حلم الـدولة الدينية في الـسودان بين مأزق الايديولوجيا وضرورات السياسة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 02:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-15-2014, 05:59 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حلم الـدولة الدينية في الـسودان بين مأزق الايديولوجيا وضرورات السياسة

    مقال سبق نشره في صحيفة الإتحاد الإماراتية وصحيفة الميدان والراكوبة

    حلم الـدولة الدينية في الـسودان بين مأزق الايديولوجيا وضرورات السياسة
    هذه الدراسة تحاول أن توجز الأسباب الرئيسية لحتمية سقوط الفكر الإسلاموي وتناقضاته الأساسية بين مشروع الدولة الدينية والأيديولوجيا كفكر إنساني..كما تتناول الفكر الإسلاموي بصيغته الإيديولوجية والفكر الإسلامي بصيغته العقائدية ،ونتناول أيضا الإسلاماوية كمصطلح أيديولوجي..وتعريف للمقصد من استخدام مصطلح الإسلاموية كمفهوم مركب يعنى به الإيديولوجيا والإسلام،أي كيان سياسي دنيوي داخل كيان عقائدي ديني .وذلك بالتركيزعلى التجربة السودانية منذ نهاية الدولة المهدية في نهاية القرن التاسع عشر ، اعتمادا على تداعيات سقوط الخلافة العثمانية ، وإلى غاية التراجع الملحوظ في تجربة جبهة الإنقاذ والفصل بين الغطاء الديني للسلطة والحكم وبين ضرورات الفعل السياسي .. الدراسة التي بين أيدينا تكشف أيضا عن تجارب الإسلامويين في الحكم انطلاقا من التجربة السودانية والعثرات التي واجهتهم، وهي بذلك تقدم تجربة خاصة في أبعادها الثقافية والجغرافية ، لتصل بذلك إلى عمومية التجربة في الدول العربية ، وفي ذلك تكمن أهميتها .
    منذ سقوط الخلافة العثمانية ونهاية الدولة المهدية في نهاية القرن التاسع عشر ظلّ حلم بناء الدولة الإسلامية وإعادة الاعتبار للدولة الدينية حلما يراود الكثير من السودانيين خاصة العروبيين منهم ، قد يخبو لحين ، ويتوارى خلال فترات المد الثوري الذي تصنعه الإنتفاضات الشعبية ( أكتوبر 64 وإبريل 85 ) ولكن عوامل عديدة تبعث فيه الحيوية وتعيده إلى الواجهة ويأتي على رأس تلك العوامل النكسات السياسية والإحباطات التي تصيب الحركة الجماهيرية من نتاج فشل الأحزاب والسياسيين في حسم قضايا البلاد الأساسية في الوحدة الطوعية وانتقال وتداول السلطة وتوزيع الثروة والسلام والتنمية.
    أيضاً تتابع الهزائم الفكرية والسياسية للأمة العربية والإسلامية التي تحققها إسرائيل ويعزو الإسلاميون أسباب هزيمة العرب والمسلمين إلى تخليهم عن دينهم والبعد عن الجذور والإصول و سيرة السلف الصالح .
    لكن تلك الأحلام في إقامة الدولة الدينية وبمثاليات الخلافة الراشدة تواجه بظروف موضوعية وذاتية غاية في التعقيد تجعل تحقيقها ضربا من المستحيلات .
    المشروع الإسلاموي.. لماذا
    لماذا الحاجة لكيان سياسي بغطاء ديني ؟ ..عدة عوامل دعت لتأسيس ذلك الكيان في أربعينيات القرن الماضي فعدا العوامل الذاتية والنفسية كانت هناك عوامل أخرى أبرزها التصدي للمد اليساري الشيوعي الذي أثر على عقول المثقفين والطلاب والعمال ، فحتى الاسم الذي ولدوا به (حزب التحرير الإسلامي) جاء كرد فعل لمسمى الشيوعيين وقتها (الحركة السودانية للتحرر الوطني) وأيضا تخوف الإسلاميين من العلمانية وهي في تصورهم أكبر هزيمة تجرعتها الأمة العربية وأنها مفروضة علينا من الغرب الكافر ( حسب نظرتهم ) وهي تعد (في نظرهم أيضا) قتلا للدين باسم الدولة.
    وقد عبر الدكتور'عبد الوهاب المسيري' عن هذا الرأي في تعريفه للعلمانية وهو تعريف يبرهن على مكامن التخوف لدى الإسلاميين ، حيث يقول : ( ان العلمانية في تصورنا ليست فصل الدين عن الدولة كما يشاع في الأدبيات الغربية ، وانما هي عزل القيم المطلقة ' المعرفية والأخلاقية ' عن الدنيا بحيث يصبح الواقع بأسره ' الإنسان والطبيعة ' مجرد مادة توظف وتسخر ، أما إذا تحركنا على المستوى المعرفي لأدركنا التماثل البنيوي بين الرؤية المعرفية العلمانية والرؤية المعرفية الإمبريالية ' وأن الإمبريالية إن هي إلا نقل المنظومة المعرفية والأخلاقية العلمانية من العالم الغربي حيث ظهرت إليبقية العالم ). وأيضا كما أسلفنا من قبل كان هناك دافع لدى الكثيرين بتحقيق حلم إعادة بعث الدولة الإسلامية في السودان ، تصدى لتلك الأحلام والمخاوف الإسلاماويون بعد أن توسعت طموحاتهم من مجرد التصدي للفكر الشيوعي إلى الطمع في سدة الحكم فشاركوا فيه وساهموا في وضع التنظيرات المناسبة لتطبيق الأحكام والتشريعات الإسلامية والتعريب في السودان الحديث بحجة أن الإسلام دين الأغلبية، ( المشروع الحضاري والأسلمة السياسية ) .
    مشروع الخيرالمطلق
    يمثل ذلك المشروع لدى الإسلامويين الخير المطلق وبتلك السببية بررت كل الوسائل لتطبيقه بحجة أن الواقع يمثل الشر المطلق وللتحول العظيم وللوصول لذلك الخير المطلق لابد من التضحيات الجسيمة التي يجب أن يسددها مجتمع الجاهلية الآنية لتجسيد حلم الخير المطلق ، لذا لم يحد الإسلاماويين أي حدود فاصلة بين غايتهم والوسيلة التي يحققونها بها ، بل أكسبوا وسائلهم تلك قدسية مهما تلوثت وتخبّثت ، كالقتل والكذب وإثارة الفتن والتعريض والتهديد والتعذيب والاغتصاب، ما دامت تقود للخير المطلق الذي يتراءى لهم .
