اتحاد الصحفيين يحتفل بالاعلاميين بالخارج (توجد صور بورداب)

Quote: الإنقاذ ودموع التماسيح..!! ================ د. حيدر ابراهيم علي ============= صحيفة الصحافة - نُشر في: 15-09-2007 ========================= يحتاج علماء السياسة والاجتماع لاجتهاد وجهد قليلين، ليكشفوا للعالم نظاماً هو فريد عصره، بل وكل العصور في علاقته الاحتقارية مع شعبه، وفي قدرته على ارتكاب الحماقات، وفي عدم مصداقيته المطلقة، خاصة إذا أراد أن يدخل معك في شراكة أو صداقة الذئب للحمل. فالانقاذيون يدخلون معك في اتفاق أو عهد، ويشهدون العالم ويؤدون القسم المغلظ بأنهم ملتزمون باتفاقهم وعهودهم. ولكنهم يبيتون النية مبكراً في البحث عن أنجع السبل وأخبثها لنقض العهود، وكيف يمكن أن يدوخوا الشريك دوخة الديك البلجيكي، وكيف يدخلون الشريك في متاهة لا يعرف فيها أعلاه من أسفله، ويحتار الشريك أو الحليف أو الصديق، لأنه لا يستطيع أن يمسك شيئاً من الانقاذيين، لأن الانقاذي هو ما نسميه «ود الموية». ووعودها ـ حقيقة ـ ينطبق عليها: كما يمسك الماء الغرابيلُ..!! وعليك أن تعد اصابعك بعد أن يسلم عليك الانقاذي. ولا تنس أنه يجيد اللعب بالبيضة والحجر، وهذا سبب استمراره، ليس إيمانه ولا أمنه، بل فهلوته واحتياله، وعدم الخجل من الكذب والغش. ولكي يكون أى نظام أو فرد قادراً على إجادة مثل هذا السلوك، لا بد أن يمتلك قدراً كافياً من الانتهازية وموت الضمير وغياب الحياء والخجل، فالنظام الانقاذي ينظر لكل فعل بحساب الربح والخسارة، ويسأل ما هو المكسب من هذا الفعل؟ وهل المكسب مضمون وبأقل جهد؟ وهو بالتالي لا يفعل أى شئ لوجه الله، وحتي الموت بكل قدسيته وجلاله، قد يكون وسيلة رخيصة للكسب السياسي. وهذا بالضبط ما حدث الأسبوع الفائت، وما استفزني كثيراً وأكد لي ظني بأن الانقاذ نظام شاب وكبر بجهله، فهو يتصرف وكأنه جاء الى السلطة بالأمس فقط. ولم تؤثر فيه التجارب والاختبارات والتفاعل مع الناس داخليا وخارجيا. فقد وجد الانقاذيون في وفاة الشريفة مريم ـ رحمها الله ـ زوجة السيد محمد عثمان الميرغني، فرصة ثمينة لممارسة أخلاق الانتهازية والى تحويل الحزن والعزاء والفقد الأليم إلى مكسب سياسي كبير في هذه الظروف الدقيقة، وتفتق ذهن أحد العباقرة والمنظرين، فصاح: وجدتها..!! نرسل وفداً غزيراً لان الغزارة والكثرة تخلب اللب وتدهش الآخر، وأن نجمع سريعاً مسؤولين وحزبيين وحاشية وتنابلة السلطان وماسحي الجوخ والذين لا يقولون لا ولا يرفضون عطايا الميري (علاء الذي لا يقول لا، ولولا تشهده لكانت لاؤه نعم). وافقت الجوقة بلا تمنع، وكثيرون منهم لا يحملون أى احترام للسيد الميرغني، ولا يشاركونه أية أحزان. تمت تعبئة طائرة خاصة وقد تكون رئاسية بحوالي «50» شخصاً، وتكفلت الدولة بكل شئ من إقامة وغيرها من منصرفات طارئة، وبالتأكيد لن ينسوا السوق والتبضع، فهم يدركون ان راكبي الطائرة الخاصة لن يخضعوا لأية اجراءت جماركية.. ولك ايها القارئ الكريم أن تتصور التكاليف والسفه في الصرف بلا ضوابط. وهذا نظام لا يعرف الأولويات وسيئ التقدير، ويهتم بالمظاهر والدعاية اكثر من أي شئ آخر، ففي نفس صحف اليوم الذي يحكي فيه بعض الصحافيين المحظيين والمحظوظين، نقرأ: «حمَّلت آلية درء الطوارئ الصحية الدولة تبعات اية وفيات قد تحدث بسبب مرض الإسهال المائي، ما لم تلتزم الولايات والحكومة الاتحادية بتوفير ميزانيات التسيير لعملية كلورة المياه، وشكت من عدم صرف ميزانية الطوارئ الصحية، وقد صادقت وزارة المالية على دفع مليون جنيه فقط من جملة 6 ملايين لم تصرف حتى الآن. وأعلنت انتشار مرض الاسهال المائى في خمس محليات بولاية القضارف، فيما دخلت ولايات النيل الابيض، سنار، النيل الازرق، جنوب كردفان، حد الحرج في مرض الملاريا (الايام 12 سبتمبر 2007م). تختلف- بالتأكيد- أولويات الدولة التي ترى المال العام ملكاً مشاعاً للخليفة أو أمير المؤمنين، مقابل أن يكون المال العام ملك الأمة أو الشعب، وبالتالي يسأل الله اولياء الأمر عن كل درهم أو جنيه يصرف في غير نصابه. فهذه دولة ـ كما قلت ـ لا تحترم شعبها ولا تخشى الله، لذلك من الطبيعي أن تتوقف عن الصرف على الملاريا والإسهال المائى، بينما في نفس الوقت تشحن طائرة بسيرة للعزاء، أو تغدق على احتفالات العام الثامن لاستخراج البترول، وتملأ الاعلانات الصحف، وتستجلب الفرق الاجنبية، وتقام الحفلات الشاهنشاهية. وهذه دولة تستاهل (النقة) وما يذهب (النعمة) ليس «النقة»، ولكن الترف والسفه وسوء استخدام «النعمة»، فقد كان من الممكن أن يقوم سفير السودان بالمملكة العربية السعودية يرافقه وفد «شعبي» من منسوبي المؤتمر، وتقوم بقية الدولة والحزب بواجب العزاء هنا في الخرطوم وبورتسودان وسنكات، خاصة ان اقرباء الفقيدة الأقرب، هنا في السودان. لم تكن التعزية والحزن وراء السيرة الملكية، وهنا تحسب أصابعك حين تصافحك الانقاذ، فهي قد نوت شيئاً مختلفاً، فالزيارة هي بداية الحملة الانتخابية، وغزل مكشوف مع السيد الميرغني والحزب الاتحادي الديمقراطي، أما ما تبقى منه فيهدف إلى قيام تحالف بين الاتحاديين وحزب المؤتمر الوطني ليدخلا المعركة الانتخابية معا، وقد حول المعزون موقف الحزن والتعاطف الى ليلة سياسية وخطب لا تدعو للصبر والمغفرة للفقيدة، فقد كان الانقاذيون جاهزين بتلفزيونهم ومايكرفوناتهم، وبالتأكيد صحافييهم للتغطية والتعليق لاحقا. ورغم ان السياسة السودانية عرفت استغلال الفاتحة والتسابق نحو المقابر لحضور الدفن، إلا أن اسلوب الانقاذ ـ كالعادة ـ فج ومباشر ومستفز، اذ تحول مجلس العزاء الى ليلة خطابية، وقد دشنها كما قال احد الصحافيين فصيح الانقاذ السيد عبد الباسط سبدرات، ثم بدأت عملية حصار السيد الميرغني واستنطاقه، ونجحوا وصفقوا في مجلس