|
مقال آخر في صحيفة السوداني
|
Quote: مقال صحيفة: السوداني الثلاثاء: 13 أبريل 2010
ثقافة العداء تجاه الرؤساء
من خلال متابعتي اللصيقة بالشأن السوداني وقراءتي الفاحصة لسيرة رؤساء وحكام السودان المتتاليين منذ الإستقلال في العام 1956 , لاحظت عداءآ منقطع النظير من قبل الشعب (او الكثيرين من ابنائه إن جاز التعبير) تجاه هؤلاء الحكام بغض النظر عن محاسنهم أو مساوئهم أبان فترة حكمهم .
فلا فرق عند المواطن السوداني (في البدء) اذا ما جاء الرئيس بانقلاب عسكري او حكم ديمقراطي حتي ينصب العداء له (وانما ياتي ذلك تباعا في المستقبل) , لكن العجيب انه لم يسلم رئيس قط من نقد وسخط الشعب تجاهه , الامر الذي يؤدي بدوره الي ان تصل الامور في بعض الاحيان الي احتجاجات وانتفاضات او حتي التمني بانقلابات عسكرية للتخلص من ذلك الرئيس .
ثم عندما يذهب ذلك الرئيس ادراج الرياح يبدا التحسر عليه وعلي اندثاره , وتبدا بعدها محاولات حثيثة ومتواصلة لمناصبة الحاكم الجديد العداء , وذلك باستخدام شتي انواع النضال بالطرق اللا اخلاقية والغير شرعية (كما حدث في الفترات الاخيرة) منها الاستعانة بالاجنبي والغريب للتخلص من الرئيس الحاكم مهما كلف ذلك من امر وحتي ان وصل الامر الي الفجور في الخصومة .
فهي لعمري لمعضلة كبيرة وشائكة يعاني منها ابناء الوطن الواحد الذين لا يستطيعون الاقتناع برئيس واحد مما يخلق ذلك عداءات سافرة لا مبرر لها تجاه هؤلاء الرؤساء , ولكانوا قد تفادوا انقلابات كثيرة علي الديمقراطية اذا ما حاولوا اعانة الرؤساء علي الحكم عوضا عن سحقهم او السعي لتدميرهم , لكن هذا الشعب يتسلق الكثير من المعاناة وذلك لغياب الوعي المنشود للاصطفاف خلف الرئيس وعدم مناصبته العداء .
ثم ظهرت ثقافة التهديد بالانفصال وهي ليست الا دخيلة علينا , لم نكن نعير لها ادني اهتمام في السابق ولا نفكر فيها البتة , فبرغم اختلاف تنوعنا ولغاتنا (دوما) الا اننا تمكنا العيش في هذا الوطن الواسع كاخوة واحبة دون الالتفات الي لون او عرق او دين , لكن انقسم الصف وتفرق الجمع وهانت الوطنية واصبح الكثيرون ينادون بالانفصال والانقسام داخل الوطن , حتي كاد ذلك الحلم السوداني بالعيش سويا جنبا الي جنب كاخوة في الوطن ان يتبدد , ولم يكن ذلك الا بعد المناداة تلو الاخري للمجتمع الخارجي ان يتدخل في شئوننا ويحاسب مرؤسينا .
احيانا كثيرة أهمس نفسي (قائلا) ليتنا كنا مثل المصريين في الوطنية , فهم مضرب الامثال لحبهم الشديد لوطنهم , فبرغم ان الكثيرين منهم غير راضيين برئيسهم , الا ان المعارضين منهم يعارضون بشفافية ونزاهة (في حدود خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها) دونما المتاجرة بقضاياهم دوليا ودون المساس بوطنيتهم او ما يتعلق بسيادة الوطن او كل ما يسيئ له .
حتي ان وجد من يكن العداء السافر لرئيسه تجد ان مصلحة الوطن بالنسبة له فوق كل الاعتبارات , فلا تجد حركات مسلحة اوجماعات متمردة تفتح ذراعيها بمصراعيها لتلقي السلاح من الخارج ونشر الفتنة كما هو الحال الان في السودان , فحقيقة ما يحدث الان في السودان يفوق كل التصورات ولا يحدث الا في اشد مناطق الفساد والعتم والظلام الحالك من العالم .
فقد تبدل المواطن السوداني كثيرا , حيث انه كان يوصف في السابق "بالحمل الوديع" في جميع انحاء المعمورة , واصبح للاسف الان يوصف بالوحش الكاسر , كما تبدلت الصفات والاخلاق والطبائع وتغيرت العادات والتقاليد السمحة وحلت محلها ثقافة الغش والخداع والكذب والارتشاء , وتبدلت صورة السوداني في العالم (وغدت مهزوزة للغاية) خصوصا في الوطن العربي والخليج .
فكانت كل الصفات والطبائع المهذبة تختص به كما كانت هنالك صفات المروءة والشهامة والطيبة والامانة والاخلاق الفاضلة , وبرغم من ان الكثير ما زال يحتفظ بتلك الصفات (الا انه كما نعلم ان الخير يخص والشر يعم) فاساءات البعض اضرت بجميع السودانيين هناك , وسببت نفورا واستياءا لا تخطأه العين وتبدلت الكثير من نظرات الاحترام التي كانت تكن لهم وحل محلها الخوف والارتياب والشك , واضحي ذلك التدويل لقضايا السودانيين ورئيسهم الحديث السائد لكل المجتمعات , ولم يعد السوداني ذلك الفارس الشهم (ذو القلب الكبير النقي) كما كان يعرف دوما , بل اصبحت صفات الهمجية والكذب والتضليل تطارد السودانيين وتفقدهم قيمتهم .
في الختام نتمني ان تزول كل اسباب البغض والكراهية لدي المواطن السوداني حتي يعود كما كان الجميع يعرفه , كما نتمني ان تتغير ثقافة مناصبة العداء تجاه الحكام , و أن يكون الرئيس القادم (مهما يكن) اوفر حظا مع مواطنيه , و ان يقفوا لنصرته يؤازرونه ويشدون من ازره , يقومونه اذا اخطا ويثنون عليه اذا اصاب , لا ان يناصبوه العداء .
أشرف مجاهد مصطفي صحفي ومهندس- بريطانيا |
|
|
|
|
|
|