    ولكن هل الأمر متروك على عواهنة للإسلاماويين ليفعلوا ما بدا على هواهم للوصول لذلك الخير المطلق أم أن هناك مرجعية فكرية يجب الإلتزام بها؟. يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة :'الأمر الذي يغفل عنه بعض الناس هو أن النظام الاسلامي، ليس وحيا إلهيا، النظم جميعها ابداع بشري، الاسلام يقر الشورى كمبدأ، لكن نظام الشورى نحن الذين نبدعه، ويتغير من نظام لآخر ومن مجتمع لآخر. العدالة مبدأ عام أما النظام الاقتصادي الذي يحققها فأمر آخر قطاع عام أو خاص، تعاوني أو غير ذلك كل هذا يختلف من مكان لآخر أو مجتمع لآخر..'
    إن المرجعية المطلوبة هنا يجب أن تكون مبادئ وقيم الإسلام التي أرسل من أجل إرسائها النبي محمد (ص) والذي لم يبعث إلا ليكمل مكارم الأخلاق ، فهل يعقل أن يكون من الأخلاق في شيء استباحة الحريات العامة وقتل النفس بدون وجه حق وتشريد وتعذيب المعارضين السياسيين وتحويل البلاد إلى جحيم لا يطاق لكل الذين هم خارج أطر الإسلاماويين الحزبية ؟. فهل مهما سمت تلك الغايات ( الخير المطلق ) أن يغفر التاريخ للقادة الإسلاماويين 'الذين نفترض مجازا أنهم أوصلونا له' أن يغفر لهم تلك الجرائم بحق الكثيرين. لا أظن أن ذلك الإرث الثقيل إليها والأيدي التي تلطخت بالدماء سيأتي يوما يغفر لها لا في الدنيا ولا في الآخرة.
    الإمام 'نميري'
    إن المزايدة باسم الدين أمر لم يقتصر على الإسلاماويين فقط بل أنه شمل كثيرين من دعاة تطبيق التشريعات الإسلامية من أحزاب اليمين والوسط التي تدعي الليبرالية ، فمنذ مطلع ستينيات القرن المنصرم أيام عبود (بداية سياسة تعريب الجنوب) مروراً بعهد الإمام نميري (إصدار القوانين الإسلامية أو تشريعات سبتمبر) انتهاء بهوس الإنقاذيين ( إعلان الجهاد) وحتى مراحل الحكم الديمقراطي تخللته الكثير من المساومات والمزايدات السياسية باسم الدين .
    وقد أتت دعوات الأسلمة والتعريب القسري بأسماء وثياب مختلفة.. فمن إسلام الصحوة إلى البعث الإسلامي و دعاة الدستور الإسلامي أو دعاة التأصيل والعودة إلى الجذور،ولكن من بين كل هؤلاء نجد أن برامج الأسلمة والتعريب الذي فاقم المشكل السوداني وأجج أتون الحرب الأهلية وحولها إلى حرب جهادية، وحول أجزاء كثيرة من الوطن إلى دار حرب، وفجرت تلك الأدلجة للدين أسباب الصراع العرقي وأذكت نار الفتنة، وصيّرت الدين ولأول مرة في تاريخ السودان كمشكل سياسي ومزقت نسيج الوحدة الثقافية الهش القائم في السودان.
    البرنامج الماضي تطبيقا وتنفيذا في أرض الواقع حتى تاريخه، هو برنامج الجبهة القومية الإسلامية الذي يعد البرنامج السياسي الحزبي الوحيد الذي وجد سبيلاً للتطبيق والتجريب في الحياة العامة ..فمنذ الإستقلال حيث لم تتح الفرصة لأي حزب سياسي لأن يحكم ويمضي في تطبيق برامجه الحزبية ، إلا أنه في 1976 تاريخ المصالحة الوطنية التي أبرمها النميري مع جبهة الميثاق، استطاع الإسلاماويون من خلالها أن يشقوا طريقهم إلى السلطة ، ولم يألوا جهدا في تنفيذ مخططهم و برامجهم السياسي، لم توقفهم الانتفاضة ولا الديمقراطية الثالثة عما بدأوه ، وعندما لاحت الفرصة لإيقاف نزيف الدم ووقف الحرب بادروا للاستحواذ على السلطة عنوة في يونيو .1989
    لكن ما أسباب فشل المشروع الإسلاموي في السودان؟..جاء في كتاب (الإسلاموية وأعداؤها في القرن الإفريقي) تلخيصا لأسباب فشل تجربة الإسلاماويين في الحكم، في العبارة التالية : على الرغم من رؤية الإسلاميين بأن مشروعهم الإسلامي يمثل بديلا قويا نابضا، ينطوي على وعود كبيرة بجلب الديمقراطية وإحياء المجتمع المدني، والمساهمة في ترسيخ رؤية إنسانية شاملة تمزج بين المشروع الخاص وروح الجماعة والضمانات الاجتماعية، إلا أن حصيلة مشروعهم الكبير كانت، في نهاية المطاف، الفشل ،وقد أدى الفشل على نطاق المشروع الكبير إلى محو مكاسب النجاح التي تحققت على مستوى المشاريع الصغيرة .
    ويشير تحليلنا إلى أنه لا نزعات التجديد الإسلامي، ولا ما تلاها من الأصوليات الجديدة ، تخطت حدود المعالجات الجزئية للمشاكل الصغيرة إلى مستوى ابتداع برنامج سياسي شامل لكل البلاد . وهنا سوف أتناول بالتحليل العلمي الأسباب التي تؤدي لفشل المشروع الكبير أي إقامة الدولة الدينية بيتوبيتها المتواترة إلينا من عهد السلف الصالح والخلافة الراشدة .
    بين الدين ..والأيديولوجيا
    ( لا إله إلا الله ولا ولاء لغير الله والإسلام هو الحل .. والقرآن دستور الأمة ) تلك الشعارات التي يرددها الإسلاماويون لكن وكما ذكر الراحل الخاتم عدلان لو طلبت من عشرة منهم ترجمتها لبرامج سياسية لأتوا بعشرة برامج سياسية وعشر رؤى مختلفة (بعضها يتناقض مع بعض وبعضها يتضارب مع بعض ) وذلك بسبب أن الإسلام هو الإسلام ، أما البرنامج السياسي فهو عبارة عن تطبيق لأيديولوجية فكرية طبقية .
