قال : قدمت الوعي . ونحن نقول : سنُساهِم في الوعي.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 00:11 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-30-2014, 09:29 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قال : قدمت الوعي . ونحن نقول : سنُساهِم في الوعي.



    قال : قدمت الوعي . ونحن نقول : سنُساهِم في الوعي.


    (1)
    تلك الرسالة سنتمسك بمضمونها ، رغم أننا نسمع كثيراً ممن يلوموننا على الكتابة في سودانيزأونلاين ، بعد أن فاضت هي بملفات من يكتبون و لا يسهمون في الوعي ، إن لم يكن يدمرونه.
    (أ)
    نذكر في التاريخ سؤلاً سأله الجالسون على منضدة السلطة التي كانت تحكم بالقتل في " مُدرعات الشجرة " الخرطوم ، موجهاً لسكرتير الحزب الشيوعي آنذاك الأستاذ ( عبد الخالق محجوب ) :
    - ماذا قدمت للشعب السوداني ؟!
    الرد :
    - إنني قدمت الوعي

    كان ذاك في الأسبوع الأخير من شهر يوليو 1971 ، من بعد فشل انقلاب الرائد هاشم العطا .
    (ب)
    نحن اليوم نعيد الرد والقضية إلى منضدة الثقافة ، والقضية التاريخية من سؤال ورد ، ربما أرادها " القتلة " آنذاك ، السُخرية من رجل مدني أعزل ، كان همه قضية وطنه وفق الرؤى التي آمن بها طريقاً لتطوير بلده ، إن اتفقنا مع رؤاه أم اختلفنا معه الرؤى ، فإن عبارة ( قدمت الوعي ) أكبر قيمة عندما عمّ غضب الجهالة وعميت القلوب التي في الصدور ، وأخذ العقل عطلة مفتوحة .
    يبقى رد الأستاذ عبد الخالق محجوب : (إنني قدمت الوعي ) ، قضية مبدأ وقضية حياة وقضية رأي عام ، أطلقها أمام أسماع بها وقر ، وقرأها أمام جهالة بينها وبين الوعي بيدٌ دونها بيدُ . كانت تنفذ عقوبات الإعدام ، ثم من بعد ذلك يبحثون عن التهم والأسانيد !. ومنها الحُكم على أشخاص بوصفهم منفذي جريمة ( بيت الضيافة ) ، ومن ثم إخفاء أي دليل يأتي لاحقاً ، حتى يتبين الجميع أن الأحكام قد بُنيت على الحق !!!!
    (ج)
    عادنا الزمن من جديد إلى ذات السؤال من بعد (43) عاماً . ونعلم أن الأجيال الجديدة ، لم تتعرف على الرجل صاحب العبارة الشهيرة ،فعندما نهض إلى مكانه من بعد استرداد الديمقراطية من الفريق عبود ومجلس قواته المسلحة بعد ثورة أكتوبر 1964 ، كان هو في كامل قوامه الثقافي والحضور السياسي ، يدري و يحمل كامل قضاياه ، ويعرف مبتدأه ورأى بوعيه منتهاها .
    نعود لقضية الوعي ، من بعد عصر العولمة الماكر ، وسلطة الإعلام الأمني الجديدة ، التي أدخلت السموم في دسم الملفات الثقافية . عصر صناعة الكذبة ، وإلباسها حُلة الرضى والتُقى والصلاح ، حتى تُعميك الزخارف عن ما تخبئه الكهوف المعتمة من ذئاب بشرية .
    سوف نحاول قدر المستطاع أن ننتقي و ننقل مقالات متألقة بشأن الوعي والاسهام في رفعته وترقيته ،و نأمل أن نسير على دروبها بالتدقيق وبالتحليل ، وبالدراسة ، ونخرج من الكم الهائل والمنشور من زبد الملفات التي تذهب جُفاء ولا تسهم في الوعي ، بقدر ما تضيّع من وقت القراء .
    ونبدأ :

    *
                  

11-30-2014, 09:33 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال : قدمت الوعي . ونحن نقول : سنُساهِم في الوعي. (Re: عبدالله الشقليني)



    (2)
    الثقافَة ومحاكمُ التّكفير

    بقلم محمد بنيس – الملحق الثقافي – الاتحاد الإماراتية
    تاريخ النشر: الخميس 27 نوفمبر 2014
    1
    محاكم التكفير في ماضي الثقافة العربية متواصلةٌ بهوْس في زمننا الحديث. إنها متداولة بين كل من يُعْنَى بالثقافة العربية، لأنها جزءٌ من تاريخنا الثقافي والسياسي. ويمكنُ أن نعثر عليها مفصلة كلما أقدمنا على النبْش في حياة مؤلفين ومؤلفات. كأنما هو التاريخ مخلصٌ لحماقاته التي لا يندم عليها. أجلسُ وأضحك من فقـهاء لا يُحسنون سوى ترصّد مسار الكلمات. وحينما يقفون مشدُوهين بتركيب معجز، أو بكلمة تعلن عن حريتها، ينتـفضون ويرفعون أكمامَهم، ينتعلون أحذيتهم، ويتوجّهون جماعةً إلى الساحات العمومية ليعلنوا القَصاص. أراهم مفزوعين بالجميل، بالذّكي، بالمفاجئ، بالغامض، بالمُلتبس، بالمجهول. يُحملقون في كلمات لا يعرفون لها بداية ولا نهـاية. يُصدرون أصواتاً ذات روائح كريهة، وعلى وجُوههم علامات الشؤم والنقمة.
    كذلك كنت أتخيلهم وأنا، في حداثة سنّي، أعثر عليهم مُختفين بين ثنايا كتاب أو قصيدة. كانوا يتخفّـوْن وراء مزاعم الحرص على حماية الملّة والأمة من كيد الأعداء، يترصدون ويتلصّصون. ولم يفارقوا قراءاتي التي كانت هي نفسها قراءات رفقائي في المدرسة والحي. عناوين مؤلفات موزعة بين الدواوين وكتب الأدب والفلسفة والتصوف، كنا نعثر عليها بيسر في المكتبات الشعبية. وهم كانوا لها بالمرصاد منذ الأزمنة الغابرة. كنت أنظر إلى هؤلاء الفقهاء وهم يقفون في وجه كل من يجرؤ على القول المبدع أو التفكير الحر، يرفعون القلم ويأمرون السلطان بتنفيذ الحد. بشار بن برد أو أبو نواس أو المتنبي أبو العلاء المعري أو الششتري. ابن سينا أو الفارابي أو ابن رشد أو ابن الراوندي أو ابن حزم. الحلاج أو أبو حيان التوحيدي أو الغزالي أو ابن عربي. هي أنصع وجوه الثقافة العربية القديمة التي تمثل هؤلاء الذين اجتمع الفقهاء بكتُبهم وقواعدهم، يقيسون عليها ما كتب هؤلاء الجريئون على تبديل قواعد تركيب الكلمات.

    2
    هذا التاريخ القديم هو نفسه، بل أبشع منه، ما كان سائداً في أوروبا المسيحية، مع محاكم التفتيش. إنها المحاكم التي أمرت الكنيسة الكاثوليكية بإنشائها وباركت طرائقها وأحكامها، ابتداء من القرن الثاني عشر، واتسعت وقويت صوْلتُها مع الملكية الإسبانية، ما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وامتدت حتى القرن التاسع عشر. ضحايا عديدون، بلغوا حسب بعض الإحصائيات خمسة ملايين ضحية. ثمة الموريسكيون الذين أحبّوا بلدهم الأندلس، ولم يغادروها بعد سقوط غرناطة، كما فعل إخوانهم. وثقوا بعهود المسيحيين في احترام عقيدة المسلمين وضمان بقاء المساجد مفتوحة في وجوههم، والالتزام بصيانة الأملاك والأموال، وحماية النفوس والأهل من كل عقاب. وعندما اكتشف المسلمون أن الملكية في إسبانيا، ثم بعدها الملكية في البرتغال، أصبحت تخرق العهود، وأحسوا أن الكنيسة أخذت في الهجوم على حياتهم الخاصة، لجأوا إلى حماية دينهم، فأخذتهم محاكم التفتيش بتهمة التستر والتقية. كذلك كان أمر المسيحيين ممن كانوا من البروتستانت، أو من أصحاب التجربة الصوفية، أو من الشعراء والمفكرين والفلاسفة، أو حتى من السحرة. لجان التفتيش تقيم المحاكمات، وتطالب بالتنفيذ الفوري للأحكام. أمّا قراءة الكتب فكانت من التّهم التي لا تسامح فيها. بهذا كانت محاكم التفتيش مصنع الجرائم التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية مثلما ارتكبتها الدولة الإسبانية والبرتغالية باسم المسيحية النقية، لمدة قرون متلاحقة مورس فيها النفي والسجن لكل من يخالف النص المقدّس، وروايات مفجعة عن تعذيب وإحراق المذنبين، المتهمين بالهرطقة، والموصوفين أيضاً بالزنادقة والمعروفين بأهل البدع.

    3

    ذكْر محاكم التفتيش في أوروبا الكاثوليكية تفيد أن المتعصبين، الموجودين في الإسلام، لهم أمثالهم في كل من المسيحية واليهودية. لا فضل لأحَد منهم على الآخر ولا امتياز. وما يخص مستشرقون به الإسلام دون سواه، في هذا الموضوع، مردود عليهم بواقع التعصب في المسيحية أو اليهودية. فما يؤلف بين المتعصبين، في الديانات الثلاث، هو أنهم يفهمون الدين فهماً حرفياً، ويخلطون بين منهج القراءة، الذي يظل محدوداً ونهائياً، فيما هو واقع النص مفتوح على اللامنتهي. لذلك فهم لا يبالون بمنطق اللغة، القائمة على الإخفاء أكثر مما هي تفيد البوح، وباعتبار الاستعارة أحد مكوناتها. لكنهم لا يتحملون التفريق بين الحرية في التعبير عن الاعتقاد وبين إجبارية اتباع مسلك متوارث. أو هم لا يتحمّلون رؤية من يخالفهم في الاعتقاد. يعتبرونه مهدداً لعقيدتهم. ثم إنهم، بطبيعة الحال، لا يميزون بين خصوصيات أنماط التعبير ولا يؤمنون بحرية الاعتقاد أصلا. وكلمة الإلحاد تلخص شبكة من الاتهامات التي تقذف بالمتهم إلى العذاب إن هي لم تؤدّ إلى الحكم عليه بالقتل، من طرف محاكم التكفير كما من طرف محاكم التفتيش.
    يبدو أن التذكير بكل هذا ضروري في زمننا. فنحن اليوم إما أننا ننسى ما تمت كتابته في الموضوع من طرف الكتاب العرب الحديثين، وإما أننا نحتاج إلى تجديد القراءة. وهما معاً مستعجلان في حياتنا. لم يختلف زمننا الحديث عن زمننا القديم في شيء من ذلك من حيث الوقائع. فاتهام طه حسين بالكفر والزندقة من أشهر ما عرفته الثقافة العربية الحديثة. كتاب «في الشعر الجاهلي»، كان المرحلة الثانية بعد كتابه عن «تجديد ذكرى أبي العلاء». فيهما معاً أراد طه حسين أن يتجرأ على الآراء الموروثة ويعلن للناس ما أوصله إليه البحث. وبعد طه حسين تتالت اتهامات المثقفين بالكفر، في المشرق والمغرب. فها هم الفقهاء التونسيون يكفرون أبو القاسم الشابي عندما كتب قصيدته «إرادة الحياة». نظروا إلى أن الشعب لا إرادة له على القدَر، وأفْتوا بأن التعبير الصريح بلزوم أن يستجيب القدر لإرادة الشعب كفر، وبأن قائله كافر. ثم جاء تكفير محمد بلحسن الوزاني، زعيم حزب الشورى في المغرب، الذي نظر متزمتون إلى دفاعه عن الديمقراطية بمثابة رفض الشورى التي ينص عليها الإسلام بصراحة. ولنا تكفير الأزهر لمحمود محمد طه في السودان، عن كتابه «الرسالة الثانية من الإسلام»، وتكفير نجيب محفوظ على إثر نشر رواية «أولاد حارتنا»، وتكفير اللجنة العلمية بجامعة القاهرة نصر أبو زيد عندما كتب في أعماله بأن القرآن تاريخي وثقافي. وفي السياق ذاته جاءت دورة الفقهاء السعوديين الذين أخذوا يتنافسون في إصدار لوائح تكفير الكتاب العرب بالجملة، حيث تصل اللائحة أحياناً إلى أكثر من مائتي اسم. والملاحظ، في كل ذلك، أن جهة التكفير في العالم العربي ليست واحدة ولا آلياته متجانسة.

