دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: Yasir Elsharif)
|
المقال الثاني الذي اخترته للكاتب محمد علي المحمود نشر أيضا في صحيفة الرياض.
الخميس 28 شوال 1436 هـ - 13 اغسطس 2015م - العدد 17216 , صفحة رقم ( 25 ) التنوير أو الحرب على الإرهاب محمد علي المحمود
لقد تصاعد عُنف هذه الموجة الإرهابية في الأشهر الأخيرة، إلى أن وصل إلى مناطق كان يظنها معظم الناس (مِن الطّيبين الذين لم يدرسوا المنظومة التقليدية بعمق) مناطق محرمة، كالمساجد مثلاً. فلم يكن كثير من الناس/ الجماهير يتوقعون أن يأتي هذا اليوم الذي يُفجّر فيه الإرهابيون أنفسهم في المساجد
سأحاول في هذا المقال اختصار كثير من الأمور إلى ظواهرها المُتعيّنة، مُبتعداً - قدر ما تسمح به شروط المقاربة - عن الإحالات التي يستلزم الوعي بها؛ وعياً بآليات القراءة السياقية. فالإرهاب أصبح حدثاً جماهيرياً بامتياز، أي أن تناوله لم يعد من أولويات وسائل الإعلام الجماهيرية فحسب، وإنما أصبح المشاركون في معاينته واقتراح الحلول له من الجماهير، أو ممن ثقافتهم لا تتجاوز ثقافة الجماهير، تلك الثقافة التي تعتمد على التوصيف؛ دونما تحليل لما هو أبعد من الظواهر في وجوده المباشر. نُضطر لذلك، وخاصة في مثل هذه المواضيع؛ لأن هذا التسطيح الجماهيري قد راج بعد توفر وسائط التعبير الاجتماعي، إذ أصبح لكل فرد منبره، يطرح فيه ما يشاء، كيفما يشاء. وفي هذا السياق، قد يروج مقال الجاهل المهرج، والأهوج المحرض؛ فيما تخبو وتتوارى وتتخصّص (تنحصر في دائرة المهتمين/ المختصين) مقولات المثقفين، فضلاً عن كبار المفكرين.
لهذا، لا بد من تقريب الأفكار ولو بعرضها مُجزّأة، مجردة من وصلاتها السياقية، ومن علائقها البنيوية؛ لأن الوعي الجماهيري الذي نريد مُحاججته، والذي استولى الجماهيريون الغوغائيون عليه بجدارة، لا يستطيع رؤية الظواهر والأفكار منتظمة في سياقاتها التفاعلية/ الجدلية؛ فضلاً عن بُناها الكُليّة. إن هذا الوعي الجماهيري اعتاد على رؤية الأجزاء كأجزاء، كمعلومات أو كأوصاف مُبعثرة، كشبهات وردود، كمقولات مأثورة، كحوادث معزولة، كتأييد بالكامل أو كرفض بالمطلق. ومن هنا، لا غرابة أن يصبح الوعي الجماهيري ضد الإرهاب هنا، ومع الإرهاب هناك، مع حقوق الإنسان في الحاضر، وضد حقوق الإنسان في الماضي، ضد استبداد المعاصرين، ومع استبداد الغابرين...إلخ!.
إن ما يدعوني إلى الكتابة في هذا الموضوع (= الإرهاب) بعد كل ما كتبته عنه (أكثر من 120 مقالاً)، أن الموجة الأخيرة من الإرهاب (الممتدة منذ اثنتي عشرة سنة)؛ لم تنتهِ، بل ما زالت في نمو مُطّرد، مع كل ما يتخللها من فترات الكمون المترصد، الذي قد يُوحي بانحسار الظاهرة، بينما هي تتوارى عن المشهد العام لهذا السبب أو ذاك.
لقد تصاعد عُنف هذه الموجة الإرهابية في الأشهر الأخيرة، إلى أن وصل إلى مناطق كان يظنها معظم الناس (مِن الطّيبين الذين لم يدرسوا المنظومة التقليدية بعمق) مناطق محرمة، كالمساجد مثلاً. فلم يكن كثير من الناس/ الجماهير يتوقعون أن يأتي هذا اليوم الذي يُفجّر فيه الإرهابيون أنفسهم في المساجد. بينما الباحثون في تراث التقليدية المتطرفة يعون تماماً أن هذا أمر مشروع في أدبياتها التكفيرية، فإذا وقع (التكفير) لم يعد المسجد مسجداً، ولم يعد المُصلّون مسلمين.
بل إن قتل الأطفال، بتفجير المدارس ومستشفيات الأطفال مثلاً، وإن لم يمارسه الإرهابيون بعدُ، ليس محرماً في تراث التقليدية المتطرفة؛ ما دام - في نظرهم - يأخذ طابع الرد بالمثل، أو ما يُفتي لهم به (علماؤهم!) أنه رد بالمثل. هذه قمة الهرم الإرهابي، وهي تنظيرات تنتظر دورها في التطبيق الإرهابي. وهذا يعني أنه قد يأتي اليوم الذي يُفجّر فيه الإرهابيون في مستشفيات ومدارس الأطفال؛ دونما حرج، وحينئذٍ؛ سنفيق مذعورين، متسائلين: كيف يفعلون هذا، يقتلون حتى الأطفال الأبرياء، من أين أتوا بهذا؟. لكن، عندما نفتش؛ سنجد الجواب مسطورًا - بأدلته!- في التراث التقليدي.
الإرهاب قبل أن يكون فعلاً، هو ثقافة/ اعتقاد، وخاصة ما يتصل منه بالإرهاب الانتحاري، فلن يقتل الإنسان نفسه، والآخرين معه؛ من أجل مال أو شهرة، أو لفقر أو بطالة، أو حتى ليأس من الحياة. الإرهاب مرتبط بثقافة اعتقادية تتجاوز حدود مصالح الفرد المنتحر من جهة، وتتجاوز حدود هذه الحياة من جهة أخرى.
وإذا كانت المسألة ثقافة/ اعتقاد، فبكل وضوح نقول: هناك فرق كبير بين ثقافة/ تراث يدعو للكراهية، ويَعدّ (كراهية الآخر) المختلف عقدياً أو مذهبياً أو فكرياً، ومن ثم إيذاؤه - ابتداء بالعنف اللفظي، وانتهاء بالقتل - أسمى (عبادة)، وثقافة أخرى مختلفة، ثقافة تدعو للتسامح والتعايش، وتعد التسامح ومحبة الآخرين واجباً إنسانياً يجب تأكيده وتقريره على مستوى الثقافة العامة وعلى مستوى القانون العدلي المكتوب. الثقافة الأولى، ثقافة الكراهية، هي الثقافة الكهنوتية المتوارثة، المَبنيّة على المفاصلة العدائية بين كل المختلفين، والثقافة الثانية هي الثقافة التنويرية التي صنعت العالم الأول/ العالم الحر، حيث الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين جميع المواطنين بقوة القانون.
بكل وضوح وصراحة، نقول: هناك ثقافة تزخر أدبياتها بتكفير وتفسيق وتبديع وتضليل الآخر المختلف (ولا مشكلة، لو كان هذا مجرد رأي)، جاعلة كل مَنْ يَتّصف بأيٍّ من هذا (= الكفر، الفسق، البدعة، الضلال) محل كراهية مسعورة، وأدعية ملغومة. إنها ثقافة تقليدية تدعو - صراحة أو ضمناً - إلى إقصاء ونفي كل هؤلاء المُخَالفين، ولو بالقتل الشنيع تفجيراً أو نحراً أو حرقاً، بل إن أدعيتها الطقوسية لا تفارق دعوات الهلاك والتدمير، إلا ريثما ترجع إليها بسادية لا مثيل لها. وهناك ثقافة أخرى تتضاد مع هذه الثقافة الجهنمية، إنها ثقافة التنوير المسكونة بالهم الإنساني، إنها الثقافة التي لا تفرق بين إنسان وإنسان، إنها الثقافة التي تؤكد أن عقائد الناس للناس، ولا يحاسب عليها إلا ربُّ الناس، وأن الناس على هذه الأرض يجب أن يعيشوا مُتسامحين، مُتحابّين، مُتعاونين على كل ما يجعل الحياة أكثر أماناً وسلاماً، وأقل بؤساً وحرماناً.
ببساطة شديدة، عندما تروج في مجتمع ما، تلك الثقافة التي تُروّج للكراهية، وتتعبّد بها، وتدعو على المختلفين بالهلاك والدمار، هل تتوقع أن يكون حال هذا المجتمع كحال مجتمع آخر، تروج فيه ثقافة التسامح والإخاء حقوق الإنسان؟!. وببساطة أكثر أقول: لو أنك مكثت عشرين سنة تُربّي أولادك على أن كل الناس أشرارٌ منحرفون، وأنهم أعداءٌ بالأصالة، وأنهم متآمرون لا يكفون عن تآمرهم، وأن كل ما يشاهدونه من مآسٍ في أحبابهم وأقربائهم إنما هو بسبب هؤلاء الناس وبسبب كيدهم، وأنهم يتحينون الفرصة لقتلهم وتشريد أسرهم...إلخ، بينما أخوك يربي أولاده، ولمدة عشرين سنة أيضاً، ولكن على أن الناس مِن حولنا بَشرٌ مثلنا، يُحبّون ويكرهون ويسعدون ويألمون ويعتقدون مثلنا، وأن سعادتنا جميعاً لا تكون إلا بتسامحنا فيما بيننا وتعاوننا على أمور الحياة، وأن نترك الآراء والمعتقدات للضمائر الفردية، وأن علينا أن نُرسّخ قواعد الاحترام المتبادل فيما بيننا، وأن نحل مشاكلنا بالنظام والقانون، وأن نتكاتف لصيانة حقوق الإنسان، ومنع اختراقها بأي وسائل الاختراق. هنا، ولتكن صريحاً مع نفسك، هل تتوقع أن يتصرف أولادك مع الناس، قريبهم وبعيدهم، كما يتصرف أولاد أخيك الذين تربوا على ثقافة مختلفة؟!. أعتقد أن الأمور أوضح من أن تحتاج لجواب.