العزاء، واخذت مولانا الهاشمية واعطي من التصريحات ما سوف يكفي الانقاذيين طويلا، وسيعملون على اساس ان السيد الميرغني اقترب منهم كثيراً. ورغم فشل الانقاذ سابقا في عملية جر اجزاء من الاحزاب الى التحالف معها، وهي الآن تحاول أن تأخذ «فقشة» من الاتحادي الديمقراطي يكون على رأسها السيد الميرغني، فالانقاذ لا تريد حزباً قوياً كحليف، فهي تفشل في أية شراكة تقوم على المساواة والندية. وامامنا مثال الحركة الشعبية وجناح مناوي وتجربة السيد مبارك الفاضل المهدي. ولكن الانقاذ ـ كالعادة ـ تراهن على ذاكرة ضعيفة وطبع متسامح لدى الشعب السوداني. ولكن فظائع الانقاذ في البداية وعدم مصداقيتها ومراوغتها الحالية، يجعلان من الصعب على عاقل ان يتحالف معها. كان العزاء ـ المظاهرة- يهدف الى نزع مواقف من السيد الميرغني بالذات في النزاعات الحالية والمحكمة الدولية، فقد صفق الحاضرون لتصريحات الميرغني كثيراً. ولكنه كان يورطهم اكثر مما يدعمهم ويساندهم، لان الحديث عن اجراءات المحكمة لا يجدي، بل صدور قرارات الادانة واوامر القبض على المتهمين.. وما صفقوا له كان وقته المناسب في فترة سابقة اولية، حين كانت الانقاذ تحتاج الى لوبي ومساندة لمنع صدور الادانة. ولكن بعد ذلك يصبح تأييد الرفض تحريضاً على مواجهة المجتمع الدولي. وهنا يحرضهم السيد الميرغني على الرفض، ولا يقدم لهم اى مخرج او فتوى او دعم مادي، فقد قبلت شهادات من قابلت مهما كانت مجروحة، وبنت على ضوئها قراراتها، فهذه ادانة او تحليل يأتي متأخرا كثيرا .. واعتقد ان النصيحة المفيدة والمطلوبة هي التعامل العقلاني مع القرارات، بعيداً عن المناطحة غير المجدية. لا أدري كيف تم تقييم الرحلة سياسياً؟ وهل اعتبر حزب المؤتمر الوطني انه احرز نصراً حزبياً أم فقط خسر تكاليف رحلة دفعها من جيبنا وليس من جيبه؟ وتصريحات السيد الميرغني هي مجرد حديث مجاملة، وليست قرارات حزبية، ولا تمهد لقرارات حزبية.. فهو مازال مصراً على تطبيق اتفاقية القاهرة، والانقاذ لا تحب كلمة تطبيق وتفضل توقيع وبس. وبقاؤه في الخارج ليس مجرد موقف سلبي، أي لا يريد العودة فقط، ولكن وجوده في الخارج هو الكارت الذي يحميه من الحيرة والتوهان في الخرطوم. وحتي الآن هو كارت رابح، فلو عاد الى السودان سيكون مطالبا بمواقف لتغيير الاوضاع الحالية، وبالذات عملية التحول الديمقراطي. والا فلن يضيف شيئاً. والسيد الميرغني عملي وواقعي في حسابات السياسة، ولن يستطيع ان يفعل مثل السيد الصادق المهدي ان يملأ جموده وفراغه السياسيين بنشاطات فكرية وثقافية، او ان يحول الفعل السياسي المباشر الى رياضة ذهنية. وستظل الانقاذ تلعب بالعقول وتستهين بالشعب، والأهم من ذلك تعبث بأمواله ومقدراته، طالما كانت الساحة خالية وهي مستفردة. وهذه ليست بكائيات، ولكنها زفرات تحرجها أسئلة صامتة لهذا الشعب .. حتام نحن نساري النجم في الظلم؟