عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن "البائس"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 10:16 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-31-2014, 04:15 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن "البائس"

    أنا مشغول جدا هذه الأيام.

    العبارة التي تشكل عنوان هذا البوست, تعود إلى غابريال غارسيا ماركيز, الذي تقالها في مناسبة بلوغ أستاذه وأعز أصدقائه الفارو موتيس سن السبعين, محطما وعدا قديما بينهما. وحين تهدأ مشغولياتي قليلا, ولا أدري متى, سأعود نابشا في تفاصيل صداقة مدهشة, وقد رثاها ماركيز لحظة أن حضر الموت إلى الطرف الآخر منها بكلمة واحدة لا غير: "موتيس".

    hassan14.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    hassan15.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 06-01-2014, 10:58 AM)

                  

05-31-2014, 08:56 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير (Re: عبد الحميد البرنس)

    ليس كل روايات الله التي كتبها على الأرض في هيئة بشر جميلة, لكنها جميعا تنطوي على عنصري معجزة الخلق والفرادة التي تميز برغم الكثرة ما بين بصمة إنسان وآخر, وذلك بالضبط ما يجعل معاييرنا للجمال على تلك الدرجة من القصور, وهو ما نحاول تجاوزه في سعينا نحو كمال مستحيل عبر ما ندعوه عادة "مبدعين", أوأولئك القادرين على تحويل عاهاتنا إلى أشياء مليحة, تماما كمثال الراحلين الكبيرين ماركيز والفارو موتيس:
                  

06-01-2014, 11:51 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير (Re: عبد الحميد البرنس)

    في مشروعية تعديل عنوان هذا البوست, من تلك الصيغة:

    Quote: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير


    إلى هذه الصيغة:

    عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن "البائس"

    فجأة, راعني مأزق الترجمة, على الرغم من أنني لا أفهم من الإسبانية إلا ثلاث كلمات "كيباسا/ بونتا/ بونتي", وربما كلمتان أخريان "سنيورتا/ سنيور", وما قادني إلى المأزق الذي كان ينطوي عليه عنوان هذا البوست, والذي هو عبارة مقتطعة كما سبقت الإشارة من مقال (سأورده) منسوب إلى ماركيز, ليس سوى "حساسية اللغة", أوالوعي المميز لقاموس ماركيز اللغوي والإبداعي كما وصلنا عبر مترجم رفيع مثل صالح علماني, فعلى الرغم من مواقف ماركيز السياسية المعلنة هنا وهناك تجاه ما يحدث في بلده كولومبيا وغيرها, إلا أنه كما يلاحظ بعض الباحثين يرفض توظيف الأدب لأغراض للدعاية السياسية, "بالنسبة له واجب الكاتب الثوري هو أن يكتب بشكل جيد, وعمله المثالي هو إبداعه عملا روائيا يحرك القاريء من خلال مضمونه السياسي والاجتماعي, وفي الوقت ذاته لقدرته على اختراق الواقع والكشف عن جانبه الآخر".

    من هنا, من هنا تحديدا, بدت لي كلمة (الحقير), ككلمة قد تليق حقا بأي آيديولوجي غير واع يسير على قدمين, أقول- بدت لي كلمة غريبة تماما عما درجت على استقباله كقاريء من سياق "ماركيزي", وذلك لسبب بسيط يتمثل في رؤية ماركيز للعالم المؤسسة على مفهوم (الحب), إلى درجة أنه يجيب على تساؤل من شاكلة (لماذا تكتب), قائلا "كيما يحبني أصدقائي أكثر", لذلك غالبا ما تغلب مسحة الحب تلك على عالمه, لتهبه نظرة الطبيب المتفهم العارف لما يعالجه من أمراض, وحتى وصف أكثر أشكال السلوك البشري شناعة يقاربه ماركيز بأجنحةالحب, إنه يترفع لا تأففا من الخسة مثلا, بل شفقة على ممثليها كسجناء كراهية, هكذا ينظر ماركيز إلى مثل تلك الوجوه السلبية للسلوك البشري بوصفها بؤسا. إن ماركيز باختصار شديد يتجنب اطلاق أحكام قيمة من عل.
                  

06-01-2014, 01:41 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير (Re: عبد الحميد البرنس)

    على سبيل التمهيد:

    hassan16.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    المكسيكي خوان رولفو


    Quote: ألفارو موتيس فارس الرواية الand#65276;تينية ومعلّم ماركيز.. يترجل
    ألفارو موتيس يسبح في عالم الخيال ليحوله بقلمه الادبي إلى واقع ملموس، وأعماله تجوب البحار بحثا عن المغامرات الإنسانية.
    العرب [نُشر في 26/09/2013، العدد: 9332، ص(15)]

    'أحد أكبر الأصوات الأدبية في هذا القرن'
    مكسيكو- قال المجلس الوطني للثقافة والفنون عبر تويتر "نأسف لوفاة الكاتب ألفارو موتيس ونتقدم بالتعازي إلى عائلته وأصدقائه".
    وأوضحت كارمن ميراكله زوجة الكاتب أن "الوفاة أتت بعد مرض خطير أدّى إلى دخوله إلى المستشفى الأحد الماضي الموافق لـ22 سبتمبر-أيلول أي قبل أسبوع على ما ذكرت الصحيفة المكسيكية "لا خورنادا".

    وألفارو موتيس المقرب من الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز ولد في بوغوتا العام 1923 لكنه أمضى طفولته في بلجيكا حيث كان والده دبلوماسيا حتى العام 1932. وكان يقيم في المكسيك منذ العام 1956.

    جائزة سرفانتيس

    يقول الباحث الأسباني خوسي جارسيا فيلاسكو عنه: "إنه أحد أكبر الأصوات الأدبية في هذا القرن، وأنه لشرف كبير أن تجرجر جائزة سرفانتيس أذيالها إليه وليس العكس"!

    ويقول الناقد فيكتور يانو غارسيا، الذي كان عضوا في لجنة التحكيم كذلك،: "إن أسطورة بطله ماركول، الذي مازال يسبح في بحر مغامراته تلخص لنا مفاتيح وأسرار أدب موتيس وهي: اللغة الشخصية الخاصة به التي يتميز بها هذا الكاتب الحماسي والملحمي والروائي، ثم قدرته الفائقة على الخوض في عالم الخيال الذي يتحول على يديه إلى واقع معيش ملموس، أو على العكس من ذلك، قدرته على سبك وتشكيل الواقع وتحويله إلى خيال طليق ومجنح قادر على التأثير والأخذ بمجامع القراء من أي نوع أو في أي صقع كانوا، هذا إضافة إلى تكوينه الثقافي الواسع والمتنوع الذي يثري به عالمه الروائي الذي يتجلى لنا فيه بشكل واضح انعكاس لشخصيات شكلت نوعا من الانشغالات لدى الكاتب، حيث نجد في هذا العالم سان لوي عاهل فرنسا، نابليون، فليبي الثاني، وفراديسه بولينسا، الساحل الإغريقي، مرآة الأندلس وإشعاعها الحضاري الوهاج".

    ويضيف فيكتور غارسيا: "كما تطفو على سطح خياله شخصيات أخرى عديدة لا حصر لها تشرئب بأعناقها إلينا من بين الصفحات، وهي شخصيات تركض أبدا إلى جانب ظل ماكرول مثل (أيلونا) وفلور استفيث، وويتا، وابن البصير أو عبدالبصير".

    المغامرات الإنسانية

    ويقول الشاعر المكسيكي خوسي إميليو باشيكو عنه: "لعله الكاتب الأميركي اللاتيني الوحيد الذي أمكنه أن يضع عملا أدبيا رائعا في قطري الشعر والرواية، فقد أمكنه أن يواجه أو يستكمل في آن واحد هذا العالم أو ذاك، بل لقد أمكنه أن يزيد هذين العالمين ثراء وإشراقا، ذلك أن القول بأن جميع أعمال موتيس شعرية يعني ذلك أننا ننتقص من الرواية والعكس صحيح، هو روائي من طراز رفيع، كما أنه أحد كبار شعرائنا المحدثين في الوقت ذاته، إن أعماله تجوب البحار بحثا عن المغامرات الإنسانية في عوالم تهطل فيها أمطار بروكسل على الأودية الاستوائية، وهو بين الشجيرات المتداخلة ومزارع القهوة المتشابكة يقيم لنا قصور مدينة البندقية الجميلة التي ما إن تعلو بناءاتها في الفضاء حتى تغرق في بحر الأدرياتيك!".


    كتاباته تتميز بنزعة ملحمية
    ويضيف "إننا منذ المأساة الإغريقية نعرف أنه ليس هناك مفر ولا مهرب لنا من التعاسة والشقاء، إن الروائي مارسيل بروست، الذي يحظى بإعجاب موتيس نفسه، كان يتحدث عن الزمن كما لو كان يتحدث عن وحش ذي رأسين، فهو خالق ومدمر في آن واحد حيث كل شيء يتقدم نحو نهايته المحتومة، إلا أننا نعيش قبل ذلك لحظة ازدهار وإشراق لا يمكن قنصها أو تصويرها إلا من طرف فنان مبدع مثل ألفارو موتيس".

    خذ وتعلم

    كانت بدايات ألفارو موتيس الأدبية في الشعر وقد استحدث شخصية ماغرول المغامر والبحار الذي ظهر العام 1953 في الديوان الشعري "لوس ايليمنتوس ديل ديساستري" (عناصر الكارثة) واستوطن كل رواياته بعد ذلك اعتبارا من السبعينات.

    وقد حصل ألفارو موتيس على أول مكافأة العام 1974 مع الجائزة الوطنية للآداب في كولومبيا ومن ثم عدة جوائز عالمية وصولا إلى جائزة ثيرفانتيس العام 2011 وهي أعرق الجوائز لكتاب باللغة الأسبانية. وفي فرنسا حاز جائزة ميديسيس للكتاب الأجانب العام 1989 عن روايته "ثلج الأميرال".

    لقد اعترف الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل في الآداب، أنه ما كان له أن يكتب أي عمل من أعماله الأدبية الناجحة لولا أنها لم تحظ منذ البداية بتزكية صديقه ألفارو موتيس منذ أمد بعيد، حيث كان ماركيز يقوم بقراءة بواكير أعماله عليه أو يقصها له ثم بعد ذلك يعمل على نشرها فيما بعد.

    ولقد أهداه ذات مرة قصة "بيدرو بارامو" للكاتب المكسيكي خوان رولفو وهو يقول له "خذ وتعلم!".

    واعترف بعد ذلك غارسيا ماركيز أنه منذ قراءته لرولفو استفاد الكثير حيث يعترف صراحة في أحد عروضه عن الفارو موتيس بمناسبة بلوغ هذا الأخير السبعين من عمره، إنه بقراءة رولفو لم يتعلم فقط كيف يكتب بشكل آخر، بل تعلم كذلك أن تكون عنده دائما قصة جاهزة مغايرة حتى لا يحكي ما كان قد كتبه من قبل.

    يقول غابرييل غارسيا ماركيز : "وكما أدخلني ألفارو موتيس في هذه المحنة فقد أخرجني منها كذلك حيث إنني منذ أن كتبت "مئة سنة من العزلة" كان يتردد على منزلي كل ليلة تقريبا على امتداد 18 شهرا، وكنت أحكي له الفصول التي أنهيت كتابتها وألمس انطباعاته وانعكاسات ما قرأته عليه، حيث كان يصغي إليّ باهتمام وحماس بالغين، وكنت أغير. وكان أصدقاء موتيس يقصون عليّ هذه القصص بنفس الطريقة التي حكيتها له، وفي بعض الأحايين كن أنسب لنفسي بعض إضافاته".

    ويشير ماركيز إلى أن موتيس منذ ذلك الوقت "كان هو أول قارئ لأصول أعماله وكانت بعض أحكامه عليه قاسية ولكنها في الوقت نفسه كانت معقولة.