إذن، هي الثقافة، الثقافة السائدة التي تخلق الوعي الجماهيري العام، فهي التي تحدد سلوكياتنا. وهنا قد يأتي بعض السذج أو المراوغين من المدافعين عن تراث التقليدية المتطرفة، زاعماً أن الأغلبية قد تستهلك تراث الكراهية والتكفير، ولكن أعداد الإرهابيين قليلة قياساً بأعداد هذه الأغلبية!. وهنا لا بد من التأكيد على أن حقيقة مفادها، أن ثقافة الكراهية والتكفير والإرهاب تصنع كثيراً من الإرهابيين، ولكن درجة تفاعلهم مع الإرهاب تختلف، فكثيرون يُصبحون إرهابيين دون أن يعوا ذلك، وكثيرون يعون ذلك، ولكن دون أن تكون لديهم الجُرأة لفعل شيء يُعرّض مصالحهم - فضلاً عن حياتهم - للخطر. ثقافة الإرهاب تصنع دوائر، تختلف في درجة القناعة، وفي درجة الاستعداد للفعل.
وللتوضيح أكثر فأكثر؛ أضعك أمام هذا الاحتمال القابل للوقوع: لو أن جامعاً يرتاده ثلاثة آلاف مثلاً، ولسوء الحظ أصبح ميداناً لغلاة الوعاظ التكفيريين الداعين إلى التكفير والإرهاب يتناوبون عليه لسنوات، ماذا ستكون المحصلة؟. بلا شك؛ ستكون المحصلة أن الأغلبية - إن لم يكن الجميع - تأثروا بدرجات متفاوتة. منهم من أوصله التأثر إلى مجرد التسامح مع خطاب التكفير؛ فأصبح يرى التكفير حقاً طبيعياً/ دينياً للمُكفِّرين، ومنهم من أوصله التأثر إلى القناعة بخطاب التكفير، دون أن يكون لديه استعداد لفعل أي شيء؛ فأصبح مكفراتياً صامتاً، ومنهم من أوصله التأثر إلى القناعة، مع استعداد للعمل في حدود المسموح به الذي لا يُعرّضه لأي خطر، ومنهم من أوصله التأثر إلى القناعة، مع استعداد لبذل المال والدعم، ولكن دون التضحية بالنفس، ومنهم من أوصله التأثر إلى الاستعداد لبذل النفس ولو بالتضحية بها في تفجير إرهابي، وهذه أعلى درجات التأثر بالخطاب الإرهابي.
هنا، ستلاحظ أن العدد يقل؛ كلما كان المطلوب بذله أكثر، فمن ثلاثة آلاف قد يقتنع ألفان، ولكن ربما لا يوجد أكثر من اثنين أو ثلاثة يقتنعون بتفجير أنفسهم في عمل إرهابي. هكذا هو الأمر في جميع القناعات الإيديولوجية ذات الطابع النضالي، فدائماً رأس حربتها قلة قليلة تقتنع، وتتوفر فيها الدوافع القوية، وتغيب عنها الموانع؛ فتكون هي التي تتقدم بأنفس الأشياء (= الروح) في ساحة النضال.
في المقابل؛ يرتفع عدد المُتفاعلين مع إيديولوجيا الكراهية والتكفير؛ كلما كان المطلوب قليلاً. ولهذا، تجد أن المقتنعين بخطاب التكفير كثير؛ عندما لا يكون المطلوب منهم أكثر من تكفير الآخرين وشتمهم وتخوينهم في المجالس الخاصة. وسيقل العدد؛ لو كانت هذه القناعة التكفيرية تتطلب الاشتراك بمبلغ مالي مثلاً، أما لو كانت القناعة تتطلب التخلي عن نصف الممتلكات؛ فلن يتقدم إلا بضعة أفراد، وفي حال لو كانت القناعة تتطلب بذل الروح، فربما لن يتقدم أحد. لهذا، نرى كثيرين يُكفّرون ويشتمون متأثرين بخطاب التكفير والكراهية، ولكنهم لا يتجاوزن هذه الحدود، فيما هم في الحقيقة يفتحون (بتهيئة الأجواء العامة) الطريقَ لبضعة أفراد لديهم استعداد لتجاوز هذه الحدود.
من هنا، فإن الذي يقول لك - مدافعاً عن تراث التقليدية التكفيري الذي نشأ عليه-: إنه نشأ على التقليدية المتطرفة، واقتنع بمقولاتها التكفيرية، ولكنه لم يصبح إرهابياً، ولم يُقدم على القتل والتفجير، هو إما جاهل يُخادع نفسه أو كاذب يُخادع الآخرين. فأولاً: ليس صحيحاً أنه ليس إرهابياً، فهو - بمجرد اعتقاده التكفيري - إرهابي معنوياً. أما كونه لم يقم بعمل إرهابي مادي: قتل أو تفجير، فهذا خاضع لعدة عوامل، فقد لا يمتلك الشجاعة الكافية، وقد يكون مُغرماً بهذه الدنيا ونعيمها، وقد تكون قناعته ليست راسخة بحيث تُحدّد له خياراً مصيرياً على هذا المستوى من الخطورة، وقد تكون ظروفه العائلية لا تسمح...إلخ، المهم أنه في النهاية إرهابي، علم أم لم يعلم، وداعم للإرهاب على أكثر من صعيد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: Yasir Elsharif)
|
المقال الثالث عبارة عن مواصلة للمقال الثاني.
الخميس 5 ذي القعدة 1436 هـ - 20 اغسطس 2015م - العدد 17223 , صفحة رقم ( 21 ) نقد التكفير أو الحرب على الإرهاب محمد بن علي المحمود
كثيرون يظنون أنهم بمنأى عن عدوى التكفير، مع أنهم خاضعون تماماً لمنطق المنظومات العقائدية التي تتأسس – أصلاً – على التكفير. لقد نجح الخطاب التكفيري في صنع (تكفير) متعدد الموجات/ المستويات، وكل موجة تدعم أختها بشكل مباشر أو غير مباشر
ذكرت في المقال السابق قول المتطرف الذي يقول لنا – مدافعاً عن تراث التقليدية التكفيري الذي نشأ عليه -: إنه نشأ على التقليدية المتطرفة، واقتنع بمقولاتها التكفيرية، بل وصرّح أيضاً بالموافقة الواعية على ممارساتها التاريخية في استباحة الدماء، ولكنه لم يصبح إرهابياً، أي لم يُقدم بنفسه على القتل والتفجير. وفي هذا دليل – كما يزعم هذا التكفيري المراوغ – أن مقولات التقليدية المتطرفة، المتلبسة بكل صور التكفير والنفي والإقصاء واستباحة الدماء، ليست هي التي تدفع بشبابنا إلى الإرهاب؛ حتى ولو كانوا يتتلمذون عليها بوصفها الحق الصراح (= صريح الإسلام)، بل حتى ولو كانوا يستدلون بنصوصها التفصيلية وممارساتها التاريخية على صوابية إرهابهم المبني على التكفير!. وقد قلتُ في ذلك السياق: إن من يُعاضِلُ في هذا؛ إما جاهل يُخادع نفسه أو كاذب يُخادع الآخرين، مؤكدا أن الإرهاب طريق طويل، يبدأ من الاقتناع، ومن ثم الموافقة التي تصنع البيئة الحاضنة المُحفّزة، ليصل - بقلة قليلة (صادقة مع نفسها، ولا تملك ما تخسره) - إلى تنفيذ ما اقتنع به كثيرٌ من مستهلكي هذا الخطاب التكفيري، ولكنهم لم يمتلكوا شجاعة التنفيذ.
يقرأ الشاب – بتحفيز من بعض وُعّاظنا – تراثاً عقائدياً يقول بتكفير من قال بكذا وكذا؛ حتى ولو كان من المسلمين، بل ويُنزّل ذلك التكفير على أعيان من شخوص وبلدان وجماعات. يقرأ الشاب هذا التراث الذي منحه وُعّاظنا ختم الصواب المطلق، فيأتي إلى الواقع الراهن، حيث يرى فيه كثيراً مما حكم عليه ذلك التراث بالتكفير الصريح. الشباب هنا يقفون متسائلين في حيرة: إذا كان من يقول بكذا وكذا كافراً، ومن يفعل كذا كافراً، وقد تم تطبيق هذا التكفير في التاريخ على نحو عملي، وحكمتم أيّها الوُعّاظ على ذلك الفكر والتطبيق بالصواب، بل بالصواب المطلق؛ فلماذا تمنعوننا من تكفير من يقول بالقول نفسه، ومن يمارس الأفعال نفسها في الزمن الحاضر؟، هل عقائد التكفير – يتساءل الشباب – تُطبّق بالهوى؛ فيتم إنزالها على أناس دون أناس، وعلى دول دون دول، وعلى جماعات دون جماعات، أم هي حقائق وقوانين إلهية، لا تُحابي أحداً، ولا تعرف التمييز، ولا تستجيب للمراوغة والمداهنة في التطبيق؟!.
إلى الآن، لم يستطع الوعاظ إقناع مثل هؤلاء الشباب بصوابية التكفير(وما ترتب عليه من استباحة الدماء) في الماضي، وفي الوقت نفسه، خطئه الجسيم في الحاضر. لماذا التكفير عقيدة إيمانية راسخة يجب تطبيقها دون هوادة هناك، وهو ذاته ضلال وجريمة هنا؟. المسألة عقائدية، ولا مجال فيها للمداهنة كما يراها الشباب الذين تلقوها بالقبول. مثلاً، لا يستطيع الشباب الذين انغرس في أعمق أعماقهم الإيمانية أن (أي مسلم) يُعِين (غير مسلم) على (مسلم)، فهو كافر لا محالة، وبصرف النظر عن أي تبرير(= الولاء والبراء)، لا يستطيعون أن يتوقفوا في تطبيق هذا (الأصل الإيماني!) على كل التحالفات الدولية الراهنة، وتكون النتيجة أن تصبح كل الدول الإسلامية في نظرهم دولاً كافرة، وكل مواطنيها كفار، يجوز قتالهم واستحلال أموالهم وأعراضهم ودمائهم. وهم لا يَستثنون من ذلك إلا مَن أعلن البراءة من هذه الدول جملة وتفصيلاً؛ ليحقق بذلك – كما يتوهمون – أحدَ أهمّ أصول الإيمان.