    الأيديولوجيا عبارة عن مجموعة أفكار تعبر عن مصالح طبقة اجتماعية معينة تصارع بها ضد بقية طبقات المجتمع، وحسب التشكيلات الاجتماعية التي عرفتها البشرية منذ انتهاء المجتمع المشاعي بعد ظهور ملكية الأرض والملكية الفردية تولدت الطبقات ، مثلا المجتمع العبودي كانت به طبقتان متناحرتان هما طبقتا الأسياد والعبيد وكانت لكل طبقة أيديولوجيتها وفي ظل المجتمع الإقطاعي كانت هناك أيضا طبقتان متناحرتان هما طبقتا الإقطاع والأقنان وفي ظل المجتمع الرأسمالي كانت طبقة الرأسماليين والطبقة العاملة ولكل طبقة أيديولوجيتها وحتى في ظل المنظومة الاشتراكية تشكلت طبقة حزبية ونتيجة تضارب المصالح وتراكم أخطاء التطبيق أدت في النهاية إلى انهيار تلك الأنظمة كما في الاتحاد السوفيتي وبقية دول شرق أوروبا. إن الأيديولوجيا كنظرية تشكلها طبقة اجتماعية لتدافع بها عن مصالحها الطبقية وهي تُنَظرُها وتبدعها لتوائم بها مصلحتها الآنية والآجلة، وبقدر تصالحها مع الطبقات الاجتماعية الأخرى وبقدر التفاف أكبر قاعدة من الناس حولها وبقدر تماسكها الفكري تجد الأيديولوجية فرصتها للتقدم والنجاح في أرض الواقع ، كما أن الأيديولوجيا تتطور وتتبدل وليس فيها ثوابت ولو تعرضت لأي نوع من الجمود ولم تواكب التطورات العلمية والعالمية والثقافية والاجتماعية سوف تخبو وتنزوي وتفنى مهما أوتيت من قوة ونفوذ .
    وحتى تجد الأيديولوجية طريقها لأرض الواقع وتنتقل من حيز الفكر الإنساني النظري إلى حيز التطبيق العملي تؤسس الطبقة الاجتماعية المعينة التي تلتف حول تلك النظرية التي تدافع بها عن مصالحها حزب سياسي يجد ويكد لكي يجد طريقه إلى السلطة وينافس الأحزاب الأخرى ( الأيديولوجيات الأخرى ) في الوصول للسلطة .
    ان الأيديولوجيات تتغير وتتطور وتنزوي وتضعف في ظل تطور الفكر البشري وازدياد الوعي وتحسن مستوى المعيشة كما تعبر عن مصلحة الطبقة الحاكمة وتأخذ الشكل الحزبي كإطار تنظيمي سياسي لوجودها، وهو اطار ضيق من المستحيل أن يسع كل مصالح المجتمع وذلك لتضاربها وتناقضها .
    أما الدين فهو مصطلح يعنى وبشكل متبادل الإيمان، يعرّف عادة بأنه الإعتقاد المرتبط بما فوق الطبيعة، أي المقدس والإلهي، كما يرتبط بالأخلاق ، الممارسات والمؤسسات المرتبطة بذلك الإعتقاد.
    وبالمفهوم الواسع ، عرّفه البعض على أنه المجموع العام للإجابات التي تفسر علاقة البشر بالكون. وبالخالق . والدين الإسلامي كذلك هو عبارة عن فلسفة إلهية تخص كل الطبقات وتسع كل المجتمع وتعد كل الطبقات بالعدالة في الحقوق وبأنه لا قاهر ومقهور فيها، ويشيع الدين للقيم الثقافية النبيلة ويسعى ليكمل مكارم الأخلاق وذلك بالحث على المودة والرحمة والتآخي ، وهو أولا واخيرا لله ولا وصاية لأحد على احد فيه .
    وللدين في تحقيق أهدافه وسيلتان الأولى: العبادات والثانية: المعاملات، وكلتاهما تخدمان بعضهما بعضا، وتكملان بعضهما بعضا ، العبادات هي ثوابت وأوامر إلهية غير قابلة إلا بالأخذ بها وممارستها بكل هيبة وخضوع ، وهي غير خاضعة لمنطق العقل البشري الدنيوي ، ليس لأنها غير معقولة أو غير منطقية، حاشا وكلا ، ولكن لأنها مسائل إيمانية بحته ، فمنذ أن أتم الله رسالته والصلاة هي الصلاة والصوم هو الصوم والحج هو الحج ..إلخ .
    فالمسلم المؤمن يصوم عن الطعام والشراب خلال شهر رمضان ويصلي ويزكي ويحج للبيت العتيق 'لو أستطاع إليه سبيلا' ، ليس لأن الصوم فقط مفيد أو صحي، أو لأن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر أو لأن الزكاة تطهر الثروة والحج يغفر الذنوب لكن لأن الله تعالى والذي يؤمن به إيمانا كاملاً قد أمره بذلك ، ولو كان هناك أمر آخر للمؤمن بأن يحمل سكينة وينحر أبنه لما تردد أن يفعل وهو ليس بحاجة لأن يأتيه شخص ما ليذكره بأن نحره لأبنه يفيد في مسألة تنظيم الأسرة.
    الورطة التاريخية
    العبادات أوامر إلهية يفعلها المؤمن طاعة لله وقد يفعلها طمعا في جنة أو خوفا من النار ، لكنه في أي من الحالات فهو يفعلها لإيمانه بربه ، تلك ثوابت غير قابلة للنقاش لأنها تتعلق بالإيمان الذي لا علاقة له بمنطق العلم ويمكن أن تتفق معه أو تختلف فعلى المسلم القيام بها حتى يكتمل إيمانه.
    أما المعاملات فهي مكان اجتهاد تتغير بتغير الزمان والمكان لذا تجد تعدد المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية والأحكام المتعددة والآراء المتعددة في كل معاملة.
    يتضح مما ذكر بأن هناك تناقضا بين ثوابت الدين ومتغيرات الإيديولوجيا ، وأن الدين شئ ألهي ليس للبشر إلا أخذه كما هو والإيمان به أو الكفر والشرك به والعياذة بالله، عكس الأيديولوجية التي هي مكون بشري بأفكار بشرية قابلة للأخذ والرد ، والرفض والتغيير، والخروج عنها والعودة لها.
    لذا نجد الورطة التاريخية لكل الأحزاب الدينية التي وصلت إلى السلطة ممتطية صهوة الدين لا تلبث إلا وتتضح حقيقة متاجرتها بالدين وأن ثوب الدين النقي لا يلبث أن تلطخه الأيديولوجية المتسخه ،ولا بد للطبقة التي تتبوء السلطة من أن تقهر بقية طبقات المجتمع من مسلمين وغير مسلمين حتى يتسنى لها الاستمرار على دست الحكم والمؤسف أن يتم ذلك القهر والظلم باسم الإسلام كما هو الحال في السودان.
