|
|
|
 Re: علوية بت الامير / لمسة وفاء (Re: عبدالحفيظ ابوسن)
|
الاهــــــــــــــداء : الى حبيبتي ...
لعلي مع تساقط ذكريات كثيرة من طفولتي بالتقادم ومرور الزمان ، فلم يبق منها الا وشم يزين يدي التي تكتب هذه ، اثرت ان اكتب كلمات واسرد ذكريات مع هذه السيدة الفاضلة التي وهبت عمرها لطفلين بعد رحيل الرفيق المبكر .... والذي تركها معهما زغب الحواصل بلا درهم ولا دينار .
واعلم قارئي الكريم ان العبد لله هو المولود الاول لهذه السيدة بعد عشرة اشهر وعشرين يوما من عقد قرانها ... ولا زالت بت الامير تحتفظ بتلغراف من ابي هذا نصه :
" حمد الله على السلامة ... عاصم مبروك "
وكان هذا بمثابة اخطار باسم المولود الذي تفتحت عيناه على الدنيا في الحادي والعشرين من اكتوبر في ذلك العام .
ولعل من اوائل ما اذكره من طفولتي ان ابي - رحمه الله - كان صاحب كنتين بالشعبية بحري ، فكان ياتي لزيارتنا لماما وفي الاعياد .... فمنذ ذلك الزمان ارتبطت ببت الامير واعتمدت عليها في كل شئ وكانت في كثير من الاحيان الاب والام معا .
وقد كنت شديد التعلق به ، فاذا حضر انتقلت لانام في احضانه وتمردت عليها ... فاذا سافر عدت الى حضنها الذي يستقبلني راضيا ... فلم اخرج منه الا وقد بلغت التاسعة من عمري عندما شقت صرخة مولودة ثانية الوجود معلنة عن شقيقتي التي طال انتظارها .
والحقيقة انها لم تكن المولود الثاني بل الثالث بعد طفل لم تشا الاقدار له ان يرى النور فاخذته قبل ان يغادر بطن امه ...ولعل غيابه كان سببا في زيادة تعلقها بي وحنوها علي و دلالها لي ... فلم اعرف يدي اليمنى من اليسرى حتى بلغت سن السابعة لاني لم اكن اكل بهما ... بل كانت تضعني على حجرها وتطعمني رغم انتقادات اخوتها المتكررة :
" الولد ده خربتيه .... بيطلع خايب ساي "
لا ادري ... ربما لامس حديثهم جانبا من الصواب ... ما علينا
ومما اذكره ان شهادة ميلادي كانت معلقة على جدار الغرفة الصغيرة كحال الشهادات الجامعية في ذلك الزمان الذي كانت تعلق فيه احتفاء بصاحبها في زمن كان التعليم الجامعي فيه قليلا .
ويمر قطار الذكريات سريعا ليتوقف عند محطة مهمة ... ففي السنة الاخيرة قبل وفاته ... عاد والدي الى كوستي وحاول ان ينقل عمله الى هناك فلم يحالفه التوفيق في اكثر من مكان .
وقرر ان نسافر لنقضي عيد الاضحى مع والدته في قريتنا بنهر النيل .. وكان ابي شديد الحب لابن خالي ورفيق دربي ابوبكر الذي يصغرني بعام ... فطلب من ابيه ان ياخذه معه في تلك الرحلة .. فارسل خالي معه شقيقه الاكبر محمد .
بدات الرحلة .. وكنت سعيدا برفيقيّ ايما سعادة ... وانا لا ادري انني ساعود من تلك الرحلة في رفقة قوم كثير انظر في اعينهم فلا ارى ابي .
ولانعدام المواصلات بين الخرطوم وشندي التي لم تعرف في ذلك الوقت طرق الاسفلت .. اضطررنا لقضاء عيد الاضحى بالخرطوم لدى بعض الاقارب ... ثم وفقنا في السفر في اليوم الرابع للعيد الى شندي ... واذكر ان البص قد تعطل وحشرنا في لوري اوستن اوصلنا الى شندي ... ومن هناك نقطع النيل غربا بالبنطون ... ثم نركب رحلة وسط الرمال تدوم قرابة الاربع ساعات ... نصل منها وقد ارهقتنا وعثاء السفر وكابة المنظر.
ونحن في تلك الايام نقضي اجازة سعيدة ... اذا بالنيل يداهم القرية فيحاصرها من كل الاتجاهات في فيضان 1988 م الشهير .
