كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
إلى محمود "الغنّاي"... يجده برحمة ومغفرة!!
|
لنْ أتحدّث عنك حديث الكثيرين الذين ظهروا في الفترة الفائتة؛ وكلُ واحدٍ منهم يدعي القُربى والصداقة المتينة معك. فأنا مجرد معجبٌ ضمن آخرين كُثر، فُتنوا بصوتك، وأدائك، وتطريبك، وطريقتك في اختيار الأغنيات وبعثها من جديد. وأنا مجرد معجبٌ بطريقتك التي تخصك في زيّك، وتصفيفك لشعرك، وكلامك الذي تُخرجه كيفما اتفق، ومقاومتك، ورفضك لأي أمرٍ لا يُعجبك، بل وقولك ما تريد على كيفك!! هل قلتُ إنني أحد المعجبين فقط؟ هذا غير صحيح!! هل قلتُ إنني من المفتونين؟ نعم أنا ذلك المفتون، وأكثر!!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: إلى محمود andquot;الغنّايandquot;... يجده برحمة ومغفرة!! (Re: MUSA HAMID)
|
أولُ مرةٍ سمعتُ فيها محمود عبدالعزيز بوضوحٍ، ووعي كبير، كان عبر شريط كاسيتْ من مسجّل أحد جيراننا، وأحد الأصدقاء عبدالله محمود، أو عبدالله (أمريكا). تُرى كيف وقع خبر رحيله عليك؟ وكيف وصلك النعيُ بارداً، وحامضاً، وحارقاً يومها؟ لك ولنا العزاء . المسجّل كانت تنبعثُ منه -في ذلك المساء- عدد من الأغنيات المسموعة، آنذاك، كانت تتجمّل بصوتْ محمود عبدالعزيز، وكان هو يُغنيها بطريقته التي تخصه، وأدائه الذي يخصه. وكان يبدو على الشريط أنّه تسجيلٌ لحفلٍ من حفلاته الجماهيرية البهيجة، والأسطورية مثله!! كان يمنح تلك الأغنيات طاقة غريبة ورهيبة. وكان يكسوها بإحساس دخل سريعاً عبر الأذن، ووصل القلب مرةً واحدةً واستقر فيه ولم يخرج إلى الآن!! في تلك الأمسية كنتُ كالذي يسمع هذه الأغنيات لأول وهلته. فكأنّني لأول مرةٍ أسمعُ وأتذوّقُ (الدنيا تحلى وصعابا ساهلة). وكأنني أتحسّسُ لأول مرة أغنية (الوسيم القلبي رادوا) لأحمد المصطفى.. وكأنّ (افتقدتكْ) للكبير الهادي حامد (ود الجبل) تطرق أذني لأول وهلتها. بسرعةٍ، سألت الصديق عبدالله (أمريكا): الزول ده منو؟ قالها لي وهو يفكُ أطرافه من سماع الأغنية، ويُجيبني بعد هنيهةٍ - ده محمود!! ثم غرق مرةً أخرى في لُحون محمود عبدالعزيز. وغرقتُ في صوته الشجن، الدافيء، وأدائه المتْرف لتلك الأغنيات. وما أزالُ غارقاً!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى محمود andquot;الغنّايandquot;... يجده برحمة ومغفرة!! (Re: MUSA HAMID)
|
شكّل محمود عبدالعزيز إحدى الأساطير والأيقونات الفنية الباهرة، وبالتحديد لجيلنا الذي تفتّحت عيونه ووعيه أواسط الثمانينيات، وحتى بداية التسعينيات. يكفي أنْ تقول باسمه (حوته) هكذا، لتندلق من بعد شوارع من المحبة والافتتانِ في أوساطنا. كان (حوته) بمثابة القياس والتيرمومتر للسماع الجيد بشكلٍ عام، فليس مَنْ لا يسمع (حوته). يكفي أنْ تقول إنّك لا تسمعه ليحكم عليك الناس منْ بعد بألا علاقة بينك والغناء من الأساس!! أكثر ما كان يُدهشني، أنّ كل أغنيات الآخرين التي تغنى بها في بدايات مسيرته تحوّلتْ عبر حُنجرته إلى أغنياتٍ أخرى، غير تلك التي سمعها الناس. فلكأنّها قِيلتْ لأول مرةٍ. وكأنّها تُسمع لأول مرة. وكأنّها تؤدى لأول مرة. وكأنّه هو صاحبها. للدرجة التي يتغنى بها الآخرون بعده بذاتْ طريقته، وذات تنغيمه، وذات جرّه ومطّه لحروفها، وإسراعه بحُروفٍ أخرى، فتخرجُ كلها بماركة (حوته) المسجّلة!! قناعتي الكبيرة أنّ محمود عبدالعزيز وصل مرحلة كونه ظاهرة فنية ينبعُ من كونه لم يضع أقدامه في أقدام الآخرين، فاختار لنفسه طريقاً لوحده. قدّم أغنياته التي تلقفّتها الأسماع، والتي منْ بعد خلق بها هذه الجماهيرية الطاغية، واكتسبْ هذا الحب المخيف!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى محمود andquot;الغنّايandquot;... يجده برحمة ومغفرة!! (Re: MUSA HAMID)
|
صحيح أنّ محمود عانى كثيراً في حياته، كان ذلك ابتلاءً ربّانياً من المرض، أمْ كان ذلك من فعل آخرين، لكنه في كل الكبوات التي يكبوها كان ينهض فارساً من جديد، وبشكلٍ، وطريقة، وقدرة عجيبة!! سلاحه العتيد فنّه وأغنياته التي يبرعُ فيها. عرف أنّ طريقه وحياته في الفن، فوهب حياته له. ليس هيّناً أنْ يلد رحم السودان فنّاناً ظاهرةً على طريقة (حوته)، لكنْ ليس من أحدٍ كان في عمره وفعل هذه الأعاجيب!! واستطاع أنْ يخلق هذه الجماهيرية العجيبة!! إلى الآنْ أندهشُ لهذه المحبة الجارفة لـ (حوته)!! تُرى كيف أمكنْ له خلقها؟ إنّه بلا شك أحد الأسرار الإلهية والكبيرة الفيّاضة. وبهذه الجماهيرية الطاغية لمحمود عبدالعزيز؛ فإنّه يحجز لنفسه مكاناً وسط عمالقة الفن السوداني، الذين استطاعوا بما قدّموا من إبداع وفنٍ أصيل أنْ يُشكلوا ظواهر فنيةٍ بامتياز، ظواهر فنية في قامة: (محمد وردي)، (سيد خليفة)، (مصطفى سيد أحمد). ومن لفّ في ملكوتهم، ذي الأنوار "الآخذة بدون سلوك"!!
| |
|
|
|
|
|
|
|