    من ناحية أخر يقال أن الدين حمال أوجه ولكن لا أظن الدين الإسلامي قد واجه بتحدى ،وبحمل وجه أثقل من مما حمله له الإسلاماويين في السودان . فحينما أمتطى بعض أفراد الطبقة الوسطى السودانية صهوة الإسلام وأخذوا يتخذون منه سلاحا فكريا لمواجهة ومحاربة الأفكار الشيوعية لم يكن يدور بخلد أي منهم في ذلك الوقت بأنهم بصدد تكوين حزب طبقي سينتهي به الأمر كحزب فاشي إقصائي في بلد تعددي في كل مكوناته الثقافية والإثنية..حزب سيتأتى عليه يوم يتخلى فيه عن كافة القيم والأسس التي بني عليها الدين، ويضحي بالوحدة القائمة ويحول البلاد لسجن كبير ومن ثم يبدأ مسلسل التنازلات عن ذلك الفكر الإسلامي بدءا من مبادئه العامة وحلم الغلابة بتحقيق العدالة الراشدة، وانتهاءً بالأحكام القطعية فيه والتي منها يستمد شرعنة وجوده في السلطة والساحة السياسية والشارع . .حزب سيتخلى عن كل شئ عدا تشبثه واستمراره في السلطة، ولو تسنى له الاستمرار في السلطة سيتسبب في تفكك البلاد وتغييبها من الخريطة إلى الأبد.
    عاطف عبد الله:
    atifgassim"gmail.com
                  

06-15-2014, 06:53 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حلم الـدولة الدينية في الـسودان بين مأزق الايديولوجيا وضرورات السياسة (Re: عاطف عبدالله)

    الأكرم : الروائي الأستاذ / عاطف عبد الله
    تحية طيبة وكثير عرفان لمجوعة الدراسات الصبورة حول قضايا اتخاذ العقيدة وسيلة للوصول إلى السلطة . وليس من السهل الغوص في دراسة ، لها أكثر من رافد ، وتمس قضية طال عليها الزمان ....
    أرفق لك مقابلة تمت في الاتحاد الثقافي :

    *
    *
    *

    المفكرة التونسية مهددة بالقتل وتقبع في بيتها تحت الحراسة المشددة
    ألفة يوسف: ما يفعله القرضاوي استنساخ رديء |

    *

    تاريخ النشر: الخميس 05 يونيو 2014
    تقف الدكتورة ألفة يوسف صاحبة المؤلفات الغزيرة والمواقف الفكرية والتأويلات الدينية المختلفة مع السائد في الكثير من الأحيان، على مسافة من الجميع، لكن ذلك لم يمنعها اليوم أن تبقى سجينة بيتها في تونس بسبب وجود حراسة خاصة بها، وتهديدها بالقتل من قبل الجماعات الدينية المتطرفة، لكنها رغم كل ذلك تكتب وتفكر وتصنع الحياة على طريقتها.
    المسلمون حنطوا تراثهم وتاريخهم وقدّسوا السابقين خلافاً لأسلافهم
    مدرسة الفقه تكلست حتى أصبح الإسلام يُلخّص في قائمة من الأوامر والنواهي
    **
    حاورها / ساسي جبيل
    في هذا اللقاء نطرح معها بعض القضايا التي باتت تشغل بال المثقفين ورجال السياسة في الوقت الذي يتواصل فيه نزيف الدم العربي والإرهاب الذي يقلق مضجع خير أمة أخرجت للناس، ومن المؤسف أنه باسم الدين وتحت غطائه أصبحت الأمور تدبر بليل، وترسخ فكرة أصبحت يقينا عند أغلبية الملاحظين والدارسين للراهن العربي، وهي أن بعض شيوخ الدين والفتنة باتوا بفتاواهم ورؤاهم يروجون للموت قبل الترويج للحياة.
    من سجنها الاضطراري تحدثت الدكتورة ألفة يوسف لتقول: لا للإرهاب الفكري، لا للإرهاب الدموي، نعم للاجتهاد والتأويل والحب والحرية.
    قضايا المرأة
    and#9670; ما الأسباب الكامنة وراء حرصك على تناول قضايا المرأة في الخطاب الثقافي الفكري في الوطن العربي؟
    and#9670;and#9670; تناول قضايا المرأة ليس مستقلا عن تناول قضايا الرجل ومن ثم قضايا المجتمع عموما. ربما كان مدخل المرأة مفيدا أكثر لإحالته على تصور عام (ليس عربيا إسلاميا فحسب) يقوم على اعتبار الرجل طراز الإنسان بما يجعل المختلف أي المرأة لافتا للانتباه، وهذا ما يفسر وجود سورة النساء في القرآن الكريم رغم أن ما فيها من أحكام لا يخص المرأة وحدها بل المرأة في علاقتها بالرجل. ولا ننسى أن أول (غَيْر) يتعامل معه الإنسان ذكرا كان أو أنثى هو الأم، وهذا ما يفسر عمق علاقتنا بالأنثوي وفق اللاوعي مثلما بينه التحليل النفسي.
    and#9670; هل تخلص الخطاب العربي اليوم من المخيال التقليدي الذي يسطر أكثر أطروحاته، وما الحلول الكفيلة للخروج به من هذا الضيق والانحسار؟
    and#9670;and#9670; يحاول الخطاب العربي أن يتخلص من المخيال التقليدي لكن هذا الأمر ليس سهلا ولا يمكن أن يتحقق بالالتفات عن الجذور التقليدية والإعراض عنها مطلقا. نحن في حاجة إلى محاورة تراثنا وإلى تفكيكه ذلك أنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تنكر مخيالها مهما تنوعت روافده ولا يمكنها الدخول في الحداثة إلا بإعادة قراءته من منظورنا الحديث، وهذا ما قام به الغربيون وما حاول بعض العرب القيام به شأن محمد عابد الجابري أو نصر حامد أبو زيد وغيرهما. غير أن تلك المحاولات بقيت للأسف محاولات فردية وجزئية. ومع ذلك أظل متفائلة بإمكان دخول البلدان العربية في الحداثة الفكرية لسببين. أولهما أننا اليوم نعتمد الوسائط الحديثة، وهي تؤثر بالضرورة في تمثلاتنا ورؤانا سواء أوعينا ذلك أم لم نعِ. والسبب الثاني هو أنه كلما زادت قوى الشد إلى الوراء دلّ ذلك على خوفها وفزعها من انتشار التمثلات الحديثة. فمن الشائع أن الظواهر في طريقها نحو نهاياتها أو إعادة تشكلها إنما تقاوم مقاومة شرسة أخيرة. وهذا ما يحصل اليوم في كثير من البلدان العربية المسلمة.
    تراجع دور النخب
    and#9670; لماذا تراجع دور النخب داخل المجتمعات العربية اليوم؟
    and#9670;and#9670; لسببين. الأول عام وهو أن وسائل الاتصال الحديثة ولا سيما شبكات التواصل الاجتماعية مكنت كل شخص من أن يكون هو منتجا للفكرة مهما تكن قيمتها، فتراجَع الكتاب والمكتوب عموما بصفته كان المحدد الوحيد لصاحب السلطة المعرفية دونا عن سواه. بل أكثر من ذلك أصبح كل شخص قادرا على أن ينشر فيديو من موسيقى أو شريط قصير أو مجرد محادثة ويمكنه أن يصل بذلك إلى قدر كبير من الناس. أما السبب الثاني، فخاص، وأساسه أن بعض النخب لم تفهم بعد ضرورة أن تعمد هي بدورها إلى وسائل الاتصال الحديثة للتفاعل مع الناس. لا يعني هذا فقدان الكتاب أو الموسيقى أو الشريط السينمائي إلخ... قيمته، لكنه يعني أن على هذه المظاهر الثقافية كلها أن تذهب إلى المتلقي وأن تحسن تسويق أعمالها وأن تحاول التعبير عما يخالج عموم الناس. واليوم أكثر من أي وقت مضى على النخب أن تتخلى عن وهم التفوق وأن تخرج من انغلاقها وأبراجها العاجية لتتواصل مع الناس في زمن كثرت فيه محامل التواصل وعز التواصل الصادق.
    and#9670; اتهمك كثير من شيوخ الدين بأنك في (حيرة مسلمة) طعنت في عدالة الصحابة من خلال إشارتك إلى انزعاجهم واستنكارهم لكلام الله المتعلق بمسألة ميراث المرأة، ماذا تقولين لهؤلاء؟
    and#9670;and#9670; ليس هناك بشر معصوم من الخطأ. طبعا تتنوع الأخطاء بين صغائر وكبائر ويختلف تأثيرها وتقييمها. ولكن لا يمكن أن ننكر أن الله يقر في القرآن الحكيم أنه قد ألهم النفوس جميعها الفجور والتقوى: “ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها”، وهو عزّ وجلّ في قرآنه الحكيم يؤكد أن الأنبياء أنفسهم أخطؤوا، وما معاتبته الرسول عليه الصلاة والسلام (في مسألة الأعمى ومسألة سعيه إلى رضا زوجاته) وما توبته تعالى عن آدم وما استجابته ليونس إذ أكد أنه من الظالمين وما توبته عن موسى بعد مطالبته الله برؤيته إلخ... إلا دليل على ذلك. هذا بالنسبة إلى الأنبياء فما بالك بالصحابة، وهم بشر لا شك أن لهم خصالا كثيرة وأن عددا كبيرا منهم مبشر بالجنة، ولكن هذا لا ينفي أنهم غير معصومين من الخطأ. والأهم من هذا كله أني لم أعرض للمسائل من منظور تقييمي، فأنا بشر لا يمكن أن أحكم على الآخرين مهما كانوا ولا يمكن أن أرميهم بحجر وأنا الخطّاءة مثلهم. كل ما قمت به هو أن نقلتُ ما ورد في كتب التراث من أحداث تاريخية. أنا لم أكن حاضرة في تلك الفترة واستندت إلى كتب التاريخ والتفسير والفقه التي أوردت الخبر الخاص بتحفظ الصحابة إزاء حكم القرآن في الميراث. وهنا يمكن أن يُطرح سؤالان دالان، الأول هو: ما الذي جعل القدامى لا يتحرجون من نقل هذه الحادثة في حين أن المحدثين أصبحوا يقدسون الصحابة؟ وتساؤلي هذا يتجاوز هذه الحادثة إلى أخبار أخرى لم يكن القدماء يتحرجون منها في حين يحاول المحدثون تجنب الخوض فيها أو يتعاملون معها من منظور دفاعي شأن زواج الرسول من زينب بنت جحش زوجة ابنه بالتبني أو نزول القرآن الكريم على الرسول بالمعنى دون اللفظ وسواهما من المسائل التي يتعامل معها القدامى بيسر ورحابة صدر ويتعامل معها المحدثون بقلق وحرج. أما السؤال الثاني فهو متصل بموقفنا من تاريخية القرآن. فما الذي يزعج في تحفظ للصحابة على إعطاء المرأة نصف الميراث في مجتمع لم يكن يورث إلا من يعمل في المال ويقوم عليه؟ موقف الصحابة عادي يؤكد انغراسهم في حوضهم الثقافي والمعرفي ويبين مدى ثورية القرآن في تمكينه المرأة من نصف الميراث. وأنا أعدّ هذا النصف حداً أدنى لا حداً أقصى مثلما ذهب إلى ذلك الأستاذ يوسف الصديق.
    الاستنساخ الردي
    and#9670; يقول الدكتور يوسف القرضاوي أنه من المساهمين في تطوير الفقه الإسلامي لينسجم مع روح العصر ما رأيك في هذا؟
    and#9670;and#9670; ما يفعله القرضاوي وأمثاله مجرد استنساخ رديء لما كان يفعله الفقهاء سابقا، ذلك أن الفقهاء كانوا في استنباطهم للأحكام متفاعلين مع سياقهم وبيئتهم شأن الشافعي الذي اختلفت أحكامه بين العراق ومصر. وأنا أعتقد أن أبا حنيفة، مثلاً، متلائم مع روح عصرنا أكثر من القرضاوي. ومن جهة أخرى، فإنه من الغريب أن تصبح الفتاوى مجرد استجابة لمصالح سياسية وتجاذبات مادية. هل من مقاصد الدين أن يفتي البعض بالقتل والدمار واستباحة الدماء والأعراض؟ هل من مقاصد الدين التغرير بشباب جاهل في جلّه وإيهامه أن في قتل سواه جهادا ومدخلا إلى الجنة؟ إن أكبر مصيبة حلت بالعالم الإسلامي أن بعض “شيوخ الدين” يريدون أن ينشئوا كهنوتا في الإسلام الذي يقوم على غياب الوساطة بين الإنسان وربه. ويا ليته كهنوتا يسعى إلى تقريب روح الإسلام ومقاصده وأخلاقه من شعوب أمّية جاهلة متخلفة في جلها، إنه كهنوت يريد أن يتاجر باسم الدين وأن يبيع اسم الله تعالى لمن يدفع أكثر. ولا يهم إن كان الثمن آلاف الأرواح البريئة التي تُزهق وآلاف المغرر بهم الذين يُزج بهم في معارك وحروب لا معنى لها سوى مزيد من تكديس الأموال في جيوب المفتين من جهة وتمكين القوى الاستعمارية من مص دماء العرب المسلمين أكثر فأكثر... ماذا أقول للقرضاوي وسواه؟ أقول إنه إن كان يعلم أن ما يفعله تجارة بالدين فتلك مصيبة وإن كان لا يعلم فالمصيبة أعظم. يا ليتنا نحاول التحلي ببعض من أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن يبدو أن إغراء المال والسلطة أكبر. وسأصدق هؤلاء الشيوخ عندما أراهم يرسلون أبناءهم هم إلى القتال لا أبناء الفقراء والسذج المغرر بهم.