الرحــــــــــــــــــــــــــيل
اذكر مشهدا عندما داهم ابي ارتفاع السكر المفاجئ ... وهو يسير نحو المرحاض وقد تلطخ جلبابه وهو لا يدري ... والعزيزة تلاحقه بجلباب اخر ... وعمتي تقول :
" والله محمد اخوي ده مو طيب "
فاصيح :
" ابوي ماله ؟"
فتاخذني الى الداخل وتغطي عيني :
"كويس ... كويس مافي حاجة "
ثم يرقد ابي وتستمر اهاته ثلاثة ايام حسوما ... تسمع في ارجاء المنزل على اتساعه ... وتبدا رحلة البحث عن الدواء في ظل الحصار الذي فرضه سلطان النيل على القرية الصغيرة ...
ويذهب شاب من ابناء عمتي الى المدينة في مجازفة كبيرة تنوعت بين سباحة ومشي وركض وركوب شاحنات ، حتى يصل الى اقرب مستشفى كبير ويحضر الدواء ... وعندما حضر يحمل الدواء وجد خاله قد توفي قبل دقائق من وصوله .
كنت ورفيق دربي ابوبكر قد اعتدنا ان نقضي معظم اوقاتنا عند جدة لنا في طرف القرية ... دخلت عليهم في ذلك اليوم فاعدت لي جدتي لقمة ... فهي تعلم ان الجميع قد انشغل بابي المريض ، فلا احد يلقي بالا لاكل او شرب ... وقبل ان ادخل لقمة في فمي اذا بخالة لي تدخل وقد اغرورقت عيناها بالدموع :
" الليلة يا عاصم يا حليل ابوك "
لا اعلم كيف وصلت ... لكن ما اذكره انني قبعت في ركن غرفة ابكي ... ولم استجب لطلب بعض النساء ان اخرج لاشهد جنازة ابي ... لعلي لم اكن اريد ان اصدق انه رحل .
ومضت تلك الليلة على اي حال ... لم ار فيها جثمان ابي ... ولم ار امي .
كان اول ما فعلته صباحا ان بحثت عنها ... اذكر انني وعندما وقفت في باب الغرفة التي كانت فيها ... رايتها وقد جلست على الارض قبالة الباب ترتدي ثوبا ابيض ... وعندما التقت عينانا فاضت عيناها بالدموع ولم اجد نفسي الا بين ذراعيها ... وكلانا يبكي بكاء مرا .
ثم مضت الايام في تلك القرية وانحسر عنها حصار النيل ... فقيض لنا ان نعود الى كوستي في رفقة قوم كثر ... وهي قد اقتادت صغيرا وحملت اخرى ... لا تدري الى اين ستقذف بهم الايام .... ولا تملك من حطام الدنيا الا قلبا مؤمنا يردد تلك المقولة
" ما شق حنكا ضيعه "
نواصل
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: علوية بت الامير / لمسة وفاء (Re: عبدالحفيظ ابوسن)
|
مشاترة مني
عاصم الشيخ شاب صغير يصغرني كثيرا ,,
ودانت له اللغة طيعة ,,, وانقاد له التعبير
وهو صارم وواضح وصادق
وكحد السيف قطعا دون مجاملة
كتب النص لوالدته امد الله في عمرها قبل سنوات , وهو ما ذكرته في بوست العزيرة نور تاور ان السودان جل نساؤه يخرجن من بوابة الاساطير البهية ,, يتلفحن عظمة وبهاء
التحية ل
بت الامير
وعاصم الشيخ
ولكل نساء وطني
ورحم الله امي
فاطنة بت حليمة
و
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: علوية بت الامير / لمسة وفاء (Re: عبدالحفيظ ابوسن)
|
اذكر يا صديقي .... في ذلك اليوم الذي كنت اهم فيه بالرحيل عن الوطن ... كنت ابحث عن تاشيرة الخروج ... فذهبت الى جهاز المغتربين ولم اوفق في الموضوع وضاق صدري ... فخرجت منه ووجدت في طرف الشارع ست شاي ... جلست عندها لارتشف كوبا من الشاي ... ناولتني كوب الشاي اخذت منه رشفة ... فاتصل بي احد الاصدقاء وطلب مني ان اذهب الان الى المكان الفلاني لاستخراج التاشيرة ... وضعت كوب الشاي امامها على عجل ... واردت ان ادفع الحساب لاذهب مسرعا .. فوجئت بها تمسك بي من يدي ... وتخرج باليد الاخرى كوبا اخر تبرد به شاي ... وتقسم ان لا اذهب قبل ان اشرب الشاي
" لاحق شنو يا ولدي؟؟ ... الدنيا بتتلحق ؟؟ "
حينها جلست كما امرت ... وارتشفت شايها بمهل .... وعاتبت نفسي الامارة بالسوء ... التي تطالبني ان ابارح وطنا اجد في كل ركن منه اما ..
| |
|
|
|
|
|
|
| |
عبدالحفيظ ابوسن
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست