية أو يسارية، تابعة لهذا الدين أو ذاك، فإنه يُنصِّب الإنسان في مواجهة الإنسان وهو ما يحدث الآن في العالم.
    لا يكون حل مشكلاتنا باستبدال إيديولوجيا بأخرى. ليست المشكلة في أي الإيديولوجيات أفضل ولكن في فهم أنفسنا كعملية كلية. لعلكم تقولون إن فهم أنفسنا قد لا ينتهي أبداً في حين أن العالم اليوم يتجه إلى الدمار. تعتقدون أنكم إذا قمتم بفعل مصمم بالاستناد على إيديولوجيا معينة فإن من الممكن حينها أن يحدث تحول في العالم. إذا نظرنا بعمق أكثر إلى هذا الموضوع سوف نجد أن الأفكار لا تجمع الناس على الإطلاق. ربما تساعد فكرة ما في تشكيل جماعة ولكن هذه الجماعة سوف تكون ضد جماعة أخرى تعتنق فكرة أخرى وهكذا حتى تصبح الأفكار أكثر أهمية من الفعل ذاته. إن الإيديولوجيات والعقائد والأديان المنظمة تفرق الناس.
    لا يمكن لفكرة أن توحد البشرية مهما كانت نبيلة وشاملة، لأن الفكرة ليست إلا استجابة مشروطة؛ ولا بد لهذه الاستجابة أن تكون غير كافية في مواجهة تحدي الحياة، ولا بد أن تجلب الصراع والحيرة. لا يمكن للدين القائم على الأفكار أن يجمع الناس. إن الدين كسلطة يستطيع أن يوحد مجموعة من الناس ولكنه سيولد العداوة والصراع بشكل حتمي. إن تجربة الآخر ليست الحقيقة، مهما كانت هذه التجربة (الخبرة) عظيمة. لا يمكن للحقيقة أبداً أن تكون نتاج السلطة القائمة على الإسقاط الذاتي. إن خبرة المعلم والمرشد والقديس والمخلص ليست الحقيقة التي عليك اكتشافها. إن حقيقة الآخر ليست الحقيقة. لربما تردد تعابير لفظية من الحقيقة للآخر ولكن هذا سيصبح كذباً في عملية التكرار.
    إن تجربة الآخر غير صالحة في فهم الحياة والواقع، إلا أن الأديان المنظمة في العالم قائمة على تجربة الآخر وهي بالتالي لا تحرر الإنسان وإنما تقيده بنموذج معين وهذا النموذج ينصِّب الإنسان ضد الإنسان. على كل واحد منا أن يبدأ جديداً، حيوياً لأن ما نحن عليه هو العالم. ليس العالم مختلفاً عني وعنك. هذا العالم الصغير من مشكلاتنا، يتوسع ويصبح العالم، ومشكلات العالم.
    نحن قانطون من فهمنا فيما يتعلق بمشكلات العالم الكبيرة. لا نرى أن المشكلة ليست مشكلة فعل جماهيري وإنما في صحوة الفرد ووعيه بالعالم الذي يعيش فيه وقدرته على حل مشكلات عالمه هذا مهما كان محدوداً. الجماهير تجريد يستغله رجل السياسة، من يملك إيديولوجيا. الجماهير في الواقع هي أنا وأنت والآخر. وعندما نُنوّم - أنت وأنا والآخر - مغناطيسياً بالكلمة، حينها نصبح الجماهير، التي ما تزال تجريداً لأن الكلمة تجريد. إن الفعل الجماهيري وهم. هذا الفعل حقيقةً ليس إلا فكرةً عن فعل قلّة من الناس الذين نتقبّلهم جراء حيرتنا ويأسنا. نختار قادتنا انطلاقاً من حيرتنا وقنوطنا، سواءٌ كانوا سياسيين أو دينيين؛ ولا بد أن يكون هؤلاء القادة في حيرة ويأس بالمقابل، لأنهم خيارنا. ربما ينشرون جواً من اليقين والمعرفة ولكن بما أنهم في الواقع مرشدي الحيارى لا بد أن يكونوا أيضاً في حيرة مساوية وإلا لن يكونوا "المرشدين". أن تتبع نمطاً أو إيديولوجيا في عالم يكون فيه القائد (المرشد) والمُقاد مشوشان، بمعرفة أو بعدمها، يعني أن تخلق المزيد والمزيد من الصراع والتعاسة.
