دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
قلب الرواية
|
07:34 AM Oct, 11 2015 سودانيز اون لاين mustafa mudathir-Canada مكتبتى فى سودانيزاونلاين
قلب الرواية على سبيل الاستبصار
(1) مدخل وَعِر __________________
يبدو صائباً إن قامت سلطة بإقتطاع جزء من أرضٍ خاصة لصالح بناء طريق جديد ذي منفعة للعامة مع تعويض من اقتطعت أرضه. فهو صائب appropriate واسم الفعل في الانجليزية هو appropriation ومن المهم أن نشير إلى أن المصادرة شيئ، في حدود علمنا، مختلف وتعادلها في الانجليزية كلمة confiscation فهي فعل يتم باختصاص سلطوي يرى نزع أو أخذ أرض أو ممتلكات على أساس أسباب لا يرغب الفاعل (السلطة) في مناقشتها وليس فيه، كفعل، تعويض معلن! فالمصادرة ككلمة في ذهنية السوداني والعربي الشرق أوسطى مستقرة على دلالات محددة، هي وأختها (التأميم)! مترادفتان إجرائيتان يُسأل عنهما عبدالناصر وجعفر نميري وآخرون! على أن كاتب هذه السطور يرى أن تأميم قناة السويس كان أساً من أسس حياته كإنسان في المنطقة. والغرض من هذا التقديم اللغوي هو المساهمة في شرح وإجلاء مفهوم هام طرحه المفكر الراحل ادوار سعيد لكونه الأكثر لفتاً على طريق استبصار أصول العديد من الروايات ومن بينها رواية موسم الهجرة إلى الشمال، م ه ش. وحقيقة تقف العديد من المقاربات لرواية م ه ش أمام تهمة المناقبية البحتة أو التشنيعية العنصرية ويأتي دائماً زمان يكون فيه الإطراء تهمة! فهنا إعتذاري للمناقبيين! فما الذي حدث لمفهوم ادوار سعيد، الرجل ذي المفهومات الشامخة؟ الذي حدث هو أن ادوار سعيد كتب كتبه العظمى بالانجليزية وقام بترجمتها له شخص علَم في عالم اللغة والترجمة هو الاستاذ بجامعة لندن، حينها، كمال أبو ديب. وهو مترجم ونوس و(غلباوي) في لغة السودانيين، و(بتحب) في لغة المصريين. وشرس ومقاتل عنيد أمام مفردات اللغة وجاهز لاستنان مفردات على الماشي كدا، مع الدفاع عنها أحياناً داخل لغة النص المترجم، ولا يهمه! بل يبدو أن سعيداً كان سعيداً بخروقات المترجم وهذه تحسب لصالح الإثنين لأنهما كوّنا في لحظة ما حلفاً منيعاً لمصلحة اعلاء صوت التأصيل والمعرفة بتوفيرهما مادة غزيرة لمَن ابتغى إلى الاستقصاء سبيلاً! وبحسب مفهوم سعيد (الإدوارد، حتى لا نخلط بينه وبين مصطفى سعيد) فإن الطيب صالح قد قام بإستعارة/مواءمة/إقتطاع appropriation الشكل الروائي لكاتب صليح للإمبريالية، وهو جوزيف كونراد، في روايته ( قلب الظلام، Heart of Darkness). ولمزيد من الشرح، ولأنه لا يتأتى كاستنتاج منطقي من الجملة السالفة، قام الطيب صالح بقلب المعنى كله، وذلك بالحكي عن شخص أفريقي ذهب في الرحلة العكسية، المتخيّلة بالطبع، فغزا أوربا الكولنيالية متمثلةً في بريطانيا وكان غزوه في شكل فظاعات جنسية (غير مثيرة)، انتهت بميتات لا معنى لها. وهو هنا يحاكي عكسياً كيرتز Kurtz في رواية كونراد Joseph Conrad الذي اخضع قبيلة أفريقية بحالها لنزواته في الحيازة على أيام الهوس الكولونيالي تلك. أما غزوات كرتز الجنسية فقد عبّر عنها كونراد بمشهد حيي وجمالي عن امرأة أفريقية تزرع الشاطئ بوجود طاغٍ وانتهينا! ومفهوم ادوار سعيد، مفهوم قوي وجبّار من حيث مدى اختباريته وعلميته ولكنه بالطبع خاضع للمزيد من المناقشة وسوف يكشف لنا، بإذنه تعالى، الأسرار الهامة فيما وراء الروايات العظيمة ولكننا نكتفي في هذا التقديم بإبداء الملاحظة المعترضة على ترجمة كمال أبو ديب للكلمة الأصلية لإدوارد سعيد appropriation لتبدو أنها مصادرة confiscation وعربية فوق سياق وسياج الترجمة!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: mustafa mudathir)
|
عاطر التحايا .. وتزاحم الاشوق ..
واين اراضيك ايها المصطفي .
Quote: أما غزوات كرتز الجنسية فقد عبّر عنها كونراد بمشهد حيي وجمالي عن امرأة أفريقية تزرع الشاطئ بوجود طاغٍ وانتهينا! |
بلا تردد
لي عودة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: مني عمسيب)
|
سلامات العزيز مصطفى .. العود أبرك .. تقول أن رواية موسم الهجرة إلى الشمال .. قال عنها ايدوار سعيد أنها جاءت على النسق الشكلاني لرواية قلب الظلام . لم أقرأ كتاب ادور ولا رواية قلب الظلام .. ولكن تكفيني مصداقيتك في كونها وصفت بمعكوس رواية جوزيف كونراد كما تفضلت.. لو صح فهمي فأنت ترى في استخدام المترجم للفظ ( مصادرة ) .. فوق أنه غير دقيق فهو يوحي بسلطوية متعالية على العكس من كلمة ( اقتطاع ) التي عناها ايدور.. لعل الفعل الأدبي ( كوقائع وأفكار وأخيلة وتعابير ) بعد نشرها.. لازال الجدل حولها قائم بين النقاد .. ما أن كانت قوانيين الملكية الفكرية تقف حائلا دون شيوع الثقافة في حدود الاستقطاعات أو الاستلافات المحدوة أم لا ؟.. أقول (محدودة ) حتى لا ينصرف المعنى إلى عكس مراد احتكار الحق الأدبي .. لذا تجدني على اتفاق مع منطق استبصارك الاحتجاجي المرتكز على دلالة اللفظ .. لكون الدلالة بالفعل مستقرة في الوجدان بمعنى الغصب .. بل أزيد .. ربما في غياب حسن النية .. قد لا أغالي إن قلت بإمكان دلالة اللفظ تمديد وعي القارئ لايحاء خفي يقود لمعنى السرقة الأدبية . لم تقل لنا جنسية المترجم ؟ عوفيت.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد على طه الملك)
|
سلام أستاذنا مصطفى دائما ما تتحفنا وتنورنا في هذا العالم الذي تملك ناصيته ويشدنا جميعا
أنا في الأول فهمت القصد من العنوان ( قلب الرواية ) مقصود به ( فؤادها ) أو لب الرواية .. الى أن قرأت وفهمت المقصود هو عكسها (أنشاء الله أكون فهمت صاح )
طيب بناءا على هذا الفهم كنت عاوز أعمل أسقاط للبوست على رواية ثقوب في الثوب الأسود لأحسان عبد القدوس التي نشرت في عام 1962 وهي تكاد تكن وجه ثالث لمثلث الروايتين . .موسم الهجرة للشمال للطيب صالح ورواية قلب الظلام لجوزيف كونراد .. وجه الشبه معهما وهو هجرة أنسان من موطنه الأصلي الى عالم جديد ومجتمع جديد .. لكن هذه المرة طبيب نفسي مصري في أدغال أفريقيا .. بمعنى ليس برجل أبيض ( نسبيا ) وحتى الزنوج الذين توغل في وسطهم ليسو زنوجا سود بل أيضا خليط ( ملونين ) تناول قضية الماتيس و هم من يولد لأب أبيض و أم زنجية و يعيش منبودا في المجتمع الأفريقي ..سامي الماتيس يكتشف نفسه بمساعدة الطبيب النفسي المصري و يقرر أن يكون زنجياً يدافع عن حقوق مجتمعه .. وأيضا يكاد يكون القاسم المشترك هو هذا الغزو الجنسي أن جاز التعبير . لكن بمفهوم قلب الرواية تحس أن أحسان عبد القدوس قلب الروايتين وأخذ منهما جرعة مخففة أو منطقة وسطى ( بأعتبار أن في روايته الهجرة ليست من مناطق المستعمر الآبيض ( تماما ) وكذلك ليست الى عالم السود ( تماما ) .. هذا الأفتراض مبني على أعتبار أن رواية احسان عبد القدوس هي الأحدث بين الروايتين .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: درديري كباشي)
|
سلام يا ملك. ادورد فلسطيني والمترجم كمال أبوديب سوري واستاذ كرسي العربية في جامعة لندن كما يقول غلاف كتاب سعيد الثقافة والامبريالية. سأحشرح مفهوم المصادرة عند سعيد ففي الجزء (2) من المقال. وجودك كقانوني وكسارد سيعين كثيراً في إثراء الحوار سلام يا درديري وأهلاً وقلب الرواية ليس كقلب الدينمو! يسلم فؤادك. أما رواية ثقوب فأنا للأسف لم أقرأها ولكن بما تفضلت به قد تكون من الأعمال التي يمكن تطبيق مفهوم سعيد عليها. وسعيد لم يشير إليها في كتابه. سآتي على دلالة الابحار شمالاً وجنوباً في الأنهر الأفريقية وعلاقتها بالأعمال التي قال سعيد بمشاركتها في الخطاب المفكفك للاستعمار.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: بله محمد الفاضل)
|
سلام وترحيب بالأخت منى عمسيب. شكراً يا بلة على الرابط وهو يحوي أعمال ادوار سعيد الكاملة. للجميع، ظلل اقطع وألزق! جلالدونا سلامات مصطفى سعيد مثقف منهزم، وهو عكس الرسالة التي تخيلت أنت أنه أكملها فهو عاش عادياً في القربة وخبراته التي قدمها لأهل القرية تتواضع بالمقارنة مع خبرات عشرات السوداننين الذين ذهبوا وتعلموا في أوربا وعادوا حال انتهاء دراستهم ولم يقتلوا أحداً. كما أن م سعيد أشاع جرثومة العنف التي إدعى أن المستعمر قد حقنها في شرايين الأفارقة. لا أعتقد أن هناك رسالة في الرواية. ولكنها رواية جيدة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: mustafa mudathir)
|
تصدق وتؤمن يا مصطفى خطوتي التالية طوالي كانت البحث عن هذا البوست ورفعه. الموضوع غني ومفيد وفوق ذلك قراءته ممتعة وليس كغيره من المواضيع الغنية المفيدة وقراءتها غير ممتعة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: mustafa mudathir)
|
Quote: "كونهم جاءوا إلى ديارنا، لا أدري لماذا؟"
." وهذا طرح بائس من شخص لا يعرف تاريخ بلاده في الأريعين سنة فقط السابقة لميلاده، لا يعرف لماذا دخل المستعمرون."
" فنحن أمام انسان جاهل. فالخطاب السياسي في رواية م ه ش هو خطاب رث ولا منتمي!" |
داير أسأل نفس سؤال مصطفي ليك يا مصطفى، لماذا جاءوا إلى ديارنا؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد كابيلا)
|
كلمة اخيرة : الطيب صالح وجوزيف كونراد
فخري صالح-من جريدة "الدستور" الاردنية
عادة ما تتناسل الروايات العظيمة في اللغة نفسها ، أو في لغات أخرى ، فتولد من بعدها روايات تالية تكون بمثابة إعادات قراءة ، أو نسج على منوال تلك الروايات ، أو إعادة صياغة عبقرية لجوهرها أو منطوقها. ويمكن القول إن "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي الكبير الراحل الطيب صالح تمثل إعادة كتابة مبدعة لرواية "قلب الظلام" للروائي البريطاني الجنسية ، البولندي الأصل ، جوزيف كونراد إذ يعكس الطيب صالح مسار الرحلة من الجنوب إلى الشمال ويعيد تأويل رسالة كونراد الملتبسة في روايته العظيمة التي يلتحم فيها الراوي بشخصية المروي عنه في الصفحات الأخيرة من "قلب الظلام".
تبدو "موسم الهجرة إلى الشمال" مسكونة بالرواية الكونرادية. إنها بمثابة تشخيص للوضع الاستعماري من وجهة نظر المُستعمَر. ولكن كما هي الحكاية في "قلب الظلام" مأخوذة إلى عمقها التراجيدي المتطرف والشديد التمثيل فإن حكاية مصطفى سعيد هي رد عنيف متطرف على غزو الاستعمار لجسد القارة الإفريقية.
إن مواطن التشابه عديدة بين الروايتين ، وأول هذه التشابهات أن "موسم الهجرة إلى الشمال" تروي حكاية مصطفى سعيد من خلال الراوي المشارك الذي يمزج حكايته الشخصية بحكاية مصطفى سعيد.
يذكرنا هذا الأسلوب في السرد ، بالتصاق الراوي بالمروي عنه ، بعلاقة مارلو بكيرتز حيث تصل إلينا حكاية كيرتز عبر صوت مارلو ووعيه للحكاية. وتوفر هذه التقنية الأسلوبية ، المستخدمة في كل من "قلب الظلام" و"موسم الهجرة إلى الشمال" ، والتي تقوم بإيصال الحكاية عبر راو مشارك يقص على القارئ انعكاسات حكاية الشخصية المركزية عليه وعلى حكايته ، نوعا من التشويق واستثارة فضول القارئ.
لكن إذا كان مصطفى سعيد يرد على الاستعمار بغزو مضاد ، من خلال انتهاك أجساد النساء الإنجليزيات ، وعبر الكتابة عن اقتصاد الاستعمار ، فإن حل الإشكالية الاستعمارية يتمثل في لعبة التطهير التي يقوم بها الراوي بإعادته تمثيل الرحلة إلى الشمال رمزيا في الفصل الأخير من الرواية. إن كلام الراوي عن السباحة "نحو الشاطئ الشمالي" وعزمه "على بلوغ الشاطئ الشمالي" ، وتلفته "يمنة ويسرة" فإذا هو "في منتصف الطريق بين الشمال والجنوب" لا يستطيع و"لن يستطيع العودة": كل ذلك يعبر عن محاولة إيجاد أجوبة لأسئلة العلاقة بالغرب والهوية والعلاقة بالذات والآخر ، وهي الأسئلة التي لم يستطع مصطفى سعيد ، في رحيله إلى الشمال وعودته التراجيدية إلى الجنوب ، أن يجيب عليها. إنه رد على كيرتز وأفعاله في "قلب الظلام" ، محاولة للتخلص من وشم الاستعمار بالمكر والنسيان. -
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
سلام بكور ومحمد كابيلا والشاعر الخواض كتب أبوبكر عباس "لماذا جاءوا إلى ديارنا؟" جاءوا للمال والرجال، وبلاش تكشف الحال! شكراً يا أسامة على ايراد الريفيو السريع رغم إنك لم تهتم بإيراد تاريخ الحتة الصغيرة ددي. و طبعاً برضو عندك القراءة الخاطئة ليمنى العيد ممكن تجيبها هنا. الحقيقة محور مقالي هو كيف يكتب الراوي روايته. الحديد راقد، ممكن تركب عمود طوالي كوري أو فنزويلي، المهم المكنة تشتغل. وأرجو أن لا تفهم أنني أشك في مقدرات الطيب صالح كروائي لكن كنت بندهش من اللحظات التي آثر فيها أن يكون بسيطاً وهو سيد العارفين. وهناك مفاجأة قادمة!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: أبوبكر عباس)
|
هنا مكان كويس بعد غيبة اسبوعين كنت اظنهما اطول مما هما
انا اشعر انى غبت يوم واحد فقط
او اغمضت عيناى
مصطفى مدثر الجميل وضيوفه الكرام
اجمل صباح وفكرة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: جورج بنيوتي)
|
سلام فور اول بدون فرز
وسلام خاص مربع الى درش
تاريخ الريفيو هو 27 فبراير 2009.
و بناء على طلبك سأنشر "قبساً"، من "قراءة يمنى العيد الخاطئة" في مرحلة الكتابة الثانية.
(6) كما ذكرنا سابقا فان يمنى العيد لم تلق بالا إلى أن مصطفى سعيد يخفي شخصيته الحقييقية ولذلك كان يحاول تقمص دور المزارع،بل و انساقت إلى مزاعمه مثل قوله للراوي بعدم حاجتهم للشعر. وترى عدم الحاجة تلك ممثلة لثقافة مختلفة عن ثقافة الراوي،تقول "في الحوار الذي دار بين الراوي ومصطفى سعيد يظهر هذا الحد بين ثقافة كل منهما،يقول مصطفى جازما وواضحا "نحن هنا لا حاجة لنا بالشعر"-يمنى العيد،1985،ص241 .وفي سياق آخر تقول عن الشعر والهندسة والطب "لو أنك درست علم الزراعة أو الهندسة أو الطب لكان خيرا (ص 13)إن العلوم التي تحدث تغيرا في مادية المجتمع هي خير،في نظر مصطفى،لأنها هي التي تحتاجها القرية لتنتقل إلى زمن آخر،وهي بذلك السبيل الضروري لرفعة الوطن"-يمنى العيد،1985،ص . وقالت في نفس السياق أي تغليب الهندسة والزراعة والطب على الشعر"إنما العلم (ولنلاحظ أنه لم يقل الثقافة مثلا)مهما كان،ضروري لرفعة الوطن"(ص 13)العلم،لا الأدب ولا الشعر-العلم بشكل عام،هو المعادل لفكر آخر ولثقافة أخرى في زمن آخر مغاير للذي كان وللذي يستمر به الراوي"-يمنى العيد،1985،ص 243.ولم تنتبه كناقدة أن مثل هذا الاستنتاج عن تطور الشعوب يمكن أن ينطبق على ما تكتبه من نقد ليصير الأمر ببساطة "نحن هنا لا حاجة لنا بالنقد".يمنى العيد انساقت وراء محاولات مصطفى سعيد لتقمص دور المزارع،ومن ضمن ذلك كلامه حول عدم جدوى الشعر.لم تلتفت يمنى العيد إلى الإشارات الكثيرة الواردة في الرواية حول علاقة مصطفى سعيد الحميمة و الوثيقة بالشعر وأيضابالرسم.
من محاولاته لتقمص دور المزارع الذي لا يفهم في أمور الشهادات الأكاديمية،يقول مصطفى للراوي متصنعا"قالوا إنك نلت شهادة كبيرة-ما ذا تسمونها؟الدكتوراة؟-الطيب صالح،1988،ص 19.وللتدليل أكثر على ذلك التقمص يقول للراوي بصيغة الجمع "لكن نحن مزارعون نفكر فيما يعنينا"نفس الصفحة.وقد تحدث الراوي عن تمثيل مصطفى سعيد لدور المزارع حين قال"مصطفى سعيد كان يحضر الصلوات في المسجد بانتظام.لماذا كان يبالغ في تمثيل ذلك الدور المضحك؟-الطيب صالح،1988،ص 74.ومصطفى سعيد نفسه يعلم أنه يتقمص شخصية غير شخصيته الحقيقية حين قال للراوي"خفت أن تذهب و تتحدث إلى الآخرين.تقول لهم أنني لست الرجل الذي أزعم فيحدث...يحدث بعض الحرج،لي ولهم.لذا فان لي عندك رجاء واحدا.أن تعدني بشرفك،أن تقسم لي بأنك لن تبوح لمخلوق بشيئ مما سأحدثك به الليلة"-الطيب صالح،1988،ص 27.
سنورد مقتطفات طويلة من الرواية لاثبات علاقة مصطفى سعيد الوثيقة بالشعر.و هذا الايراد المطوّل قصدنا منه أن ننبه أن يمنى العيد فات عليها كل هذا الكم الهائل من الإشارات عن علاقة مصطفى سعيد الحميمة بالشعر.فقد قرأ مصطفى سعيد بعد أسبوع من لقاء الراوي به،قصيدة من قصائد الحرب العالمية الأولى تقول: هؤلاء نساء فلاندرز ينتظرن الضائعين، ينتظرن الضائعين الذين أبدا لن يغادروا الميناء، ينتظرن الضائعين الذين أبدا لن يجيئ بهم القطار، إلى أحضان هؤلاء النسوة ذوات الوجوه الميتة، ينتظرن الضائعين،الذين يرقدون موتى في الخندق في الخندق والحاجز و الطين في ظلام الليل. هذه محطة تشارنغ كروس.الساعة الآن جاوزت الواحدة. ثمة ضوء ضئيل ثمة ألم عظيم. --الطيب صالح،1988،ص ص 23-24.
وفي مقطع من الرواية قال مصطفى سعيد"أقرأ الشعر،و أتحدث في الدين والفلسفة،وأنقد الرسم،و أقول كلاما عن روحانية الشرق"-الطيب صالح،1988,ص 39.وفي الصفحة السابقة يقول عن علاقته بمسز روبنسون"تعلمت منها حب موسيقى باخ،و شعر كيتس،وسمعت عن مارك توين لأول مرة منها .لكنني لم أكن أستمتع بشيئ".وقد وجد الراوي في غرفة مصطفى سعيدالمستطيلة،المثلثة السقف،الخضراء النوافذ،دواوين لشعراء لم يسمع بهم الراوي من قبل،بالرغم من أنه قد حضّر رسالة الدكتوراة عن شاعر انجليزي مغمور.-الطيب صالح،1988،ص 144.
و قال مصطفى سعيد عن لقائه بآن همند"و كنا نقف على الحانات في الطريق،و نشرب خمر التفاح أحيانا و البيرة أحيانا،و النبيذ الأحمر و النبيذ الأبيض، وأحيانا نشرب الويسكي.ومع كل كأس أقرأ لها من شعر أبي نواس.قرأت لها: أما يسرك أن الأرض زهراء والخمر ممكنة شمطاء عذراء ما في قعودك عذر عن معتقة كالليل والدها و الأم خضراء بادر فان جناح الكرخ مونقة لم تلتقفها يد للحرب عسراء ثم واصل قائلا: و كأس كمصباح السماء شربتها على قبلة أو موعد للقاء أتت دونها الأيام حتى كأنها تساقط نور من فتوق سماء ثم أردف مواصلا: اذا عبأ أبو الهيجاء للهيجاء فرسانا وسارت راية الموت أمام الشيخ اعلانا و شبت حربها و اشتعلت تلهب نيرانا جعلنا القوس أيدينا و نبل القوس سوسانا فعادت حرنا أنسا وعدنا نحن خلانا اذا ما ضربوا الطبل ضربنا نحن عيدانا لقتيان يرون القتل في اللذة قربانا و منشأ حربنا ساق سبا خمرا فسقانا يحس الكأس كي تلحق اخرانا بأولانا ترى هناك مصروعا و ذا بنجر سكرانا فهذي الحرب لا حرب تغم الناس عدوانا بها نقتلهم ثم بها ننشر قتلانا -الطيب صالح،1988،ص ص 151-152.
وقد كان مصطفى سعيد ينظم الشعر ،وفي ذلك يقول الراوي"ووجدت قصيدة بخط يده.اذن كان يعالج الشعر أيضا،وواضح من كثرة ما شطب فيها و بدّل وغيّر في كلماتها أنه كان يحس برهبة أمام الفن.ها هي ذي: عربدت في الصدر آهات الحزين و دموع القلب فاضت من تباريح السنين ورياح عصفت بالحب و الحقد الدفين وبقايا صلوات ضمها الصمت العميق هينمات و دعاء و نواح و زعيق و غبار و دخان غم للساري الطريق ونفوس مطمئنات و أخرى هلعة و جباه صاغرات و أخرى ..........
ثم يعلق الراوي على البيت الناقص قائلا"و لا بد أن مصطفى سعيد قضى ساعات طويلة يبحث عن الكلمة التي يستقيم بها الوزن".وقد استهوت تلك المعضلة الراوي،فتوصل في آخر الأمر،إلى رأيه في محاولة مصطفى سعيد الشعرية "إنها قصيدة ركيكة على أي حال قائمة على الطباق و المقارنات.ليس فيها احساس صادق ولا انفعال حقيقي.وهذا البيت ليس أسوأ من بقية الأبيات".و استنادا على رأيه في النص الشعري قال الراوي"شطبت البيت الأخير وكتبت محله "و خدود صاغرات و جباه خاشعة"-الطيب صالح،1988،ص 160.
وإضافة لممارسته للكتابة الشعرية،كان مصطفى سعيد يمارس الرسم أيضا.و قد قال الراوي وهو يقلب أوراق مصطفى سعيد "وفتحت ملفا فوجدت أوراقا كثيرة وسكتشات ورسومات.كان اذن يعالج الرسم و الكتابة.الرسوم جيدة وتنم عن موهبة"-الطيب صالح،1988،ص ص 158-159.يتحدث الراوي عن رسوم مصطفى سعيد عن الريف الانجليزي أشخاص من قرية "ود حامد"،يقول "الرسوم جيدة تنم عن موهبة.رسوم بالألوان لمناظر في الريف الانجليزي تتكرر فيها أشجار البلوط و الغدران والأوز.وسكتشات بقلم الرصاص لمناظر و أشخاص من قريتنا.بالرغم من كل شيئ لا يسعني إلا أن أعترف بمهارته الفائقة"-الطيب صالح،1988،ص 159.وفي نفس الصفحة تحدث الراوي عن رسوم مصطفى سعيد لوجوه من "ود حامد" قائلا"بكري و محجوب وجدي وود الريس وحسنة و عمي عبد الكريم وغيرهم.وجوههم تطالعني بتعبيرات عميقة طالما أحسستها ولكنني لم أكن قادار على تحديدها.وقد رسمها مصطفى سعيد بوضوح رؤية و بعطف يقرب من الحب.ووجه ود الريس يتردد أكثر من الباقين.ثمانية رسوم لود الريس في تعابير مختلفة" ثم يسأل الراوي "لماذا اهتم بود الريس كل هذا الاهتمام".هل كانت تلك تنبؤات عن قتل قادم؟نلاحظ من كلام الراوي في تذوقه التشكيلي لرسومات مصطفى سعيد لوجوه من "ود حامد"،أنه كما قال الراوي قد رسمها "بعطف يقرب من الحب"،و هذا على النقيض من حديث يمنى العيد عن زمن مصطفى سعيد المختلف عن زمن القرية،يؤكد أنه اندمج ولو عاطفيا مع زمن القرية و أنه يكن لأهل القرية حبا كبيرا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
Quote: مصطفى سعيد، في رأيي، لا يمثل الشخصية السودانية في أيٍ من مراحلها وهو صنيعة بحق وحقيق. |
مع إنو الواحد قبلان بحجتك حول الخلل المصاحب لترجمة المعنى المقصود لدى ادوارسعيد .. لكن الاقتباس دا وقفت عنده كتير لإنو بصب في النهاية في محور تغريب الشخصية .. فعبارة ( صنيعة بحق وحقيقة) واضحة في تبيان رؤيتك وأنت تسحب الجنسية عن مصطفى سعيد بقرار جمهورية فكرة (إذلال كتشنر ) .. ولكن .. ماذا لو راجعنا قراءة رد مصطفى سعيد في المقتبس الذي تفضلت به هنا ..
Quote: نستمع لراوي القصة يقول: " هناك مثل هنا، ليس أحسن ولا أسوأ، ولكنني من هنا، كما أن النخلة القائمة في فناء دارنا نبتت في دارنا ولم تنبت في دارٍ غيرها. وكونهم جاءوا إلى ديارنا، لا أدري لماذا، فهل معنى ذلك أن نسمم حاضرنا ومستقبلنا، إنهم سيخرجون من بلادنا إن عاجلاً أو آجلاً، كما خرج قوم كثيرون عبر التاريخ من بلاد كثيرة. سكك الحديد والبواخر،والمستشفيات والمصانع، والمدارس، ستكون لنا، وسنتحدث لغتهم، دون احساس بالذنب ولا احساس بالجميل. سنكون كما نحن قوم عاديون، وإذا كنا أكاذيب، فنحن أكاذيب من صنع أنفسنا |
فهل سينتهي المطاف لنفس النتيجة التي انتهيت إليها ؟ دعني أراجع السياق وأعيد اقراءته على ضوء ..
Quote: (إلى الذين يرون بعين واحدة ويتكلمون بلسان واحد ويرون الأشياء إما سوداء أو بيضاء،إما شرقية أو غربية) |
قد يغيب عن النقاد الأجانب حقائق الصراع الثقافي الذي انتظم فضاءات النخبة آنذاك .. ذلك الصراع الذي احتدم بين ثقافتين وتسلق سلم النشاط السياسي.. ليسترجع أيديولوجيا تقليدية ضعضع مكانتها التعليم النظامي .. عُبّر عنهما بثقافة مدرسة المبشر وثقافة معهد وطني العزيز .. لماذا لا نقرأ مصطفى سعيد منتقدا أولئك المروجين لفكرة رفض كل ما جاء به المستعمر .. حتى وإن كان غرسا حميدا (سكك حديد / مستشفي الخ ) انتصارا لمورثات يعتقدها أيضا تصنيعية ؟ هذا مع التأمين على مشروعية استيلاد وتناسل الأفكار لا استنساخها كما تفضلت .. هسه أبوبكر بعد يرجع من غزوته الاستجمامية إذا كتب نفس رؤيتي دي ح تصدر حكم ببراءة الطيب صالح؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد على طه الملك)
|
قال لي كتشنر جا عشان العبيد والدهب!! مجلس العموم البريطاني رفض لوقت طويل ارسال الحملة لانو ما مجدية اقتصاديا وناس سلاطين يحرشوا يقوم ربك ربك الخير يجيب فشودا المهم بعد الحملة نجحت والقطر مدوهو، اكتشفوا انو صدام لا عندو اسلحة دمار شامل ولا حاجتين وانهم لبسوا شنو ديك البقولوها المصريين ديك؟
المهم، مصطفى سعيد في ردو بعدم درايتو بسبب دخول الانجليز؛ رجح انو السبب ثقافي وقال ليهم أكيد بتطلعوا وبترجع ريمة لعادتها القديمة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: أبوبكر عباس)
|
Quote: المهم، مصطفى سعيد في ردو بعدم درايتو بسبب دخول الانجليز؛ رجح انو السبب ثقافي وقال ليهم أكيد بتطلعوا وبترجع ريمة لعادتها القديمة.
|
ما أتى به مصطفى مدثر يا دكتور أبوبكر هو كلام الراوي ، وليس كلام "مصطفى سعيد".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
تحية للأصدقاء المهتمين بالأدب، النيل وحرسم ومن سقط، أو في الحقيقة استقر في ذاكرتي، إسمه وتحية خاصة لمولانا الملك ولأبوبكر في منتجعه. وشكراً لأسامة على إيراد رأيه القديم في قراءة يمنى العيد. ودا ح يوسع النقاش لي قدام. أها يا أسامة وبالخبرة كدا بتكون لاحظت لخبطة الراوي بمصطفى سعيد وأحياناً ود الريس ذاتو! ودي من عبقرية التداخل بين سرديات مختلفة في رواية موسم الهجرة للشمال وهي عبقرية المؤلف نفسه وادراكه الباكر بفنون الرواية. كتب الخواض معلقاً على مداخلة أبوبكر عباس: "ما أتى به مصطفى مدثر يا دكتور أبوبكر هو كلام الراوي ، وليس كلام مصطفى سعيد."\\ بعدين يا أبوبكر، وأتمنى أن تكون منشغلاً بتفاصيل اجازتك وموش بنوع الهم دا، مسألة دخول المستعمر للسودان، مهما كان تعقيدها وأسبابها الإقليمية فهي دخول على شعب في وطنه وكانت له قيادة سياسية حينها، المهدي وخليفته والأمراء الشرفاء الذين ماتوا دفاعاً عن وطنهم. وكانت لهم نظرة ستعصف بحلفاء الانجليز من الأتراك والمصريين. فهل حديث الراوي في م ه ش عن أنه لا يعرف لماذا جاءوا لبلادنا يعبر عن أي وعي سياسي؟ أين كان شهداء كرري في مخيلة كاتب الرواية عندما أذن لشخص من شخوص الرواية أن يقول مثل هذا الكلام. وهذه أشياء لا يستثنيها المؤلف على كيفه. الرواية لا تستطيع أن تنقطع عن الواقع. الرواية ليست كالقصيدة ولا حتى القصة القصيرة. فقدر الإفصحاح عن الواقع فيها يفوق ما عداها من أجناس الكتابة. وهي تاريخية ومعبرة عن تلاقح الثقافات الموصوف أحياناً بأنه صراع، ولا صراع فيه. بل الثقافات مكملة لبعضها ودافعة للإنسان نحو آفاق جديدة في المعرفة وفي التعبير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: mustafa mudathir)
|
سلامات يا الخواض .. مع احترامي اعتقد الفصل التام بين الراوي ومصطفى سعيد بطريقة قطعية من الصعوبة بمكان زي ما أشار مصطفى مدثر في مداخلتو الاخيرة .. مثل رأي مدثر قال به د. ثائر دوري في بحث بعنوان : الوجوه المتعددة للمثقف الكولونيالي في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال http://www.mokarabat.com/m955.htmhttp://www.mokarabat.com/m955.htm
Quote: إن هذا الاختلاف هو ما جعل هناك إمكانية للرواية فلولا هذا الاختلاف بين الراوي و بين مصطفى سعيد لما كان هناك رواية أصلاً. لكن العلاقة بين الراوي وبين مصطفى سعيد ليست علاقة اختلاف وتناقض، فقط، بل هي علاقة تشابه، أيضاً. لقد تعلم كل من مصطفى سعيد والراوي في مدارس الإنكليز وغرفا من علومهم، فكلاهما نتاج للعلاقة الكولونيالية بين المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر(بفتح الميم)، وهذا ما جعل العلاقة بين الطرفين متوترة. فإذا كان مصطفى سعيد ينجذب تلقائيا إلى الراوي يطل عبره، وكأنه ينظر بالمرآة، إلى ماضيه. لكن الراوي يرفض أن يكون مجرد امتداد في الحاضر والمستقبل لمصطفى سعيد لا بل إنه يخشى أن يلاقي نفس المصير. وهذا ما دعاه ليتساءل بخوف: " .......هل كان من لمحتمل أن يحدث لي ما حدث لمصطفى سعيد ؟ قال إنه أكذوبة ؟ فهل أنا أيضاً أكذوبة ؟ إنني من هنا. أليست هذه حقيقة كافية؟ |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: سيف اليزل الماحي)
|
تحية لكابيلا وكباشي وبله وجلالدونا ومرة أخرى لمولانا الملك. سلا يا سيف الرواية ما تخاف عليها، الخوف علينا أنحنا لو ما قلّبناها كويس. لابد من الحصول على مفتاح لفهم خيابتنا أمام المستعمر، لا وكمان وداعنا ليه في محطة السكة الحديد الخرطوم!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: mustafa mudathir)
|
المنفي العِقَابي أو ما ترجَمَه بعض النقاد العرب "مستعمرة العقاب". الترجمة المقترحة من النقاد العرب ترجمة غير دقيقة لا علاقة لها بحقيقة Penal Colony من كتابات فرانز كافكا و الحقيقة الواقعية للسجن . النسخة التي بحوزتي من إصدارات دار كتب شوخن بالعنوان التالي 67 park avenue, new York city 16 النسخة قديمة إشتريتها من متجر للكتب المستعملة في شارع كنجستون في إسكاربورو حيث أعيش و هذه النسخة بغلاف ورقي كانت الأولي من نوعها من دار كتب شوخن صدرت في عام 1961م ما عندي الآن هو الطبعة السابعة عشر!! ما سيلي هو محاولة لترجمة بعض من الجزء المعنون " تأمُل" في النص المعنون "أطفالٌ في شارعٍ ريفي" من الكتاب " المنفي العقابي لفرانز كافكا" في صفحة رقم 21 في الكتاب " في الجانب الآخر للسور لم تتوقف الحركة علي الطريق؛ عَبَرت أقدامُ الإطفال المتراكضين في هنيهة، ظلالُ العربات التي تجرها الخيول و التي علي أطرافها قد تراصّ عمالُ الحصاد من النساء و الرجال وتراصت كذلك حِزَمُ أعوادِ القمح، تلك الظلال قد رمت عتمتها فغطت الزهور علي جانب الطريق. كنت علي نحو المساء عندما رأيت مسناً بمظهر محترم يتنزه متمهلاً، و هو يتوكأ علي عصاه عندما لقيته فتاتان فمسكتا منه الساعدان ليخطو متجنباً العربات التي تجرها الخيول بمساحة العشب و هما تحييانه. هنا طارت العصافير محلقة كقطرات المطر، طارت العصافيرُ بنفس واحدٍ جعلني أحس بأنني أغوص، ذلك الطيران بنفس واحد غيّب عني فكرة تحليقهن" في المقطع المترجم فتاتان قد طارت عصافيرهن
طه جعفر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: طه جعفر)
|
Quote: الخوف علينا أنحنا لو ما قلّبناها كويس. لابد من الحصول على مفتاح لفهم خيابتنا أمام المستعمر، لا وكمان وداعنا ليه في محطة السكة الحديد الخرطوم!
|
بالك ما بستحق التوديع، بالمقارنة؟؟؟
. . .
وهل بالضرورة أن يكون الوداع سلوك عقلاني؟
التحايا النواضر لكل من تفيأ ظل هذه الواحة الأدبية والتحايا المزجيات للجميل مصطفى مدثر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: آدم صيام)
|
الأخ مصطفى مدثر و الإخوة المتداخلون الموضوع المطروح موضوع جميل. و إذا كنا نحن بنهتم بيه عشان خاطر الأدب فهو شيء جميل و إذا كان الأمر كذلك بالإضافة إلى أنها روايتنا(السودانية) التي نعتزّ بها خاصة أنها حرّكت بحيرة الرواية و موضوعات ما بعد الاستعمار فذلك شيء أجمل. الرواية قرأتها في الثانوي و لكن كان احتفاءنا بها احتفاء من نظر للرواية ككتاب جنسي بحت نقرأه في سرية و متعة مكتومة خوف التوبيخ و خوف قبضنا متلبسين بالخطيئة.نجد فيه نحن المراهقون ما ظننا أنه يوجد فقط في جلساتنا التسامرية مع أندادنا و ليس في الكتب ذات الغلافات الصقيلة و التي تباع في ارفف المكتبات. و لكن انقضى ذلك الزمن لنعيد قراءته و نحن أنصاف ناضجين ثم ناضجين. و في كلا الحالتين استمتعنا بسرد ساحر و لغة راقية. ثم بعد أن زاد اهتمامنا بالجوانب السياسية و النقدية في الرواية قرأت كتابات نقدية متعددة عن الرواية و أكثر ما أهتم به النقاد الفكرة المركزية للرواية هل هي ضمن الكتابات التي تندد بالاستعمار أم التي انبهرت به أم تأثرت به و أخذت أسوأ ما فيه. و في اعتقادي المتواضع أن الكاتب قد يكون قصد ما ذهب إليه النقاد هنا و هناك و قد تكون فكرة الرواية عبارة عن (تناص) لرواية قلب الظلام( التي لم أقرأها للأسف) و قد تكون عبارة عن توليفة من عدة أفكار و روايات من مصادر متعددة. و في النقد الروائي الحديث و بعد أن يُكمل الكاتب أو الرواي كتابته يخلد للراحة أو متابعة ما يكتب عنه أو عن روايته و يبدأ النقاد عملهم و هم في حالة بحث و تنقيب عن وجود أثر ما لكذا و لكذا ( كالمفتش كونان) و قد يُخطئون و قد يُصيبون و لكنهم في النهاية بيعطونا أفكارا و إضاءات قد تجعلنا نستمتع بالنص أو يُفسدون علينا قراءاتنا. في كل الأحوال رقم ما كتب عن الرواية كتقريظ أو مدح أو كمحاولات للتقليل منها فهي بالنسبة لأمثالي ( متوسطي الثقافة) رواية مُبهِرة و ممتعة من حيث السرد و اجتراح أفكار جديدة و كذلك أسلوب التنوع السردي و استخدام عنصر المفاجأة( معليش تعبير عسكري قح) في الرواية مما يزيد من مساحة الدهشة و المتعة لدى القاريء بالإضافة إلى الغة راقية و امتلاك كامل للقدرة على التعبير. وآسف للإطالة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: آدم صيام)
|
لم اقرأ من قبل اى نقد ادبى للرواية و لما كتبت بما معناهو انو تفسير المصطلح بمعناهو الحرفى استيلاء او مصادرة يظلم الرواية و قلت انه استفاد من معكوس رواية قلب الظلام و انها فكرة جديدة . فى بالى ان الامر لا علاقة له بمصطلح ادوارد سعيد ده اول هام تانى هام من ظن ان عماد الرواية عودة مصطفى سعيد فقد ظلم الرواية فهناك عودة اخرى عودة الراوى نفسه و قد صرح بها اول سطر فى الرواية و ميزة الراوية عوده فسرت تفاصيل عودة اخرى الاشارة التاريخية لاحداث القصة و التى لا يجرؤ احد لتحديد توقيت زمانى محدد لاحداثها هى اشارة واضحة بأن التاريخ ليس اصل الرواية انما الاشارة اليه مهمة لوضع ارضية زمامكانية لقراءة و قائعها للرواية رسالة يا مصطفى و لو لا عودة الراوى لما كان هناك مصطفى سعيد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: جلالدونا)
|
(5) لماذا جاء مصطفى سعيد إلى "ود حامد"؟ سؤال مهم لم تطرحه يمنى العيد،ذلك أن مصطفى سعيد نفسه لم يقل بذلك صراحة،بل ان الطريقة التي اختار به "ود حامد" كما بينا سابقا،تبدو أقرب إلى الطابع العبثي.وحتى زوجته حسنى بنت محمود لم تكن تعرف لماذا جاء الى هذه القرية.وقد سألها الراوي قائلا"ولماذا جاء إلى هنا؟ قالت "الله أعلم"-الطيب صالح،1988،ص 99.و احتار الراوي في مجيئ مصطفى سعيد إلى قريته معللا ذلك بافتراض،حين قال "إن حياة مصطفى سعيد وموته في مكان مثل هذا يبدو شيئا صعبا تصديقه.مصطفى سعيد كان يحضر الصلوات في المسجد بانتظام.لماذا كان يبالغ في تمثيل ذلك الدور المضحك؟هل جاء إلى هذه القرية النائية يطلب الراحة"-الطيب صالح،1988، ص ص 74-75-
وقد انتبه الراوي الى اختلاف مصطفى سعيد عن أهل القرية مرة حينما حضر اجتماعا للجنة المشروع الزراعي وقال بعد ذلك"لم يكن ثمة أدنى شك في ان الرجل من عجينة أخرى،وأنه أحقهم برئاسة اللجنة،لكن ربما لأنه ليس من أهل البلد لم ينتخبوه"وهنا نرى محنة أخرى من محن الغريب الذي هو ليس من القرية وليس من السودان كما أدعت يمنى العيد.و في موقع آخر يشير الراوي إلى اختلاف مصطفى سعيد عن أهل القرية حين قال"لم يغب عني أدبه الجم،فأهل بلدنا لا يبالون بعبارات المجاملة.يدخلون في الموضوع دفعة واحدة،نزورونك ظهرا كان أو عصرا،لا يهمهم أن يقدموا المعاذير"-الطيب صالح،1988،ص 17.و من الواضح ان ذلك عائد إلى دراسته وعيشه في الغرب،ولذلك كان من المنطقي أن يكون له وجود فاعل ومؤثر في الخرطوم مسقط رأسه ومركز صنع القرار. وانطلاقا من ذلك يقول الراوي"كان مفروضا أن يكون له شأن بمقاييس المفتشين والمآمير.ولكنه لم يجد حتى قبرا يريح جسده،في هذا القطر الممتد مليون ميل مربع"-الطيب صالح،1988،ص 64.ويفترض محجوب ضمنا أن "ود حامد" ليس المكان المناسب لمصطفى سعيد حين قال بعد اختفاء مصطفى سعيد"كان عقلية واسعة.ذلك هو الرجل الذي كان يستحق أن يكون وزيرا في الحكومة لو كان يوجد عدل في الدنيا"-الطيب صالح،1988،ص 111.و انطلاقا من الامكانيات الأكاديمية الهائلة التي يمتلكها مصطفى سعيد قال الرجل الانجليزي الذي كان مع الراوي و المأمور المتقاعد في القطار "كان قطعا سيعود وينفع بعلمه هذا البلد الذي تتحكم فيه الخرافات"-الطيب صالح،1988،ص 68.
و اذا ما حاولنا أن نعرف لماذا جاء مصطفى سعيد إلى "ود حامد "،سنجد ذلك في وصيته حين كتب"انني لا أدري أي العملين أكثر أنانية،بقائي أم ذهابي.و مهما يكن من أمر فانه لا حيلة لي.ولعلك تدرك قصدي إذا عدت بذاكرتك إلى ما قلته لك تلك الليلة.لا جدوى من خداع النفس.ذلك النداء البعيد لا يزال يتردد في أذني.وقد ظننت ان حياتي وزواجي هنا سيسكتانه.و لكن لعلي خلقت هكذا،أو ان مصيري هكذا،مهما يكن معنى ذلك،لا أدري.انني أعرف بعقلي ما يجب فعله،الأمر الذي جربته في هذه القرية،مع هؤلاء القوم السعداء،ولكن أشياء مبهمة في روحي وفي دمي تدفعني إلى مناطق بعيدة تتراءى لي ولا يمكن تجاهلها"-الطيب صالح،1988،ص ص 76-77. حسب رواية مصطفى سعيد لأسباب إقامته في "ود حامد" نجدها تتمثل في تعبير مهم أسماه إسكات النداء البعيد.
ونلاحظ أن مصطفى سعيد ينظر إلى أهل "ود حامد" باعتبارهم أناسا سعداء وليس العكس كما ترى يمنى العيد في حديثها عن اختلاف زمني مصطفى سعيد وأهل القرية. لكن من مقاربتنا لعلاقة مصطفى سعيد بالمكان عموما،نجد أن ما فعله من اختفاء لا يختلف عما نسميه احساسه الجبلي بالمكان.و هذا الإحساس الجبلي نجده مكررا في خطابه عن علاقته بالأمكنة التي نشأ و أقام فيها.و بدأ هذا الإحساس في التكون حين سافر متوجها إلى القاهرة.يقول في ذلك "لم يلوِّح لي أحد بيده ولم تنهمر دموعي لفراق أحد"-الطيب صالح،1988،ص 33.و حين فكّر في بلده التي نشأ فيها وهو قد استقل القطار متوجها إلى القاهرة قال"و ضرب القطار في الصحراء،ففكرت قليلا في البلد الذي خلّفته ورائي،فكان مثل جبل ضربت خيمتي عنده،وفي الصباح قلعت الأوتاد و أسرجت بعيري،وواصلت رحلتي"-الطيب صالح،1988،ص 34.
و حتى إحساسه بالمكان القادم أي القاهرة كان إحساس جبليا،يقول في ذلك"وفكرت في القاهرة ونحن في وادي حلفا،فتخيلها عقلي جبلا آخر،أكبر حجما،سأبيت عنده ليله أو ليلتين،ثم أواصل الرحلة إلى غاية أخرى"-الطيب صالح،1988،ص 34. وفي حديثه عن لقائه بزوجة مستر روبنسون في القاهرة يقول "و فجأة أحسست بذراعي المرأة تطوقانني ،و بشفتيها على خدي.في تلك اللحظة وأنا واقف على رصيف المحطة ،وسط دوامة من الأصوات والأحاسيس ،وزندا المرأة ملتفان حول عنقي ،وفمها على خدي ،ورائحة جسمها ،رائحة أوروبية غريبة ،تدغدغ أنفي ،وصدرها يلامس صدري،شعرت و أنا الصبي ابن الاثنى عشر عاما بشهوة جنسية مبهمة لم أعرفها من قبل في حياتي،و أحسست كأن القاهرة ،ذلك الجبل الكبير الذي حملني إليه بعيري ،امرأة أوروبية ،مثل مسز روبنسون تماما ،تطوقني ذراعاها،يملأ عطرها ورائحة جسدها أنفي –الطيب صالح،1988،ص 35.و حتى في طريقه إلى لندن من القاهرة،تحدث بحس جبلي عن إحساسه تجاه المدينة الجديدة القادمة لندن قائلا"كان كل همِّي أن أصل إلى لندن،جبلا آخر أكبر من القاهرة،ولا أدري كم ليلة أمكث عنده"-الطيب صالح،1988،ص 36.
وينطبق الإحساس الجبلي على الناس الذين ساعدوه يقول عن ذلك "و هذه حقيقة في حياتي،كيف قيضت لي الصدف لي قوما ساعدوني وأخذوا بيدي في كل مرحلة،قوما لم أكن أحس تجاههم بأي إحساس بالجميل.كنت أتقبل مساعداتهم كأنها واجب يقومون به نحوي"-الطيب صالح،1988،ص 33.و حتى وجوده في انجلترا،كان له نفس الإحساس الجبلي بالمكان،أي العلاقة المؤقتة به.يقول مصطفى سعيد عن الفترة التي قضاها في انجلترا"ثلاثون عاما.كان شجر الصفصاف يبيض ويخضر ويصفّر في الحدائق،و طير الوقواق يغني للربيع كل عام.ثلاثون عاما وقاعة ألبرت تغص بعشاق بيتهوفن و باخ،والمطابع تخرج آلاف الكتب في الفن و الفكر.مسرحيات برنارد شو تمثل في الرويال كورت والهيماركت.كانت ايديث ستول تغرد بالشعر،و مسرح البرنس اف ويلز يفيض بالشباب و الألق.البحر في مده وجزره في بورتمث و برايتن،و منطقة البحيرات تزدهي عاما بعد عام.الجزيرة مثل لحن عذب،سعيد حزين،في تحوّل سرابي مع الفصول.ثلاثون عاما و أنا جزء من كل هذا ،أعيش فيه،و لا أحس جماله الحقيقي،ولا يعنيني منه إلا ما يملأ فراشي كل ليلة"-الطيب صالح،1988،ص 45-46.
و حتى الفراش كعلاقة أساسية بالمكان،كان له طعم جبلي بعيري يحكي عنه مصطفى سعيد قائلا"جلبت النساء إلى فراشي من بين فتيات جيش الخلاص،و جمعيات الكويكرز،و مجتمعات الفابيين.حين يجتمع حزب الأحرار أو العمال أو المحافظين أو الشيوعيين،أسرج بعيري و أذهب"-الطيب صالح،1988،ص 40.
وتكشف وصية مصطفى سعيد للراوي عن تغير واضح في علاقته بالمكان،رغم ان ذلك التغير لم يستمر لاستجابته للنداء البعيد و اختفائه.ففي الوصية اكتشف مصطفى سعيد خلل إحساسه الجبلي بالمكان ولذلك قال للراوي جنبهما ما أمكن مشقة الرحيل.و لهذا –كان يرى في وصيته-أن تشبع ولديه بهواء ورائحة المكان سيجعلهما ينشآن نشأة مختلفة عن التي عاشها.فهو قد تربي مع أم وحيدة ولم يكن له أهل وهذا مثبت في الرواية بشكل قاطع.ولذلك فمن الممكن وصف مصطفى سعيد-استنادا على شهادة ذلك المأمور المتقاعد-بأن مصطفى كان منبتّا قبليا.ووصفه لأهل "ود حامد" بأنهم سعداء يكشف عن حبه لهم،وهو ما لم تنتبه إليه يمنى العيد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
Quote: تكشف وصية مصطفى سعيد للراوي عن تغير واضح في علاقته بالمكان،رغم ان ذلك التغير لم يستمر لاستجابته للنداء البعيد و اختفائه.ففي الوصية اكتشف مصطفى سعيد خلل إحساسه الجبلي بالمكان ولذلك قال للراوي جنبهما ما أمكن مشقة الرحيل.و لهذا –كان يرى في وصيته-أن تشبع ولديه بهواء ورائحة المكان سيجعلهما ينشآن نشأة مختلفة عن التي عاشها.فهو قد تربي مع أم وحيدة ولم يكن له أهل وهذا مثبت في الرواية بشكل قاطع.ولذلك فمن الممكن وصف مصطفى سعيد-استنادا على شهادة ذلك المأمور المتقاعد-بأن مصطفى كان منبتّا قبليا.ووصفه لأهل "ود حامد" بأنهم سعداء يكشف عن حبه لهم،وهو ما لم تنتبه إليه يمنى العيد |
سلامات أستاذ الخواض .. إرث السودان التاريخي مع الغريب المسالم .. إرث قائم على مشاعر إنسانية راقية .. عبرت عنها الرواية بصورة زاهية لا تتناقض مع وقائع التاريخ المروي في هذه البقعة .. لن ندفن رؤوسنا لننكر أن الفترات الاستعمارية من 1821م إلى 1956م لم تخلف منبتين أو تجلبهم للبلاد .. لذا تجدني تحفظت على رؤية الدكتور مدثر حول فكرة (صناعة) أو استزراع الكاتب لهذه الشخصية .. الذي يعيش في قرى الشمال لن يعدم أمثال مصطفى سعيد وإن كانوا بمستويات دنيا من التعليم .. من الحكاوى التي سمعناها من كبارنا وعاصرنا بعضا من شخوص أبطالها .. أن كانت الشمالية ضمن الخيارات التي عرضت كوطن لتسكين اليهود .. وقد حضر بعضهم وساكنوا الأهالي وأقاموا المشاريع .. ولولا حشرة ( النمتة ) التي أزعجت وفدهم الرسمي لكانت أرض الشمالية لهم .. ولاختيار هذا التوقيت الحاسم قصة أخرى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد على طه الملك)
|
الاستاذ محمد علي طه الملك سلامات
قلت سيدي:
Quote: سلامات أستاذ الخواض .. إرث السودان التاريخي مع الغريب المسالم .. إرث قائم على مشاعر إنسانية راقية .. عبرت عنها الرواية بصورة زاهية لا تتناقض مع وقائع التاريخ المروي في هذه البقعة .. |
في القسم التالي من مقاربتنا لقراءة يمنى العيد الخاطئة، نتطرق إلى "غربة" مصطفى سعيد في ودحامد: (4) تقول يمنى العيد "مصطفى سعيد اذن هو ابن الخرطوم،وهو في نفس الوقت غريب،ليس من أهل البلد،ولكنه استوطن البلد "اشترى "و "بنى " و "تزوج"-يمنى العيد،1985،ص 226.تعتقد يمنى العيد أن هنالك تناقضا بين كون مصطفى سعيد من أبناء الخرطوم ،وبين أنه غريب في قرية "ود حامد".ولا ترى ان ابن الخرطوم يمكن أن يكون غريبا في قرية نائية على نهر النيل؟وكأنه ليس بالامكان أن يكون بيروتي في لبنان غريبا في ضيعة لبنانية خاصة اذا ما كان متخفيا كما في حالة مصطفى سعيد؟كما أنها ترى تناقضا في اعتبار أهل القرية لمصطفى سعيد غريبا مع أنه في نفس الوقت يسكن في البلد،وأنه اشترى وبنى وتزوج!!!وقد وضعت الأفعال الثلاثة الأخيرة "اشترى\بنى\تزوج" بين مزدوجات للفت النظر إلى أهمية هذه الأفعال التي حسب زعمها كفيلة بأن تجعله من أهل "ود حامد" ،وتنفي عنه صفة الغريب الذي هو ليس من أهل الأصل والفصل كما حاول أن يوضح الناقد عبد اللطيف علي الفكي في دراسته التي نشرها في سودانيزاونلاين دوت كوم.
ولم تهتم يمنى العيد بأن مصطفى سعيد اشترى الارض وتزوج كغريب،وذلك لجهلها بثقافة "ود حامد.وكون أن مصطفى سعيد متخفٍ يزيد الطين بلة.فهو يعاني من وضعيته الدنيا كغريب ومطالب في الوقت نفسه بإخفاء نفسه وهويته وتاريخه.وكل ذلك لا يمكن ان يجعل منه بطلا ايجابيا كما حاولت أن تصور مصطفى سعيد،لكي تبدو رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" منتمية إلى تيار الواقعية الإشتراكية في أسوأ نماذجها.ولذلك لا يمكننا أن نرى إلى أفعاله باعتبارها أفعالا اختيارية مثل دخوله لجنة المشروع والذي كان بهدف اتقان تمثيل دور المزارع،وكذلك مسألة احتذاء كل السلوك الاجتماعي في القرية مثل الصلاة في الجامع و المشاركة في الأفراح والأتراح حتى لا يثير فضول القرويين للتساؤل عنه والشك فيه.
لا يمكن فهم غربة مصطفى سعيد إلا بفهم ثقافة السكان الاصليين في "ود حامد" ضمن التنوع الاثني فيها.فهنالك السكان الأصليون وهم يعيشون على ضفة النيل ويحترفون الزراعة وهم المركز الذي من خلاله يتحدد التمايز العرقي.وحول الأرض الزراعية التي يقطنها السكان الأصليون يرابط هنالك عرب القوز.تحكي "عرس الزين "عن عرب البدو الوافدين من أرض الكبابيش و دار حمر ومضارب الهوادير والمريصاب في كردفان يشح الماء في اراضيهم في بعض المواسم،فيفدون على النيل بإبلها و أغنامهم طلبا للري.و أحيانا تلم بهم سنوات قحط حين تضن السماء بالمطر،فيتساقطون على المناهل في ديار الشايقية والبديرية المقيمين على النيل.أغلبهم لا يلبثون حتى تنكشف الغمة ثم يعودون من حيث أتوا.ولكن بعضا منهم كانت تستهويهم حياة الاستقرار على وادي النيل،فيبقون.ومن هؤلاء عرب القوز.ظل هؤلاء البدو سنوات طويلة يرابطون على طرف الأرض المزروعة،يبيعون اللبن،ويرعون الغنم،ويجلبون حطب الوقود،وفي موسم الحصاد يجمعونه لأصحابه مقابل أجر قليل"-الطيب صالح،1988،ص 197.
ولكن ما هي العلاقة التي تربط السكان الأصليين مع عرب القوز؟تتبدى هذه العلاقة في الصفحة نفسها وما بعدها"لا يتزاوجون مع السكان الأصليين،فهم يعتبرون أنفسهم عربا خلصا،وأهل البلد يعتبرونهم بدوا أجلافا.وهنالك الحلب وهم مرابطون في الغابة-الطيب صالح،1988،ص 273.وهناك "الخدم" كما يقول السكان الأصليون أهل البلد وهن رقيق أعطي حريته،وهنّ أنواع:بعضهن هاجر من البلد،وتزوجن بعيدا عن موطن رقهن.و أما النوع الثاني فقد "تزوجن الرقيق المعتقين في البلد،وعشن حياة كريمة ،بينهن وبين سادتهن السابقين ود و تواصل.أما النوع الثالث"فلم تستهويهن حياة الاستقرار،فبقين على حافة الحياة في البلد،محطا لطلاب الهوى واللذة،ويعشن في طرف الصحراء،في بيوت من القش تسمى "الواحة" والتي كثيرا ما تعرضت للحرق من قبل أهل البلد.ولكنها ما تلبث أن تقوم من جديد-الطيب صالح،1988،ص ص 229-230.
و ألقى هذا التمايز الاثني بثقله في تكوين مفهوم الغريب،وفي اجراء تمايز واضح في علاقات شراء الأرض وعلاقات المصاهرة أي الزواج.ومن هنا طرحت مسألة "الأصل والفصل" في "ود حامد" كمعيار مهم من معايير الزواج خاصة من قبل السكان الأصليين وعرب القوز. فالزين "لن يتزوج امراة من عامة الناس،ولكنه سيتزوج نعمة بنت الحاج ابراهيم،وناهيك بهذا دليلا على كرم الأصل والفصل،والجاه والحسب والنسب.ستدخل ذلك البيت الكبير المبني من الطوب الأحمر(فليس كل بيوت البلد من الطوب الأحمر) تدخل مرفوعة الرأس،ثابتة الخطوة.سيقومون لها إذا دخلت،ويوصلونها للباب إذا خرجت.و يعودونها كل يوم إذا مرضت.ستقضي الأيام الباقية من حياتها في فراش وثير من الرعاية والحب"-الطيب صالح،1988،ص 267.
من الممكن أن تعوض المكانة الإقتصادية بعضا من امتياز الأصل والفصل كما في حالة إدريس"فتيات كثيرات في البلد يتمنين أن يصبحن زوجات له،فقد كان متعلما،يعمل في مدرسة ابتدائية.وكان دمث الأخلاق ،حسن السيرة بين أهل البلد ومع أن عائلته لم تكن من العوائل ذوات الأصل،التي يشار إليها في البلد،إلا أن أباه كون لنفسه مكانة بين الناس بجده و حسن عشرته.كانت أسرة ميسورة الحال"-الطيب صالح،1988،ص 213. و يرتبط الأصل والفصل كثيرا بالجانب العرقي،مثل زواج الساكن الأصلي بخادم.نجد في "عرس الزين" أن الدنيا قد اسودت في وجه والد سيف الدين حين قال له ابنه"انه يحب السارة (إحدى الجواري) ويريد أن يتزوجها-الطيب صالح،1988،231.
ومن هنا كما سنلاحظ فان التمايز العرقي وما يرتبط به من مفهوم الأصل والفصل،هو الذي حدّد الطريقة التي تزوج بها مصطفى سعيد كغريب وسط السكان الأصليين في "ود حامد".ولنأت ليمنى العيد التي تعتقد لأنها لا تدرك ثقافة "ود حامد" من خلال ما قال به الجد مثلا عن حسنى بنت محمود، ان مصطفى سعيد كغريب كانت له الفرصة لاختيار زوجة،حين قالت أن مصطفى سعيد "ااختار زوجة من مستوى عادي-يمنى العيد،1985،ص 256.كان لا بد لمصطفى سعيد أن يختار من مستوى ليس مؤصلا ولا مفصلا.فبحكم انه غريب تزوج من امراة من مستوى يعتقد أهل القرية أنه متواضع ومتدن.يقول في ذلك الجد تعليقا على أصل حسنة بنت محمود "تلك القبيلة لا يبالون لمن يزوجون بناتهم"-الطيب صالح،1988،ص 16.و بهذا المعنى فان مصطفى سعيد،غير معروف الأصل والفصل،تزوج من امرأة هي من نفس الفصيلة: أي الناس عديمى أو وضيعي الأصل والفصل كما في ثقافة السكان الأصليين في "ود حامد".
و لهذا فان مصطفى سعيد هو غريب في مكان اثنولوجي كما قال الناقد عبد اللطيف على الفكي في بوسته عن نقدنا لقراءة يمنى العيد الخاطئة لموسم الهجرة إلى الشمال. ويقول شارحا ذلك" والمعنى الثاني يقود إلى إشكالية (علاقات المكان الاثنولوجي) الذي لا يستوعب في علاقاته تلك كل وافد غريب.وذلك من مبتدأ حجة الأصل و الفصل.بمعنى أصل العرق وفصل اللسان.يقولون فلان مؤصل و مفصل أي عرقه مثل عرقهم ولهجته مثل لهجتهم".و نلاحظ أن الجد قد أحس بالحرج حين تحدث عن زوجة مصفى سعيد وقام بتبخيس قبيلتها ،ولذلك قال للراوي مردفا وكأنه يعتذر"ان مصطفى سعيد طول إقامته في البلد لم يبدو منه شيئ منفر"-نفس الصفحة السابقة.و قال الراوي عن الجد،حين تحدث عن قبيلة حسنة بنت محمود بعد أن قامت بقتل ود الريس،وبعد ذلك قتلت نفسها"لم يحفل بسؤالي و تشاغل زمنا بمسبحته ثم قال"تلك القبيلة لا يجيئ من ورائها إلا الشر.قلت لود الريس هذه المرأة شؤم.أبعد عنها.انما الأجل"-الطيب صالح،1988،ص 131.لاحظ وصفها بالشؤم،وان ذلك ناتج أصلا عن تبخيس الجد وازدرئه لقبيلتها بناء على مفهوم الأصل و الفصل.
ولعل المشاعر التي انطلقت بعد قتل حسنة بنت محمود لود الريس وقتلها لنفسها،تبين مدى النظر إلى مصطفى سعيد كغريب في القرية،ومدى الكراهية التي يكنها ممثلو ثقافة السكان الأصليين لقليلي الأصل والفصل.و إضافة لمشاعر الجد،فاننا نجد أن بنت مجذوب ومحجوب لهما نفس النظر إلى مصطفى سعيد باعتباره غريبا،حتى بعد أن اختفى.قالت بنت مجذوب متحدثة عن حسنة بنت محمود "انها قبلت الرجل الغريب،لمذا لم تقبل ود الريس"-الطيب صالح،1988،ص 136.و هذا يدل على أن مكانة حسنة متدنية،لانها قبلت بغريب،وهو في مثل هذا النظر انسان متدني الدرجة اجتماعيا،كما في مفهوم ثقافة السكان الأصليين في "ود حامد".فمن تقبل بغريب زوجا،لا يمكنها وليس من حقها أن ترفض واحدا من السكان الأصليين،من ذوي الأصل والفصل كما في حالة ود الريس. وفي نفس الصدد في النظر الى مصطفى سعيد كغريب حتى بعد أن استوطن "ود حامد" وتزوج وزرع،لم يملك محجوب رغم تقديره العالي لمصطفى سعيد وعلاقته الجيدة به،إلا أن يقول للراوي بعد حادثة مقتل ود الريس وانتحار حسنة بنت محمود،لم يملك إلا ان يقول للراوي "لقد كان على كل حال رجلا غريبا لا تربطك به رابطة"-الطيب صالح،1988،ص 108.
لم تتطرق يمنى العيد للطريقة التي اشترى به مصطفى سعيد مزرعته،وهي لم تنتبه إلى ذلك،لأنها لا تعرف خارج النص.و مدى قدسية الأرض عند سكان "ود حامد الأصليين. وحينما نأتي إلى الطريقة التي اشترى بها مصطفى سعيد مزرعته التي كان يعتاش منها،نكتشف أنه اشتراها بوصفه غريبا،لا يمكن أن تباع له الأرض،في ما تقول به ثقافة السكان الأصليين في "ود حامد".و لذلك لجأ إلى المال كي يتمكن من شراء أرض زراعية.يقول الجد في ذلك في سياق حديثه عن مصطفى سعيد"و اشترى أرضا تفرّق وارثوها،ولم تبق منهم إلا امراة،فأغراها الرجل بالمال و اشتراها منها"-الطيب صالح،1988،ص 16.من كلام الجد نفهم قدسية الأرض في ثقافة السكان الأصليين.
فمصطفى سعيد لم يكن له أن يشتريها لولا وجود ثلاثة شروط. الأول يرتبط بتفرق الوارثين،وهذا يعنى أن وجود الوارثين كان سيمنع بيع الأرض لغريب،باعتبار ذلك عيبا في ثقافة السكان الأصليين حول امتلاك الأراضي الزراعية.أم الشرط الثاني فيتمثل في أن من تبقت من الوارثين كانت امرأة، وفي هذا إشارة خفية لو أن المتبقي من الوارثين كان رجلا،فان الأمر كان سيكون مختلفا.أما الشرط الثالث فيرتبط بأن مصطفى سعيد استخدم عنصر المال،لكي يخترق الحواجز الثقافية حول امتلاك الأرض الزراعية من قبل غريب. ونكتشف أكثر في إضاءة جديدة حول علاقة الأرض بالغرباء أهمية وهب الأرض لغريب أو بيعها،من الزعزعة النفسية التي أعقبت طلب ضو البيت بتزويجه كغريب من بنات السكان الأصليين.
ومن ضمن ما قيل عن أهمية الأرض الزراعية في علاقتها بالغرباء،ما قاله الراوي عن ضو البيت،وهو يشير في قمة التناقض الذي ولّده طلب ضو البيت الزواج من بنات السكان الأصليين حول امتياز تمتع به ضو البيت كغريب،حين قال"و أشركناه زراعتنا وشقانا"-الطيب صالح،1988،ص 387.و حتى تلك الشراكة تمت ضمن شروط معينة.فحينما عرض على ضو البيت،في الاحتفال به،أن يشتغل كعامل في حقول العارضين من أصحاب الأراض الزراعية "أبى، وقال تعطوني قطعة أرض أشتغل فيها وحدي فأنا رجل غريب وما أحب أدخل مع أهل البلد في مشاكل بسبب الشغل"-الطيب صالح،1988،ص 385.و قد استجاب إلى رجاء ضو البيت العم محمود،وهو كان دوما حاسما في حل مشاكل ضو البيت،ولذلك طرح على ضو البيت أن يعطيه قطعة أرض متروكة بور منذ الأزل مقدار نصف فدان وقال لضو البيت"قطعة الأرض دي انتاجها صعب،لكن إذا أحببتها وهبتها لك"-الطيب صالح،1988،ص 385-386.
وما يلفت الانتباه أن كل ما تمتع به ضو البيت من امتيازات،لا تكون عادة مبذولة للغريب تمت عن طريق العم محمود.و حتى هبة العم محمود لضو البيت كانت هبة لأرض بور،وهي غير منتجة،وهو ما يجعلها غير جاذبة للمشترين ولهذا وهبها لضو البيت.وما قام به العم محمود هو من قيم مساعدة الفقراء والغرباء في ثقافة السكان الأصليين،لكنه في المقابل لم يهبه واحدة من أراضيه المنتجة المثمرة،و كل ذلك يؤكد مدى قداسة الأرض في ثقافة السكان الأصليين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
تحية للقراء وللمتداخلين للأديب جورج بنيوتي محمد ع الله حرسم جلالدونا وتحية للملك ونقاشه مع الخواض تحية لآدم صيام و محمد عبد الله الحسين. بالنسبة ل م ع الحسين وجلالدونا لحد ما أراكم في حالة دفاعية عن الرواية، بينما الرواية في حد ذاتها غير مقصود، بل المقصود هو الاجابة على السؤال عن أصول العمل الروائي، وعلاقة ذلك بالمؤترات والتثاقف الذي يتخلل الرواية، أي رواية. فنسأل عن الحبكة التي هي أس الرواية ونلاحظ أن هناك، ربما، حبكات جاهزة ويمكن للقدرة الفنية للكاتب أن تجعله يقلب، يعدل، يعكس حبكة ما بحسبانها نجحت في السابق، وهذا ينطوي على قراءات نقدية وبحث قام به الكاتب، فكيف كتب الطيب صالح روايته هو المطلوب وليس فعالية وجدوى الرواية. ويمكننا اعمال نفس البحث في الروايات اللاحقة من الكتاب اللاحقين للطيب صالح. وفي قضية انعكاسات الثقافة في الرواية تبدو قضية الموقف من الاستعمار واضحة وتتناقض فيها الإدلاءات وكل ذلك يفيد في فهم صورة المثقف السوداني عقب خروج المستعمرين وما هي عليه الآن. سأكتب بإستفاضة لاحقاً في الويك اند، شكراً لكم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: mustafa mudathir)
|
Quote: وتحية للملك ونقاشه مع الخواض |
سلام درش
ياخي بعد تعب العبدلله دا كلو،
تحيي المناقش بس،
وتخلِّي الأصل !!!!
"الأصل" هنا ليس "الاتحادي الأصل" ،
و إنما "المقاربة" ههههههههههههههههههههههههه
في انتظارك
أرقد عافية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
الأخ مصطفى مدثر تحية طيبة لم أميل لمجرد الدفاع فقط عن الرواية. و لكن لم أخوض في الجانب المتعلّق بعلاقة رواية الطيب صالح لأني لم أقرأ رواية قلب الظلام. لذلك لست في موقف يمكنني من الحديث في هذا الجانب . و لكن حاولت فقط أن أشير لجانب إشارة خفيفة على اعتبار أنه لم تتطرقوا إليه وهو موضوع التناص. أي هل التناص بعيد عن المقارنة بين الروايتين؟ أما عن اعتبار الرواية ضمن الكتابات التي تدين الاستعمار و تحمّله جزء منما مآسي الدول المستعمرة فالرواية أوردت بشكل صريح ذلك من خلال أقول مصطفى سعيد و بشكل مُضمر في فحوى الرواية و إن لم تقتصر على ذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
عفيت منك أصلو ما تسيب حقك .. بيني ؤ بينك سواها ظاهرة .. يا درش تعال طايب الخواض قبال يخود ؤ يملمطنا هههههههه .. يا المشاء ياخي أنت كاتب متمرس كدارتك الأدبية مسهوكة بالجنبة من كترت الحركة في فضاءات الأدب .. الراجل بشجع المبتدئين زينا .. بس.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد على طه الملك)
|
سلام يا ملك ويا خواض الحقيقة التعبير خانني، من الإرهاق. بعدين يا ملك ياخي انت ما جديد على الكتابة ودليلي نصوصك التي نشرتها لك، فهي تشف عن عقل روائي وقدرات حكائية ولكنك توقفت عن البث بيننا لمجرد أنني طقتني فلسة وقررت انو الأدب لا يحيا في الفلس. الآن يا مولانا الملك أناشدك ان تبعث لي ما يقيم أود صفحتي يامصطفى! وكذا أنت يا خواض وقبل أن نرجع لبعض ثنايا نقدك لرؤية يمنى العيد هنالك نص قصصي بديع قرأته لك من نصوص أيامك في اليمن، نصص قصصي أدرجه في قائمة أحسن النصوص التي قرأتها، أرجو ارساله لي على بريدي: [email protected] وأعود لمحمد ع الحسين سلام وتحايا أنحنا جيين لموضوع التناص! الحقيقة زي ما قلت عن رواية قلب الظلام وتشابه م ه ش بها: "هي أن التشابه بين (قلب الظلام) و م ه ش هو أمر جوهري لا يفصح عنه النص إلاّ للقارئ المتمكث." ففرحلة مصطفى سعيد إلى أوربا كانت ايغالاً في قلب ظلام تركيبته النفسية، وقلب هنا بمعنى فؤاد، ههههه. تماماً مثل رحلة الراوي ليرى قلب ظلام أفريقيا وقلب ظلام الرجل الذي بعثوه لانتشاله من قلب ظلام أفكاره هو وجنونه. ما فعل الطيب صالح هو أنه أنتج النص المضاد counter-narrative لرواية قلب الظلام. والنص المضاد دا مفهوم نقدي ربما لا يطرأ على بال القارئ. هذا شغل نقاد ولا ينبغي أن يفسد على القارئ استمتاعه بالرواية. فمن يهتم كون الطيب صالح يقال عليه انتج نص مضاد؟ القارئ ومستهلك النص لا يهمه هذا الأمر في شيئ. ولكن لا يفوتني أن أقول إن (قلب الظلام) ملفتة في لغتها الانجليزية، وذلك لأنه كتبها رجل بولندي هو جوزيف كونراد باللغة الانجليزية وهو حديث عهد بالانجليزية، تعلمها بعد ان بلغ الرابعة والعشرين من عمره! وحازت على تقدير الرواية نمرة كذا وعشرين من أحسن مائة رواية باللغة الانجليزية، وربما دا مصدر أن هناك اشاعة أن م ه ش هي ضمن أحسن مائة رواية على الأطلاق، وأعتقد أن هذا الكلام غير صحيح. الصحيح أن ادوارد سعيد صنفها ضمن أحسن عشرة روايات عربية وقام الناس بضرب عشرة في عشرة. وبالمناسبة كلامي دا كلو قد يبدو نوعاً من اعادة اختراع العجلة، لأن هذا الموضوع مطروق في مستواه النظري لدي الدارسين وكدا. لكن على مستوى المهتمين بالأدب وعلاقته بالثقافة والواقع الثقافي من غير الدارسين فيبدو أن هناك مناطق يراها البعض محفوفة بمخاطر الحرج وبتهم من قبيل الحسد وحاجاتنا السودانية دي. ولذا فإن غرضي لا ينفك يعلن عن نفسه في أن كيف كتب الطيب صالح روايته لا يزال سؤال مهم، لان الانتقال الذي أحدثته الرواية وحالة شبه القداسة التي اعترت الكتابة عنها تمتد آثارها في انغلاق الطريق أمام عديد من الروائيين الجدد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: mustafa mudathir)
|
عزيزي الملك مساء الخير بتوقيت الساحل الغربي الامريكي
قلت سيدي:
Quote: عفيت منك أصلو ما تسيب حقك .. بيني ؤ بينك سواها ظاهرة .. يا درش تعال طايب الخواض قبال يخود ؤ يملمطنا هههههههه .. يا المشاء ياخي أنت كاتب متمرس كدارتك الأدبية مسهوكة بالجنبة من كترت الحركة في فضاءات الأدب .. الراجل بشجع المبتدئين زينا ..
|
والله يا ملك ما طالبني حليفة، ياخي انا عيوني اتقددن جد جد في سبيل اثبات قراءة يمنى العيد الخاطئة.
ولذلك كان احتجاجي مريجا من الجد والهزل معا، كما "الحلومر".
شكرا درش على الاعتذار اللطيف.
بالنسبة للنص الذي أعجبك هل تقصد "بنك بجنب الخصيتين"؟؟ هو بدأ في اليمن، لكنه تطور كثيرا في امريكا.
وهو بالمناسبة نال إعجاب مجلة الكلمة.
تعرف-يا مصطفى-
انا حظي مع العرب احسن من حظي مع "السودانيين".
اكتشفت انو في ناقد مصري أدرج اسمي ضمن "الاتجاه الحداثي" في القصة القصيرة السودانية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
والله يا خواض عجبتني قراءتك الناقدة لقراءة يمنى .. أكيد قراءتك قراية زول بيت يعرف ثقافة أهلو وطرق تفكيرم .. يا مصطفي ياخي يمين الله لو عندي زيادة ما ببخل عليك هو أنا لاقي .. ياخي شغلة القانون دي أنانية لأنها بتفطس أي نشاط .. كتر خير سودانيز ؤ مدونتك الخلتني أمرق شوية من قيود المهنة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد على طه الملك)
|
Quote: فكيف كتب الطيب صالح روايته؟..... هو المطلوب |
الجميل مصطفى مدثر
هذا السؤال المركزى فى البوست
كيف كتب الطيب صالح روايته تلك اللحظة/ الالهام/الوعى هل كانت تلك اللحظة تجر معها تاريخ السودان السياسى والثقافى والاجتماعى ام انها فقط كانت بوحا وهطولا يلا ينبىء بان ما هو قادم لمستقبل النص لم يكن حاضرا اصلا كما هو نفسه
ساعود
التحية لللاستاذة اسامة الخواض الخواض محمد على الملك
وجميع الحضور الانيق هنا
كرة اخرى مصطفى مدثر دعنا نلج من هذا الباب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد عبد الله حرسم)
|
عزيزي الملك سلامات قلت سيدي:
Quote: والله يا خواض عجبتني قراءتك الناقدة لقراءة يمنى .. أكيد قراءتك قراية زول بيت يعرف ثقافة أهلو وطرق تفكيرم .. |
شكرا على كلماتك الرقيقة.
بالتأكيد إلمامي بثقافة المنطقة التي تدور حولها روايات الطيب صالح،
ساعدني في تأويل النص بشكل يخالف قراءة يمنى العيد.
لكن تلك الثقافة هي -أيضاً-مبثوثة بين ثنايا خطاب الطيب صالح الروائي،
ولا يمكن إسقاطها من الخارج.
مثلا العبدلله يعرف ان كلمة "البلد" تعنى "القطر" وتعني أيضا مسقط الرأس،
لكن المعنيين يردان في خطاب الطيب صالح بشكل واضح، لا لبس فيه.
وقِسْ على ذلك في مدلول كلمتي "الغريب" و"اللجنة".
شكرا أستاذ حرسم .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
سلامات عزيزي حرسم ..
Quote: كيف كتب الطيب صالح روايته تلك اللحظة/ الالهام/الوعى هل كانت تلك اللحظة تجر معها تاريخ السودان السياسى والثقافى والاجتماعى ام انها فقط كانت بوحا وهطولا يلا ينبىء بان ما هو قادم لمستقبل النص لم يكن حاضرا اصلا كما هو نفسه |
نعم (تلك اللحظة) هي التي استحلبت أصداغ النقاد من فجاج الدنيا .. تعال اشخب رؤيتك علينا فما زالت دنان الطيب تسع .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: محمد على طه الملك)
|
استعمال الطيب صالح:
يأخذ استعمال النص أشكالا عديدة لا حصر لها،منها ما يستند إلى نظريات نقدية و أخرى بحثية من علوم أخرى و أحيانا كجزء من صراع أيديولجي و أحيانا أخرى بسبب مفهوم بعض القرّاء عن التماثل بين قصد المؤلف الحقيقي و قصد النص،و غالبا لعدم توفر "القارئ" على لغة واصفة، و هذا نجده الطابع الغالب و المهيمن في "القراءات" الاسفيرية للنصوص الإبداعية، و منها ما يركتز على فضول القرّاء و تهاويمهم و نزواتهم .وقد يتم استعمال النص انطلاقا من العلاقة الوثيقة بين سيرة المؤلف الحقيقي و النص،مما نجد نموذجا له في كتاب "الطيب صالح" للدكتور أحمد محمد البدوي.
ويشير دكتور صلاح البندر في مقدمة كتاب أحمد محمد البدوي المعنونة "تقديم-ينابيع الألفة" ،ص 7 ، إلى نزوع البدوي للربط بين نصوص الطيب صالح و سيرته الذاتية.يقول البندر عن ذلك النزوع "الدكتور البدوي،الباحث و الناقد في إهاب واحد،لا يدور حول أعمال الطيب و لكن يستعرضها في بساطة و ترتيب تاريخي إلى القارئ،يركز على استجلاء علاقة التداخل الحميم بين إنتاجه الأدبي و سيرته الذاتية،و كأنه يريد أن يقول إن حياته هي مصدر عالمه الأدبي. و بنزعة الناقد،لا بمنهج مؤرخ السيرة و التراجم،يقدم دليلا بأن نظرية العمل الأدبي شكل منفصل عن الكاتب و قائم بذاته لا تنطبق على هذه الحالة".و يرى البندر أن معرفة السيرة الذاتية للطيب صالح ضرورية لتفسير و إدراك أبعاد مساهماته،و التي لم ندركها بشكل كاف و جلي نتيجة للجهل بالكثير من حياته المثيرة،حين يقول في نفس الصفحة" و إن كان من الضروري فهم مسارات حياة الطيب صالح حتى يمكننا أن نفسر و ندرك أبعاد مساهماته،فإن كل ما نعرفه عنها مصدره الطيب نفسه.لذلك ليس من المستغرب أننا ما زلنا نجهل كثيرا من المثير عن حياته و ما زلنا على الرغم من اجتهادات النقاد و البحاث لا ندرك بعد الأبعاد الكاملة لقصصه و رواياته".
و يبدو تقدير البندر لأهمية السيرة الذاتية لادراك أبعاد مساهمات الطيب صالح واضحا في إشارته لمنقصة شابت عمل البدوي عن الطيب صالح حين يقول في ص 34 "و على الرغم من أن هذا الكتاب ابتعد عن الحياة الشخصية للطيب،حبه و زواجه من جولي و تفاعلاته مع بناته،و لكن ذلك لا ينقص من أهميتها و تأثيرها العميق على إنتاجه الأدبي".
لم يقتصر عمل البدوي عن الطيب صالح على الربط فقط بين سيرته الذاتية و خطابه الإبداعي،و إنما حاول أيضا-ضمن أمور أخرى- أن يقارب ما يمكن أن نسميه النصوص الغائبة في خطاب الطيب صالح.و رغم محاولاته لإقامة علاقة وثيقة بين السيرة الذاتية و خطاب الطيب صالح،إلا أنه أشار مرارا إلى ما يكتنف تلك المحاولات من مآزق. فعن سؤال كمون عنصر من ذات الكاتب في الرواية؟يجيب البدوي "الإجابة: ما من شك في وجود ذلك على نحو ما، و لكن كيف نضع يدنا عليه؟إنه ليذكرنا بقول مالك: الاستواء معلوم و الكيف مجهول،و قول القائل: أجده في قلبي و لا يعبر عنه لساني".ص 161. ثم يعود ليقول "و لكن العنصر الذاتي ليس التماثل مع شخصية روائية حذوك النعل بالنعل، التشابه التام،تشابه التوائم،"الخالق الناطق"،و إنما التجليات الموشاة بالتزاويق،على أن موضوعية العمل الروائي ليست من الكثافة بحيث تستبعد كل ذاتي،فلا يلوح منه أي بصيص من نفس صاحبه،فإن لاح فإنما هو سراب بقيعة،و ليس ماء، مثل نار الحباحب،شيئ يروق و لا طائل فيه"،ص 161-162.
و يحذِّر البدوي- محقاً- من الركون إلى تفسير الروائي لعمله،إذ يكتب في ص 163 "إذا جاز لنا استمداد مؤدى عام،فهو التحرز من قبول التفسيرالذي يتبرع الروائي بتقديمه،فما يقدمه من آراء ينبغي أن يثبت أولا في دائرة الإدعاء،و كذلك رد النفي الذي يؤكده الروائي،بكثير من الحذر،لأنه نوع من التفسير،قائم على الإخفاء،بتوجيه الأنظار إلى التملي في غير تلك الجهة".ثم يتحدث البدوي عن تعقيدات بناء الشخصية الروائية،و عن هامشية الاهتمام بعلاقة الشخصية الروائية بالكاتب الحقيقي في ص 164"و الحق أن الشخصية في الرواية-مثل ضمير المتكلم في القصيدة الغنائية-لا تمثل من الكاتب إلا ما هو وليد أحلامه و تعديله و أوهامه و أشواقه و مكره،بحيث تختفي معالم الشخصية في الواقع،بما يخلع عليها من ألوان و خطوط.إنها خلق جديد.ذاك أمر لا يُنفي مرة واحدة،و لايثبت دائما،و هو من صميم رسالة الناقد،له أن يجتهد فيه بقدر،و يتحمل المسؤولية،و يضع في الحسبان قابلية الخطأ،و يعرف أن ذلك الجانب لا يستحق من الاهتمام إلا حيزا ضيقا جدا، لا يتعداه".
و رغما عن قوله بهامشية العلاقة بين الكاتب الحقيقي و الشخصية الروائية،إلا أنه يعود في ص 268،فيستعمل "موسم الهجرة إلى الشمال" لإثارة سؤال حول من هو "مصطفى سعيد-م س"،و هل هو أحمد قباني-علي أبوسن؟.و يستند في ذلك على ما أورده علي أبوسن في كتابه "المجذوب و الذكريات"حين كتب ""كنا لا نفترق..و أصبح الطيب صالح يتصيد قصص مغامراتنا-أنا و أحمد قباني-و يطلب أن نحكي تفاصيلها بصورة يومية مملة،و كأنه يكتب مذكرات عنها" ثم يسنتنج علي أبوسن "الطيب صالح كان ينظر إلينا باعتبارنا وجهين لعملة واحدة..فنشأت في ذهن الطيب رؤية روائية لنا".و بناء على مذكرات علي أبوسن، يوجِّه البدوي في ص 269السؤال التالي "فهل م س هو أبوسن-قباني؟
لم ينتبه البدوي جيدا إلى ما أورده عن الطيب صالح و امتعاضه من الأسئلة المتعلقة بحياته الزوجية.فهو يقول عن اسم زوجة الطيب صالح "جولي" في ص 78"و لم يذكر الطيب اسمها في لقاء قط،و في المرتين اللتين سئل خلالهما عن حياته الزوجية ذكر أسماء بناته الثلاثة،و لكنه لم يكن راضيا عن السؤال إن لم يكن ممتعضا،لأنه يميل إلى أن يهتم الناس بعمل الكاتب،و أن تصان حياته الخاصة من أسئلة تتصل بأمور تعنيه وحده و لا علاقة لها بأعماله.و لم يذكر في أي لقاء معه اسم زوجته"..و نشرت صور زوجة الطيب صالح و بناته الثلاث لأول مرة في عام 1997 في كتاب طلحة جبريل "على الدرب مع الطيب صالح"،و صرح فيه لأول مرة باسم زوجته،هامش 13 ص 99.
و يورد البدوي آراء للطيب صالح ينفي فيها أنه مصطفى سعيد كما يزعم كثير من القرّاء.ففي ص 75،يورد البدوي حوارا للطيب صالح مع زميله الإذاعي الفلسطيني الراحل أكرم صالح.ففي ذلك الحوار يرد الطيب على ملاحظة أكرم "أنت لخصتنا جميعا في شخصية مصطفى سعيد"،يرد الطيب قائلا "أخذت روح تلك الفترة و الجيل الذي سبقنا،بعض الناس يظنون أن مصطفى سعيد شخص بعينه،بعضهم يقول إنه أنا، واضح أن الأمر ليس كذلك،هذه شخصية خيالية فيها ملامح من مئات الناس".و في ص 161 يقول البدوي أن "الطيب ينفي عن نفسه تطابقه التام مع مصطفى سعيد إلى حد تبادل الأدوار، فيبدو م س (مصطفى سعيد) هو كاتب الرواية، و الطيب صالح (أي ط ص ) الشخصية الرئيسية في الرواية،و يتملح الطيب في الإجابة بدعابة فيقول "مصطفى سعيد ،ليت لي فحولته و ذكاءه" و هو محق في ذلك النفي".
يرى الطيب صالح أن العلاقة شائكة و معقدة بين الكاتب الحقيقي و خطابه.فقد أورد محمد شاهين في كتابه "تحولات الشوق في موسم الهجرة إلى الشمال"، لقاء للطيب صالح مع بعض من قرّائه،و فيه نرى مفهوم الطيب صالح لعلاقة سيرته الذاتية بكتاباته. فهو يقول في ص ص 194-195 في إجابته عن سؤال قارئة "كيف تنعكس السيرة الذاتية ،و إلى أي مدى تنعكس على كتابات الكاتب؟عندما أدرس كاتبا في حد ذاته هل أدرس حياته أو أركز على ما هو مكتوب؟"يقول الطيب صالح "أما كم يوجد في رواياتي من حياتي،فهذه كما يعلم الأستاذان عصفور و شاهين،قضية شائكة في الأدب.أعتقد أن الكاتب موجود في كتاباته و لكن ليس بالطريقة التي يراها القارئ أحيانا". ثم يورد مثالا واضحا ليبين فيه العلاقة بين ما يجري للكاتب في حياته العادية و بين طريقته في بناء شخصياته ،يقول الطيب صالح "سأقول لكِ شيئا،و هو سركبير أقوله لكِ الآن و لم أبُح به لأحد من قبل،و أقوله لكِ لأنكِ سألتني عن بناتي.السرّ الذي أفصح عنه هو: في "موسم الهجرة إلى الشمال" هنالك هذه الشخصية العجيبة و اسمها جين مورس.جين مورس شخصية حقيقية،و لكنها ليست نفسها في الرواية.تعرّفتُ عليها في الشهر الأول من وصولي إلى لندن عام 1952 في المتحف الوطني.قابلت فتاة جذابة حقا و كانت...(صمت) كان في المتحف آنذاك معرض عن الفن الانطباعي و بعدين...(صمت) تحدثنا مع بعض و سالتني من أين أنا إلى آخر ذلك...و كنتُ في ذلك الحين فتى يافعاً،لا بد أن تعترفوا بذلك و بعد أن خرجنا من المعرض و ذهبنا إلى مقهى و أمضينا بعض الوقت في الحديث عن أمور عامة،و بعد ذلك لم أرها قط،و اسم الفتاة جين مورس،و قد أحببت ذلك الاسم،و من ذلك اللقاء عَلِقَ اسمها في ذاكرتي و أدخلته في الرواية:الاسم و بعض الأمور الأخرى يعلم الله بها.فلذلك فالعمل الروائي،أو القصيدة،مليئ بالإشارات التي يحتاج الكاتب إلى أن ينفذ منها إلى ما هو أبعد و أعمق.لذلك يمكن أن يكون البحث عن الكاتب في كتاباته ضربا من العبث أحيانا.نحن نعلم الآن أشياء كثيرة عن فرجينيا وولف و خلفية بلومزبري.هذه الأشياء يتوق الناس إلى معرفتها و قد تنير السبيل أحيانا.و لكنني لا أعتقد أن حياة الإنسان الخاصة و هو ما يزال على قيد الحياة مهمة بالنسبة للقارئ.و لا أعتقد أنها يمكن أن تكون مفيدة له في قراءاته أعمال الكاتب" .
يواصل الطيب صالح في ص 196 إبداء رأيه في علاقته ككاتب حقيقي به ككاتب نموذجي إنْ طبَّقنا عليه تمييز إيكو الذي سبقت الإشارة إليه.فقد سئل "كثير من الكتّاب يعطون حياتهم لشخصية ما،هل فكَّر الطيب في إعطاء تجربته الطويلة لإحدى الشخصيات؟فأجاب الطيب صالح قائلا "حياتي الشخصية ليست مثيرة حتى أفعل ذلك بل و ربما ليست الإثارة فيها كافية لأضعها في شخصية.على كل حال لم أشعر بهذه الحاجة.هنالك إغراء بالنسبة للكاتب أن يضع نفسه في شخصية ما،و لكن عليه أن يقاوم هذا الإغراء لأنه يقترب من العالم السطحي،و من واجبه أن يغوص في عالم موهوم من المفروض أن يصنعه بنفسه".نجد أن الطيب صالح يولي اهتمامه الأكبر لما يسميها "المشكلة الفنية" و "السياق الروائي" في مواجهته "للمواد الخام" للرواية.يقول الطيب صالح في مقابلة مع ماجد السامرائي في ص 159 من كتاب البدوي"كان في ذهني أن أكتب محاكمة مصطفى سعيد،أن تكون محاكمة وثائقية،و فعلا قرأت كثيرا حول الموضوع،و زرت المحكمة،و لكن فجأة خطر لي أن هذا لا ضرورة له.فكل ما قرأته و عملته،لم آخذ منه إلا بضع جمل،يقولها القاضي أو المحامي،أو سواهما،لكنني باستمرار كنت أفكر بالمشكلة الفنية،فالقضية أصبحت فنية،المادة موجودة،الشخصيات معروفة،مجرى الأحداث واضح إلى حد ما.لكن المسألة كانت كيف تضعها جميعا في سياق روائي".
يدعم محمد شاهين في فصل بعنوان "الكاتب الحقيقي و الكاتب الضمني:الشخصي و الشخصية" وجهة نظر الطيب صالح.فمحمد شاهين يكتب في ص 47 عن أنّ " العملية الضمنية للرواية،و هي التي تشكل فنيتها،تقع بين طرفين: الكاتب الحقيقي و القارئ الحقيقي.و تنشأ المشكلة عادة بين الكاتب الحقيقي و الكاتب الضمني، أو بين القارئ الحقيقي و الضمني،او بين الواقع،كما نراه نحن كقراء حقيقيين،و بين النص الضمني،و هكذا تضيع فنية الرواية في واقع مألوف و حقيقي بالنسبة لنا،و لكنه ليس كذلك بالنسبة للرواية".و يعلق على ما قال به الطيب صالح عن جين موريس في الحوار في ص 50 "هذا هو الطيب الحقيقي يعلن لنا عن سر طالما انتظره القراء عبر السنوات الطويلة.و هو أن جين مورس شخصية حقيقية.هل يقدِّم هذا أو يؤخر في قراءة الرواية؟و هل يمكن أن يضيف شيئا جديدا إلى الطيب الضمني؟كل ما هنالك أنه يشبع شيئا من الفضول لدينا،و ربما يضيف إلينا متعة ذهنية منفصلة عن فنية الصورة.و من الطريف أن مثل هذا الاعتراف يؤكد على الفرق بين الطيب الحقيقي و الطيب الضمني الذي كانت جين مورس الحقيقية له لا تزيد عن مناسبة نما منها برعم التكوين.و يمكننا أن نستخدم هذا الاعتراف كبرهان قوي ضد الممارسة المالوفة التي تحاول أن تُرجع الصورة الفنية إلى أصلها و كأنها مطابقة للواقع".
نلاحظ أن محمد شاهين يستند على مصطلح "الكاتب الضمني".و هو مصطلح استعمله ،كما يرى إيكو في مداخلة له،واين بوث ، وذلك في كتابه بلاغة التخييل الصادر سنة 1961.ويرى إيكو أنه ظهر بعد ذلك "اتجاهان وتطورا وهما يجهلان بعضهما البعض. فهناك من جهة الاتجاه السميوطيقي البنيوي، وهناك من جهة ثانية الهرمنطيقا. نشأ الأول مع البحوث المجمعة في العدد الثامن من Communications 8 الصادر سنة 1966، حيث شدد بارث على وجوب عدم الخلط بين "الكاتب" (المادي والواقعي)وبين "السارد" ، وحيث أشار تودوروف إلى الزوج "صورة السارد" و"صورة الكاتب" .
و في مقابل أنواع الكتّاب،يرى إيكو أنه يقع " عدد مماثل من القراء المحتملين والقراء المثاليين وآخرين نموذجيين والقراء المتفرعين hyper lecteur والقراء المبنيين، والقراء المطلعين والقراء الجماع والقراء الضمنيين وما فوق القراء وغيرهم." و يرى إيكو أنه في زمن سطوة البنيوية كانت الأولوية ، لتحليل النص باعتباره موضوعا يملك خصائصه البنيوية المتميزة القابلة للوصف انطلاقا من شكلانية تتفاوت درجة صرامتها".و كرد فعل على ذلك النزوع البنيوي، ظهر التوجه الجديد الذي "قد وجّه الاهتمام نحو إشكالية تداولية القراءة".
يرى إيكو أنه قد نجم عن هذا الوضع الجديد المتوجه نحو القارئ و القراء "أن أصبح موضوع البحث في تيارات نقدية مختلفة - تمتد من استيتيقا التلقي إلى الهرمنطيقا، ومن سميوطيقا "القارىء المثالي" أو "النموذجي " إلى الطليعي الأنجلوساكسوني (المسمى بـ "النقد الموجه نحوالقارئ ") والنقد التفكيكي - هو طرائق بناء أو تفكيك النص التي يرهنها فعل القراءة باعتبارها شروطا فاعلة يستلزمها تحقق النص بوصفه نصا. ولم يعد موضوع البحث في تلك التيارات هوالطرائق الأمبريقية المرتبطة بالقراءة بمعناها الحقيقي (التي كانت موضوع سوسيولوجيا التلقي).
يعتقد إيكو أن الأطروحة الكامنة وراء هذه الاتجاهات تتمثَّل " في افتراض أنه لا يمكن تفسير اشتغال أي نص، بما في ذلك النصوص غير اللفظية، إلا إذا أخذنا في اعتبارنا - فضلا عن لحظة تكوينية أو عوضا عنها - الدورالذي يلعبه القارئ من زاوية فهمه وتحقيقه وتأويله، علاوة على الكيفية التي يتوقع بها النص صيغ المشاركة هذه".
*المراجع:
أحمد محمد البدوي، الطيب صالح-دراسة نقدية،دار كمبردج للنشر،كمبردج،بريطانيا،2010.
محمد شاهين ،تحولات الشوق في موسم الهجرة إلى الشمال-دراسة نقدية مقارنة ،الطبعة الثانية،مكتبة مدبولي،2006.
امبرتو إيكو "ملاحظات حول سميائيات التلقي"، مداخلة في ندوة الجمعية الايطالية للدراسات السيميوطيقية المنعقدة بـ"مانطو" بين 25 و 27 أكتوبر 1985،ترجمة محمد العماري،مجلة علامات، العدد العاشر، 1998،موقع سعيد بنكراد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: osama elkhawad)
|
Quote: أكيد قراءتك قراية زول بيت يعرف ثقافة أهلو وطرق تفكيرم ..
|
الكلام دا يا مولانا معناه اننا نحتاج لأكثر من النص الأدبي لإعداد قراءة صحيحة له. نحتاج لمعرفة الواقع الثقافي وتبدلاته ونحتاج أيضاً، ولكن بدرجة أقل إلحاحاً، لمعرفة أحوال الكاتب الشخصية والتأثيرات الهامة في حياته. فالنص وحده لا يكفي. وموضوعة الغريب التي شرحها مقال الخواض تأتي في مقابلها موضوعة الهجرة البادية بشكل صارخ في العنوان, ففي حين أن الغريب على ود حامد هو غريب على مستوى فضاء احتماعي محدود وبائس، فإن الهجرة في الرواية لم تكن تعني الهجرة إلى شمال السودان، إلي ود حامد بل هي الهجرة خارج الوطن الأم وبتأثيرات تقسيم العالم على أيامها لشمال وجنوب وبروز مصطلحات مثل العالم الثالث. ورعم أن الغربة في ود حامد أو في أوربا، كلاهما موسوم بتجريح عميق للوجدان إلا أن الغربة الأولى هي دائماً اسهل في معالجتها لأن القواسم عديدة ولأن أقل تميز اقتصادي يضمن لك زوال الإحساس بها. إن إثارة وتمحيص هذه المفاهيم الواردة في الرواية وردها لأصولها في الواقع الثقافي تتيح لنا في كل مرة إطلالة على فهم أصل الرواية، م ه ش أو اية رواية. فعلى مستوى كونها رواية عن مثقفين سودانيي، الراوي وم ص، فإن المرء ليحار أمام اختيار الطيب صالح لرسم صورة غير ايجابية للمثقف السوداني آنذاك. ودون الحاجة لتذكر أن الكاتب يملك بطبيعة الحال أن يكتب ما يشاء ومع فهم أن هذا الإختيار لا يمنحه أية حصانة من النقد، فإن فضاء السودان كان يعج بصور ايجابية للمثقف السوداني ما يعني أن الطيب صالح لم يعكس فقط حبكة مطروقة بل هو عكَس الصورة الايجابية للمثقف السوداني في عنفوانها، تلك التي تجلت في موجات من الطلاب والمبعوثين الذي ذهبوا لنفس أوربا وعاشروا نساءاّ هناك ومنهم من فض كل تلك العلاقات حين جاء (موسم) عودتهم للوطن. لم نسمع بمن استباح النساء بالصورة السوداء التي ظهرت في تعاطي م ص مع النساء هناك، لم نسمع بمن قتل أو حرض على انتحار وبأستاذ جامعي يتسكع في المقاهي لاصطياد النساء، فلكأن رواية الطيب صالح جاءت دحضاً ونقضاً لغزل حركة التقدم التي سادت في فترة بداية الستينات من القرن الماضي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قلب الرواية (Re: معاوية الزبير)
|
Quote: الكلام دا يا مولانا معناه اننا نحتاج لأكثر من النص الأدبي لإعداد قراءة صحيحة له. نحتاج لمعرفة الواقع الثقافي وتبدلاته ونحتاج أيضاً، ولكن بدرجة أقل إلحاحاً، لمعرفة أحوال الكاتب الشخصية والتأثيرات الهامة في حياته. فالنص وحده لا يكفي. وموضوعة الغريب التي شرحها مقال الخواض تأتي في مقابلها موضوعة الهجرة البادية بشكل صارخ في العنوان, ففي حين أن الغريب على ود حامد هو غريب على مستوى فضاء احتماعي محدود وبائس، فإن الهجرة في الرواية لم تكن تعني الهجرة إلى شمال السودان، إلي ود حامد بل هي الهجرة خارج الوطن الأم وبتأثيرات تقسيم العالم على أيامها لشمال وجنوب وبروز مصطلحات مثل العالم الثالث. ورعم أن الغربة في ود حامد أو في أوربا، كلاهما موسوم بتجريح عميق للوجدان إلا أن الغربة الأولى هي دائماً اسهل في معالجتها لأن القواسم عديدة ولأن أقل تميز اقتصادي يضمن لك زوال الإحساس بها. إن إثارة وتمحيص هذه المفاهيم الواردة في الرواية وردها لأصولها في الواقع الثقافي تتيح لنا في كل مرة إطلالة على فهم أصل الرواية، م ه ش أو اية رواية. فعلى مستوى كونها رواية عن مثقفين سودانيي، الراوي وم ص، فإن المرء ليحار أمام اختيار الطيب صالح لرسم صورة غير ايجابية للمثقف السوداني آنذاك. ودون الحاجة لتذكر أن الكاتب يملك بطبيعة الحال أن يكتب ما يشاء ومع فهم أن هذا الإختيار لا يمنحه أية حصانة من النقد، فإن فضاء السودان كان يعج بصور ايجابية للمثقف السوداني ما يعني أن الطيب صالح لم يعكس فقط حبكة مطروقة بل هو عكَس الصورة الايجابية للمثقف السوداني في عنفوانها، تلك التي تجلت في موجات من الطلاب والمبعوثين الذي ذهبوا لنفس أوربا وعاشروا نساءاّ هناك ومنهم من فض كل تلك العلاقات حين جاء (موسم) عودتهم للوطن. لم نسمع بمن استباح النساء بالصورة السوداء التي ظهرت في تعاطي م ص مع النساء هناك، لم نسمع بمن قتل أو حرض على انتحار وبأستاذ جامعي يتسكع في المقاهي لاصطياد النساء، فلكأن رواية الطيب صالح جاءت دحضاً ونقضاً لغزل حركة التقدم التي سادت في فترة بداية الستينات من القرن الماضي |
سلامات يا مصطفي .. أتفق معك تماما أن السمات التي أراد الراوي أن تظهر بها شخصية م س أتت بعيدة كل البعد عن سمات مثقفي ذلك الجيل .. ولعل حرم الدكتور عبد الله الطيب ( نسيت اسمها الآن ) إنتبهت لهذه العلة.. والأغرب أن البيئة التى نشأ فيها الراوي نفسه تقف إلى الضد من ذلك .. لذا لم يكن أمام الراوي من بد يخرجه من المأزق.. سوى التأكيد على انبتات شخصية م س .. واصفا شعوره بالمكان ب ( الجبلي) وهو إحساس موحش أشبه ما يكون بـ lack of identity إن صح التشبيه.. مع ذلك يظل السؤال شاخصا بحثا عن الدافع وراء أختيار شخصية بهذه السمات ؟ فعلا هي حيرة كما تفضلت .. وهي ذاتها التي تمنح فرضية ادوارد منطقها ومقبوليتها .. ولكن ـ وأنت الأدرى ـ الرواية أي رواية لا يمكن محاكمتها بمعاير المذكرات والسير الذاتية .. فإن كانت الأولى تطلق للخيال عنانه فتحري المصداقية مطلوب في الأخرى.. لذا قد لا يكون منصفا قراءة ذهنية الراوي وهي ترسم سمات شخصية م س .. وكأنها تعبر عن شخصية المثقف أو المبعوث السوداني آنذك .. ولّ كيف يا معاوية الزبير ؟ إلا تقول الرررررزب هههه.
| |
|
|
|
|
|
|
ضد استعمال الطيب صالح (Re: محمد على طه الملك)
|
عزيزي الملك سلامات: قلت سيدي:
Quote: الرواية أي رواية لا يمكن محاكمتها بمعاير المذكرات والسير الذاتية .. فإن كانت الأولى تطلق للخيال عنانه فتحري المصداقية مطلوب في الأخرى.. لذا قد لا يكون منصفا قراءة ذهنية الراوي وهي ترسم سمات شخصية م س .. |
لي تعليقان على المقتطف أعلاه: التعليق الأول: ماذا تقصد بالراوي في ما قلته عن "ذهنية الراوي وهي ترسم شخضية م.س.؟؟
التعليق الثاني: عبارة عن مقتطف من دراسة طويلة يجري مجرى كلامك عن أنّ "الراوية أي رواية لا يمكن محاكمتها بمعايير المذكرات والسير الذاتية".
فإلى المقتطف:
ضد استعمال النص
درس الطيب صالح
ظل الطيب صالح في حواراته يحاول أن يدفع الافتراء عن كونه مصطفى سعيد و أن ما ورد في "موسم الهجرة إلى الشمال" من افكار على لسان مصطفى سعيد ليست هي أفكاره ككاتب حقيقي.كما كان يحاول دائما أن يؤكد أن إبداع الرواية ليس نسخا لسيرة ذاتية و إنما عملية فنية شديدة التعقيد،و أن حياته الشخصية ليس فيها ما يثير.لم يطلق الطيب صالح على المحاولات الدائبة للمماثلة بينه و بين مصطفى سعيد استعمالا للنص،كما لم يقم بتوصيف بعض التأويلات كتأويلات مضاعفة أو مفرطة كما سمّاه إيكو.
مرة سأله قارئ قائلا "بالنسبة لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال"كلنا نعرف ما فيها من جو خيالي،و ندخل في هذا الجو الخيالي أو الأسطوري و نقبله بعض النظر عن صحته أو عدم صحته.لكنني لاحظت أن مشهد الشراب الذي يلقي فيه مصطفى سعيد قصائده باللغة الانجليزية يخرج عن حدود المعقول على الأقل بالنسبة لي و في إطار تفكيري.فالشراب لا يعقل أن يؤثر على شخص عاش في أوروبا بنفس الدرجة التي يمكن أن يؤثر فيها على شخص يعيش في الشرق.كيف يمكن أن نقبل تبريره (تبرير مصطفى سعيد) للراوي، و هو شخص مثله خريج جامعة إنجليزية، حيث يقول له اعتبرني كنت بهلوس أو بهذا المعنى، لا أتذكر النص الحرفي.التفسير غير منطقي،و الحادث غير منطقي في ضمن إطار ال ( make believe ) للرواية.ممكن توضح لنا كيف يمكن لهذا المشهد أن يقع ضمن هذه القصة؟ هو ضروري و هو اساسي لسير أحداثها، و لكن منطقيته في الأحداث بحاجة إلى توضيح.ص 178.
و ردَّ الطيب صالح مركزا على أننا نتحدث عن نص أدبي حين قال في ص 178 "تقولون في الإنجليزية ( suspension of disbelieve ) معاك كل الحق.كما لا يخفى عليك، في الأدب،الكاتب يخلق عالما مفتعلا و يخلق فيه مغامرات.أظن أن توماس هاردي مشهور بعمل أشياء غير منطقية إطلاقا،فجأة تجيئ رسالة،و مثلها أشياء أخرى.و أنا أعتقد أني أكثر منطقية من توماس هاردي".ثم يواصل الطيب صالح رده على القارئ في ص 179 مذكرأ ان مصطفى سعيد "كان يمثل دورا.لم يكن فلاحا عاديا يعيش مع الناس.و معنى ذلك أن ما فيه من الداخل،لا بد أنه كان يلح عليه.هل تظن أن رجلا عبقريا مثله سافر و حصل على الدكتوراة يستطيع أن ينسى ماضيه تماما؟طيب أقول لك،تابعني شوية.رفض، لو تذكر، أن يحضر هذه الحفلة،لماذا؟ لماذا رفض أن يشرب و يحضر مجالس الشراب؟لعله كان يحس أن كل هذا الماضي الذي يعتمل في داخله و يؤرقه يمكن أن يطفو على السطح.و هو لم يقل هذه الابيات، لم يلق شعرا.قال مجرد أبيات طلعت كما يحدث أحيانا مع الإنسان عندما يتحدث مع نفسه بعد أن يشرب، الله أعلم، ثلاثة أو أربعة أو خمسة كاسات من العرق". ثم يحاول الطيب صالح أن يورد معلومة لا يعرفها القارئ عن قوة العرق السوداني علها تكون كافية لإقناعه.قال الطيب صالح موجها كلامه للقارئ "و عرق التمر هذا شراب قوي جدا عندنا (في السودان).فأنا لا أجد غرابة إطلاقا أن هذا حدث."ثم يختم الطيب صالح حججه قائلا للقارئ "أنت من حقك ألا تقبل،و أنا لا أقول لك لازم تصدق".
كل تلك الحجج التي ساقها الطيب صالح انطلاقا من النص و خارج النص، لم تفلح في إقناع القارئ بعبثية مشهد سكر مصطفى سعيد،فقال معلقا "منطقية الحدث هي أن المعتاد على الشراب لا يتأثر بهذه السهولة".فرد الطيب صالح "أنت هنا تدخل عالما غير عقلاني irrational بعقلانية.هل قرأت ماركيز Hundred Years of Solicitude؟يجعل الناس يطيروا،نحن ما عملنا شيئ".
و يحاول نفس القارئ الذي تحدث عن عبثية مشهد سكر مصطفى سعيد،أن يجد صلة بين آراء مصطفى سعيد عن الاستعمار باعتبارها أي تلك الآراء تعبر عن آراء الكاتب الحقيقي الطيب صالح.سأل القارئ "اتجاه مصطفى سعيد نحو الاستعمار فيه نوع من (التأرجح) ambivalence تعتقد أنه يوجد تأثير لرأيك الشخصي؟فسأله الطيب صالح "تأرجح ambivalence من أي ناحية؟فأجاب القارئ "يعني موقفه من الاستعمار فهو يقول على سبيل المثال أن الانجليز بنوا مدارس و مستشفيات.ثم يقول إنهم بنوا سكك حديد لنقل الاسلحة لا الخبز! و نلاحظ موقفه المتأرجح بين الهجوم و الدفاع،أي أن لهم مساوئ و لهم فوائد أو منافع،و في هذه الحالة لا يتخذ مصطفى سعيد موقفا،كأن يراهم خيرا أو شرا".بدا الطيب صالح منفعلا قليلا في رده حين قال" أرجو أن أكون واضحا بما لا يدع مجالا للشك، أنا أعتبر الاستعمار شرا". ثم يعيد القارئ إلى واقع أننا نتحدث عن نص روائي لا عن الطيب صالح الحقيقي،أي نتحدث عن الكاتب النموذجي،حين قال له"أنا أكتب رواية و بقدر الإمكان أريد أن أكون منصفا.يمكن لي أن أكتب رواية من منطلق عربي،و أشتم الانجليز و الاستعمار و يفرح الناس.لكن ليس هذا غرضي. أنا أخلق عالما متأرجحا،متوازيا يختلط فيه الخير و الشر،الصدق و الكذب (الفني طبعا)،بحيث أن القارئ هو الذي يقرر بينه و بين نفسه".ثم بعد برهة يعود لتذكير القارئ بموضوع "الكتابة" حين يقول له "نحن ككتَّاب نعمل في المجال الذي يتطلب استكشافا و إلا أكون داعية أو مثل ذلك،و لكن أنا كاتب رواية،يمكن أن أكون قد فشلت فيما أروي معك أنت بالذات لكن الاستعمار عندي شر ما فيه كلام".ص 181.
مثال آخر على استعمال النص.سألت قارئة الطيب صالح سؤالين متتابعىين.الأول هو "لقد صوّرت دور المرأة الأوروبية في علاقاتها الجنسية مع مصطفى سعيد بشيئ من السلبية.هل لك أن تقول لنا موقفك من هذا الأمر،أو هل بالإمكان توضيحه؟و الثاني كان "ألا تعتقد أن الرجال العرب ينظرون إلى المرأة الأوروبية دائما على أنها واحدة من تلك النماذج"ص ،و ص.و يعلق محمد شاهين على سؤاليها قائلا في ص 47 "صاحبة السؤال لا بد أنها اعتقدت (بدون أن تفكر في الموضوع تفكيرا موضوعيا) أن الطيب كتب مثل هذه الرواية لقارئة ظروفها العائلية شبيهة بظروفها".
و يرى شاهين ملخِّصا المحور الذي تدور حوله الأسئلة،أنه يرتكز على ما سمّاها "العلاقة بين القارئ الحقيقي و الكاتب الحقيقي".يقول في صفحتي 48 و 49 "كل هذه الأسئلة تدور في محور واحد،و هو أن السائل هو القارئ الحقيقي ،أي أن هذا القارئ يشعر بأن الرواية كتبت له بذاته،و أنها تخاطبه شخصيا،و أن الكاتب الحقيقي،و هو الطيب صالح،الذي ولد في السودان عام كذا و هو متزوج و عنده أولاد و يعمل في اليونسكو،هو الذي يجيب عن أسئلته.و بنفس الطريقة،فإن الأسئلة التي أجاب عنها الطيب ،على تنوعها،تنحصر في محور واحد.و لو أراد الطيب أن يجيب عنها في جواب واحد يشملها جميعا لفعل،و ربما قال:الطيب صالح الذي أمامكم ليس هو المسؤول عن الطيب الضمني،بإمكانكم أن ترجعوا إلى ذلك الطيب في روايته أو رواياته و تحصلوا منه على الجواب المطلوب،و كذلك فإن الطيب الضمني غير محصور بقارئة تخشى أن تمتد الصورة إليها شخصيا بسبب هوية أمها مثلا،و لا بقارئ يحاكم الأمور بإلحاح و منطقية مألوفة،و هي أن العربي الذي أدمن الشراب في الغرب لا يمكن أن يؤثر الشراب عليه بسهولة تجعله يتوجس خيفة من حضور مجالس الشراب".
و يحاول شاهين أن يلخِّص الأسئلة التي يوجهها عادة القراء إلى الكتاب،و التي تنطلق من فكرة أن النص هو انعكاس لسيرة الكاتب الحقيقي،و أن أفضل تأويل لنص هو ما يصدر عن كاتبه الحقيقي الذي يملك سر الشفرات الهرمسية المخفية بين ثنايا النص،و هو الذي يعرف خفايا شخصياته باعتبارها "أقنعة" لأفكار و هواجس الكاتب الحقيقي.يقول شاهين في ص 49 "و يمكن حصر الاسئلة التي توجّه إلى الطيب،أو إلى أي كاتب،في نوعين: النوع الأول يتعلق بالطيب الحقيقي: مثل كيف و متى و لماذا تكتب؟أو هل تضع السيرة الذاتية في الكتابة؟ و النوع الثاني مثل كيف تصور العلاقة الجنسية بين مصطف سعيد و جين مورس؟ ثم يحاول شاهين أن يوضح دور الكاتب الحقيقي في عملية تأويل نصوصه قائلا في نفس الصفحة "إذا أجاب الطيب الحقيقي عن النوع الأول فإن إجابته لا تهم الطيب الضمني و لا العمل الروائي،و هي لا تقدِّم و لا تؤخِّر، أما إذا أجاب عن النوع الثاني فيمكن أن يساعدنا على فهم الطيب الضمني،و لكن ليس بالضرورة أن يكون ما يقول لنا هو نهاية الأمر،و يمكننا أن نأخذ أو لا نأخذ به".و يرى شاهين أن تفسير تلك العلاقة بين القارئ الحقيقي و الكاتب الحقيقي بغرض الوصول إلى "التأويل الحقيقي "للنص،بواسطة مطالبة الكاتب الحقيقي بكشف النقاب عن هوية الكاتب الضمني،يتمثّل في ما سمّاه شاهين في ص 50 "الوهم الشائع الذي يعتقد أن الحقيقي يكمِّل الضمني و يفسِّره و يوضِّحه و يسيطر عليه دائما".
من المفارقات واجبة الذكر في هذا المقام،أن الطيب صالح خصّص في أحد كتب مختاراته فصلا هو الثامن عن رولان بارت. و أورد فيه مقتطفات من مقال رولان بارت المشهور "موت المؤلف"،و الذي يتحدث فيه بارت عن الأسباب التي تدعو إلى إزاحة المؤلف عند قراءة النص،،و من ثمّ -كما يقول في نهاية مقاله- فإنَّ "ولادة القارئ" ستكون على حساب "موت المؤلف".
و من ضمن ما أورده الطيب صالح ،نجد في ص ص 289-299 ،المقطع التالي لرولان بارت ":
"المؤلف شخصية مفتعلة ، بمعني أنه نتاج مجتمعنا ، بإرثه من العصور الوسطي ، والفكر التجريبي الانجليزي ، والعقلانية الفرنسية ، ودعوة حركة الإصلاح البروتستانية إلى تأكيد ذاتية الفرد ، او كما يقال تجاوزا (الفرد الانساني ) . هذه النظرة الساذجة ، وصلت قمتها بشكل منطقي إلى تهويل في الفكر الرأسمالي ، من أهمية الفرد ، أي المؤلف . هكذا تجد ان المؤلف يتربع علي عرشه في كتب تاريخ الأدب ، وتراجم الكتاب ، والمقابلات ، وفي المجلات ، بل وفي رغبات المؤلفين انفسهم الذين يستهويهم أنْ يخلطوا بين ذواتهم وأعمالهم ، بواسطة نشر مذكراتهم ويومياتهم . كل شيء في الثقافة العامة ، ينطلق من شخص المؤلف وحياته وذوقه وأهوائه (..) . النقد أبدا يبحث عن تفسير العمل ، في شخص الرجل او المرأة ، الذي صنعه ، كأنما العمل في نهاية الأمر شيء متاح ، ينبع من مصدر واحد هو صوت المؤلف الذي يهمس في آذاننا بأسراره (..) . إزاحة المؤلف عن عرشه ، ليس فقط حقيقة تاريخية ، أو حيلة كتابية ، إنه أمر يحدث انقلايا في النص الحديث . أو بكلمات أخري ، النص بعد اليوم يكتب ويقرأ، بطريقة تجعل المؤلف غائبا عنه في جميع مستويات النص .. حين تعتقد في وجود المؤلف ، فانك دائما تتخيله كأنه " ماضي " كتابته . الكتاب والكاتب يقفان بالضرورة علي خط واحد ، ينقسم إلي (قبل)، و(بعد) . المؤلف يظن أنه يطعم الكتاب أي أنه يوجد قبل الكتاب . يفكِّر ويعاني ويحيا من أجل الكتاب .إنها علاقة تشبه علاقة الوالد بمولوده".
من الواضح أن رولان بارت يوضِّح هنا ما يتعرّض له الكاتب الحقيقي الطيب صالح من جانب القراء من مطابقة بينه و بين الكاتب الضمني،و أنه ككاتب حقيقي بيده مفاتيح تأويل النص.لكن الطيب صالح-للأسف- لم ينتبه إلى ذلك ،بل و علّق على مقاطع رولان بارت قائلا في ص 301:
"ولا يحتاج الانسان إلي إعمال الفكر طويلا ، كي يدرك أنه لغو مملوء بالمغالطات والعجرفة . وهو لم يترك للقاريء اي مجال للحكم . لم يترك شيئا تقيس به او مرجعا تستند إليه ـ لأنه رفض كل شيء ضربة لازب . ورغم ذلك ، فإنه لم يفلح أن يخفي المغالطة الكبري في خطابه . إذا كان قد أمات الكاتب والناقد والعقل والعلم والقانون ، فأين وضع هو نفسه ؟ ومن أين استمد الحق ان يصدر هذه الأحكام ( اللاهوتية ) كأنها حقائق تنزّلت عليه من السماء ؟ الأمر كما قال بودلير – كلام مثل هذيان المجانين . انه لا يعدو ان يكون محض لعب بالافكار والالفاظ ، من رجل يتيه بعلمه ، وهو فيما يتعلق بنا علي اي حال ، علم لا فائدة منه ولا خير فيه" .
رولان بارت بالتأكيد، لا يستحق تلك السخرية،و هذا ما لم يفعله إيكو. فإيكو –علاوة على أنه روائي،فهو يشتغل على مشروع أكاديمي هو "التأويل".و هذا ما لم يتوفَّر للطيب صالح. ********************************************************************************************************************************************************* *المراجع:
الطيب صالح، المضيئون كالنجوم : من أعلام العرب والفرنجة ، مختارات 2 ،تحرير حسن أبشر الطيب و محمود صالح عثمان صالح، منشورات رياض نجيب الريس ،بيروت، الطبعة الأولى، مارس 2005 .
محمد شاهين ،تحوّلات الشوق في موسم الهجرة إلى الشمال-دراسة نقدية مقارنة ،الطبعة الثانية،مكتبة مدبولي،2006.
Irwin, William, editor, The death and resurrection of the author؟ Greenwood Press, 2002.
| |
|
|
|
|
|
|
شهادة زوجة عبدالله الطيب عن "موسم الهجرة إلى الشمال" و"مصطفى سعيد" (Re: osama elkhawad)
|
من هو مصطفى سعيد بطل «موسم الهجرة إلى الشمال»؟
شاهدة على زمن الرواية وأبطاله تستجمع خيوط القصة
الخرطوم: جريزلدا الطيب كاتبة هذا المقال جريزلدا الطيب، هي فنانة بريطانية وباحثة في الأدب الأفريقي بلغت اليوم ثمانيناتها. كانت قد تزوجت من عبد الله الطيب، الكاتب السوداني الراحل المعروف، وعايشت الحقبة التي تستوحي منها رواية «موسم الهجرة إلى الشمال أحداثها وأبطالها» في السودان كما في لندن. وهذه الباحثة تكتب اليوم، مفككة الرواية، باحثة عن أصول أبطالها في واقع الطيب صالح، لا كدارسة أكاديمية فحسب، بل كشاهد حي على فترة، لم يبق منها الكثير من الشهود. انها قراءة مختلفة ومثيرة لرواية لا تزال تشغل النقاد...
جيل اليوم يعرف الطيب صالح من خلال كتاباته الروائية والمقالات، ومعلوماتهم عن حياته، تعتمد على مقولات وفرضيات، معظمها غير صحيح، تحيط بفلك هذا الكاتب المشهور وروايته ذائعة الصيت «موسم الهجرة إلى الشمال».
وهذه المقالة تغطي فجوة زمنية مهمة، تقع بين جيل قراء ومعجبي الطيب صالح الجدد وجيلنا نحن. فأنا أنتمي الى جيل قديم انطفأ عنه البريق، ولكنه عرف الطيب صالح شخصيا في شبابه، وكذلك عرفت الأشخاص والأحداث التي شكلت، على الأرجح، خلفية لـ«موسم الهجرة الى الشمال» لأنها كانت رابضة في وعي المؤلف. والدراسة هذه هي عملية تحليل لمعرفة مفاتيح رواية «موسم الهجرة الى الشمال» roman a_clef بدلا من الفكرة السائدة عنها في المحيط الأدبي كسيرة ذاتية للكاتب كما في دراسة سابقة للناقد رجاء النقاش الذي تعرّف على الطيب صالح في الخليج عندما كان الأخير يعمل هناك، وفي غيرها من الدراسات النقدية لنقاد تبنوا نفس التحليل رغم أن معظمهم لم يتعرّف على طبيعة الحياة في السودان أو في بريطانيا!
وندعي من طرفنا، أن مصطفى سعيد بطل رواية «موسم الهجرة الى الشمال» ليس هو الطيب صالح، ولا يستعير جانباً مهماً من سيرته؟ فمن يكون هذا البطل الروائي اذاً؟
هذا سؤال مثير ليس علينا أن نجفل من إجابته، ولكن دعونا أولاً نؤسس تحقيقنا على أن مصطفى سعيد ليس ولا يمكن أن يكون سيرة ذاتية للكاتب. الطيب صالح ذهب الى المملكة المتحدة عام 1952 لينضم الى فريق القسم العربي بالـ«بي بي سي» حيث ظل يعمل هناك على مدى 15 عاما، قام فيها بأعمال متميزة وبدأ وظيفته كمؤلف. ولكن الحقيقة أنه لم يدرس أبدا في أي جامعة في المملكة المتحدة، بينما مصطفى سعيد بطل الرواية يفترض أنه ذهب الى المملكة المتحدة في منتصف العشرينات، وحقق نتائج أكاديمية رفيعة ونجاحا باهرا. وفي الحقيقة أنه لا يوجد سوداني ذهب الى المملكة المتحدة في العشرينات، وهي واحدة من الأحداث المدهشة في الكتاب. ولكن في الثلاثينات ذهب الى المملكة المتحدة كل من الدرديري إسماعيل ويعقوب عثمان لدراسة القانون.
ما نود تحقيقه الآن هو أن مصطفى سعيد بطل متخيّل على عدة مستويات في ذهن المؤلف، مصطفى سعيد قد صنع من مزج عدة شخصيات التقاهم بالتأكيد الطيب صالح أو سمع بهم عندما ذهب لأول مرة إلى لندن عام 1952، ولكن قبل أن نمعن أو ننطلق في هذه الفرضية علينا أن ننظر الى شخصية البطل ونقسمها الى ثلاثة محاور:
مصطفى سعيد- الأكاديمي السوداني الذي يعيش في لندن.
مصطفى سعيد- «دون جوان لندن».
مصطفى سعيد - وعودته الى موطنه الأول.
يرجح ان مصطفى سعيد الأكاديمي هو شخصية «متكوّنة» من ثلاثة أعضاء في دفعة السودانيين النخبة الذين اختيروا بعناية، وأرسلوا بواسطة الحكومة السودانية عام 1945 لجامعات المملكة المتحدة، وكلهم يمثلون شخصيات بطولية في الوعي الوطني الباكر للسودانيين، أحدهم هو د. سعد الدين فوزي وهو أول سوداني يتخصص في الاقتصاد بجامعة أكسفورد، حيث تزوج فتاة هولندية محترمة ومخلصة وليست شبيهة بالفتيات في الرواية، وحصل على درجة الدكتوراة في العام 1953، وعاد الى السودان، حيث شغل منصبا أكاديميا رفيعا الى أن توفي بالسرطان عام 1959. ولكن قبل ذلك التاريخ في الخمسينات حصل عبدالله الطيب على درجة الدكتوراه من جامعة لندن في اللغة العربية وعيّن بعدها محاضرا في كلية الدراسات الأفريقية والشرقية بالجامعة نفسها، وقبلها بعامين تزوج من فتاة إنجليزية، ومرة أخرى ليست شبيهة بصور فتيات الرواية.
إذا هنا مزج الطيب صالح الشخصيات الثلاثة: سعد الدين وحصوله على شهادة بالاقتصاد من أكسفورد والدكتور عبدالله الطيب وتعيينه محاضرا في جامعة لندن. أما الشخص الأكاديمي السوداني الثالث الذي اقتبس الطيب صالح جزءاً من شخصيته لتمثل الصفة الثالثة عند مصطفى سعيد وهي «الدون جوان، الى حد ما، فهو الدكتور أحمد الطيب. هذا الرجل كان جذابا وشخصية معقدة ومفكرا رومانسيا، وكما حال الأكاديميين من جيله شغله الصراع النفسي بين حياته الحاضرة وإرثه القديم، كما كان مجروح العواطف ومهشما بالطموح السياسي ومنافسات الوظيفة لجيله. وكطالب يافع فإن أحمد الطيب كان معجبا جدا بـ د.هـ. لورنس وفكرة «الحب الحر»، ومن المحتمل أنه عند ذهابه الى إنجلترا كان يضع في ذهنه ونصب عينيه إمكانية إقامة علاقات رومانسية مع الفتيات الإنجليزيات. ولكن أول رحلة له للمملكة المتحدة كانت عام 1945-46 وهي فترة قصيرة، ولكن زيارته الثانية عام 1951-1954 أنجز فيها درجة الدكتوراه في الأدب العربي وتزوج من سيدة بريطانية. وقد فشل هذا الزواج والتقي أحمد بزوجة سودانية لطيفة والتي لحد ما تشابه حسنة- ولكن أحمد الطيب لم يستقر في زواجه، كما هو متوقع، وانتهت حياته في السودان فجأة وبطريقة غامضة ومأساوية. وهو بكل تأكيد معروف تماما الى الطيب صالح، وكان يعيش في لندن عندما ذهب إليها الكاتب لأول مرة.
وعامل آخر يجب أن يذكر في الربط بين الدكتور أحمد الطيب ومصطفى سعيد، هو أن أحمد الطيب كانت له علاقة وثيقة جدا بصحافي لامع شاب وهو بشير محمد سعيد، جاء من منطقة أو حياة قروية تشابه الى حد بعيد بيئة الراوي في «موسم الهجرة الى الشمال».
وإذا عدنا لشخصية الدون جوان عند مصطفى سعيد، فان الطيب صالح لم تكن لديه مبررات عظيمة أو مقنعه لإلقاء نفسه على أجساد النساء الإنجليزيات كانتقام من الإمبريالية لوطنه. أولا، ولنقل بأمانة أن الإمبريالية المذكورة في الرواية ليست بهذا السوء، فإذا كان البريطانيون قد احتلوا السودان وإذا ما كانت لديهم مغامرات في أجزاء من هذا البلد، فذلك لأن التركيب الاجتماعي في تلك المناطق يسمح بإقامة مثل هذه العلاقات بل وحتى يشجعها، ولكن الاستعماريين البريطانيين لم يؤذوا النساء في شمال السودان الإسلامي، لذا فإنه ليس هناك تبرير منطقي لهذا الإنتقام. وترينا الرواية ان الفتيات الإنجليزيات كن ينظرن الى الطلاب الأفارقة كظاهرة مثيرة جديدة تسبح في أفق حياتهن الجنسية والإجتماعية. وفي رأيي أن الكاتب النيجيري شينوا أكليشي تعامل مع هذا الوضع في روايتهNo longer at ease وبطلها «أوبي» بطريقة أكثر واقعية وقابلية للتصديق من رواية مصطفى سعيد، الذي تعامل مع الوضع العام كله وكأنه حقيقة إجتماعية في ذلك الزمان. ولذا علينا هنا توضيح الأمر. ففكرة أن إعجاب النساء البيض بالرجال الأفارقة تتبع لأسطورة الرجل الأفريقي القوي جنسيا، هذه الفكرة موجودة لدى العرب أنفسهم، ومؤكدة في بداية رواية ألف ليلة وليلة فشهرزاد مهددة بالموت من زوجها الملك شهريار الذي خانته زوجته الأولى مع عبد زنجي.
كما هناك توضيح آخر يجب أن يوضع في الإعتبار، أن ذلك الجيل من الفتيات والنساء البريطانيات اللواتي تعرّفن على الطلاب الأفارقة في بلادهن في تلك الفترة هن بنات لأمهات حاربن طويلا لأجل المساواة مع الرجل وتخلصن مما يسمى بـ«عقدة أو أسطورة الرجل القوي». ولكن بلا وعي منهن فإن هؤلاء الفتيات كن يبحثن عن الذكر «الجنتلمان»- أو الحمش باللهجة المصرية، وهو الرجل الذي يوافق أدبياتهن وما قرأنه في «روايات جين آير» و«مرتفعات ويزرنج» ونموذج الرجل الغريب الأسود، وهذا ما جعلهن يتوقعن أن يجدنها عند الرجال الأفارقة الذين يبدون واثقين من أنفسهم وقوتهم وشجاعتهم وحمايتهم للمرأة وقناعتهم الثابتة بأنها المخلوق الضعيف الذي يحتاج الى الحماية! وهذا ما فشل الطيب صالح في تصويره. كما أن الفتيات البريطانيات اللواتي أقمن علاقات مع الطلاب الأفارقة كن يعملن على مساعدة هؤلاء الطلاب في بحوثهم الجامعية وكتابتها باللغة الإنجليزية الرصينة. لذا فليس الشكل الخارجي الجذاب لمصطفى سعيد هو الذي قاد الفتيات الإنجليزيات لأن يقعن في غرامه من أول وهلة!
ولحسن الحظ أنه لم تكن هناك قضية جنائية لرجل سوداني قتل فيها سيدة بريطانية أو عشيقة، ولكن كانت هناك قصة مأساوية حدثت في الخمسينات تناقلتها الصحف بتغطية واسعة، كانت القصة بين فتاة بريطانية تدعى ناوومي بيدوك وفتاها السوداني عبدالرحمن آدم، كان الإثنان يدرسان بجامعة كمبريدج ونشأت بينهما علاقة عاطفية. وقام والد الفتى بزيارة مفاجئة الى إنجلترا وعارض هذه العلاقة والزواج المخطط له بين الشابين، مما أعقبه انتحار الفتى بالغاز، ومن ثم انتحار الفتاة ناوومي بعده بأيام وبنفس الوسيلة. وكان والدها العطوف المتسامح بروفسور دان بيدو قد ألقى كلمة حزينة في التحقيق، تعاطف فيها مع قصة حب ابنته وأنه كان يتمنى لها زواجا سعيدا. وهو خطاب يشبه في عاطفيته الذي ألقاه والد الفتاة التي قتلها مصطفى سعيد في روايته للمحكمة.
بل حتى مشهد المحاكمة نفسه نستطيع ان نجد له من مقابل، فقد حدثت في العام 1947 قضية مشهورة جدا حيث قام حارس مطعم سوداني يدعى محمد عباس ألقي عليه القبض لإطلاقه النار على رجل جامايكي، وقد حكم عليه بالقتل الخطأ. وهذه القضية أثارت حساسية لدى المجتمع السوداني بلندن حيث أن كل السودانيين كانوا معتادين الذهاب الى ذلك المطعم في إيست إند ليتناولوا فيه الأطباق السودانية المحببة. وهذه الحادثة كان قد سجلها عبدالله الطيب في صحيفة «الأيام» التي تصدر في الخرطوم عام 1954.
وفي الحقيقة كانت براعة من الطيب صالح أن يقوم بخلط كل تلك الشخصيات والأحداث وإخراج عمل فني رائع منها. أما أكثر الجوانب المثيرة، والمحيطة بمصطفى سعيد فهي عودته لبلده كمواطن غير سعيد، وظاهرة عدم الرضا، وعدم التوافق مع المجتمع الأصل، كان قد تناولها عدد من الكتاب الأفارقة. وهي مشاعر يمكن الإحساس بها في الروايات No Longer at Ease و The Beautiful one is not yet born و Morning yet in Creation و Not yet Uhuru. والقرية في الرواية شبيهة بقرية الطيب صالح التي قمت بزيارتها بمنطقة الشمالية، وهنا نجد السيرة الذاتية بالتأكيد قد دخلت في نسيج الرواية وتلاقي الأجيال هو حقيقي في القرى، إلا أن التعليقات التي قالتها المرأة العجوز في مجتمع محافظ كمجتمعات القرى يجعل المرء يتساءل من أين أتى الطيب صالح بهذه المرأة؟ وقصة حسنة وزواجها الثاني مناف للواقع حيث أن التقاليد القروية تمنح الأرامل الحرية في اختيار الزوج على عكس العذراوات.
وفي القرى حيث أن أي شخص له الحرية في التدخل في حياة الشخص الآخر وشؤونه وحيث الناس دائما في حالة إجتماع مع بعضهم البعض. ويمكننا تخيل مدى الفضول في قرية نائية تجاه كل جديد وافد. فمن الطبيعي أن شخصا مثقفا عائدا من أوروبا يريد أن تكون له مملكته الخاصة. وهذه الغرفة الخاصة بمصطفى سعيد شبيهة بغرفة كانت في حي العرب بأم درمان، وصاحبها هو المرحوم محمد صالح الشنقيطي. وهو شخصية سودانية لامعة ومن النخب المثقفة، وهو أيضا أول قاض وبرلماني ضليع تلقى تعليمه ببيروت، وقد جاء ذكره وذكر غرفته في رواية Black Vanguard للكاتب السوري إدوارد عطية التي صدرت في الأربعينات، والذي كان يعمل في مخابرات الجيش البريطاني في السودان. وبالطبع كانت هناك الزيارات العديدة الى منزل محمد صالح الشنقيطي بعد تناول الشاي وبعدها بالتأكيد يذهبون الى الغرفة المهيأة بالأثاث في «الديوان»-الاسم القديم للصالون، المحاط بالزهور. وهي غرفة تبدو عادية من الخارج يهتم بها الشنقيطي يغلقها ويفتحها بنفسه، والكتب بها مرصوصة من الأرض الى السقف ومفروشة بالسجاجيد الفارسية الثمينة والتحف الرومانية. وهذه المكتبة الخاصة تشابه بصورة دقيقة غرفة مصطفى سعيد حيث يسمح للراوي بإلقاء نظرة على الغرفة، وتم إهداء محتويات المكتبة الى جامعة الخرطوم في الذكرى السنوية لرحيله.
وبذا نكون قد حققنا تركيبة الشخصية المعقدة لمصطفى سعيد، في هذه الرواية الشهيرة «موسم الهجرة الى الشمال» ليس استناداً فقط إلى وثائق قرأناها، وإنما إلى حقبة كاملة سنحت الفرصة ان أكون شاهدة على أحداثها. http://archive.aawsat.com/details.asp؟article=414533andissueno=10361#.Vj_KG7erRdg
| |
|
|
|
|
|
|
Re: شهادة زوجة عبدالله الطيب عن andquot;موسم الهجر (Re: osama elkhawad)
|
سلامات أستاذ الخواض .. بداية مشكور على مداخلتك الشحمانة دي .. مع إنها (بوشت تحنيكي ) لمعاوية الزبير حتى ينفض عن قلمه رهق الكتابة ـ هههه.. سألت يا صديقي سؤال الباحث العارف بمداخل التأويل وتباين القراءات ..
Quote: ماذا تقصد بالراوي في ما قلته عن "ذهنية الراوي وهي ترسم شخضية م.س.؟؟ |
يااااه وكأني بك تطنني من الباحثين المتعمقين في فنون النقد الأدبي .. أبدا يا عزيزي .. فقط استلهم رواي من واقع بنية عقل منطقي .. اسهم في تشكيلها دراسات تخصصية في فقه القانون .. وقراءات متفرقة وبعض معارف تاريخية وتراثية .. ولا زالت الرغبة في المعرفة عزيزة المنال .. عودا للسؤال: نعم ذهنية الراوي هي التي رسمت سمات شخصية م. س.. بالتأكد لن يستلهم المؤلف أو ( الكاتب الحقيقي ) حسب تعبير د. شاهين .. مواصفات شخوصه من فراغ أو عدم معتم .. فقد يستلهمها من ومضة في عيني شخص حقيقي .. أو صفة يستسيغها أو لايستسيغها في طبع شخص عايشه مثل ( البخل/ الكرم / المروءة .. الخ) .. يجردها ويبني عليها مداميك أخرى لا علاقة لها بالشخصية الحقيقية .. هذا البناء أو التخليق لشخوص الرواية.. هي من صنيع الراوي أو (الكاتب الضمني) حسب تعبير د. شاهين في المداخلة الرائعة التي أتحفتنا بها.. إذن شخوص الرواية وإن هي من صنع الراوي غير أنها غير منبتة عن محيط الكاتب .. هذه الفرضية أقر بها الطيب صالح نفسه في هذا المقتبس الذي اقتطفه من مداخلتك السابقة التي أتحفتنا فيها بدراسة ماتعة .. بعنوان ( استعمال الطيب صالح ) وأصدقك القول بأنني لم استلطف كلمة ( استعمال)على الرغم من ثراء ثيمة النص .. ومع احترامي لو خيرت لاخترت مثلا ( استقدام أو استرداد أو استدعاء الطيب صالح من خلال شخوص روايته ) .. المقتبس :
Quote: يقول الطيب صالح "سأقول لكِ شيئا،و هو سركبير أقوله لكِ الآن و لم أبُح به لأحد من قبل،و أقوله لكِ لأنكِ سألتني عن بناتي.السرّ الذي أفصح عنه هو: في "موسم الهجرة إلى الشمال" هنالك هذه الشخصية العجيبة و اسمها جين مورس.جين مورس شخصية حقيقية،و لكنها ليست نفسها في الرواية.تعرّفتُ عليها في الشهر الأول من وصولي إلى لندن عام 1952 في المتحف الوطني.قابلت فتاة جذابة حقا و كانت...(صمت) كان في المتحف آنذاك معرض عن الفن الانطباعي و بعدين...(صمت) تحدثنا مع بعض و سالتني من أين أنا إلى آخر ذلك...و كنتُ في ذلك الحين فتى يافعاً،لا بد أن تعترفوا بذلك و بعد أن خرجنا من المعرض و ذهبنا إلى مقهى و أمضينا بعض الوقت في الحديث عن أمور عامة،و بعد ذلك لم أرها قط،و اسم الفتاة جين مورس،و قد أحببت ذلك الاسم،و من ذلك اللقاء عَلِقَ اسمها في ذاكرتي و أدخلته في الرواية:الاسم و بعض الأمور الأخرى يعلم الله بها.فلذلك فالعمل الروائي،أو القصيدة،مليئ بالإشارات التي يحتاج الكاتب إلى أن ينفذ منها إلى ما هو أبعد و أعمق.لذلك يمكن أن يكون البحث عن الكاتب في كتاباته ضربا من العبث أحيانا |
لأكون ضادقا معك لم يسبق لي شرف الاطلاع على دراسة الدكتور شاهين التي أدرجت مقتطفاتها.. ولكن رفعت معنوياتي بمقاربة مداخلتي العفوية مع دراسة ناقد في قامة الدكتور شاهدين أستاذ الأدب الانجليزي.. ويسعدني أن تمضي مقولتي المتواضعة في مجري أهل التخصص .. ولكن من باب الأمانة كان يدور في ذهني وأنا أقول بذلك .. مقاربة بين الطريقة التي عالج بها الكاتب ( الضمني) سلوك وتصرفات م. س المختلقة في الرواية .. وما كتبه الدكتور حيدر إبراهيم في سيرته الذاتية .. حيث لم يشأ د . حيدرالحيدة عن شرط المصداقية على الرغم من تخلقه في بيئة محافظة صوفية .. حين وصف أول تجربة له مع بائعة هوى .. قائلا عنها ( لم تكن تجربة ممتعة أو "لذيذة" فقد كنت مفزوعا) .. ذاك ما كان يدور وراء أستار صدغي ببساطة شديدة .. عندما قلت بعدم محاكمة الرواية بمعيار كتابة السيرة الذاتية.. فبيئة د. حيدر مطابقة لبيئة الطيب صالح .. ولكن يفرق بين كتابيهما الأول كتب سيرة ذاتية والثاني كتب رواية.. مرة أخرى لك الشكر في انعاش ذاكرتي بإدراج دراسة السيدة جريزلدا الطيب .. التي نوهت لها في تعقيبي على الأخ مصطفى.
| |
|
|
|
|
|
|
الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس "جين مورس" و"أمبارو" (Re: osama elkhawad)
|
الطيب صالح
أمبرتو إيكو
الحياة الشخصية للمؤلفين و نصوصهم
درس "جين مورس" و "أمبارو"
يرتبط تطبيق منهج السيرة الذاتية للمؤلف بعدة مزاعم منها إثبات أن النص له علاقة وثيقة بالحياة و الواقع ،و كمضاداة للاتجاهات الشكلانية في مقاربة النصوص الإبداعه،مما يعكس طريقتين في مقاربة النصوص "الداخل و الخارج".و منهج السيرة الذاتية يرى ان النص المبدع هو انعكاس للحياة الشخصية لمؤلفه،و من هنا الاهتمام بالسير الذاتية للمؤلفين.و هناك من يتحرك من الخارج أي السيرة الذاتية و يفتش في النص عما يشابه الحياة الواقعية للمؤلف الفعلي،مما يعتبر شكلا من اشكال استعمال النص، و قد يقود إلى قسر النص لكي يتوافق مع الحمولة الخارجية من المعلومات الواقعية التي أتي بها "القارئ" مستعملا للنص.
و يبدو أن تضخيم ذات الكاتب ما تزال آثاره حاضرة إلى الآن. يقول ماريو بارغاس يوسا " في رسائل إلى روائي شاب"ص 7 عن دور الرومانسيين في صياغة مفهوم الكاتب في إطار حديثه عن "الميل الأدبي" (1) . و اكتسبت دراسات السيرة الذاتية أهمية جعلت منها العامل الرئيس في مديح القرّاء للنص "راجعْ جنيفر وول في دراستها عن سونيتات الشاعرة الفيتكتورية اليزابيث براوننق ".
و تبدو هذه المقاربة الميكانيكية التي تربط بين السيرة الذاتية للكاتب و نصوصه ،كما يرى غولدمان مناسبة مع النصوص البسيطة و المتوسطة التعقيد أي تلك النصوص الشفافة التي يمكن من خلالها أن نرى بسهولة انعكاسات الواقع فيها.لكن تلك المقاربة تفشل فشلا ذريعا في رؤية الواقع العياني في النصوص المعقدة.و لنضرب مثلا سودانيا: هل يمكن انطلاقا من السيرة الذاتية لمحمد عبد الحي أن نقرأ "العودة إلى سنار"؟
و حتى محاولات الربط بين السيرة الذاتية للطيب صالح و مصطفى سعيد أو الراوي فشلت فشلا ذريعا،مما جعل المتبنين لمنهج السيرة الذاتية أن يبحثوا عن شخصيات أخرى واقعية يمكن أن تكون هي "مصطفى سعيد"،و فشلوا أيضا فشلا ذريعا،و لم ينجحوا في إثبات مزاعمهم،و قد شهدنا في محاولة البدوي مثالا ناصعا على ذلك الإخفاق النظري و التطبيقي.
من خلال محاولة تأسيس علم اجتماع الأدب،تم الانتقال من المفهوم الضيق للمؤلف من خلال سيرته الذاتية الى فهم عصره، باعتباره فردا من فئة اجتماعية محدده. فهو أي المؤلِّف–بحسب لوسيان غولدمان-يمثل رؤية العالم لفئة اجتماعية محددة .و هاجرت تطبيقات البنيوية التكوينية إلى الفضاء الثقافي العربي من خلال التونسي الطاهر لبيب في كتابه "سوسيولوجيا الغزل العربي-الشعر العذري نموذجا" و المغربي محمد بنيس في كتابه "ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب-مقاربة بنيوية تكوينية"،باتباع مرحلتي الفهم و التفسير.
اهتمت المقاربات البنيوية التكوينية العربية بنقد المنهج البيوغرافي.يقول الطاهر لبيب في المقدمة ص 5 من الترجمة العربية عن المناهج النقدية القديمة التي تربط النص الشعري بذات الشاعر و سيرته الذاتية" إن هؤلاء الذين ينوي هذا العمل،اتفاقا،فحص منهجهم،هم أولئك الذين يذهبون مباشرة لملاقاة الشاعر بجعل نصه بساطا متحركا لا يؤدي إلا إليه! في حين أن الذهاب ليس بلا عودة،ما دام النص "لا يتضح" إلا في العودة،بمعنى أنه يتوافق-عن طريق تلازم قهري-مع ما يمكن جمعه من أخبار مريبة أو خرافية،أو من نوادر،عن الشاعر،من تاريخ الميلاد و مكانه،و الحالة المدنية،و الدفاع عن القبيلة،و البسالة الفائقة،و صحة المعتقد أو فساده،و مغامرات حب تعس، إلخ...و يتم هذا الذهاب و الإياب بين الشاعر و النص انطلاقا من الفكرة التي تعتبر الأثر الشعري نتاجا لذات فردية".
في سوسيولوجيا الادب لسكاربيت بدا الكاتب في بنية أوسع من مجرد سيرته الذاتية.إذ أضيفت إلى سيرته الذاتية عوامل انتاج و تسويق الكتب،و علاقة الطبقات و الفئات الاجتماعية بالكتب و النصوص الادبية. في سوسيولوجيا سكاربيت نجد مقاربة يتداخل فيها الكاتب في الزمان و المجتمع مع إنتاج و توزيع و استهلاك الكتاب،و عملية النشر و دوائر التوزيع و علاقة الأثر الأدبي بالجمهور و القراءة و الحياة و التي اشتملت على عوامل مثل ظروف المطالعة (2).
كما رأينا، فهنالك محاولات لتوطين مناهج ترمي إلى الربط بين المؤلف و الحياة أو المجتمع مثل المنهج البيوغرافي و "سوسيولجيا الأدب" في الثقافة العربية.لكن كل محاولة للتوطين يجب أن تراعي الفروقات الحضارية بين منشأ تلك المناهج و بين الأرض التي سيتم توطين فيها تلك المناهج. فالذين يتبنون منهج السيرة الذاتية في مقاربة نصوص المؤلف،ينسون أو يتناسون حقيقة أن مجتمعات محافظة مثل المجتمع السوداني،لم تتطور فيها النزعة الفردية كما حدث في المجتمعات الغربية.فالحقائق و المعلومات المسهبة عن المؤلف محاطة بتابوهات لا حصر لها،مما يجعل جهود توطين منهج السيرة الذاتية كما جرى في سياقه الغربي،أمرا لن يعطي نفس الثمار –على علّاتها-كما جرى الحال في الثقافة الغربية .
و يمكن أن نلمس في مقدمة الطبعة العربية ل"سوسيولوجيا الأدب" ، الفروقات بين المؤلفين في دول غربية و نظرائهم في ثقافات أخرى مثل الثقافة العربية .يقول مؤلفا الكتاب "شرف لهذا الكتاب أن يترجم إلى العربية،و تحد له أيضا أن يكون توليفة في سوسيولوجيا الأدب.في الحقيقة،حظيت خصوصية البحث و النقد هذه،منذ زمن،بأهمية خاصة في بلدان مثل ألمانيا و بريطانيا و فرنسا،أي في بلاد اكتسب فيها الكتاب و الكتابة الأدبية،منذ فترة طويلة،مكانة في الاقتصاد التجاري و كذلك مكانة في الاقتصاد الرمزي.تشهد على ذلك أعمال بيار بوردو و باحثن آخرين في الحقل الأوروبي و مؤسساته و تأثيراته الواسعة.غير أن الوضعية التاريخية ليست و لم تكن هي ذاتها في بلدان أخرى من العالم،و لا كانت حتمية الأبعاد الاجتماعية في الأدب مرئية فيها بمثل هذا الوضوح.كما أنه إذا كان لا يسعنا إلا أن نغتبط لانتشار كتاب معين انتشارا واسعا فإن علينا أيضا أن نتساءل عن أسباب ذلك".ص 5.
فالمؤلف كما يبدو في "موت المؤلف" لبارت،و "ما المؤلف" لفوكو،ليس هو المؤلف في الثقافة العربية مثلا. و يبدو الأمر أكثر مدعاة للتفكُّر،حين يقول المؤلفان عن سوسيولوجيا الأدب في الثقافة الغربية في ص 9 "لهذا ليس هذا الحقل الخاص اليوم نظاما معترفا به بصورة تامه.فهو لا يشكِّل فرعا من البرامج الإلزامية،لا لطلّاب الآداب و لا لطلّاب العلوم الاجتماعية،و لم يخصّص له أي كرسي جامعي و لا أية مجلة".
بين الطيب صالح و أمبرتو إيكو:
يثبت المؤلفون أنفسهم أن البحث في الحياة الشخصية لهم لن يقود إلى شيء جدي له صلة بإبداعية النص. كثيرا ما تقع المقاربات التي تعتمد السيرة الذاتية في تناقض مع نفسها،حين يصرح المؤلفون عن عبث محاولة الربط بين حيواتهم الشخصية و نصوصهم الإبداعية،لكن تلك المقاربات،كما في حالة البدوي،لا تلقي بالا لذلك التصريح المهم.و أدناه شهادتان للطيب صالح و أمبرتو إيكو.
جين مورس: شهادة الطيب صالح
يقول الطيب صالح مخاطبا قارئة قد سألته عن بناته "سأقول لكِ شيئا،و هو سركبير أقوله لكِ الآن و لم أبُح به لأحد من قبل،و أقوله لكِ لأنكِ سألتني عن بناتي.السرّ الذي أفصح عنه هو: في "موسم الهجرة إلى الشمال" هنالك هذه الشخصية العجيبة و اسمها جين مورس.جين مورس شخصية حقيقية،و لكنها ليست نفسها في الرواية.تعرّفتُ عليها في الشهر الأول من وصولي إلى لندن عام 1952 في المتحف الوطني.قابلت فتاة جذابة حقا و كانت...(صمت) كان في المتحف آنذاك معرض عن الفن الانطباعي و بعدين...(صمت) تحدثنا مع بعض و سالتني من أين أنا إلى آخر ذلك...و كنتُ في ذلك الحين فتى يافعاً،لا بد أن تعترفوا بذلك و بعد أن خرجنا من المعرض و ذهبنا إلى مقهى و أمضينا بعض الوقت في الحديث عن أمور عامة،و بعد ذلك لم أرها قط،و اسم الفتاة جين مورس،و قد أحببت ذلك الاسم،و من ذلك اللقاء عَلِقَ اسمها في ذاكرتي و أدخلته في الرواية:الاسم و بعض الأمور الأخرى يعلم الله بها.فلذلك فالعمل الروائي،أو القصيدة،مليئ بالإشارات التي يحتاج الكاتب إلى أن ينفذ منها إلى ما هو أبعد و أعمق.لذلك يمكن أن يكون البحث عن الكاتب في كتاباته ضربا من العبث أحيانا.نحن نعلم الآن أشياء كثيرة عن فرجينيا وولف و خلفية بلومزبري.هذه الأشياء يتوق الناس إلى معرفتها و قد تنير السبيل أحيانا.و لكنني لا أعتقد أن حياة الإنسان الخاصة و هو ما يزال على قيد الحياة مهمة بالنسبة للقارئ.و لا أعتقد أنها يمكن أن تكون مفيدة له في قراءاته أعمال الكاتب" .
أمبارو: شهادة أمبرتو إيكو في محاضرات تانر
لقد كان كاسوبان في بندول فوكو عاشقا لفتاة برازيلية اسمها أمبارو Amparo، ولقد رأى فيها جيوسي موسكا إحالة ( مزحة ) على أندري أمبير الذي درس القوة المغناطيسية بين تيارين. لقد كان جيوسي فطنا أكثر من اللازم. لا أتذكر لماذا اخترت هذا الاسم، لقد أدركت فيما بعد أن الاسم ليس برازيليا ولقد كتبت : "لم أفهم أبدا لماذا كان لحفدة الهولنديين اسم اسباني، هم الذين استوطنوا رِسيف واختلطوا بالهنود والزنوج السودانيين وكانت لهم مسحة جمايكية وثقافة باريسية".
وهذا يعني أني نظرت إلى اسم أمبارو كما لو أنه آت من خارج الرواية. ولقد سألني صديق لي بعد ظهورالرواية بشهور : لماذا أمبارو ؟ أليس الاسم اسم جبل ؟ وشرح لي بعد ذلك أن هناك أغنية تقول : Guajira Guantanamera تشير إلى جبل اسمه أمبارو. يا إلهي، إني أعرف هذه الأغنية جيدا، رغم أني لم أعد أذكر كلمة واحدة من كلماتها. لقد غنتها فتاة في أواسط الخمسينات، وكنت مغرما بهذه الفتاة. لقد كانت من أمريكا اللاتينية، وكانت جميلة جدا، ولم تكن برازيلية ولم تكن ماركسية، ولم تكن سوداء ولا هستيرية كما كانت أبارو. ولكن من الواضح أني، وأنا أبتدع فتاة جذابة من أمريكا اللاتيني، كنت لاشعوريا أفكر في صورتي الأخرى، صورة شبابي عندما كنت في سن كاسوبان. لقد فكرت في هذه الأغنية، وبطريقة ما ظهر اسم أمبارو ( الذي كنت نسيته تماما ) من لاشعوري وتسلل إلى الصفحة.
إن هذه القصة لا تأثير لها، على الإطلاق، على تأويل النص، ومع ذلك فإن النص بني انطلاقا منها، فأمبارو هي أمبارو هي أمبارو هي أمبارو". *****************************************************************
(1) “و الميل بكل تأكيد،مسألة مبهمة،محاطة بعدم اليقين و الذاتية.و لكن هذا ليس عائقا يحول دون محاولة شرح الأمر بطريقة عقلانية،مع تجنب ميثولوجيا الزهو و البهرجة،المصبوغة بالتدين و الغطرسة،التي كان يحيطه بها الرومانسيون،جاعلين من الكاتب مختارا من الآلهة،و موسوما من قوة خارقة سامية،لكي يكتب تلك الكلمات التي تتسامى الروح البشريعة على شذاها،متجاوزة نفسها،و تتوصل بفضل ذلك التلوث و الجمال (مع التشديد بالطبع) إلى الخلود.ليس هناك اليوم من يتكلم بتلك الطريقة،عن الميل الأدبي أو الفني،و لكن برغم من أن التفسير الذي يقدم في أيامنا،هو أقل أبهة و غيبية،إلا أنه ما يزال ملتبسا".
(2) عن ظروف المطالعة.هنا مثال جيد يقدمه كيليطو "من شرفة ابن رشد" عن ورلان بارت "ص 46 "كان يوزِّع الكتب إلى كتب النهار و كتب الليل.أفكار باسكال تنتسب للصنف الأول: كان يقرؤها خارج البيت،في مقهى الفلور أو في الطائرة،في وضح النهار، وفي فضاء عمومي.و بالعكس،فمن العسير تصوّره يقرأ، وسط زبناء الفلور، جول فيرن الذي لرواياته صلة حميمة بالنوم.يصرِّح في لذّة النص،أنه لا يقرأ ليلا إلا روايات أو قصصا كلاسيكية".من الواضح أن هنالك فروقا في بارت القارئ الفعلي و بين بارت الذي يؤو<ِل النص كقارئ.
المراجع:
الطاهر لبيب،سوسيوجيا الغزل العربي-الشعر العذري نموذجا،ترجمة مصطفى المسناوي،دار عيون و دار الطليعة.
بول آرون و الان فيالا،سوسيولوجيا الأدب،ترجمة الدكتور محمد علي مقلد،مراجعة د. حسن الطالب،دار الكتاب الجديد المتحدة،الطبعة الأولى،كانون الثاني-يناير 2013.
روبير اسكاربيت،سوسيولوجيا الأدب،تعريب آمال انطوان عرموني،عويدات للنشر و الطباعة،بيروت،الطبعة الثالثة،1999.
عبد الفتاح كيليطو، من شرفة ابن رشد،ترجمة عبد الكبير الشرقاوي،دار توبقال للنشر،الطبعة الأولى،2009.
ماريو بارغاس يوسا،رسائل إلى روائي شاب،ترجمة صالح علماني،دار المدى للثقافة والنشر،الطبعة الثانية،2010.
محمد بنيس،ظاهرة الشعر المغربي المعاصر-مقاربة بنيوية تكوينية،دار العودة للنشر،الطبعة الأولى،1979.
محمد شاهين،تحولات الشوق في موسم الهجرة إلى الشمال،مرجع سابق.
Eco, Umberto, Interpretation and Overinterpretation, Op.Cit..
Jennifer Kingma Wall, Love and Marriage: How Biographical Interpretation affected the Reception of Elizabeth Barrett Browning s "Sonnets from the Portuguese" (1850), http://www.victorianweb.org/authors/ebb/wall1.html
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس andquot; (Re: mustafa mudathir)
|
سلام فوراول بدون فرز،
وسلام أخص لدرش
قال مصطفى:
Quote: سلام يا أسامة ياخي اعتني شوية بمداخلاتك، مثلاً من كتب المقالين الاخيرين، ولماذا لا تضع الرابط وبعدين تعمل اقتباسات للنقطة المحددة التي تريد ابرازها. وبعدين...المهم! صلحت ليك بوستيك هناك في يامصطفى! على الأقل أمشي أعمل لايك ولا حاجة.
|
تنويه في محله، لكنني سبق ان قلت في مكان آخر من هذا البوست، أن مداخلتي هي مقتبس من دراسة طويلة.
والمقالان الأخيران هما أيضا مقتبسان من تلك الدراسة عن استعمال النص.
وسبق لي نشرهما في اماكن كثيرة منها موقعي في الحوار المتمدن، و"الراكوبة"، و"سودانفوراول"، وأيضا في هذا المنبر ضمن بوست ما عن الطيب صالح.
وحقك علي بخصوص المدونة، فالمشغوليات كثيرة، كما قلت أترك للآخرين فرصة التعليق.
سأعود هناك بس أصبر علي شوية.
أرقد عافية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس andquot; (Re: osama elkhawad)
|
Quote: ولعلك تعجب أخي مصراوي اذا قلت لك ان هنالك رجالا كانوا يحسبون أنفسهم من عامة العامة فاذا هم خاصة الخاصة، بل ومنهم من أصبح العلم المفرد في مجاله والأديب الفذ، فالطيب صالح مثلا ذكر في حوار أجراه معه الصحفي طلحة جبريل نشره في كتابه (على الدرب مع الطيب صالح) ذكر أنه كان يعتبر نفسه من جموع المتلقين وما كان في تصوره أن يصبح روائيا يشار اليه بالبنان،لولا أن تولي أحد أصدقائه من النقاد الانجليز ترجمة قصته (دومة ود حامد ) الى الانجليزية ونشرها في اصدارة أدبية من اصدارات جامعة أكسفورد، فاذ بالنقاد الانجليز يكتبون عنها ويصنفونها ضمن روائع الأدب العالمي، بل اعتبروا دومة ود حامد من اروع ما كتب في العصر الحديث، وهكذا انطلق الطيب صالح ليصبح ذلكم الروائي المتفرد حقا، غير أنه الى أن مات كان يشعر بأنه لم يكتب شيئا ذا بال، وروائي آخر هو الكاتب المغربي فؤاد العروي، كان قد تخصص في علم الرياضيات وأصبح استاذا في جامعة السربون بباريس ورئيسا لقسم الأبحاث بها وكان يكتب لنفسه بعض القصص من واقع تجاربه وخيالاته، ثم قرر أن ينتقل الى جامعة أكسفورد للعمل بها، وبعد أن جمع أغراضه، وجد كمية من قصاصات الورق التي تحتوى على محاولاته القصصية ، احتار ماذا يفعل بها ،وكبف يتخلص منها فجمعها في أكياس قمامة ليلقيها في حاوية القمامة قبل أن يغادر، لكنه عوض أن يفعل ذلك قرر أن يرسلها بالبريد الى دار نشر فرنسية عسى أن يجدوا فيها قصة تصلح للنشر، ولم تمض فترة طويلة حتى اتصل به مدير دار النشر المذكورة، وكان قد نسي أمر القصاصات ، يطلب موافقته على نشر تلك القصص كلها، وكان قد ارفق عقدا مع رسالته، ولدهشته كان المبلغ الذي سيتقاضاه بموجب ذلك العقد يضاهي راتبه لمدة عشر سنوات، والمفاجأة الأخرى أن قصصه كلها فازت بجوائز عالمية وأصبح بفضل تلك الكتابات أحد الأدباء والمفكرين الذين يشار اليهم بالبنان. أما الروائي النوبي ادريس على ، الكاتب الذي خصصنا له حلقات في الأربعائية والذي كان قد تنبأ بثورات الربيع العربي قبل وفاته كما تنبأ بانهيار نظام معمر القذافي في روايته (الزعيم يحلق شعره)،فقد كان رجلا عصاميا علم نفسه بتفسه، وعاش حياة العامة بكل تفاصيلها الدقيقة، وحين كتب نقل تلك الحياة بكل صدق وتجرد، وقد ذكر أنه كان يعمل مساعد طباخ لدى أسرة مصرية ثرية، وكانت ربة الدار مولعة بالقراءة وكانت تجلب الى دارها الروايات والكتب الثقافية المختلفة، وكان هو يقرأ تلك الكتب وقت فراغه وخلسة دون أن ينتبه اليه أصحاب الدار، ويقول ان الذي دفعه الى محاولة الكتابة رواية موسم الهجرة الى الشمال للطيب صالح لذلك حاول أن ينسج على منوالها في روايته (دنقلا). أخي مصراوي.. ان المتتبع لأعمال أولئك العمالقة يجد أن سبب شهرتهم أنهم اقتربوا من قرائهم أكثر، فكلما كان الكاتب أقرب الى جمهور القراء كلما كان أقرب الى العالمية ,واخلد في ذاكرة الناس، ليست الكتابة فحسب، بل كل عمل يتعلق بالناس يجب أن يكون نابعا منهم ومتوجها اليهم بالضرورة، وكل الذين نجحوا كان نجاحهم من هذا الباب يقول الروائي الغاني أي كوي أرما "أشير الى أنني لم أحقق فوائد مادية من الكتابة ، فأنا أكتب لأنني حاولت أن أقدم شيئا مفيدا لكنني فشلت، ومنذ أن تدربت على الكتابة أكتب لأدفع عن نفسي الياس الذي أعاني منه) ( “I did point out that I have no prophetic gifts. I write books because I tried to do something more useful and failed. Since I've been trained to write, I do that as a defense against total despair. ) وأرما روائي وشاعر وكاتب حاصل على درجة الدكتوراة في علم الاجتماع من الجامعات الأمريكية وأحد الكتاب الأفارقة الذين يدافعون عن المسألة الأفريقية بكل حماس ، ويعتبر أول كاتب تتطرق الى موضوع الرق الذي عانت منه أفريقيا طويلا في روايته (Two Thousnd Season)، وفي روايته "الخيريون لم يولدوا بعد" (the Beatuful Ones are not yet Boarn) يركز أرما الحديث عن أفريقيا المستقلة من الاستعمار والمستغلة (بفتح اللام) من قبل أشخاص أرادوا ان يصبحوا اشباحا سوداء للمستعمر ولم يكن الفساد الذي فشا في أفريقيا بعد الاستقلال مشكلة في حد ذاته بل تكمن المعضلة الرئيسة في أن يصبح الفساد مظهرا اجتماعيا وثقافة عامة. لقد شخص أرما في رواياته الأزمات الكبرى التي تعاني منها أفريقيا بعد الاستقلال واراد أن يبدأ خطواته التصحيحية بأن يهييء للناشئة نشر أعمالهم الفكرية في دار النشر التي أنشأها في قرية صغيرة شمالي العاصمة السنغالية داكار التي اختارها لنتكون مقره الأخير، عاد أي كوي أرما الى جذوره كما فعل من قبل الشاعر اليوغندي أكوت ببتاك الذي حين سمع أحد المحاضرين الانجليز يتناولون أفريقيا بالاساءة ويصف الأفريقيين بالتخلف والجهل والجوع والمرض قرر أن يرتد عن المسيحية التي اعتنقها عقيدة ويعود الى أفريقيا ليبحث هنالك عن ارثه الثقافي وليكتب بلغة قومه ويتكيء على معتقداته وتقاليده الأفريقية الضاربة الجذور، فكتب أول ملحمة شعرية وهي (أغنية لاوينا A song of Lawina) وهي رواية شعرية وملحمة كتبها بلغة اللوا وهي لغة قبائل الأشولي في منطقة بحيرة فكتوريا، والقصيدة تتمحور حول الصراع بين القديم الأفريقي المتمثل في الزوجة لاوينا، والتغريب المتمثل في زوجها الذي لم تعجبه بدائية زوجته فقرر طردها من البيت واستبدالها بأخري عصرية متفرنجة تحاول أن تكون أوربية في كل شيء وتكثر من المساحيق وأدوات التجميل وتصبغ فمها بالأحمر فتبدو مثل قطة متوحشة تغمس فمها في صحن من الدم على حد تعبير أكوت بيتاك، وقد اصبحت هذه القصيدة نمطا من أنماط الشعر الأفريقي يدرس في الجامعات الأفريقية وطريقة في النظم تمثلها الشعر اللاحقون وقد ترجمت الى الانجليزية وبعض اللغات الأوربية الأخرى. وأكوت هذا كان قد ذهب الى أنجلترا أول مرة في العام 1958م لاعبا ضمن منتخب أوغندا لكرة القدم، وكان هو كابتن الفريق وسجل هدف منتخبه الوحيد في مرمى الانجليز/ لكنه لم يرجع مع المنتخب بل ظل في انجلترا ليواصل دراسته لعلم الاجتماع في جامعة ويلز ، ثم عاد الى أوغندا وأصبح مديرا للمسرح القومي بها، وأنشأ فرقة للرقص الأفريقي، كما أسس ناديا رياضيا لألعاب القوى اضافة الى تدريسه مادة (علم الجمال ) غي جامعة ماكريري بكمبالا، وقد عرف حياة المنافي في عهد الراحل عيدي أمين ، حيث زار العديد من الدول وعمل في جامعاتها ومعاهدها العليا مثل كينيا ونيجريا وغيرهما كما عمل استاذا زائرا في بعض الجامعات الأمريكية، بعدها عاد الى أوغندا في العام 1982م ليلقى حتفع في الاضراب العام الذي شهدته كمبالا في ذلكم العام بعد أن ترك أثرا عميقا في الأدب والفكر الأفريقي المعاصر وكان من أوائل المنادين بضرورة العودة الى الجذور ووحدة أفريقيا وخلق معايير أفريقية خاصة في النقد الأدبي بدلا من ضبط هذا الأدب بالمعايير الأوربية وقد شكلت تلك الرؤى والأفكار نفاهيم جديدة لدى بعض المفكرين الأفارقة ومنهم الدكتور جون قرنق الذي استوحى منها فكرة السودان الجديد، ويعنى بها السودان الأفريقي البحت المعزول عن محيطه العربي. كما استوحى الفكرة ممن بعده الكاتب الكيني (نقوقي واثنقو) صاحب رواية (بتلات الدم) و(لا تبكي يا ولدي) و (النهر في المنتصف* كان نقوقو قد تخصص في دراسة اللغة الانجليزية وأصبح استاذا لها في الجامعات الكينية، لكنه أعلن في محفل عام بأنه لن يكتب بغير لغة وطنه (السواحيلية) ومن أراد أن يقرأ له فليتعلمها، وبالفعل لم يكتب بعد ذلك الا بالسواحيلية وقد ذكر في روايته (النهر في المنتصف) بأن المبشرين الأوربيين جاءوا ليقدموا للأفريقيين الانجيل بيد ويستولوا على أرضهم وخيراتهم باليد الأخرى، لت الأصالة التي راح يبحث عنها الكتاب الأفارقة، هي التي عنتها الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي في حملتها المسعورة ضج مغني الراي الشاب خالد حين وصفته بأنه (غبي وصاحب ضحكة غبية) وفد عابت عليه أن يظخر في احدى القنوات الأوربية بقرط على أذنه ويحمل جروا على حجره، قالت (انه لا يشبهنا). وهذه الجزائرية يعجبني اسلوبها، فلقد قرأت ثلاثيتها (ذاكرة الجسد، وفوضى الحواس، وعابر سرير) وأدهشتني قدرتها على تفجير اللغة وتحميل الكلمة أقصى غايات الرمزية الهادفة والكثافة الدلالية، تأمل عنوانها (عابر سرير)، ومن أقوالها التي استوقفتني قولها (بيروت وطني بالتمني) ولعل أفضل من عبر عن أسلوب احلام مستغانمي الشاعر نزار قباني بقوله )أحلام روايتها دوختني. وأنا نادرا ما أدوخ أمام رواية من الروايات، وسبب الدوخة ان النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون مثلي. ولو ان أحدا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة.. هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها ( تكتبني ) دون أن تدري لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها وشراسة لا حد لها .. وجنون لا حد له .. الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور بحر الحب وبحر الجنس وبحر الايديولوجيا وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها، ومرتزقيها وأبطالها وقاتليها وسارقيها هذه الرواية لا تختصر "ذاكرة الجسد" فحسب ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري والحزن الجزائري والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي) .. قالت مستغانمي ان صلة الحبر أقوى من صلة الدم، وأن العواصم العربية كلها وطن لها بالتمني، لكنني لم أجد الخرطوم ضمن تلك العواصم، كما لم أجدها ضمن عواصم الأفارقة، وأخشي أن تكون وطنا لهما معا (الأفارقة والعرب) بالتجني .. فالمرنيسي الكاتبة المغربية وهي تغوص في التاريخ العربي الاسلامي لتبحث عن المرأة العربية التي تحدت التقاليد البالية وانتزعت حقوقها من بين براثن الرجال بالحيلة كما فعلت شهرزاد، وبالقوة والثقافة كما فعلت سكينة بنت الحسين رضي الله عنه، وبالعلم كما فعلت لبابة جارية الرشيد، وبالمظاهرات كما فعلت هدى شعراوي ، وبالفن كما فعلت اسمهان الأطرش، لم أجد بينهن مهيرة بنت عبود ولا رابحة الكنانية ولا حتى مندى بنت السلطان عجبنا. رأت فاطمة المرنيسي أن الرجال كلهم –شرقيين وغربيين- لم يروا من المرأة الا نصفها الأسفل، فاصطبغت آراؤهم وكتاباتهم وتصرفاتهم الشبقية من ايحاءات ذلكم النصف، بينما استخدمت المرأة نصفها الآخر (الآخر) لتقهر الاستبداد الذكوري، وقد انتقدت المرنيسي في كتابها (شهرزاد تتحول غربا) وضع المرأة في المجتمع الغربي من واقع ادراك عميق ومعرفة بالمجتمع الغربي، هذا الغرب الذي حجب عنها المنحة عندما رآها تتزين بالحلي فاعتقد أنها لا تملك الوهي الكافي والمعرفة لتحصل على المنحة الدراسية، فاضطرت الى أن تعمل في بيوت الأثرياء لتغطي نفقات الدراسة، وكان ذلك مصدرا من مصادرها المهمة لمعرفة المجتمع الغربي ممن الداخل، وعلى عكس الكتاب الأفارقة الذين نبذوا اللغات الغربية ليكتبوا بلغة قومهم، نبذت المرنيسي العربية لتكتب بالانجليزية أو الفرنسية ثم تترجم أعمالها الى اللغة العربية ترجمات تراوحت بين الضعف والقوة، ان التركيز على الجوانب الجمالية في اكتشافات ومقاربات ومقارنات على عبد الوهاب التي تهدف الى بعث الحيوية الدلالية والقدرة التعبيرية العالية للمفردة النوبية، وتمكنها من الانفراد بمواقع لا يتمكن غيرها من المفردات من ملئها في سياق التعبير العربي في السودان سيجعل من دنقلا ومن ثم الخرطوم وطنا بالتمني لكل من العرب والأفريقيينن لو أحسنا اظهار جماليات هذه اللغة، فاللغة وطن وأي وطن/ في الحلقة القادمة سأتحدث غن اجتهادات على عبد الوهاب في هذا الصدد وكيف نستطيع كأربعائيين أن نظهر تلك الاجتهاد للعالم، ونواصل
سيف الدين عيسى مختار
|
هذه الكتابة للاديب سيف الدين عيسى مختار احد صناع منتدى الاربعائية الثقافى بجدة
وقراءة تستحق الوقوف عندها
وساعود
| |
|
|
|
|
|
|
|