    هذه الصورة العامة لمحاكم التكفير في العالم العربي تلتقي مع مستوى أبعد في البلدان الإسلامية، في آسيا وفي بلدان أوروبية يقيم فيها مسلمون. ومن أشد أحكام التكفير إثارة للجدل، في زمننا الحديث، الحكم الذي صدر، في مناطق عديدة من العالم، بحق الروائي البريطاني من أصل هندي، سلمان رشدي، على إثر نشر روايته «آيات شيطانية»، حيث تم إحراق نسخ عديدة منها في إنجلترا وأصدر الخميني فتوى بإهدار دمه. وهي بداية مرحلة جديدة في إقامة محاكم التكفير وإصدار فتاوى، انتقلت من تكفير كتاب ومثقفين إلى تكفير أنظمة سياسية برمتها. وتساعد وسائل الاتصال الاجتماعي اليوم على توسيع مدى حركة التكفير عبر جهات متعددة من العالم.

    4
    علمتني الثقافة العربية الحديثة الجرأة على التفكير والتعبير بحرية. وكان الشعر المصدر الأول لنشر وتعليم قيم جديدة. أولى مفردات الحداثة التي تربّينا عليها هي الوطن والشعب والحرية والعلم والحب. لم تكن مجرد مفردات، بل هي عالم جديد كان ينشأ من الكلمات ويتربى في حضن أحلامنا. كلمات كانت لها قوة الجاذبية وباستطاعتها أن تعيد بناء شخصية الفرد تماماً. بذلك لم يعلمني الشعر العراقي الحديث أن شعب العراق منقسم إلى سنة وشيعة، وإلى أقليات من أمم وشعوب عاشت في العراق وبنَتْ تاريخه وأمجاده. تعلمت من هذا الشعر كلمة العراق، منحوتة بيد الشعراء، مكسوة بأنفاسهم، ناصعة في قصائد ودواوين، مرفرفة في أعالي سماء الحرية. كلمة «الشعب» تجمع الفئات والطوائف في منظومة تعاقدية جديدة، تقوم على المساواة والتكامل. ويكفيك أن تعود مرة أخرى إلى محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب، حتى تستعذب اسم العراق ولا تتخلى عنه. والأمر نفسه بالنسبة للشابي. إنه الذي هداني إلى فكرة الشعب التونسي، بل إلى كلمة الشعب، التي هي معبوده إلى جانب كلمة الحبيبة، كما كتبها وأعاد كتابتها في صور لم تكن تتوقف عن بث الذهول في أنفاسي وأنا أقرأها في عهد الشباب.
    كان ذلك منتشراً بين أبناء جيلي الذين تلقّوْا الانصهار في الوطن والشعب والحرية والعلم والحب عن الجيل السابق. كلمات هي نفسها التي شرعت الأبواب على عالم لا ينتهي. نحتفل به مع أنفسنا، نتخيل مستقبله على شاكلة ما يعرفه العالم الذي كنا أخذنا في تعلم أبجديته، أو نحلم به ونحن نقبل على القراءة والكتابة. تلك هي مبادئ الثقافة الحديثة، التي جاءتنا من كتابات، كنا نتبادل في العلَن أسماء مؤلفاتها ومؤلفيها. وعندما بلغنا سن المراهقة أصبحنا نفضل السهر في القراءة، نتسابق نحو المكتبات للحصول على كتاب أدبي (أكان ديواناً أو رواية)، أو كتاب فكري أو تاريخي. كل ذلك وهبته لنا الكلمات الأولى، أبجدية الحداثة. لم يكن يخطر ببالنا أن نسأل عن عقيدة مؤلف ولا عن طائفته. الحدود الوحيدة التي كانت تشغلنا هي معرفة درجات جرأة الكاتب على قول الكلمات البانية لعالم جديد وإنسان عربي جديد.

