|
تعيين الولاة....... وحده لا يكفي!
|
تعيين الولاة....... وحده لا يكفي!
على الرغم من المبررات الكثيرة التي قدمت لتجربة الحكم اللامركزي، مثل قولهم إنه يقصّر الظل الإداري ويجعل السلطة المحلية في يد المواطن، إلا إنني لم أكن في يوم من الأيام متحمساً لهذه التجربة التي ثبت فشلها؛ حتى أن الحكومة الآن تسعى لتصحيح مسارها بطريقة فوقية قد تزيد الوضع تعقيداً وسوءاً؛ إذ تعتزم رئاسة الجمهورية تعيين الولاة بدلاً من الانتخاب! إلا إن تجربة الحكم اللامركزي قد أدت إلى إفرازات يصعب تلافيها بمجرد تعيين الولاة، فهذا ليس هو الحل بل يجب إعادة النظر في الوضع برمته من حيث القوانين والتكلفة ومدى صلاحيته للتطبيق في مجتمع غارق في القبلية والجهوية حتى "شوشة رأسه". في واقع الأمر هنالك مشكلة كبيرة ناتجة عن تطبيق تجربة الحكم اللامركزي، يقر بها الجميع، تتمثل في بروز مراكز قوة ومجموعات ضغط ومصالح وجيوش لا حصر لها من أصحاب المناصب الدستورية يستنفدون معظم الموارد المحلية والولائية وهذا مفهوم وظاهر للعيان؛ ولو أن ما أنفق وينفق على هؤلاء قد وجّه للتنمية لما اشتكى أحد من سوء الأوضاع المعيشية والبطالة. من جانب آخر، بالفعل تسبب نظام الحكم اللامركزي في إحياء القبلية والجهوية والعصبية وكل هذا بغيضٌ ومنهيٌ عنه، لأن عواقبه وخيمة ولا يزيد الناس إلا تفرقاً ويجعل التنمية مرهونة بالعلاقات الشخصية والنفوذ خاصة من جانب الذين يشغلون المناصب الدستورية! بيد أن هنالك تجارب مشرقة وأشخاص مخلصون قدموا مشاريع قابلة للتنفيذ وأفادوا مناطقهم وأهليهم وقد نتطرق لذلك لاحقاً. ومن أجل تصحيح هذا الوضع المتأزم لا يكفي فقط تعيين الولاة مع الإبقاء على كل تلك التركة المتراكمة من المؤسسات الولائية التي لا تخدم غرضاً بل تجب إعادة النظر في كل ما يرتبط بها من هيئات وميزانيات مقدرة ومخصصات وامتيازات وأنظمة ومفوضيات ومحليات وإداريات ووظائف قصد منها الترضيات والمعالجات وغيرها من المسميات المبتدعة التي أرهقت كاهل المواطن والموازنة العامة وفتحت شهية كثير من الذين يتطلعون لكراسي السلطة دون أدني مؤهل مهني أو أخلاقي ولكن يعتمدون على مدى قربهم من فلان أو علان، بل صار أقصر الطرق، لتحقيق الرغبة في السلطة، هو أن تحمل السلاح ولو لشهر واحد وتوقع اتفاقية سلام مع الحكومة ومن ثم تضمن مركز متقدم في المقاعد الدستورية عبر الموازنات والتعيينات التي تتم من أجل المجاملة وسد الذرائع! من المعلوم أن السودان لديه تجربة طويلة في نظام الحكم المحلي امتدت لسنين عدداً وأثبتت نجاحها وبتكلفة محدودة جداً تناسب ظروف السودان الاقتصادية الراهنة، وبما أن الحكمة ضالة المؤمن وحيثما وجدها فهو أولى الناس بها، لماذا لا نعود لذلك النظام مع قليل من التعديلات التي تبعده عن تسييس الخدمة المدنية وبالتالي يسند الشأن الإداري لأشخاص من ذوي الكفاءة والقدرة ويكونون محاسبين لدى الأجهزة الإدارية العليا في ديوان شئون الخدمة بكل شفافية ووفق معايير نظامية وقانونية محكمة ودقيقة وقابلة للتطبيق على كل كبير وصغير في السلك الإداري؟ مع تأكيد هيمنة المركز على تحركات كبار المسئولين مثلما كان الوضع سابقاً؛ وبهذا نتفادى مشكلة القبضة القبلية والجهوية والقابلية للفساد والإفساد واستغلال النفوذ والوظيفة لتحقيق مصالح ذاتية. وكما هو مشاهد الآن فإن الوالي يكون هو رئيس الحزب ورئيس لجنة الأمن وربما وزير المالية والتنمية العمرانية وهذا في حد ذاته تركيز مخل للسلطات في يد شخص واحد، ومدعاة لتمحور المنتفعين وأصحاب الأهواء حوله، مثلما حدث في كثير من ولايات السودان؛ فتصبح أجهزة إعلام الولاية تسبح بحمد الوالي وتمجده وتنسب إليه ما أنجز وما لم ينجز ولعلكم تعلمون خطورة ذلك! عموماً، إن مبدأ الحكم اللامركزي لم يبنَ على فكرة الولايات، بل على أساس الحكم الإقليمي وهنالك فرق شاسع بين الاثنين؛ إذ إن الحاكم على الإقليم قد يكون مسئولاً عن أكثر من ولاية واحدة. علاوة على ذلك، فإن الحاكم الإقليمي من المفترض أن ينتخب من قبل البرلمان الاتحادي في منافسة مفتوحة بين أصحاب الكفاءات الإدارية المقتدرة من حملة المؤهلات المهنية والعلمية والخبرات الإدارية المعتمدة. وبهذه الطريقة يمكن استبعاد القبلية والجهوية نهائياً؛ خاصة إذا علمنا أن الوالي سيكون محاسباً من قبل البرلمان الاتحادي. من ناحية أخرى، ينبغي تكوين مجالس أمناء وليست مجالس تشريعية في الولايات؛ على أن يتم اختيار أعضائها من ذوي الكفاءة والصلة بالمنطقة أو الإقليم وفق آلية محددة! ولكي نضمن نزاهة الممارسة، يجب أن تكون هنالك رقابة، على المال العام الذي يرد إلى الولايات وكافة مستويات الحكم، من خارج الولاية أو المحلية المعنية، كما ينبغي أن يضع كل مسئول خطة مدروسة لما ينوي تنفيذه من مشاريع وفق معايير متفق عليها. وباختصار لابد من مراجعة تجربة الحكم اللامركزي من كل جوانبها الإدارية والقانونية والمالية والأمنية والاجتماعية ومن بعد ذلك نحدد انتخاب الولاة أو تعيينهم، ونضع الحلول الناجعة لما اعتور التجربة من مشكلات.
|
|
|
|
|
|