    إذن، الفرد هو المهم، وليست فكرته أو أولئك الذين يتبع أو بلده أو معتقده. أنت مهم، ليس تبعاً للأمة التي تنتمي إليها أو العقيدة التي تعتنق أو تبعاً للون أو المذهب. إن الإيديولوجيا ليست إلا الإسقاط لإشراطاتنا. هذه الإشراطات قد تكون نافعة كمعرفة في مستوى معين؛ ولكن في مستوى مختلف، في مستوى أعمق للوجود، تصبح مؤذية ومدمرة إلى درجة كبيرة. وبما أنها إسقاطاتك – الدينية والإيديولوجية والقومية – فإن كل فعل يقوم عليها لا بد أن يكون عبثياً مثل الكلب الذي يطارد ذيله. وللأن كلَّ المثاليات من خلق الإنسان، نتاج إسقاطاتك أنت، فهي لا تكشف الحقيقة.
    بإمكاننا تحرير أنفسنا والنظر إلى المشكلات بشكل جديد فقط عندما يدرك كل منا البنية الحالية للوجود، هذه البنية القائمة على المثاليات والاستنتاجات ذاتية الإسقاط. لا يمكن أن تُحّل الأزمات والكوارث الوشيكة بمجموعة أخرى من الإيديولوجيات ذاتية الإسقاط ولكن فقط حين تدرك – أنت كفرد – حقيقة الأمر وتبدأ بفهم السيرورة الكليّة لأفكارك ومشاعرك. يكون الفرد مهماً فقط في هذا المنظور وليس في الاستجابة المعزولة، المتحجرة للمشكلة.
    بالنهاية إن المشكلة الأساسية في العالم هي الاستجابة غير الكافية للجديد، للتحدي المتغير للحياة. يخلقُ عدم الكفاية الصراعَ الذي يُحدث المشكلة. علينا أن نواجه العديد من المشكلات حتى نستجيب بشكل مناسب. إن الكفاية أو الملاءمة لا تتطلب إشراطاً جديداً وإنما الحرية من كل إشراط. لن يكون بمقدورك أن تستجيب بشكل ملائم للمشكلات - التي هي من خلقك أنت ومن خلق العالم أيضاً - طالما أنت بوذي أو مسيحي أو مسلم أو هندوسي أو تنتمي إلى اليمين أو اليسار. لن تجلب تقوية الإشراط، دينياً أو اجتماعياً، السلام لك وللعالم.
    إن العالم هو مشكلتك ولكي تفهمه عليك أن تفهم نفسك. إن فهمك لنفسك ليس مسألة زمنية. أنت موجود في العلاقة فقط وخلافاً لذلك فأنت لست موجود. إن علاقتك هي المشكلة – علاقتك بالمُكلية والناس والأفكار والمعتقدات. إن العلاقة الآن هي خلاف وصراع؛ افعل ما شئت، نوّم نفسك إيديولوجياً أو دوغمائياً فإنك لن تصل إلى السلام والراحة أبداً طالما بقيت غير فاهمٍ علاقتك ذاتها. إن هذا الفهم لنفسك هو الفعل في العلاقة. تكتشف نفسك كما أنت، مباشرة في العلاقة. إن العلاقة هي المرآة التي تستطيع أن ترى بها نفسك كما هي عليه. لن تستطيع رؤية نفسك كما هي عليه في هذه المرآة إذا قاربتها أو حاولت فهمها بخلاصة أو شرح ما، أو من خلال النقد أو التبرير.
    إن هذا الإدراك بحد ذاته لما أنت عليه، وكما أنت عليه أثناء لحظة الفعل في العلاقة هو الذي يحررك من الـ ما هو موجود (The “What is”). يكون الاكتشاف في الحرية فقط. لا يستطيع العقل المشروط اكتشافَ الحقيقة. ليست الحرية تجريداً، إنها تأتي إلى الوجود مع الفضيلة. لأن جوهر الفضيلة ذاته هو التحرر مما يسبب الحيرة والضياع. أخيراً، اللافضيلة هي الفوضى والصراع. لكن، الفضيلة هي الحرية، هي نقاء الإدراك الذي يخلقه هذا الفهم. ليس بإمكانك أن تصير فضيلاً. إن التصيّر (The Becoming) هو وهم الطمع أو الاستحواذ. الفضيلة هي الإدراك الفوري لــــِ ما هو موجود. إذن، معرفة النفس هي بداية الحكمة؛ والحكمة هي التي ستحل مشكلاتك وكذلك مشكلات العالم.
                  

02-18-2015, 01:43 PM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    (7)
    نورٌ بلا بداية ولا نهاية
    حوار* مع جدو كريشنامورتي
    جدو كريشنامورتي، إيمار سلوم
    سؤال: كريشنامورتي، هل تستطيع أن تقول لنا ما هو موقعك بالنسبة إلى العقائد الهندوسية؟
    كريشنامورتي: أنا لا أمثل الهند، الهند النقلية، هند التصوف، الهند السرَّانية، إلخ. ما أقوله مختلف كلَّ الاختلاف. لقد غادرتُ الهند وأنا في ريعان الشباب، وأنا أسافر كثيرًا في أنحاء العالم كافة. إذن، فأنا لا أمثل الهند ولا من وجه.