    5
    كان المتعلمون يعرفون معنى الكلمات الجديدة التي تدخل إلى قاموس حياتنا. ومثلهم لم نكن نشكّ في أنها تدل على قارات مجهولة في تاريخنا. على أننا كنا نسمع بين الحين والآخر فقهاء متعصبين لا يقرون بهذه الكلمات. ينظرون إليها من حيث هي علامة على الزندقة. مع ذلك لم يكن المجتمع يعبأ بمثل هذه الاتهامات، لأنه كان مقبلاً على تجربة جديدة في حياته، وكان مُنتـشياً بالحرية والعلم. ولا شك أن الجدّات والأمهات كُـنّ الرائدات الحقيقيات في إبداع زمن جديد. فهنّ اللواتي قاومْن تزمّت الآباء وعملْن على إلحاق البنات بالمدارس. تلك ثورة ننساها اليوم. إنها ثورة المرأة التي مزقت الحجاب، وانتزعتْ سلطة تسـيير العائلة بيدين واثقتين من منافع الحرية والعلم على بناتها وأبنائها، وعلى المجتمع ككل.
    وكان المتزمتون يترصدون كل حركة في العائلة (أو في المجتمع) تخرج على الضوابط التي توارثوها. كانوا مضادين للحرية والعلم والمساواة بين الولد والبنت. مضادين، في الوقت نفسه، لطقوس الدين الاجتماعي، من خلال الدعوة إلى تحريم المواسم الخاصة بالأولياء والطرق الصوفية الشعبية. وفي كل مرة كانوا يجدون أنفسهم في مواجهة عنيفة مع المجتمع. كان العرب آنذاك موحّدين من حيث لا يدرون في الدفاع عن قيم جديدة، ترسم وضعية غير مسبوقة للفرد والجماعة على السواء. وغالباً ما ارتبطت تلك العاصفة بحركة التحرير من الاستعمار، حركة عمت البلاد التي كانت مستعمرة. كأنما كلمة الحرية والاستقلال لم يكن معناهما يكتمل إلا بالعلم والتجديد.

    6
    أجلس، وبي غمّ من التفكير في كل هذا الذي كان. أحياناً يحدث لي أن أقول لنفسي إن كل ذلك الذي كان مجرد تخيلات تستبدّ بي. وها أنا أؤكد اليوم القول ذاته. أو أحياناً أعبر عن الحالة ذاتها بطريقة مختلفة كأنْ أسأل عن سبب اختفاء كل ذلك، أو عن محاكم التكفير التي أصبحت علامة على زمننا. اختفاء الأفكار والقيم التي قادتنا إلى مناطق لا تنتهي من الحرية هو ما لا نعرف كيف نفسره ولا كيف نصل إلى ضبط أسبابه. كما أن الانحرافات التي جرفت بلادنا بعد الاستقلال، أو دوغمائيات القوميين واليساريين، غير كافية وحدها لتفسير ما يجري. نحن أمام تكفـير تبدأ محاكمه من التحريم والتأثيم والبدعة لتنتـقل إلى رفع الأعلام السوداء في وجه بلاد وأفكار وقيم، كما في وجه أعمال ومؤلفين.
    والصرخة التي تصدر عني أكاد لا أسمع لها صوتاً. أحاول وأحاول. هذه الصرخة، التي بها أحس أني موجود، لم تعد تقوى على اختراق القفص الصدري. لم تعد تقدر على الصعود إلى منطقة الحنجرة. إنها في غيهب بعيد الغور. أنصت إليها هناك. تنتـفض من الشدة التي هي فيها. مخنوقة. ولا يدَ تصل إليها كي تنقـذها من ضيق التنفّس وتلاشي الأعصاب.

    *
                  

11-30-2014, 10:32 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال : قدمت الوعي . ونحن نقول : سنُساهِم في الوعي. (Re: عبدالله الشقليني)



    (3)
    في مفهوم أهل الذّكر
    بقلم الدكتورة ألفة يوسف
    الملحق الثقافي – الاتحاد الإماراتية 27 /11/2014 |

    تاريخ النشر: الخميس 27 نوفمبر 2014

    عندما كتبت «حيرة مسلمة» (2008) تلقّيت أعدادا مهولة من الرّسائل جلّها عبر (النّت) تتهمني بأني أتكلّم في الدّين وبأنّي اشتغلت على التأويل وسمحت لذاتي المتواضعة أن تحاور أساطين التفسير والفكر الإسلاميّين... ولمّا كان الكلام في الدّين أو الاشتغال على التّأويل أو محاورة السّابقين لا يعدّ تهمة في حدّ ذاته على الأقلّ في قوانين بلادي فإنّ هؤلاء المتّهمين فسّروا تهمتهم بأنّي لست من أهل الذّكر، وبأنّ المجال الدّيني حكر على أهل الذّكر وحدهم. والحقّ أني استحييت أن أسألهم عن كيفيّة الحصول على بطاقة لـ«أهل الذّكر» يشترك في الحصول عليها ابن عبّاس والطبري والرّازي وابن عاشور وحسن البنا وعمرو خالد والقرضاوي وغيرهم. واستحييت أن أسألهم إن كان هؤلاء جميعاً قد تخرّجوا من جامعات دينيّة معترف بها، واستحييت أن أسألهم إن كان أهل الذّكر بالنّسبة إلى كلّ المذاهب والملل المتناحرة منذ قرون قد أمّوا نفس مؤسّسات التّعليم، واستحييت أخيرا أن أسألهم إذا كان أهل الذّكر هم الّذين سيقدّمون لنا صكوك الغفران يوم القيامة وفقاً لما تصوّره أبو العلاء المعرّي في رسالته.
    استحييت من أن أطرح هذه الأسئلة كلّها رغم أن لا حياء في الدّين، لكني فهمت أنّ من التّهم الشائعة التي يتجه بها البعض لكل من يتصدّى للاجتهاد في قراءة النصوص الدينية أنّ الاجتهاد حكر على أهل الذّكر دون سواهم.
    مبدأ القراءة

