|
هل يموت المبدعون جوعاً؟!
|
[
عبدالله المديفر
Quote: قد يموت المبدع من الجوع إذا كان إبداعه لا يفي بلقمة العيش، وقد يموت إبداعه إذا كان يركض خلف لقمة العيش، وهذه المعادلة المخيفة تعلق سؤالاً عريضاً في قبة المجتمع يقول: (كيف نحافظ على حياة كريمة لمبدعينا)؟، وهنا لا نتحدث عن أعداد ضخمة من الفقراء أو طوابير غفيرة من العاطلين بل عن قلة لها وزنها الكثير بنوعيته، فكم خسرنا من مبدع كانت أولويته نحو كسب الرزق، وكم ظلمنا مبدعاً عاش فقيراً ومات مديوناً. الروائي يوسف المحيميد ساق لنا بألم في أحد مقالاته قصة الكاتب السوداني محمد حسين بهنس، الذي لم يجد له مأوى فمات جائعاً متجمداً من البرد على أحد أرصفة شوارع القاهرة، وعلق المحيميد على هذا المشهد بقوله: (هكذا هو العالم العربي يلتهم أبناءه المبدعين دونما رحمة)، ويحدثنا جميل السلحوت عن الحديث الأخير على فراش الموت لأحد الرموز الثقافية الذي ترك أكثر من خمسين كتاباً عندما قال متحسراً: (نظرا لانشغالي بالأدب فانني لم أترك لأبنائي شيئا). إن ثقافة التكريم للمبدعين - والتي غالباً ما تأتي بعد فوات الأوان على طريقة "اذكروا محاسن موتاكم"- ليست هي الطريقة الصحيحة لتبني فكر الإبداع، والفقر بقوته الحديدية يكسر الدروع الزجاجية التي يستلمها المبدعون المعدمون على منصات التكريم، وحتى نحافظ على الإبداع يجب أن نحافظ على الحياة الكريمة للمبدعين. نمط "الشرهات" التي قد يتلقاها بعض المبدعين تعبر عن ثقافة سيئة، لأنها لا ترتقي لمفهوم التبني المستدام للموهبة، والإيمان بها كجزء من المسؤولية الاجتماعية، فهي تعبر عن نزوة آنية تصيب المخملي في لحظة ما. رعاية المبدعين بتأمين حياة كريمة تليق بهم هي مسؤولية اجتماعية تعود علينا جميعاً بالنفع والارتقاء، وتكاثر المبدعين في البيئة المحتفية يزيد من النتاج المبدع على كافة المستويات، وليس عيباً أن يتسابق الميسورون على تبني المبدعين وتسبيل الأوقاف في مصارف الإبداع. كثير من المبدعين عندنا يعملون في وظائف حكومية تستهلك طاقاتهم على حساب إبداعهم، وهم في الغالب ليسوا الأكثر كفاءة في وظائفهم، وسنجد ألف شخص يعمل أفضل منه في وظيفته ولكننا لا نجد ألف مبدع ليحل مكانه، وتفريغ المبدعين هو استثمار وطني لمن لا يمسك الآلة الحاسبة بالمقلوب.!! وهنا أدعوكم للتأمل في قصة الصناعي الأمريكي هنري فورد عندما وصله تقرير عن الموظفين في مصنعه الشهير، وكان مما كتب فيه أن الموظف "س" يبدد أموال الشركة، ويجلس في مكتبه كل يوم ورجلاه مرفوعتان على طاولته لساعات طويلة دون أن يعمل شيئاً!، فعلق فورد على التقرير بالملاحظة التالية: (قبل سنوات جاءنا الموظف "س" بفكرة أدرت الملايين على الشركة وكانت رجلاه آنذاك في الوضع نفسه).
|
|
|
|
|
|
|