لو لم يكن التكفير؛ لم يكن القتل والتفجير/ الإرهاب. المسألة فكرية عقائدية في الأساس. وقد قلتُ من قبل: إذا وقع التكفير، لم يعد المسجد مسجداً، ولا المصلون مُصلّين. ولهذا، من العبث الحديث مع التكفيريين عن حرمة المساجد وعن عصمة دماء المُصلين المسلمين. للأسف، نحن نحاول ردع التكفيريين الإرهابيين عن سلوك التكفير/الإرهاب بالحديث معهم بأحاديث عاطفية، دينية أو شخصية، ولا نتوجه إلى أصل المسألة، حيث مشروعية كل التصرفات. ببساطة، أصل المسألة أن التكفيري لا يراهم مسلمين، ولا يرى صلاتهم صلاة، بل يراهم كفاراً مرتدين، أو كفاراً أصليين.
لا قيمة للحديث عن أي مقدس أو محرم مع الإرهابي؛ قبل الحديث عن أصل التكفير لديه. كل المقدّسات والمحرمات تصبح مباحة مع التكفير. فمثلاً، المسجد الحرام، وكل المتعبدين فيه صلاة وتِطْوافاً، لا حرمة لهم في نظره؛ ما لم يكونوا مسلمين، أي ما لم يسلموا من إيقاع أحكام التكفير عليهم. أما إذا وقعت أحكام التكفير عليهم؛ فحينئذٍ، يصبحون كفاراً، وبالتالي، يصبح المسجد الحرام مكاناً كحاله أيام الجاهلية، ويصبح المتعبدون فيه كحال كفار قريش وهم يتعبدون عند الكعبة، سواء بسواء!.
من هنا، فالحل – إذا ما أردناه جذرياً - لا بد أن يتوجه إلى أصل المشكلة، أي إلى المنظومة التراثية المتطرفة المتخمة بمقولات التكفير. هذه المنظومة، لا بد من نقدها وتفنيد مقولاتها علانية، ولا بد أن يشترك الجميع في هذا النقد والتفنيد؛ لتنتقل من موضعها الاعتباري، كمقولات مقدسة محصنة؛ بوصفها عين الصواب، إلى كونها مجرد مقولات بشرية خاضعة للظروف الشخصية والاجتماعية لمنتجيها. وبالتالي، فليس لها أية قيمة دينية، بل هي مجرد تراث عابر في سلسلة التجارب التراثية البشرية في تاريخ الإسلام، حيث تتضمن كثيراً من الأخطاء الفادحة التي لا علاقة لها بصحيح الإسلام.
وهنا يأتي سؤال مشروع في مدى الوعي الجماهيري، وهو: هل يمكن القضاء تماماً على التكفير؟. الجواب طبعاً: لا. التكفير، كالجريمة، كلاهما لا يمكن القضاء تماماً عليه، ولكن يمكن الحد منه بدرجات متفاوتة، وفقاً للظروف المحايثة. وبالنسبة للتكفير، يمكن الحد منه إلى درجة كبيرة، وذلك بنقله من دائرة المشروع دينياً، إلى دائرة المُجرّم دينياً وقانونياً. فهناك فرق كبير بين أن يوجد التكفير، ويكون محل تقدير واحترام، ويكون لمُروّجيه مكانة معتبرة اجتماعياً، وبين أن يوجد، ولكنه محل تحقير ونبذ وتجريم، وليس لمُروّجيه إلا النبذ والتجريم الاجتماعي والقانوني. ولك أن تتخيل كيف سيكون الوضع إيجابياً؛ فيما لو كان (الواعظ التكفيري) منبوذاً ومحتقراً في نظر المجتمع كله، بنفس الدرجة التي يكون فيها (مروّج المخدرات) منبوذاً ومحتقراً !. لا شك، في مثل هذه الحال، لن تجد إرهابياً يفتخر بفعله الإرهابي (فأنت لا تجد مروّج مخدرات يفتخر بفعله)، ولن تجد وَسَطاً اجتماعياً حاضناً ينظر إلى الإرهابي بعين العطف والإشفاق؛ إن لم يكن بعين التأييد الذي قد ينتهي بمنحه بعض صفات الأبطال.
نصل هنا إلى المسألة الأهم، وهي أن ما يجعل التكفيري لا يتلبس بذات العيب الاجتماعي (الذي يتلبس به تاجر المخدرات مثلاً)، هو أن الرؤية العامة للتكفير تسرّبت إلى وعي كثيرين، شعروا أم لم يشعروا. بمعنى أن كثيرين أصابتهم عدوى مقولات التكفير دون أن يكونوا على وعي بأنهم أصبحوا مُصابين بها. وبالتالي، فإذا ما ظهر التكفير من أحد، فلن تنفر منه أنفسهم بالدرجة الكافية؛ فما بالك إذا ما ظهر من واعظ يتلبس بالدين ؟!.
كثيرون يظنون أنهم بمنأى عن عدوى التكفير، مع أنهم خاضعون تماماً لمنطق المنظومات العقائدية التي تتأسس – أصلاً – على التكفير. لقد نجح الخطاب التكفيري في صنع (تكفير) متعدد الموجات/ المستويات، وكل موجة تدعم أختها بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي تقديري أن هذا الخطاب أنتج لنا إرهابيين على النحو التالي:
1 الإرهابي المتسامح مع التكفير/ الإرهاب. وهذا قد لا يكون مقتنعاً بمقولات التكفير، إلا أنه لطوال تواصله مع وُعّظها، وفي ظل تحصينها ضد النقد الذي يكشف عيوبها، لم يعد يرى فيها كبير خطر. بل هو – في أحسن الأحوال – يعدها اختيارات دينية لأناس مُتشددين من حقهم أن يشددوا !.
2 الإرهابي المقتنع بالتكفير/ الإرهاب. وهذا يعتقد اعتقاداً جازماً بصوابية الرؤى التكفيرية، ويرى أنها تُعبّر عن صحيح الإسلام. لكنه يكتفي بهذا الاعتقاد، ولا يتجاوزه إلى أي فعل قولي أو عملي.
3 الإرهابي المؤيد فكرياً للتكفير/ الإرهاب. وهذا وإن كان يكتفي بالتأييد الفكري، إلا أنه يخلق حالة فكرية/ نفسية في محيطه، ترى أن التكفير هو الصواب، وأن الإرهابيين مُناضلين في سبيل تحقيق صحيح الإسلام.
4 الإرهابي الداعم مادياً ومعنوياً للتكفير/ الإرهاب. هذا يساهم مساهمة فعلية في نشر فكر التكفير/ الإرهاب، إما بنفسه؛ إن كان واعظاً، أو بنشر إنتاج الوعاظ التكفيريين. وقد يكون الدعم بالتواصل مع وسائل الإعلام المتطرفة، ودعمها بالمال أو بالرجال. بل وقد يتواصل مع الإرهابيين مباشرة، ويقدم لهم كثيراً من أشكال الدعم المادي والمعنوي.
5 الإرهابي المستعد للتضحية بنفسه في سبيل التكفير/ الإرهاب. وهذا المستوى الأخير، وهو ما نراه في أولئك الملتحقين بداعش أو بالنصرة مثلاً، كما نراه في الذين يُفجّرون أنفسهم داخل مجتمعاتنا.
الحقيقة التي يجب أن نكون واعين بها تمام الوعي، أن هؤلاء كلهم إرهابيون، ولكن بدرجات متفاوتة. عندما نعي هذه الحقيقة؛ ندرك حجم المشكلة، ومن ثم نرى، وبوضوح، أن المتطرفين نجحوا في جعل كثير منا لا يرى الإرهابي إرهابياً إلا إذا وصل إلى المستوى الخامس/ الأخير. بل ومن جرّاء هذا الالتباس؛ بتنا نرى ونسمع المتطرفين يُصرّحون بكل صلف وتبجّح ببراءة التكفير من الإرهاب، زاعمين أن تأثير التراث التكفيري ضئيل، وأن دوره محدود في انتشار الإرهاب. وهم في هذا يُحاولون أن يشدّوا أنظارنا إلى الإرهابي رقم (5) فقط، لنتعامى عن بقية الإرهابيين (1،2،3،4) الذين هم الأرضية التي يقف الإرهاب عليها. وللأسف، نجحوا في ذلك إلى حد كبير.
إذاً، بما أن المتطرفين نجحوا في أن يجعلونا لا نرى الإرهابي إلا في صورته الأخيرة/ الخطيرة، فقد حق لهم أن يزعموا براءة منظومتهم التكفيرية من الإرهاب. هم يقولون لنا صراحة: إن المنظومة التكفيرية ليست مسؤولة عن سلوكيات بضعة أفراد، وأن كثيرين تتلمذوا عليها، وآمنوا بها، ولكنهم لم يُصبحوا إرهابيين. وهم يقصدون بهذا، أنهم لم يصلوا إلى المستوى رقم (5)،وبالتالي – وفق حصرهم الإرهاب في مستواه الأخير – لم يسهموا في إنتاج حالة الإرهاب.
لو كان (وباء التكفير) لا يكون خطيراً حتى يتساقط الجميع من جراء العدوى به؛ لوجب أن لا تُعد (الأوبئة) خطراً حتى يتساقط الجميع من جرّاء العدوى بها. إننا نحارب فيروس كرونا مثلاً، مع أنه لم يقتل إلا العشرات، أي أقل بكثير مما قتل الإرهاب. ومع هذا لم نقل إن فيروس كورنا ليس خطيراً؛ لأن كثيرين تعرضوا له فلم يقتلهم في الحال. أيضاً، نحن نمنع المخدرات ونحاربها، مع أنها لو كانت غير ممنوعة فلن يتعاطاها أكثر من 1% على أكثر تقدير، ولكن هذه النسبة مع ضىآلتها ستكون مدمرة للمجتمع. كذلك (وباء التكفير)، لا ننتظر حتى يتساقط الألوف (أي حتى يصلوا المرحلة الأخيرة منه:5) حتى نقتنع بخطره، ولا ينفي خطرَه أن هناك من تعرّض له؛ فلم يفتك به لدرجة القتل، بل يجب علينا إعلان الحرب عليه بمجرد إدراكنا أنه وباء قاتل.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: Yasir Elsharif)
|
نتابع هذه الحلقة من برنامج تلفزيوني رفعت إلى يوتيوب بتاريخ يناير 2014 من قناة نبأ التي يبدو أنها شيعية ولكن هذا ليس هو المهم.
وهذه الحلقة من برنامج الإعلامي تركي الدخيل "إضاءات" في قناة العربية وضعت في يوتيوب بتاريخ نوفمبر 2011 [ولكن يبدو أن اللقاء تم في وقت سابق لهذا التاريخ]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: عاطف عمر)
|
سلامات ياسر وعاطف .. النقطة الأشار ليها الأخ عاطف .. تكاد تكون ظاهرة في استراتيجيات التنظيمات الفكرية في السودان.. لا أعرف أيهما الأسبق في تسكين ظاهرة تجنيد الشباب من مرحلة مبكرة .. الإسلاميون أم اليسار؟ فضلا عن ملاحظات تكونت لدي بمراى العين .. لم أكن أفهمها في وقتها .. اصتياد وتجنيد الشباب الذين تعرضوا لانحرافات سلوكية مبكرة .. سكر ، دخان ، الباقي عارفنو.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: محمد على طه الملك)
|
سلام الأعزاء عاطف عمر ومحمد علي طه الملك
وشكرا لما تفضلتما به.. سأعود للتعقيب بحول الله..
ولكن الآن أود أن أواصل في السياحة مع الدكتور محمد علي المحمود..
كتب حسين الحربي في موقع قناة العربية يوم 31 أغسطس في معرض لقاء مع الدكتور محمد علي المحمود
آخر تحديث: الإثنين 24 ذو القعدة 1431هـ - 01 نوفمبر 2010م KSA 18:22 - GMT 15:22 محمد المحمود: التيار السلفي في السعودية يهيمن على جميع مناشط الحياة في حوار مفصل مع "العربية نت" شرح فيه أراءه المثيرة للجدل
الخميس 07 شعبان 1427هـ - 31 أغسطس 2006م
الرياض - حسين الحربي قال الكاتب الإسلامي السعودي المثير للجدل محمد علي المحمود إن أحباب الأمس أصبحوا أعداء اليوم لأنه منح نفسه "حق التعبير وقام بفضح السلفية التقليدية". وأشار إلى أنه لا يعتبر ذلك خسارة كبيرة لأن كل " قريب أو بعيد يريد أن يسلبك حريتك فهو عدو".أوضح المحمود وهو كاتب في جريدة الرياض السعودية، وأكاديمي في جامعة القصيم كلية اللغه العربية وله العديد من الاطروحات الجريئة، في حوار مع "العربية.نت" إن مشكلة التيار السلفي في السعودية تتمثل "في حضوره الطاغي وهيمنته على الحراك الدعوي والإعلامي والتثقيفي والتعليمي، مما جعله متنفذا إلى حد بعيد في هذه الميادين، وزاد الأمر سوءا أنه أراد الهيمنة على جميع مناشط الحياة ، فضلا عن كونه يشدد دائما، على أنه الممثل الشرعي والوحيد للإسلام". وكان الكاتب محمود قد اثار جدلا واسعا في الاوساط السعودية وعلى منتديات الانترنت بسبب طروحاته المثيرة للجدل، الامر الي دفع "العربية.نت" لاستطلاع اراءه حوا مختلف القضايا التي اثارها والأراء التي نسبت اليه. عندما سئل عن سر تحوله الكبير من مجتمعه الصحوي السابق إلى وضعه الحالي الوسطي، أجاب بقوله: لم يكن هناك تحول كبير ؛ لأن المجتمع الصحوي الذي كان بيئة عامة لي ولغيري لم يكن يحتويني ، لا فكرا ولا سلوكا. كنت أُعايش الصحوية من قريب وأتعاطف معها، وأراها قادرة على عمل الجيّد رغم الأخطاء . واستطرد: التحول ــ إن كان ثمة تحوّل يذكر ــ أني اكتشفت حجم الحراك الصحوي الإيديولوجي، والأكثر إيلاما في هذا ، أني اكتشفت أن هذا الحراك ليس بريئا من رغبة عارمة ، بل مجنونة، في الهيمنة والسيطرة على جميع مناحي الاجتماعي . لم أكتشف ذلك فيها ــ رغم وجود المؤشرات الكثيرة التي لم آخذها من قبل على محمل الجد ــ إلا بعد أن بدأت أطرح رؤيتي الفكرية علانية. وأضاف: الصحوية لم تفزع ــ على هذا النحو الذي رأيته ــ يوم أن كنت أعبر عن قناعاتي في المجالس الخاصة التي لا تتعدى أصداؤها جدرانها . كانوا يرون ما أبوح به مجرد خطرات ، وليست قناعات فكرية، يراد لها أن تتموضع في الواقع المتعين. لم أكن سلفيا قط وفي رده على سؤال آخر نفى كونه سلفيا وصحويا سابقا قائلا: لا زلت ألح على أنني لم أكن سلفيا قط ، ولم أكن صحويا بالدرجة التي أستحق بها هذه الصفة( صحوي) . لكنني كنت متفهما للأطروحة الصحوية إلى حد كبير ، وإن كنت ــ حتى في ذلك الوقت ــ أحمل ازدراء عميقا للتصورات السلفية التقليدية التي كنت ولا أزال غارقا في محيطها الاجتماعي ، وأحملها جزءا كبيرا من مسؤولية التخلف وضمور الحريات العامة. ومضى الكاتب محمد المحمود قائلا: صحيح أنني لم أكن أنتقد السلفية التقليدية على هذا النحو المفصل والصريح . لكن، لم يكن هذا الامتناع نتيجة قناعة من أي نوع بالسلفية ، بل لأن نقد السلفية ــ آنذاك ــ كان أشبه بالانتحار الاجتماعي، في وقت لم يكتب لي الاستقلال عن كثير من شروط الاجتماعي. إضافة إلى أن الوجه الكالح للسلفيات التقليدية المتشددة لم يلامس واقعنا على هذا النحو الحاد والمباشر، المتمثل في العمليات الإرهابية التي تمتاح من رؤى سلفية خالصة. لا أدفع ثمنا باهظا ثم عرج إلى الاجابة عن سؤال عن الثمن الذي يدفعه لمواجهة الهجوم المستمر عليه، خصوصا بعد أن شن هجوما عنيفا على التيار السلفي بالمملكة ووصفه بان فرعوني الرؤية ويمارس التقية وأن الإرهاب جزء من مكوناته، فقال المحمود: الثمن الذي أدفعه نتيجة فضحي السلفية التقليدية من داخلها هو ثمن يراه الكثير باهظا ، بينما هو في نظري على العكس من ذلك . الثمن: هو التضحية بالعلائق الاجتماعية قريبها وبعيدها ، وأن أحباب الأمس أصبحوا أعداء اليوم، لا لشيء ، إلا لأني منحت نفسي حق التفكير . طبعا ، من ينظر إلى خسارة هؤلاء بوصفها خسارة كبيرة فهو مخطئ ؛ لأن كل قريب أو بعيد يريد أن يسلبك حريتك فهو عدو، بل هو شديد الضرر وأبدي العدوة ، ومن الأفضل أن ينكشف في أقرب وقت، وأن تتعامل معه على أساس حقيقته المقيتة( أنه يريد إلغائك ) بدل أن تمنحه من التقدير والمحبة مالا يستحق . والعاقل لا يريد أن يعيش مخدوعا ، ولو كان في ذلك سعادته وطمأنينته. وأضاف: إن أفضل أنواع الصدام التي خضتها على المستوى الاجتماعي كانت هي التي كشفت لي أن الكثير كان يقبل بي، تحت شرط قاس، شرط يفقدني ذاتيتي. ومع أن الصدمة بالكثير من هؤلاء كانت مؤلمة على المستوى الشخصي، إلا أنها كانت تمحيصا ؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. إذن، فكل كان يقبلني بشرط أن أمنحه حريتي فأنا أرفضه قبل يرفضني، وما عليه إلا أن يحدد موقفه من حقي في التعبير لكي أعتبر خسارتي له من فضل من الله علي. لكن الكاتب الاسلامي محمد المحمود تحدث في حواره الطويل مع "العربية.نت" عن نوع آخر من الخسارة بقوله: هناك الخسارة ذات البعد المادي ، وهي التي قد تطالني وظيفيا ودراسيا ، ولها تأثير كبير على مستقبلي الوظيفي . هذه الخسارة ــ وما يدخل فيها من أنواع المضايقات ــ قد وطنت نفسي عليها ؛ لأني أعرف أن للكلمة التي تلتمس التغيير ثمنا باهظا . البعض يعتبر الخسارة في هذا المضمار هي الأشد إيلاما والأكثر ضراوة . لكنني لا أراها كذلك ؛ لأن الإنسان لا يعلم ماذا في المستقبل من خيارات قسرية لا يريدها في البداية ، لكنها قد تكون أفضل مما أراد وخطط له . التيار السلفي في السعودية وانتقل للحديث عن جانب آخر في هذه القضية مستطردا بأن "مشكلة التيار السلفي بالمملكة، هي حضوره الطاغي ، وهيمنته على مجمل ــ إن لم يكن كل ــ الحراك الدعوي والإعلامي والتثقيفي والتعليمي . هذا الحضور جعله متنفذا إلى حد بعيد في هذه الميادين . وزاد الأمر سوءا أنه أراد الهيمنة على جميع مناشط الحياة ، فضلا عن كونه يشدد ــ دائما ــ على أنه الممثل الشرعي والوحيد للإسلام . من هنا ، أصبح لا يقبل النقد ولا المراجعات . ولأن له امتداداته ( لوبياته ) الكثيرة ، فهو لا يكتفي بالرد الفكري المتشنج ، وإنما يسعىــ عبر وسائل عديدة ــ إلى إسكات الناقد بالقوة ، ما استطاع إلى ذلك سبيلا . تحول القرني والعودة وعندما طلبت منه تحليل التحول الكبير لرموز ما سمي بالصحوة مثل عائض القرني وسلمان العودة ، وهل هو مجرد لعبة مصالح وللحفاظ على ما بقي لهم من أضواء وجماهيرية، أجاب المحمود: لكي نفهم ما يحدث لسلمان والقرني وغيرهما، لا بد أن ننظر إلى الأمر من جهتين : الأولى : تخص الأشخاص أصحاب التحول . فهم ــ حتى إبان المد الصحوي ــ لديهم القابلية النفسية للتفاعل الإيجابي مع الواقع . ولم يكن يخشى عليهم في ذلك الوقت إلا من أن يستطيع التقاطع مع السلفية التقليدية ، والاندماج الشديد في مقولاتها التصنيفية الحادة ، أن يلغي ملامح هذه القابلية النفسية للتفاعل. وقال: شخصيا ؛ كنت أراهن على أن سلمان الثلاثيني لا بد أن يختلف عن سلمان الأربعيني والخمسيني ، حتى لو لم تتوفر الظروف التي تشجع على مثل هذا التحول ، مع أنها ساهمت بدور فعال فيه . أما القرني ، فكنت أرى أن تفاعله مع ظروف الانفتاح الإعلامي والاجتماعي شرط لتحوله . ولذلك، لن أستبعد أن تتوقف التحولات القرنية تحت ضغط المجتمع الصغير الذي يحاول أن يحتويه، إن لم يقطع معه على نحو حاسم . بينما سلمان ، سيبقى رهين تحولات كثيرة ، وإن تكن محكومة ــ إلى حد مــا ــ بتاريخه . ثم انتقل المحمود إلى سبب ثان يتعلق بـ "الظروف المحيطة بهما. وهما من النوع الذي يحمل قدرة ــ لا بأس بها ــ على التكيف مع الظروف. أنا لا أرى الأمر لعبة، بقدر ما أراه وعيا منهما بالظروف التي تفرض شروطها عليهما. قد تكون الظروف تلعب بهما بأكثر مما يلعبان بها. لكني أراهما ممن لا يعاند الزمن ، وإيجابية هذا لا تخفى، عكس كثير من أقطاب الصحوة وسدنة المدرسة السلفية الذي يرون في الثبات لمجرد الثبات فضيلة يفتخرون بها". ثم أضاف: أما الحفاظ على الجماهيرية، فإن المشهد الديني في السعودية وجماهيره الواسعة، لا يساعد على هذا التفسير للتحول لأنهما خسرا ــ على الأقل في بداية التحول ــ الكثير من الجماهير. إن جماهير الديني لدينا تميل إلى التشدد والثبات وإعلان أكبر قدر من العداء للآخر، ومن يريد الجماهيرية فعليه أن يتشدد ويقصي ويرفض كل الآراء خارج الأطروحة السلفية التقليدية، وهما ــ بتحولهما ــ مارسا عكس ذلك . سألته: قلت في أحد كتاباتك أن منهاجنا التربوية الشرعية غيرت وبدلت في المفردات الحادة لكنها بقيت رهينة التركيبة السلفية التقليدية في عمومها .. وهناك من يقول أنك أنت أحد خريجي هذه المناهج في بدايتك الصحوية والسلفية. فيجيب: كوني خريج مناهج تمتاح من المنظمة السلفية لا يعني أن تمثلت هذه المناهج . هذه المناهج كانت إلزامية، درستها ــ كغيري ــ وفي نفسي نفور من تزمتها وإقصائيتها وضيق أفقها . كنت في ذلك الوقت وأنا لا أستطيع نقدها بصراحة أكتفي بالإشادة بالرموز من خارجها فقط ؛ كنوع ممن الاعتراض الصامت عليها. كنت أقرأ الإسلام في مصادره الأولى ( الكتاب والسنة الصحيحة ) فأراه بريئا من هذه التشنجات المذهبية والتقليدية الميتة . الإسلام ــ كما قرأته ــ كان حيويا وتقدميا وخلاّقا ومتسامحا، بينما السلفيات كانت عكس ذلك. ثانيا : أنا لم أدرس الشريعة على نحو تخصصي . فأنا منذ أن كنت في المرحلة المتوسطة وأنا أقرأ الأدب والتاريخ ، وبعد ذلك الفكر والفلسفة ، ثم تخصصت في اللغة العربية والأدب العربي على نحو أخص. كان نهمي في الأدب والعلوم الإنسانية ، وكان الدين من بينها . قرأت الأفكار والمذاهب والنزاعات الداخلية والخارجية ، كجزء من تاريخ الفكر ، وقرأت الفكر الإسلامي، من حيث هو تمهر ديني وحضاري ، ولكني لم أتقولب في كلية من كليات الشريعة. وعن الشائعات التي تتعلق بحبه وتأثره بالحضارة الغربية كموقفه من الزواج والاسرة، أكد المحمود أنها "ليست شائعات. فما أكتبه عن الغرب يعبر عن رؤيتي بكل وضوح . جزء من إشكاليتنا أننا فقدنا عنصر الدهشة في النظر إلى المعجزة الحضارية الغربية . نحن نتعاطى مع المنجز الغربي وكأنه شيء طبيعي أن يحدث ذلك . لولا الغرب ؛ لبقيت البشرية كما كانت عليه منذ آلاف السنين ، ولما انقلبت حياة البشرية رأسا على عقب في معظم أنحائها . إننا لا نجهل ولا نتجاهل المناحي اللا إنسانية في مسيرة الغرب الحضارية ، وبقاياها لا زالت تؤرقنا كما تؤرق المفكرين في الغرب. لكن فضل هذه الحضارة على البشرية مما لا يمكن إنكاره . ومن كان صادقا في رفضه هذه الحضارة ؛ فليعش لشهر واحد ، دون التمتع بمعطياتها ، وليعد إلى حياة الأسلاف، حيث الجوع والأمراض والعالم المحدود . أما من حيث الزواج والأسرة ، فأنا لم أتزوج حتى الآن ليس لموقف فكري من الأسرة والزواج، حتى يقال أنني متأثر بالغرب في هذا ، بل هي مسألة شخصية ، تخضع للحسابات الشخصية الخاصة . وقال محمد المحمود إن الكتابة تخص الشأن العام، وليس من حق الإنسان أن يطرح طرحا إعلاميا ــ كالكتابة مثلا ــ لمجرد أن يعلن عن تغيره الذاتي؛ لأن تغيره لا يعني غيره ؛ ما لم يكن التغير يمس أفكارا تعني المجتمع الذي يعيش فيه. المسألة ليست أقنعة يتم نزعها بين الحين والآخر، بل هي رؤى فكرية، يراد لها أن تعمل عملها في انتشال الأمة من واقعها البائس . الإنسان الفرد ـ من حيث هو فرد ــ لا يهم تغير أم لم يتغير؛ لأنه رقم من ملايين الأرقام . الذي يهم ،هو الأثر الفكري لهذا التغير ، وما يحمله من شفرات لقراءة المجتمع الذي يحتويه. خنق الابداع ويرى المحمود أنه ربما كان العكس هو الصحيح، إجابة على عما إذا كان يرى أن المجتمع الذي يحيط به ولا يقبل بأطروحاته المثيرة هو أكبر خانق للإبداع، ويضيف: عندما يكفرك المتطرف الديني ، فإن هذا قد يؤلمك ، ولكن هذا يكشف لك على نحو حاد وشخصي حقائق لم تكن لتعرفها أو لم تكن تتوقع قربها ومستوى خطورتها . قد تسمع بالتكفير للمفكرين والفنانين والإعلاميين ؛ فتكتب عن خطر التكفير ، بوصفه من إنتاج الشباب المتطرف ذي الحماس الشديد. لكن أن يقف أمامك أكبر أستاذ في العقيدة ، يحمل درجة الدكتوراه، ويكفرك وجها لوجه ؛ فهذا ــ بلا شك ــ يكشف لك على نحو واضح من أين يأتي التكفير، وكيف تتعاطى المنظومة السلفية ــ بوصفها المرجعية لهؤلاء ــ مع الاختلاف في الرأي . ويستطرد: مهم أن يكتوي الذي يناقش مسائل الإرهاب بالإرهاب مباشرة، وأن يتعاطى مع الظاهرة على نحو ملموس. أذكر أنني كنت أتكلم أمام طلابي عن الإرهاب والإرهابيين ، وقلت: إنهم الخوارج في هذا العصر. كانت ردة الفعل أن كثيرا من الطلاب أمسك بي بعد المحاضرة ؛ ليقول لي : إنهم متشددون ، ولكنهم ليسوا خوارج ، إنهم من عائلات معروفة ، بل إن بعض أقاربهم أصدقاء لنا ، يحدثوننا عنهم . وهنا تتضح المشكلة ، فهؤلاء الطلاب يدرسون الخوارج وأعمالهم الإرهابية في التاريخ ، ولكنهم لا يتصورون أن يكون من يعرفونه منه . لا يتصور الطالب أن يكون أخاه أو عمه أو خاله من الخوارج ، فهذا عنده غير معقول . إن يصفه بالمتشدد ، لكنه لا يريد أن يصدق أن الخطر قريب منه إلى هذه الدرجة . ومن هنا ، فمن المهم أن يصطدم به على نحو صريح ؛ كي يدرك مدى خطورته . والمفكر في هذا أولى من غيره . الكاتب يعرقل نفسه وتناول المشكلات التي تعرقل الإبداع عند الكاتب والكاتبة هل هو الرقابة أم سوء الفهم فقال: أهم ما يعرقل الكاتب هو الكاتب نفسه. إرادة الكاتب ، وإيمانه بما يقول ، هو ما سيكفل للكاتب الصمود ، على الرغم من الرقابة ، وعلى الرغم من سوء الفهم . وفي ظني أن هناك انفراجا في مستوى الرقابة، وهو في اطراد معقول. أما سوء الفهم ، فهو لا يأتي إلا ممن يريد أن يسيء الفهم ، وهذا لا حيلة فيه . إرادة الكاتب قبل كل شيء، ثم تأتي الظروف المتاحة التي تقوم ــ من حيث توفرها ــ على أكتاف رجال يتمتعون بمستوى عال من الشجاعة والإيمان. بدون الإرادة الصلبة للكاتب تستطيع رسالة تهديد مجهولة أن تجعله يتوقف، ويستطيع الإزعاج الوظيفي والاجتماعي أن يجعله مترددا فيما يقول، وأن تكون حسابات الربح والخسارة بين ثنايا كل كلمة يكتبها . بل إن بعضهم لمجرد أن يرى تضاءل مستوى الترحيب الاجتماعي به ، ينقلب على عقبيه، ويتنكر لذاته، ويمنح عقله إجازة طويلة الأمد . وعما إذا كانت قد مورست أية ضغوط على جريدة"الرياض" التي يكتب فيها لكي توقفه عن الكتابة.. قال المحمود: من تعاملي مع التيارات المتشددة ، ومعرفتي بطبيعة عملها ، فأنا أدرك أنها تحاول إسكاتي بوسائل كثيرة ، ولا غرابة في ذلك ، فهذا جزء من نشاطها الروتيني شبه اليومي . لكن على وجه التحديد والتفصيل ؛ إجابة هذا السؤال ، عند الزملاء في جريدة " الرياض". جدير بالذكر أن الكاتب الاسلامي محمد بن على المحمود من مواليد 1971 في مدينة البكيرية بمنطقة القصيم، ودرس الابتدائية والمتوسطة في مدرسة تحفيظ القران بالبكيرية ، والثانوية في المعهد العلمي بالبكيرية، والجامعة في كلية اللغة العربية بالقصيم (فرع جامعة الإمام سابقا) ولا يزال يقيم في مدينة البكيرية، وتخصص في الأدب العربي ولا يزال يقوم بتدريسه منذ عين معيدا في قسم الأدب العربي بجامعة القصيم، وأعد رسالة الماجستير في الأدب العربي التي كان مقر را حسبما قال المحمود أن يقدمها للمناقشة "قبل ثلاث سنوات من الآن حيث كانت في غمرة التصدي لخطاب التطرف الأصولي وما تقاطع معه من مناهج ورؤى ، وأدركت استحالة ذلك ، خاصة وأن الكثير من أعضاء هيئة التدريس في قسم الأدب ، كانوا - كما تأكدت من بعض الزملاء - قد بيّتوا أمرا بليل . لذلك توقفت عن تقديم الرسالة إلى قسم يتربص بي". اهتماماتي كانت أدبية ويقول إن اهتماماته في البداية كانت "أدبية . وقد نشرت عدة قصائد في صحف الرياض واليمامة والوطن وملحق الأربعاء والفيصل ...