دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 10:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-23-2013, 00:01 AM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق

    أصدقائي

    * هنا نفاج للتبادل المعرفي في مجال دراسات الترجمة / سأعمل علي رفد الصفحة بعدد من الكتب / المقالات / أوراق العمل / و كل ما يمكن أن يسهم في عمل الإضافات الممكنة لطلاب و باحثي الترجمة.

    * بطبيعة الحال أرجو من الإخوات و الإخوة المهتمين العمل علي الإسهام ما أمكن لمنفعة الجميع.

    تقديري

    طارق عمر مكاوي
                  

02-23-2013, 08:52 AM

امجد محمد الأمين
<aامجد محمد الأمين
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 350

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    حبيبنا طارق .
    عجبتني نفاج معرفي دي ..
    متابعين .
                  

02-23-2013, 02:00 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: امجد محمد الأمين)

    أهليين صديقي أمجد / و خليك قريب نتشارك الأشياء.
                  

02-23-2013, 02:04 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    خيانة النص مشكلة المترجم الذي يجهل السياق الثقافي للمؤلف - فتحي عامر
    إذا كانت الترجمة أداة معرفية هامة للوعي بالآخر والتعرف على فكره وثقافته وإمكاناته, فإنها بالنسبة لنا كعرب تكاد تكون بوصلة ومؤشرا لحركة ازدهار الأمة أو انكسارها. ومن نافلة القول أن الانفتاح على الآخر والترجمة عنه شهدا نهضة غير مسبوقة إبان صعود الحضارة العربية وازدهارها, ووصل الأمر في عهد الدولة العباسية إلى مكافأة المترجمين العرب بمثقال من الذهب الخالص يساوي مثقال كل كتاب يترجمونه من الثقافات الأخرى, هذا ما كان يحدث قديما في عصور التأخر والانحطاط ومع ذلك شهدت الترجمة ازدهارا جديدا مع بزوغ فجر التنوير العربي عندما قاد حركتها الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في دولة محمد علي في مصر.
    إلا أن نسبة الكتب المترجمة في العالم العربي الآن ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بأوروبا أو اليابان رغم تأسيس مشروعات جادة منذ سنوات مثل المشروع القومي للترجمة الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة والذي احتفل مؤخرا بصدور الكتاب رقم 250 في سلسلة ترجماته .
    والترجمة حقل معرفي له مشكلاته الخاصة, ليس فقط المشكلات الفنية المرتبطة بعملية الترجمة ذاتها ولكن يضاف إليها أنه حقل مثقل بندرة المترجمين الأكفاء ومثقل بمجمعات تضع الثقافة بشكل عام في آخر سلم أولوياتها فما بالك بالترجمة ومعوقاتها مع عدد من الخبراء والعلماء العرب والأجانب المعنيين بهذا الحقل المعرفي الهام وذلك من خلال حلقتهم البحثية التي استمرت ثلاثة أيام في المجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان (قضايا الترجمة وإشكاليتها)
    إهانة النص
    والسؤال الأول الذي يتعين طرحه : هل الترجمة هي مجرد نقل لنصوص الآخرين. وهل هي مطابقة بين النص المترجم والنص المترجم عنه؟ أم أنها إعادة للتعبير عن المعنى بصياغة ورؤية أخرى؟ وفي هذا السياق متى يتعرض النص متأرجحا بين الوفاء للنص وخيانته؟ سوف نبحث لأسئلتنا عن إجابات متوسلين ببحوث هذه الكوكبة من المفكرين والعلماء.
    وفي البداية يعود بنا الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة المعروف إلى عهودنا الأولى في الترجمة فالترجمة تأليف غير مباشر وإعادة صياغة وربما نقل للفكر من حضارة إلى حضارة ومن بؤرة إلى بؤرة ومن ولاء إلى ولاء وقد كان ذلك نموذج النقل اليوناني القديم الذي قامت به مدرسة الحكمة برئاسة اسحق بن حنين.
    ويضيف صالح علماني متوخيا طبيعة الترجمة كما ينبغي أن تكون الترجمة هي شكل جديد لمضمون العمل الأصلي إنها شكل العمل في لغته الجديدة ولابد لهذا الشكل الجديد أن يحافظ على المضمون ويتطابق مع الأصل, ومثلما يسعى المؤلف الأصلي حين يريد إيصال فكره وشعوره إلى البحث عن الشكل المناسب للتعبير عن تلك الفكرة أو الشعور بأكبر قدر من الصفاء والدقة والشفافية بحيث يتمكن القارئ من التقاطها مثلما تصورها المؤلف.
    يتوجب على المترجم كذلك أن يبحث في لغته عن طريقة للتعبير عن المضامين الانفعالية والفنية للأصل بأقصى ما يمكن من الوضوح والدقة والشفافية. وكلما اقتربت الترجمة من هذا الهدف كانت أقرب إلى الكمال, لكن بلوغ الهدف في معظم الأحيان يبدو ضربا من المستحيل, بل أنه مستحيل على المؤلف الأصلي نفسه وهو يتوجه إلى قرائه في لغته نفسها. تبدو الفكرة الأخيرة عند صالح علماني وكأنها تقترب من محنة الترجمة والمقصود بهذه المحنة عند رجاء بن سلامة وهي أن الوفاء للنص الأصلي أمر ممتنع, إلا إذا واجهنا محنة امتناعه وتعرضنا إليها وحاولنا إعادة كتابته في اللغة الثانية في لعبة تقوم على الوفاء والخيانة في الوقت نفسه.
    أسباب الخيانة وإذا كانت عبارة (الخيانة) سوف تتكرر كثيرا في أقوال المشاركين في هذه الحلقة البحثية فإن معناها يتأرجح ما بين مجافاة مضمون النص المترجم وبين مجافاة شكله الخارجي في العبارات والمفردات والسياقات. ولكن ما هي أسباب خيانة النصوص؟ السبب الأول كما تقول المترجمة د. آمال فريد هو جهل المترجم بالسياق الثقافي للنص الذي يترجمه, وتستدل على ذلك بالترجمة الفرنسية لرواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ والذي قام بترجمتها أستاذ فرنسي بجامعة السوربون. ونظرا لأنه يجهل كل شيء عن السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي للرواية فقد جاءت ترجمته مكتظة بالأخطاء على المستوى الحضاري وحتى على المستوى اللغوي.
    أما المستعرب رحمي آر فإنه يرى أسبابا أخرى للخيانة منها الوضع الأخلاقي والعقائدي للمجتمع الذي توجه الترجمة إليه فقد يحذف المترجم عبارات أو كلمات لأسباب دينية وأخلاقية من النص الأصلي ويقول رحمي هناك صعوبة في الترجمة ناجمة عن عدم تمتع المترجم بحرية المؤلف في اختيار الألفاظ والأسلوب وصياغة الأفكار فإن المترجم مطالب بالتقيد والالتزام بالنص الأصلي أمامه في نقل المعنى بطريقة فضلها المؤلف أو اختارها لعمله الأدبي.
    وفي حالة ابتعاد المترجم عن أسلوب المؤلف في بعض المواقف لسبب عدم كفاءة اللغة الناقلة أو معناه ورسالته, ولكن المترجم إذا اتجه إلى إخفاء بعض ما ورد في النص الأصلي من عبارات أو ألفاظ أو جمل أو فقرات. أو تبديلها بما ليس له وجود في النص الأصلي فهذا الأمر بطبيعة الحال مرفوض إطلاقا ولا يقبله أي قارئ وعمل الترجمة في حد ذاته لا يعطي المترجم هذا النوع من حق التصرف على الإطلاق مهما كان السبب, ومثل هذا الموقف لابد من اعتباره الخيانة الكبرى للعمل الأدبي ولمؤلفه إضافة إلى أنه يؤدي بالقراء إلى فقدان ثقتهم بالمترجمين والانصراف والابتعاد عن الأعمال المترجمة.
    ترجمة الشعر
    وإذا كانت الخيانة مسألة واردة بالنسبة للترجمة عموما فما هو الموقف بالنسبة للشعر الذي يعتبر أعقد أشكال الكتابة الفنية لما يتضمنه من صور وأخيلة ومجازات ورموز , هل تكفي إجادة لغتين لكي يكون المترجم مؤهلا لترجمة الشعر ؟ في البداية تقول المترجمة د. ثريا إقبال ترجمة الشعر شأنها شأن كتابته, مؤسسة على لحظة أولى سابقة هي لحظة الإحساس بالنص الأصلي, وكذلك الإعجاب بالثقافة المغايرة واللغة المنقول عنها.
    وبالتالي تصبح عملية الترجمة لهذا الشعور عبر نص مترجم. إنها ترجمة إحساس مضاعف ظاهرة الانجذاب باللغة والثقافة الأخرى وباطنه الانشداد إلى النص الأصلي ولا يمكن لهذه الترجمة الشاعرة إلا أن يكون مشعوراً بها, وحتى لو نعتت بالخيانة, فهي خيانة مرغوب فيها ولا تخلو من عذوبة وسحر وتأثير, بهذا المعنى تكون ترجمة الشعر وقفا على لحظة الكتابة الهاربة المنفلتة المصطفاة من لحظات أخرى أي وقفا على سر الكتابة ومتعة البوح عبر ممارسة طقوس ذاتية لحظة إعادة إنتاج النص الأول داخل سياق تداولي آخر.
    وتضيف ثريا إقبال لهذا فإن معرفة لغتين لا تكفي لترجمة الشعر, فشخصية المترجم وثقافته وقدرته على الإحاطة بتاريخ وحاضر وثقافة كل من اللغتين ضرورية لمعرفة خبايا النص وفهم سياقها لذلك ينبغي أن يتشبع المترجم بمفاهيم الثقافات التي ينقل عنها وينقل إليها . فالبيئة الجغرافية والمناخ لهما تأثير واضح على اللغة مثلا : لغة الشمال لها علاقة بالبرد بينما اللغة العربية نشأت في بيئة حارة, فالفرنسيون يقولون اسخن صدري بينما يقول العرب أثلج صدري وعندما يغيب البعد البيئي والتاريخ في فهم النص المترجم على مستوى الكلمة والعبارة تغيب الدلالة. ترجمة القرآن
    إذا كان هذا هو الموقف بالنسبة لترجمة الشعر فما هو الموقف بالنسبة لترجمة القرآن الكريم تقول الدكتورة ليلى عبد الرزاق عثمان : لابد من التسليم بأن القرآن الكريم يمكن أن تترجم جميع معانيه لأية لغة . ولا يمكن أن تكون الترجمة قرآنا باللغة الأجنبية لأن القرآن معجز بلفظه ومعناه ولكن إذا كانت الترجمة وسيلة من وسائل نقل بعض المعاني وتيسيرا لفهم القرآن لمن لا يعرف اللغة العربية وجب القيام بها .
    وهناك أكثر من 20 ترجمة كاملة لمعاني القرآن. وهناك اختلافات كبيرة بينها فما هي المشاكل والصعوبات التي تواجه المترجم عند ترجمة القرآن ؟ أول هذه الصعوبات ـ تجيب د. ليلى ـ صعوبة نقل الخصائص البلاغية للقرآن وهي: علم المعاني ويشمل: الإطناب والتقديم والتأخير والحذف والاستفهام.
    ـ علم البيان أي التشبيه والاستعارة والكناية . ـ علم البديع وهو الطباق والمبالغة والنظم والفواصل والتكرار. المصطلح الإسرائيلي
    ننتقل إلى محطة أخرى مع الدكتور محمد محمود أبو غدير أستاذ الأدب العبري, فهو ينبه إلى تدارك خطر المصطلح السياسي الإسرائيلي الذي بدأ يتدفق على العالم العربي مع قوة اندفاع العولمة بينما نحن متقاعسون عن وضع قائمة متفق عليها من المصطلحات وتعميقها على الجامعات وأجهزة الإعلام التي بدأت تروج مؤخرا للعديد من المصطلحات الصهيونية بدون قصد حيث نجحت إسرائيل في تسريبها عبر شبكات الاتصال الحديثة والانترنت بالإضافة إلى مطبوعاتها التي توزعها في كل مكان.
    ويقول أبو غدير ( وليس سرا أن إسرائيل استطاعت إيجاد مجالات للتعاون المتبادل بينها وبين العولمة الغربية مستغلة في ذلك قوة اندفاع عجلة العولمة الأمريكية ذاتها من أجل خدمة المصالح الإسرائيلية في العالم وفي المنطقة وبدأت مؤخرا تتدفق على العالم العربي مجموعات من الكتب والمنشورات الإسرائيلية المترجمة إلى اللغة العربية وجرى اختيارها لخدمة المصالح الإسرائيلية والمتمثلة في خلخلة الرفض العربي للتطبيع مع إسرائيل وغسل عقول المثقفين والدارسين العرب.
    وفي المقابل نجد أن حركة الترجمة العبرية العلنية والأكاديمية فى مصر تتم بمجهود فردي حيث يتوقف النجاح أو الفشل فيها على عدم توفيق المترجم في اختيار الموضوع الذي ترجمه وعلى خبراته العملية في هذا المجال. ويواجه المترجم العربي مشكلة تتمثل في عدم وجود اتفاق غربي عام سواء داخل مصر أو خارجها على ترجمة المصطلحات الأجنبية للمصطلح العبري الصهيوني لغزو العقل العربي ودفعه إلى استخدام مصطلحات صهيونية لعدم توفر البديل العربي لها. لهذا يقترح الدكتور أبو غدير على المجلس الأعلى للثقافة ضرورة تشكيل لجنة للمصطلح في جميع اللغات وبخاصة في اللغة العبرية تضم ذوي الخبرات في الترجمة لوضع قائمة متفق عليها للمصطلحات مع تعميقها.
    مشروع ثقافي
    وبعد هذه المحطات نتوقف عند رؤية المفكر الفلسطيني الدكتور فيصل دراج للترجمة حيث يراها عنصرا من عناصر عديدة مكتملة وإذا افتقدت هذا الترابط فقدت هدفها. يقول دراج: الترجمة تعتبر عن منظور وغايات من يقوم بها. فقد أعطى عصر التنوير العربي للترجمة أهمية خاصة بدءا من الطهطاوي وفرح انطون مرورا بطه حسين وغيره وصولا إلى إلياس مرقص.
    وكان هؤلاء يتعاملون مع الترجمة كعنصر في مشروع متعدد العناصر غايته الارتقاء الاجتماعي والتحرر من القديم الميت كما لو كان الواقع المعيش هو الذي يقترح الكتب ويترجمها محولا الأعمال المترجمة إلي جزء من مشروع الثقافة الوطنية.
    والترجمة لا تكتسب دلالتها متعددة المناحي إلا حين تكون مشروعا يفتش عن أسئلة طرحها عليه المجتمع الذي يعيش فيه وفي هذه العلاقة لا تكون الترجمة ثقافة وافدة بل علاقة حميمة ومتميزة في الثقافة الوطنية.
    وأخيرا نختتم جولتنا مع الكاتب لمعي المطيعي الذي يحدثنا عن إهدار المجتمع العربي لحقوق المترجمين متخذا من مصر نموذجا على هذا الإهدار يقول المطيعي ( في مصر ظلت حقوق المترجمين مقصورة على ما جاء بخصوص الترجمة وحقوق المترجمين في قانون حماية حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954 والتعديلات التي أدخلت عليه بالقانون رقم 38 لسنة 1992 وهي تختص بحقوق المؤلف الأجنبي الذي تترجم أعماله في مصر.
    وفي عام 1991 أعدت لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة مشروع قرار جمهوري برفع مكافأة ترجمة الكلمة الواحدة من اللغات الأجنبية إلى اللغات العربية بـ ( 60 مليما) بدلا من ( 3 مليمات) كما في القرار الجمهوري رقم 97 لسنة 1958 وبدلا من (6 مليمات) كما في القرار الجمهوري رقم 91 لسنة 1978 ورجع مشروع القرار حسبما عرفنا وقدم وزير الثقافة المشروع الجديد ومذكرته التفسيرية إلى مجلس الوزراء لإرساله إلى مجلس الشعب لإقراره وإصداره وللأسف لم يصدر حتى الآن.
                  

02-23-2013, 02:09 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    التـرجمـة العربيـة بعد ثلاثة أجيـــال من الـمــورد - علي درويش
    لا ينكر إلا جاحدٌ فضلَ الأستاذ منير البعلبكي على اللغةِ والترجمةِ والعملِ المعجمي والخدمةَ الجليلةَ التي أدّاها ذاك العلامةُ الكبيرُ لحركة النقل والتعريب في الوطن العربي في القرن العشرين وبخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة منه. فقد كان الموردُ المعجمَ الثنائيَّ الأوحدَ الذي ترعرع عليه ثلاثة أجيـــال من الطلاب العرب عموماً والمترجمين خصوصاً. فصار معينهم وموردهم بل ومنجدهم حيث لا منجد غيره في كل أمر يتعلق باللغة والترجمة والتعريب. وبعد ثلاثة أجيال من أَتْبـَاعِ المورد أو المورديـين – إن صحّ التعبير – فإننا نلاحظ نهجاً واحداً يطغى على تلك الأجيالِ من المثـقفين والمترجمين العرب. ويتمثل هذا النهج في حرفية النقل والترجمة التي تعتمد اعتماداً صارخاً على المعجمية البحتة خارج السياق الوظيفي للغة. فها أنت على متن طائرة عربية في رحلة طويلة يعذبك ويضنيك - إن كنت ممن يحرصون على سلامة اللغة والدقة في الترجمة والتعبير - أن تسمع تنبيه المضيف المتكرر طوال الرحلة وهو يصدح في المجهــار بكل فخر وثقة واجترار (يرجى ملاحظة إشارة ربط الأحزمة) تتلو أصلها الإنجليزي (Please observe the “fasten your seatbelt” sign)، كلما أصاب الطائرة ارتجاج جوي. فتلاحظها بأم عينك ولا مناصَ لك من ذلك.