    ولقد أفضت هذه الأحكام في بعض الأحيان إلى موت أو هلاك ثلاث قصص من قصصي في سلة المهملات"! ويضيف أنه يجد في العديد من أعماله كثيرا من تأثيرات ألفارو موتيس، بل إنه يجد فيها موتيس نفسه.


    http://alarab.co.uk/?id=4679

    hassan17.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    أجواء "بيدرو بارامو":

    Quote: دعك من المخاوف
    ماعاد بإمكان أحد أن يخيفك
    حاول التفكير في أمور سارة لأننا سوف نبقى مدفونين زمناً طويلاً

    في حضن الموت تهمس هذه الرواية
    هنا الصراخ لا مكان له
    الفحيح والهمس المسحوق بالخيبات هو المتصدر كل صفحة من صفحاتها العجيبة
    هي من القراءات التي قلما تجد مثلها
    واستخدم خوان رولفو تقنية سرد ممتعة وغير مطروقة

    أحببت عالم الموتى هذا
    أحببتُ الأشباح والخوف والجنون والآمال المحطمة التي تسري في القرية كالهواء

    من أكثر مشاهد الرواية رعباً هي لحظات موت خوان
    أيقظني الحر كان جسد تلك المرأة المصنوع من تراب ، والمحاط بقشور من تراب
    يتحلل وكأنه يذوب في بركةٍ من الوحل
    وكنتُ أشعر بأني أسبح وسط العرق الذي يقطر منها
    وافتقدت الهواء اللازم للتنفس
    عندئذٍ نهضت . كانت المرأة نائمة وكان يفور من فمها دوي فقاعات شبيهة بالحشرجة

    ليلتقي بعد موته بجثة دوروتيا الحالمة بالأمومة أبداً

    أحببتُ سوزانا نصف المعتوهة كثيراً كذلك
    من الشخصيات التي أذابتني فيها وأثّرت على روحي


    كان صالح علماني بارعاً في الترجمة كما هي عادته
    قدرته على إطاعة اللغة والترجمة بعذوبة لم أجد لها مثيلا حتى الآن

    تجربة عجيبة وساحرة حقاً


    http://www.goodreads.com/book/show/38787.Pedro_P_ramo

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 06-01-2014, 01:59 PM)

                  

06-01-2014, 03:10 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير (Re: عبد الحميد البرنس)

    hassan18.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    كارلوس فوينتيس



    hassan19.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    أوكتافيو باث



    التقى الصديقان, لأول مرة, في كارتاخينا, عام 1949, وكان من الممكن لذلك اللقاء أن يعبر دون أن يخلف أثرا خاصا, لو لا أن ذهب ماركيز إلى المكسيك عام 1961, قادما بالقطار من الولايات المتحدة الأمريكية, في زيارة قصيرة لرؤية ألفارو موتيس, الذي وصل إلى المكسيك عام 1956, هاربا من تهمة فساد مالي. وما حدث بعد ذلك أنهما اتفقا على نحو ما على البقاء في المكسيك إلى الأبد. وقد كان. والمكسيك لم تأل بدورها جهدا في سبيل الاحتفاظ بهما. وقد حدث أن جندي مكسيكي بسيط تمت تكلفته بعمل أمر ما أثناء ملابسات موت ماركيز. قال إنه لم يسمع به من قبل. لكن طبيعة الأوامر التي تلقاها فضلا عن الجدية المفرطة للمسؤلين ستدفعه إلى قراءة ماركيز في أقرب سانحة. أما جارة ماركيز التي ظل يحييها في الشارع بالأحضان فقد أعربت عن دهشتها قائلة إنها لم تكن تعلم أنه شخص مهم "إلى هذه الدرجة". وما هو باعتقادي أكثر جذبا للصديقين للبقاء في المكسيك, ليس فقط فضاء اللغة الاسبانية المشترك, بل تلك الكوكبة ذات البعد العالمي الرصين من الكتاب المكسيكيين أنفسهم, أمثال أوكتافيو باث, وكارلوس فوينتيس الذي بدا أكثر حظا منهما في السبق إلى الموت بخطوة, أي لم يكابد تلك اللوعة التي يحدثها رحيل صديق. هكذا, بدا موت كارلوس فوينتيس بمثابة طعنة موجهة إلى قلب ماركيز على وجه الخصوص, وهكذا لم يجد ماركيز نفسه سوى كلمة واحدة يلخص بها علاقة غريبين من بلاد بعيدة, هكذا " موتيس", لا أكثر, لا أقل, سوى الصمت.

    Quote: في المكسيك، وقد توطّدت علاقة موتيس بجاره غارثيا ماركيز أو "غابو" للمقرّبين، لتبلغ في مرحلة معينة أمكنة حيث يتّخذ الواقع أبعادا أدبيّة. يخضع غابو كل فصول روايته "مئة عام من العزلة" الآيلة الى التشكّل، لمصفاة ذهن موتيس الأدبي الحادّ، ليقرّ لاحقاً بأن ثمة جزءا محوريا من ألفارو، في جميع كتبه تقريبا. نمَت بين المؤلفين، صداقة وثيقة يبيّنها نص - تحية عنوانه "صديقي موتيس" حيث توجه غارثيا ماركيز الى موتيس بوصفه "ألطف رجال العالم"، في عيد ميلاده السبعين. في حين تمهّل موتيس عند الرابط الجميل المشترك عينه في نص "ما أعرفه عن غبريال" تضمّنته النسخة الإحتفائية برواية "مئة عام من الوحدة" في 2007، لمناسبة بلوغها عامها الأربعين وبلوغ صاحبها غارثيا ماركيز عامه الثمانين. نقرأ: "تشارَكنا أنا وغبريال ساعات كثيرة من السعادة الفائضة وأخرى من الشكّ والحرمان، لا تقلّ عنها عدداً. سافرنا الى ثلاث قارات، وتقاسمنا الكتب والموسيقى والأصدقاء. بدا كل ما اختبرته إلى جانبه جائزة إستثنائية في عتمة قدر الأيام". في 2001، عندما نال موتيس جائزة ثرفانتس المهيبة، صفّق له غارثيا ماركيز من دون أن تفوته الإشارة إلى "ان الإمتياز وصل إلى عامه السادس والعشرين، وهو يُمنح لموتيس إذاً، متأخرا خمسة وعشرين عاما!".


    http://newspaper.annahar.com/article/70675-%D8%BA%D9%8A%D8%A...84%D8%AF%D9%85%D9%89
                  

06-01-2014, 03:56 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير (Re: عبد الحميد البرنس)

    hassan20.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    ماريو بارغاس يوسا



    فراغات المقتبس أعلاه, ما لم يقله الصديقان, أوما قالاه صراحة أوضمنا, في أمكنة أخرى, عن ملابسات العسر المادي المطبق, الذي رافق كتابة "مائة عام من العزلة"; هو وحده ما يخص الخفاء الحزين للغرباء, ولعل الناس قد لا تدرك أبعاد الأثرة التي ظلت تدفع موتيس في تلك الأيام إلى بيت ماركيز الرهين "حقيقة ومجاز" لنجاح مغامرة أدبية بكل المقاييس, وأتخيل أن موتيس كان يحث الخطى يوميا لمدى العام ونصف العام, زمن كتابة مائة عام من العزلة, حاملا إلى جانب ذهنه الأدبي الحاد بعض أفراح العالم الصغيرة, مثل رطل من السكر, أووجبة استثنائية بكل المقاييس من السمك المشوي, وليس من المستغرب بعد كل هذا أن يعلن ماركيز أنه يكتب كيما يحبه أصدقاؤه أكثر. أجل, ماركيز نفسه, الذي سبق أن أوقف علاقته, مع ماريو بارغاس يوسا, مرة واحدة, وإلى الأبد. لا بد أن شيئا قاتما حدث في المسافة القائمة بينهما.
                  

06-02-2014, 05:28 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن الحقير (Re: عبد الحميد البرنس)

    يحدث في أوقات العسر أن يتم بيع ما ندعوه "صداقة", في مقابل وجبة طعام رخيصة, فما يهم في تلك الأوقات مسألة البقاء حيا بأية وسيلة, وأنت هنا لا تقوم ببيع ما كنت تعتبره وما كان يعتبرك في آن "صديقا", بل تقوم ببيع نفسك مستقبلا للعدم, إذ بحسب السياب "وإن يخن الإنسان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون"?!.

    لعل ذلك بالضبط جوهر عبارة ماركيز عنوان هذا البوست. والحال, "الصداقة" تكون في مقدمة تلك الأشياء التي قال أمل دنقل عنها إنها "لا تشترى", هكذا "أترى حين أفقأ عينيك, ثم أثبت جوهرتين مكانهما, هل ترى"?, هي أشياء لا تشترى.

    المحكات مختبر الادعاء.

    وبالنسبة للصبية, المراهقين, وحتى طلاب الجامعة, يبدو من السهولة بمكان بالنسبة إليهم صك عهود العلاقات الأبدية, من شاكلة "ستدوم صداقتنا حتى الموت", والأكثر مثالية منهم قد يتبع ذلك بخفقة قلب أورعشة طرف أودمعة عين.

    لكن الأمر يبدو لي أكثر تعقيدا بالنسبة للحال موضوع هذا البوست.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 06-02-2014, 05:33 PM)

                  

06-02-2014, 07:45 PM

نعمات عماد
<aنعمات عماد
تاريخ التسجيل: 03-08-2014
مجموع المشاركات: 11404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: (لماذا تكتب), قائلا "كيما يحبني أصدقائي أكثر"


    أظن ماركيز أحب نفسه كفاية ليختار اهدافا نبيلة و اصدقاء محبين .

    كلنا تلاميذك يا أستاذ البرنس .شكرا .
                  

06-03-2014, 02:20 PM

ibrahim fadlalla
<aibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: نعمات عماد)

    عزيزي البرنس ...ألف شكر على السرد المتداعي والمشحون بطاقة إيحائية غزيرة ..
    تشير بسبابتها تجاه أفق الخيال ...فتركض خيوله .. صوبه لا تألوا جهداً للوصول ...

    وشكرا على الكتابة الحميمة في شأن أدباء عمالقة ..ورغم أن بين عالمنا السوداني وعالمهم اللاتيني ...يرقد محيط غريق ...
    وترقد " سكك " مرصوفة بعظام بيضاء ..وبقايا أغلال ..لحيوات ذهبت رخيصة ...في سبيل التبشير بدين المحبة ...على ظاهر القول ...
    والسحل والتقتيل ...على واقع الأمر ...أقول ..والعجب يأخذني ..كيف تسنى ..لأحفاد... كولومبوس ومن تلاه ...أن ينزعوا من قلوبهم ...
    نزوعاً مقيتاً نحو السيطرة والتملك ...والإزدراء للآخرين ...وابدال ذلك بغرس طيب ...عطوف ...محب للخير للبشرية جمعاء ؟؟؟؟

    والوجوه ..هي الوجوه ...في أسبانيا ..ذاك الزمن القاتم ...وفي أمريكا اللاتينية المعاصرة ...هي نفس السحنة ...لكن القلوب اختلفت ...
    وحصاد القلوب ...اختلف ...

    لذا لا عجب ...أن يكون حصادها ..سحراً ..ومحبة نبتت شجرتها في أرض الإنسانية جمعاء ...وأزهرت إينما وقعت بذورها ...

    شكرا لك وأتابعك كثيراً ...بصمت يليق ...فبضاعتي قليلة ..وأجيد رد الفعل أكثر من خلق فعل أصيل ...


                  

06-03-2014, 09:55 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: نعمات عماد)

    العزيزة نعمات:

    ذلك شعور طيب. أشكرك.

    Quote: أظن ماركيز أحب نفسه كفاية ليختار اهدافا نبيلة و اصدقاء محبين .


    أتظنين?!.