    غياب الاجتهاد
    and#9670; ما هي برأيك أسباب غياب الاجتهاد في المنظومة الدينية الإسلامية اليوم؟
    and#9670;and#9670; من مشاكل المسلمين أنهم حنطوا تراثهم وتاريخهم وقدسوا السابقين وكأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، وكأن كل ما قاله السابقون حقيقة مطلقة، وذلك خلافا لأسلافنا الذين كانوا يتحاورون ويتجادلون في كل المسائل والقضايا. ويكفي أن نعود إلى الكتب القديمة لنُصعق بالفرق الكبير بين ثقافة الحوار المنفتح على كل الإمكانات بين القدماء من جهة وانغلاق المحدثين عن أي إعمال للنظر والفكر بل تحويلهم ما قاله السابقون إلى أصنام تُعبد. إن خطأ بعض المتأسلمين اليوم، يتمثل في عبادتهم لاجتهادات القدماء ناسين أنها شأن كل عمل بشري اجتهادات بشرية متصلة بذوات أصحابها وسياقهم التاريخي. وبعبارة أخرى، فإن هذه الاجتهادات على قيمتها المعرفية والفكرية لا تمثل حقيقة مطلقة بل محاولات نسبية. إن الاجتهاد يجب أن يظل مفتوحا ما بقي البشر وبقيت الحياة، لكن البعض يريدون إقصاء الفكر والعقل من الإسلام حتى يجهّلوا الشعوب ويحكموا سيطرتهم عليها باسم الدين، وهؤلاء هم من يرفض الاجتهاد أو يجعله حكرا على أنفسهم فحسب. وها نحن نرى أن المسلمين تخلفوا اقتصاديا وعلميا وسياسيا إلخ... من زمن تخليهم عن الاجتهاد وتعويضه بما أسميه الكهنوت الإسلامي الجديد.
    القتل باسم الإسلام
    and#9670; لماذا باتت صورة الإسلام اليوم مرعبة ومخيفة؟ وهل أن نخاف على الإسلام أم على المسلمين؟
    and#9670;and#9670; اتصال الإسلام بالسياسة بكل ما فيها من مصالح وحسابات أحيانا هو ما جعل الديني الروحاني يتراجع وهو ما جعل البعض يبررون العنف والاعتداء على الآخر والقتل باسم الإسلام والإسلام منهم براء. يجب أولا أن نفصل الإسلام عما يفعله به أهل السياسة أو بعضهم، ويجب أن نضع في الصدارة بُعد الإسلام الروحاني العميق. أقول دائما إن في تراثنا مدرستين مدرسة الفقهاء ومدرسة المتصوفة، ومن المؤسف أن مدرسة التصوف بكل ما يمكن أن تحمله من أبعاد وآفاق قد ضمرت في مقابل ازدهار مدرسة الفقه وتكلسها مع الزمن حتى أصبح الإسلام يُلخص في قائمة من الأوامر والنواهي، في حين أنه الدين الذي يقدم مشروع حياة مؤمنا بالفرد وحريته ناشدا طمأنينته وسكينته.
    ولعل أكثر ما يزعجني أن الصورة العنيفة التي قدمها البعض عن الإسلام قد أغرت بعض شباب المسلمين بالابتعاد عن التدين وأغرت البعض الآخر باعتناق أديان أخرى. إن علينا اليوم أن نتباحث في شأن الإسلام واعين بأن آيات الأحكام في القرآن جزء يسير منه، فلماذا نركز عليها ونضرب صفحا عن الجوهر الأخلاقي الروحاني؟
    and#9670; هل نحتاج اليوم إلى تفسير متجدد للقرآن الكريم (وهو الحمّال لأوجه) كما قال الإمام علي بن أبي طالب؟
    and#9670;and#9670; كلام الله سبحانه وتعالى في حاجة كل لحظة إلى قراءته والتأمل فيه. فكرة التفسير من الفِكَر التي حبست النص الديني وأغلقته ضمن وصفات جاهزة توهم بأن المعاني محدودة ومنتهية في حين أن الأمر غير ذلك. إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم: “أفلا يتدبّرون القرآن، أم على قلوب أقفالها؟”. وأعتقد أن استعمال فعل “تدبّر” هنا هام جدا لأن التدبّر ليس تفسيرا منغلقا ولكنه قراءة متجددة بتجدد الحياة ذاتها. الإنسان متحول، والزمن متحول، والمكان متحول، والقرآن يحتوي ثراء دلاليا لا ينتظر إلا أن نفتح عقولنا وقلوبنا حتى نبلغ بعض درره. إن الاختلاف هو جوهر حياتنا، والله تعالى يؤكد أن هذا الاختلاف عادي، ويؤكد أنه سينبئنا يوم القيامة فيما اختلفنا فيه: “إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون”. أرى أنه ليس هناك تفسير قديم أو حديث، ولكن هناك تدبّر قلبيّ عقليّ لكلام الله ممتد عبر الزمان والمكان.
    التعدد والحجاب
    and#9670; ما رأيك في منع تعدد الزوجات في تونس، وهل ينسجم ذلك مع الدين الإسلامي وما جاء به القرآن؟
    and#9670;and#9670; أعتقد أن تعدد الزوجات شأنه في ذلك شأن الرق هو من الممارسات الموجودة في المجتمع بصفتها مؤسِسة لنسيجه الاجتماعي. ويعسر إلغاء هذه الممارسات دفعة واحدة بل لعل ذلك يستحيل. إن القرآن والحديث لم يلغيا الرق وتواصل العمل بمنظومة الرق مدة قرون في البلدان المسلمة حتى كانت تونس أول بلد يلغي الرق سنة 1846. وكذا الشأن بالنسبة إلى تعدد الزوجات فقد كانت تونس أول بلد ألغى العمل به سنة 1957 عند صدور مجلة الأحوال الشخصية. وما لا يعرفه الكثيرون أو يتجاهلونه أن هذا الإلغاء لم يكن إلا اجتهادا في النص الديني على أساس أن الله تعالى اشترط العدل في الزواج بأربع وأكد بصريح العبارة استحالة العدل بين النساء ولو حرص الأزواج. “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”. ورغم أن المفسرين القدامى حددوا استحالة العدل المنصوص عليها في القرآن بأنه العدل في المشاعر والأحاسيس لأن القلوب بيد الله عز وجل، فإنه لا وجود لأي تخصيص في القرآن. وهؤلاء تعسّفوا على معنى العدل الذي ذكره الله تعالى عاما ليضيّقوه دون أي قرينة. ومن جهة أخرى، فأنا أعتقد أن العودة إلى الآية الثالثة من سورة النساء تؤكد أن شرط إباحة الزواج بأربع متصل بعدم الإقساط في اليتامى. “وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع”. وهذه الآية تحيل على من خشي من الأولياء عدم العدل في اليتامى فنكحهن بأدنى من صداقهن. وقد فسرت السيدة عائشة رضي الله عنها الآية بهذا المعنى. ومؤسسة الولاية أصلا لم تعد موجودة. وأنا أعتقد أن رفض الرسول عليه الصلاة والسلام زواج علي بن أبي طالب بزوجة أخرى سوى السيدة فاطمة رضي الله عنها دليل على أن الأصل في الزواج ليس التعدد. وفي القول حجج أخرى فصلتها في كتيّب: في تعدد الزوجات.