    لقد جاء المورد في مطلع السبعينات ليسد ثغرةً كبيرةً في المكتبة العربية آنذاك، إذ لم يكن هناك سوى قاموس أساسي واحد متداول هو القاموس العصري للأستاذ إلياس إلياس الذي أصدره للمرة الأولى عام 1913، وتكررت طبعاته منقحةً ومزيدةً ومستنسخةً على حالها حتى عام 1963. فكان ذاك القاموس العصري مرجعاً ثرياً للطلاب الذين يدرسون المعارف والعلوم في غير لغتهم أو يتعلمون اللغة الإنجليزية كلغة ثانية أو ربما ثالثة. وكان دُرةَ المعاجم مقارنةً بالمعاجم الأخرى آنذاك. ولكنه كان كغيره من القواميس الثنائية يتخلف تخلفاً سريعاً عن مجاراة التغيرات والتحولات التي كانت تصيب اللغة الإنجليزية في مجالات شتى من المعارف والعلوم. مما دفع البعلبكي إلى إعداد مورده وإصداره لأول مرة عام 1967، فحل في وقت وجيز محل المعاجم الأخرى كمصدر أساسي للمعرفة الثنائية اللغة ،وسرعان ما اكتسب قدسية خاصة عند نفر كبير من المترجمين والمثقفين وصار مرجعاً يُعتد به، لا نقاش فيه ولا جدل (هكذا قال المورد ، وكذا قرأتها في المورد، الخ). وهنا الخطر البَـيّن.
    عندما وضع البعلبكي مورده لم تكن في نيته، وهو أميرُ المترجمين العرب في العصر الحديث، أن يكون معجمه مصدراً حرفيا للكلام، حيث قال بكل وضوح في تصديره للمعجم آنذاك: " ...أستيقنت منذ اللحظة الأولى أن المقابل العربي مهما يكن دقيقاً قد لا يكفي لتوضيح المراد أو حصره في الحدود التي رسَمَتها له المعجمات الإنكليزية – الإنكليزية . ومن ثـَمَّ أخذتُ نفسي بضرورة إتباع المدلولات في أكثر مواد المورد بأمثلة إنكليزية حيّة اقتبستها من مختلف المعاجم ، مع شيء من التعديل حيناً ، ومن غير تعديل حيناً (...) وبذلك جاء المعجم معلِّماً للغة الإنكليزية يستعين به من شاء الكتابة بهذه اللغة ، إلى كونه قاموساً يرجع إليه من شاء الاهتداء إلى معنى كلمة من الكلمات أو تعبير من التعابير". وهنا بيت القصيد ، فالمعجم لم يكن مصمماً للمترجمين بالدرجة الأولى وإنما لمن شاء أن يعرف معنى مفردة أو أراد أن يتعلم اللغة الإنجليزية من خلال المعاني التي حصرها المعجم في متنه. وهذا يعكس بوضوح الطريقة التي كانت مهيمنة آنذاك في تعليم اللغات الأجنبية في الوطن العربي وما تزال في الأغلب إلى يومنا هذا. ولكن هذه الناحية المهمة في المورد تغيب عن بال معظم الذين يلجأون إليه في الترجمة. فكم مورديّـًا توقف برهة لقراءة تصدير المعجم؟

    لا شك أن المعجميين والمشتغلين في علم المصطلحات يعرفون أن هناك ثلاثة أنواع من المعاجم : الأول معجم للفهم والإدراك ، وهو ما يسعى المورد إلى تحقيقه في معظم أرجائه. وهذا النوع من المعاجم تفسيري تعريفي يعتمد المرادفات والمعاني الدلالية والمعجمية البحتة عموماً والشرح والأمثلة أحياناً. وخير مثال على هذا النوع من المعاجم معجم "مريم وبستر" و معجم "أميركان هريتيج" ومعجم "أكسفورد" البريطاني. و الثاني معجم للإنتــــاج، وهو معجم يمكّنُ الباحثَ من استيعاب الكلمات واستعمالها استعمالاً صحيحاً وسليماً ، وذلك من خلال الأمثلة والشروح التي تركز على المعاني الوظيفية إضافة إلى المعاني المعجمية والدلالية، كمعجم "كولينز-كوبيلد" و "فليب دكشنيري" والمعجم المعكوس، وهي كلها معاجم أحادية . والثالث معجم للترجمة والنقل، وهو نادر في اللغات الأوربية لتقاربها إجمالاً ، ومنعدم أو يكاد في اللغة العربية، إهمالاً. وقد حاول الكرمي في معجم المنار عام 1971 تحقيق ذلك فنجح قليلاً ، إذ جمع بين المعجم والمجمع في متن واحد وضِمْنَ المادة الواحدة، ولكنَّ معجمه ، على فصاحته وسلاسته وتنوعه، لم يلق النجاح والشهرة اللذين أحرزهما المورد.

    النوعان الأول والثاني من هذه المعاجم يكونان عادة بلغة واحدة، أو بلغتين — وهو ما اعتمده المورد وغيره في تخريج الطبعات العربية الثنائية. وهذه المعاجم الثنائية مترجمة في جُلّها عن معاجم أحادية، موضوعة في الأصل لتعريف القارئ بمفاهيم المفردات والمصطلحات. فإن أراد القارئ مفردات ومترادفات تسعفه في الكتابة استشار مجامع المترادفات (الثيسورات) وغيرها من المراجع اللغوية ليجد ضالته فيها. أما بالنسبة إلى عمل الترجمة ، فهذه المعاجم لا تؤدي سوى دور محدود . ومن الخطأ بل الخطل أن يلجأ المترجم إليها بغية فهم معاني الكلمات، بدلاً من استشارة المعاجم الأحادية ، وذلك لسببين. الأول هو أن المترجم يُحدُّ من الخيارات المتاحة له من خلال تفاعله الطبيعي مع اللغة ، وبلجوئه إلى المعاجم الثنائية يحكم على نفسه بتـأطير فكره، فيفهم الكلام من خلال الترجمة قبل أن يفهمه من خلال الأصل نفسه أو من المعاجم الأحادية. وفي هذا خطر قد لا يتبين لجمهرة من المشتغلين في الترجمة. فلنتأمل الجملة الآتية:

    البرلمان الياباني يوافق على إرسال قوات عسكرية إلى العراق وسط معارضة متنامية.

    لعلكم ترون في هذه الجملة مثالاً جيداً على التأثر بالحرفية المعجمية والفوضى اللغوية التي تعتري الفكر العربي بسبب ذلك. فالتنامي لا يكون عادةً إلا لما فيه الخير زيادة من نفسه. فالنبت ينمو ويتنامى. ولذا سُمي الشجر والنبات بالنامي. فكيف إذاً تتنامى المعارضة، وهي ، لغةً ، الاحْتِجَاجُ والْمُخَالَفَةُ والْمُمَانَعَةُ؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي الرجوع إلى الأصل الإنجليزي وهو:

    The Japanese parliament agrees to send military forces to Iraq amid growing opposition.

    فإن اطلعنا على كلمة (growing) في المورد وقفنا على الآتي:

    Grow: (1) "أ" ينمو ، "ب" ينبت (2) يكبر ، يقوى ، يزداد (حكمة الخ) ، (3) "أ" ينشأ ؛ ينتج عن "ب" يبرز ؛ يظهر إلى حيز الوجود (4) "أ" يصبح تدريجياً (to ~ old or pale). "ب" يستحوذ ؛ يمتلك (a habit ~s on one) (5) يُنبت ؛ يزرع (6) يربي ، يطلق (to ~ a beard).

    وقد أسقط المورد (growing) ظناً منه على الأرجح بأن الباحث يستطيع أن يتعامل مع لغته على نحو سليم إن هو فهم المعنى الأولي للفظ. ولكنَّ المترجم أخذ بأول معنى للكلمة وهو (ينمو) واستخدمه في ترجمته دون مراعاة شروط تلازم الكلمات والنواحي الوظيفية للكلمة فجاءت طبقاً للنهج الفسيفسائي الذي يطبع الترجمة العربية بطابعه الحرفي على مستوى المفردة والجملة. وكان حرياً بالمترجم أن يقول (وسط معارضة متزايدة أو متعاظمة أو متفاقمة).

    أما السبب الثاني فهو أن تفسير المفردات كلمة مقابل كلمة في تلك المعاجم غالباً ما يكون خارج السياق العام للكلام، إذ أنه في أفضل الاحتمالات تقريب استنسابي للمعاني الأولية والثانوية ، وتقابل نسبي بين مفردتين في لغتين حيتين آخذتان في التحول والتبدل والتفاعل كلاً في بيئتها الطبيعية، فتقتربان حيناً وتبتعدان أحياناً. ولهذا السبب فإن المعاني الدلالية لا تؤدي دائماً مؤداها في الترجمة على نحو سليم. فلنتأمل على سبيل المثال كلمة (prolific) في اللغة الإنجليزية في الجملة الآتية والاستعمال الجديد الذي طرأ عليها في العقد الأخير:
    A prolific serial killer was found hanged in his prison cell yesterday.

    استعمال (prolific) في هذا السياق يعيبه بعض الحريصين على اللغة الإنجليزية، فهو جديد يخرج اللفظ عن مدلولاته الأساسية الإيجابية . فلو نظرنا إلى المورد ، لوجدنا المقابلات الآتية التي تعكس تلك المدلولات:

    (1) مثمر ؛ وافر الإثمار (2) ولود ، كثير النسل (3) خصيب ، منتج ، كثير الإنتاج (a ~writer).

    وهكذا ، تجد المترجمين المورديـين يهرعون إلى المورد أو ما شابهه لترجمة الجملة السابقة، فإما أن يأخذوا بإحدى هذه المقابلات ، لا سيما المجموعة الثالثة منها، أو أن يبحثوا عن ضالتهم في مصادر أخرى ، فإن لم يجدوها اجتهدوا على النحو الآتي:
    العثور على أكبر سفاح بريطاني مشنوقاً داخل زنزانته أمس.
    العثور على اشهر مرتكبي جرائم القتل في بريطانيا مشنوقا في زنزانته أمس.
    العثور على السفاح هـارولد شـيبمان مشنوقا في زنزانته في بريطانيا.
    فهنا يصبح ( prolific serial killer) أكبر سفاح أو أشهر مرتكبي جرائم القتل.
    وفي غياب منهجيات واضحة ومقيسة للترجمة والمصطلحات يتخبط المترجمون – ومعظمهم دخل المهنة من غير تدريب أو تخصص ، فهي مهنة من لا مهنة له ، على حد قول أحدهم ، وتعـلَّم أو لم يتعلمْ من التجربة والخطأ – يتخبطون بين الحرفية من جهة كـ أيـدز وسارس وشزوفرنيا وألزهايمر وخلوي وخليوي وجوال ومحمول وسليولير وغيرها ، والتصرف الفاضح الذي يطرح بالمعاني خارج أطرها المرسومة لها ضمن معالم النصوص وحدوده ، ويخرج بالمصطلح إلى حيز الإنشاء والترجمات الركيكة والملتفة من جهة أخرى. فنجدهم يصدرون الفتاوى الاعتباطية بشأن اسم أجنبي مستعار ويصرون على استعمال أسماء الأمراض مثلاً على حالها ودون أدنى تغيير كـ "الزهايمر"[1] (بأي طريقة تلفظت بها) ، بدلاً من إخضاعها للنظام الصوتي العربي وصوغها في زنة فُعال على هذا النحو (.زُهـــَام) و(شُـــزَاف) و (سُـــرَاس) كزكام وسعال ورُهــَـاب و صُداع وغيرها، وتجدهم كذلك يقترحون ألفاظاً غريبة عجيبـةً لا تخضع للقياس أو المنطق اللغوي أو قواعد الاشتقاق والنحت كـ "بريدون" لـ (email) (وهذه تحتاج إلى حبة سريدون)، أو تعوزها الدقة والضبط كـ"الترجمة إلى إجراءات" لـ (proceduralization)، بدلاً من استخدام زِنة (اسْتَفْعَلَ) التي تفيد الطلبَ والصيرورةَ (انظر مقررات مجمع اللغة العربية) ، على هذا النحو (استجراء) أو (استجرائية) بمعنى جعل منه وأخضعه لإجراءات محددة. فمن معاني (اسْتَجْرَى) المشتقة من (جَرَى) طلب التسيير والتوكيل، ولا ضير من إضفاء هذا المعنى الجديد عليها. فهذه طبيعة اللغات الحية ومسيرة تطور المصطلحات والمفردات فيها. ومَنْ اتَّجَرَ بغَيرِ فِقْهٍ فقد ضَلَّ.
    وسبب هذا الاعتلال هو وجود ثلاثة مواقف فلسفية ومنهجية وسياسية واجتماعية بالنسبة إلى العمل المصطلحي في الوطن العربي. يتمثل الأول في العداء المطلق للاقتراض والاستعارة من اللغات الأخرى، بحجة أن اللغة العربية قادرة على التعبير عن أي فكر ورأي ، ولا خلاف في ذلك ، (فنجد الحاسوب والمذياع والمريـاء). ولكنه موقف غير عملي في ظل التبعية المعرفية الاستيرادية للعرب والناطقين بالضاد . والثاني يفتح الباب على مصراعيه للغزو الثقافي واللغوي ولاقتراض المصطلحات كما هي ودون تعديل أو تبديل (فنجد سارسْ ، ونيتو إنجليزياً وناتو فرنسياً ، وبارلومان ، بالباء المعجمة والنون المخففة على الطريقة الفرنسية)[2] ، وهذا موقف لا يمكن قبوله، وذلك لسببين رئيسين بسيطين هما ثنائية المصادر اللغوية بين فرنسية وإنجليزية تختلفان في مفرداتهما وطرائق التلفظ بهما، ومخالفة المقترضات للنظام الصوتي العربي (فنجد سيدا وأيدز مجتمعتين)[3]. والثالث يتمثل في المحافظة على التوازن بين الاقتراض من جهة والتعريب من جهة أخرى على أساس منهجيات مقيسة.
    ومما لا شك فيه أن المترجم يؤدي دوراً أساسياً ومهماً في صياغة المصطلحات وعملية التعريب فهو في طليعة الأفراد الذين يتعاملون يومياً مع عشرات المصطلحات والمفاهيم الجديدة والذين يقومون بدورٍ حيوي في نشر المصطلحات. ولما كانت اللغة العربية في هذا العصر لغةً مستقبِلة للعلوم والمعلومات والمفاهيم الحديثة من الإنجليزية بشكل خاص واللغات الأخرى عموماً فمن المهم جداً أن يكون المترجم واعياً لدوره في عملية صياغة المصطلحات ونشرها وأن يكون على دراية بالمنهجيات السليمة التي تضمن صياغة مصطلحات لا تشذ عن القياس ولا تخالف المنطق اللغوي — تذرعاً بالحداثة والتطور والتقدم ، والذي لا يلقى صدى إلا عند من تخونهم الملكة اللغوية أو تعجزهم المنهجيات والأساليب وتتجافى عن أذهانهم قواعد ضبط الكلام، وعند طائفة من المرتزقين والمتطفلين على مهنة الترجمة.
    وعلى الرغم من أهمية المصطلحات ومحورية دور المترجم فيها فإن المناهج الجامعية وغيرها ، بجلها لا تقدم مساقات خاصة بالمصطلحات ، إلا بشكل عابر عرضي أحياناً ، ولا تُدربُ المترجمين أو طلاب الترجمة على صياغة المصطلحات، ولا تعلمهم حتى كيف يستعملون المعاجم وكيف يختارون المفردات والمعاني السليمة، كأدنى درجة من درجات التدريب والإعداد . بل تكتفي بالنظريات المجزوءة والنماذج المنقوصة والمستوردة في غالبها من الغرب والتي تتعلق بالترجمة والنقل ضمن اللغات الأوربية، غافلـةً أو متغافلةً عن دور المصطلحات في الترجمة العربية والمشكلات التي تعرض للمترجمين بالنسبة إلى المصطلحات التي تصادفهم يومياً. بل والأغرب من ذلك كله أنها تستورد أخصائيين أجانب لتعليم الترجمة العربية وأصولها، ولا يشترط في هؤلاء المستورَدين أن يجيدوا اللغة العربية أو أن يكونوا على اطلاع عليها ودراية بها، فذلك مزية عارضة ، وليست شرطاً من شروط تعليم الترجمة للعرب. أما المعاجم والقواميس المتوافرة ، بما فيها المورد ، فإنها تعجز أحياناً كثيرة عن توفير ما يصلح من المصطلحات والمفردات أو تُسقِط من موادها مصطلحات هامة حتى يكاد يتراءى للمطالع والباحث أن واضع المعجم قد واجه صعوبة في إيجاد مصطلح مناسب في اللغة العربية فأسقطه من حسابه وتجاوزه إلى ما هو أسهل وأقرب منالاً. ولاشك أن للعامل التجاري دوره الأساسي في مجموعة المصطلحات والمفردات التي تضمها القواميس والمعاجم والمسارد . فما يُطبع منها أول مرة يتكرر استنساخه كما هو دون إضافات أو ملاحق أو تحديث فيتخلف عن الركب بينما تتطور اللغة الأجنبية وتزيد مفرداتها ومصطلحاتها. فاللغات ، كما أسلفنا، بين تقارب وتباعد مستمرين وتجاذب وتنافر دائمين. ولقد نشأ وترعرع على المورد ثلاثة أجيال من المترجمين الذين وإن لم يستشيروا المورد في كل شاردة وواردة ، قد أصبحوا مبرمَجين به. فقد أدى المورد دوراً جوهرياً في ترسيخ مقابلات عربية لمفردات إنجليزية صارت في المتعارف عليه بين المشتغلين في الترجمة والنقل. ومهرت طائفة من المتخصصين في حفظ تلك المقابلات عن ظهر قلب واسترجاعها كما هي.
    وبعد ثلاثة عقود على المورد ، ونشوء المذهب المورديّ في الترجمة، ما يزال العجز واضحاً في المكتبة المعجمية العربية. وما انفك المترجمون يتبعون منهج الحرفية المعجمية في ترجماتهم ، رغم وجود مدققين لغويين ومحررين وناشرين على جانب من المعرفة اللغوية ، إذ يطالعك مثلاً عنوانُ النسخة المترجمة لأوليفر نورث (Under Fire) على هذا النحو (تحت النار) ، فهل رأيت ما هو تحت النار؟ وكتاب آخر بعنوان الإرهاب والإرهاب المقابل ، ترجمة لـ (Terrorism and Counter Terrorism) أخذاً بالمقابل رقم (14) في المورد ، بدلاً من الإرهاب والإرهاب المضاد. فكلمة (counter) لا تقابل (مقابل) في هذا السياق. إذْ من معاني (قابل): واجهه والتقى ، جازى ، عارض وقارن وماثلَ. فأنت لا تجزي ولا تجازي الإرهاب بالإرهاب. وما يقال عن قابله بالمثل فهو اصطلاح. وما يتقابل لا يكون بالضرورة مضاداً.