    أحب هذا المنهج العقلاني في النظر إلى الناس والأشياء. ذلك أن (الحقيقة) كما يقال "تبدو ولا تبين". وذلك بالضبط ما يغيب عن أولويات أي آيديولوجي يمشي بالعين الوحيدة لعقيدته. وهي عين لعمري لا تبصر العالم جوهريا إلا عبر لون ونقيضه. هكذا, يبدو الأسود في تضاد كوني بموازاة الأبيض. وما يمكن وصفه بالحقيقة المطلقة النهائية القاطعة أمر قائم منذ البدء في ذهن آيديولوجي بائس وعلى العالم الخارجي المبتلى في هذه الحال أن يثبت صحتها وحسن أحكامها. حتى لو أدخل هذا العالم نفسه بأنهاره وأراضيه وسمائه وجباله ومحيطاته ومليارات ما يحمل من أنفس في فضاء جيب الآيديولوجي الأكثر ضيقا من بين جيوب الخليقة الأخرى برأيي. هكذا, لا يطرأ على ذهن (باكات الآيديولوجيا) بلغة دافوري الحواري أمر ساهم على نحو حاسم في تطور العالم حتى الآن: نسبية الحقيقة.
                  

06-04-2014, 01:52 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    لفهم البعد العميق لمداخلة إبراهيم فضل الله, ليسمح لي الناس بهذه الخلفية:


    sudansudansudansudansudan90.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    إدواردو غاليانو




    Quote: إدواردو غاليانو يقدّم كتابه الأخير 'أبناء الأيّام' في غرناطة: الإنسان صيغ من حكايات!
    2012-05-21


    غرناطة - من محمّد محمّد الخطّابي: الكاتب الأوروغوائي إدواردو غاليانو، المثير للجدل، العنيد المشاكس أبدا، قدّم بتاريخ 16 أيار/مايو 2012 بمدينة غرناطة آخر كتبه'أبناء الأيّام'، التي تعتبر المحطّة الثالثة للكاتب بعد برشلونة وقرطبة للجلوس أمام جمهوره الغفير بمناسبة صدورهذا الكتاب الجديد (عن دار النشرالقرن الواحد والعشرين، إسبانيا، الأرجنتين المكسيك) الذي لابد أن يثير ردود فعل متباينة كما هو الشأن مع كتبه السابقة التي يدين فيها ما يسمّيه بـ (الغزو) نابذا مصطلح (الإكتشاف) الذي يحلو للإسبان استعماله عند حديثهم عن الوجود الإسباني والبرتغالي فيما أطلق عليه فيما بعد بالعالم الجديد.
    يقول إدواردو غاليانو خلال هذا التقديم: 'إنّ 'أبناء الأيّام'يأتي إنطلاقا من شهادات ناطقة حيّة من أفواه أبناء المايا في غواتيمالا منذ أربع سنوات خلت، هذه الشهادات هي التي يتضمّنها هذا الكتاب بين دفتيه اليوم. ويضيف أنّ المايا يعتقدون اعتقادا راسخا أنّنا أبناء الأيّام، أبناء الزمن، وفي كل يوم تتولّد القصص والحكايات المتواترة، ذلك أنّ الكائن البشري مصنوع من الذرّات، ولكنّه صيغ كذلك من القصص والحكايات'.
    هذا الكتاب يحكي لنا قصصا وقعت على إمتداد التاريخ والأحقاب في مختلف أنحاء العالم. يشير غاليانو أنه يجد تشابها وتقاربا بين كتابه الجديد وكتاب آخر له صدر منذ بضعة أعوام وهو بعنوان 'مرايا'حيث يقوم الكاتب بمراقبة العالم ورصده'. أنّه أمر مماثل أن ترمق وتراقب العالم من ثقب قفل، أو أن تحكي قصصا عظيمة انطلاقا من حكايات بسيطة وصغيرة، أو كما يمكن أن يقول أكثر من شاعر بواسطة الحكايات اليومية المتواترة، أو بواسطة هؤلاء الذين يطلق عليهم الأبطال المجهولون.

    من الماضي إلى الحاضر

    كتاب غاليانو رحلة يومية مثيرة من الماضي إلى الحاضرعلى إمتداد 365 يوما من أيام العام، كل حكاية أو قصة تتضمّن رسائل نافذة، ونقدا لاذعا للمجتمع الحالي الذي نعيشه، هذه الرسائل تسافر عبر الزمن حتى تصل إلى الحاضر.
    لماذا اختار غاليانو هذا العنوان لكتابه الجديد، يقول إن شعب المايا في غواتيمالا هو الشعب الوحيد الذي يعتبر الزمن فضاء حيث الأيام هي التي تصنع أو تشكّل الأشخاص، ومن هؤلاء تتولد القصص والحكايات، لان الإنسان هو إبن تاريخه أو حكاياته.
    هذا كتاب إدانة صارخة للعصرالحاضرالذي نعيشه على مضض، إنها نظرة أو تشريح للواقع المرّ، إنه يوجّه إنتقادا شديدا للنظام العالمي الحالي الذي يحافظ ويذود عن المصالح المالية والإقتصادية، ولكنه لا يتورّع عن إلحاق الأذى بالطبيعة وإتلافها، 'يقول: 'إنهم يتحدّثون عن كوارث طبيعية كما لو أنّ الطبيعة قد أصبحت جلادا' وليس ضحيتهم إنهم لا يحافظون عليها بل يسلبونها حقوقها. وعن النظام المالي يقول: 'المصرفيون في حرب ضد التضخّم المالي، أمّا انا فقد أعلنت الحرب ضد التضخّم الكلامي' وفي مجال حديثه عن الإرهاب يقول 'إن الذين ينبغي إدانتهم هم هؤلاء الذين يخطفون بلدانا، الذين يتنهكون حرمة الأرض، لصوص الفضاء، الذين يتاجرون بالخوف'. وإنتقد الدكتاتوريات التى عاشتها بلاده.
    في هذا الكتاب نلتقي مع العديد من تعابيره المعهودة. إنّه يذكّرنا: 'لو كانت الطبيعة مصرفا أو بنكا لكانوا قد عملوا على إنقاذها'، كما يحفل هذا الكتاب مثل كتبه السابقة بالسخرية المرّة والتهكّم اللاذع من الولايات المتحدة الأمريكية. حيث كانوا يعتبرون 'نيلسون مانديلا' إرهابيا، وفي فاتح يوليو 2008 تمّ شطب إسمه من قائمة الإرهابيين التي ظل فيها 60 عاما.
    كتاب 'أبناء الأيّام' يعيد طرح إشكالية التفكير في العالم والإختلال أو المعضلات التي يعيشها بشكل معاكس أو بطريقة تقهقرية. وهو يقدّم قصصا قصيرة وحكايات كبرى لكل يوم من أيام الحول. إنه في هذا السرد الحكواتي المتواتر، بقدر ما يدنو فيه من القارئ، فإنّه في الوقت ذاته ينأى ويفرّ ممّا يسمّيه أو يطلق عليه: بالتضخّم الكلامي.

    أوديسا الفضاء

    من الفقرات التي تواجهنا في هذا الكتاب: وتمضي الأيام، الأيام التي صنعتنا، هكذا ولدنا، كأبناءالأيّام، االلاهثون دائما وراء الحقيقة، الباحثون عن الحياة.
    22 مارس: يوم الماء، نحن من الماء، من الماء كانت الحياة، الأنهار دم يروي الأرض، هذه الأنهار مصنوعة من ماء زلال، إنّها خلايا عديمة التفكير، إنّها الدموع التي تجعلنا نبكي، وهي الذاكرة التي نتذكّر بها، والتي تخبرنا أنّ صحارى اليوم، كانت بالأمس غابات وأدغالا، والعالم الجاف تحوّل إلى عالم مبلل، في ذلك الزمن الغابر الذي لم يكن فيه لا الماء ولا الأرض ملكا لأحد بل كانا ملكا للجميع، من ذا الذي استحوذ على الماء ؟ القرد ذو الهراوة، القرد الأعزل مات بضربة واحدة، إذا لم تخنّي الذاكرة فإن فيلم 2001 أوديسة الفضاء هكذا يبدأ، في 2009 اكتشفت مركبة فضائية الماء في القمر، هذا الخبر عجّل بمخطّطات الاكتشاف، مسكين أنت أيها القمر.
    وهكذا يستمرّ الكاتب في تسجيل انطباعاته وملاحظاته اللاذعة على امتداد توالي الأيّام وانصرامها أمام أعيننا وذاكراتنا كالسّيل العارم، والآتيّ المنهمر، وهكذا يضع غاليانو نصب أعيننا لوحات وأحداثا، وأمثالا ووقائع، وتوابع وزوابع، وكوارث وأهوالا، عاشتها البشرية في تتابع مسترسل،
    وفي مواقع اخرى من الكتاب نقرأ:المفقودون، إنهم أموات بلا مقابر، أو مقابر بلا أسماء، نساء ورجال إبتلعهم الرّعب، الأطفال الذين إستعملوا أو هم رهينة حروب، وكذلك الغابات الأم، ونجوم ليالي المدن والحواضر، وعطر الزهور، وطعم الفواكه، والرسائل المكتوبة بخطّ اليد، والمقاهي العتيقة حيث ينساب الزمان في سكون، ولعب الكرة في الأزقّة والشوارع، وحق المشي، وحق استنشاق الهواء الطلق،، والدور بدون سيّاج، والأبواب بدون أقفال، والشعور بالإنتماء، والفطرة الأولى.
    يعتبر بعض النقاد هذا الكتاب امتدادا لكتب غاليانو السابقة وتجسيما لمواقفه من العديد من القضايا التاريخية، والاجتماعية، والإنسانية، والسياسية، التي ينفرد بمعالجتها بأسلوبه الخاص، وبقدر كبير من الجرأة والمواجهة والتحدّي. هذا الكتاب يتضمّن قدرا باهظا من هذه الشحنة الناقمة التي يصبّ فيها وبها الكاتب جامّ غضبه على هؤلاء الذين ينظرون إلى العالم من ثقب الباب، حيث لا يتراءى لهم منه سوى ما يروقهم، أو ما يحلو لهم مشاهدته ورؤيته فيه. في هذا الكتاب تندّ نسائم الحريّة والانعتاق، وتفوح رائحة البحث المضني عن الحريّات والعدالة وحقوق الطبيعة والبشر. ففيه نلتقي ليس فقط مع أمّنا الأولى 'حوّاء' او مع أبينا 'آدم' بل نلتقي وجها لوجه مع 'باراك أوباما'، أو مع 'الحركات الشبابية الغاضبة' في إسبانيا التي يقدّم غاليانو لها دعمه ومساندته بحماس منقطع النظير، في هذا السرد الحكواتي المتواتر، بقدر ما يدنو فيه الكاتب من القارئ فإنّه في الوقت ذاته ينأى ويفرّ ممّا يسمّيه أو يطلق عليه: بالتضخّم الكلامي.