    and#9670; هل أن الحجاب واجب ديني أم هو أمر اختياري؟ وهل في الأمر دليل أو مستند شرعي؟
    and#9670;and#9670; مسألة الحجاب أيضا فيها قراءات متعددة جمعتها في كتيّب بعنوان: في الحجاب. وفق قراءتي التي بينتها وأتحمل مسؤوليتها أمام الله سبحانه وتعالى الحجاب ليس فرضا. ولكني أعتبر أن من تراه فرضا هي حرة أيضا في قراءتها، وهذا معنى أن جوهر الإسلام هو الحرية وأن الله سبحانه وتعالى وحده يحكم بين البشر.
    من جهتي أعتقد أن إدناء الجلابيب متصل بالتمييز بين الإماء والحرائر، ولست أنا من قلت ذلك وإنما أجمع عليه المفسرون والفقهاء. وربما لا يعلم البعض أنه يحق للإماء الصلاة وصدورهن مكشوفة على أساس أن عورتهن مثل عورة الرجال. كما أعتقد أن الله تعالى في سورة النور قد ترك الظاهر من الزينة غير محدد ولا يمكن أن يكون ذلك إلا عن حكمة لأن ما يصح أن يظهر من الزينة هو أمر متحول بتحول المجتمعات والأزمنة. كان يمكن أن يذكر الله سبحانه وتعالى تغطية الشعر بصفة مباشرة ولكنه عزّ وجلّ لم يفعل. ولا يمكن أن يكون ذلك إلا لحكمة عميقة. أما الأحاديث التي يُستند إليها لإثبات حجّية الحجاب فهي مرسلة ضعيفة وفق تصنيف المحدثين أنفسهم. وأتصور أن القيمة الكبرى التي أصبح يضفيها المحدثون على حجاب المرأة تندرج في إطار الإيهام بالسيطرة على الأنثوي. إن حجاب المرأة إهانة للرجل لأنه يصوره على أساس أنه ضعيف عاجز لا يمكنه التحكم في غرائزه. فكيف يكون كذلك ويكون محترما وفاعلا بل قواما إذا كان هو المنفق؟.
    العلمانية الدينية!
    and#9670; تصنفين نفسك كعلمانية دينية، لو فسرت لنا هذا التصنيف، وهل من علاقة بين الديني والعلماني؟
    and#9670;and#9670; عادة لا أستعمل مصطلح العلمانية لأنه مصطلح أسيء فهمه لدى المسلمين لا سيما أن الإسلاميين وسادتهم قد شوهوه قصدا ليتمكنوا من حكم الدول العربية واستغلال ثرواتها عبر عمالة الحكام المتأسلمين. أفضل القول إني مسلمة وأنشد الإيمان. وقد بينت في كتابي: “شوق” الفرق بين الإسلام والإيمان، فمثلما قال القدامى: “كل إيمان إسلام لكن ليس كل إسلام إيمانا”. الإسلام سهل والتجارة بالدين أسهل أما الإيمان بما فيه من عمق فردي وطريق وعرة قاسية وتجربة روحانية فإنه عسير لأنه يدخل القلوب ولا يحتاج إلى مظاهر شكلية أو مزايدات أو ادعاء بأن فلانا أقرب إلى الله من فلان. الإيمان جوهره التواضع والإسلام جوهره أوامر ونواه.
    and#9670; لماذا تمتعض المرأة اليوم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ناقصات عقل ودين)؟
    and#9670;and#9670; ليس من الضروري أن تمتعض المرأة من هذا الحديث، وإن كان من امتعاض بل ثورة لازمة فهي على مَنْ يسيء مِن المحدثين فهم هذا الحديث وتوظيفه. إن هذا الحديث يمكن أن يوضع في سياقه الذي ضبطه القدماء، ولكنه يمكن أن يُقرأ أيضا قراءة حديثة نفسية مثلما حاولت تقديمه في كتابي: “ناقصات عقل ودين”. وهي قراءة تبين اختلاف الذكوري والأنثوي لا أفضلية أحدهما، وهي تؤكد أن الانشطار بين ذكوري وأنثوي هو من سمات البشر في مقابل وحدانية الإله ووحدته. إن الله سبحانه وتعالى لا يميز بين عباده إلا بالتقوى وحدها، وكل الأوهام القروسطية لأفضلية جنس على جنس آخر ليست إلا صنيعة ذكورية سلطوية لا علاقة لها بجوهر الدين الإسلامي.
    الثورة والقتل
    and#9670; أنت مهددة بالقتل في تونس وعليك حراسة مشددة، فهل أن ما يسمى بالثورة التونسية جاءت لتقيم الحد على كل فكر مستنير؟
    and#9670;and#9670; الحق أن هذا التهديد بالقتل قد سبق ما يسمى “الثورة”. ولكنه أصبح بعدها قابلا للتنفيذ بحكم انتشار السلاح في البلاد والانفلات الأمني. وهذا ما يفسر أني أحيا تحت حراسة مشددة منذ سبعة أشهر. وليس تهديدُ مفكر أو كاتب مستحدثا في بلاد المسلمين فلا ننسى أن فرج فودة قد اغتيل وأن نجيب محفوظ قد طُعن وأن عددا كبيرا من الكتاب على قوائم الاغتيال. إن هؤلاء المجرمين لا يعرفون أن الفكرة لا يمكن أن تُقتل، أما الموت فإنه حق علينا جميعا نحن البشر. ولا يموت أي شخص إلا إذا حضرت ساعته فلا يزيد دقيقة ولا ينقص. ويبدو أن هؤلاء المجرمين لا يعرفون أيضا أن القتل هو أكبر الكبائر ولا يعرفون أن الله تعالى هو وحده العالم بمن ضلَّ ومن اهتدى. ألم أقل لك من البداية إنهم قوم لا علاقة لهم بالإسلام؟
    and#9670; في كتابك الصادم للثقافة التقليدية (وليس الذكر كالأنثى) كنت جريئة أكثر من اللزوم، فهل نحتاج اليوم إلى مثل هذه القراءات في المسكوت عنه؟
    and#9670;and#9670; لا أعرف معنى جريئة “أكثر من اللزوم”، فهل هناك حد للتفكير والمعرفة؟ هذه الحدود لا تجدها إلا عند العرب المسلمين اليوم، فحتى السابقون كانوا أكثر منا تفتحا. هذا الكتاب عرض لمسألة الهوية الجنسية انطلاقا من واقع الممارسات الجنسية ومن الاستعمالات اللغوية المحيلة عليها أي انطلاقا من تمثلنا الثقافي للجنسي. وحاول الكتاب أن يفسر الأسس اللاواعية لهذا التمثل استنادا إلى التحليل النفسي. صحيح أن الكتاب لاقى انتقادات عنيفة، ولكنه لاقى أيضا ترحيبا ورواجا لدى القراء. وهذا يؤكد أن الشعوب أو بعضها على الأقل مستعد لتكسير التابوهات والمحرمات. ولن نستطيع أن نتحرر وأن نشفى من عقدنا إلا إذا تحدثنا في المكبوت وأشبعناه بحثا وتحليلا.