    نحن لا شك في أمس الحاجة إلى معاجم مصممة للترجمة ، لا إلى مسارد تؤخذ من الإنترنت جملةً وتفصيلاً ومن مصادر مشكوك في صحتها فتُترجم من جانب أناس تعوزهم الخبرة والمعرفة اللغوية والتقنيات الخاصة بالترجمة ومنهجيات صياغة المصطلحات. فمع انتشار شبكة الإنترنت عالمياً ودخول الترجمة العربية عالم تقنيات المعلومات ، يتزايد عدد المواقع المترجمة إلى العربية، ويصبح توثيق المصطلحات والتحقق منها والاستشهاد بصحتها بالاستناد إلى ترجمات عوراء تتوافر وتتواتر على الإنترنت، فيتكرر الخطأ مرة تلو الأخرى حتى يصبح في المتعارف عليه. وهذه ظاهرة خطيرة أخرى تضاف إلى ظاهرة المورد في الترجمة العربية الحديثة ، تبيّن الحاجة الماسة إلى تدريب المترجمين على طرائق البحث والتنقيب والتوثيق والتحقيق (وسوف نعرض لها في حديث آخر). وكم نحن بحاجة فعلية أيضاً إلى تدريب المترجمين على أسس صياغة المصطلحات والتعامل معها ومع النصوص الأجنبية على نحو يكفل صحتها ودقتها ويستوفي معايير الترجمة وشروطها — ناهيك عن ضرورة التحرر من قيود الطرائق القديمة البالية في الترجمة ، التي لا تعير انتباهاً للنواحي الوظيفية للنصوص الأصلية والغايات المختلفة منها ومن الترجمة، ولا تلتفت إلى التغيرات والتحولات التي تطرأ على لغة المصدر ، وذلك بما يكفل عدم المساس بالأعراف والاصطلاحات المتعارف عليها في اللغة الهدف.
    ------------------------------
    [1] القاعدة في تعريب الأسماء والمختصرات التي تلفظ كالأسماء ، نحو (SARS) هي اخضاعها للنظام الصوتي العربي والأوزان الصرفية العربية.
    [2] هذه ظاهرة منتشرة في وسائل الإعلام العربي إلى درجة أن كلمة هَــاون تلفظ على الطريقة الأجنبية بتسكين الواو والنون ، ظناً منهم أنها لفظ أجنبي. ولكنها عربية تـلفظ (هَــاوَنُ) و (هَـــاوُنٌُ)، وشاعت في العامية بكسر الواو.
    [3] للتعمق ، لا يجتـمع حرفا الدال والزاي في العربية على هذا النحو (أيدز)، فهو ليس من كلام العرب . لذلك عندما اقترض العرب لفظ (مهندز) وأَصله (آوْ أَنْـدازْ) من الفارسية ، قلبـوا الزاي سيناً، لفظاً وخطاً ، على عكس اللغات الأوربية ، لا سيما الإنجليزية ، حيث يبقى الحرف خطاً ويخفف لفظاً لمجاورته ما يتعارض معه ، فيما يعرف في علم اللسانيات بـ conditioned allophone أو التغيير الصوتي الـمُشـرَط، أو بالإقـلاب في علم تجويد الكلام عند العرب.
    ----------------
    جميع حقوق الطبع والتأليف محفوظة للمؤلف 2004
    * علي درويش : أستاذ الترجمة والتواصل التقني في جامعات ملبورن ـ أستراليا، ومؤلف وكاتب تقني.
                  

02-23-2013, 02:13 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    هنا مقالين قصدت أمهد بيهم للقادم . ح أحاول إدراج بعض مواقع الترجمةالمتخصصة في دراسات الترجمة للمزيد من الإطلاع.

    هنا العديد من الكتب / في حال وجدتم أي مشكلة في تحميل الكتب أرجو ترك بريدكم الإلكتروني و سأقوم بإرسال الكتب لبريدكم في صيغة PDF

    http://www.atida.org/e-library/files.php?cat=29
                  

02-23-2013, 02:41 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    التـرجمـة العـربية بين الاختــلاق والحضـارة الزائفـة: إشـكاليـة التــوطـين والمحـاكيـــات الحضــــارية - علي درويش
    مما لا شك فيه أن الترجمة عنصرٌ أساسٌ في التفاعل بين الشعوب والحضارات ونافذة على تراث الأمم ونتاجها الفكري والأدبي ومجمل نشاطها الإنساني – تنقله وتقتبسه وتنشره وتوطنه في مراحل مقتضبة مختصرة أو مسهبة ومطولة، حسبما ترتئيه تلك الشعوب المستوردة والمستقبلة من خلال تفاعلها وتجاوبها مع النصوص المنقولة إليها وفقَ احتياجاتها المعرفية والحضارية والتقنية والاقتصادية والسياسية العاجلة أو الآجلة.
    وتتخذ النصوص المترجمة أشكالاً مختلفة في عملية الترجمة، فتـُنفخ فيها روحٌ جديدةٌ تشابه الأصلَ إلى درجة كبيرة، ومن شابه أباه ما ظلم، أو تتحول فوراً إلى مِسْخٍ أو شَبَحٍ هزيلٍ ضعيف لا علاقة له بمقاصد الكلام الأصلي ولا بمحيطه الفكري والحضاري، أو بالمحيط الجديد المغروس فيه. ولعل هذا الأمر من أكثر الأمور أهمية وخطورة في الترجمة، فمعظم الترجمات التي نراها في زماننا هذا يفتقر إلى حد كبير إلى أربعة أمور رئيسة هي: الدقة، والضبط، والتحكم في المعنى، والقبول. فالغالبية العظمى من الأعمال المترجمة لا تكون على درجة من الجدة والإبداع والاحتراف، إذ أن كثيراً من المترجمين العرب، هواة ومحترفين، تعوزهم وللأسف المقدرة على فهم النصوص الأجنبية بمجمل أبعادها الدلالية والوظيفية والحضارية، ويفتقرون إلى منهجية حديثة واعية وثابتة للنقل والتعريب والترجمة. فتدخل المعرفةُ المنقولةُ إلى اللغة من باب متهرئ وتحمل معها في جملة ما تحمله تعابير مجازيةً واصطلاحيةً لا علاقة لها بالمقصود من الكلام الأصلي، وذلك لالتصاق المترجم بحرفية الكلام التصاقاً أعمى، دون النظر في الأبعاد الحضارية والثقافية لتلك التعابير. فمن التعابير الأجنبية ما يُفهم بداهة إن تُرجم حرفياً، لشمولية المجـاز الإنساني الذي تعبر عنه تلك التعابير، وكثير منها ما يخفق في تأدية المعنى المقصود، في الترجمة، لخصوصية المجـاز وطرائق التعبير لغوياً وثقافياً وحضارياً وبيئياً.
    فلو نظرنا مثــلاً إلى ترجمة التعبير الإنجليزي (carrot-and-stick policy) والتي يسارع إلى تبنيها بلا تردد، بل الدفاع عنها والمحاجة فيها، نفر من المترجمين العرب المحدثين، والهواة، وطائفة من المستعربين، والناطقين بالضاد عَرَضاً، ورجالات الفكر والسياسة والأدب وغيرهم في العالم العربي ممن يدلون بدلوهم في مهنة الترجمة اليوم، لاتضح لنا مدى جهل هؤلاء لا بتقنيات الترجمةِ وعملياتها فحسب، بل بحضارتهم وثقافتهم ولغتهم ، ناهيك عن ثقافة ولغة غيرهم، ولظهر لنا مدى قلة وعيهم لخطورة التقليد والمحاكاة التي لا تلتزم بشروط اللغة وأنماطها الفكرية والمنطقية. فالترجمة التي يرى البعض صحة استعمالها لأنها أصبحت شائعة في العالم العربي، بحكم التكرار الببغاوي، لا سيما في الإعلام وعلى صفحات الإنترنت، تأتيهم طوع الخاطر على هذا النحو: (سياسة الجَزَرَةِ والعصا). وقبل الخوض في تحليل التعبير الإنجليزي وأصوله ومعانيه وتطبيقاته لا بد لنا من السؤال البلاغي: ماذا يأكل الحـمار في بـلادي؟ أجزراً أم بطيخاً أم برسيماً إذا كان ينتمي إلى عائلة مترفـة من الحمير؟
    إن الغايةَ الأولى من الترجمة هي التواصل ونقل المعرفة بمجمل أبعادها بأمانة ودقة وصحة، إلاّ إذا كان هناك مانع يمنع ذلك فيُصار إلى إسقاط المعاني الكِفافية والثانوية والاحتفاظ بالمعاني الجوهرية والأساسية فيها. وما يُتّـبع من أساليب حرفية في نقل الكلام، لاسيما في المصطلحات والتعابير المجـازية، غالباً ما يخفق إخفاقاً ذريعاً في هذه الناحية المهمة في الترجمة. ذلك أنه يولد معاني تختلف اختلافاً كبيراً عن المعاني الأصلية ويرسم صوراً دخيلة تنفصم عن المعاني المقصودة من تلك الصور الأصلية في بيئتها الطبيعية في لغة المصدر.
    عندما ترجم العرب المحدثون مصطلح (skyscrapers) ،إبـّان الصحوة الحضارية الوجيزة في القرن الماضي، قبل أن يسارعوا إلى العودة إلى سباتهم العميق، فقد اعتادوا على الخمول والبلادة والغطيط والغياب عن ركب الحضارة، أخضعوا المصطلح لعملية توطين حضاري. فلم يترجموه حرفياً كما يجري الآن على أيدي المترجمين المتـأخرين العابثة في ترجماتٍ كثيرةٍ كالتي سبقت ، بـ (خادشات السماء) أو (خامشات السماء) بل (ناطحات السحاب). فـ (skyscrapers) في اللغة الإنجليزية تعبير مجازي يدل على مبانٍ شديدةِ الارتفاع فيخيل للناظر أنها تخدش السماء، وهي تمر مرَّ السحاب. فتوافقت الصورة المجازية، من خلال الكلمات الإنجـليزية المنتقاة للتعبير عنها، مع طبيعة البيئة الاجتماعية الأميركية والموقع الذي تحتله كلمة (sky) [1] في اللغة والحضارة الإنجليزية، فسموّا ذاك النوع الجديد من الأبنية الشاهقة بـ (skyscrapers. ولكن الترجمة العربية الحرفية الارتكاسية، أي (خادشات السماء)، لم تتوافق مع الذوق العربي والطبيعة الحضارية عند العرب، بل تعارضت كلمة (السماء) في سياق هذا المصطلح مع مضامينها القدسية في اللغة العربية. فأبدلوا المجاز الغريب بمجاز عربي مقبول، ألفاظه فصيحة لا "تخدش" الأذن، ومدلولاته لا تتعارض مع الرموز الحضارية والفكرية والقيم الخلقية والأدبية . فحـاكى المجـاز الجديد في العربية المجـاز الأصلي من حيث المفهوم بصورة لطيفة عذبة سائغة. وهكذا شاع لفظ ناطحات السحاب، وتوطن في اللغة والحضارة ورسخ في الوجدان ، رغم بداءة وسائل الإعلام العربي آنذاك، وبطء حركة الترجمة والعمل المصطلحي في مجامع اللغة العربية وغيرها.
    أما اليوم فنجد ترجماتٍ كثيرةً لا تعير هذه الناحية أي اهتمام. فالقائمون على أمور الترجمة في أغلبهم طائشون مستهترون وعابثون ، تعوزهم بلا ريب مهاراتٌ كثيرةٌ ووعيٌ كبيرٌ لتلك المحاكيات الحضارية والمستنسخات الثقافية في النصوص المترجمة. وهذا الوعي هو ما يميز المترجم المحترف الواعي والملتزم بلغته وحضارته عن المترجم المتطفل على مهنة الترجمة بحكم معرفته السطحية والضحلة لإحدى اللغتين وربما الاثنتين معاً.
    في ذروة نشاط الترجمة في عصور القوة الحضارية عند العرب كانت الترجمات الهزيلة تخضع لعملية توطين وتكييف لغوي وحضاري من منطلق القوة والثقة والجبروت الحضاري واللغوي. فكان العرب يأخذون المصطلح فيقلّبونه ويفككونه ويعيدون تركيبه بما لا يتنافى مع الذوق العربي أو يخالف قواعد اللغة ومنطقها، ودون تكلف أو تباطؤ أو عيّ لغوي أو عناء فكري. وحسبهم في ذلك قول أبي الطيب المتنبي "أنام ملءَ جفوني عن شواردها ويسهر الجمعُ جَرَّاها ويختصم". فكان المجسطي والبلغم والملغم والبرقوق وغيرها من المفردات التي أخضعها العرب لنظامهم الصوتي.
    أما اليوم ، فنحن أمة مستوردة فكرياً وحضارياً ولغوياً، لا من منطلق القوة والتقدم، بل من موقع الضعف والمسكنة والاستلاب والتنصل والتخلف والشعوبية. وما نستورده في جله استهلاكي يفتقر في معظمه إلى القيمة المعرفية والعلمية. وخلافاً لذلك، فلنتأمل لحظة واحدة كيف تعامل أهل اللغة الإنجليزية، الذين لا يفتقرون إلى الثقة اللغوية والحضارية ولا يجدون حرجاً في تطويع المقترضات لأنماطهم الفكرية وتوطينها، مع اللفظ العربي (انتفاضة)، بمعناه الاصطلاحي الجديد إشارة إلى نضال الشعب الفلسطيني. فالانتفاضة لغةً هي في الأصل الهزَّةُ والرعشة. ولكنها تعني في الاصطلاح الحديث حركة شعبية تناضل لرفع الظلم وإحقاق الحق. ففي البداية، راحت وسائل الإعلام الإنجليزية تستعمل اللفظ كما هو (intifada) ،وذلك لحداثة الخبر وجدّته وطرافة اللفظ العربي وغرابته والغموض الذي يلفّه. ثم صارت تَستعملُ اللفظ العربي وبجانبه اللفظ الإنجليزي (uprising) إيناساً لمتلقي الخبر. ثم سرعان ما أسقطت اللفظ العربي تماماً ، وراحت تستعمل اللفظ الإنجليزي بمفرده. وذلك لأمرين: الأول، فقدان الخبر أهميته عندهم، وإصابتهم بالكلل والملل من رتابة الحدث ورَذْمِـهِ[2]. والثاني، عدم توازي الجانبين حضارياً وتقنياً وقوةً. وفي المقابل، عندما سمع الأميركيون اللفظ الياباني (kamikaze) للمرة الأولى إبان الحرب العالمية الثانية، استخدموه في حينه مع مقابل إنجليزي تفسيري (suicidal air attack)، ثم سرعان ما أسقطوا اللفظ الإنجليزي وأبقوا على اللفظ الياباني فصار جزءاً من المفردات الإنجليزية اليومية. ذلك أن اليابان كانت نِـداً حضارياً وعسكرياً قوياً لهم آنذاك، على عكس الشعوب العربية التي لا يأبه لها اليوم أحد ولا يعيرها أي اهتمام أو اعتبار.
    وهذه المحاكيات الحضارية، أو الميمات (memes) كما يسميها تشسترمان (1997)[3]، تحدث إشكاليات كثيرة في نقل المعارف والعلوم من اللغات المصدرة للفكر والحضارة والمعرفة إلى اللغات المستوردة والمقلدة لمجمل النشاط الإنساني. فمن الثابت في علم التواصل أن التواصل لا يتم بين أفراد المجتمع الواحد إلاّ إذا كان بينهم ذاتية مشتركة أو ما يعرف بالإنجليـزية بـ (intersubjectivity). والذاتية المشتركة تنجم عن المعرفة التي يتشارك فيها المتواصلون أو المتخاطبون، وتنتقل بين لَبـِنِ المجتمع الواحد عبر المحاكيات الحضارية (الميمات) فتتأصل فيه فكراً ووجداناً وثقافةً ومعرفةً عامةً. وهذه المعرفة العامة تتألف من التجارب الإنسانية المشتركة بأبعادها النفسية والوجدانية والاجتماعية والحضارية، والتي تنطوي على المشاعر والعواطف والتطلعات والاستدلالات والعقائد التي يتشاطرها المتخاطبون بحيث تكوّن عندهم نظرة مشتركة إلى الوجود والحياة والمصير. فعندما استخدم الناطقون بالإنجليزية التعبير (carrot and stick) كانت بين المتخاطبين ذاتية مشتركة ، تولدت من خلال التفاعل التراكمي والزمني. وبذلك تحكمت باستجابة القارئ إلى الكاتب أو السامع إلى المتكلم عبر المتعارف عليه ضمن المجتمع الواحد. فمن المعروف عند الناطقين باللغة الإنجليزية أن الجزرة (carrot) تستعمل للترغيب والعصا (stick) للترهيب. ومنها الاصطلاح (to hold out a carrot). فإما الطاعة وجزاؤها الجزرة ، وإما المعصية وجزاؤها العصا. والعبدُ يُقرَعُ بالعَصَا[4] .
    بيد أن الرسوم المتحركة التي أنتجها والت ديزني وغيره قد شوهت الصورة الأصلية للمجاز بتصويرها حماراً يركبه شخص يحمل عصا تتدلى من طرفها جزرة ، فتشوه التعبير وصار (the carrot on the stick)، وهو بمعنى الإغراء فقط، فالحمار يرى الجزرة ويشمها فيجدّ السعي في الوصول إليها فلا يستطيع الدنو منها، ولكنه لا ينفكُّ عنها، لأنه حـمار! وهذان التعبيران يستعملان اليوم بدرجات متفاوتة في اللغة الإنجليزية ، وبمعنى واحد أحياناً لالتباس الصورتين عندهم ، لاسيما الأجيال المتقدمة التي ترعرعت على الرسوم المتحركة وباغزبني ودافي ضك وميكي ماوس.
    وفي إطار نموذج وظيفي للترجمة ، يمكننا تحديد ثلاثة مستويات من الترجمة: المستوى الأولي والمستوى الوظيفي والمستوى التأويلي، أو كما أسميها في الإنجليزية تباعاً (primary, operative and interpretive)[5] . ولا ينبغي الانتقال من مستوى إلى آخر إلا حسبما تمليه المحددات والمقيدات اللغوية والمنطقية والحضارية في اللغة المنقول إليها. وواجب المترجم ومسؤوليته الأدبية بالدرجة الأولى الانطلاق من أقرب نقطة بين لغة المصدر ولغة الهدف. ويكون ذلك في المستوى الأولي للنقل. فإن كان هناك ما يمنع ذلك لغةً أو حضارة ، وجب الانتقال إلى المستوى الوظيفي ، وإن لم تستقم الترجمة للأسباب ذاتها ، وجب الانتقال إلى المستوى التأويلي.
    وأثناء عملية الترجمة ضمن هذا الإطار ، يُضطر المترجم إلى التدخل في النص على نحو مشروع لاستيفاء المعنى أو استقامة التعبير وسلامة اللغة. وهذا التدخل (intervention) مقبول إذا تعذر إيجاد أقرب مقابل طبيعي للنص الأصلي. ولكن يخطئ المترجم عندما يتعرّض للنص الأصلي فيشوه معناه والمراد منه لغاية في نفسه أو عن سهو أو عدم دراية بمتطلبات الترجمة. وهذا التعرض (interference) غير مقبول في جميع الحالات إذ انه يخل بالأمانة العلمية وبنزاهة المحتوى البياني والقيمة التواصلية للنص الأصلي. فيخرجه عن الترجمة إلى الاقتباس والتأويل. وفي هذه الحالة ينتفي مبدأ المقابلة والمطابقة وتدخل الترجمة حيز التقريب والاستنساب غير المقبول.
    والتعرض نوعان: تعرض عفوي غير مقصود وتعرض مقصود. ويشمل التعرض العفوي مشكلات الفهم ، والاستيعاب والنقل ، والمجاز والاستدلال المغ########ن. أما التعرض المقصود فما هو في الواقع إلا تغرّض وتحيز. ويمكن تصنيفه في فئتين: تعرض شخصي، وتعرض عام. ويكون التعرض الشخصي لغاية في نفس المترجم تنبع من فكر معين أو نهج خاص أو عقيدة أو افتقار إلى الأمانة العلمية والمهنية. وواجب المترجم بالدرجة الأولى أن يكون محايداً تماماً، فهو همزة وصل بين لغتين ينقل الكلام دون تشويه معانيه أو إقحام فِكَرٍ ومعلوماتٍ ليست موجودة في النص الأصلي بقصد أو غير قصد.
    أما التعرض العام فيشمل السياسات التي تفرضها الهيئات المسؤولة لغاية أو هدف لا علاقة له بالترجمة، وإنما امتطى الترجمة لخدمة أغراض معينة كحماية المجتمع من فِكَرٍ دخيلةٍ عليه أو صَوْنِهِ من التأثيرات الخارجية. والتعرض العام هو بمثابة الرقابة والمِرْشَح البياني والحضاري (cultural filter). فيقوم المترجم أو من يشرف عليه بتعديل الترجمة أو حذف مفاهيم لا تتناسب مع تقاليد المجتمع وقيمه نحو (single parent) وغيرها. ورغم حساسية هذا الموضوع ووظيفته في المجتمع، فإنّ التعرض للنص بهذا الشكل يخل بأحد مبادئ الترجمة وهو الأمانة العلمية. تأمل الترجمة الآتية لعنوان كتاب باللغة الإنجليزية:
    فضل الإسلام على الحضارة الغربية[6]
    The Influence of Islam on Medieval Europe
    نجد هنا كيف تعرض المترجم العربي للنص الأصلي باستخدامه كلمة (فضل) وما تحمله من استعلاء ومنـّة ، ترجمةً لـ (influence) بدلاً من (تأثير) أو (أثر)، وكيف ترجم (Medieval Europe) إلى (الحضارة الغربية) ، فعَمَّ الفضل الحضارة الغربية كلها بينما اختص النص الأصلي حِقبةً تاريخية معينة من تاريخ أوربا ، وهو العصور الوسطى. وهذا التصرف ، سواء أقبلنا بما توحي به الترجمة أو لم نقبل، هو تعرض صارخ غير مشروع في الترجمة لأنه شوه مقاصد الكلام الأصلي. ولعل المترجم أدرك تلك الناحية فتدارك الأمر ووصف ترجمته للكتاب بأنها نقل إلى العربية.
    والتعرض المقصود أو غير المقصود يؤدي إلى إحداث حضارة زائفة عبر المحاكيات الحضارية والمعرفية المغلوطة. تأمل المقطع الآتي :
    عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قَدِمَ ناسٌ من الأَعرَابِ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، فقالوا: أَتُقَبِّلونَ صِبْيَانَكُم؟ فقال : "نعم". قالوا: لَكِنَّا واللهِ لا نُقبّل! فقال رسولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم: "أَوَ أملِكُ إنْ كانَ اللهُ نَزَعَ مِنْ قُلُوبِكُم الرَّحْمَةَ ! " (متفق عليه)[7] .