    تعلّم إعمال النظر
    لإدواردوغاليانو كتاب آخر تحت عنوان 'مذكرات الناّر' وهي ثلاثية قيّمة حول أمريكا الجنوبية يتساءل الكاتب فيها عن بعض المصادفات الغريبة والمحيّرة التي تمرّ بالإنسان، ويسوق مثالا لذلك فيقول: كيف يمكن تفسير أنّ ثلاثة من المتمرّدين الأمريكيين الجنوبيين الذين أصبحوا يشكّلون نوعا من الأسطورة في حياة وأدب أمريكا اللاتينية وهم: 'ساباطا' وساندينو' و'غيفارا' جمعهم مصير واحد، فالثلاثة ماتوا في سنّ 39 سنة، الثلاثة ماتوا على إثر خيانة، والثلاثة ماتوا في كمين نصب لهم.
    وعن إعمال النظر في الأمور والتمعّن فيها يورد غاليانو قصة طريفة يقول إنها أثّرت فيه تأثيرا بليغا، وهي عندما قرأ استجوابا للكاتب الأمريكي الأسود اللون 'جيمس بالدوين' الذي يحكي أنه حتى سنّ التاسعة عشرة من عمره لم يكن يعرف كيف يرى الأمور على حقيقتها على الرغم أنه كان سليم النظر، وأنّ صديقا رسّاما له هو الذي علّمه كيف يرى، ففى عام 1944 عندما كانا يسيران في بعض شوارع نيويورك، ووصلا إلى ركن من أركان الشارع توقّفا عن السير وبدأ الصديق الرسّام يشير بيده إلى غمر من الماء بجوار الرصيف وهو يقول له: أنظر، ويحكي بالدوين أنّه نظر في البداية فلم ير شيئا، رأى غمرا من الماء ليس إلا، وعاد الرسام ليلحّ عليه فقال له من جديد أنظر، أنظر وعاود النظر وهذه المرّة رأى شيئا لم يتراء له من قبل، رأى بقعة من الزيت داخل الغمر، وعندما ركّز نظره أكثر وبمزيد من التمعّن، مع إلحاح الصديق في أن ينظر وينظر، فبالإضافة إلى قوس قزح المنعكس في الغمر رأى كذلك أشياء كثيرة أخرى، رأى أناسا يمشون، المارّة، الحمقى، العمّال، السود، الذين يقطعون الطريق كل يوم ولم يتوقّفوا قط للنظر مثلما فعل هو، وبعد أن زاد تحديقه رأى المدينة بأكملها، ورأى الكون داخل ذلك الغمر الحقير الذي يوجد في ركن قصيّ من أركان جزيرة منهاتن، وكان ذلك اليوم هو اليوم الذي تعلّم فيه أن يرى.. ويشيرغاليانو معلقا على هذه الحكاية: 'إنّ الفنّ الحقيقي هو الذي يساعدنا على إعمال النظر، وعلى فتح نوافذ جديدة أمامنا'.
    الحكاية الأخرى التي يوردها غاليانو في كتابه في نفس السياق تقول: أن صديقا له لم يكن قد رأى البحر قطّ في حياته لأنه من داخل الأروغواي، فأخذه أبوه ذات يوم لمشاهدة البحر وليعرف البحر لأوّل مرّة، كان صديقه لم يتجاوز السابعة من عمره، كان أوّل ما انتهى إليه من البحر نسماته ثمّ هديره، وعندما رأى البحر في ملكوته ووسعه وروعته لم يستطع أن يتمالك نفسه أمام جلال المفاجأة، فصاح في والده: يا أبتي ساعدني على النظر. فما أجمل أن نساعد على فهم الحياة أي ان نساعد على فتح نوافذ جديدة في منطقة ما من العالم وهي أمريكا اللاتينية التي طالما نظر إليها بغير قليل من الإزدراء'.

    من وحي الاكتشاف

    القصص التي يسوقها غاليانو في كتابه 'مذكرات النار' عن تاريخ أمريكا اللاتينية هي قصص حقيقية، وهي تتضمّن قيما رمزية عميقة أنها تكشف النقاب عن أشياء لا تخلو من أهمية، ويضرب الكاتب كمثال بواحدة من هذه القصص المروّعة من تاريخ هذه الجهة النائية من العالم عندما أقيم عام 1496 أوّل 'مكان للحرق 'في أمريكا اللاتينية في 'هايتي' إنه منذ اكتشاف أمريكا لاول مرّة يعاقب إنسان في هذه القارة بالقتل حرقا، إن القاتل (العشماوي) هو 'بارطولومي كولومبوس' أخو كريستوفر البحّار، الضحايا الذين إشتعلت أجسامهم حرقا وهم أحياء هم ستة من الهنود، ويشير الكاتب أن هذا الإعدام، أو هذه التضحية تجسّم لنا كل شيء ليس فقط تصادم حضارتين بل وأكثر من ذلك هو أن اكبر خطأ لما يطلق عليه اكتشاف أمريكا هو عدم إكتشاف شيء، لأنّ 'كولومبوس' مات مقتنعا أنه كان في اليابان كما يعرف الجميع. أي في ظهر آسيا. إنّ الأوروبيين الذين قدموا إلى امريكا كانت لهم عيون لمشاهدة الحقيقة التي وجدوها إلا أنهم مثل حالة' بالدوين' كانوا عاجزين عن اكتشافها، إنّ نظرتهم كانت شبيهة بنظرة بالدوين الأولى للغمر. إنّ دأب هؤلاء كان هو السلب والنهب المنظمين، وإلحاق الأذى والضرر ببلدان أخرى، إن الغازي يقول غاليانو: وصل لإنقاذ الذي وقع عليه الغزو من ظلام الوثنية، إلا أنه في الأخير هو الذي وقع بين مخالب الوثنية الحقيقية، فما هو الذنب الفظيع الذي ارتكبه هؤلاء الهنود الستة ليلقي بهم بارطولومي كولومبوس في النار أحياء؟

    في ذكرى الهندي الملتحي

    يشير غاليانو: 'أنه ليس عيبا أن يحتفى باكتشاف أمريكا ولكن ليس من أجل تكريم الملوك الكاثوليك الإسبان الذين أنشأوا محاكم التفتيش والتعذيب والتنكيل المعروفين بعدم التسامح والجهل بل فليكن هذا الاحتفال تكريما لبعض التقاليد الأمريكية القديمة جدّا، وقيم وعوائد الأمم التي عشقت الحرية، وتعلقت بالشرف والكرامة وهامت بالطبيعة، إن سكان هذه المناطق من العالم كانوا يعيشون ويعملون جماعات فيما بينهم قبل أن يحدث ' الاكتشاف' الذي جاء ولقّنهم الأنانية والأثرة والتشرذ م، وحق الملكية، والجشع، وروائع أخرى، أو أن يكون إحتفالا بهؤلاء الذين جاءوا فاتحين مثل حالة البحّار 'غونسالو غيرّيرو' الذي ظل تائها في أرض 'المايا' ثم سرعان ما انخرط في مجتمع الهنود وتزوّج منهم وكان له أولاد، وعندما علم 'إيرنان كورتيس' بقصة ذلك البحّار طلب منه الحضور فرفض، وآثر أن يظل مع أهله الجدد وعائلته وأولاده، ولما كان عام 1536وبعد معركة طويلة بين هنود المايا والغزاة، وبين العشرات من الجثث ظهر هندي ملتح، هندي ذو جلد أبيض، وقد شقّت جبينه رصاصة، لقد كان 'غونسالو غيرّيرو' الذي آثر أن يسقط مع من ارتاح إليهم واحسنوا وفادته، هذا الرجل هو أوّل غاز تمّ غزوه، وكان هناك آخرون ظلوا في غياهب المجهول.
    ويحكي لنا غاليانو برمزية عميقة كيف أن البطل الأسطوري'بانشو فييّا' كان اسمه الحقيقي هو 'دوراتيو أرانغو' وبانشو كان اسم أعزّ اصدقائه، وعندما قتل الحرس المدني صديقه الذي كان ينتمي إلى شلّة ' أرانغو'إتّخذ لنفسه اسم صديقه أيّ الاسم الذي هوى، وأصبح اسمه 'بانشو فييّا' لكي لا يموت اسم صديقه أبدا، إنه نوع من مصارعة الموت ضد النسيان الذي يعتبر الموت الوحيد الذي يقتل حقيقة. وهكذا ظل اسم صديقه حيّا في شخصه تردّده أمريكا اللاتينية حتى الآن.


    http://www.alqudsalarabi.info/index.asp?fname=data/2012/05/05-21/21qpt899.htm

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 06-05-2014, 09:21 AM)

                  

06-04-2014, 10:55 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: .لحيوات ذهبت رخيصة ...في سبيل التبشير بدين المحبة ...على ظاهر القول ...
    والسحل والتقتيل ...على واقع الأمر


    يا لشاعرية التضاد, يا إبراهيم, يا للطرب, يا لجمال الطرق والمسالك إلى تفجير الدلالة أحيانا, وكل ذلك كي لا ينخدع قاريء بتاج تواضعك الجم:

    Quote: فبضاعتي قليلة ..وأجيد رد الفعل أكثر من خلق فعل أصيل



    على أنني أدعوا الناس إلى إعادة اعمال النظر على طريقة إدواردو غاليانو سالفة الذكر إلى الوقائع التاريخية. لعلنا نكتشف تلك الأشياء كما رآها إبراهيم على نحو مختلف. ربما إذ ذاك ندرك كم كنا أسرى للوهم. أو حتى لا يصيبنا ما أصاب 'كولومبوس' حسب اشارة غاليانو:



    Quote: أن اكبر خطأ لما يطلق عليه اكتشاف أمريكا هو عدم إكتشاف شيء، لأنّ 'كولومبوس' مات مقتنعا أنه كان في اليابان كما يعرف الجميع
                  

06-04-2014, 01:11 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان ثمة اتفاق, ما بين ماركيز والفارو موتيس, على ألا يكتب أحدهما عن الآخر, ولكننا ندرك جيدا أن الصديقين لا يصلحان لعمل شيء آخر في هذا العالم سوى الكتابة, والمأزق هنا أن يمتنع أحدهما عن الكتابة طوعا عن أمر من أمور هذا العالم, أمر حميم كالصداقة, فهذا يعني بداية المعناة من دبيب صراصير نشطة أعلى الغدة الدرقية. هكذا, بلا اتفاق تم تحطيم ذلك الاتفاق بينهما, حيث كتب الفارو موتيس نص "ما أعرفه عن غابريال", بينما قدم ماركيز نص "صديقي موتيس":


    Quote: توصلت أنا وألفارو موتيس إلى الاتفاق على عدم تحدث أحدنا عن الآخر في العلن، سواء بالخير أو الشر، كلقاح ضد حصبة المديح المتبادل. ومع ذلك، ومنذ عشر سنوات بالضبط، وفي هذا المكان بالذات، خرق هو اتفاق السلامة الاجتماعية ذاك، لمجرد أن الحلاق الذي أوصيته بالتعامل معه لم يعجبه. وقد انتظرت منذ ذلك الحين الفرصة لآكل طبق الانتقام بارداً، وأظن انه ليست هناك مناسبة أكثر ملاءمة من هذه. لقد روى ألفارو يومذاك كيف عرّف غونثالو مايّارينو أحدنا على الآخر في مدينة كارتاخينا الحالمة سنة 1949 وكان يبدو أن ذلك اللقاء هو الأول بيننا بالفعل، إلى أن سمعته في مساء أحد الأيام، قبل ثلاث أو أربع سنوات، يقول بصورة عرضية شيئاً ما عن فيلكس مينديلسون. فكان ذلك وحياً أعادني فجأة إلى سنواتي كطالب جامعي، في قاعة الموسيقى المقفرة في مكتبة بوغوتا الوطنية التي كنا نلوذ بها نحن من لا نملك خمسة سنتات لندرس في المقهى. وبين زبائن المساء القليلين في قاعة الموسيقى، كنت أكره واحداً له أنف هائل، وحا######## تركيان، وجسد ضخم، ينتعل حذاء صغيراً مثل حذاء بوفالو بيل. يدخل في الساعة الرابعة مساء بالضبط ودون تخلف، ويطلب عزف كونشيرتو الكمان لمينديلسون. وكان لابد من مرور أربعين سنة، حتى ذلك اليوم في بيتي في مكسيكو، لكي أتعرف فجأة على الصوت المتحشرج، وعلى قدمي الطفل يسوع، وعلى اليدين المرتجفتين غير القادرتين على إدخال إبرة في عين جمل. فقلت له مهزوماً «يا للعنة. لقد كنتَ أنت إذن». الشيء الوحيد الذي أسفت له هو أنني لا أستطيع أن أجعله يدفع ثمن الحقد المؤجل، لأننا كنا قد ابتلعنا معاً كميات كبيرة من الموسيقى، بحيث لم يعد أمامنا سبل للتراجع. وهكذا بقينا صديقين، على الرغم من الهوة العميقة المفتوحة في وسط ثقافته الواسعة، والتي ستفصل بيننا إلى الأبد: متمثلة في عدم حبه لموسيقى البوليرو الشعبية. لقد عانى ألفارو مخاطر كثيرة في مهنه الغريبة التي لا حصر لها. ففي الثامنة عشرة، من عمره، عندما كان يعمل مذيعاً في إذاعة «راديو ناسيونال»، انتظره رجل غيور مسلح عند الناصية، معتقداً أنه ضبط رسائل مشفرة موجهة إلى زوجته في التقديم الذي يرتجله ألفارو في برامجه. وفي مناسبة أخرى، خلال حفل رسمي مهيب في هذا القصر الرئاسي بالذات، خلط بين سياسيين كبار يحملان اللقب نفسه وقلبهما رأساً على عقب. ثم أخطأ في ما بعد، أثناء عمله كخبير علاقات عامة، في الفيلم الذي سيعرضه في اجتماع خيري. فبدلاً من أن يعرض فيلماً وثائقياً عن أطفال أيتام، عرض على سيدات المجتمع الطيبات فيلماً كوميديا بورنوغرافية عن راهبات وجنود، مُقَنع بالعنوان البريء الزائف: «زراعة البرتقال». وقد عمل أيضاً مسؤول علاقات عامة في شركة طيران انتهت إلى الإغلاق عندما سقطت طائرتها الأخيرة. وكان وقت ألفارو يضيع في تحديد هوية الجثث، لكي ينقل الخبر إلى ذوي الضحايا قبل أن تنقله إليهم الصحف. فكان الأقارب الغافلون يفتحون الباب معتقدين أن السعادة هي التي تطرقه، وبمجرد أن يتعرفوا على وجه القادم ينهارون مصعوقين وهم يطلقون صرخة حزن. وفي وظيفة أخرى أكثر لطفاً، كان عليه أن يُخرج من فندق في بارانكيا الجثة البديعة لأغنى رجل في العالم. أنزله بوضع عمودي في مصعد الخدمة داخل تابوت اشتري على عجل من محل مأتمي عند الناصية. وقد قال للنادل الذي سأله عمن في التابوت: «إنه السيد المطرانس». وفي مطعم في مكسيكو، حيث كان يتكلم صارخاً، حاول زبون على طاولة مجاورة أن يعتدي عليه، ظناً منه أنه هو بالفعل والتر وينتشل، الشخصية الشريرة في مسلسل «الأبرياء» الذي كان ألفارو يشارك في دبلجته للتلفزيون. وطوال ثلاث وعشرين سنة من عمله كبائع أفلام معلبة لأميركا اللاتينية، دار حول العالم سبع عشرة مرة دون أن يغير أسلوبه في الحياة. ما قدرته فيه منذ الأزل هو أريحيته كمعلم مدرسة، وتمتعه بميل طبيعي ضارٍ إلى هذه المهنة التي لم يستطع ممارستها بسبب رذيلة البلياردو اللعينة. ليس هناك كاتب ممن أعرفهم يهتم قدر اهتمامه بالآخرين، وخصوصاً اليافعين منهم. فهو يحثهم على التعلق بالشعر رغم أنف آبائهم، ويفسدهم بكتب سرية، وينومهم مغناطيسياً بطلاوة لسانه، ثم يلقي بهم ليتدحرجوا في العالم، مقتنعين بأنه يمكن للمرء أن يصبح شاعراً دون الوقوع في التجربة. ليس هناك من استفاد من فضيلته ضئيلة القيمة هذه أكثر مني. لقد رويت في مناسبة سابقة أن ألفارو هو من قدم إلي أول نسخة من رواية « بيدرو بارامو» قائلاً لي: «خذ، لكي تتعلم». ولم يتصور قط أين حشر نفسه. فبقراءتي لرواية خوان رولفو لم أتعلم الكتابة بطريقة أخرى وحسب، وإنما تعلمت كذلك أن تكون لدي على الدوام قصة أخرى مختلفة لكي أروي ما أكون منكباً على كتابته. وضحيتي المطلقة في نظام النجاة ذاك كان ألفارو موتيس نفسه منذ أن كتبت «مئة عام من العزلة». ففي كل ليلة تقريباً كان يأتي إلى بيتي طوال ثمانية عشر شهراً، لكي أروي له الفصول الناجزة من الرواية، وبهذه الطريقة كنت أرصد ردود فعله، مع أن القصة التي أرويها له ليست هي نفسها التي أكتبها. وكان هو يستمع بحماس شديد ويواصل رواية ما رويته له أينما ذهب، مضيفاً إليه تصحيحات وزيادات من عنده. وكنت استحوذ في أحيان كثيرة على إضافاته تلك عندما يروي لي أصدقاؤه في ما بعد القصة مثلما رواها لهم ألفارو. وحين أنهيت مسودة الكتاب الأولى أرسلتها إليه في بيته. وفي اليوم التالي اتصل بي حانقاً وصرخ بي: «لقد جعلتني أبدو مثل ###### أمام أصدقائي. فهذا الشيء المكتوب لا علاقة له بما رويته ليس.» لقد صار منذ ذلك الحين أول قارئ لمخطوطات رواياتي. أحكامه شديدة الفجاجة، ولكنها شديدة العقلانية أيضاً. وأنا نفسي لا أستطيع أن أقدر كم يوجد منه في كتبي كلها تقريباً، ولكنني أقول إن هناك الكثير. كثيراً ما يسألوني كيف أمكن لهذه الصداقة أن تزدهر في أزمنة الخراب هذه. والجواب بسيط: فأنا وألفارو لا نلتقي إلا قليلاً جداً، ومن أجل أن نكون صديقين فقط. فمع أننا عشنا في مكسيكو أكثر من ثلاثين سنة، وكنا جارين تقريباً، فإن لقاءاتنا هناك كانت أقل من أي مكان آخر. فعندما أريد رؤيته، أو يريد هو رؤيتي، نتصل هاتفياً للتأكد من أن كل منا يريد رؤية الآخر. ولم أخرق قاعدة الصداقة الأساسية هذه سوى مرة واحدة، وقدم لي ألفارو آنذاك دليلاً بالغاً على نوعية الصديق الذي يمكن له أن يكونه. وقد حدث ذلك كما يلي: كنت مشبعاً بخمرة التيكيلا عندما طرقت مع صديق عزيز جداً، في الساعة الرابعة فجراً، باب الشقة التي كان يتحمل فيها ألفارو حياته الحزينة كعازب متقيد بالسلوك القويم. ودون أن نقدم له أي تفسير، وأمام عينيه اللتين مازالتا غائمتين بالنعاس، انتزعنا لوحة مائية بديعة لبوتيرو، طولها متر وعشرون سنتيمتراً وعرضها متر، وأخذناها دون تقديم تفسيرات، وفعلنا بها ما شئناه. لم يقل لي ألفارو كلمة واحدة حول ذلك الاعتداء، ولم يحرك إصبعاً ليعرف ما الذي جرى للوحة، وكان علي أن أنتظر حتى هذه الليلة التي نحتفل فيها بسنواته السبعين الأولى لكي أعرب له عن ندمي. عامل آخر دعم هذه الصداقة هو أن معظم المرات التي كنا فيها معاً، جرت ونحن على سفر. فكان ذلك يتيح لنا الاهتمام بالآخرين وبأشياء أخرى في معظم الوقت، دون أن يهتم أحدنا بالآخر إلا عندما يكون هناك ما هو جدير بذلك فعلاً. لقد كانت دروب أوروبا اللانهائية بالنسبة لي هي جامعة الفنون والآداب التي لم أدرس فيها قط، فمن برشلونة إلى إكس ـ آن ـ بروفانس تعلمت أكثر من ثلاثمئة كيلومتر عن هراطقة القرنين الحادي والثاني عشر وبابوات افينيون. وكذلك الأمر في الإسكندرية كما في فلورنسا، وفي نابولي كما في بيروت، وفي مصر كما في باريس. ومع ذلك، فإن أكثر الدروس التي تعلمتها منه غموضاً في رحلاتنا الجنونية، كانت عبر الريف البلجيكي المخلخل بضباب أكتوبر ورائحة البراز البشري المنثور في الأراضي المستريحة التي هُجرت لتوها. كان ألفارو قد قاد السيارة طوال أكثر من ثلاث ساعات، بصمت مطبق، وإن كان لا أحد يصدق ذلك. ثم قال فجأة: «بلاد دراجين وصيادين عظماء». ولم يوضح لنا قط ما الذي عناه بقوله، ولكنه اعترف لنا بأنه يحمل في داخله مخبولاً عملاقاً، كثيف الشعر وسائل اللعاب، يفلت في لحظات سهوه عبارات مثل تلك، ولا يتورع عن عمل ذلك في أشد الزيارات خصوصية، وحتى في القصور الرئاسية، وأنه يتوجب عليه أن يوقفه عند حده وهو يكتب، لأنه يصاب بمس من الجنون، ويأخذ بالتخبط والرفس متلهفاً ليصحح له ما يكتب. على الرغم من ذلك كله، فإن أفضل الذكريات عن تلك المدرسة الجوالة لم تكن دروسها، وإنما فُسح الراحة بين الدروس. ففي باريس، وبينما نحن ننتظر انتهاء زوجتينا من الشراء، جلس ألفارو على درجات مدخل كافيتريا كثيرة الرواد، ولوى رأسه نحو السماء، وأظهر بياض عينيه، ومد يده المرتعشة كمتسول، فقال له رجل متأنق بتأنق الفرنسيين التقليدي: «من الوقاحة أن تطلب صدقة وأنت ترتدي مثل هذه الكنزة الكشميرية»، ولكنه منحه فرنكاً. وخلال أقل من خمس عشرة دقيقة جمع أربعين فرنكاً. وفي روما، في بيت فرانسيسكو روسي، نوّم كلاً من فيلليني، ومونيكا فيتي، وأليدا فاللي، وألبيرتو مورافيا، صفوة وجوه السينما والأدب الإيطاليين، وأبقاهم معلقين في ترقب طوال ساعات، وهو يروي لهم قصصه المريعة عن مقاطعة كينيرو الكولومبية بلغة إيطالية ابتدعها هو نفسه، لا وجود فيها لكلمة إيطالية واحدة. وفي أحد بارات برشلونة، ألقى قصيدة بصوت نيرودا وخموده، وكان هناك شخص سمع يوماً إلقاء نيرودا شخصياً، فطلب منه أن يوقع له أوتوغرافاً معتقداً أنه نيرودا نفسه. وهناك سطر من شعره أثار في نفسي القلق مذ قرأته: «الآن أعرف أنني لن أعرف اسطنبول أبداً». إنه بيت شعر غريب لدى شخص يؤمن بالنظام الملكي إيماناً لا خلاص منه، ولم ينطق في حياته قط اسم اسطنبول وإنما بيزنطة، مثلما لم يقل قط لينينجراد، بل سان بطرسبورج، قبل وقت طويل من أن يبين التاريخ أنه كان على حق. ولست أدري لماذا راودني التكهن بأنه علينا أن نعزم على بيت الشعر ذاك بالتعرف على اسطنبول. وهكذا أقنعته بأن نذهب في سفينة بطيئة، مثلما هو الحال عندما يريد المرء أن يتحدى القدر. ولكنني لم أجد مع ذلك لحظة واحدة من الطمأنينة طوال الأيام الثلاثة التي أمضيناها هناك، إذ كنت مذعوراً من القدرة المنذرة للشعر. واليوم فقط، عندما صار ألفارو شيخاً في السبعين وصرت أنا طفلاً في السادسة والستين، أتجرأ على القول إنني لم أقم بتلك الرحلة لكي أهزم بيتاً من الشعر، وإنما لأعارض الموت. والمرة الوحيدة على أي حال، التي اعتقدت فيها حقاً أنني على وشك الموت، كنت فيها مع ألفارو أيضاً. كنا نمضي في السيارة عبر إقليم بروفانس المنير، عندما انقض علينا فجأة سائق مجنون آت من الاتجاه المعاكس. لم أجد مفراً من تدوير المقود بسرعة إلى اليمين، ولا وقت لأنظر أين سنسقط. وراودني للحظة الإحساس بأن المقود لا يستجيب لي في الفراغ. كانت كارمن وميرثيديس في المقعد الخلفي كالعادة، وقد انقطعت أنفاسهما إلى أن استقرت السيارة مثل طفل على منحدر حقل كرمة ربيعي. الشيء الوحيد الذي أتذكره من تلك اللحظة هو وجه ألفارو في المقعد المجاور، وهو ينظر إلي قبل ثانية واحدة من لحظة الموت بملامح مشفقة كمن يريد أن يقول: «ما الذي يفعله هذا النذل!». تعابير ألفارو الفظة هذه لا تفاجئنا كثيراً نحن الذين عرفنا أمه كارولينا خارامييو وعانينا منها، إنها امرأة جميلة مهووسة لم تنظر إلى مرآة منذ بلوغها العشرين، لأنها بدأت ترى بأنها تبدو مختلفة عما تشعر بأنها عليه. وحين صارت جدة متقدمة في السن، واصلت التنقل على دراجة وهي ترتدي ملابس صياد، لتزرق الحقن مجاناً في مزارع السهب الكولومبي. وفي إحدى الليالي في نيويورك، طلبتُ منها أن تبقى للسهر على ابني ذي الأربعة عشر شهراً ريثما نذهب إلى السينما. فنبهتنا هي بكل جدية إلى أن نكون حذرين، لأنها أقدمت على معروف مماثل في مانيثاليس بالبقاء مع طفل لا يكف عن البكاء، فاضطرت إلى إسكاته بحلوى توت مسممة. ومع ذلك، عهدنا إليها بالطفل في يوم آخر في مخازن ماسيس، وعندما رجعنا وجدناها وحيدة. وبينما كان رجال الأمن يبحثون عن الطفل، حاولت هي مواساتنا بالجدية الضبابية نفسها التي يبديها ابنها: «لا تقلقوا. لقد ضاع مني ألفارو في بروكسل عندما كان في السابعة، وها أنتم ترون الآن كيف أنه على ما يرام». إنه على ما يرام بالطبع، ما دام نسخة مثقفة ومضخمة عنها، ومعروف في نصف الكوكب، ليس بفضل شعره بقدر ما هو بفضل كونه أكثر الرجال لطفاً في العالم. فأينما حل يخلف أثراً لا يُنسى من مبالغته الجنونية، وولائمه الانتحارية، عباراته الفجة العبقرية. ونحن فقط، من نعرفه ونحبه أكثر من الجميع، نعرف أنها ليست أكثر من حركات متصنعة لإفزاع أشباحه. ولا يمكن لأحد أن يتصور ما هو الثمن الباهظ الذي دفعه ألفارو موتيس من أجل نكبة أن يكون لطيفاً. لقد رأيته مستلقياً على صوفا، في عتمة بيته الصغير، مع كآبة ضمير لا يمكن أن يحسده عليها أي واحد من مستمعي شعره في الليلة السابقة. لحسن الحظ أن هذه الوحدة التي لا شفاء منها هي الأم الثانية التي يدين لها بحكمته الهائلة، وقدرته غير العادية على القراءة، وفضوله الطفولي، وروعة مخيلته، والأسى غير المحدود في شعره. لقد رأيته متوارياً عن العالم في سمفونيات بروكنر سميكة الجلد كما لو أنها مقطوعات سكارلاتي الخفيفة المسلية. رأيته في ركن منعزل في حديقة كويرنافاكا، خلال إجازة طويلة، هارباً من الواقع إلى الغابة السحرية لأعمال بلزاك الكاملة. وبين فترة وأخرى، مثل من يذهب لرؤية فيلم رعاة بقر، يعيد دفعة واحدة قراءة «البحث عن الزمن المفقود». ذلك أن الجيد في قراءة كتاب في نظره هو أن يكون الكتاب مؤلفاً من ألف ومئتي صفحة على الأقل. وفي السجن في مكسيكو، حيث أُدخل بسبب جرم استفاد منه عدد كبير منا نحن الكتّاب والفنانين، ودفع هو وحده الثمن، بقي حبيساً ستة عشر شهراً يعتبرها أسعد فترة في حياته. لقد فكرت على الدوام بأن السبب في قلة عمله الإبداعي هو تعدد مهنه الطاغية. وفكرت كذلك بأن الأمر يتفاقم بسبب سوء خطه الكارثي الذي يبدو وكأنه مكتوب بريشة إوزة، كتبته الإوزة نفسها، بخربشة مصاص دماء تبعث الكلاب على النباح في ضباب ترانسيلفانيا. وقد قال لي عندما أخبرته بذلك، منذ سنوات طويلة، إنه عندما سيتقاعد من أعماله العبودية، سوف ينجز كتبه المؤجلة. وكان ذلك هو ما حدث بالفعل، فقد قفز دون مظلة من طائراته الأبدية إلى الأرض اليابسة لمجد وافر وحري بالجدارة، محققاً إحدى المعجزات في آدابنا: ثماني روايات خلال ست سنوات. ويكفي قراءة صفحة واحدة من أي كتاب منها لفهمه كاملاً: فأعمال ألفارو موتيس الكاملة، وحياته نفسها، هي أعمال وحياة متنبئ يعلم علم اليقين أننا لن نتمكن من العثور ثانية على الفردوس المفقود. هذا يعني أنه ليس هو وحده «ماكرول» (الشخصية الرئيسية في جميع أعمال ألفارو موتيس الأدبية)، مثلما يقال باستسهال. وإنما ماكرول هو نحن جميعنا. فلنتوقف عند هذه النتيجة التعيسة، نحن من جئنا هذه الليلة لنحتفل مع ألفارو بهذه السبعين سنة من الحياة كلها. ولنقل له لأول مرة، دون الحياء الزائف، ودون المبادرة إلى شتم الأمهات خوفاً من الانخراط في البكاء: كم نقدرك، يا للعنة، وكم نحبك.



    http://www.albayan.ae/five-senses/2002-05-20-1.1296537
                  

06-04-2014, 01:25 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    لقد صدق حدسي تماما بالنسبة لعنوان هذا البوست. فالنص أعلاه غير الذي عثرت عليه مترجما لحظة بدء النبش في العلاقة بين الصديقين. وها هو صالح علماني يورد فحوى عبارة عنوان هذا البوست عبر الصيغة التالية (فتأمل):

    Quote: كثيراً ما يسألوني كيف أمكن لهذه الصداقة أن تزدهر في أزمنة الخراب هذه
                  

06-04-2014, 01:49 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    هكذا, رأيت أن أشرك الناس ما أتابع من قراءة الآن.


    في أمان الله
                  

06-05-2014, 09:07 AM

ibrahim fadlalla
<aibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: من ذا الذي استحوذ على الماء ؟ القرد ذو الهراوة، القرد الأعزل مات بضربة واحدة


    أو استسلم لمنطق الهراوة ...ذليلاً ..خاضعاً .. مستنزفاً .

    استمتعت جداً بالمقالة التي أدرجتها ، أخي البرنس ، والمليئة بمقتطفات الكاتب الناصع إدوارد غاليانو..وأتحسر على جهلي به...لجهلي ...

    المقتبس وكأنه موجز لتاريخ البشرية ..يتكرر في رتابة عجيبة ...
    منذ أن أعمل قابيل هراوته ..وإلى يومنا هذا ..وما يليه وما يليه .. ربما حتى نهاية الزمان .

    ومن المرعب ..أن الإنسان قد نجح إلى حد مذهل ...في تنويع هراواته
    وقد أدرك جيداً .. منذ زمن سحيق ...بأن .. الكلمة ...هي أضخم هراوة عرفها التاريخ ...
    وظل يستخدمها بكفاءة عالية ...لضمان الإستحواذ على الماء ...وكل شيء آخر ...كل شيء..

    والأشياء .. تضمر مكراً ..والزمان ... يضمر مكراً .. يتكشف برفق وثبات
    عن هراوات ..لا قبل للإنسان بها ...ولات ساعة مندم ...
    -
    -
    -

    --- مسكين هو القمر ---
    -
    -
    -
    عبارة ..قرأتها طي مقال غاليانو الوارد آنفاً ...
    وظلت ..ترتطم في ذهني ...مثل فراشة على زجاج النافذة ..يغريها الضوء بالولوج ...

    وفي البال سؤال ...ترى كم من أشياء أخرى قمينة بالرثاء ...كما القمر ؟؟

    ربما الإنسان ...أحقهم بالرثاء ..
    رغم أنه الجاني والضحية ...
    -------------------------------------------------------------
    عزيزي البرنس ...أشكرك بصدق على كلماتك الطيبة في حقي ...
    وأشكرك أكثر على حسن ظنك ، ليتني حيث تحسبني...
                  

06-05-2014, 10:15 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: ibrahim fadlalla)

    إدواردو غاليانو نصوص


    [ اللاأحد ]


    البراغيث تحلم بشراء ك ل ب، واللاأحد يحلمون بالنجاة من البؤس: أنه في يوم سحري ما سيمطر الحظ الجيد عليهم فجأة – سينهمر بكميات كبيرة. لكن الحظ الجيد لم يمطر البارحة، ولن يمطر اليوم، غداً أو في أي وقت. والحظ الجيد لا يتساقط حتى رذاذ رائع، مهما عانى اللاأحد في استحضاره، حتى ولو كانت أيديهم اليسرى مدغدغة، أو إذا بدأوا يوماً جديداً بأقدامهم اليمنى، أو بدأوا العام الجديد بتغيير المكانس.
    اللاأحد: أطفال لا أحد، الذين لا يملكون شيئاً. اللاأحد : الذين ليسوا أحداً، الذين جعلوا هكذا، يركضون كالأرانب، يموتون في الحياة، الثملون بكل طريقة.
    الذين ليسوا، ولكن يمكن أن يكونوا.
    الذين لا يتحدثون لغات وإنما لهجات.
    الذين لا أديان لهم، وإنما خرافات.
    الذين لا يبدعون فناً، وإنما صنعة يدوية .
    الذين لا يملكون ثقافة وإنما فلكلوراً.
    الذين ليسوا كائنات بشرية وإنما مصادر بشرية.
    الذين ليس لهم وجوه بل أذرع.
    الذين لا أسماء لهم وإنما أرقام.
    الذين لا يظهرون في تاريخ العالم، بل في دفتر الشرطة، في الصحيفة المحلية.
    اللاأحد، الذين ليسوا بقيمة الرصاصة التي تقتلهم.



    [ وظيفة الفن I ]


    لم ير " دييغو " المحيط أبداً، فأخذه والده، " سانتياغو كوبادلوف " ليستكشفه.
    اتجه جنوباً.
    كان المحيط يستلقي منتظراً وراء كثبان رملية مرتفعة.
    حين وصل الطفل ووالده في النهاية إلى الكثبان الرملية بعد سير طويل، انفجر المحيط أمام أعينهما.
    كان ضخماً ومتلألئاً وعقد جماله لسان الطفل.
    حين فكت عقدة لسانه طلب من والده وهو يرتجف ويفأفئ :
    " ساعدني لكي أرى " !.


    [ فن للأطفال ]


    كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها متصالبتان. توسلت الأم من أجل المساعدة:
    قالت متوسلة : " احك لها حكاية يا " أونوليو" ، أنت الكاتب. ارو لها حكاية"
    ملوحاً بملعقة من الحساء بدأ " أونيليو خورخي كاردوسو " قصته:
    " مرة كان هناك طائر لم يرد أن يتناول عشاءه. أحكم الطائر إغلاق منقاره وقالت له أمه : ستكون دائماً طائراً صغيراً إذا لم تأكل "النني" . لكن الطائر لم ينتبه إلى أمه ولم يفتح منقاره ..."
    عندئذ انفجرت الطفلة :
    " يا له من طائر حقير ! ".


    البيروقراطية


    أكمل سيكستو مارتينيث خدمته الإلزامية في ثكنة في سيفيا " إشبيلية " في وسط ساحة الثكنة مقْعَدٌ صغير يحرسه جندي . لم يعد أحد يسأل لماذا كان ينبغي أن يُحرس المقعد. كان المقعد يُحْرَس على مدار الساعة، فقط لأنه : كل نهار، كل مساء، من جيل ظباط إلى آخر كان الأمر يصدر والجنود ينفذونه. لم يعبر أحد عن أية شكوك أو يسأل لماذا. إذا كان هذا ما حصل دائماً يجب أن يكون هناك سبب.
    وهكذا استمر الأمر إلى أن أراد شخص ما، جنرال أو كولونيل، أن يعرف سبب الأمر الأصلي. كان عليه أن يقلب في الملفات . بعد وقت طويل من البحث، عثر على الجواب. منذ واحد وثلاثين عاماً وشهرين وأربعة أيام، أمر ظابط حارساً أن يقف قرب المقعد، الذي كان قد دهن لتوه، لكي لا يفكر أحد بالجلوس على الدهان الطري.

    باب

    "كان كارلوس فاسانو قد أمضى ست سنوات في تبادل الحديث مع فأر ومع باب الزنزانة رقم 282.



    لم يكن الفأر شديد المواظبة، كان يهرب ويرجع عندما يشاء، أما الباب فكان هناك دائماً.

    فيما بعد، تحول السجن إلى مركز تسوق في مونتيفيديو، ومركز الاعتقال تحول إلى مركز استهلاك، ولم يعد سجانوه يحبسون أناساً، وإنما بدلات أرماني، وعطورات ديور، وفيديوهات باناسونيك؟
    وانتهى المطاف بأبواب زنازينه إلى مخزن الأنقاض الذي اشتراها.
    وهناك وجد كارلوس بابه. لم يكن عليه الرقم، ولكنه تعرف عليه في الحال. فتلك هي الخدوش التي أحدثها بالملعقة. وهذه هي البقع، بقع الخشب القديمة، خرائط البلدان السرية التي كان يسافر إليها على امتداد كل يوم من أيام حبسه.
    الباب ينتصب الآن في العراء، في أعلى رابية حيث يمنع إغلاقه".


    Quote: لكاتب الأورغوياني إدواردو غاليانو:
    طباعة | أرسل إلى صديق
    واو المفرد
    الكاتب الأورغوياني إدواردو غاليانو:

    أقرُّ بالجميل للصحافة التي أيقظتني



    ترجمة: نجاح الجبيلي







    إنه الأمر نفسه في أغلب الصباحات. على مائدة الفطور فإن الكاتب الأرغوياني إدواردو غاليانو -72 سنة وزوجته هلينا فياغرا يناقشان أحلامهما في الليلة السابقة. يقول غاليانو:" أحلامي دائماً حمقاء. عادة لا أتذكرها وحين أتذكرها تدور حول أمور سخيفة مثل الطائرات المفقودة والمشاكل البيروقراطية. لكنّ لزوجتي أحلاماً سعيدة".

    في إحدى الليالي حلمت بأننا كنا في المطار إذ كان المسافرون جميعاً يحملون الوسائد التي ناموا عليها في الليلة السابقة. قبل أن يركبوا على متن الطائرة فإن السلطات الرسمية سوف تضع وسائدهم في ماكنة تستخلص أحلامهم في الليلة السابقة وتتأكد انه ليس هناك أمر مخرباً فيها.

    حين أخبرته بذلك شعر بالارتباك حول عقوبته الخاصة. "إنه أمرا مخجل حقاً".

    ليس هناك الكثير من السحر في واقعية غاليانو. لا يوجد شيء مخجل فيها أيضاً. هذا الكاتب المتحول من الصحافة في السبعين أصبح الشاعر المتوج لحركة ضد العولمة عن طريق إضافته الصوت الشعري الوجيز إلى اللارواية. حين ضغط الراحل هوغو شافيز بنسخة من كتاب غاليانو الصادر عام 1971 بعنوان" العروق المفتوحة لأمريكا اللاتينية: خمسة قرون من نهب القارة" في يد باراك أوباما أمام الصحافة العالمية عام 2009 فإن الكتاب قفز من المرتبة 54295 في موقع الأمازون الإلكتروني الخاص ببيع الكتب إلى المرتبة الثانية في ذلك اليوم. وقد هتف الناس المزدحمون حين أعلنت أروندهاتي روي في آذار عن زيارة وشيكة يقوم بها غاليانو إلى شيكاغو. وحين جاء غاليانو في أيار بيعت كتبه كما هي العادة في أغلب جولاته.

    صرح للصحيفة الإسبانية "أل بايسس" مؤخراً قائلاً "هناك تقليد يرى في الصحافة الجانب الأسود للأدب، وذروته هو تأليف الكتب". ويضيف:" لا أتفق مع ذلك. أعتقد بأنّ كل الأعمال المكتوبة تؤلف الأدب حتى الغرافيتي. لقد كتبت الكتب لعدة سنوات لكني تمرنت كصحفي وما زالت البصمة فيّ. أنا أقرّ بالجميل للصحافة إذ أيقظتني على حقائق العالم".

    تظهر هذه الحقائق موحشة. يقول:" هذا العالم ليس ديمقراطياً مطلقاً. المؤسسات الفاعلة، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تنتمي إلى ثلاثة أو أربعة بلدان. والأخرى تراقب. فالعالم ينظمه اقتصاد الحرب وثقافة الحرب".

    ومع ذلك فلا شيء هناك في أعمال غاليانو أو سلوكه ينم عن اليأس أو حتى الميلانخوليا. وحين كان في إسبانيا في اضطرابات الشباب في "أنديغوندوس" قبل سنتين التقى بالمحتجين الشباب في بيرتا دل سول في مدريد. وقد حيّا التظاهرات. "هؤلاء شباب آمنوا بما هم فاعلون. من غير السهل العثور على ذلك في الحقول السياسية. أنا اعترف بالجميل لهم".

    أحدهم سألني كم المدة التي يستمر فيها الصراع. ردّ غاليانو:" لا تقلق. إنه يشبه ممارسة الحرب. إنه لانهائي بينما هو حي. لا يهم إن كان يستمر لمدة دقيقة. لأنه في لحظة يحدث، دقيقة يمكن أن تشبه أكثر من سنة واحدة".

    يتكلم غاليانو كثيراً مثل هذا- لا في الألغاز بالضبط، بشكل مبهم وعابث، مستخدماً الزمن كونه سيف المبارزة. حينما سألته إن كان متفائلاً بشأن حالة العالم أجاب:" يعتمد على سؤالك لي خلال النهار. من الساعة الثامنة صباحاً حتى الظهر أنا متشائم. ثم من الساعة الواحدة حتى الرابعة أشعر بالتفاؤل". التقيته في بهو الفندق في قلب مدينة شيكاغو الساعة الخامسة بعد الظهر وهو يجلس مع زجاجة كبيرة من النبيذ ويبدو في منتهى السعادة.

    رؤيته عن العالم غير معقدة- المصالح العسكرية والاقتصادية تحطم العالم، تجميع القوة المتصاعدة في أيدي الأغنياء وسحق الفقراء. بافتراض المسح التاريخي الواسع لأعماله فإن الأمثلة من القرن الخامس عشر وما بعده هو أمر اعتيادي. إنه يفهم الموقف الحاضر لا كتطور جديد بل سلسلة متصلة على كوكب مطعون بشكل دائم بالهزيمة والمقاومة.

    ومع أنه ناقد شديد لسياسة أوباما الخارجية وعاش في المنفى لمدة أكثر من عقد أثناء السبعينات والثمانينات ومع ذلك فهو يتمتع بالأصداء الرمزية لانتخاب أوباما ببضع تلميحات قائلاً:" كنت في غاية السعادة حين جرى انتخابه لأن هذه البلد ذات تقليد ناضج في العنصرية". فهو يحكي قصة كيف أن البنتاغون في عام 1942 أمرَ بأنه غير مسموح نقل دم السود إلى البيض. "في التاريخ ذلك لا يعني شيئاً. فسبعون سنة تشبه دقيقة. لذا فإن نصر أوباما هذا يستحق الاحتفال".

    كل تلك الصفات- الملغز والعابث والتاريخي والواقعي- تمتزج في كتابه الأخير "أطفال الأيام" الذي يصنع فيه صورة قلمية تاريخية موجزة لكل يوم من السنة. والهدف هو الكشف عن لحظات من الماضي بينما يضعها في سياق الحاضر، متردداً في القرون كي يصور السيناريوهات. ما حققه هو نوع من الحفر التاريخي وهو يؤصل القصص التي جرى فقدانها وأسيء استعمالها ويقدمها بكل مجدها ورعبها أو لامعقوليتها التامة.

    إن تدوينه في 1 تموز مثلاً بعنوان: "أقل من إرهابي" يقرأ:" في عام 2008 قررت حكومة الولايات المتحدة أن يمسح اسم نلسون مانديلا من قائمتها في الإرهابيين الخطرين. الأفريقي الأكثر توقيراً في العالم كان قد وضع في تلك القائمة الشريرة لمدة ستين سنة". وسماه "اكتشاف 12 أكتوبر". " في عام 1429 اكتشف السكان الأصليون بأنهم هنود حمر واكتشفوا أنهم عاشوا في أميركا".

    في الوقت نفسه يدعى 10 كانون الأول(ديسمبر) "الحرب المقدسة" ومهداة إلى تسلم أوباما جائزة نوبل حين قال أوباما هناك "ستأتي أوقات ستجد الأمم أن استعمال القوة لا ضروري فحسب بل مبرر أخلاقيا" فكتب غاليانو:" قبل أربعة قرون ونصف وحين لم تكن جائزة نوبل موجودة والشرّ كامن في بلدان لا يوجد فيها نفط بل ذهب وفضة، فإن القاضي الإسباني خوان جينس دو سبلفيدا دافع أيضاً عن الحرب كونها "ليست ضرورية فحسب بل أيضا مبررة أخلاقياً".

    لذا فهو ينتقل من الماضي إلى الحاضر ثم يعود خالقاً ارتباطات مع الظرف الساخر الناقد. يقول مصرّاً أن رغبته هو أن يجدد ما يسميه " قوس قزح الإنسانية الأكثر جمالاً من قوس قزح السماء. لكن عسكريتنا ورجولتنا وعنصريتنا كلها أعمتنا عنها. ثمة العديد من الطرق في أن تصبح أعمى. نحن عميان بالنسبة للأشياء الصغيرة والناس الصغار".

    ويؤمن أن المسار المحتمل في أن نصبح عميان هو لا فقداننا البصر بل الذاكرة. يقول:" خشيتي الكبيرة أننا كلنا نعاني من فقدان الذاكرة. كتبت كي أعيد ذاكرة قوس قزح الإنسانية الذي هو في خطر أن يصبح أبتر".

    وكمثال يصف روبرت كارتر الثالث – الذي لم أسمع به- الذي كان الأول من بين الآباء المؤسسين في أمريكا الذي يحرر عبيده:" بسبب ارتكابه هذه الخطيئة التي لا تغفر حكم عليه التاريخ بالنسيان".

    سألته من هو المسؤول عن هذا النسيان؟ فأوضح قائلاً:" المسؤول ليس شخصاً بل نظاما من السلطة دائماً يقرر باسم الإنسانية من يستحق التذكر ومن يستحق أن ينسى.. إننا خلاف ما يجري إخبارنا. إننا أكثر جمالاً".

    and#61550; عن: الغارديان



    http://www.alimbaratur.com/index.php?option=com_contentandview...leandid=2580andItemid=17
                  

06-05-2014, 11:38 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    إدواردو غاليانو نصوص



    المرايا




    مولودة من الرغبة:
    كانت الحياة وحيدة، دون اسم ولا ذاكرة. كانت لها أيادٍ، لكن لا أحد لتلمسه. وكان لها لسان، لكن لا أحد لتتحدث معه. كانت الحياة واحد. وكان الواحد لا أحد.
    ثم ظهرت الرغبة وسَرَت في ظهر الحياة. قَسَم سَهْم الرغبة الحياة في وسطها، فانشطرت إلى نصفين.
    لمّا أبصر كل نصف النصف الآخر، ضحكا معًا. ولمّا تلامسا ضحكا معًا مجدّدًا.