    سؤال: ومع ذلك فإن كلَّ أحد في الهند يعتبر أنك تمثل العقيدة النقلية في أرقى صورها.
    كريشنامورتي: المنقول غير موجود في نظري. فالدين الهندوسي، مثله كمثل الأديان الغربية، يقوم على المرجعية: مرجعية منقول أو سلطة كاهن... المنقول والمرجعية مؤذيان في نظري؛ فهما لا يمتَّان إلى الإنسان بصلة.
    سؤال: فما الإنسان، إذن؟
    كريشنامورتي: يلوح لي أن الإنسان أهم بكثير من العقيدة أو المنقول أو السلطة. الإنسان في كلِّ مكان يتألم، يعاني الجزع والخوف. لذا يجب، على ما يبدو لي، أن يفهم وجوده نفسه؛ ولكن ليس بواسطة المرجعية، المنقول، إلخ. هل يستطيع أن يتحرر من ذلك كلِّه؟ التحرر من هذا الإشراط أمر في غاية الأهمية في نظري.
    سؤال: أهو، إذن، طريق شخصي تمامًا؟
    كريشنامورتي: لا، ليس شخصيًّا. فهذا يخص العالم، هذا يخص الإنسانية، هذا يخص الإنسان. أعتقد أن هناك فارقًا بين الفرد والبشرية: البشرية أوسع بكثير من الفرد.
    سؤال: لكن يبدو أنه، على الرغم من فتوحات المعرفة النفسانية والتحليل النفسي، التي زوَّدتْ الإنسان بقدرة أفضل على استيعاء بشريَّته، فإن المشكلة مازالت على حالها – وأعني مشكلة الشك بالنسبة إلى قَدَره، الألم، الإنكار، الموت، الذي مازال يؤرق الإنسان، وإنْ كان يعرف نفسه معرفة أفضل.
    كريشنامورتي: توجد في العالم مشكلتان: العنف والألم. لقد قبلنا بحياة ملؤها العنف والألم بوصفها طبيعية. فهل يمكن لنا التحرر من هذا العنف وهذا الألم؟ تلكم هي المسألة الجوهرية بنظري.
    لقد حاول القوم التحرر من العنف بالأفكار، بمثالية اللاعنف، إلخ، دونما نجاح. ينبغي، إذن، مقاربة المشكلة مقاربةً مختلفة تمامًا. إيديولوجيا الأحزاب السياسية والأديان أشرطت الإنسان؛ ونتيجة إشراطه لم يستطع أن يفلت، وهو مازال يعيش في هذا العنف وهذا الألم. وبذلك يسود نزاعٌ في النفس ونزاعٌ بين الإنسان والمجتمع. وهذا النزاع، هذا التناقض، يستجلب الشقاء.
    سؤال: إذا صحَّ فهمي لك، فقصارى القول إن الإنسان اتَّكل على الأديان أو على الإيديولوجيات لكي تقود حياته، مصيره؛ لكن هذا لم يجعله، على ما يبدو، أسعد أو أكثر طمأنينة. ففي أيِّ اتجاه يجب عليه أن يبحث؟
    كريشنامورتي: عليه، أولاً، أن يفهم كيف يرى ما هو إياه – ذلك أننا نرى عبر الصور، عبر الأفكار. الأفكار والصور هي إشراطنا. أي أننا نرى عبر هذا الإشراط الذي يحول بيننا والخروج من مشكلاتنا. هل في وسع المرء رؤية زهرة ما، زوجته، أو زوجها، إلخ، من غير هذه الصورة، من دون هذه الأفكار المسبقة الصنع، هذه الأفكار من الماضي؟ إذا استطاع المرء أن يرى من غير واسطةِ الأفكار فإنه يكون على علاقة مباشرة مع نفسه، مع المجتمع، مع أيِّ شيء. ولهذه العلاقة المباشرة أهمية كبرى لأننا لسنا على علاقة مباشرة مع أيِّ أحد، ولا مع أيِّ شيء.
    سؤال: تعني أننا أصلاً ممتلئون صورًا وتمثلات ومعتقدات، يعطينا إياها المجتمع والأديان والآخرون، وأننا ينبغي، باختصار، أن نتحلَّى بحدس مباشر، يكاد أن يكون مثل حدس طفل وليد؟
    كريشنامورتي: هو ذاك. لا أظننا قد تركنا المنقولات والأديان والمرجعيات. فلو تخلَّينا عنها حقًّا لكنَّا، حينذاك، وحدنا في عمق.
    سؤال: والجميع يخاف هذه الوحدة؟
    كريشنامورتي: تمامًا. الإنسان يخاف هذه الوحدة، وبالتالي، يقبل المرجعية.
    سؤال: أيخشى الإنسان رؤية نفسه وجهًا وجه؟
    كريشنامورتي: تمامًا. فإذا كان يستطيع أن يرى من غير شاشة، إذ ذاك يكون على تماس مباشر، ويزول هذا الفصل بين الراصد وبين الشيء المرصود. فهذا الفصل هو الذي يوجِد النزاع.
    سؤال: أي أن يختبر حدسًا مباشرًا للعالَم، للكائنات، للذَّات. ولكن كيف يمكن للمرء في الوقت الحالي، في المدنية الحديثة – حيث الصور والكلمات والشعارات وسائر الرسائل التي تتقاطع فوقه والتي يصنعها تستبيحه هو حصرًا – كيف يمكن له أن يفلح، الآن أكثر من أيِّ يوم مضى، في إيجاد نفسه؟
    كريشنامورتي: نعم، أعرف. لكن الإنسان هو نتاج المجتمع الذي أوجده بنفسه؛ وفي الواقع ليس ثمة فصل بين المجتمع والإنسان. المجتمع يصنعه الإنسانُ، والإنسانُ واقع في هذا الفخ. لكن عليه أن يتحرر. من هنا، إذا ضرب المرءُ صفحًا عن ذلك كلِّه، يبدأ في النظر إلى الحياة نظرة مختلفة كلَّ الاختلاف.
    سؤال: أحسب أنه عمل طويل؟
    كريشنامورتي: لا بدَّ من العمل. فالعمل على هذا النحو أهم بكثير من العمل في مكتب...
    سؤال: قطعًا، لكن اليومي يقف لنا بالمرصاد، فيرغمنا على العيش...
    كريشنامورتي: لا بدَّ من العيش، لكن التحرر أهم بما لا يقاس.
    سؤال: هل يمكن لكلِّ فرد أن يجد هذه القوة؟
    كريشنامورتي: أجل، إذا اهتمَّ للمسألة. لكن البشر عمومًا يريدون أن يتسلوا؛ إنهم ليسوا جِدِّيين.
    سؤال: إنهم يطلبون اللذة، إشباع الرغبات...
    كريشنامورتي: أجل، تمامًا. إنهم، إذن، ليسوا جِدِّيين. فلوا كانوا جِدِّيين لما وُجِدَ هذا الفصلُ بين الجنسيات، بين العروق، إلخ، ولكانت هذه الأوهام كلُّها اختفت. لكن اللهو، في نظر إنسان عصرنا، أهم بكثير من الجِدِّية.
    سؤال: لكن الإنسان في أيامنا هذه يواجه صعوبة أكبر، صعوبة أكبر من أيِّ يوم مضى، لأنه يعيش في مجتمع استهلاكي، مجتمع أوقات الفراغ – باختصار، كلُّ شيء يغريه...
    كريشنامورتي: أعرف، أعرف.
    سؤال: فكيف لك أن تعرِّف بهذه الحالة التي هي مبدأ التجدد؟
    كريشنامورتي: لا بدَّ من الموت كلَّ يوم للولادة من جديد.
    سؤال: لكنْ ليس كلُّ كائن بقادر على هذا العمل على ذاته، وهناك خطر جديد سوف يلوح له: خطر أن يصادف على طريقه رسائل مضلِّلة، معلِّمين كاذبين...
    كريشنامورتي: أجل، قطعًا. من هنا يجب أن يتربَّى المرءُ تربيةً مختلفة تمامًا. عليه أن يشعل ثورة أخلاقية في وعيه، وليس ثورة اجتماعية، اقتصادية – فقد جُرِّبَتْ هذه ولم تُفْضِ إلى شيء.
    سؤال: قصارى القول، إذن، إن على الإنسان أن يهتدي حتى يهتدي المجتمعُ الحالي.
    كريشنامورتي: أجل، أجل...
    سؤال: ليس الأمر تغييرًا في هيكليات المجتمع، بل تغيير أخفى؟
    كريشنامورتي: تغيير أعمق بكثير.
    سؤال: فماذا سيكون حينئذٍ سلوك هذا الإنسان، لكي يتحرر أولاً، ثم بعد أن يتحرر، حيال كلِّ ما يحيط به؟ كيف يمكن له أن يفلح في حياة كلِّ يوم؟
    كريشنامورتي: عليه، أولاً، أن يستوعي نفسه. والقيام بهذا شديد الصعوبة، لأنه واعٍ وعيًا سطحيًّا بعدد هائل من الأشياء. الوعي العميق يتطلب انتباهًا، حضورًا قويًّا، وجِدِّية. ثم يجب عليه أن يتعلَّم النظر إلى ما هو إياه – وهذا يتطلب انتباهًا، يتطلب انضباطًا.
    سؤال: أعتقد أنه في هذا الاستيعاء يجب أن يتخلص من انفعاليَّته، من كلِّ ما يؤثر فيه، وينظر إلى الأشياء والكائنات من حوله.
    كريشنامورتي: هو ذاك. أما ما سيفعله حين يصير حرًّا، فتلك مسألة أظنها نوعًا ما من غير جدوى.
    سؤال: عدا عن ذلك، فأنا أظن أن هذا التحرر عتيد دومًا أن يتم؛ لن تكون له نهاية أبدًا، على ما أظن...
    كريشنامورتي: تأتي لحظة ينتهي فيها هذا كلُّه.
    سؤال: إذا صحَّ فهمي لك، ليس هناك طريق معيَّن، ليست هناك وصفة، ليست هناك منظومة؟
    كريشنامورتي: لا منظومة ثمة، لا وصفة ثمة، لا طريق ثمة. الأمر أشبه بنور لا بداية له ولا نهاية؛ إنه ما يزال النور أبدًا.



    الحوار منقول م
    ن موقع معابر.
                  

02-28-2015, 05:41 AM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما دخل الغرفة شعرتُ بأن سيِّد الحبِّ قد حَضَر.. (Re: Mohamed Adam)

    الزمن – الألم – الموت
    جدّو كريشنامورتي
    يغريني ترديد حكاية تلميذ كبير ذهب إلى الله طالبًا منه أن يعلمه الحقيقة. قال الإله "الفقير": "صديقي، اليوم حار جدًا، أرجوك، اذهب وأحضر لي كوب ماء". خرج التلميذ وطرق باب أول بيت عثر عليه في طريقه، فالتقى هناك فتاة جميلة فتحت له الباب. أُغرِمَ بها التلميذ، فتزوج الاثنان وأنجبا عدة أبناء. وذات يوم بدأ هطول الأمطار، وأمطر الجو من دون توقف، ففاضت الأنهار، وغُمِرَت الطرقات، وجُرِفَت البيوت بالمياه. تمسك التلميذ بامرأته، ووضع أبناءه على كتفيه، وعندما وجد نفسَه مجروفًا بالسيل، صاح: "يا سيد، أتوسل إليك، خلصني!" أجاب السيد: "ماذا عن كوب الماء الذي طلبتُه منك؟".
    إنها حكاية تعليمية للغاية، لأننا نفكر عمومًا بمصطلحات الزمن. فالإنسان يعيش بالزمن. صار استنباط المستقبل لعبته المفضَّلَة.
    إننا نفكر بأن التغييرات في أنفسنا من الممكن تحقيقها فقط في الزمن، وبأنه يمكن ترسيخ النظام في أنفسنا فقط شيئًا فشيئًا، ويزداد يومًا فيومًا. ولكن الزمن لا يجلب النظام، ولا السلام. وبالتالي، علينا التخلِّي عن التفكير بمصطلحات التدرُّجِية. وهذا يعني أنه لا يوجد غد سوف نعيش فيه بسلام، فكل ما علينا فعله هو بلوغ النظام حالاً.
    عندما يمثل خطر حقيقي، يزول الزمن، أليس ذلك حقيقة؟ فالفعل فوري. ولكننا لا ندرك الخطر الموجود في الكثير من مشاكلنا، وبالتالي، نبتدع الزمن كواسطة للتغلب عليها. الزمن مخادع لأنه لا يفعل شيئًا حِيالَ مساعدتِنا في إثارة تغيير داخلَ أنفسنا، فالزمن عبارة عن حركةٍ جزَّأها الإنسان إلى ماضٍ، وحاضر، ومستقبل. وطالما أن الإنسان يقوم بهذه التجزئة، فسوف يظل يعيش في صراع.
    هل يتعلق التعلم بالزمن؟ لم نتعلم حتى بعد آلافٍ من السنين، أنه توجد طريقة لحياة أفضل من أن تقوم على الكراهية وقتلنا بعضَنا بعضًا. فمن الأهمية بمكان أن نفهم مسألة الزمن، هذا إذا رغبنا حلاً لهذه الحياة التي ساهم كل واحد منا في جعلها بربرية ومن دون معنى على ما هي عليه.