    Hazrat Ayeshah (R.A.A.) relates that some Arabs from the villages came to the Holy Prophet (S.A.W.) and asked him as to whether he kisses his children. He (S.A.W.) answered: “Yes”. They said: “But we never kiss them. “He said: How can I be held responsible if Allah has deprived you of love and affection?”

    بالإضافة إلى الخلل اللغوي في الإنجليزية والانتقال بلا مبرر من الكلام المباشر إلى الكلام غير المباشر، نلاحظ التصوير الكاريكاتوري الذي صبغ النص الأصلي بصبغة غريبة عنه في الترجمة. فمن الأمور التي أخطأ المترجم الباكستاني فيها ترجمة (الأعراب) بـ (some Arabs from the villages). بدلاً من (pasture dwellers)[8] ، أو ما شابه ذلك ، وكذلك ترجمته لـ (صبيانكم) بـ (your children)، و (أَتُقَبِّـلونَ صِبْـيَانَكُم) بـ (he kisses his children) ، وتوسيع (الرحمة) إلى (love and affection)، و كذلك ترجمته لـ (نَزَعَ من قلوبكم الرَّحمة) بـ (deprived you of love and affection). فشوّه مجمل المعاني بل أضاع الفكرة الرئيسة التي تضمنها النص الأصلي ، ألا وهي تقبيل الأبناء عند المسلمين. وبهذا اكتسبت الترجمة من خلال استخدام المحاكيات المغلوطة شخصيةً حضاريةً ومعرفيةً جديدةً لا علاقة لها بالنص الأصلي، فبقيت دخيلة وزائفة في اللغة المنقول إليها، لا يستطيع قارئها التفاعل معها على وجه صحيح لغياب الذاتية المشتركة ووجود المحاكيات الحضارية الزائفة.
    وخلاصة القول إن المترجم يُسقط أحياناً خصائص حضارية ومعاني ضمنية ، إما لعدم درايته بها أو لصعوبة نقلها إلى لغة الهدف أو لعدم استساغتها في الترجمة لما قد تحمله من دلالات ومضامين لم تكن موجودة في الأصل. وأحياناً كثيرة يُدخل معاني وصوراً مختـلقـةً وزائفةً، عن قصد أو غير قصد. فلو عدنا إلى التعبـير (carrot and stick) وترجمته إلى العربية لوجدنا أن لفظ (الجزرة) له مضامين في العربية تختلف عن مضامينه في الإنجليزية ، فالعرب لا يلوحون بالجـزرة إغـراءً ولا ترغيباً، لا للحـمار ولا للإنسان. رغم أنَّ لهم فيها مآرب أخرى. وطوبى لحـمارٍ كان الجـزر مأكله وبلاد العُرْبِ مرتعه، فحظه أسعد من حظ الإنسان فيها !
    ________________________________________
    [1] تحفل اللغة الإنجليزية بتعابير اصطلاحية منها (the sky is the limit) و (a pie in the sky) و (sky-high) . وعلى غرار ذلك ، تزخر اللغة العربية بتعابير اصطلاحية مشابهة يحتل السحابُ فيها موقعاً رئيساً ، منها: (سحابة يوم) و (ولا يُضر السحابَ نبحُ الكلاب) و (سحابة صيف). كما يحتل السحاب حيزاً مهماً في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وجاء ذكرها تسع مرات وفي ثماني سور. أما (السماء) فقد جاء ذكرها أكثر من مرة ، بلفظيها المفرد والجمع ، (السماء) و (السموات)، معظمها بمدلولات ومجازات قدسية . وذُكِـرَ الغمام أربع مرات في ثلاث صور. مما يثبت لنا أن العرب المحدثون تجنوا هذا اللفظ في ترجمة (skyscrapers) عن وعي لأبعاده الحضارية.
    [2] يجري استعمال (الرِّتـم) في العربية المعاصرة مقابل (rhythm) تأثراً باللفظ الفرنسي. والصحيح هو (الرَّذْم) من رَذَمَ يَرْذُمُ رَذْماً ورَذَمَاناً ، أي امتلأ حتى سال ما فيه على جوانبه. فأصل كلمة (rhythm) في الفرنسية الوسطى (rhythme) ، مأخوذة من اللاتينية (rhythmus) ومن الإغريقية (rhythmos) ، المشتقة من الفعل (rhein) بمعنى (الدفق) أو (السيلان). ولا يخفى على عاقل الاشتراك اللفظي والمعنوي بين المفردتين العربية والإنجليزية.
    [3] محــاكيات التـرجمـة ، انتشارُ الفِـكَرِ في نظرية الترجمة. تأليف أندرو تشسترمان (Chesterman, A (1997). Memes of Translation: The Spread of Ideas in Translation Theory. John Benjamins: Amsterdam. )
    [4] ما تزال العصا تشكل رمزاً للقوة والسلطة والحماية منذ فجر التاريخ. فقد كانت العصا القصيرة في المجتمعات البدائية رمزاً للنشاط والإنسان والقوة. وكانت العصا عند الفراعنة رمزاً للقسط والعدل بين الناس إلى جانب السوط. وتحولت في المجتمعات الدينية إلى رمز للسلطة الروحية والقوة الغامضة. وفي المجتمعات العربية، اكتسبت العصا إلى جانب ذلك سلطة تأديبية، فالعصا لمن عصى ، والعبد يقرع بالعصا ، وعبيدُ العصا ، وعصا ال######## أطول، وشق عصا الطاعة ، وإِنَّ العصا قُرِعَتْ لذي الحلم ، وقَشَرَ له العصا، وغيرها. ولم تقترن الجـزرة بالمكافأة ، ولم تكتسب صوراً مجـازية في السياق العام للغة العربية.
    [5] أنظر كتاب دليــــل المتـــرجم ، تأليف علي محمد الدرويش ، شركة رايتسكوب ، ملبورن ، .
    [6] دار الشروق ، تأليف مونتجومري وات ، نقله إلى العربية حسين أحمـد أمـين. .
    [7] رياض الصالحين ، ترجمة مدني عباس. الناشرون الإسلاميون الدوليون. كراتشي ، باكستان. ص .
    [8] مثل (nomads) أو (Bedouins). الأعراب هم سكان البادية ممّن يتتبعون مساقطَ الغيث ومنابتَ الكلأ ، إذ جُـلّ معيشتهم من الرعي. والبادية هي بقعة واسعة من الأرض فيها ماء وكلأ، وليست الصحراء كما تذكرها المعاجم الثنائية التي تنسخ بعضها بعضاً فتكرر الخطأ تلو الخطأ.
    -----------------
    * علي درويش: أستاذ الترجمة والتواصل التقني في جامعات ملبورن ـ أستراليا، ومؤلف وكاتب تقني.
                  

02-26-2013, 08:49 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    مسيرة الحضارة العربية الإسلامية من الاقتباس إلى الأصالة والإبداع والعالمية - أ. د. أحمد إياد الشطي / أ. د. برهان العابد
    مرت الحضارة العربية الإسلامية بمراحل ثلاث قبل أن تنضج وتبدع وتسهم في بناء حضارة الإنسان أولها مرحلة الترجمة والاقتباس والتمثل التي دامت طوال العصر العباسي الأول وتلتها مرحلة الإبداع والخلق (1) أما المرحلة الثالثة فكانت حقبة العالمية حين أخذ الغرب ينقل إلى لغاته العلوم التي حصلها العرب والتي أبدعوها .
    ففي العصر الأموي بدأت حركة ترجمة فردية محددة على يد الأمير خالد بن يزيد الذي دعا بعض علماء مدرسة الإسكندرية إلى دمشق لكي ينقلوا له بعض كتب الإغريق في الطب والفلك والكيمياء ويقول ابن خلكان: كان خالد عالما بالطب والكيمياء وكتب في هذين العلمين وتعلم الصنعة من الراهب اليوناني (مريانوس) . ويؤكد صاحب الفهرست بأن هذه الترجمات هي الأولى من أية لغة منذ ظهور الإسلام (2).
    ثم أمر الخليفة عمر بن العزيز بترجمة كتاب طبي من السريانية هو كناش (أهارون) لضرورات عملية بحتة. وبعد نصف قرن استؤنف هذا العمل على نطاق أوسع وأعم جعل من القرن التاسع عصرا فريدا من نوعه في تاريخ الإنسانية.
    ففي نهاية القرن الثامن الميلادي لم يكن بحوزة العرب من الثروة العلمية إلا ترجمة لموسوعة طبية وكتب فلكية ولكن لم ينته القرن التاسع إلا وقد تمثلوا كل علوم اليونان وأصبح لديهم علماء من الطراز الأول. فقد تعرفوا على مدرسة جنديسابور التي لعبت الدور الرئيسي في الحركة العلمية التي كانت بغداد مسرحها كما زودتها بخميرة حركت العالم الإسلامي برمته (3).
    كان مرض المنصور واستدعاء الأطباء من جنديسابور على رأسهم جرجس بن جبرائيل الشرارة التي إضاءات مشعل عصر نقل العلوم اليونانية والهندية والفارسية والسريانية والقبطية إلى اللغة العربية. فقد أمر المنصور طبية بترجمة بعض الكتب الإغريقية في الطب والفلك والتنجيم ثم مشى حفيده الخليفة هارون الرشيد على خطاه فوسع العمل وأكثر من التراجمة وجلب الكتب الإغريقية إلى بغداد شراء واستنساخا وغنائم حرب وفدية أسرى شملت كتبا في الطب والهندسة والرياضيات والفلك والتنجيم.
    ففي هذا العهد كان من أشهر التراجمة ابن المقفع الذي يقترن اسمه بترجمة كتاب كليلة ودمنة. ويذكر ابن النديم بأن الفرس ترجموا إلى لغتهم في غابر الزمان كتبا بالمنطق والطب نقلها ابن المقفع إلى العربية. ويؤكد ذلك وجود عدد كبير من الكلمات الطبية الفارسية التي بقيت مستعملة في الكتب العربية إما كما هي أو بعد تعديل بسيط. كما ترجم محمد بن إبراهيم الفرازي كتاب السند هند في الفلك وقد اختصره فيما بعد الخوزامي ويذكر ابن القفطي أن العرب نقلوا عن الهند كتبا في الموسيقا والحساب (4) هذا وترجمت من اليونانية والسريانية كتب أرسطو في المنطق وكتاب المجسطي في الفلك. ومن أبرز المترجمين في هذه الفترة يوحنا بن البطريق وقسطا بن لوقا ويوحنا ابن ماسويه وقد ألف هؤلاء النقلة كتبا كثيرة في الطب والفلك والفلسفة والرياضيات إضافة إلى ما ترجموه وشرحوه. وبدأ الناس بالإفادة من الكتب المترجمة وتداولوها، على رأسهم المعتزلة، إذ اتصلت بالكتب الجديدة وتعرفت على أرسطو وتأثرت أبحاثهم بالمنطق (5) وبدا هذا التأثير جليا في جميع الكتب التي ظهرت في ذلك العهد والمثل على ذلك كتاب سيبويه الذي كان ترتيبه وتبويبه منطقيا . وفي عيون الأنباء في طبقات الأطباء مسرد لأسماء النقلة يتضمن خمسين منهم إضافة إلى من نقلت له كتب وترجمت باسمه من أكابر الأطباء كيوحنا بن ماسويه وجبرائيل بن بختيشوع بن جبرائيل وداوود بن سيرابيون (6).
    وفي زمن الخليفة المأمون كان أشهر التراجمة على الإطلاق حنين بن إسحق الذي يعد مدرسة كاملة إذ كان يشرف في بيت الحكمة على عدد كبير من المترجمين والنساخ ويصلح أخطاءهم ويزودهم بالكتب النادرة التي يجمعها بنفسه ويسعى للحصول عليها ويذكر أنه رحل في نواحي العراق وسافر إلى الشام والإسكندرية وبلاد الروم يجمع الكتب النادرة (7).
    لم يكتف حنين بن إسحق بالترجمة بل قام بتأليف كتب في الطب والمنطق والطبيعة وفلسفة أفلاطون وأرسطو (8) ووضع الشروح لما ترجم ولخص المطولات وصحح تراجم السابقين. ويقول مانفرد أولمان (Manfred Ullmann) إنه أسهم في تطوير اللغة العربية وجعلها لغة علوم فهو لم يغن المصطلحات العلمية بإعطاء أشكال جديدة للكلمات أو باستعمال كلمات أجنبية فحسب ولكنه أدخل طريقة التحليل - التركيب التي جعلت من العربية أداة قادرة على التعبير عن أفكار مجردة معقدة وأن هذا الإنجاز عمل فلسفي من الطراز الأول يستحق كل تقدير لأنه لم يلق أية مساعدة من معجميين محترفين فقد كانوا في ذلك الزمن مهتمين بالشعر البدوي وبتفسير القرآن (9). ومن حسن الحظ أن هذه الحركة الجليلة التي قام بها طوال حياته ظلت تسير وتعمل بعد مماته على يد ولديه وتلاميذه (10).
    إن أكثر ما ترجمه حنين كان من الكتب الطبية وخاصة كتب جالينوس الستة عشر )كان بعضها من نقل حبيش) كما نقل إلى اللغة العربية سبعة وخمسين كتابا اشترك في نقلها تسعة مترجمين يذكر أسماءهم ابن النديم (11) إضافة إلى تصحيح سبعين كتابا ترجمها تلاميذه إلى العربية، وفي عيون الأنباء ثبت الكتب التي ترجمها وألفها وصلحها وشرحها في مختلف العلوم ملأت صفحات كثيرة ونلحظ من خلال مراجعة التاريخ بأن حركة الترجمة التي دامت قرنين من الزمن ابتدأها الحكام لكنها تنامت وأصبحت حركة شعبية عامة دخلت في صميم حياة وتبناها وغذاها مئات منهم جلهم من الميسورين والأطباء والتجار والوراقين. ويقول جرجي زيدان في هذا الصدد: واقتدى بالمأمون كثيرون من أهل دولته وجماعة من أهل الوجاهة والثروة في بغداد فتقاطر إليها المترجمون من أنحاء الجزيزة و العراق والشام وفارس وفيهم النساطرة واليعاقبة والصابئة والمجوس والروم والبراهمة يترجمون من اليونانية والفارسية والسريانية والسنسكريتية و النبطية واللاتينية وغيرها. وكثر في بغداد الوراقون وباعة الكتب وتعددت مجالس الأدب والمناظرة وأصبح هم الناس البحث والمطالعة وظلت تلك النهضة مستمرة بعد المأمون (13).
    ويذكر ابن أبي أصيبعة أسماء أحد عشر من الذين غذوا حركة الترجمة بمالهم وجهدهم ويقول بأن محمد بن عبد الملك الزيات كان يقارب عطاؤه للنقلة والنساخ في كل شهر ألفي دينار ونقلت باسمه كتب كثيرة (14).
    لقد انتشرت الكتب التي ترجمت بين الناس فتداولوها ونسخوها وقرءوها وأنشأت الدولة دورا للكتب في كل مكان. ففي عام 891م أحصى مسافر عدد دور الكتب في بغداد فكانت أكثر من مائة (15) . وكان في سوق الكتب عند بوابة البصرة ببغداد أكثر من مائة متجر لبيع الكتب (16) .
    فمن هذا الوسط التجاري برز علماء ألفوا الكتب وصنفوها، على رأسهم محمد بن إسحق بن النديم البغدادي صاحب الفهرست، الكتاب الذي يحوي أسماء جميع الكتب والترجمات التي ظهرت خلال القرون الهجرية الأربعة الأولى.
    لقد شجع الخلفاء المسلمون هذه الحركة العلمية الشاملة بدافع من حبهم الشخصي للعلم وشعورهم بالمسئولية تجاه الدين الذي يحث على طلب العلم ويرفع من منزلة العلماء. ويقول الدكتور فؤاد سيزكين في هذا المعني: لا بد من فهم موقف الدين الإسلامي من العلم، وموقفة هذا كان المحرك الكبير لا للحياة الدينية فحسب بل للحياة الإنسانية من جميع جوانبها وموقف الإسلام هذا هو الدافع الأكبر في السعي ووراء العلوم وفتح الأبواب للوصول إلى المعارف الإنسانية ولولاه لا نحصرت الترجمة في الأشياء الضرورية للحياة العملية وحدها (17)، ولعل أكبر دليل على أن رغبة المسلمين في العلم لم تنبع من حاجاتهم المادية هو انكبابهم على تحصيل العلوم النظرية البحتة منذ بزوغ شمس هذه الحركة في عهد المنصور فقد ذكر حاجي خليفة أن المنصور أرسل سفراء إلى القسطنطينية جلبوا منها كتب إقليدس وكتبا بالفيزياء ترجموها وقرءوها بسرعة فائقة (18).
    كما أن العناية بالفلسفة بدأت في وقت مبكر فقد طرق بابها أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكندي منذ أوائل القرن التاسع وإليه يعود الفضل في نشر التفكير الحر المبني على فلسفة أرسطو.
    إن تمثل الناس السريع لهذه الثقافة الجديدة على الإسلام أدت إلى ظهور تيار فكري اجتماعي جديد والتعرف على الأفكار الخارجة عن نطاق التفكير الديني جرف فيمن جرف الخليفة المأمون الذي كان لدعمه هذا المنحى الجديد تأثير في حدوث اضطرابات ومع ذلك وبالرغم من معارضة المحافظين فقد عاشت فلسفة أرسطو وترعرعت بين المفكرين والكتاب العرب وعلى رأسهم الفارابي الذي كرس الكثير من أعماله لكتب أرسطو كشرح كتاب البرهان وشرح كتاب الخطابة وشرح المقالة الثانية والثامنة من كتاب الجدل والمغالطة والقياس وغيرها من الموضوعات المتنوعة التي ملأت صفحتين كبيرتين من كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء (19) . كما سار ابن سينا على خطاه فحاول التوفيق بين الدين والمذاهب الفلسفية وبذلك وضع حجر الأساس للبناء الذي شاده ابن رشد بعد قرن من الزمن. ولقد بدا تأثيره واضحا على كثير من المراكز العلمية الأوربية وخصوصا الحركة المدرسية (السكو لاستيك) الممثلة بألبير الكبير ولعل من أكبر المفكرين العرب الذين أثروا في توجيه الفكر الأوروبي أبو حامد الغزالي الذي ساقتة مغامراته في فلسفة أرسطو وتفكيره العقلاني إلى النزوع إلى الشك والالتجاء إلى التأمل الروحي والعزلة والتصوف وقد ترجمت دراساته المتعلقة بالمنطق والفيزياء وما بعد الطبيعة إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر في طليطلة (20).
    لقد وصلت الفسلة العربية الإسلامية إلى قمة تطورها في أسبانيا على يد ابن رشد الذي بدت فلسفته متناقضة فيما يتعلق بتأثيرها على الشرق والغرب. فبينما دخلت إلى أعماق الفكر الأوروبي في القرون الوسطى وبقيت مسيطرة حتى قيام العلم التجريبي لم تحظ بنفس المنزلة والقبول في العالم الإسلامي (21) وأكثر من ذلك فقد تعرض ابن رشد للنقد اللاذع وإلى الاتهام بالزندقة والإلحاد من قبل الفقهاءالمسلمين الذين أو غروا عليه صدر المنصور أمير الموحدين فنفاه إلى مراكش وأحرق بعض كتبه ثم رضي عنه وأذن له بالعودة إلى وطنه (22) ومع ذلك فقد اعتبره أتباع الفلسفة الإنسانية (هومانيست) في الغرب أكبر معلق وشارح لأرسطو في التاريخ واعتبرت أعماله في علم النفس والمنطق والإلهيات والفقه كأرفع إسهام في ثقافة القرون الوسطى (23). إن تأثير ابن رشد على آراء القديس توما الإكويني واضح المعالم بالرغم من نقد هذا الكاهن له والتقليل من شأنه فقد ألف القديس توما كتبه بعد أن شاعت بين الرهبان دروس الفلاسفة الأندلسيين وفلاسفة المشرق من المسلمين ولم يكن في كل ما كتب في الله والروح ووسائل الوصول إلى الحقيقة رأي واحد لم يتناوله قبله ابن سينا والغزالي وابن رشد على الخصوص )24 ) . فقد تأثر بأفكاره التي تؤمن باستعمال المذاهب الفلسفية كأدوات لدعم الدين وهي الفكرة التي سيطرت على عقل هذا القديس وأتته مباشرة عن طريق أستاذه ألبير الكبير وترجمات ميشيل سكوت التي قام بها في طليطلة قبل سنوات من مولد القديس توما (25) وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من محاربة الكنيسة لتفاسير ابن رشد فقد أوصى أساتذة جامعة باريس طلابهم علنا بدراستها (26) .
    ومن أوائل العلوم التي طرق العرب بابها وأبدعوا فيها الكيمياء وهي بلا شك وليدة مدرسة الإسكندرية وقد وجدت بدمشق أرضا خصبة فقد تعهدها رجلان ينتميان إلى أشرف البيوت خالد بن يزيد والإمام جعفر الصادق الذي أنجب تلميذا ارتبط اسمه مع الكيمياء أبد الدهر وهو جابر بن حيان الذي يعتبر بحق أول رائد لهذا العلم يشهد بذلك أبوبكر الرازي الذي كان يقول: قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان (27) وهو أول من بشر بالمنهج التجريبي إذ أن التجربة تصدرت منهجه العلمي فقد أورد في كتاب الخواص الكبير "والله قد عملته بيدي وبعقلي من قبل وبحثت عنه حتى صح وامتحنته فما كذب" هذا وقد عرف جابر كثيرا من العمليات الكيمياوية ووصفها وصفا دقيقا كالتبخير والتقطير والتكليس والصهر والتبلور والتصعيد ويعود الفضل له في تحضير كثير من المواد الكيمياوية والحموض كما ينسب إليه تحضير مركبات كيمياوية ككربونات الصوديوم والكالسيوم والصودا الكاوية (28).
    لقد اعتبر جابر بن حيان أحد كبار علماء القرون الوسطى الذين مهدوا بأعمالهم الطريق أمام ظهور العلوم الحديثة واعتبرت منزلته من تاريخ الكيمياء كمنزلة أبقراط من تاريخ الطب (29) وأن إدخال التجربة في دراسة الكيمياء على يد جابر بن حيان كانت أبرز إبداع حققه العرب في فجر نهضتهم العلمية فقد أضفوا على هذا العلم أصالة البحث العلمي وخلصوا دراساته من السرية والغموض والرمزية التي أحاطت به عند أسلافهم من علماء الإسكندرية بوجه خاص واصطنعوا له منهجا استقرائيا سليما يعتمد على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية (30).
    ومن العلوم التي شغل فيها العرب مركز الريادة علم الحساب إذ أن ترجمة كتب كبار العلماء اليونان كإقيلدس وبطليموس وهيرون وغيرهم أثار في نفوس العرب الرغبة في استكشاف مجاهل العلوم الدقيقة، ففي نهاية القرن العاشر أصبح العرب على علم تام بحساب براهماكوبتا الهندي وبالجبر واستعملوا الصفر والنظام العشري الذي أحدث ثورة في عالم الرياضيات ولا أدل على أصالة جهدهم وسبقهم الأمم الأخرى في هذا الميدان من أن كلمات الجبر والكيمياء واللوغاريتم والصفر كلها ذات أصول عربية صريحة. فقد وضع العرب أسس الهندسة التحليلية والمثلثات المسطحة والكروية التي لم تكن معروفة من قبل الرياضيين الإغريق (31) . إذ نشر الخوارزمي منذ عام 825م أعماله الهامة المتعلقة بالجبر وسماها "كتاب حساب الجبر والمقابلة" وأهداه إلى الخليفة المأمون وأشار في مقدمته إلى أنه يسهل حساب الميراث والوصايا والقسمة والمحاسبة التجارية ومسح الأراضي ومخططات حفر الترع وغيرها من الأعمال الهندسية (32) هذا وإن رسالته المشهورة في الحساب والتي تقوم على التدوين العشري وعلى نظام عددي جديد نقله جيرار دوكريمون إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر وكان له أكبر تأثير على الرياضيات في أوربا. وبوساطة هذه الرسالة دخلت الأرقام العربية والصفر والكسور العشرية الحساب الغربي. كما نفحت جدواله الرياضية من قبل المجريطي وترجمت إلى اللاتينية بيد أديللار دوبات عام 1126م (33) . وليس بوسعنا أن نأتي على ذكر جميع الأعلام الذين ساهموا في تطوير العلوم الرياضية في بحث محدود الأغراض كبحثنا فهنالك علماء كثيرون أدلوا بدلوهم في هذا المجال يجدر بمن يريد الإحاطة بالموضوع أن يستعرض أعمالهم كالبيروني والبتاني والبوزجاني وغيرهم .
    أما في الفيزياء فلم يكتف العرب بإعادة النظر بنظريات الإغريق وتوضيحها بل إنهم أضافوا إليها الكثير من مكتشافتهم فابن الهيثم المولود في البصرة عام 965م كان بلا شك أكبر فيزيائي عربي فقد عارض في كتابه "البصريات" إقليدس وبطليموس في تصورهما الخاطئ بأن الشعاع البصري يخرج من داخل العين إلى الأشياء الخارجية وبذلك قلب النظرية اليونانية بالنسبة لوظيفة "الحجرة المظلمة" كما درس انكسار الضوء وفي علم الحيل " الميكانيك " عرف مبدأ العطالة التي صاغها فيما بعد إسحاق نيوتن في قانونه المتعلق بالحركة. لقد أصبح كتاب المناظير لابن الهيثم أساس جميع البصريات في القرون الوسطى خصوصا أعمال روجيه بيكون في القرن الثالث عشر. أما في عصر النهضة فقد تأثر به ليوناردو دافنتشي ويوهان كيبلر (35).
    لقد وجد العرب لدى الهنود ثروة ضخمة من المعارف الفلكية في كتاب السند هند سرعان ما أمر الخليفة المنصور بنقلة إلى اللغة العربية فقام بذلك محمد بن إبراهيم الفزاري الذي جمع أيضا الجداول الفلكية الساسانية "الزيج" وكان أول عربي يبني إسطرلابا على الطريقة اليونانية.
    ونظرا لافتقار العرب لتفهم مبادئ العلوم الرياضية وهي وثيقة الصلة بعلم الفلك فقد أمر الخليفة هارون الرشيد في وقت لاحق بترجمة المجسطي لبطليموس الكتاب الذي يضم المبادئ الأساسية للمعلومات الفلكية كما قام محمد بن موسى الخوارزمي في زمن الخليفة المأمون باختصار كتاب السند هند وعمل منه زيجا اشتهر في كافة البلاد الإسلامية. كما بنى الخليفة مراصد فلكية في كل من دمشق وبغداد كانت بداية انتشار بناء المراصد وتقدم العلوم الفلكية إذا قام الفاطميون بإنشاء مراصد في مصر أشهرها مرصد المقطم. كما أنشأ نصر الدين الطوسي مرصد مراغة في آذربيجان الذي أصبح معهدا للبحوث الفلكية وزوده بآلات رصد متقدمة ونقل إلى مكتبته 400 ألف مخطوط (36) من الكتب التي أنقذت من مكتبات بغداد وسورية في زمن هولاكو . هذا وقد قامت مراصد أخرى في الأندلس والشام وإيران وسمرقند اشتهر من علمائها الطوسي والفرغاني والبتاني وابن يونس والبوزجاني والمجريطي و البيروني وغيرهم.
    ومن بين العلوم التي برز فيها العلماء العرب وأنتجوا وأفاضوا على غيرهم مما أبدعوا من معارف علم الجغرافيا فقد ظهر من بينهم منذ بداية القرن التاسع رحالة وجغرافيون طافوا العالم المعروف في زمانهم كالخوارزمي وسليمان تاجر صيراف اللذين بلغا الهند والصين ولحق بهما ابن جبير في القرن الثاني عشر وابن بطوطة في القرن الرابع عشر. وبين الخوارزمي وابن بطوطة ظهرت أعداد من الرحالة والجغرافيين والخرائطيين ومؤلفي المعاجم الجغرافية جمعت أعمالهم في موسوعة من ثمانية مجلدات تحت اسم المكتبة الجغرافية العربية قام بهذا العمل الجليل M.J. GOEJE في ليدن بهولندا في عام 1870 (37).
    هذا وتعد أعمال الشريف الإدريسي المولود في سبتة بالمغرب الأقصى أهم ما أنتجه العرب في حقل الجغرافيا لأنها بقيت حتى عصر النهضة، المراجع التي اعتمد عليها الأوربيون في إغناء معلوماتهم الجغرافية.
    وبعد زمن الإدريسي بقليل قام الرحالة ابن جبير برحلته إلى مشرق العالم العربي دون خلالها الكثير من المعلومات التي تعتبر وثائق من الدرجة الأولى لأنه حسن الملاحظة وصريح العبارة (38).
    كما ظهرت في القرن الثالث عشرة معاجم جغرافية جمع فيها ياقوت والقزويني كثيرا من المعلومات الجغرافية رتبوها على الحروف الهجائية.
    لقد ساهمت المنجزات العربية في دفع حركة التجارة بين آسيا وأوربا وبما نجم عن ذلك من تقدم في التجارة الدولية وبالعلاقات بين مختلف الأمم غيرت مجرى التاريخ.
    ففي الوقت الذي كان فيه الخلفاء المسلمون يسعون لإحياء علوم اليونان ويحرضون الناس على قراءة كتبها (39) كانت الكنيسة في الغرب تبذل جهودا جبارة للقضاء على العلوم والدراسات واللغة اليونانية في بلاد الغال وبريطانية لأنها تمثل حضارة الكفار غير المسيحيين فقد قال الأب هيرونيموس إن الفكر اليوناني لعنة على البشر (40). لذلك كانت الترجمة العربية لهذا الإرث عملية إنقاذ لكنوز حضارة مهددة بالفناء لأن العالم المسيحي مهد تلك الثقافة اضمحل قسمه الغربي تحت وطأة ضربات البرابرة الذين نهبوا وأحرقوا روما ثلاث مرات بحيث لم يبق بين الخرائب التي خلفها الغزو إلا بعض الرهبان الذين أخذوا يفتشون بين الأنقاض عن بقايا العلوم والمعارف التي بقيت من حضارة ألف عام. وبالرغم من أن هؤلاء الرهبان أنقذوا ما يمكن إنقاذه إلا أن آفاقهم الفكرية كانت محدودة لأن همهم كان محصورا بالآخرة (41) أما بيزنطة وهي وريثة العالم الروماني اليوناني الذي نجا مما أصاب قسمه الغربي من خراب ونهب ودمار فقد تقوقع أباطرتها حول أنفسهم وراء سبعة كيلومترات من الأسوار التي أحاط بها تيودوس عاصمة ملكهم وكأن الأمر لا يعنيهم (42) في هذه الظروف ظهر العالم الإسلامي كقوة متماسكة منسجمة ملأت الفراغ الذي خلفه انقسام العالم المسيحي إلى عالمين غربي وشرقي هدمت العداوة بينهما كل ما خلفته روما وأثينا من صروح حضارية . مما خلق تربة صالحة لنمو التعصب وانتشار الجهل في المجتمعات الغربية التي كانت منذ قرون ترزح تحت كابوسين يقفان في طريق تقدمها. أولهما التعصب الديني وثانيهما انتشار الجهل الذي سماه المؤرخون Penuria Latinitatis القحط اللاتيني وقد التفتت الكنيسة وهي المسئولة عن الدين والدنيا في عالم القرون الوسطى فلم تجدحلولا لهاتين العقدتين إلا لدى العرب فقد وجدت متنفسا للتعصب الديني في شن الحروب الصليبية على عرب المشرق وفتشت عن مناهل المعرفة فوجدتها لدى عرب المغرب في أسبانيا وصقلية وقد سارت هاتان الحركتان العظيمتان بشكل متواز في طرفي العالم الإسلامي (43). وفي وقت واحد تقريبا فبينما كان غودفرو اديوبون وريمون دوسان جيل والإمبراطور كونراد وريشاركور دوليون ولويس التاسع يحرقون المدن ويدمرون الحصون ويقتلون الآمنين في أنطاكية ومعرة النعمان والقدس وحول أسوار دمشق وحلب ودمياط كان أديلار دوبات وجان دوسيفيل وميشيل سكوت وجيرار دوكريمون وغيرهم يصلون الليل بالنهار في مكتبات طليطلة يترجمون كنوز الكتب العربية في مختلف العلوم وينقلونها إلى اللغة اللاتينية التي أصبحت لغة العلم في العالم الغربي . منذ القرن العاشر اجتذب التفوق الفكري لدى عرب الأندلس الكاهن جيربير دواوريلاك فنقل نماذج من علومهم أكسبته من الاحترام والتقدير ما أوصله إلى كرسي البابوية وجاء القرن الحادي عشر بقسطنطين الأفريقي الذي نقل للعالم المسيحي كتاب كامل الصناعة الطبية لعلي بن عباس وزاد المسافر لابن الجزار وشرح لأقوال جالينوس المأثورة وغيرها.
    وبالرغم من كل ما ألصق بقسطنطين من اتهامات تتعلق بانتحاله لبعض الكتب العربية التي ترجمها إلى اللاتينية وبالرغم من ترجماته التي تنقصها الدقة فإن العالم الغربي مدين له بفتح أبواب كنوز المشرق وتوجيه الأنظار إليها. فقد مضت ثلاثة قرون على العمل الرائع الذي تناول ترجمة العلوم الإغريقية بالدرجة الأولى والهندية والفارسية والسريانية بالدرجة الثانية إلى اللغة العربية عندما نما وعي الغرب لتأخره ونضج لدرجة أشعرته بحاجته للمعرفة . وعندما أراد إعادة الصلة بالفكر القديم التفت أولا وقبل كل شئ لا للمنابع اليونانية بل إلى العربية التي تنبض بالحياة والموجودة على عتبة داره ففي هذا الوقت عمت العالم الغربي حركة ترجمة واسعة بين لغات العصر وقد كانت الترجمة من العربية إلى اللاتينية أهمها بحيث يمكن القول بأن ما ترجم من اللغة العربية إلى اللاتينية يعادل ما نقل من كل اللغات الأخرى (44) ويعود الفضل فيه إلى رئيس أساقفة طليطلة الفرنسي ريمون الذي جعل من طليطلة منارة اجتذبت كل علماء أوربا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر . وكانت أول الأعمال التي أوحى بها تتناول الفلسفة وتلي ذلك ترجمات كتب في الرياضيات والتنجيم والفلك والطب ومن أوائل المترجمين في طليطلة جان دوسيفيل الذي ترجم كتاب الروح لابن سينا وكانت حفظ الصحة لأرسطو وكتاب الفرق بين النفس والروح لقسطا بن لوقا وكتاب الأشكال لثابت بن قرة . وترجم غونديسالفي كثيرا من كتب الفلاسفة العرب كابن سينا والفارابي والغزالي واشترك هيرمان دلمات في ترجمة القرآن مع روبير دوريتين وبيرلوفينرابل كما ترجم خارطة نصفي الكرة السماوية لبطليموس. وترجم أفلاطون دوتيفولي كتبا للبتاني طبعت مرات عديدة في بولونية والبندقية و نورامبورغ وقام آديلاد دوبات بزيارات كثيرة إلى البلدان الأوربية والعربية قبل أن يترجم إلى الإنكليزية واللاتينية أصول إقليدس وكتبا في الهندسة وشروحا للمجسطي وجيزا للخوارزمي (45).
    على أن أكثر المترجمين إنتاجا و أوسعهم شهرة كان جيرار دوكريمون الذي تميز بتنوع ترجماته فقد شملت علوم المنطق والهندسة والفلك والتنجيم والفلسفة والطب والكيمياء والضرب بالرمل (46) فقد بدأ بتعلم اللغة العربية والتعمق بتقاناتها، وقد جمع هذه الترجمات وحقق وثبت نسبتها له بعد جهود قرنين من الزمن بون كومباني في روما عام 1852م ولوسيان لوكليرك في باريز عام 1874م فقد تبين أن مجموع ما ترجمه جيرار وحده يتألف من واحد وسبعين كتابا على الأقل (47)، ومما لا شك فيه بأنها ثروة علمية ضخمة انتقلت إلى الغرب وأسهمت في تكوين أجيال من العلماء في جامعاته. ومن المؤكد أن كمية الأفكار التي نشرها جيرار دوكريمون وحدة تزيد عن ما نشره جميع أقرانه ومنافسيه. على أن ما تم إنجازه في طليطلة لا يقارن بما أنتجه المشرق العربي من حيث الدقة والأهمية ولكنه لم يكن أقل تأثيرا وأقل فائدة على الصعيد العالمي نظرا لتعطش الغرب للمعرفة فبدون العرب ما كان لعصر النهضة أن يرى النور (48).
    هذا وقد كانت صقلية أيضا أحد المناهل التي استقى منها الغرب العلوم العربية ففيها عاش الشريف الإدريسي الجغرافي الذي عهد إليه الملك روجيه الثاني بتأليف كتب في الجغرافيا فقام بذلك خير قيام كما رسم مجموعة من الخرائط شاملة للعالم المعمور ضمت سبعين خريطة إضافة إلى كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق المشهور بكتاب روجار ظل الأوربيون يستقون منه معلوماتهم الجغرافية مدة طويلة (49) كما ترجم في صقلية كتاب المجسطي والبصريات المنسوبة إلى بطليموس ونقل كتاب كليلة ودمنة من العربية إلى اليونانية . ويقول العلامة جورج سارتون إن روجيه الثاني كان أكثر حكام عصره تنورا وقد استطاع أن يجعل من صقلية في مدة قصيرة أرقى وأغنى دولة في أوربا.
    وقد تابع الإمبراطور فريدريك الثاني هذا المنهج إذ استدعى إلى بلاطه عددا كبيرا من العلماء والمترجمين على رأسهم ميشيل سكوت الذي ترجم إلى اللاتينية كتاب الفلك للبطروجي إضافة لشروح ابن رشد على مؤلفات أرسطو وقام بتوسيع مدرسيتي الطب في ساليرنو و بادوفا وجعلهما جامعتين كاملتين جاء إليهما بأساتذة من عرب صقلية (50-51).
    لقد ازدهرت الحضارة العربية الإسلامية في صقلية في عهد الأمراء ال######يين واستمر تأثيرها في عهد ملوك النورمان والإمبراطور فريدريك الثاني الذي قام بتنظيم الحياة الاقتصادية في بلاده متبعا الأساليب التي كان النورمان أخذوها عن العرب سواء فيما يتعلق بمصانع الطراز أو أصول المحاسبة المالية التي انتقلت إلى التجار اللومبارديين ومنهم إلى جميع المدن التجارية والدوائر الحكومية في بلاد الغرب ومن المفيد أن نذكر هنا إقدام فريدريك الثاني على وضع نظام جديد للنقد.
    كما نقل إلى الأوربيين التفكير العلماني الحر الذي مهد السبيل لعصر النهضة وقد قال عنه المؤرخ السويسري (بوكهاردت) إن فريدريك تلميذ العرب كان أول إنسان أوربي حديث. كما أن ابنه الإمبراطور مانفريد مشى على خطاه في تقريب العلماء وتشجيع الترجمة إذ ترجم له هيرمان الألماني واسطفان المسيني كتبا عربية كما ترجم بنفسه كتابا لأرسطو. وحتى بعد القضاء على عائلة هوهانشتاوفن واستيلاء شارل دانجو على مملكة صقلية لم تتوقف الترجمة إذ أرسل هذا الملك سفارة إلى تونس يطلب من ملكها نسخة من كتاب الحاوي لأبي بكر الرازي.
    هذا ولم تقتصر الترجمة على هذه المراكز التي مر ذكرها إذ قام أرمانغو في مونبيليه بترجمة ثلاثة كتب هي الكليات وأرجوزة ابن سينا وشروح ابن رشد للأرجوزة كما ترجم أرنودوفيل نوف في مونبيليه أيضا كتابا لقسطا بن لوقا.
    وفي مرسليا ترجم كرومير دوبلزانس كتابا في النبات لحنين بن إسحق وحتى في روان في أقصي شمال فرنسا قام الكاهن سيمون دوجين بترجمة كتاب الأدوية المفردة لسيرابيون.
    إن الكتب التي نقلتها أوربا إلى لغاتها كانت تمتاز بالوضوح والترتيب والتسلسل لذلك فقد ظل بعضها كتبا مدرسية بين أيدي الطلاب قرونا عديدة كالقسم الخاص بالجراحة من كتاب التصريف لأبي القاسم الزهراوي الذي طبع في البندقية عام 1497 وفي بال عام 1541 وفي أكسفورد عام 1778 وبقي كتابا مدرسيا للجراحة قرونا عديدة في مدرستي سالرنو ومونبيليه (52) كما ظل كتاب القانون لابن سينا سبعة قرون بين أيدي الطلاب الغربيين.
    لقد ألف العلماء العرب كتبا مختصرة وموسوعات مطولة وجداول بشكل أسئلة وأجوبة ونظموا بعضها شعرا بشكل أراجيز يسهل حفظها على الطلاب وسهلوا بشروحهم ومنهجية تأليفهم سبل تحصيل العلوم وطوروا الطرق القديمة التي شاع فيها الغموض والإبهام ولا أدل على ذلك من رأي علي بن عباس حين قال:
    إني لم أجد بين مخطوطات القدامى كتابا واحدا يحوي كل ما هو ضروري لتعلم فن الطب فأبقراط يكتب باختصار وأكثر تعابيره غامضة بحاجة إلى تعليق كما وضع جالينوس عدة كتب لا يحوي كل منها إلا قسما من فن الشفاء ومؤلفاته طويلة النفس وكثيرة التردد ولم أجد كتابا واحدا له يصلح كل الصلاح للدراسة (53).
    إن هذه العيوب في كتب الأقدمين هي التي حدت بالأطباء العرب لتحاشي ما وقع فيه أساتذتهم الإغريق فعكفوا على وضع كتب جامعة يغني الواحد منها عن مجموعات كثيرة من كتب الأئمة الأولين ومنها الملكي والحاوي والقانون والتصرف وزاد المسافر والتيسر ومئات من الكتب العربية التي شهد مؤرخ الطب (نيوبيرجر)Neuberger بفضلها على طلاب المعرفة في أوربا القرون الوسطى إذ قال:
    إن العرب هم الذين أدخلوا النور والترتيب على تراث القدماء الذي طالما اكتنفه الغموض وأعوزه التسلسل . وعوضا عن النقل الآلي للفقرات وتجميع المعلومات واضطراب المخطوطات الكثيرة لدى البيزنطيين صنف العرب كتبا مختصرة جامعة عظيمة التماسك صبوا فيها كل المواد الدراسية الخاصة وعرفوا كيف يقدمون العلوم في أشكال سهلة وصاغوا من لغتهم الحية تعابير علمية مثالية.
    هذه الشهادة وأمثالها مما أتى على ألسنة المنصفين من مؤرخي العلوم لهو دليل قاطع على أصالة ما أبدعه العرب في شتى العلوم التي طرقوا أبوابها فقد قال الدكتور عبد الحميد صبرة: إن التراث الذي خلفه العرب شىء آخر غير التراث الذي ورثوه (54) لذلك فإن الادعاء بأن العرب لم يكونوا إلا نقلة لكتب الإغريق افتراء محض على الحقيقة الناصعة التي تؤيدها أعداد وأنواع الكتب العربية التي نقلها تراجمة طليطلة وسالرنو ونابولي والتي أحصها مؤرخ الطب العربي لوسيان لوكليرك. فقد تضمن مسرده كتب خمسة عشر عالما يونانيا بينما كان عدد الذين ترجمت كتبهم من العلماء العرب خمسة وخمسون مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد الكتب العربية تزيد أضعافا مضاعفة عن ما ترجم من الكتب اليونانية. فقد ترجمت تقريبا كل كتب ابن سينا والخوارزمي وحنين ابن إسحق وعلي ابن عباس والرازي وبعض كتب الكندي وثابت بن قرة وابن رشد والغزالي وكثير غيرهم. لقد تلقت أوربا هذه الكتب كما تتلقى الأرض العطشى ماء السماء إذ لم تكد تخرج من بين أيدي التراجمة في طليطلة حتى تلقفها أشهر علماء العصر أمثال روجيه بيكون وألبير الكبير وفانسان دوبوفيه وغيرهم (55).
    ففي نهاية القرن الثالث عشر كان طريق الثقافة يبدأ عند أبواب طليطلة ويقطع جبال البيرينيه مارا بالبروفانس ومضائق جبال الألب حتى يصل إلى اللورين وألمانيا وأوربا الوسطى وعبر القناة إلى إنكلترا . وكانت مرسيليا وتولوز وناربونه مونبيليه مراكز فرنسية للفكر العربي. وفي شرق فرنسا كان دير كلوني الذي يضم عددا من الرهبان الأسبان مركزا مهما لنشر العلوم العربية وكان رئيسه بيير لوفينير ابل يشرف عام 1141 على أول ترجمة لاتينية للقرآن إلى جانب نشرات مختلفة ضد الإسلام. فالعلوم العربية التي دخلت اللورين في القرن العاشر جعلت من هذه المنطقة مركزا للنفوذ العلمي في القرنين القادمين بحيث أصبحت لييبج وغورز وكولون وغيرها من المدن أرضا خصبة لنمو المعرفة العربية ومن اللورين انتقلت إلى أجزاء أخرى من ألمانيا ومنها إلى إنكلترا النورماندية وهكذا فقد انتشرت الثقافة العربية الآتية من أسبانيا وصقلية في جميع أنحاء غرب أوربا (56).
    أما دور الحروب الصليبية في نقل التراث العلمي العربي فقد كان ضئيلا جدا إذ لم يكترث الصليبيون باقتباس أي شىء من العلوم والمعارف التي كانت قريبة منهم في دمشق وحلب والقاهرة ولم يعرف بأنهم أنجبوا أي عالم اللهم إلا المؤرخ وليم الصوري وبعض الأمراء الصغار الذين تعلموا العربية لأغراضهم اليومية.
    إن كل ما نقله الصليبيون من العربية إلى اللاتينية لا يتعدى ترجمة كتاب كامل الصناعة الطبية لعلي بن عباس وسر الأسرار لأرسطو وإن جل ما اكتسبوه من مظاهر الحضارة العربية هو إنشاء المشافي وبيوت العزل والمحاجر الصحية التي كانت الأنموذج الذي قلده الغربيون عند إنشاء المستشفيات في أوربا. إضافة إلى تبدل عاداتهم وتغير سلوكهم من خلال احتكاكهم بالمسلمين. ففي فترات السلم التي كانت أطول من فترات الحرب نشأت بين المجتمعين صلات أدت إلى إزالة الأفكار الثابتة التي جاءت مع فرسان الصليب فقد اكتشفوا من خلال العلاقات الاجتماعية التي نمت بين المعسكرين بأن المسلمين مؤمنون من طراز آخر صلتهم وثيقة بالمسيح وبأمه مريم وبما جاء في العهد القديم من أنبياء ورسل وأن الإسلام ليس ببعيد عن الإرث المسيحي اليهودي الذي عرف به الأوربيون . وبفضل استيطانهم للشرق واختلاطهم بأهله أصبح الفرنجة أكثر إنسانية من آبائهم وأجدادهم الذين رافقوا بطرس الراهب. وقد أكد ذلك الأمير أسامة بن منقذ في كتاب الاعتبار حيث قال: فكل من هو قريب العهد بالبلاد الإفرنجية أجفى أخلاقا من الذين قد تبلدوا وعاشروا المسلمين (57) لقد كان مجرد الإقامة في الشرق وسيلة من وسائل صقل الطباع وتهذيبها ويقول Anthony C.Kerr إنه خلال المائة الثانية للاستعمار الصليبي أصبحت الأرستقراطية الغربية تعتقد بأن خير وسيلة لتربية أبنائها وتنشئتهم نشأة راقية هي إرسالهم إلى الشرق لقضاء سنة أو أكثر لكي يعودوا إلى أهلهم في أوربا أنعم طباعا وأرفع أذواقا وألين في تعاملهم مع الناس نتيجة لاحتكاكهم مع مجتمع ينعم بحضارة أصيلة تتفوق على ما لديهم من مقومات المدنية والقيم الأخلاقية والثروة الثقافية .
    إن آثار تغلغل الحضارة العربية الإسلامية وعلومها في صميم حياة الأوربيين يبدو واضحا في الأعداد الهائلة من الكلمات العربية التي دخلت لغات العالم الغربي. فقد فرضت لغتنا نفسها وتركت بصماتها في كل اللغات الأوربية وتسربت إلى كل مناحي الحياة وبرزت جلية في المأكل والملبس والمسكن والبيع والشراء وفي العلوم والفنون والصناعات التي نقلتها أوربا عن العرب.
    وما كلمات الجبر والكيمياء والصفر والعنبر والكتيار والأميرال والقطن والليمون والسكر والياسمين والشيك والصوفا وطرف الغار والموسلين والدامسكو البطيخة والبرقوق إلا نماذج أخذت من حقول كثيرة تطفح بالمئات من التعابير والمصطلحات ذات الأصول العربية . وإن آلاف الكلمات التي دخلت اللغتين الاسبانية والبرتغالية احتفظت بجرسها العربي كالقاضي والمخدة والزيتونة والمعصرة والوادي الكبير والناعورة ووداي الحجارة وغيرها. .. ولابد لمن يجتاز الاطلنطي باحثا عن كلمات عربية في لغة القوم إلا أن يجد عشرات منها نقلها المهاجرون الأوائل مع ما نقلوا من متاع وأفكار فكلمات الكامل والساهارا والشريف والكازيل والديفان والماترس والكاندي إلا أدلة على وجود غيرها من الكلمات ذات الأصول العربية .
    هذا وقد قام الأستاذ ارنولدشتيجر Prof. Arnold Steiger من جامعة زوريخ في سويسرا بعمل علمي فيلولوجي رائع إذ جمع وصنف أعدادا كبيرة جدا من الكلمات العربية التي دخلت اللغات الرومانسية (أي الناشئة عن اللاتينية) وردها إلى أصولها العربية إن هذا العمل في فقه اللغة التاريخي يكاد يكون الوحيد من نوعه ويتميز بالدقة والكم عن كل ما سبقه من أبحاث (58).
    ويتجلى انتقال الإرث الحضاري العربي الإسلامي من القومية إلى العالمية في انتشار الكتب العربية بين أيدي الطلاب في كل البلدان الأوربية ولا أدل على ذلك من أن كتاب القانون طبع ست عشرة مرة حتى عام 1500 مقابل طبعة واحدة لجالينوس وفي القرن الذي تلاه زاد عدد الطبعات فبلغت العشرين وظل القانون يطبع سنة بعد سنة حتى النصف الأول من القرن السابع عشر وبذلك يكون هذا الكتاب العربي أكثر كتاب طبي درسه طلاب المعرفة في تاريخ العالم (59).
    ولم يقتصر نقل الغرب لعلوم العرب على ترجمة الكتب بل كانون مضطرين إلى أخذ المعارف وإلى أخذ أنظمة المؤسسات المختلفة والجامعات (60).
    فقد تأسست في كثير من المدن الكبرى في الأندلس معاهد عليا يمكن مقارنتها بجامعاتنا في العصر الحاضر، ولا شك في أنها النماذج التي قلدتها أوربا عندما أسست جامعاتها إذ كان في كل من مدن قرطبة واشبيلية وملقا وغرناطة جامعة تحتوي على أقسام للفلك والرياضيات والكيمياء والطب والحقوق والفلسفة إضافة لعلوم الدين وكان عدد طلابها يبلغ الآلاف وشهاداتها تمهد الطريق للوصول إلى أعلى المراتب. وقد تدفق على هذه المؤسسات العلمية الكثير من القشتالين وغيرهم من الطلاب الأجانب لا من أسبانيا فحسب بل من أوربا وأفريقيا وآسيا (61) لأن أقدم الجامعات الأوربية وهي أوكسفورد وكمبريدج وباريز وبادوفا لم تؤسس إلا في العقود الأولى من القرن الثالث عشر (62) أي بعد الجامعات العربية بعدة قرون .
    إن انتشار العلم وشغف الناس بالحصول على المعرفة رافقته رغبة جامحة في اقتناء الكتب وجمعها وتداولها إضافة إلى بناء المكتبات التي كانت تعد بالعشرات في المدن الكبرى فضلا عن المكتبات الخاصة التي أصبحت من سمات الثراء وسعة الحياة فقد ذكر أن مكتبة ابن عباد الخاصة كانت تحوي ما يزيد على مائتي ألف مجلد.
    إن وجود هذه الأعداد الضخمة من الكتب بين أيدي الناس ما كان ليحصل لولا وجود صناعة الورق وهي أفضل هدية قدمها العرب لأوربا . فمن مراكش حيث دخلت صناعة الورق لأول مرة انتقلت إلى أسبانيا في منتصف القرن الثاني عشر ومنها إلى إيطاليا على يد مسلمي صقلية عام 1270 ومن أسبانيا انتقلت هذه الصناعة إلى فرنسا ومنها انتشرت في أوربا.
    هذا ولم يبق في أسبانيا بعد خروج العرب منها إلا أقل من ألفي مجلد جمعها فيليب الثاني (1556-1598) ومن أتى بعده وهي النواة التي كونت مكتبة الاسكوريال (63). لقد عكف المتنورون من ملوك أسبانيا على إنقاذ ما بقي من الكتب بعدما عملت الكنيسة على إحراق كل ما خلفه العرب من مكتبات، و كافحت بنفس الهمة اللغة العربية والحضارة العربية فأحرقت كل ما عثرت عليه من الكتب وخصوصا ما يبحث منها في العلوم الإسلامية فلقد ترأس الكاردينال كسيمنيس دوسيسنيروس Ximenez De Cisneros كاهن الملكة حملة التنصر الإجبارية لمن تبقى من المسلمين في أسبانيا فبدأ بإشعال النار بالكتب العربية في غرناطة عام 1499 وتكفلت محاكم التفتيش بإكمال رسالته في محو كل أثر علمي أو اجتماعي للمسلمين في أسبانيا بما في ذلك الحمامات (64).
    لقد أحرقت الكنيسة كل ذلك ولكن النار لم تتعد حدود أسبانيا ولم تصل إلى كتب الجبر والحساب والفيزياء والكيمياء والطب والفلك والفلسفة التي ترجمت إلى اللغة اللاتينية في طليطلة والمكدسة في مكتبات جامعات نابولي وساليرنو وأوكسفورد وباريز ومونبيليه وبادوفا وغيرها ولم تتمكن الكنيسة من نزع تلك الكتب من بين أيدي الطلاب في أوربا كلها فقد أصبحت منذ القرن الثاني عشر جزءا من الثروة العلمية العالمية بعد أن استحوذت عليها كل الشعوب الأوربية ونقلتها إلى لغاتها الوطنية. إذ كان نقلة العلم العربي خليطا من الإنكليز والفرنسيين والإيطاليين والألمان والبرتغاليين والأسبان واليونان والفلمنكيين والدلماسيين.
    لم تكن العلوم والفلسفة هي الشيء الوحيد الذي نقله الغرب عن الحضارة العربية بل كان للأدب نصيبه في ترك بصماته على حياة الناس العاطفية. فقد كان الشعر العربي بصورة عامة والغزلي منه بصورة خاصة موضع إعجاب المسيحيين الأسبان الذين تأثروا به لدرجة جعلت سماته تبدو واضحة على الشعر الشعبي القشتالي الواسع الاستعمال في التراتيل المسيحية بما في ذلك ترانيم عيد الميلاد (65) كما ظهرت في الأدب الأسباني معالم جديدة واضحة للحب العذري وشعر الهيام واللوعة وحرقة الهوى على طريقة مجنون ليلى وهو ما لم تعرفه أوربا قبل تعرفها على الشعر العربي (66). كما وقلد المغنون الجوالون )التروبادور في جنوب فرنسا والمينيسينغر Minnesingers في ألمانيا ) الزجل الأندلسي في أغانيهم (67) وبفضل الاتصال المسلح مع مسلمي أسبانيا ظهرت أغنية رولان وهي أنبل أثر للأدب الأوربي في أوائل عهده.
    هذا ولا يتسع المجال للكلام عن أثر ألف ليلة وليلة على الأدب الغربي العاطفي فقد خلفت من ملامحها الشئ الكثير على أعمال جيوفاني بوكاشيو Giovanni Boccaccio أبو النثر الإيطالي وعلى إنتاج تشوسر Chaucer رائد الأدب الشعري الإنكليزي ) 68 ) في القرن الرابع عشر . ومما لا شك فيه بأن رائعة دانتي الكوميديا الإلهية La Divine Comedie استقت مادتها من منابع إسلامية،فقد نشر المستعرب الأسباني والعالم اللاهوتي ميكيل بالاسيوس عام 1919 بحثا يثبتفيه التطابق المذهل بين الصورة الصوفية الإسلامية والكوميديا الإلهية سواء فيما يتعلق بالمخطط الأساسي أو بالتفاصيل فالتشابه واضح مع ما في رسالة الغفران للمعري وقصة المعراج لمحي الدين بن عربي. مما لا يدع مجالا للشك كما يقول آسين بالاسيوس بأن أبا أدب عصر النهضة مدين بنسيج قصيدته الخالدة للصوفية الإسلامية أسطورة وكلمات (69).
    ولعل أرقي القيم الأخلاقية التي حملها العرب المسلمون إلى أوربا القرون الوسطى هي التسامح الديني والمجتمعات المتعددة الديانات فقد تعرف الغرب لأول مرة على المجتمعات المختلطة بوساطة إسلام أسبانيا وصقلية والمشرق حيث أعطى المسلمون في تلك البلاد أمثولة للانفتاح والتعايش مع المخالفين لهم بالعقيدة وأقاموا دولا وممالك عاشت قرونا عديدة تعايشت فيها مجموعات متنافرة وطوائف مختلفة وتعاونت على خلق مجتمعات سادها العدل واحترام الحق مما لم يكن له وجود في البلدان المسيحية الغربية، فالإسلام كما يقول الباحث سيسيل موريسون Cecile Morisson يعترف بوجود مجتمعات وطوائف مخالفة له ضمن كيان دولته ويخص أهل الكتاب من المسيحيين واليهود بنوع من الضيافة والحماية شريطة اعترافهم بالسلطة ) 70 ) كما يقول المؤرخ اليهودي كلودكاهين Claude Cahen: كان العالم الإسلامي حتى نهاية القرن الحادي عشر صورة رائعة لمجتمع متعدد الديانات حيث يسيطر الإسلام سياسيا ويسود في نفس الوقت تعايش قل وجوده في مجتمعات أخرى (71) . إن هذه الأفعال والأقوال أوسمة على صدر الإسلام ولقد حاول ملك فرنسا هنري الرابع تقليد الأنموذج الإسلامي بعد انتهاء الحروب الدينية في القرن السادس عشر فمنح البروتستانت في مملكته بموجب مرسوم نانت L’edit de Nante بعض الحقوق ما لبث أن ألغاها لويس الرابع عشر بعد قرن من الزمن Revocation de l’edit de Nante فعاد الاضطهاد الديني إلى ما كان عليه وبقي حتى قيام الثورة الفرنسية.
    إن هذا النوع من التطور الاجتماعي الذي حمله المسلمون وطبقوه منذ إقامة ملكهم في أسبانيا وصقلية في القرنين الثامن والتاسع لم تطبقه أوربا إلا بعد قيام الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر أي بعد المسلمين بألف عام.

    ________________________________________

    المراجع
    العربية والفرنسية والإنكليزية
    1- الدكتور فؤاد سيزكين- أبحاث الندوة العالمية الأولى لتاريخ العلوم عند العرب، مكانة العرب في تاريخ العلوم ص48 معهد التراث العلمي العربي جامعة حلب 1977.
    2- محمد بن إسحاق بن النديم البغدادي: الفهرست ص680 تحقيق الدكتورة ناهد عباس عثمان- دار قطري بن الفجاءة 1985.
    3- Lucien Leclerc- Histoire de la Medicine Arabe, Page 90 Tome I Paris Ernest Leroux 1876
    4- الوزير جمال الدين أبي الحسن
    على بن القاضي الأشرف يوسف القفطي: إخبارضم العلماء بأخبار الحكماء ص175 دار الآثار للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت .
    5- أحمد أمين: ضحى الإسلام الجزء الأول ص277 مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر- القاهرة 1952.
    6- موفق الدين أبي العباس أحمد بن قاسم بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، شرح وتحقيق الدكتور نزار حنا ص276-284 منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت 1965.
    7- ضحي الإسلام أحمد أمين ج1 ص299.
    8- نفس المصدر السابق ص300.
    9- Manferd Ulmann,Islamic Surveys II P. 9 Edinburgh University Press 1978.
    10- أحمد أمين: ضحى الإسلام ج1 ص300.
    11- ابن النديم- الفهرست: ص579 وما بعدها.
    12- ابن أبي أصيبعة- عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص271 -274.
    13- جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي ج3 ص142 مطبعة الهلال بالفجالة مصر 1904.
    14- ابن أبي أصيبعة ص284.
    15- زيغريد هونكة: شمس العرب تسطع على العالم ص385 المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر - بيروت 1964.
    16- نفس المرجع السابق ص390.
    17- فؤاد سيزكين: أبحاث الندوة العالمية الأولى لتاريخ العلوم عند العرب- مكانة العرب في تاريخ العلوم ص48 معهد التراث العلمي جامعة حلب- 1977.
    18- Lucien Leclerc. Tome I Page 125.
    19- ابن أبي أصيبعة عيون الأنباء ص608-609 .
    20- Aziz S. Atiya: Crusade , Commerce and Culture p. 217 Indiana University Press, Bloomington 1962.
    21- Ibid p. 218
    22- خير الدين الزركلي- الأعلام ج6 ص213 الطبعة الثالثة- بيروت 1969.
    23- Aziz S. Atiya p. 217
    24- عباس محمود العقاد- أثر العرب في الحضارة الأوربية ص106 دار المعارف بمصر الطبعة الثانية 1960 .
    25- Aziz S. Atiya p. 76
    26- Ibid. page 219
    27- ابن النديم: الفهرست ص683 طبعة دار قطري بن الفجاءة 1985.
    28- تاريخ العلوم والحضارة الإسلامية- مطبوعات جامعة الإمارات العربية ص339.
    29- Lucien Leclerc P. 76
    30- Ibid
    31- Aziz S. Atiya p. 222
    32- Ibid P. 222
    33- Ibid P. 223
    34- 223 Ibid P.
    35- Ibid P. 249
    36- تاريخ العلوم والحضارة الإسلامية ص270 وما بعدها. مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة الطبعة الأولى 1989.
    37- Aziz S. Atiya the Crusade , Historiography and Bibliography VII Bibliotheca Geographorum Arabicorum P.P 73 , Indiana University ,Press Bloomington 1962.
    38- Encyclopaedia Universalis. Vol II p. 213.
    39- جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي ج3 ص142 مطبعة الهلال 1904.
    40- زيغرند هونكه- شمس العرب تسطع على العالم ص361.
    41- Benoist Mechin Frederic de Hohenstaufen p. 42 Librairie Academic Perrin 1980.
    42- نفس المرجع السابق.
    43- Lucien Leclerc. Tome II P. 343
    44- Georges Sarton.Introduction to the History of Science p.114
    45-Lucien Leclerc.Tome II P.295 Ibid p. 427
    47- Georges Sarton.Introduction to the History of Science p.p. 339 Vol II part I Published by Williams and Wilkins Company, Baltimore 1931.
    48- Lucien Leclerc. Tome I p. 367
    49- الدكتور كامل عياد: أثر صقلية في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الأوربيين ص11- أبحاث المؤتمر العالمي لتاريخ الحضارة العربية الإسلامية دمشق 2-7 نيسان 1981.
    50- نفس المرجع السابق.
    51- زيغرند هونكه ص450.
    52- زيغرند هونكه ص347.
    53- نفس المرجع السابق.
    54- الدكتور عبد الحميد صبرة- مدخل إلى تاريخ العلوم عند العرب ص16- عاديات حلب الكتاب الثاني 1976- جامعة حلب- معهد التراث العلمي العربي.
    55- Lucien Leclerc. Tome II p. 347
    56- Philip K. Hitti. the Arabs, a short history p. 177
    57- أسامة بن منقذ- كتاب الاعتبار ص233 مطبعة وزارة الثقافة والإرشاد القومي دمشق 1980.
    58- Aziz S. Atiya p. 240
    59- زيغرند هونكه- شمس العرب تسطع على العالم ص315.
    60- الدكتور فؤاد سيزكين: مكانة العرب في تاريخ العلوم - أبحاث الندوة العالمية الأولى لتاريخ العلوم عند العرب ص55 جامعة حلب 1977.
    61- Philip K. Hitti. the Arabs, a short History p. 159
    62- Encyclopaedia Universalis. France Vol. 10 page 786. Editeur A Paris 1968.
    63- Philip K. Hitti p. 166
    64- Ibid
    65- Ibid
    66- Ibid
    67- Aziz S. Atiya p. 242
    68- Ibid
    69- Ibid p.257
    70- Cecile Morrisson , Les Croisades p. 121 , Presses Universitaires de France 1977
    71- Claude Cahen , Orient et occident au temps des croisades page 20. Aubier Collection Historique, 1983.
    --------------------
    أحمد إياد الشطي ( وزير الصحة بالجمهورية العربية السورية )
    الأستاذ الدكتور : برهان العا
                  