إلخ . لكن ، لم يكن الفكر بمعزل عني على مستوى القراءة ، حتى في بداياتي ، فقد كان الفكر الديني ، وما تقاطع معه من التاريخي والسياسي ــ فضلا عن الفلسفي ــ من صلب اهتماماتي ويضيف: بدأت الكتابة المنتظمة في جريدة الرياض قبل نهاية عام 2002 م على نحو شهري بناء على طلبي ؛ لا شتغالي بالرسالة، ثم بعد ستة أشهر طلبت جريدة الرياض أن يكون نصف شهري فكان. وبداية من أوائل عام 2004م استقر الأمر على الكتابة الأسبوعية ؛ ولا يزال ، حيث كتبت أكثر من مئة وخمسين مقالا . ويوضح المحمود أنه لم يخض "معارك سجالية مباشرة ؛ لإيماني بأن مثل هذه المعارك تشد الخطاب إلى وقائع محددة ، فضلا عن إستهلاكها للكاتب والقارئ لكن، معظم ما طرحته كان ردا غير مباشر على وقائع وأطروحات ملأت الساحة المحلية والعربية بضجيجها ،فمثلا ، الإرهاب لم يكن ليستفزني للرد عليه فكرا وممارسة ؛ لو لم أجد أن حجم التأييد له في الأوساط المحافظة ، يتجاوز الأفراد ، إلى الروح العامة التي تعلي من شأن كل تشدد. كذلك، ردة الفعل على توظيف المرأة ، لم تجعلني أرد بشكل مباشر على فلان أو فلان ، بل ناقشت مسألة المرأة من حيث الحقوق الإنسانية، ومن حيث الوعي بها في المجتمع المحافظ، وكذلك بقية القضايا . ويضيف: أنا كما أنا – تقريبا- منذ كنت . أعي أبعاد الأطروحة الإسلامية ، وأتفهمها منذ كنت وإلى الآن. لكن ، ما أحاوله الآن هو : عقلنة الخطاب الإسلامي ، الذي أدرك دوره الفاعل في النهضة لأمة تعي نفسها من خلال الإسلام. وهذه المحاولة هي ما جعلتني أصطدم بالخطاب التقليدي الذي يرفض هذه المحاولة . قبل أن أطرح هذه المسألة على نحو علني وفي صحيفة سيارة ، لم يكن هناك داع للإصطدام ، لا من قبلي ولا من قبلهم . درك طبيعة الصراع ، وأتفهم رد فعلهم،ولكن هذا التفهم ، لا يعني الرجوع عن مرتكزات الخطاب . ويشير إلى أنه زار كثيرا من دول العالم ،"وقد أخذت دورت صيفية في اللغة في كل من بريطانيا، وكندا وأستراليا، وفي كل زياراتي ، أحاول أن أستبطن الأبعاد الثقافية في كل بلد ، وأن أعرف التمايز الحضاري من خلال المقارنة التي لا تكتفي بالمنظور والمتعين، وإنما بقراء الخلفية التاريخية ، والعناصر الفاعلة التي ساهمت في تشكيل كل بلد ، بوصفه ( أمة ) لها استقلاليتها ، بقدر ما لها من مشترك عولمي. كتبت عن المناهج عدة مقالات بعنون : من حديث المناهج . وكتبت عن العراق سبعة مقالات: الجهاد الكاذب ، لا للمعركة الخاسرة ، مابعد المعركة الخاسرة ،أمريكا في العراق، تحرير أم احتلال. إلخ . وكتبت عن التنوير وإشكالية تموضعه في مجتمعنا عدة مقالات ( التنوير والإسلام ) وأكثر من ثلاثين مقالا عن التطرف والإرهاب، وأكثر من عشر مقالات عن المرأة، وكلها تقوم، على الأقل كما أدعى، على استشعار البعد الإنساني، وأن الإنسان في أية قضية ، هو محور الرؤية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: Yasir Elsharif)
|
سلام يا أخي العزيز عاطف قولك:
Quote: توقفت عند ربط الكاتب لـ ( فترة المراهقة ) واستغلالها بواسطة الدعاة لـ ( تثبيت ) أفكارهم ( الجديدة ) في عقول النشئ اللدن |
أتفق معك عموما حول النقطة التي ذكرتها هنا وهي تعود إلى هذه الفقرة من كتابة محمد علي المحمود:
Quote: المثالية والنقاء والغيرية والتوهج الروحي.. إلخ التي يتمتع بها الشاب في مرحلة المراهقة، وما بعدها بقليل، إضافة إلى ضعف وعيه بتعقيدات العالم من حوله، يستغلها المتأسلمون فيه غاية الاستغلال. أذكر وأنا في الثامنة عشرة، كيف أن بعضهم أراد استغلال عاطفتي الدينية ومثالية المراهقة لدي، من أجل تحويلي من حالة التدين الخاص إلى حالة التدين العام. كان هؤلاء يُهدونني بين الحين والآخر أشرطة عن الجهاد الأفغاني، بعد أن سبقوا ذلك بأشرطة وعظية لتعزيز التشدد الديني. لا أزال أذكر كيف كنت أسمع مآسي الأفغان، حيث أبشع صور القتل والاغتصاب والإبادات الجماعية، فأكاد أنفجر غضبا من هول ما أسمع. كنت كلما سمعت شريطا من هذه الأشرطة، أغضب من نفسي؛ لأنني لا أعمل شيئا، وأغضب من مجتمعي ومن وطني ومن المسلمين جميعا.
|
ولكن الأمر يكون خطيرا جدا عندما تكون الحركة تستغل حماس المراهق لجعله ينخرط في العنف أو حتى الجهاد والقتال أو يمارس التكفير. قولك:
Quote: ذكرني هذا الربط بنقاش دار بيني والأخ الصديق دكتور حيدر بدوي صادق قبل ما يزيد على العشر سنوات إذ كان د. حيدر يتحدث ( مفتخراً ) أنه قد التزم الفكرة الجمهورية وهو إبن السابعة عشر ، فكان رأيي يومها أن مصدر فخره هذا قد يكون أضعف حلقة في إنتمائه للفكرة الجمهورية ، إذ كان الأمر بالنسبة لي أن المرؤ في تلك السن ليس مؤهلاً معلوماتياً وسلوكياً لاتخاذ قرار بخطورة الإنتماء لفكرة إما أن تقوده للجنة أو تقوده للنار .ولعلي أفصل هنا أن لفظ ( سلوكياً ) المقصود بها سلوكاً ( تعبدياً ) ، |
أرجو أن تسمح لي بأن أختلف معك. عندما تكون الحركة التي تستقطب الشباب هي حركة مسالمة لا تدعو للعنف ولها رأي في مسألة الجهاد، كالحركة الجمهورية، تكون المسألة مختلفة، فالشاب، حتى وإن كان قراره بالانتماء إلى الحركة يشوبه الضعف وقلة المعلومات وقلة التجارب، إلا أنه لا يشكل خطرا على نفسه أو على الآخرين. يمكنه دائما أن يراجع موقفه من الفكرة، مواصلة أو توقفا، حسب ما يتضح له من صدق دعاتها أو زيفهم. قولك:
Quote: فقد رأينا الأستاذ محمود محمد طه يرفض إجتهاد الدكتور مصطفى محمود لفهمه العصري للقرآن رأيناه يرفضه بسبب عدم وجود قدم راسخة للدكتور مصطفى محمود في ( التصوف ) - حسب زعم الأستاذ محمود - ، وقياساً عليها فأنى لـ ( مراهق ) أن يمتلك قدماً راسخة في تصوف ؟؟؟؟ |
ومن قال أن المراهق الذي ينتمي للفكرة الجمهورية لتوه يمتلك قدما راسخة في السلوك أو العرفان؟؟ الأستاذ محمود لم يقل ذلك. مع خالص المودة. ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: سلامات ياسر وعاطف .. النقطة الأشار ليها الأخ عاطف .. تكاد تكون ظاهرة في استراتيجيات التنظيمات الفكرية في السودان.. لا أعرف أيهما الأسبق في تسكين ظاهرة تجنيد الشباب من مرحلة مبكرة .. الإسلاميون أم اليسار؟ فضلا عن ملاحظات تكونت لدي بمراى العين .. لم أكن أفهمها في وقتها .. اصتياد وتجنيد الشباب الذين تعرضوا لانحرافات سلوكية مبكرة .. سكر ، دخان ، الباقي عارفنو. |
سلامات يا عزيزي محمد علي طه الملك أفتكر أن اليسار والميل نحوه نشأ كرد فعل ضد الطائفتين الكبيرتين الأنصار والختمية، وذلك مسايرة لاتجاهات التقدمية والثورية ومحاربة الاستعمار التي كان يمثلها المعسكر الشيوعي ومنها جاء اسم الحزب "الجبهة المعادية للاستعمار"، وذلك سبق نشوء الحركة الإسلامية ــ الأخوان المسلمون ــ.. بعد ذلك، وفي بداية الخمسينات نشأت الحركة الإسلامية كرد فعل لنمو الحركة اليسارية الشيوعية، التي كانت متهمة بالإلحاد إلخ.. الحركة الإسلامية جاءتنا من مصر، مثلها مثل حركة اليسار الشيوعي التي جاءتنا أيضا من مصر. أما الحركة الإسلامية في مصر فقد تأثرت كثيرا بالمذهب الوهابي السلفي في السعودية..
ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: Yasir Elsharif)
|
أيمن دين سعودي تأثر بالفكر الوهابي وما سمي بالصحوة في بداية التسعينات. سافر إلى القتال في البوسنة وعمره 16 سنة وبعد ذلك سافر إلى أفغانستان والتحق بالقاعدة ولكنه خرج عليها بعد حادثتي تفجير دار السلام ونيروبي، ثم تلقفته المخابرات البريطانية فجندته لديها.. تابعوا قصته في هذه الحلقة من "بلا قيود":
Quote: 16.03.2015 ضيفنا في هذه الحلقة شخص أمن بفكرة الجهاد في غير أرضه، قاتل في البوسنة اثناء حرب البلقان، ثم مضى في طريق ما اعتبره جهاداً الى أفغانستان، ليبايع زعيم تنظيم القاعدة في ذلك الوقت أسامة بن لادن. لكن قصته اتخذت مجراً أخر بعد ان شاهد التفجيرات التي قامت بها مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة في شرق أفريقيا العام 1998 ليكون مصدر معلومات لجهاز الاستخبارات البريطاني على حد زعمه.
نسأل الجهادي السابق، عميل الاستخبارات البريطانية، أيمن دين عن رحلته بين الايمان بفكرة الجهاد، والمراجعة التي قام بها فيما بعد، لتقوده للعمل مع من كان يعدهم الاعداء، ويمدهم بالمعلومات التي يصفها بالحيوية، والتي منعت العديد من هجمات التنظيم في دول عدة. لماذا خرج الان للإعلام ليحكي قصته بشكل تطوعي؟ ولماذا انخرط الكثير من رفاق الجهاد الذين كانوا معه في تنظيم الدولة بالرغم من الخلاف الظاهري مع تنظيم القاعدة؟ |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد علي المحمود كاتب سعودي يكتب بجرأة وش� (Re: Yasir Elsharif)
|
هذا هو المقال الثاني في سلسلة المقالات عن إيران وديمقراطيتها المزعومة......
ــــــــــ
الخميس 16 ربيع الآخر 1436 هـ - 05 فبراير 2015م - العدد 17027 , صفحة رقم ( 67 ) ديمقراطية رجال الدين في إيران محمد بن علي المحمود
لا بد من التأكيد على أن كل ما قلناه، وكل ما سنقوله اليوم، ولاحقاً، عن طبيعة الحكم السياسي في إيران، لا نقصد به تبخيس الشعب الإيراني، ولا تبخيس الحضارة الإيرانية العريقة؛ فضلاً عن الإزراء بالمرجعية المذهبية لرجال الدين هناك، وإنما أردنا – فقط - مقاربة أحد أشهر وأقوى النماذج التي فرضت نفسها على الواقع الإسلامي، كنموذج للحكم المتأسلم، هذا الحكم الذي لا يزال حاضراً لدى معظم الأطياف الأصولية في كثير من البلدان الإسلامية، بصرف النظر عن المضمون المذهبي، وبصرف النظر عن طبيعة الشعب موضوع التجربة، وبصرف النظر عن المرجعية الأعمق التي تُحيل إليها مكونات الوعي العام. فكل بلد إسلامي تنشط فيه تيارات الأسلمة مُعرّض للمرور بذات التجربة الإيرانية، أو بما هو أسوأ منها، خاصة بعد ما فتحت الفوضى الشعبوية الأبوابَ لكل أشكال التجارب بلا حدود ولا قيود، وانساقت الجماهير لاهثة خلف كل بارقة أمل؛ حتى ولو كانت تُومض من تجربة ماضوية راسخة في عالم الاستبداد القروسطي.
كان الخميني، مؤسس الجمهورية الإيرانية، يُمثّل تطلعات رجال الدين السلطوية ذات الطابع الاستبدادي، في الوقت الذي كان يُناضل فيه ضد استبداد وطغيان الشاه!. بل كان يرى نفسه، ومن ورائه رجال الدين، أنه الأحق بكل ما يتمتع به الشاه من جاه وسلطة وإعجاب جماهيري لا ريب أن كل نظام يبحث لنفسه عن شرعية في عدالة ما، أو عدالة من نوع ما. وبالتالي سيتزيّا بكل ما من شأنه أن ينأى به عن تهمة الاستبداد حتى ولو كان الاستبداد قوام وجوده. ومن هنا وجدنا كبار المستبدين، بل وكبار الطغاة يطرحون أنفسهم كمُحررين للشعوب من وهم العدوان الخارجي؛ بعد أن عجزوا عن تحرير الشعوب من حقيقة طغيانهم الداخلي، وأصبح الضرب على وتر الحرية ومساراتها
جزءاً من صناعة المشروعية في كل نظام.
إذن، لا غرابة أن وجدنا رجال الدين (الذين لا يتجاوز وعيهم العدلي/ الحقوقي "عدالة مزاجية الشخص الفرد"، تلك العدالة المستمدة من وعي تاريخي سحيق) يتزيون ب"الديمقراطية الاستبدادية !"، حيث الشكلانية الديمقراطية توفر غطاء شرعياً للجوهر الاستبدادي الكامن، والذي لا بد أن يكون هو الأصل في وعي الثيوقراطيين أينما وُجدوا وكيفما وجدوا. ولتمرير قيود الاستبداد عبر قيود الشكلانية التحريرية/ الديمقراطية، يتم نسج تلك القيود الحريرية - التي ستستحيل إلى قيود فولاذية - من فتائل المقدس الديني الذي يجعل جماهير المؤمنين لا تفرق بين الإخبات التعبّدي لرب العالمين، والاستحذاء التذللي لكبار المستبدين.
كان الخميني، مؤسس الجمهورية الإيرانية، يُمثّل تطلعات رجال الدين السلطوية ذات الطابع الاستبدادي، في الوقت الذي كان يُناضل فيه ضد استبداد وطغيان الشاه!. بل كان يرى نفسه، ومن ورائه رجال الدين، أنه الأحق بكل ما يتمتع به الشاه من جاه وسلطة وإعجاب جماهيري. يذكر فرهنك رجائي في كتابه (الإسلاموية والحداثة، الخطاب المتغير في إيران ص10) أن الشاه استقبل استقبالاً حافلاً عندما زار قُم؛ فقال الخميني بعد أن نقل له أحدهم أخبار هذا الاستقبال: "سيحين دورنا نحن أيضا". وهذا يعني أن سلطوية رجال الدين هي التي كانت حاضرة في وعي المؤسس الأول لجمهورية رجال الدين، وليس تحرير الإيرانيين، أو - على نحو أدق - ليس بالدرجة الأولى تحرير الإيرانيين، ولا تحرير الدين.
عندما كان الخميني يُؤسس لنظرية ولاية الفقيه المطلقة، ويوطد لها في بُنيّات النظام الناشئ؛ كان خليفته المنتظر: آية الله حسين منتظري يتمايز قليلاً عن هذه الرؤية الخمينية الاستبدادية، محاولاً تقليم أظافر النظرية إلى الحدود الدنيا التي ترضي غرور المتواضعين من رجال الدين، ولا تضع – في الوقت نفسه – الإيرانيين تحت نير الاستبداد الثيوقراطي. وبطبيعة الحال؛ لم يكن منتظري ديمقراطياً حقيقياً؛ ولا يستطيع أن يكون (وهذا واضح من خلال شروطه التي نص على وجوب توفرها في الحاكم، ومنها: الذكورة، وأيضاً، تأكيده على أن الحاكم هو المسؤول، ولا يلزمه اتباع الأكثرية)، لكنه كان – بلا شك - أميل إلى إعطاء الشعب دوراً أكثر مباشرية في انتخاب الولي الفقيه، وأميل – وهذا هو الأهم – إلى تحديد صلاحية الحاكم الإسلامي بالدستور؛ لا أن تكون سلطته/ ولايته مطلقة؛ بحيث تضارع سلطة الرسول أو سلطة الإمام، إذ كان منتظري يعي أن هذه السلطة/ الولاية المطلقة للفقيه تنطوي على إشكال لاهوتي عميق، يمس جوهر الإمامة ذاته، ومن ثم يمس كل مسارات المحاججة المنطقية للمذهب من الأساس.
لهذا، لم يكن لتصورات منتظري أن تأخذ طريقها إلى الواقع الذي بدأ رجال الدين يتسيدونه؛ لأنها ضد تسيد رجل الدين تسيداً مطلقاً لمجرد أنه رجل دين. لقد رأى رجال الدين أن تصوراته تحد من نفوذهم في الواقع، وأنها تمنح الشعب/ الناس استقلالية أكثر مما ينبغي. ومن هنا تم إقصاء منتظري عن موقعه كخليفة للخميني، ثم جرى تهميشه على المستوى السياسي بالكامل، وتطور الوضع إلى حد فرض الإقامة الجبرية عليه إلى آخر يوم في حياته التي امتدت لعشرين عاما بعد وفاة الخميني. وكل ذلك من أجل أن تبقى رؤاه وتصوراته خارج نطاق التأثير في جماهير المتدينين الذين يحتاجهم النظام الخميني/ الخامنئي من أجل إرساء قواعد الحكم الثيوقراطي الاستبدادي الذي لا يمكن أن ينهض إلا على أكتاف المؤمنين إيماناً أعمى بولاية الفقيه المطلقة التي لا تُعرف لها حدود؛ إلا رغبات وتطلعات الولي الفقيه.
لقد بدأ الخميني رحلته السياسية كعقائدي وليس كسياسي، على الأقل كما يبدو في صورة الخطاب المعلن. لكن، هل كان الخميني سياسياً يتوسل الدين، أم رجل دين يتوسل السياسة؛ لكونها السبيل الأنسب لتجذير الإيديولوجيا الخاصة؟!. من الواضح بعد أكثر من ثلاثة عقود على نضج التجربة أنه مزيج من هذا وهذا، وأن محاولة الفصل بين هذين المسارين المتفاعلين جدلياً لن تكون محاولة ناجحة. بل من المرجح أن الأمور كانت تسير بتفاعل معقد على هذا المستوى الجدلي، وأن الخميني ذاته لا يستطيع – ولا حتى أمام نفسه – البت في ترجيح المحددات الأولى لخياراته، فهناك دائماً ما يتوارى من عالم الشعور/ عالم الوعي ليجد له ملاذاً في عالم اللاشعور/ عالم اللاواعي.
المهم، أن الخميني، ومنذ البدايات الأولى لحراكه المسيّس، كان إيديولوجياً صريحاً، بل وكان دوغمائياً حتى مع رفاقه من رجال الدين الذين قد لا يشاركونه آراءه الأصولية ذات البعد السياسي الحركي. هذا النفس الدوغمائي كان راسخاً في شخصيته حتى قبل نجاح ثورته. وربما كانت رسالته التي بعث بها إلى العلماء في أبريل 1963م محرضاً لهم من أجل الوقوف ضد الظلم والفساد أفضل ما يكشف عن هذه الدوغمائية الصارخة. يقول - كما يقول أي سلفي عتيد -: "فالقرآن والدين بأسره في خطر عظيم. فالتقية في مثل هذه الحال حرام، وإظهار الحق واجب شرعي" (إيران بين القومية الفارسية والثورة الإسلامية، علي محافظة ص96).
إذاً، الصواب ذو وجه واحد عند الخميني؛ حتى ولو كان خياراً سياسياً في طبيعة/ كيفية مواجهة الظلم، مما يعني عملياً نفي كل الاجتهادات الأخرى التي قد تكون معنية بخلق توازنات أعمق، سواء في السياق الديني أو في السياق المدني/ السياسي. هذا منطقه قبل ستة عشر عاماً من ثورته. وللأسف، هذه الرؤية الأحادية السلطوية هي التي سادت من بين جملة خيارات كانت مطروحة في ساحة الفعل السياسي الديني، وهي التي حكمت مسيرة المحافظين منذ التفافهم حول الخميني قبل الثورة بسنوات وإلى اليوم.
مات الخميني؛ ولم يمت. آراؤه لا تزال حاكمة، وتلاميذه لا يزالون يتسيدون المشهد السياسي في إيران. روحه المحافظة ذات الطابع التسلطي لا تزال تُلهم الأصوليين في جمهورية رجال الدين. فهذا مصباح يزدي، زعيم تيار المحافظين اليوم، وأقرب المقربين إلى مرشد الثورة الحالي/ خامنئي يُصرّح برفض التعددية، ويستدل على ذلك بأن رسل الله لا يؤمنون بالتعددية، بل آمنوا بفكرة واحدة فقط، هي الفكرة الصحيحة. (الإسلاموية والحداثة، الخطاب المتغير في إيران ص272). وهذه الرؤية الأحادية هي جوهر الرؤية السلفية/ الأصولية في كل دين وفي كل مذهب، إذ هي تُماهي – حد التطابق - بين رؤيتها التأولية البشرية النسبية، غير المعصومة، وبين ما كان إلهياً مقدساً متحقق الصواب في وجوده المطلق/ المتعالي.
لقد وضع الخميني أسس دولة سلفية، بل وطائفية في سلفيتها أيضاً. ومع هذا تم رسم هياكلها على هيئة النظم الديمقراطية ذات الطابع المؤسساتي، مع أن الخميني يرفض هذا الاسم (= الديمقراطية)، ويعده لفظاً مستعاراً من الأمم الكافرة المستكبرة. وقد اتضح هذا الرفض بجلاء عندما أصرّ مهدي بازركان (أول رئيس وزراء) بأن يكون الاستفتاء على (الجمهورية الديمقراطية)، بينما أصر الخميني على (الجمهورية الإسلامية) فقط، رافضا لفظ: الديمقراطية (إيران بين ثورتين ص148). وهذا يعني أن الخميني كان يدرك منذ البداية أنه يؤسس لدولة دينية، لا دولة مدنية ديمقراطية، فجمهوريته – من حيث مُسمّاها الرسمي الذي جادل لتثبيته - هي جمهورية إسلامية، وليست جمهورية ديمقراطية. وهذا ما سيثبت رسمياً في المتن الدستوري، كما سيبدو واضحاً في طبيعة عمل المؤسسات التي تشكلت في الواقع كتجسيد عملي/ فعلي للدستور، الذي هو – أي الدستور - رؤية الخميني للحكومة الإسلامية كما يجب أن تكون.
ينص الدستور الإيراني (الديمقراطي!) على أن منصب القائد/ الولي الفقيه لا يشغله إلا شيعي إمامي اثنا عشرياً، وكذلك منصب رئيس الجمهورية، وأن الدين الإسلامي - وفق المذهب الجعفري الإثنى عشري - هو دين/ مذهب الدولة الرسمي، وأن هذه المادة باقية إلى الأبد، غير قابلة للتغيير. ومعنى هذا أن المواطنة المدنية/ المساواتية التي هي شرط الديمقراطية الأول، بل الشرط الجوهري، غير متوفرة بنص الدستور. فكأن الدستور ينص منذ البداية على أنه دستور غير ديمقراطي. ويزداد التمييز وضوحاً عندما تُستبعد المرأة من المناصب القيادية كافة، فضلاً عن منصب المرشد، ومنصب رئيس الجمهورية، والمناصب القضائية. وهذا التمييز الجنسي الصارم والصادم، الذي يحرم المرأة من المناصب العليا لمجرد كونها أنثى، هو ما جعل فايزة علي أكبر هاشمي رفسنجاني (ابنة رئيس الجمهورية الأسبق)، تهاجم رجال الدين لكونهم سبباً في التمييز الجنسي الذي ينسبونه – زوراً - للإسلام. تقول: "ليس هذا هو الإسلام، وإنما هو تفسير رجال الدين لمفاهيمه ومبادئه. فهم الذين منعوا النساء من الترشح للمناصب العليا في الدولة" (إيران بين القومية الفارسية والثورة الإسلامية ص210). ولا شك أن المرأة الإصلاحية باتت تعي أن ما يطرحه رجال الدين؛ مما يتعارض مع بدهيات حقوق الإنسان، ليس من الدين في شيء، وأنه مجرد رؤى خاصة، أنتجها الفهم البشري القاصر لمجموعة بشرية محدودة الوعي، ورغم محدودية فهمها السلفي فهي تريد احتكار الحديث عن الدين.
المتعصبون إقصائيون بطبيعتهم. وعندما يحاولون تأسيس ديمقراطية فستكون ديمقراطية صورية، تُميّز على أساس الدين، وعلى أساس المذهب، بل وعلى أساس النوع (ذكر- أنثى). ديمقراطية تمييزية على هذا النحو، هي أقصى ما يستطيعه رجال الدين؛ بعد أن رهنوا عقولهم لعقول انتهت صلاحيتها بانتهاء صلاحية ما أنتجته منذ ألف عام.
لا يستطيع الأصوليون السلفيون (أيا كانت انتماءاتهم المذهبية) تجاوز الأسلاف حقيقة، لا يستطيعون اجتراح شيء حقيقي في مجال الفعل السياسي المعاصر، خاصة في جانبه التحرري. وإذا كانت ديمقراطية رجال الدين في إيران تُقصي: (غير المسلم) و (غير الشيعي) و (غير الذكر= المرأة)، فهذا ليس سلوكاً استثنائياً لرجال الدين هناك، كما أنه ليس صادراً عن مضامين مذهبية محددة، بدليل أن أمّ الحركات الإسلامية السنية المعاصرة (= جماعة الإخوان)، وكل تفريعاتها، هي تسير – فكراً وممارسة - على هذا المنوال من الإقصاء السياسي؛ مع ادعاء الديمقراطية في كثير من الأحيان. ولنعرف؛ يجب أن نتذكر أن مكتب الإرشاد الإخواني (أعلى هيئة سياسية في الجماعة)، لم ينتخب امرأة واحدة في عضويته على مدى 88 عاماً من تاريخه، بل ولا ظهر في الجماعة صوت نسوي قيادي؛ رغم الأدوار الكبيرة المنوطة بالكوادر النسوية على مستوى العمل الميداني الإرشادي/ التعبوي. ولهذا قال صلاح نيوف وهو يناقش المشروع السياسي للإخوان: " نعتقد أن الإخوان المسلمين ليس لديهم ما يقدمونه، كإضافة على الجمهورية ‘‘الإسلامية‘‘ الإيرانية" (الإخوان المسلمون في سورية ص56). وبهذا يتضح أن تجربة رجال الدين في إيران، رغم محدوديتها، ورغم انغلاقها، بل ورغم بؤسها، تُعدّ خطوة متقدمة؛ قياساً بما تطرحه الحركات المتأسلمة اليوم في العالم العربي.
| |
|
|
|
|
|
|
|