    حفل على القدمين:
    هل كان آدم وحوّاء أسودان؟
    ابتدأت المغامرة البشرية عبر العالم في إفريقيا. من هناك انطلق أجدادنا لغزو الكوكب. قادتهم خطاهم الكثيرة إلى أقدار كثيرة؛ ثمّ

    تكفّلت الشمس بطلاء سحنة الأجداد من لوحة الألوان. أصبحت ألوان قوس قزح الأرض اليوم أغنى من قوس قزح السماء. لكننّا جميعًا مهاجرون من إفريقيا: حتّى أشدّ البيض بياضًا قدِم من إفريقيا. من الجائز أنّنا نرفض الاعتراف بأصولنا المشتركة لأنّ العنصرية تسبب فقدان الذاكرة. أو ربّما لأننا لا نكاد نصدّق أنّه في تلك الأيام الخوالي كان العالم بأكمله مملكتنا، خارطة شاسعة دون حدود، وكانت أرجلنا هي جواز السفر الوحيد المطلوب منّا.


    المُشاغب:
    كانت السماوات والأرض منفصلة بعضها عن بعض، وكذلك الخير والشرّ، والولادة والموت. لم يكن النهار يختلط أبدًا بالليل. كانت المرأة امرأة والرجل رجلاً.
    لكنّ "إكسو"، المجرم الإفريقي الهائم على وجه الأرض أراد أن يرفّه عن نفسه فكان السبب وراء الاختلاطات المارقة. وهو ما يزال يفعل ذلك حتى الساعة.
    تزيل حيله الشيطانية الحدود وتجمع ما فرّقته الأقدار. بفضل خزعبلاته البارعة، تصبح الشمس سوداء والليل منيرًا. تخرج النساء من مسامّ الرجال ويخرج الرجال من عَرَق النساء. يولد الموتى ويموت الولدان. يختلط الأمام والوراء لكل ما خُلق وما سوف يُخلق، ولا يمكن أن تحدد مَن الرئيس ومن المرؤوس، ولا من هو فوق ومن تحت.
    يمرّ الوقت إلى أن يعود النظام الإلهي بنظام درجاته وجغرافيّته، وهكذا يعود كل شيء وكل شخص إلى مكانه. لكن بعد فترة وجيزة يظهر الجنون من جديد.
    وقتها تشتكي الأقدار قائلة إنّ العالم مكان صعب حقًّا.


    الكهوف:
    تتدلّى الراشحات من سقف الكهوف. وتتراكم المترشحات فوق أرض الكهوف. تتكوّن من الكريستال الهش رقيق القوام، والناجم عن عرق الصخور في أعماق الكهوف التي نحتها الماء والزمن

    في أحشاء الجبال.
    تقضي الراشحات والمترشحات آلاف السنين لتبلغ الأسفل أو الأعلى، قطرة تلو القطرة تبحث الواحدة عن الأخرى في غياهب الظلمة. تسعى بعض القطرات طيلة مليون سنة كي تتلامس. هي ليست على عجلة من أمرها.


    أصل النّار:
    علّموني في المدرسة أنّنا اكتشفنا النار في عصر الكهوف الغابر، وكان ذلك لمّا فركنا حجرتَيْ صوّان أو قشّتين معًا.


    بقيت أحاول منذ ذلك الحين. لكنّي لم أحصل حتى على شرارة صغيرة.
    إلاّ أنّ إخفاقي الشخصي لم يمنعني من استحسان المزايا التي قدّمتها لنا النار. حمتنا من البرد ومن الوحوش التي كانت تتهدّدنا. طبخت طعامنا، وأضاءت ليلنا، ثم دعتنا إلى الجلوس جنبها معًا.




    تأسيس الكتابة



    عندما لم يكن العراق قد صار العراق بعد، ولدت هناك أول الكلمات المكتوبة.
    إنها تبدو مثل آثار طيور. رسمتها أيدٍ بارعة، بقصبات مدببة، على الطين.
    النار التي شوت الطين، حفظتها.. النار التي تقتل وتنقذ، تقتل وتمنح الحياة: مثل الرموز، مثلنا. بفضل النار مازالت ألواح الطين تروي لنا، الآن، ما روي قبل آلاف السنين في تلك الأراضي التي بين نهرين.
    في أزمنتنا أطلق جورج دبليو بوش بصفاقة سعيدة، ربما لقناعته بأن الكتابة قد اخترعت في تكساس، حرب إبادة ضد العراق. فكان هناك آلاف وآلاف الضحايا، ولم يكن الضحايا أناسا من لحم وعظم فقط. بل جرى اغتيال الكثير من الذاكرة أيضا.
    الكثير من ألواح الطين، التاريخ الحي، سرقت أو دمرت في أعمال القصف.
    وكان أحد تلك الألواح يقول:
    نحن غبار وعدم..
    كل ما نفعله ليس سوى قبض ريح.






    من كتابيه (كلمات متجولة) و (كتاب المعانقات ):


    1

    يسافر ضوء النجوم الميتة وبضوء روعتها تبدو حيةً

    الغيتار ،الذي لا ينسى رفيقه ، يعزف الموسيقى دون يد .

    يسافر الصوت ، تاركاً الفم خلفه "

    (2)

    الأشياء هي مالكة مالكي الأشياء ولا استطيع أن أجد وجهي في المرآة .

    أتلكم ما لا اقوله .

    انا موجود لكنني لست موجودا .

    واستقل قطارا إلى حيث لست ذاهبا , في بلاد منفية مني .


    (3)

    نافذة على رجل ناجح :

    لا يستطيع أن ينظر إلى القمر دون أن يقيس المسافة .

    لا يستطيع أن ينظر إلى شجرة دون أن يفكر بالحطب

    لا يستطيع أن ينظر إلى لوحة دون أن يحسب السعر

    لا يستطيع أن ينظر إلى امرأة دون أن يحسب حساب المجازفة"


    (4)

    نافذة على العقاب

    كان عيد الميلاد , فمنح رجل سويسري ساعة سويسرية لابنته السويسرية .

    فككت الطفلة الساعة في فراشها . كانت تلعب بالعقارب , بالنابض , والكريستال , والمفتاح , حيث اكتشف والدها ذلك ضربها ب... .

    حتى الآن , لا تزال نيكول روان وشقيقها عدوين . منذ عيد الميلاد ذاك فصاعدا - عيد الميلاد الأول الذي تتذكره- كان الاثنين صديقين طول الحياة .في ذلك اليوم , علمت نيكول أنها ستُعاقب في جميع السنوات القادمة , لأنه بدلا من أن تسأل ساعات العالم ما هو الوقت,ستسألها كيف تبدو بالداخل .


    (5)

    نافذة على الذاكرة 3

    هذا الذي يسمي , ينادي . فيأتي شخص ما , دون موعد , دون شروح , إلى المكان الذي يناديه فيه اسمه الذي ييقال او يُفكر به .
    حين يحدث هذا , لا أحد يغادر بشكل كامل طالما أن الكلمة المستدعية , القادرة , التي تحضره , لا تموت


    (6)

    نافذة على الذاكرة 2

    ملاذ ؟

    بطن ؟

    مخبأ يخبئك حين تغرق تحت المطر ,او ترتجف من البرد , او تدور في الريح ؟

    هل نملك ماضيا رائعا أمامنا ؟

    بالنسبة للبحارة الذين يحبون الريح , الذاكرة ميناء انطلاق .


    (7)

    نافذة على الممنوعات

    على حائط بمطعم في مدريد علقت لافتة تقول : الغناء ممنوع .

    على حائط في مطار في ريو دي جانيرو علقت لافتة تقول : ممنوع اللعب بعربات الامتعة.

    هكذا : لا يزال هناك بشر يغنون , وبشر يلعبون .


    (9)

    نافذة على الدكتاتوريات اللامرئية

    الأم المضحية تمارس دكتاتورية العبودية .

    الصديق الموسوس يمارس ديكتاتورية أعمال المعروف .

    الفضيلة تمارس ديكتاتورية الديون .

    الأسواق الحرة تسمح لنا أن نقبل الأسعار المفروضة علينا .

    حرية التعبير تسمح لنا أن نصغي لأولئك الذين يتحدثون باسمنا .

    الانتخابات الحرة تسمح لنا أن نختار المرق الذي نُطبخ به


    (11)

    أيام دائخة

    يتغذى يقيني على الشكوك، وثمة أيام أشعر فيها كأنني غريب في مونتيفيديو أو في أي مكان آخر. في تلك الأيام التي بلا شمس، وفي الليالي التي بلا قمر؛ لا أنتمي إلى أي مكان ولا أتعرف على نفسي في أي شيء أو أي شخص.
    لا تشبه الكلمات ما تشير إليه، ولا تتواشج مع أصواتها. عندئذ لا أكون حيث أكون. أغادر جسدي وأسافر بعيداً. لا أتجه إلى مكان محدد، ولا أرغب أن أكون مع أحد، حتى مع نفسي ولا يكون لي اسم أو رغبة باسم: عندئذ أفقد رغبتي في أن أنادي نفسي، أو يناديني أحد


    (12)

    العنب والخمر.

    على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً:
    "إن العنب مصنوع من الخمر."
    هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن.


    (13)

    ثفافة الارهاب

    الاستعمار الواضح يبترك دون تنكر، يمنعك من الكلام،ومن الفعل، أو من الوجود.

    أما الاستعمار اللامرئي، على أي حال، يقنعك أن القنانة هي قدرك والعجز طبيعتك، يقنعك أنه ليس

    من الممكن الكلام، وليس من الممكن الفعل، وليس من الممكن الوجود .

    http://www.harb-net.com/vb/mjals/t91832/
                  

06-05-2014, 12:24 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادة ما كانوا يسألونني كيف استطاعت تلك الصداقة أن تنجح في هذا الزمن andquot;البائسandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    أعتذر منك إبراهيم أخي. كان يكفي أن أقول لمن هم في علو باعك "إدواردو غاليانو". يقيني تاليا أن قدميك المتدربتين جيدا على السير عبر دروب البحث تدركان ما يتوجب القيام به. لكنك في بعض الحالات تدرك أن إنتاج معرفة ما آخر ما يمكنك السعي إليه. هل وضعت لتوي أولوية التنوير بكلمات إيحائية?. وكنت محظوظا. إذ تعرفت على إدواردو غاليانو في منتصف عقد الثمانينيات تقريبا عبر ما تنشره الكرمل من نصوص مترجمة تتخذ شكل الملفات إن لم تخن الذاكرة. هكذا, جنبا إلى جنب رامبو وراينر ماريا ريلكه. وأذكر أنني كنت أقوم بشراء نسخ إضافية من بعض كتبه أثناء زيارتي الأخيرة إلى القاهرة للتبشير بها وسط أصدقاء وصديقات هناك. كانوا يدهشون لوقوعهم العريق في فخ الغواية (الكتابة) من دون أن يكونوا قد سمعوا وساوس هذا الشيطان مرة. وأعتبره جنبا إلى جنب خارمس وآخرين من القلة التي نجحت بتفوق في رسم معالم السرد مستقبلا بأكثر من كتاب عظام من شاكلة ماركيز. أنا هنا أتحدث عن أهمية تكثيف التجربة الإنسانية بأقل قدر ممكن من الكلمات في عصر لا تميزه مسألة تزايد وتيرة السرعة فحسب بل كذلك مسألة تصاعد الشكوك في مدى الحاجة إلى قراءة الأدب نفسه بموازاة ما ظلت تقدمه لنا منجزات الثورة العلمية الثالثة من اشباعات كانت في الماضي حكرا لأشكال فنية وجمالية تقليدية. وكما أعجبني تطويرك ل"منطق الهراوة", أعود فأذكر أن جماليات نصوص إدواردو غاليانو, تتجاوز قدرته الاستثنائية الفذة على تلخيص التجربة الفردية والجمعية, إلى ما هو متعلق بمقدرة فائقة على اكتشاف شاعرية اليومي والعادي والمغرق في المألوف, عوضا عن صياغاته الجماليه المدهشة التي تعيد رواية التاريخ محررا من تكريس الرسمي وخبث السلطة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de