    إذًا أول شيء يجب فهمه هو أن نأخذ بعين الاعتبار قدرتنا على النظر إلى الزمن فقط بتلك الحيوية، وتلك البراءة للعقل. فنحن نرى أنفسنا مشوشين فيما يتعلق الأمر بمشاكلنا المتعددة، وتائهين وسط هذه الفوضى. والحال هذه، عندما يضيع شخص ما في غابة، فما هو أول شيء يفعله؟ إنه يتوقف وينظر حوالَيه. ولكننا بقدر ما نرى أنفسنا مشوشين وتائهين أكثر في الحياة، فإننا نركض أكثر في كل الاتجاهات، ونحن نبحث، ونتساءل، ونتضرَّع. وأول شيء يجب فعله هذا إذا ما سمحتم لي باقتراحه هو ألا تفعلوا شيئًا، وعندما تتوقفون، داخليًا ونفسيًا يصبح عقلكم ساكنًا وصافيًا. حينئذ بوسعكم أن تنعتقوا من مسألة الزمن.
    توجد المشاكل فقط في الزمن، نعم، فهكذا هو الأمر حين نجد أنفسنا مع حدث على نحوٍ غير مكتمل، فهذا اللقاء غير المكتمل مع الحدث هو الذي يخلق المشكلة. وعندما نواجه تحديًا على نحوٍ جزئي، أو أننا نحاول الهروب منه. نعم، هكذا هو الأمر فإننا عندما نواجهه بانتباه غير كامل – فنحن نخلق مشكلة. وتظل المشكلة قائمةً طالما أننا نستمر بتوجيه انتباه غير كامل إليها، وطالما أننا ما زلنا نأمَل أن نجد حلاً لها ذات يوم.
    هل تعلمون ما هو الزمن- ليس الزمن المُقاس بالساعة، الزمن التسلسلي، وإنما الزمن النفسي؟ إنه الفاصل بين الفكرة والفعل. فالفكرة التي تهدف بشكل طبيعي إلى الإدراك الذاتي: هي فكرة الشعور بالأمان. الفعل فوري دائمًا، وهو ليس مِنَ الماضي ولا هو مِنَ المستقبل، فالتحرك يجب أن يكون دائمًا في الحاضر. ولكن الفعل خطير جدًا، غير مؤكَّد بشكلٍ كبير، لدرجة أننا نفضِّل تكييف أنفسنا مع فكرة تتيح لنا شعورًا ما بالأمان.
    انظروا إلى ذلك بأنفسكم. لديكم فكرة عما هو صحيح أو خاطئ، أو مفهوم إيديولوجي نسبي بالنسبة لكم وبالنسبة للمجتمع، وأنتم تتصرفون وفقًا لهذه الفكرة. وبالتالي، يتكيف الفعل مع تلك الفكرة، ويتقارب معها، ولهذا السبب هناك ثمة صراع دائمًا. توجد الفكرة، والفاصل، والفعل. وفي هذا الفاصِل يتم العثور على حقل الزمن كله. وهذا الفاصِل هو عبارة عن فكرٍ بشكلٍ جوهري. وعندما تفكرون أنكم غدًا ستكونون سعداء، فلديكم آنئذ صورة عن أنفسكم لكي تبلغوا نتيجة ما ضمنَ الزمن. يقول الفكر من خلال الملاحظة، والرغبة، واستمرارية هذه الرغبة: "غدًا سوف أكون سعيدًا، غدًا سوف أكون ناجحًا، غدًا سوف يكون العالَم مكانًا جميلاً". وبهذه الطريقة، يخلق الفكر هذا الفاصل الذي هو الزمن.
    نتساءل الآن: هل يمكن إيقاف الزمن؟ هل نستطيع أن نحيا على نحوٍ مكتمل لدرجة لا يكون فيها هناك غد لكي يفكِّرَ به الذهن؟ فالزمن هو المعاناة. نعم، فهكذا هو الأمر، البارحة أو ثمة ألفَ "بارحة"، أحببتم، أو كان لديكم رفيق قد غادركم، فتدوم هذه الذاكرة، وتظلون تفكرون في تلك اللذة أو ذلك الألَم، وتظلون تنظرون إلى الوراء، وترغبون، وتأمَلون، وتنوحون، وعلى هذا النحو يجترُّ الفكر ذلك باستمرار، ويولِّد ذلك الشيء الذي يُدعَى معاناة، ويعطي استمرارًا للزمن.
    طالما أنه يوجد هذا الفاصل الزمني المتوَلِّد عن الفكر، فلا غنى عن وجود المعاناة، ولا غنى عن استمرار الخوف. وعلى هذا النحو، نسأل أنفسنا: هل يمكن لهذا الفاصل أن ينتهي؟ فإذا قلتُم: "هل سينتهي ذات يوم؟" فهذا إذن عبارة عن فكرة، وعبارة عن أمر ترغبون بالتوصل إليه، وبالتالي لديكم فاصل، وتجدون أنفسَكم مجددًا في الفخ نفسه.
    فلنأخذ الآن مسألة الموت بعين الاعتبار. فهو مشكلة هائلة بالنسبة لمعظم الأشخاص. تعرفون الموت لأنكم ترونه كل الأيام، وهو يسير إلى جانبكم. هل سيكون ممكنًا مواجهة الموت بشكلٍ مكتمل، وعلى نحوٍ لا نجعل منه مشكلة؟ ولكي نواجهه بهذه الطريقة، فإن كل المعتقدات، وكل الآمال، وكل المخاوف المتعلقة به يجب إنهاؤها، وإلا فإنكم سوف تواجهون هذا الأمر الخارق من خلالِ نتيجةٍ، وصورة، وقلق موطَّدٍ مسبقًا. وبناءً عليه، سوف تكون المواجهة في الزمن. فالزمن هو الفاصِل بين الراصِد والشيء المرصود. نعم، فالأمر هكذا، الراصِد – أنتم – لديه خوف من مواجهة هذا الشيء المدعوُّ "موتًا". وأنتم لا تعلَمون ماذا يعني الموت، ولديكم آمال ونظريات من كل صنف فيما يتعلق به، فتعتقِدون بالعود للتجسد (التقمص) أو بالقيامة، أو بشيءٍ ما يُدعَى "روح"، "آتمان" (المبدأ الروحي بالهندوسية)، كينونة روحية ما أبدية، تلك التي تدعونها بأسماء مختلفة. والحال هذه، هل اكتشفتم بأنفسكم فيما إذا كانت توجد روح ما؟ أم أن الأمر يتعلق بفكرة تم نقلها إليكم من خلال الموروث؟ هل يوجد شيء ما له ديمومة، واستمرارية تمتد إلى ما وراء الفكر؟ فإذا ما كان بمقدور الذهن أن يفكر فيه، فهذا الشيء سوف يجد نفسه في حقل الفكر. وبناء عليه، ليس ممكنًا أن يكون هذا الشيء دائمًا، لأن كل ما في حقل الفكر ليس دائمًا. إنها لأهمية كبرى أن نكتشف أنه ما من شيء دائم في حقل الفكر. إذاك يتحرر العقل، وإذاك فقط سوف يكون بمقدوره الرؤية، وفي ذلك ثمة فرح عظيم.

    في الحقيقة أنتم لا تخافون من المجهول، لأنكم لا تعلمون ما هو، وبالتالي ليس هناك أي شيء يمكن أن نخشاه. فالموت ليس أكثر من كلمة، وهذه الكلمة والصورة التي ترافقها هما اللتان تخلقان الخوف. ولكن هل تستطيعون النظر إلى الموت من دون صورة عن الموت؟ طالما توجد الصورة التي تعطي أصلاً للفكر، فهذا بدوره سوف يخلق الخوف دومًا. تعملون إذن على عقلَنة خوفكم من الموت، وعلى النهوض بمقاومة ضد ما لا يمكن تجنبه، أو تبدعون عددًا غير محدود من المعتقدات لكي تحميكم من الخوف من الموت. ثمة إذن فراغ بينكم وبين الشيء الذي تخافونه. ففي هذا الفاصل من الفراغ – الزمن يتوَلَّد صراع أو لنقل خوفًا، وقلقًا وشفقة على الذات. فالفكر الذي يولِّد الخوف من الموت يقول: "نؤجِّل الموت، ونتجنَّبُه، ونبقيه بعيدًا عنا على قدر ما نستطيع، فلا نفكر به". ولكنكم تفكرون به، عندما تقولون: "لا أريد التفكير به"، فأنتم تفكرون به بطريقة تتجنبونه فيها. وبالتالي فمازال خوفكم من الموت قائمًا طالما أنكم تُؤجِّلونه.