    لا يمكن أن ينكر أحد أنّ كلّ من سيقرأ نصّا من النصوص ولا سيّما إذا كان ذلك النصّ «مقدّسا» يجب أن يتوسّل إليه بمناهج ومعارف متنوّعة ومتعدّدة. ولكن المشكل أنّ من يمنع عن الناس الاجتهاد إنّما لا ينقد قراءة مّا من حيث المنهج أو المضمون أو الشّكل أو سواها وإنما ينقد مبدأ القراءة نفسه، أي إنّه يصادر منذ البداية حقّ النّاس في قراءة القرآن خصوصا وسائر النصوص الدّينيّة عموما.. وكثيرا ما يستند في هذه المصادرة إلى قول الله تعالى: «...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(النحل/43).
    لن نتبسّط في هذا المقال في مسائل بديهية وإن تكن مفتقرة إلى مزيد البحث والتحليل شأن توجه الله تعالى بخطابه إلى جميع النّاس ودعوتهم بلا استثناء إلى تدبّر القرآن وآيه وتأكيد أنّه يخشى الله من عباده العلماء دون تحديد مرجع هذه الكلمة. لن نتبسّط في هذا كلّه ولكنّنا نريد أن نبيّن أنّ المصادرة المبدئية للاجتهاد في قراءة النصوص الدينية استنادا إلى الآية المذكورة إنّما هي أمر قابل للنقاش والنّظر بالعودة إلى تفاسير القرآن ذاتها لعبارة «أولي الذّكر»...
    يقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ »(النحل/43).
    + المعنى الشّائع اليوم:
    تستعمل عبارة «اسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون» لبيان ضرورة أن يضطلع بالنّظر في مجال الدّين من يتمتّع وفق المجموعة بصفة «أهل الذّكر». وعادة ما تشمل هذه الصّفة هذه الأيّام لدى أهل السنّة ذَكَرا ممّن تشهد له الجماعة بالتفقّه في شؤون الدّين. أمّا لدى الشيعة فتسند هذه الصفة إلى الأئمّة الّذين تميّزهم درجة عليا تجعلهم يعرفون ما لا يعرفه سواهم. وقد يختلف النّاس طبعا في تحديد أهل الذّكر ولكنّ اتّفاقهم حول شخص أو مجموعة منها يسمح بإقصاء من يُتصوّر أنّهم لا ينتمون إلى أهل الذّكر.
    + المعنى الممكن وفق مقام الآية:
    إنّ الخطاب في الآية موجّه إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم« (من قبلك)، وهو يثبت أن الله تعالى قد أرسل قبل محمّد رسلا آخرين اصطفاهم بالوحي. وقد وردت الآية في مقام حجاج مع من ينكر نبوّة الرسول محمّد على أساس أن الله تعالى ما كان يختار مجرّد بشر لاصطفائه بالرسالة. وهذا ما نقله الطبري في تفسيره عن ابن عبّاس إذ قال: لمّا بعث الله محمّدا رسولا أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمّد. وقد ذهب الرّازي في مفاتيح الغيب إلى أن الآية تشير إلى إحدى شبهات النبوّة من منظور المشركين فقال: الشبهة الخامسة لمنكري النبوة كانوا يقولون: الله أعلى وأجلّ من أن يكون رسوله واحداً من البشر، بل لو أراد بعثة رسول إلينا لكان يبعث ملكا».
    القراءة العامة إنّ الآية إذن تريد أن تثبت لمنكري نبوّة الرّسول أنّ سابقيه ممن اصطفاهم الله تعالى بالوحي كانوا أيضا من البشر، وتحتجّ لذلك. ومَنْ أكثرُ قدرة لكي يشهد أنّ سابقي الرسول من الأنبياء هم من البشر سوى أهل الذّكر من الّذين «قد قرأوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنزلها على عباده» (تفسير الطبري). وقد يخصّص أهل الذّكر بأنّهم أهل التوراة إذ «الذّكر هو التوراة. والدّليل عليه قوله تعالى «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذّكر» (الأنبياء/ 105)» (تفسير الرازي). وقد يعمّم معنى أهل الذكر فهم «أهل العلم بأخبار الماضين، إذ العالم بالشيء يكون ذاكراً له» (تفسير الرازي).
    والمهمّ أنّ أهل الذّكر ليسوا بالضّرورة موضوع الصّراع التأويلي الّذي نلحظه هذه الأيام بين بعض المسلمين. وليس أهل الذّكر من يعدّهم أهل السنة وأهل الشيعة وأصحاب المذاهب جميعها، أهلَ ذكر إذا وافقوا مواقفهم وقراءاتهم وينفون عنهم صفة أهل الذّكر إذا ما قدّموا قراءات مختلفة لهم. والأهمّ أنّ أهل الذّكر الذي يطلب منّا القرآن سؤالهم متّصلون بسياق ومقام إنكاري تاريخي مخصوص.
    فإن قيل إن خصوص سبب النّزول لا يمنع إمكان القراءة العامّة للآية قلنا إنّنا لا ننفي ذلك ونرى من الجائز إخراج الآية من سياقها والحديث عن ضرورة سؤال أهل الذّكر أي أهل العلم في حال استعصاء الجواب وشحّ المعرفة. ورغم أنّ هذا الكلام يصبح من البديهيات كقولك إن على الإنسان أن يشرب في حال العطش فإنّه لا بدّ في كلّ الأحوال من الوعي العميق بأنّ الذّكر والعلم نسبيّان إن من المنظور الزّماني أو من المنظور المكاني أو من المنظور الاعتباري التعييني. وهذا الوعي بنسبية القراءة البشرية هو السبيل الوحيد لفتح باب الإصلاح والحوار والاجتهاد.

    *
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de