|
مدرسين ومواقف في الذاكرة
|
09:25 AM Nov, 10 2015 سودانيز اون لاين درديري كباشي- مكتبتى رابط مختصر
مدرسين ومواقف في الذاكرة 1 الأستاذ مبارك محمد الأمين ( شنيبو) أستاذ التاريخ في مدرسة كسلا الثانوية عليه من الرحمة ما يستحق .. صعقت بنبأ وفاته في أجازتي بالسودان . كان أستاذ يحفظ التاريخ بصورة مذهلة . بل تحس أنه يحفظ تاريخ الكرة الأرضية كله .. وفوق هذا وذاك له قدرات عالية في التدريس والتشويق .. فهو يدخل الفصل وفي يده طباشيرة فقط .يدرس ثلاثة فصول من الأول وفصلين من الثوالث دون أن يكرر الحصة في أي منها . درسنا في الصف الأول الثانوي التاريخ الأروبي . وعصر النهضة الصناعية وهيمنة الكنيسة وصكوك الغفران وما الى ذلك من تاريخ الثورة الفرنسية وغيرها.. فهو في حديثه يغطي المنهج ويضيف اليه من معلوماته واطلاعه المكثف .. ويعكس لك أن التاريخ عنده هواية أكثر من كونه مهنة .. ومع هذا كان شخص عصبي وجادي جدا صعب المراس .. مما يجعل من حصته فلم رعب ممتع ومرعب في ذات الوقت .. في حصته نحس أن أنفاسنا لها صوت يمكن أن يزعجه أو يربكه دعك من الحديث والهمس الذي عادة يدور في الحصص الأخرى . في حصة ما من الحصص .. طارت أغنية يحملها شيطان في رأس أحد الزملاء في آخر الصف وبدأ يترنم بها .كان من الزملاء الذين حباهم الله بسطة في الجسم طولا وعرضا ويمكن بسطة في الصوت أيضا أغرته بالغناء في هذا اليوم الأغبر. وصل الصوت لأستاذ مبارك . وقف الدرس سكت ثم رمى الطباشيرة .. بدأت عيناه تجحظ ثم تحمر .. وبدأ يتحرك مقطب الجبين يشق الصفوف ويسأل بنبرة غاضبة جدا ( البرتنم دا منو ؟ .. البترنم دا منو يا جماعة ؟) .. لم يتجرأ احد أن يشير الى صاحب الصوت مباشرة لكن لفتات الطلاب للخلف كانت تشير الى أن الصوت ( جايي من ورى ) .. فظل يتوغل متبعا اللفتات حتى توقف عند صاحب الصوت والذي لم يكن خلفه سوى جدار آخر الفصل لا مجال ليلتفت خلفه .. مسكه من تلابيبه وشده لأعلى .. رغم أن الزميل كان يفوق الأستاذ حجما الى أنه أصبح في يده كقطعة بطانية بالية .. رفعه ثم جره من قميصه الى مقدمة الفصل .. هو يرتعد من الغضب والزميل يرتعد من الرعب .. أرسل أحد الزملاء لأحضار السوط من الصول .. حضر الصول بنفسه يحمل سوطه .. لكنه أعفاه من هذه المهة وتولى الأمر بنفسه .. لم يعود الأستاذ الى طبيعته الى بعد أن أمطر الأخ بوابل من الجلدات .. وأعتقد أنه لم يترنم بعدها ولا حتى في الحمام .. ونحن كذلك الى زمن طويل.. وبعدها علمنا أنه استدعى الزميل في المكتب اعتذر منه واستسمحه لأنه أغضبه بشدة لم تحدث له من قبل . رحم الله أستاذنا مبارك شنيبو .. دارت الأيام تخرجنا من الجامعة وأشتغلنا والتقينا به مرة أخرى في دار المعلمين فهو أستاذا في الشطرنج لا يقل براعة عن تمكنه من التاريخ .فأصبحنا له تلاميذ من جديد .. لكن بنفس العصبية لا تتجرأ أن تغير نقله أقترحها عليك وهو يشرف عليك في مباراة تدريبية .. شيل دا الحصان من هنا.. لآ تملك الا أن تشيل الحصان من هنا .. كما يرى هو . قد يكون مصيبا أو مخطئا . لكن غالبا ما يصيب .
|
|
|
|
|
|