|
بـل أنت تعيش سبارتاكوس .. بحثاً عن ميثاق للتعايش في بلاد السودان
|
بـل أنت تعيش سبارتاكوس بحثاً عن ميثاق للتعايش في بلاد السودان...
ليس من باب الحلم أن أرغب _ و يقيني أن غيري كثيرون_ في فتح باب مواجهة الماضي القريب قبل البعيد. إذ أنني اعتقد أنه من المستحيل على الدوام تجاهل الماضي او التغاضي عنه خصوصاً أذما تعلق بإحداث اجتماعية اقترب عهدها و قصر امدها في درب الزمان، لأنه ببساطة يطفو حيناً بعد حين على السطح لينفجر و يثور بغليان الذاكرة من اثر نيران الغبن. الشئ الذي قد يدفع بالإنسان في درب اللا معقول أو غير المقبول في اطار العقد الاجتماعي للدولة.
و غير ذلك يبقى معلقاً على الدوام في ضمائر البشر ذلك الواجب الأخلاقي في مواجهة الماضي، بحثاً عن حقوق آخرين ربما ضل سبيلهم لوعورة الدرب او قل ماعونهم عن زاد مثل هذا الطريق. و هذا الواجب الأخلاقي لن يرضي ذلك الكائن المزعج المسمى بالضمير في دواخل البشر فحسب لكن غير ذلك فانه يقف حائلاً و سداً منيعاً أمام تكرار ماسي الماضي و مهازله ، فالتاريخ يعيد نفسه على شكل مأساة ثم ملهاة تراجيكوميدية عندما يتجاهله بني البشر و يكون رسم الدخول اليها سيولٌ من الدماء و الدموع و أحمالٌ من الأحزان و التعاسة. و في وطن يسعى أو يحلم أبناءه باليات تحول سلمي نحو مجتمع مدني معافى بعد أن عانى ما عانى من فصول الاستبداد السياسي و الاجتماعي و العرقي و الطبقي في إطار مثلث بغيض للتمييز ألاثني، الديني و الاقتصادي، كل ذلك و ما أنتجه ما انتهاكات صارخة لحقوق الانسان الطبيعية في الحياة و لا اقصد هنا ذلك الحق الجميل في الحياة الكريمة فحسب بل و حتى في ممارسة فعل الحياة المباشر فحسب في احيان كثيرة يحتاج الي الكثير من الجهد و التسامي و الشجاعة لمواجهته بصورة مباشرة و فعلية و مرضية للنفس قبل الاخرين من قبل القائمين على أمر هذا التحول و من المنتهِكين في أحيان أخرى كثيرة. و لا يغيب عن البال ذلك الطريق الوعر الذي يستلزم أن يقطعه المنتَهكون حقوقهم بادئ الأمر لتقبل مثل هذه المعادلات التي بالضرورة قد لا توفي حقهم المسلوب بالكامل و احياناً يصبح ذلك خارج قدرة بني البشر على اجتماع إراداتهم. أنني أكتب و في البال تمر صور لكثير من الحوادث التي انتهكت فيها حقوق و امتهنت فيها كرامات وصلت حد الحرمان من الحياة في الحقبتين الأخيرتين من الزمان، و ألامها لم تزل حية و نيرانها لا تزال تحرق الحشا و عبثية عدم القدرة على التصرف لا تزال تسخر منا. لكن الهدف من طرح مثل هذا الخطاب السياسي بشكله المباشر لن يكون بأي حال من الأحوال هو السعي لمصالحة الجناة أو التعايش مع جرائمهم بأي من الصور بقدر ما سيكون محاولة لخلق مؤسسات دستورية و قانونية تملك القدر على جبر الضرر و لو بصورة منقوصة أو رمزية. قد يكفي في كثير من الأحيان الاعتراف الرسمي بما جرى في الماضي و تقديم المتسببين المباشرين فيه بصورة علنية. يكفي ذلك التشجيع للذاكرة الجمعية و أحياء التضامن الاجتماعي مع الضحايا و المتأثرين أكثر من التعويض المادي الذي قد يفهم بصورته الفجة انه تعويض كامل عن معاناة الماضي و ألامه. أن خلق القناعات بضرورة الإيمان في العدالة و قيمها التصالحية يفوق أهميةً و أثراً تلك الذاتية المتنطعة الجبانة لدى الجناة و تلك الرغبة الحارقة في الثأر لدى الضحايا و ذويهم، فكل ذلك يتولد و ينمو من عدم التعامل مع الماضي و محاولات الهروب منه. كلما كان هناك ضرر قد وقع فالذي ينبغي جبره و لذلك أن يأخذ اشكالاً كثيرة لكن كلها تبدأ بمواجهته و الاعتراف به. و لن ينفع هنا منهج (طغاة الأرض جهزنا نهايتهم) و لن يجدي أيضاً منهج ( عفا الله عما سلف) فكلاهما بائس و عاجز و غير قابل للتطبيق.
و دوماً ترد الي ذهني ابيات الشاعر طارق الأمين عندما اصل بتفكيري الي هذه النقطة أن ( ( للسلم حياتي... السلم حقيقة و السلم قضية، من حول العالم في كل دقيقة مانيدلا ، فيفا ، بابلو نيرودا دانييل اورتيغا ... لي روح الثورة اجلال و تحية لي عبد الخالق الشمس الحية... لليندي و هاشم ... لي شهدي عطية للبمهر دمو و عشقو الحرية للينزف دمو و شغال و وردية للبينزل عرقو وماسك الطورية ) و تغالبني نفسي أن أضيف عدة أسماء تتوارد على الخاطر تبدأ بعلي فضل و التاية و محمد عبد السلام و لا تنتهي بمعتصم ابو العاص. و عسى أن تسجل دماءهم جميعاً و دماء الاخرين بدء فصل جديد في كتاب الحياة في السودان.
|
|
|
|
|
|