    إننا نفصِل العيش عن الموت، والخوف هو الفاصل بين أن نعيش وبين أن نموت. والخوف هو نفسه الذي يخلق هذا الفاصِل، هذا الزمن. ويصبح العيش عذابًا يوميًا من إهانات، وآلام، وخزي، وعلى نحوٍ عَرَضي يصبح نافذة مفتوحة تُظهِر لنا بحارًا ساحرة. ولكن ذلك الفاصِل، ذلك الزمن هو الذي نسميه "عيشًا"، وبالتالي لدينا خوف من الموت الذي هو نهايةٌ لهذا الغمِّ. نُفضِّل التشبث بالمعلوم على أن نواجه المجهول – فالمعلوم يتكون من مجموعِ ما نعرفه: منزلنا، وأثاثنا، وعائلتنا، وطبعنا، وعملنا، ومعارفنا، وشهرتنا، ووحدتنا، وآلهتنا – وهذا الشيء (أي المعلوم) اللامعنى له هو الذي ينجذب نحو ذاته ضمن كمٍّ من المرارة الوجودية.
    نظن أن "العيش" كائن في الحاضر دومًا، وأن الموت هو أمر ينتظرنا في زمن بعيد. ولكننا لم نتساءل إطلاقًا فيما إذا كان معترَك الحياة اليومية هو في الواقع "أن نعيش". نريد أن نعرف الحقيقة فيما يتعلق بالعود للتجسد (التقمص)، ونرغب بالبراهين على خلود الروح، ونعير إصغاءنا إلى إثباتات الرائين، وإلى نتائج البحوث النفسية. ومع ذلك لم نتساءل أبدًا كيف نحيا – أن نحيا بمتعة، ودهشة، وجمال في أيامنا كلها. ولكننا نقبل بالحياة على ما هي عليه، مع منازعاتِها كلِّها، ويأسها، ونعتاد عليها، ونفكر بالموت كما لو كان أمرًا يتوجب علينا تجنبه بكدٍّ. ولكن الموت يتماثَل على نحوٍ غريب مع الحياة نفسها. في الحقيقة إنكم لا تستطيعون أن تحيوا فعليًا من دون أن تموتوا. وهذه ليست مفارقة فكرية. فلكي تحيوا بشكل كامل كليًا، بطريقة يكون فيها كل يوم جمالاً جديدًا، نعم، علينا أن نموت عن أمور البارحة، وإلا سوف نعيش بشكل آلي (على نحو ميكانيكي)، والعقل الذي يعمَل آليًا لن يدرك أبدًا ما هو الحب أو ما هي الحرية.
    نخشى الموت عمومًا، لأننا لا نعرف ماذا يعني أن نحيا. إننا لا نعرف كيف نموت، ولذلك لا نعرف كيف نحيا. وطالما لازال لدينا خوف من الموت، فسيظل لدينا خوف من الحياة. والشخص الذي لا يخشى الحياة لن يخاف من الشعور بعدم الأمان، لأنه يفهم داخليًا ونفسيًا أنه لا وجود للشعور بالأمان إطلاقًا. وعندما لا يوجد شعور بالأمان، فثمة حركة لا نهائية، وإذاك فالحياة والموت هما الأمر نفسه. والشخص الذي يعيش من دون صراع، والذي يحيا مع الجمال والحب، إنه شخص لا يخشى الموت لأنه بالنسبة له "أن يحب" هو "أن يموت".
    إذا ما مُتّم عن كل شيء تعلَمونه، بما في ذلك عائلتكم، وذاكراتكم، وكل ما أحسستُم به. فالموت إذاك ليس أكثر من تطهير داخلي، ومن سياق لتجدُّد الشباب، فيجلب الموت آنئذ البراءة. والأبرياء فقط هم شغوفون، وليسوا هم أولئك الذين يعتقدون ويرغبون باكتشاف ما يحدث بعد الموت.
    لكي تكتشفوا ما يحدث فعلاً بعد الموت، عليكم أن تموتوا. هذه ليست دعابة. نعم، عليكم أن تموتوا، ولكن ليس جسمانيًا، وإنما نفسانيًا، داخليًا. وبمعنى آخَر أن تموتوا عن الأشياء الغالية بالنسبة إليكم، وأيضًا عن الأشياء التي تسبب لكم الشعور بالمرارة. فإذا متّم عن كل واحدة من ملذَّاتِكم سواء تلك التي لا معنى لها، أو تلك الأكثر أهمية، من دون أي إكراه أو حوار معها، فإذاك سوف تدركون ما يعنيه الموت. فالموت يعني أن نتمتع بعقلٍ خالٍ من ذاتِه نفسِها، خالٍ من رغباته اليومية، وملذَّاتِه، ومنازعاتِه. إذن، فالموت هو تجدُّد وتحوُّل حيث لا يعمل الفكر لأن الفكر ببساطة هو شيء عتيق. بينما حين يوجد الموت يتواجد حينئذ شيء جديد كليًا. فأن تكونوا أحرارًا من المعلوم هو أن تموتوا، وإذاك تكونون أحياء.

    معابر.
    ترجمة: نبيل سلامة

    *** *** ***
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de