    المثال التونسي
    and#9670; ماذا قدم الزعيم التاريخي الحبيب بورقيبة للمرأة التونسية، وهل استطاعت مجلة الأحوال الشخصية التونسية أن تجعل المرأة التونسية منسجمة مع دينها الإسلامي؟
    and#9670;and#9670; الزعيم الحبيب بورقيبة قدم الكثير لتونس عموما وللمرأة التونسية خصوصا. وعندما نقول الزعيم الحبيب بورقيبة فإننا نحيل على بعد أعمق من الفرد ذلك أن بورقيبة يندرج ضمن الفكر الإصلاحي التونسي، الذي يشمل الطاهر الحداد وسالم بوحاجب وعبدالعزيز الثعالبي وسواهم. لكن بورقيبة استطاع أن يحقق التغيير الفعلي عبر القوانين التي لم تنصف المرأة وحدها وإنما أنصفت الأسرة عموما. صحيح أن المخيال الاجتماعي بتونس ظل متأخرا بالنسبة إلى قوانين مجلة الأحوال الشخصية، لكن التفاعل والعلاقة الجدلية بين القانون والواقع ساهمت في تطوير وعي النساء والرجال. ولولا ذلك لما استطاع المجتمع المدني التونسي برجاله ولكن خصوصا بنسائه أن يتصدى للمشروع الإخواني الأفغاني في تونس. إن بورقيبة يقول إنه أنشأ منجزات صلبة يعسر هدمها ولعل أكثر هذه المنجزات صلابة هي المرأة التونسية المعتزة بأفكارها واختياراتها. وجلّ نساء تونس المسلمات نافذات إلى مقاصد التشريع واعيات بأنه بقدر ما أنصف الله تعالى المرأة وأعزها، يحاول المتكلمون باسمه إذلالها واستعبادها. فالمرأة التونسية متصالحة مع الإسلام وأبرز دليل على ذلك وقوفها مثل الشوكة في حلق المتاجرين بالدين.
    ألفة يوسف في سطور
    ألفة يوسف كاتبة ومؤلفة وناقدة ومفكرة تونسية، ظهر نبوغها المبكر منذ أن أصبحت أصغر أستاذة جامعية في تونس منذ عقدين ونيف، وهي أكاديمية مختصة في اللغة العربية واللسانيات، وتعتبر اليوم من أبرز الأسماء الفكرية النسوية في تونس والوطن العربي، لما تتمتع به من جرأة في الطرح وتناول للمسكوت عنه.
    شغلت الدكتورة ألفة يوسف منصب مديرة المعهد العالي لإطارات الطفولة بقرطاج، ومديرة عامة للمكتبة الوطنية التونسية، ولكنها قدمت استقالتها منها على خلفية اقتناعها بأنه لم يعد بإمكانها مواصلة الاضطلاع بمهامها في جو مشحون بالفوضى والتمرد الإداري، وذلك إثر ما يسمى بثورة 14 يناير 2011 في بلادها.
    تناولت في أطروحتها العلمية للدكتوراه موضوع «تعدّد المعنى في القرآن» رابطة بين اللساني والديني.
    قدمت العديد من البرامج التلفزيونية المتعلقة بالكتاب أساساً، وعملت في منصب أستاذة مساعدة بالجامعة التونسية منذ 1989، ثم أستاذة جامعية في 1992، وأستاذة محاضرة منذ 2002 بكلّية الآداب والفنون والإنسانيّات، وأستاذة منذ أكتوبر 2007 بالمعهد العالي للّغات بتونس. درّست اللّسانيّات والأدب والحضارة لطلبة المرحلة الأولى والثّانية والثّالثة. أطّرت عديد الطّلبة في مذكّرات البحث وشهادات الماجستير، وكانت عضوا في لجان الماجستير والدّكتوراه والتّأهيل الجامعيّ.
    رفدت الساحة الفكرية بالعديد من المؤلفات التي أكسبتها شهرة واسعة، وأثارت جدلاً كبيراً في مختلف الأوساط الثقافية داخل تونس وخارجها
    *
    ومن أهم مؤلفاتها:
    نساء وذاكرة (مؤلف مشارك، تونس 1992).
    بحوث في خطاب السّدّ المسرحيّ (مؤلف مشارك، تونس 1994).
    المساجلة بين فقه اللغة واللسانيّات (تونس 1997).
    الإخبار عن المرأة في القرآن والسّنّة (تونس 1997).
    تعدّد المعنى في القرآن (تونس 2003).
    ناقصات عقل ودين (تونس 2003): مقاربة نفسيّة لبعض أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
    حيرة مسلمة: في الميراث والزّواج والجنسيّة المثليّة (تونس 2008).
    شوق.. قراءة في أركان الإسلام (تونس 2010).
    سلسلة بعنوان «والله أعلم» (تونس 2012).

    *
                  

06-16-2014, 05:48 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حلم الـدولة الدينية في الـسودان بين مأزق الايديولوجيا وضرورات السياسة (Re: عبدالله الشقليني)

    شكراً المهندس الأديب الشقليني
    هذا الحوار يلخص عمق الأزمة التي نمر بها، والتي يمكن تسميتها "أزمة العقل المسلم" في غمرة مرحلة الإنحطاط التي نعيشها ونحن كما قال الإستاذ جمال عربي
    Quote: إن مانطرحه من أفكار بديلة له أساس في داخل الدين الإسلامي نفسه، أي أننا لسنا في موقع تضاد مع رسالة السماء وإنما في حالة عداء كامل مع منتوج قوى سلفية تمكنت، بفعل عوامل مختلفة، من الإستيلاء على الدين وإحتكارها تفسيره وتحنيط تعاليمه، فجمدت العقول ودجنت الألسنة وصادرت المشاعر وحبست كل ذلك في قمقمها الضيق، ولا نرى صباحاً ينبلج لهذه الأمة المسلوبة الإرادة بدون تحطيم ذلك القمقم بما تبقى لها من بعض قوة.


    لهذا لن تخيفنا تلك النمور الورقية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de