02-26-2013, 08:56 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    الخلق البريطاني
    ترجمها إلى الإنجليزية: د/ ماهر شفيق
    ________________________________________

    الخُلق البريطانى The British Character
    نحن كأمة لا نميل إلى إبداء مشاعرنا. لقد علمنا جميعاً فى المدرسة أن الحماسة تجانب ( تنافى ) حسن السلوك ونحن نؤثر (نفضل) إخفاء انفعالاتنا. نكاد نخجل منها ونخجل أكثر من ذلك من أى شخص يكشف عنها دون كابح. يلوح أن التكتم دليل على القوة ونحن غريزياً نعجب بها. بل إننا قد غدونا ننظر إلى الخطباء بعين الشك قليلاً. إن قيمة الفعل تزداد إذا لم يكن مصحوباً بكلمات وكثيرون من رجال الفعل العظماء قد كانوا من الناحية العملية عاجزين عن الإفصاح. As a nation, we do not tempt to show our feelings. We have all been taught at school that enthusiasm is a bad conduct. We prefer to hide our emotions. We are almost ashamed of them and are still more ashamed of anyone who exhibits them without restraint. It seems that reticence is a proof of power, and instinctively we admire it. We have even become a little suspicious of orators. The value of action is enhanced if it is not accompanied by words. Many great men of action were practically inarticulate / unable to express.
    إن عواطف العبادة أو اللوعة ليست لآذان الجمهور. والتعبير المبالغ فيه عن المشاعر لا يروقنا. ومن ثم فإننا نصطنع ( نلبس) عباءة وقناع اللامبالاة ونقص الشعور والبلادة. من تحته تجد المشاعر عميقة ولكن لابد من إخفائها. أضف إلى ذلك أننا شعب صموت لأننا مزاجياً بلغميون ( أميل للكسل ) وأيضاً لأننا ندرك عدم كفاية الكلمات فى مواقف معينة. Sentiments of adoration or anguish are not for the public ear. Exaggerated expression of feelings does not appeal to us. Hence, we assume the cloak and mask of indifference, lack of feeling, and lethargy. Underneath, you will find profound feelings, but they must be concealed. Moreover, we are silent people because we are temperamentally phlegmatic and realize the inadequacy of words in certain situations.
    يستطيع المرء أن يسافر فى عربة قطار مزدحمة أو يدخل مصعد مترو الأنفاق المزدحم دون أن يسمع صوتاً يتفوه به. وإنى لأشك فيما لو كان ذلك ممكناً فى أى بلد آخر. من ذا الذى سافر فى عربة قطار مزدحمة فى الخارج فكان الصمت متصلاً ؟ إنه ليس عزوفاً عن الصداقة أو عزوفاً عن الاختلاط ولا نحن بلداء أغبياء. إنه جزئياً خجل وجزئياً تهيب وجزئياً عزوف عن الدخول فى تجارب الاتصال بغرباء وجزئياً نقص فى القدرة على التعبير – وربما كان أيضاً جزئياً كسلاً. One can travel in a crowded railway-carriage, or go in a jammed / packed tube lift without hearing a sound uttered. I doubt if this would be possible in any other country. Who had ever traveled in a railway-carriage abroad, and there was continued silence ? It is not unfriendliness on our part or unsociability nor are we dull and stupid. It is partially shyness, partially diffidence, partially reluctance to go through the experience of intercourse with strangers, partially defective powers of expression, and perhaps partially laziness too.


    Key Vocabulary :
    خلق character
    يميل إلى be inclined to – tempt to
    حماسة enthusiasm
    تجانب does not go with
    يبدى show – reveal
    يخفى hide – conceal
    كابح restraint
    تكتم reticence
    كتوم reticent
    خطيب orator
    عاجز عن الإفصاح inarticulate
    عبادة adoration
    لوعة ( الشوق المعذب ) anguish
    يروق لـ appeal to
    عباءة cloak
    لامبالاة indifference
    بلادة ( خمول ) lethargic (adj) lethargy
    بلادة (فقدان الحس) apathetic (adj) apathy
    مزاج temperament
    بلغمى (بارد الطبع) phlegmatic
    عربة قطار railway-carriage
    مترو الأنفاق the tube [Br.]
    تهيُب (خجل) diffident (adj) diffidence
    عزوف (عدم رغبة) reluctance
    كسل slothful (adj)
    sloth


    * مثال لترجمة عملية / قلنا نفككم من التنظير شوية :-) ياريت اذا المهتمين بالبوست ده هم من يحددو مسار البوست و المطلوب / حتي لا أضخ البوست بكمية من المواد غير الضرورية.
    * ساواصل في رفد البوست بأمثلة متنوعة للترجمات.

    و أيضاً سأضع قائمة لكتب في حوزتي , كل من يرغب فيها عليه فقط ترك بريده الإلكتروني. مع تقديري
                  

03-03-2013, 10:12 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    الترجمة العلمية وعالمنا العربي - د.نبيل علي

    "نحن نعيش عصراً تتحدد فيه أهمية الأمم بقدر ما تنجزه في مجال العلوم وتطبيقاتها التقنية ،ولكي نجد مكانا تحت شمس هذا العصر لابد أن تتوجه خطوتنا الأولى – بجدية وتخطيط علمي- نحو ترجمة العلوم .

    تتعاظم أهمية الترجمة العلمية يوماً بعد يوم نتيجة للانفجار المعرفي ، والتقدم التكنولوجي الهائل في جميع مجالات الحياة ، وتزداد هذه الأهمية بالنسبة لعالمنا العربي لكونه – أساساً – متلقياً للمعرفة العلمية أكثر منه منتجاً لها، وهو الوضع الذي يتناقض جوهرياً مع النقص الشديد الذي نعاني منه في مجال الترجمة، بصفة عامة، وفي مجال الترجمة العلمية بصفة خاصة، ويكفي أن نشير هنا إلى ما ورد في تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام 2000 من أن إجمالي ما تم ترجمته منذ إنشاء دار الحكمة في عهد المأمون حتى الآن يقدر بعشرة آلاف كتاب، وهو ما يوازي ما تترجمه إسبانيا – مثلاً – حالياً في عام واحد.

    ولاشك أن قصور الترجمة العلمية في عالمنا العربي يعد من الأسباب الرئيسية وراء تعثر جهود تعريب التعليم الجامعي ،ويشي بوضوح إلى مدى تفشى داء اللاعلمية الخبيث في مجتمعاتنا العربية.لقد أحدث هذا القصور فراغاً كبيراً في نسيج الثقافة العربية، وبالتالي في تكوين العقل العربي، والذي بات في حاجة ماسة إلى تجديد منطلقاته الفكرية وعدته المعرفية تلبية لمطالب إلحاق بركب مجتمع المعرفة المنطلق الذي بات شعاره " اللحاق أو الانسحاق " ومن أهم هذه المطالب إكساب الفرد القدرة على التعلم ذاتياً مدى الحياة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون زاد متجدد ومنوع من حصاد المعرفة العلمية والتكنولوجية.

    إن ذلك الفراغ الناجم عن قصور الترجمة العلمية يتم ملؤه حاليا بإصدارات ########ة تشيع الفكر الخرافي، وأوهام العلم الزائف عن أسرار الكون والخلق ومجالات التطور الإنساني المختلفة، ناهيك عن ظهور فصائل انتهازية استغلت تعطش الكثيرين للفكر الديني الأصيل فراحت تقدم "سمومها في العسل" لتلحق بعقول أصحاب النوايا الطيبة هؤلاء، بل وبالدين ذاته، وأشد أنواع الضرر، وهكذا تشتد موجات التعصب والانغلاق وأحادية التفكير، ولتخبو بذلك جذوة الإبداع في وجدان صغارنا وكبارنا في عصر بات فيه مصير الأمم والشعوب رهنا بإبداع أبنائها.

    لقد ولى الزمن الذي كان فيه العلم حبيس المعامل وحكراً على العلماء والمتخصصين، وذلك بعد أن شاع استخدامه، وانصهرت تطبيقاته في كيان المجتمع الإنساني المعاصر، ولم تعد مسئولية العلماء مقصورة على توليد المعرفة العلمية الجديدة، بل اتسعت هذه المسئولية لتشمل تنمية الثقافة العلمية لدى العامة على اختلاف فئاتهم .
    و لقد وعى كثير من هؤلاء العلماء أن العلم يمكن أن يصبح سلاحاً في يد القوى يرهب به الضعيف، وأدركوا كيف يتستر أصحاب القرار وراء قناع العلم من أجل تبرير قراراتهم وممارستهم، وتغطية عجزهم في تبرير التجاوب الفعَال مع المشاكل التي تواجه مجتمعاتهم، خلاصة، لقد باتت الثقافة العلمية من أهم مقومات الإنسان المعاصر، وأصبحت الترجمة العلمية – بالتالي – من أهم مطالب تهيئة مجتمعاتنا العربية للدخول في مجتمع المعرفة.

    منظومة الترجمة العلمية:

    تسعى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم حاليا إلى وضع استراتيجية عربية لنشر الثقافة العلمية في أرجاء الوطن العربي، وفي رأي الكاتب أنه لا يمكن تحقيق ذلك دون إعطاء أقصى درجات الأهمية للترجمة العلمية، والنظر إليها كمنظومة متكاملة تشمل رباعية العناصر الداخلية الأساسية .

    الإطار العام لمنظومة الترجمة العلمية

    المصادر الأجنبية للترجمة العلمية.
    المترجم العلمي العربي.
    الناشر العلمي العربي .
    المتلقي العربي والذي يحتل موقع القلب داخل المنظومة.

    و تركز هذه المنظومة على مجموعة من البنى الأساسية (التحتية) وتشمل:

    المعاجم والقواميس والمكانز .
    بنوك المصطلحات.
    قواعد النصوص التي تخزن بها عينة منتقاة من النصوص المترجمة إلى العربية.
    مؤسسات تأهيل المترجمين من كليات ومعاهد ومراكز تدريب متخصصة.

    تتفاعل منظومة الترجمة العلمية خلال شبكة من العلاقات مع كثير من الكيانات خارجها، يأتي على رأسها:
    منظومة التربية.
    منظومة الإعلام.
    تكنولوجيا المعلومات.
    دور النشر الأجنبية ....
                  

03-03-2013, 10:15 PM

طارق عمر مكاوي
<aطارق عمر مكاوي
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسات في الترجمة / تبادل معارف / كتب / مقالات / أوراق (Re: طارق عمر مكاوي)

    نموذج ترجمة
    Love is a Fallacy

    Cool was I and logical. Keen, calculating, perspicacious, acute and astute-I was all of these. My brain was as powerful as a dynamo, as precise as a chemist's scales, as penetrating as a scalpel. And - think of it! - I was only eighteen.

    It is not often that one so young has such a giant intellect. Take for example, Petey Butch, my roommate at the University of Minnesota. Same age, same background, but dumb as an ox. A nice enough fellow, you understand, but nothing upstairs. Emotional type. Unstable. Impressionable. Worst of all, a faddist. Fads, I submit, are the very negation of reason. To be swept up in every new craze that comes along, to surrender yourself to idiocy just because everybody else is doing it-this, to me, is the acme of mindlessness. Not, however, to Petey.

    One afternoon I found Petey lying on his bed with an expression of such distress on his face that I immediately diagnosed appendicitis. "Don't move." I said. "Don't take a laxative. I'll get a doctor."

    "Raccoon," he mumbled thickly.

    "Raccoon?" I said, pausing in my flight.

    "I want a raccoon coat," he wailed.

    I perceived that his trouble was not physical, but mental. "Why do you want a raccoon coat?"

    "I should have known it," he cried, pounding his temples. "I should have known they'd come back when the Charleston came back. Like a fool I spent all my money for textbooks, and now I can't get a raccoon coat."

    "Can you mean," I said incredulously, "that people are actually wearing raccoon coats again?"

    "All the Big Men on Campus are wearing them. Where have you been?"

    "In the library," I said, naming a place not frequented by Big Men on Campus.

    He leaped from the bed and paced the room. "I've got to have a raccoon coat," he said passionately. "I've got to!"

    "Petey, why? Look at it rationally. Raccoon coats are unsanitary. They shed. They smell bad. They weigh too much. They're unsightly. They-"

    "You don't understand," he interrupted impatiently. "It's the thing to do. Don't you want to be in the swim?"

    "No," I said truthfully.

    "Well, I do," he declared. "I'd give anything for a raccoon coat. Anything!"

    My brain, that precision instrument, slipped into high gear. "Anything?" I asked, looking at him narrowly.

    "Anything," he affirmed in ringing tones.

    I stroked my chin thoughtfully. It so happened that I knew where to get my hands on a raccoon coat. My father had had one in his undergraduate days; it lay now in a trunk in the attic back home. It also happened that Petey had something I wanted. He didn't have it exactly, but at least he had first rights on it. I refer to his girl. Polly Espy.

    I had long coveted Polly Espy. Let me emphasize that my desire for this young woman was not emotional in nature. She was, to be sure, a girl who excited the emotions, but I was not one to let my heart rule my head. I wanted Polly for a shrewdly calculated, entirely cerebral reason.

    الحب سفسطة
    هادئٌ أنا وعقلاني، متوقد الذهن، ماكرٌ فرَّاس، حادٌ وداهية. جُمِعَت في شخصي كل تلك الصفات؛ قويٌ هو عقلي كالآلة، دقيقٌ كميزان الذهب، ثاقبٌ كمشرط الطبيب – ولك أن تتخيل ـ كنت فقط في الثامنة عشر من عمري.
    ليس من الشائع أن تجد لشاب في تلك السن رأس كمثل تلك التي أحمل فوق كتفي. خذ على سبيل المثال "بيتي بارتش" زميلي في الغرفة في جامعة مانيسوتا.
    له نفس سني، ونفس الخلفية ولكنه غبيٌ كالدابة، شخص طيب لكنه فارغ الرأس، تقوده عواطفه، فهو غير متزن وشديد الحساسية وأسوأ ما في الأمر أنه "مولع بالموضة". كلمة "الموضة" – أكاد أجزم – هي نقيد كلمة "العقل". فتلاطم أمواج تلك الموضة الناس كلما غدت أو راحت. ويقابل الناس كل من تلك الأمواج مستسلمي العزم مفتوحي الأذرع لا يبالون إلى أين ستأخذهم تلك الموجة. وفيم كل ذلك؟ حسنا! لن تجد لهذا السؤال إجابة أوجه من أن "الكل يفعل هذا". هذا – في رأيي – هو السفه بعينه. لكن "بيتي" له رأي آخر.
    وفي ظهر يوم ما وجدت "بيتي" مستلقيا على فراشه وقد نقش على وجهه خارطة من الضيق والأسى والضجر مما قذف في عقلي احتمال أنه مريض بالتهاب الزائدة الدودية!.
    • فقلت له: لا تتحرك، سأحضر الطبيب
    • فتمتم قائلا: "معطف"
    • فأطرقت قليلا وتساءلت: معطف؟!!!
    • فرد متأسيا: "أريد معطف بفراء"
    • ففهمت أن علته ليست بجسمه.. بل بعقله.
    • وفيم تحتاج معطف؟؟
    • فقال ملكوما: كان لابد علي أن أستنتج أن تلك المعاطف ستعود بعودة التشارلستون. وبكل حماقة أنفقت كل ما لدي في شراء الكتب والمراجع.. والآن ليس معي ما يكفي لشراء المعطف
    • فقلت مذهولا: أتقصد أن.. أن تلك الصيحة قد عادت؟
    • الكل يرتديه في الحرم الجامعي... أين كنت يا رجل؟!
    • في المكتبة
    فقفز من فراشه وأخذ يغدو ويروح داخل الغرفة مشبثا ناظريه بالأرض قائلا: لابد أن أحصل على معطف .. لابد..
    • ولم كل هذا يا " بيتي؟!" إعقلها يارجل. تلك المعاطف ذات الفراء محض حماقة؟ فالفراء يسقط بعد فترة ، ورائحتها كريهة، وهي ثقيلة الوزن وقبيحة الشكل و..
    فقال مقاطعا – وقد نفذ صبره – ألا ترى ما أرمي إليه؟.. ألا تريد أن تمشي مع التيار؟!
    فقلت بصدق: لا
    فراحني قائلا: "أما أنا فأريد. سأضحي بأي شيء في سبيل الحصول على هذا المعطف.
    فبدأت تروس تلك الآلة في رأسي تدور سريعا.. فنظرت إليه بعمق وقلت: "أي شيء؟"
    فرد مؤكدا: أي شيء
    فأطرقت قليلا .. كنت أعرف جيدا من أين أحصل على مثل ذلك المعطف. فكان لدى أبي واحدا أيام دراسته بالجامعة. وهو الآن في سندرة في مؤخرة بيتنا. وكنت أيضا أعرف أن " بيتي" يمتلك شيئا أريده أنا .. لا أقصد أنه "يمتلكه" تحديدا، ولكن كان لديه الحق الأول فيه.. أعني..... "فتاته" "بولي إبسي". كثيرا ما كنت أتوق لتلك الفتاة. ولكن لم تكن رغبتي بها مدفوعة بأي عواطف – مع أن تلك الفتاة قديرة على إثارة العواطف – لكن لم أكن أنا بالذي يترك قلبه يقود عقله
    To be continued
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de